تفسير سورة الحجرات

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الحجرات مدنية
وهي ثماني عشر آية وفيها ركوعان

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾ أي : لا تتقدموا بين يدي أمرهما ونهيهما، ولا تقطعوا أمرا قبل حكمهما به ؛ بل كونوا تابعين لأمر الله تعالى، ورسوله، يقال : تقدم بين يدي أمه وأبيه أي : عجل بالأمر والنهي دونهما، فهو لازم، وقراءة " لا تقدموا " بفتح التاء يؤيده، أو المفعول محذوف أي : أمرا عن ابن عباس- رضي الله عنهما- لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، ﴿ واتقوا الله ﴾ : في التقدم، ﴿ إن الله سميع ﴾ : لأقوالكم، ﴿ عليم ﴾ : بأحوالكم،
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ : لا تجاوزوا أصواتكم عن صوته، ﴿ ولا تجهروا١ له بالقول ﴾ : جهرا، ﴿ كجهر بعضكم لبعض ﴾، بل اجعلوا أصواتكم معه أخفض من أصوات بعضكم من بعض، أو لا تخاطبوه باسمه وكنيته، بل خاطبوه بالنبي والرسول، كقوله ﴿ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ﴾ [ النور : ٦٣ ] نزلت في أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- حين تماريا في محضر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى ارتفعت أصواتهما، فكان أبو بكر وعمر بعد ذلك يسرّانه٢، ﴿ أن تحبط٣ أي : كراهة أو خشية أن تحبط، ﴿ أعمالكم أنتم لا تشعرون ﴾ بحبطها، وفي الصحيح " إن الرجل ليتكم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يكتب له بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " ٤ وقد مر،
١ لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة- وتأبه الرجل أي: تكبر/١٢ صراح- النبوة وجلال مقدارها/١٢ منه..
٢ أخرجه البخاري وغيره..
٣ فقوله:﴿أن تحبط﴾ مفعول له للا تجهروا بتقدير مضاف، والفعل المنهي معلل، وجاز أن يكون بعض المعاصي محبطا للطاعات، وأما عند المعتزلة، فجميع الكبائر محبط كالكفر، والعلماء صرحوا بكراهة رفع الصوت عند قبره الأطهر/١٢ وجيز.
وفي المنهية يعني العلة الباعثة في عدم الجهر كراهة الحبطة أو خشيتها، وقيل: معناه الجهر الذي غايته الحبطة لا يصدر عنكم فعلى هذا الفعل المعلل منهي، وعلى ما في الكتب الفعل المنهي معلل/١٢..

٤ أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا..
﴿ إن الذين يغضون ﴾ : يخفضون، ﴿ أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ﴾ : أخلصها، فلم يبق لغير التقوى فيها حق يقال : امتحن الذهب إذا أذابه وأخرج خبثه، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن لأجل حصول التقوى، أو كناية عن صبرهم، وثباتهم على التقوى التي جربها ومرنها عليها، ﴿ لهم مغفرة ﴾ : عظيمة، ﴿ وأجر عظيم ﴾، الجملة خبر ثان لأن أو استئناف،
﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات١ أي : من جهة وراء حجرات نسائه، ﴿ أكثرهم لا يعقلون٢ إذ العقل يقتضي الأدب سيما مع مثله،
١ أنكر عليهم أنهم نادوه من البر، والخارج مناداة الأجلاف بعضهم لبعض من غير قصد إلى جهة دون جهة/١٢ منه..
٢ وفيه دليل أن فيهم عقلاء قال صاحب البحر: ونعم ما قال كلام من قال القلة تقع موقع النفي في كلامهم، فيمكن أن يكون القصد نفي أن يكون فيهم من يعقل نحو﴿قليل من عبادي الشكور﴾[سبأ: ١٣] ليس بشيء فإن الحكم بقلة العقلاء مفهوم الآية لا منطوقها، والنفي المحض إما هو من صريح لفظ التقليل لا من المفهوم، بل يحتمل قوله:﴿لكن أكثر الناس لا يشكرون﴾[البقرة: ٢٤٣] على النفي المحض للشكر/١٢ وجيز..
