تفسير سورة الصافات

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

الصافات : جماعة الملائكة.
أقسَم الله سبحانه وتعالى بالملائكة المصطفّين في مقام العبودية.
فالزاجرات : من صِفات أعمال الملائكة.
الذين يردعون الناسَ عن الشر.
فالتاليات : من صفات أعمالهم أيضاً.
ويتلون آياتِه على الأنبياء.
إن الله المعبود واحدٌ، لا شريك له.
المشارق : مشارق الشمس وجميع الكواكب والنجوم، لأن الشمس تشرق كل يوم من جهة وكذلك المغارب لم يذكرها اكتفاء بتعدُّد المشارق.
هو رب السموات والأرض وما بينهما، وربّ المشارق والمغارب.
السماء الدنيا : أقرب سماءٍ لنا.
وإنه زيّن السماءَ الدنيا التي نراها بالكواكب.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر :﴿ بزينةِ الكواكب ﴾ بجر زينة والكواكب مضاف إليه، وقرأ أبو بكر :﴿ بزينةٍ الكواكبَ ﴾ بنصب الكواكب وجر زينة منونا، والباقون :﴿ بزينةٍ الكواكبِ ﴾ بتنوين زينة مجردا وخفض الكواكب على البدل.
مارد : متمرد.
وجعل هذه الكواكب حفاظاً للسماء من كل شيطان متمرد.
الملأ : الجماعة يجتمعون على رأي، والمراد هنا الملائكة.
يقذفون : يرجمون.
فلا يمكن للشياطين المتمرّدين التسمُّعُ إلى ما يجري في عالم الملائكة، وإذا أرادوا ذلك رُجموا من كل جانب.
قراءات :
قرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص :﴿ لا يَسَّمّعون ﴾ بفتح السين والميم وتشديدهما، وقرأ الباقون :﴿ لا يسمعون ﴾ بإسكان السين وفتح الميم بدون تشديد.
دحورا : طرداً وإبعادا.
واصِب : دائم.
وطُردوا طرداً عنيفاً، ولهم عذاب شديدٌ دائم.
خطف الخطفة : أخذ بسرعة على غِرة.
الشهاب : الشعلة من النار، والنجم المضيء المنقضّ من السماء.
ثاقب : مضيء.
إلا من اختلس الكلمةَ من أخبار السماء فإننا نُتبعه بشهابٍ ثاقب يلحقه فيصيبه ويحرقه حرقا.
أما كيف يتم هذا كله فإننا لا نعرفه.. فهو من الغيبيات التي تعجز طبيعتنا البشرية عن تصوّر كيفياتها، ونصدّق بها وبما جاء من عند الله.
فاستفْتهم : اسألهم.
أشد خلْقا : أصعب خلقا.
لازِب : لازم ثابت، لاصق.
اسأل أيها الرسول، هؤلاء المنكرين للبعث : أهُمْ أصعبُ خلقاً أم السمواتُ والأرض وما في هذا الكون الكبير ! لقد خلقنا كل ذلك من لا شيء، وخلقناهم من طين لاصقٍ بعضُه ببعض، فأين هم من خلق هذا الكون العجيب !
بل عجبتَ أيها النبيّ، من إنكارهم للبعث وهم يسخَرون من تعجّبك ويستهزئون.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ بل عجبتُ ﴾ بضم التاء، والباقون :﴿ بل عجبت ﴾ بفتح التاء.
إذا ذُكّروا لا يذكرون : إذا وُعظوا لا يتعظون.
وإذا وُعظوا ودعوا إلى عبادة الله لا يتّعظون.
آية : معجزة.
يستسخرون : يسخرون، يستهزئون.
وإذا رأوا برهاناً على قدرة الله بالغوا في السخرية والاستهزاء.
وقالوا : ما هذا الذي نراه إلا سحر ظاهر، وخديعة من الخدع.
أئذا مِتنا وصرنا تراباً وعظاماً سنُبعث مرة أُخرى من قبورنا.
