تفسير سورة الحشر

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الحشر من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الحشر وهي مدنية كلها.

قَوْله: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ فِي نقمته ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره
﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّل الْحَشْر﴾ يَعْنِي: الشَّام، وَهِي أَرض الْمَحْشَر ﴿مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا﴾ يَقُول: مَا ظننتم أَن يحكم اللَّه عَلَيْهِم بِأَن يجلوا إِلَى الشَّام ﴿وظنوا﴾ ظن بَنو النَّضِير ﴿أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حصونهم من الله﴾ أَي: لم يَكُونُوا يحتسبون أَن يخرجُوا من دِيَارهمْ وَمن حصونهم ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ: " لمَّا أُمِر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسَّيْر إِلَى بني النَّضِير، فَبَلغهُمْ ذَلِك خرّبوا الْأَزِقَّة، وحصّنوا الدّور، فَأَتَاهُم رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَقَاتلهُمْ إِحْدَى وَعشْرين لَيْلَة، كلما ظهر على دَار من دُورهمْ أَو درب من دروبهمْ هَدمه ليتّسع المقاتِلُ، وَجعلُوا ينقبون دُورهمْ من أَدْبَارها إِلَى الدَّار الَّتِي تَلِيهَا، ويرمون
365
أَصْحَاب رَسُول الله بنقضها، فَلَمَّا يَئسوا من نَصْرِ الْمُنَافِقين، وَذَلِكَ أَن الْمُنَافِقين كَانُوا وعدوهم إِن قَاتلهم النَّبِي أَن ينصروهم فَلَمَّا يئسوا من نَصرهم سَأَلُوا نَبِي الله الصُّلْح، فَأبى عَلَيْهِم إِلَّا أَن يخرجُوا من الْمَدِينَة، فَصَالحهُمْ على أَن يجليهم إِلَى الشَّام على أنّ لَهُم أَن يحمل أهْلُ كل ثَلَاثَة أَبْيَات على بعير مَا شَاءُوا من طَعَام وسقاء، ولنبي الله وَأَصْحَابه مَا فضل فَفَعَلُوا ".
﴿فَاعْتَبِرُوا﴾ فتفكروا ﴿يَا أولي الْأَبْصَار﴾ يَعْنِي: الْعُقُول وهم الْمُؤْمِنُونَ
366
﴿وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجلاء لعذبهم﴾ لَوْلَا أنّ اللَّه حكم عَلَيْهِم بالجلاء إِلَى الشَّام لعذّبهم فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ والسَّبْي.
قَالَ محمدٌ: يُقَال جَلَوْا من أرضهمْ وأجْلَيْتُهم وجَلَوتُهم أَيْضا.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ عَادوا الله وَرَسُوله.
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ٥ إِلَى آيَة ٦.
﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا﴾ الْآيَة، قَوْله: ﴿فبإذن الله﴾ أَي: أَذِن لكم فِي ذَلِك، وَجعله إِلَيْكُم أَن تقطعوا أَو تتركوا فعقر رَسُول الله يومئذٍ من صنوف التَّمْر غير العَجْوة وَترك العجْوة. قَالَ عِكْرِمَة: كل مَا كَانَ دون العجْوة من النّخل فَهُوَ لينَة.
﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُم﴾ الْآيَة ظن الْمُسلمُونَ أَنه سيقسِمُه
366
بَينهم جَمِيعًا؛ فَقَالَ رَسُول الله للْأَنْصَار: إِن شِئْتُم أَن أقسم لكم وتقروا الْمُهَاجِرين مَعكُمْ فِي دُوركُمْ فعلتُ، وَإِن شئتُم عزلْتُهم وقسمْتُ لَهُم هَذِه الأَرْض وَالنَّخْل فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، بل أقرهم فِي دُورنَا، واقسْم لَهُم الأَرْض وَالنَّخْل. فَجَعلهَا النَّبِي للمهاجرين.
قَالَ محمدٌ: الإيجاف هُوَ من الوجيف، والوجيفُ دون التَّقْرِيب من السَّيْر يُقَال: وَجَفَ الفرسُ وأَوْجَفْتُه. والرِّكاب: الْإِبِل، وَالْمعْنَى: أَنه لَا شَيْء لكم فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ لرَسُول اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِصا يعْمل فِيهِ مَا أحبّ. وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ يحيى فِي معنى الْآيَة.