﴿ ولو أنهم صبروا ﴾ : لو ثبت صبرهم، ﴿ حتى تخرج إليهم لكان ﴾ : الصبر، ﴿ خيرا لهم ﴾ : من الاستعجال، ﴿ والله غفور رحيم ﴾، حيث يقتصر على النصح لمسيء الأدب، ولو تاب ليغفره نزلت في وفد بنى تميم أتوا وقت الظهيرة، ونادوا على الباب حتى استيقظوه، وقالوا : يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحنا زين، وذمنا شين١، أو في وفد بني العنبر حين سبيت ذراريهم، وأتى بهم فجاء رجالهم يفدون الذراري، وقدموا وقت الظهيرة، فجعلوا يصيحون، وينادون : يا محمد أخرج إلينا حتى أيقظوه،
١ أخرجه بنحوه الترمذي عن البراء بن عازب مرفوعا، وانظر صحيح سننه (٢٦٠٥)..
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ﴾ : تفحصوا صدقه، وقراءة " فتثبتوا " معناه توقفوا إلى أن يتبين الأمر ﴿ أن تصيبوا ﴾ أي : كراهة إصابتكم، ﴿ قوما ﴾ : براء، ﴿ بجهالة ﴾ : جاهلين بحالهم، ﴿ فتصبحوا١ على ما فعلتم نادمين ﴾، نزلت في الوليد بن عقبة بعث إلى بني المصطلق لأخذ زكاتهم، فرجع من الطريق لخوف منهم للعداوة التي بينه وبينهم في الجاهلية، وقال : إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتلي، فقصد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يغزوهم فجاء وفد منهم وكذبوه٢،
١ أي: تصيروا اعتبر بالإصباح، لأن أشنع الذم ما استقبل في الصباح/١٢ وجيز..
٢ ذكره الهيثمي في "المجمع" (٧/١٠٨-١٠٩) وقال:" رواه أحمد والطبراني، رجال أحمد ثقات". وجود إسناده السيوطي كما في الدر المنثور(٦/٩١)..
﴿ واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم١ أي : واعلموا أن فيكم لا في غيركم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حال لو أطاعكم في كثير من آرائكم لوقعتم في جهد ومصيبة نزلهم منزلة من لا يعلم أنه بين أظهرهم، وجملة " لو يطيعكم " حال إما من الضمير المستتر، أو البارز في " فيكم " ﴿ ولكن الله حبب٢ إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق٣ والعصيان٤، ولذلك تطيعونه أنتم لا هو يطيعكم، فلا توقعون في عنت، ﴿ أولئك هم الراشدون ﴾، وعن بعض المفسرين : إن قوله " ولكن الله " استثناء لقوم آخرين صفتهم غير صفتهم، كأنه قال فيكم الرسول على حال يجب تغييرها، وهي إرادتكم أن يتبعكم، ولو فعل لعنتم، ولكن بعضهم الموصفين بأن الله تعالى زين الإيمان في قلوبهم لا يريدون أن يتبعهم أولئك هم الذين أصابوا طريق السوى، وعن بعضهم : إن معناه إن فيكم الرسول فعظموه، ولا تقولوا له باطلا، ثم لما قال ما دل على أنهم جاهلون بمكانه مفرطون فيما يجب من تعظيم شأنه اتجه لهم أن يسألوا ماذا فعلنا حتى نسبنا إلى التفريط، وماذا ينتج من المضرة فأجاب إنكم تريدون أن يتبعكم، ولو اتبعكم لعنتم، فعلى هذا جملة " لو يطيعكم " استئنافية،
١ عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية، وقال: هذا نبيكم يوحى إليه، وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا، فكيف بكم اليوم؟! أخرجه الترمذي: وقال حديث حسن صحيح غريب [صحيح الإسناد، وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٦٠٧)] /١٢ فتح..