قراءات :
قرأ ابن عامر :﴿ إذا متنا ﴾ بهمزة واحدة، والباقون :﴿ أإذا متنا ﴾ بهمزتين على الاستفهام. وقرأ نافع والكسائي ويعقوب :﴿ إنا لمبعوثون ﴾ بهمزة واحدة، والباقون :﴿ أإنا لمبعوثون ﴾.
وكذلك يُبعث آباؤنا الأولون الذين ماتوا من قرون قديمة ! ؟
قراءات :
قرأ ابن عامر :﴿ أوْ آباؤنا الأولون ﴾ بسكون الواو.
داخرون : صاغرون.
﴿ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ : قل لهم أيها النبي : نعم ستبعثون جميعا وأنتم أذلاء صاغرون
زجرة واحدة : صيحة واحدة.
فإنما البعثة صيحة واحدة فإذا هم أحياء ينظرون إلى ما كانوا يوعدون،
يا ويلنا : يا هلاكنا.
وعند ذلك يقولون : يا ويلنا هذا هو يوم القيامة
يوم الفصل : يوم الحساب بين الناس.
الذي يفصَل فيه بين الناس، والذي كنتم به تكذِّبون.
ويقول الله للملائكة : اجمعوا الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وأزواجَهم وجميع من على شاكلتهم وما كانوا يعبدون من الأصنام وغيرها من دون الله.
فاهدوهم : دُلّوهم.
إلى صراط الجحيم : إلى طريق الجحيم.
فقودوهم إلى طريق جهنم، مقرهم الأخير.
قِفوهم : احبسوهم في الموقف.
﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ ﴾ : عما كانوا يعملون في الدنيا من كفر والحاد وفساد.
لا تَناصرون : لا تتناصرون، لا ينصر بعضكم بعضا.
ويقال لهم ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ؟ ﴾ : لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا تفعلون !
ولكنهم لا يستطيعون عمل شيء وينقادون مستسلمين لأمر الله.
وبعد أن بيّن الله تعالى أنهم يوم القيامة يندمون عندما يرون العذابَ، ذكر هنا أنهم يُقبلون على بعضهم البعض، ويتلاومون ويتخاصمون، ويسأل بعضهم بعضاً عن مصيرهم السيئ ويقول التابعون للمتبوعين.
عن اليمين : عن جهة الخير، واليمينُ لها عدة معانٍ منها : اليد والجهة المقابلة لليسار، والخير وغير ذلك.
قالوا لهم : إنكم كنتم تغشوننا وتأتوننا من الناحية التي نظنُّ فيها الخير واليمن، لتصرفونا عن الحق إلى الضلال.
فيرد عليهم الرؤساء بقولهم :﴿ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ : إنا ما أضللناكم بل كنتم أنتم بطبيعتكم مستعدّين للكفر.
من سلطان : من قهر وتسلط.
طاغين : متجاوزين الحدَّ في العصيان.
فحق علينا : فوجب علينا.
وجب علينا ما قاله الله في أننا لذائقون العذاب في هذا اليوم.
فأغويناكم : أضللناكم.
وكل ما فعلناه بكم أننا دعوناكم لتكونوا مثلنا فاستجبتم لدعوتنا، فلا لومَ علينا.
ويومئذ يكون التابعون والمتبوعون في العذاب مشتركين.
هذه سنةُ الله في خلقه، يعطي كل عامل جزاء ما قدّمت يداه.
إن هؤلاء المجرمين كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون.
ويقولون : أنترك عبادةَ آلهتنا لقول شاعر مجنون !
ومن ثم يكذّبهم الله تعالى ويّرد عليهم، بل جاءهم رسولهم بالحق الذي هو التوحيد الذي دعا إليه جميع الرسل، وصدّق بذلك دعوة المرسَلين الذين جاؤوا قبله.
يبن الله تعالى هنا أنه لا فائدةَ من هذا الخصام والجدال فالعذابُ واقع بكم جميعا.
وهذا هو العدل... كل إنسان يلاقي عمله ويجزى به.
بعد ذلك بيّن الله حال عباده المؤمنين العاملين.
ويأتيهم ذلك الرزق الكريم.
