تفسير سورة إبراهيم

حومد
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿كِتَابٌ﴾ ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ ﴿الظلمات﴾ ﴿صِرَاطِ﴾
(١) - أَلِفْ. لاَمْ. رَا. اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
هَذَا القُرْآنُ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ لِتُخْرِجَ بِهِ النَّاسُ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الكُفْرِ وَالضَّلاَلِ، إِلَى نُورِ الهُدَى وَالرَّشَادِ وَالإِيمَانِ، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ وَتَوْفِيقِهِ، فَمِنْ قَدَّرَ اللهُ لَهُ الهِدَايَةَ أَرْسَلَ نُوراً يَهْدِي قَلْبَهُ فَيَهْتَدِي إِلَى طَرِيقِ اللهِ العَزِيزِ الذِي لاَ يُمَانِعُ وَلاَ يُغَالِبُ، المَحْمُودُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَشَرْعِهِ، الصَّادِقِ فَي خَبَرِهِ.
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ - بِتَيْسِيرِهِ وَتَوْفِيقِهِ لَهُمْ، أَوْ بِأَمْرِهِ.
العَزِيزِ - الغَالِبِ الذِي لاَ مَثِلَ لَهُ.
الحَمِيدِ - المَحْمُودِ المُثْنَى عَلَيْهِ.
﴿السماوات﴾ ﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾
(٢) - وَرَبُّهُم هُوَ اللهُ الذِي يَمْلِكُ جَمِيعَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَيَتَصَرَّفُ بِهِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَالوَيْلُ وَالهَلاَكُ لِلكَافِرِينَ، يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنَ العَذَابِ الشَدِيدِ الذِي يَنْتَظِرُهُمْ، إِذَا خَالَفُوكَ يَا مُحَمَّدُ وَكَذَّبُوكَ.
وَيْلٌ - هَلاَكٌ أَوْ حَسْرَةٌ.
﴿الحياة﴾ ﴿الآخرة﴾ ﴿ضَلاَلٍ﴾ ﴿أولئك﴾
(٣) - وَهَؤُلاَءِ الكَافِرُونَ الذِينَ يُهَدِّدُهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالوَيْلِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، هُمُ الذِينَ يُفَضِّلُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَيُؤْثِرُونَهَا عَلَى الآخِرَةِ، وَيَعْمَلُونَ لِلْدُّنْيا، وَيَنْسَوْنَ الآخِرَةَ، وَيَتْرُكُونَهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾، وَيُحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ سَبِيلُ اللهِ مُعْوَجَّةً، غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ، لِكَي يَنْفِرَ النَّاسُ مِنْهَا. وَبِمَا أَنَّ سَبِيلَ اللهِ مُسْتَقِيمَةٌ فِي ذَاتِهَا فَلاَ يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَها، وَلاَ مَنْ صَدَّ عَنْهَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فِي اخْتِيَارِهِمْ حُبُّ الدُّنيا العَاجِلَةِ، وَفِي صَدِّهِمْ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ دِينِ الإِسْلاَمِ، وَفِي ابْتِغَائِهِمْ أَنْ تَكُونَ سَبِيلَ اللهِ مُعْوَجَّةً.. إِنَّمَا هُمْ فِي جَهْلٍ وَضَلاَلٍ، وَبُعْدٍ عَنِ الحَقِّ، وَلاَ يُرْجَى لَهُمْ صَلاحٌ.
يَسْتَحِبُّونَ - يَخْتَارُونَ وَيُؤْثِرُونَ.
يَبْغُونَهَا عِوَجاً - يَطْلُبُونَهَا مُعْوَجَّةً أَوْ ذَاتَ اعْوِجَاجٍ.
(٤) - مِنْ لُطْفِ اللهِ بِخَلْقِهِ أَنَّهُ لاَ يُرْسِلُ الرُّسُلَ إِلَى النَّاسِ إِلاَّ بِلِسَانِهِمْ، لِيَفْهَمُوا مِنْهُمْ مَا يُرِيدُونَ قَوْلَهُ لَهُمْ، وَلِيُوَضِحُوا لَهُمْ مَا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ بِهِ، لِتَقُومَ عَلَيْهِمُ الحُجَّةَ، وَيَنْقَطِعَ العُذْرَ. وَبَعْدَ أَنْ يَقُومَ الرُّسُلُ بِمُهِمَّةِ الدَّعْوَةِ وَالإِيضَاحِ وَالبَلاَغِ، وَإِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَى النَّاسِ، يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ عَنْ وَجْهِ الحَقِّ وَالهُدَى، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ، وَاللهُ هُوَ العَزِيزُ الذِي لاَ يُقْهَرُ، مَا شَاءَ كَانَ، وَهُوَ الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَأَفْعَالِهِ.