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ٧ إِلَى آيَة ٨.
367
﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ إِلَى قَوْله ﴿وَابْن السَّبِيل﴾ تَفْسِير قَتَادَة: لما نزلت هَذِه الْآيَة كَانَ الْفَيْء بَين هَؤُلَاءِ، فَلَمَّا نزلت الْآيَة فِي الْأَنْفَال (ل ٣٥٧) ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ﴾ نسخت الْآيَة الأولى فَجعل الْخمس لمن كَانَ لَهُ الْفَيْء، وَصَارَ مَا بَقِي من الْغَنِيمَة لمن قَاتل
367
عَلَيْهِ. قَوْله: ﴿كَيْلاَ يَكُونَ دُولَةً﴾ يَعْنِي الْفَيْء ﴿بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ فَلَا يكون للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِيهِ حق.
قَالَ مُحَمَّد: (دولة) من التداول أَي: يتداوله الأغنياءُ بَينهم.
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ نزلت فِي الْغَنِيمَة، ثمَّ صَارَت بعد فِي جَمِيع الدّين. قَالَ: ﴿وَمَا نهاكم عَنهُ﴾ من الْغلُول ﴿فَانْتَهوا﴾ وَهِي بعد فِي جَمِيع الدّين.
368
قَوْله: ﴿للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين﴾ أَي: وللفقراء، رَجَعَ إِلَى أول الْآيَة ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل﴾ وللفقراء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ أخرجهم الْمُشْركُونَ من مَكَّة ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ ورضوانا﴾ بِالْعَمَلِ الصَّالح ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هم الصادقون﴾ من قُلُوبهم.
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ٩ إِلَى آيَة ١٠.
﴿وَالَّذين﴾ أَي: وللذين، هُوَ تبعٌ للْكَلَام الأول (تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن
368
قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: الْأَنْصَار، وَقَوله: (تَبَوَّءُوا الدَّارَ) يَعْنِي: استوطنوا الْمَدِينَة، وَكَانَ إِيمَان الْأَنْصَار قبل أَن يُهَاجر إِلَيْهِم الْمُهَاجِرُونَ ﴿يُحِبُّونَ﴾ يَعْنِي: الْأَنْصَار ﴿مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا﴾ مِمَّا أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ يَعْنِي: مَا قُسِم للمهاجرين من بني النَّضِير ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
قَالَ أَبُو المتَوَكل النَّاجِي: " إِن رجلا من الْمُسلمين عَبر ثَلَاثَة أَيَّام صَائِما يُمْسِي فَلَا يجدُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَيُصْبِح صَائِما، حَتَّى فطن لَهُ رجلٌ من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: ثَابت بْن قَيْس، فَقَالَ لأَهله: إِنِّي أجيء اللَّيْلَة بضيف لي فَإِذا وضعْتم طَعَامكُمْ، فَليقمْ بعضُكم إِلَى السِّراج كَأَنَّهُ يصلحه، فيُطْفِئُه، ثمَّ اضربوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى الطَّعَام كأنكم تَأْكُلُونَ، وَلَا تَأْكُلُوا حَتَّى يشْبع ضيفنا. فَلَمَّا أمْسَى وضع أهلُه طعامهم، فَقَامَتْ امْرَأَته إِلَى السّراج كَأَنَّهَا تُصْلحه؛ فأطفأتْه ثمَّ جعلُوا يضْربُونَ بِأَيْدِيهِم إِلَى الطَّعَام، كَأَنَّهُمْ يَأْكُلُون وَلَا يَأْكُلُون، حَتَّى شبع ضيفهم، وَإِنَّمَا كَانَت خبْزَة هِيَ قُوتهم، فَلَمَّا أصبح ثَابت غَدا إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِي: يَا ثَابت لقد عجب اللَّه مِنْكُم البارحة وَمن ضيفكم، وأُنزلت فِيهِ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بهم خصَاصَة﴾ ﴿قَوْله﴾ (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} تَفْسِير سعيد بْن جُبَير: يَعْنِي: وُقِيَ إدخالَ الْحَرَام، ومَنْعَ الزَّكَاة.