وهم في جنات، يتمتعون فيها بكل ما لذَّ وطاب من أنوع الفواكه، وفوق ذلك إكرام الله لهم في ضيافته.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:وهم في جنات، يتمتعون فيها بكل ما لذَّ وطاب من أنوع الفواكه، وفوق ذلك إكرام الله لهم في ضيافته.
وهم جالسون على سُرر متقابلين، يتمتعون بطيّب الحديث.
بكأس : فيه شرابٌ صاف.
من مَعين : من ماءٍ غزير.
يطوف عليهم الولدان بكأس من أجودِ الشراب في الجنة.
لذة : فيها لذة.
بألوان مشرقة.
غَوْل : ما ينشأ عن الخمر من صداع، وهو الكحول.
يُنزفون : لا تذهب عقولهم بالسُّكر.
لا تورث صُداعاً ولا تُذهب وعيَ شاربيها. ويظلّون في هذا النعيم المقيم.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي وخلف : ينزِفون بكسر الزاي، والباقون : يُنْزَفون بفتح الزاي على البناء للمجهول.
قاصرات الطرف : عفيفات.
عِين : عيناء، واسعات العيون جميلات.
ثم بيّن محاسنَ زوجاتهم، لبيان تمام السرور، فقال :﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ ﴾
ولديهم زوجاتٌ عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن، وهن في غاية الجمال.
مكنون : مصون لا تمسّه الأيدي، والمراد : اللؤلؤ.
كأنهن البيض النقيّ المصون. والعرب يشبّهون النساء البيض الخُود باللؤلؤ. قال الشاعر :
وبيضةِ خودٍ لا يرام خباؤها......... وقال الشاعر :
وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغوّا ص ميزت من جوهرٍ مكنون
ويقول تعالى :
﴿ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون ﴾ [ الواقعة : ٢٢ - ٢٣ ].
لا يزال الحديث عن أهل الجنة، فإنهم وهم في متعتهم وسرورهم، يساءلون عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا.
قرين : صاحب.
قال قائل منهم : كان لي صاحب من المشركين
يجادلني في الدين ويقول : أإنك لمن الذين يصدّقون بالبعث بعد الموت وبالحساب والجزاء ! !
لمدينون : لمحاسَبون، لمجزيّون.
وهل بعد أن نموت ونصير تراباً وعظاماً بالية نحيا مرةً لنحاسَب على ما قدّمنا من عمل ! !.
مطلعون : مشرفون.
فيتطلّع ذلك المؤمن ويدعو إخوانه أن يتطلعوا معه.
سواء الجحيم : وسط النار.
حينما رآه قال : تاللهِ لقد كدتَ تهلكني لو أطعتك على الكفر معك، ولولا نعمةُ ربي بأن هداني للإيمان بالله والبعث لكنتُ مثلك من المحضَرين في العذاب.
لتُردِين : لتهلكني.
المحضَرين : المسوقين للعذاب.
ثم يقول لجلسائه تحدثاً بنعمة ربه عليه وعلى مسمعٍ من قرينه :﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴾ :
لقد اجتزنا الامتحان بنجاح والحمد لله.
فلا موتَ بعد الموتة الأولى ولا تعبَ بعد اليوم.
وفي معنى هذه الآية يتوضح أكثر قوله تعالى :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم ﴾ [ الدخان : ٥٦ ].
أما كيفية رؤية أهل الجنة لأهل النار وبينهم مسافاتٌ شاسعة فإنها من الغيبيات التي تخالف وضعنا وحياتنا، ونحن لا نعرف كيف تجري أحوال الدار الآخرة جميعها ولا نستطيع فهمها.
ت ٦٠
نزلا : كل ما يهيأ للضيف.
شجرة الزقوم : شجرة كريهة في جهنم.
ثم بيّن أحوال أهل جهنم وما يلاقون فيها من العذاب الدائم ليظهر الفرقُ بين أهل النعيم وأهل الجحيم، فقال :﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم ﴾ :
أهذا الرزقُ الذي ناله أهل الجنة خيرٌ أم حالُ أهلِ النار الذين يأكلون من شجرة الزقوم.
فتنة : محنة.