٢ كما تقول زيد لو يطيعك لما كان عالما؛ لكن هو رجل ذو لب عليم، فعلى هذا قوله ولكن استدراك وقع موقعه/١٢ وجيز منه..
٣ الكبائر/١٢ وجيز..
٤ الصغائر/١٢ وجيز..
﴿ فضلا من الله ونعمة ﴾ نصب على أنه مفعول له لحبب، أو لكره أو مفعول مطلق لهما فإن التحبيب فضل، ﴿ والله عليم حكيم ﴾
﴿ وإن طائفتان١ من المؤمنين اقتتلوا٢ : تقاتلوا، ﴿ فأصلحوا بينهما ﴾ : بالنصح نزلت حين قال رجل من الأنصار٣ : والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك، في جواب عبد الله بن أبي حين قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو راكب الحمار : إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فاستبا، فتقاتل الصحابة قوم ابن أبيّ، بالجريد، والنعال، أو في الأوس، والخزرج لما بينهما من القتال بالسعف٤ أو في رجلين من الأنصار تقاتلا بالنعال، ﴿ فإن بغت ﴾ : تعدت، ﴿ إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي ﴾ : الطائفة التي صدرت منها البغي، ﴿ حتى تفيء ﴾ : ترجع، ﴿ إلى أمر الله ﴾ : حكمه، ﴿ فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ﴾، قيد بالعدل هاهنا لأنه مظنة الحيف لما أنه بعد المقابلة٥، ﴿ وأقسطوا٦ : اعدلوا في الأمور، ﴿ إن الله يحب المقسطين ﴾
١ ولما كانت النميمة ونقل الأخبار الباطلة ربما جرت فتنا أو صلة إلى القتال أعقب طريق الحكمة في رفعه، فقال:﴿وإن طائفتان﴾ الآية/١٢ وجيز..
٢ لما كانت الطائفتان في معنى القوم، والناس جمع الضمير، وقال: اقتتلوا، والقياس اقتتلتا، فهو محمول على المعنى /١٢ منه..
٣ كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما/١٢ فتح..
٤ لا بالسيف قيل: ابن سلول أوسي، وذلك الصحابي خزرجي، فهذه هي الأولى لا أنه سبب آخر للنزول/١٢ منه..
٥ يعني الناصح المصلح لما تقاتل مع الباغي ربما أثار غضبه، فحين الإصلاح لا يراعي العدل، ويحيف على أحد الطائفتين إن قاتلها، فلهذا قيده هاهنا بالعدل دون الأول/ منه..
٦ والقسط بفتح القاف الجور، وبكسرها العدل/١٢ وجيز..
﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾ : من حيث الدين، ﴿ فأصلحوا بين أخويكم ﴾، عدل من بينهم إلى بين أخويكم للدلالة على أن المصالحة بين الجماعة أوكد وأوجب إذا لزمت بين الأقل، فبين الأكثر ألزم، ﴿ واتقوا الله لعلكم ترحمون ﴾.
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ﴾، القول للرجال خاصة١، ﴿ عسى أن يكونوا ﴾ : المسخور بهم، ﴿ خيرا منهم ﴾ : من الساخرين استئناف علة للنهي، واكتفى " عسى " بالإسم عن الخبر، ﴿ ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ﴾ : عند الله، ﴿ ولا تلمزوا أنفسكم ﴾ : لا يعب بعضكم بعضا، وإن عيب أخيه عيب نفسه، أو لأن المؤمنين كنفس واحدة، واللمز الطعن باللسان، ﴿ ولا تنابزوا٢ بالألقاب ﴾ : لا يدعوا بعضكم بعضا باللقب السوء والنبز مختص باللقب السوء عرفا، ﴿ بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ﴾ يعني : إن السخرية واللمز والتنابز فسوق، وبئس الذكر الذي هو الفسوق بعد الإيمان يعني : لا ينبغي أن يجتمعا، فإن الإيمان يأبى الفسوق، أو كان في شتائمهم، يا يهودي، يا فاسق، لمن أسلم فنهوا عنه، وقال : بئس تشهير الناس بفسق كانوا فيه بعدما اتصفوا بضده، ﴿ ومن لم يتب ﴾ : عما نهى عنه، ﴿ فأولئك هم الظالمون ﴾
١ كما قال زهير: أقوم آل حصن أم نساء؟/١٢ منه..