يَحْيَى: عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدَّى الزَّكَاة
369
مَالِهِ، فَقَدْ أَعْطَى حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وَمَنْ زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ".
370
قَوْله: ﴿وَالَّذين﴾ أَي وللذين، هُوَ تبعٌ للْكَلَام الأول ﴿جَاءُوا من بعدهمْ﴾ يَعْنِي: بعد أَصْحَاب النَّبِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَلم يبْق أحدٌ إِلَّا وَله فِي هَذَا المَال حقٌّ أُعْطِيَهُ أَو مُنِعَه ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان﴾ هم أَصْحَاب النَّبِي ﴿وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبنَا غلا﴾ حسداً ﴿للَّذين آمنُوا﴾.
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ١١ إِلَى آيَة ١٤.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهل الْكتاب﴾ تَفْسِير الْحسن: يَعْنِي: قُرَيْظَة وَالنضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ
370
فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا} يَقُول المُنَافِقُونَ: لَا نطيع فِيكُم مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه ﴿وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾ فَأجلى رَسُول الله بني النَّضِير إِلَى الشَّام فَلم يخرجُوا مَعَهم، وَقتل قُرَيْظَة بعد ذَلِك بِحكم سعد بْن معَاذ، فَلم يقاتلوا مَعَهم.
371
﴿ لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون( ١٢ ) ﴾ فأجلى رسول الله بني النضير إلى الشام فلم يخرجوا معهم، وقتل قريظة بعد ذلك بحكم سعد بن معاذ، فلم يقاتلوا معهم.
قَوْله: ﴿لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ﴾ أَي: هم أشدُّ خوفًا مِنْكُم مِنْهُم من اللَّه يَعْنِي: الْمُنَافِقين.
﴿لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ يَعْنِي: الْيَهُود ﴿جَمِيعًا إِلاَ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ﴾ أَي: لَا يقاتلونكم من شدَّة رعبهم الَّذِي دخلهم مِنْكُم ﴿أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ﴾ ﴿ل ٣٥٨﴾ يَعْنِي ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾ أَي: إِذا اجْتَمعُوا قَالُوا: لنفعلن بِمُحَمد كَذَا ولنفعلن بِهِ كَذَا. قَالَ اللَّه لنَبيه: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ أَي: مفرقة فِي قتالكم.
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ١٥ إِلَى آيَة ١٧.
﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قتل قُرَيْظَة. ﴿قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ يَعْنِي: النَّضِير، كَانَ بَين إجلاء النَّضِير وَقتل قُرَيْظَة سنتَانِ، والوبال: الْعقُوبَة، الْمَعْنى: ذاقوا جَزَاء ذنبهم.
﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾.
371
قَالَ يحيى: وَبَلغنِي أَن عابدًا كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل قد خرج من الدُّنْيَا، وَاتخذ ديرًا يتعبَّدُ فِيهِ، فَطَلَبه الشَّيْطَان أَن يُزِيلهُ فَلم يسْتَطع عَلَيْهِ، فَلَمَّا رأى ذَلِك الشَّيْطَان جَاءَ إِلَى ابْنة الْملك فَدخل فِيهَا فَأَخذهَا، فدَعَوْا لَهَا الْأَطِبَّاء فَلم يغْنوا عَنْهَا شَيْئا، فتكلّم على لسانها، فَقَالَ: لَا ينفعها شَيْء إِلَّا أَن تَأْتُوا بهَا إِلَى فلانٍ الراهب فيدعو لَهَا، فَذَهَبُوا بهَا إِلَيْهِ، فجعلوها عِنْده فأصابها يَوْمًا مَا كَانَ بهَا، فَانْكَشَفَتْ وَكَانَت امْرَأَة حسناء؛ فأعجبه بياضُها وحسنها، فَوَقع بهَا فأحْبلها، فَذهب الشَّيْطَان إِلَى أَبِيهَا وإخوتها فَأخْبرهُم، وَقَالَ لَهُ: اقتلْها وادفنها لَا يُعْلَمُ أَنَّك قتلتها، فَقَتلهَا الراهب ودفنَها إِلَى أصْل حَائِط، وَجَاء أَبوهَا وإخوتها وَجَاء الشَّيْطَان بَين أيديهمْ، فسبقهم إِلَى الراهب وَقَالَ: إِن الْقَوْم قد علمُوا مَا صنعْتَ بِالْمَرْأَةِ، فَإِن سجدت لي سَجْدَة رددتهُم عَنْك فَسجدَ لَهُ، فَلَمَّا سجد لَهُ أَخْزَاهُ اللَّه وتبرأ مِنْهُ الشَّيْطَان، وَجَاء أَبوهَا وإخوتها فاستخرجوها من حَيْثُ دَفنهَا، وعَمِدوا إِلَى الراهب فصلبوه، فَضرب اللَّه مثل الْمُنَافِقين حِين خذلوا الْيَهُود فَلم ينصروهم، وَقد كَانُوا وعدوهم النُّصْرَة كَمثل الشَّيْطَان فِي هَذِه الْآيَة: ﴿إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين﴾ وَكذب قَالَ اللَّه: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا﴾ عَاقِبَة الشَّيْطَان وَذَلِكَ الراهب ﴿أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: (خَالِدَيْنِ فِيهَا) هُوَ نصب على الْحَال.