التي جعلناها فتنةً وبلاء للكافرين ! ؟
أصل الجحيم : قعر جهنم.
والزقّوم شجرةٌ تنبت في وسط الجحيم.
طلعُها : ثمرها.
رؤوس الشياطين : في قبح الشياطين، والعربُ تشبه كل قبيح بالشيطان.
ثمرها قبيح المنظر كريه الصورة كأنه رؤوس الشياطين.
ومن ثمرها يأكل الكفار. وهم يملؤون بطونهم منه.
الشوْب : الخلط.
الحميم : الحار.
فإذا عطشوا وأرادوا شرب الماء، يغاثون بماء حار مشوب بأخلاط من جهنم يشوي وجوههم، وتتقطع منه أمعاؤهم، كما قال في سورة الكهف ٢٩ :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾.
مرجعهم : مصيرهم.
إن هؤلاء الجاحدين وجدوا آباءهم ضاليّن.
يُهرعون : يسرعون.
فاقتفوا آثارهم من غير أن يستعملوا عقولهم، بل مقلّدين غير مستبصرين.
فهم وآباؤهم صورة من صور الضلال التي يمثلها أكثر الأولين.
ولقد أرسلنا في هذه الأمم الخالية رسُلا ينذرونهم، فكذّبوهم.
فانظر كيف كان مآل الذين أنذرَتْهم رسلُنا.. لقد هلكوا فصاروا عِبرةً للأولين والآخرين.
ولكنْ هناك مؤمنون استخلصهم الله ففازوا بثوابه، ثم يذكر بعد ذلك بعض قصص الأنبياء باختصار للعبرة والذكرى.
ولقد نادانا نوح حين يئس من قومه، فكنّا له نعم المجيبين.
ونجيناه ومن آمن معه من الغرق والطوفان.
وجعلنا ذرّيته هم الباقين في الأرض.
وتركنا عليه : أبقينا لنوحٍ ذكراً جميلا.
وتركنا له ذِكراً جميلا في العالم إلى يوم القيامة.
من شيعته : من جماعته الذين ساروا على منهاجه.
وإن من شيعة نوحٍ الذين ساروا على نهجه إبراهيم عليه السلام.
سليم : سالم من جميع العلل والآفات النفسية.
إذ أقبل على ربه بقلبٍ طاهر خالٍ من كل سوء.
وأنكر على قومه وأبيه ما يعبدون من الأصنام.
أئفكاً : أكذبا.
وقال لهم : أتعبدون آلهةً غير الله كذباً وزورا !.
﴿ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين ﴾ حتى تعبدوا غيره من هذه الأصنام.
﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم ﴾ ليستدل بها على خالق الكون، فوجدها متغيرة متحولة.
سقيم : مريض.
﴿ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ من هذه الأحوال ومن عبادة غير الله.
فأعرض عنه قومه وتركوه.
راغ إلى : مال إليهم سرا. وراغ عليهم : مال عيهم ضربا، وراغ لها معان أخرى.
فذهب مستخفيا إلى أصنامهم وسألهم مستهزئا فقال لهم :﴿ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ ؟
لماذا لا تتكلمون ؟.
راغ إلى : مال إليهم سرا. وراغ عليهم : مال عيهم ضربا، وراغ لها معان أخرى.
باليمين : بقوة وشدة.
فمال عليهم بضربٍ شديد فكسّرهم حتى حطمهم جميعا.
يزِفّون : يسرعون.
فأقبل قومه إليه مسرعين يعاتبونه على ما ارتكب في شأن آلهتهم.
قراءات :
قرأ حمزة :﴿ يزِفون ﴾ بضم الياء، والباقون :﴿ يَزفون ﴾ وهما لغتان.
فقال لهم إبراهيم، موبخا لهم : أتعبدون ما تنحتونه بأيديكم من حجارة.
واللهُ خلقكم وخلقَ ما تصنعون بأيديكم، أين عقولكم ! !
فلما أعجزتْهم الحيلةُ ولزمتْهُم الحجة، قالوا : ابنوا له بنيانا، واملؤوه ناراً وألقوه فيها.