٢ والتنابز بالألقاب عادات أهل الجاهلية، وبئس الصفة، والذكر الذي هو الفسوق بعد الإيمان يقال: طار اسمه في الناس أي: ذكره/١٢ منه..
﴿ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ﴾ : وهو ظن السوء بأخيك المسلم، ﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ : فكونوا على حذر حتى لا توقعوا فيه، ﴿ ولا تجسسوا ﴾ : لا تبحثوا عن عورات المسلمين ومعايبهم، ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا ﴾، والغيبة ذكرك أخاك بما يكره، مع أنه فيه، فإن لمن يكن فيه، فبهتان، ﴿ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ﴾، تمثيل لما ينال من عرضه على أفحش وجه، ﴿ ميتا ﴾، حال من اللحم، أو الأخ، ﴿ فكرهتموه ﴾، الفاء فصيحة١ أي : إن عرض عليكم هذا فقد كرهتموه، فهو تقرير وتحقيق للأول، ﴿ واتقوا الله إن الله تواب ﴾ : بليغ في قبول التوبة، ﴿ رحيم٢، روى الإمام أحمد، والبيهقي أنه قيل : يا رسول الله فلانة وفلانة صائمتان وقد بلغتا الجهد، فقال :" ادعها "، فقال لإحداهما :" قيئ "، فقاءت لحما ودما عبيطا وقيحا، وللأخرى مثل ذلك، ثم قال عليه الصلاة والسلام إن هؤلاء٣ صامتا عما أحل الله، وأفطرتا عما حرم الله عليهما أتت إحداهما للأخرى، فلم تزالا تأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا " ٤
١ وفي هذا الفاء معنى الشرط نحو: فقد جئنا خراسانا، فلذلك قدرنا الشرط/١٢ منه..
٢ ولما منع عن الأذى بكل وجه أعقبه بأن الكل متساوون في النسب متشاركون في الجد والجدة فالكل كواحد، فقال: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم﴾ الآية/١٢..
٣ هكذا بالأصل، وعند الإمام أحمد: "إن هاتين".
٤ أخرجه أحمد (٥/٤٣١) بسند فيه مجهول، وانظر الضعيفة..
﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ﴾ : آدم وحواء فأنتم متساون في النسب، فلا تفاخروا به، ﴿ وجعلناكم شعوبا ﴾، الشعب بالفتح رءوس القبائل، والطبقة الأولى، والقبائل تشعبت منه، ﴿ وقبائل ﴾، هي دون الشعب كتميم من مضر، ﴿ لتعارفوا ﴾ : ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر، و في الحديث١ " لتعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل "، ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾، بين الخصلة٢ التي بها فضل الإنسان غيره، ﴿ إن الله عليم خبير٣ : ببواطنكم في الحديث٤ " لينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان " ومن ذلك ذهب من ذهب إلى أن الكفاءة في النكاح لا يشترط سوى الدين،
١ رواه الترمذي/١٢ وجيز..
٢ يعني إن أكرمكم عند الله مستأنفة كأنه لما قال ليس التشعب والقبائل للتفاخر قيل، فبأي شيء التفاخر ومن الذي يستحق المفخرة؟ فقيل: من هو أتقى الله وأخشى له/١٢ منه..
٣ ولما أمر الله بإجلال نبيه، ونهى عن أذاه في نفسه وأمته وأخبر بأنه خبير يعلم ما في صدوركم فما الخلاص من سخطه إلا بالتقوى والإخلاص أعقبه بالذي ينجي، وهو التقوى، فقال:﴿قالت الأعراب آمنا﴾ الآية /١٢وجيز..
٤ في مسند أبي بكر البزار [وأخرجه الترمذي أيضا بنحوه، وانظر صحيح الجامع (٥٤٨٢)]/ ١٢ منه..