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ١٨ إِلَى آيَة ٢١.
372
قال الله :﴿ فكان عاقبتهما ﴾ عاقبة الشيطان وذلك الراهب ﴿ أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين( ١٧ ) ﴾ المشركين.
قال محمد : قوله :﴿ خالدين فيها ﴾ هو نصب على الحال.
قَوْله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله﴾ يَعْنِي: تركُوا ذكْرَ اللَّه بالإخلاص من قُلُوبهم ﴿فأنساهم أنفسهم﴾ تَركهم من أَن يذكروها بالإخلاص لَهُ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وَهُوَ فسق الشّرك.
﴿لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل﴾ على حد مَا أَنزَلْنَاهُ على الْعباد من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْأَمر وَالنَّهْي ﴿لرأيته خَاشِعًا﴾ أَي: خَائفًا ﴿مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله﴾ يوبّخ بذلك الْعباد ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ﴾ يَعْنِي: الْأَشْبَاه ﴿نَضْرِبهَا للنَّاس﴾ يهمي " نصفُها لَهُم ﴿لَعَلَّهُم يتفكرون﴾ لكَي يتفكروا فيعلموا أَنهم أَحَق بخشية اللَّه من هَذَا الْجَبَل؛ لأَنهم يخَافُونَ الْعقَاب، وَلَيْسَ على الْجَبَل عِقَاب.
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ٢٢ إِلَى آيَة ٢٤.
﴿عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ الْغَيْب: مَا أخْفى العبادُ، وَالشَّهَادَة: مَا أعْلنُوا.
﴿الْملك القدوس﴾ يَعْنِي: الطَّاهِر ﴿السَّلَام﴾ سلِمَ الْخَلَائق من ظلمه ﴿الْمُؤْمِنُ﴾ تَفْسِير الْحسن: الْمُؤمن بِنَفسِهِ قبل إِيمَان خَلْقه كَقَوْلِه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ الْآيَة ﴿الْمُهَيْمِن﴾ تَفْسِير بَعضهم: الشَّهِيد على خلقه
373
﴿الْعَزِيز﴾ تَفْسِير الْحسن: بعزَّته ذلَّ مَنْ دونه ﴿الْجَبَّار﴾ تَفْسِير بَعضهم: القاهر لخلقه بِمَا أَرَادَ ﴿المتكبر﴾ الَّذِي يتكبّر على خلْقه ﴿سُبْحَانَ الله﴾ نزّه نفْسه ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
374
﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ والبارئ هُوَ المصور الَّذِي يصور فِي الْأَرْحَام وَغَيرهَا مَا يَشَاء ﴿لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى﴾.
يحيى: عَنْ خِدَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ".
قَالَ محمدٌ: من النَّاس من قَالَ: معنى أحصاها: حفظهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: الْمَعْنى: من تعبَّد لله بهَا.
﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز﴾ فِي نقمته ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره.
374
تَفْسِير سُورَة الممتحنة وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٣.
(ل ٣٥٩)
375
Icon