لقد أرادوا أن يحرقوه وينتقموا منه، فأنجاه الله من النار بعد أن ألقوه فيها، ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين ﴾.
وقال إبراهيم لمّا يئس من إيمانهم : إني مهاجرٌ إلى ربي، وهو سيهديني إلى الخير والمقر الأمين.
لا يزال الكلام عن سيّدنا إبراهيم بعد أن نجّاه الله وهاجر إلى ربه، وكان وحيداً لم يُرزق ذرية، فاتجه إلى ربه يسأله الذريةَ الصالحة.
فاستجاب الله دعاءه بقوله :﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ﴾ هو إسماعيل. وكان كما قال تعالى :﴿ من الصالحين ﴾ وشبّ وكبر.
فلما بلغ معه السعي : فلما أدرك وكبر.
ولما بلغ مبلغ الرجال قال له أبوه إبراهيم : يا بنيّ، إني رأيت في المنام وحياً يطلب مني أن أذبحك تقرباً إلى الله، فانظر ماذا ترى ؟. فقال إسماعيل : يا أبت، افعلْ ما تؤمر به،
﴿ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين ﴾.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ ماذا تُرِي ﴾ بضم التاء وكسر الراء، والباقون :﴿ ماذا ترى ﴾ بفتح التاء والراء.
أسلما : استسلما لأمر الله.
تلّه : كبّه على وجهه.
فلما استسلما وانقادا لأوامر الله وقضائه، ووضع إبراهيم ابنَه على الأرض ليذبحه ( وبذلك نجح إبراهيم وابنه في الامتحان ).
ناداه الله تعالى ﴿ أَن يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ ﴾ وحقّقتها فعلا.
صدّقت الرؤيا : حققت ما طلب منك.
وعلم الله بذلك صِدْق إبراهيم وإطاعة ابنه له ولربه.
﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين ﴾ : نجزيهم أحسنَ الجزاء لقاءَ إطاعة أوامرنا، ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء.
البلاء المبين : الاختبار الواضح.
ثم بين الله عظيم صبر إبراهيم على امتثال أمر ربه مع ما فيه من عظم المشقة، فقال :
﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ :
ما دمت يا إبراهيم قد جُدْتَ بأعزّ شيء عندك، وهو ابنك الوحيد، ( وما أعظم هذا الابتلاء الذي ابتليناك به أنت وولدك ).
بِذبح : حيوان يُذبح.
فقد أمرنا افتداءه بكبش عظيم. وأصبحت تلك سُنّةٌ له ولمن جاء بعده، وهي سنة النحر في عيد الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم.
وأبقينا له الثناءَ والذِكر الحسن على الألسنة إلى يوم القيامة، فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون.
سلام عليه من ربه يسجَّل في كتابه الباقي إلى يوم الدين.
وكرر الله قوله تعالى :﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين ﴾ على الوفاء والطاعة والاستقامة بالذكر الحسن والسلام والتكريم.
فإنه من عباد الله المؤمنين حقا.
ثم يتجلى عليه ربه بفضله مرة أخرى فيهبُ له ( إسحاق ) في شيخوخته.
باركنا عليه : أفضنا عليه البركات.
ويباركه ويبارك ذريته :﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾.
وفي ذلك تنبيه إلى أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال، وأن الظلم في الأعقاب لا يعود إلى الأصول بنقيصة، ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ] [ الإسراء : ١٥ ] [ وفاطر : ١٨ ].
في هذه الآية الكريمة يتحدّث القرآن الكريم عن سيدنا موسى وهارون. وقد تقدّم الكلام عن موسى أكثر من مرة، وهنا ذُكر باختصار.
والمعنى : ولقد تفضلنا على موسى وهارون.
الكرب : الشدة.
ونجّيناهما وقومهما من فرعون وقومه بعد أن كانوا في كرب عظيم من الظلم والاضطهاد.
ثم نصرناهم على الكافرين.
المستبين : الواضح.
وآتينا موسى وهارون التوراة ذات البيان العظيم.
وأبقينا لهما الذكر الحسن والثناء الجميل.
إننا على هذا النحو نكافئ المحسنين.