﴿ قالت الأعراب آمنا ﴾، قيل : نزلت١ في قوم منافقين أظهروا الإيمان لأن يعطوا الصدقة، ﴿ قل لو تؤمنوا ﴾ : يعني كذبتم٢، ﴿ ولكن قولوا أسلمنا ﴾، فإن الإسلام انقياد وإظهار للتوحيد، ﴿ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾، حال من فاعل قولوا كأنه قال، لا تقولوا آمنا ؛ بل قولوا حال كون قلوبكم لم يواطىء ألسنتكم أسلمنا، وزيادة ما في لم لمعنى التوقع، فأن هؤلاء قد آمنوا بعد، ﴿ وإن تطيعوا الله ورسوله ﴾ : سرا وعلانية، ﴿ لا يلتكم ﴾ : لا ينقصكم، ﴿ من أعمالكم ﴾ : من جزاءها، ﴿ شيئا إن الله غفور رحيم ﴾، وعن ابن عباس، والنخعي، وقتادة، واختاره ابن جرير : إن هؤلاء الأعراب ليسوا منافقين، لكن مسلمين ادعوا لأنفسهم أول ما دخلوا في الإسلام مقام الإيمان الذي هو أعلى من الإسلام، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم، فأدبهم الله، وأعلمهم أن ذلك مرتبة تتوقع منهم، ولم يصلوا إليها بعد،
١ ذكرنا سبب النزول بقيل مع أن البخاري ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين، لأن الأكثرين من السلف صرحوا بخلافه كما بينا في آخر الآية/١٢ منه..
٢ عبر عن كذبتم بقوله: ﴿لم تؤمنوا﴾ لأنه ما أراد أن يكافحهم بنسبة الكذب وفيه تعليم وأدب حسن/١٢ منه..
﴿ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا١ : لم يشكوا في الرسالة، وثم للتراخي الزماني أي : آمنوا، ثم لم تحدث ريبة كما تحدث للضعفاء بعد زمان، أو للتراخي الرتبي، ﴿ وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ﴾ : في ادعاء الإيمان،
١ بتشكيك مشكك من إنس وجن/١٢ وجيز..
﴿ قل أتعلمون الله بدينكم ﴾ : أتخبرون الله به بقولكم :" آمنا "، ﴿ والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ﴾
﴿ يمنون عليك أن أسلموا ﴾ أي : بأن أسلموا نزلت١ في بني أسد حين قالوا : يا رسول الله أسلمنا، وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، ﴿ قل لا تمنوا علي إسلامكم ﴾ أي : بإسلامكم، فنزع الخافض، أو منصوب بتضمين الاعتداد أي : لا تعتدّوا على إسلامكم، ﴿ بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ﴾ : في ادعاء الإيمان أولا نفى الإيمان عنهم وأثبت الإسلام، وأنكر منتهم عليه بالإسلام، ثم قال : بل لو صح ادعاؤهم الإيمان الذين هو أعلى من الإسلام فلله المنة عليهم بالهداية٢ له،
١ ذكره الحافظ أبو بكر البزار [وكذا ذكره الهيثمي في "المجمع:" (٧/١١٢) وقال: " رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه الحجاج بن أرطاة وهو ثقة ولكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح"] /١٢ منه..
٢ اعلم أن هذا التوجيه يصح إذا كان قائل آمنا والمان على رسول الله إسلامه قوما واحدا، وهو كذلك، فإن الشيخ أبا الفداء عماد الدين بن كثير نقل في تفسيره عن مجاهد أن الأعراب الذين قالوا آمنا بنو أسد، وقوله:﴿يمنون عليك أن أسلموا﴾ أنزل فيهم، وقد ذهب البخاري، وبعض المفسرين: إن هؤلاء الأعراب منافقون/١٢ وجيز. وكذا في المنهية..
﴿ إن الله يعلم غيب السماوات والأرض ﴾ : ما غاب فيهما، ﴿ والله بصير بما تعملون ﴾ : فكيف يخفى عليه دينكم ؟ !
والحمد لله والمنة.
Icon