إنهما من عبادنا المؤمنين.
أما إلياس فقد ذكر مرة في سورة الأنعام بقوله تعالى :﴿ وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين ﴾ وهنا في عشر آيات.
قال ابن جرير : إن إلياس من أنبياء بني إسرائيل، ويقول بعضهم : إنه إدريس الذي جاء ذكره في سورة مريم والأنبياء.
فنصح قومه.
بعلاً : اسم الصنم الذي كانوا يعبدونه.
أن يتركوا عبادة صنمهم بعل.
ويعبدوا الله.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص :﴿ الله ربكم ورب ﴾ بالنصب، والباقون بالرفع.
فكذّبوه، فجزاؤهم جهنم يوم القيامة.
إلا قوما منهم أخلصوا العمل لله وأنابوا إليه.
إل ياسين : لغة في إلياس.
قراءات :
قرأ نافع ويعقوب وابن عامر :﴿ سلام على آل ياسين ﴾ بمد همزة آل والإضافة، والباقون :
﴿ إلْ ياسين ﴾. فمن قرأ :﴿ آل ياسين ﴾ يكون معناه آل محمد، وقال بعضهم آل القرآن.
وقد تقدم ذكرُ لوط في سور الأعراف وهود والعنكبوت.
وقد نجينا لوطاً وأهله.
في الغابرين : الباقين مع الكافرين.
إلا امرأته العجوز التي بقيت مع الهالكين.
ثم دمّرنا قومه.
مصبحين : في وقت الصباح.
وإنكم يا مشركي قريش، لتمرون على أطلال بيوتهم بسَدوم في البحر الميت في طريقكم إلى الشام.
﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين ﴾ :
إذ أبقَ : هرب من سيده.
المشحون : المملوء.
إذ يئس من هداية قومه فهرب منهم قبل أن يأذن له الله، وركب في سفينة مملوءة بالمسافرين والأمتعة، فوقفت السفينة ولم تتحرك، فقال ركابها إن هنا رجلاً هارباً من سيده.
فساهَمَ : ضرب أهل السفينة القرعة.
المدحَضين : المغلوبين.
فعملوا قرعة بينهم، فخرجت القرعة على يونس،
مُليم : فَعَلَ ما يستحق عليه اللوم.
ورمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت.
لولا ذلك.
لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
العَراء : المكان الخالي.
فَلَفَظَه بأرض خالية من النبات، وهو سقيم من شدة ما لقي في بطن الحوت.
يقطين : اليقطين : كل ما لا ساق له من النبات، وغلب على القرع.
وبعد أن شفي أرسلناه إلى أهل نينوى، وهم أكثر من مائة ألف.
فآمنوا به فمتعناهم إلى وقت معلوم.
اسأل قومك أيها النبي، مؤنّباً لهم، كيف جعلوا له البنات، ولهم البنين ؟ ومن الذي قال إن البنين أفضل من البنات ؟ وإذا كانت البنات أقل رتبة من البنين كما يزعمون فكيف جعلوا لله البنات واستأثروا لأنفسهم بالبنين ؟
ثم هناك أسطورة أخرى ينفيها الله تعالى وهي قولهم إن الملائكة إناث، فهل شهدوا ولادتهم ؟
إفكهم : كذبهم.
إن أكبر فرية لهم قولهم إن الله تعالى له ولد.
وكل هذا غير وارد، لأن الله تعالى لم يلد ولم يولد.. وهذا من كذبهم الواضح وإفكهم.
اصطفى البنات : اختار لنفسه البنات.
وكيف يختار البنات على البنين ؟ ومثلُ هذا قوله تعالى :﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثاً ؟ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ﴾ [ الإسراء : ٤٠ ].
ماذا أصابكم حين حكمتم بلا دليل، ومن أين تستمدون الدليلَ على الحكم المزعوم ؟
سلطان : حجة.
ثم زاد في توبيخهم وطالبهم ببرهان يؤيد صحة ما يدّعون بقوله :﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ : هل عندكم حجةٌ واضحة تبرهن على أقوالكم ؟
إذا كان عندكم حجة فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين فيما تقولون وتفترون.
لمحضَرون : لمجلوبين للعذاب.
وكانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله، ولدتْهم له الجنّ، ولذلك يردّ الله عليهم كذبهم وافتراءهم وينزه نفسه عن هذا الإفك بقوله :﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ : إن الجانّ يعلمون أنهم محضَرون يوم القيامة للحساب والجزاء.
تنزه الله عما يذكره المفترون.
ثم يستثنى من الجن الذين يحضَرون للعذاب أولئك المخلصين المؤمنين بقوله :﴿ إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين ﴾ فإنهم براءُ مما يصفه الكافرون، فهؤلاء المخلصون ناجون يوم القيامة، مكرمون عند الله، يثيبهم على إيمانهم وإخلاصهم بأحسن ما كانوا يعملون.
فإنكم أيها المشركون، وما تعبدون من الأصنام.
بفاتنين : بمضلّين، بمفسدين. الفتنة : الضلال، والعذاب، والفساد.
لا يمكنكم أن تُضِلُوا أحداً بإغوائكم،
صالِ الجحيم : داخل في النار.
إلا الضالين مثلكم الذي يدخلون النار ويصْلونها من أصحاب الجحيم.
وما منّا : من كلام الملائكة.
ثم حكى الله اعتراف الملائكة بالعبودية لربهم، وقالت الملائكة : ما أحدٌ منا إلا له مقام يقف عنده.
الصافّون : المصطفون للعبادة، وفي أداء الطاعة.
وإنا لنحن المصطفّون في أداء طاعته وتنفيذ أوامره.
وإنا لنحن المسبِّحون المنزهون لربنا عن النقائص.
وكان المشركون يقولون :
ذِكرا من الأولين : كتابا من كتب الأقدمين.
لو أن عندَنا كتاباً من كُتب الأولين.
المخلَصين بفتح اللام : الذين أخلصهم الله لنفسه.
لكنّا من عباد الله المخلصين.
ثم بيّن الله تعالى أنهم كانوا كاذبين في قولهم، فقال :﴿ فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وجاءهم الكتاب، وهو القرآن الكريم، فكفروا به فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، وعنادهم وما سيحل بهم من العذاب يوم القيامة.
سبقت كلمتنا : وعدُنا بالنصر.
يقسِم الله تعالى أن وَعْدَه قد سبق إن العاقبة بالنصر لرسُله وأتباعهم.
فهم المنصورون.
وإن جنود الله المخلصين المؤمنين هم الغالبون.
فأعرِض عنهم أيها الرسول وانتظر إلى وقتٍ مؤجل.
وأبصِرهم : أنظرهم وارتقب.
فإننا سنجعل لك النصر والظفر، وانتظر ماذا يحل بهم من العذاب، ﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ ذلك بأنفسهم ويندمون.
بساحتهم : بفناء دارهم، بديارهم.
فإذا نزل العذاب بديارهم فبئس صباحهم ذلك الصباح، إنه يوم دمارهم وهلاكهم.
تولّ عنهم : أعرِض عنهم.
ثم أكدَ ما سبق من وقوع الميعاد فقال مكرراً وعيده لهم :﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ ﴾ : أعرِض أيها الرسول عنهم.
وانظر اليهم فسوف يرون ما يحل بهم من العذاب العظيم.
ثم يأتي بحسن الختام بكلمات غاية في البلاغة والسهولة والرقة فيقول تعالى :﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ على المرسلين والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾.
ما أجمل هذا الكلام، وما أحلاه وما أبلغه، فانه تعليم لنا لنقوله دائما ونتمثل به.
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف هذه الآيات الكريمة، واللهَ نسأل حسن الختام.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨٠:ثم يأتي بحسن الختام بكلمات غاية في البلاغة والسهولة والرقة فيقول تعالى :﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ على المرسلين والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾.
ما أجمل هذا الكلام، وما أحلاه وما أبلغه، فانه تعليم لنا لنقوله دائما ونتمثل به.
روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف هذه الآيات الكريمة، واللهَ نسأل حسن الختام.

ت ١٨٠
Icon