﴿بِآيَاتِنَآ﴾ ﴿الظلمات﴾ ﴿بِأَيَّامِ﴾ ﴿لآيَاتٍ﴾
(٥) - وَكَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ، وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، كَذَلِكَ أَرْسَلْنَا مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَيَدْنَاهُ بِآيَاتِنَا (وَهِيَ تِسْعُ آيَاتٍ) وَأَمَرْنَاهُ قَائِلِينَ: ادْعُ قَوْمَكَ إِلَى الإِيمَانِ، لِيَخْرُجُوا مِنْ ظُلُمَاتِ الجَهْلِ الذِي كَانُوا فِيهِ إِلَى نُورِ الهُدَى، وَبَصِيرَةِ الإِيمَانِ، وَعِظْهُمْ مُذَكِّراً إِيَّاهُمْ بِأَفْضَالِ اللهِ عَلَيْهِمْ (ذَكِّرْهُمء بِأَيَّامِ اللهِ)، فِي إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَسْرِ فِرْعَوْنَ وَقَهْرِهِ وَبَطْشِهِ، وَفِي إِنْجَائِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ عَدُوِّهُمْ، وَفَلْقِهِ البَحْرَ لَهُمْ، وَتَظْلِيلِهِ الغَمَامَ عَلَيْهِمْ فِي صَحْرَاءِ سِينَاءَ، وَإٍنْزَالِهِ عَلَيْهِم المَنَّ وَالسَّلْوَى.. وَفِي جَمِيعِ مَا صَنَعْنَاهُ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَعِبْرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ لِكُلِّ صَبَّارٍ عَلَى الضَّرَّاءِ، شَكُورٍ فِي السَّرَّاءِ.
بِأَيَّامِ اللهِ - بِنَعْمَائِهِ أَوْ وَقَائِعِهِ فِي الأُمَمِ الخَالِيَةِ.
﴿أَنجَاكُمْ﴾ ﴿آلِ﴾
(٦) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، امْتَثَلَ لأَمْرِ رَبِّهِ، فَأَخَذَ بِدَعْوَةِ قَوْمِهِ، وَوَعْظِهِمْ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِمِنَنِ اللهِ وَأَنْعُمِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْقَذَكُمْ مِنْ ظُلْمِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، الذِينَ كَانُوا يَسُومُونَكُمُ العَذَابَ الشَّدِيدَ المُهِينَ (سُوءَ العَذَابِ)، إِذْ كَانُوا يُذَبِّحُونَ الذُّكُورَ مِنْ أَبْنَائِكُمْ، وَيَسْتَبْقُونَ الإِنَاثَ زِيَادَةً فِي الإِذْلاَلِ وَالتَنْكِيلِ، فَأَنْقَذَكُمُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ البَلاَءِ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَيْكُم أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنِ القِيَامِ بِشُكْرِهِ عَلَيْهَا. وَفِي كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّعْذِيبِ، وَالإِنْجَاءِ... اخْتِبَارٌ مِنَ اللهِ عَظِيمٌ، لِيُظْهِرَ مِقْدَارَ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ عَلَيْهِ.
يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ - يَسْتَبْقُونَ البَنَاتِ أَحْيَاءً لِلْخِدْمَةِ.
يَسُومُونَكُمْ - يُذِيقُونَكُمْ وَيُكَلِّفُونَكُمْ.
بَلاَءٌ - ابْتِلاَءٌ بِالنِّعَمِ وَالنِّقَمِ.
﴿لَئِن﴾
(٧) - وَاذْكُرُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ آذَنَكُمْ رَبُّكُمْ، وَأَعْلَمَكُمْ بِوَعْدِهِ، فَقَالَ: لَئْنِ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ النِّعَمَ وَسَتَرْتُمُوهَا وَجَحَدْتُمُوهَا، لأُعَاقِبَنَّكُمْ عِقَاباً شَدِيداً عَلَى كًفْرِهَا، وَلأَسْلُبَنَّكُمْ إِيَّاهَا.
(وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المَعْنَى لِعِبَارَةِ: " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ " هُوَ: وَإِذْ أَقْسَمَ رَبُّكُمْ بِعِزَّتِهِ وَجَلاَلِهِ وَكِبْرِيَائِهِ).
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ - أَعْلَمَ إِعْلاَماً لاَ شُبْهَةَ فِيهِ.
(٨) - وَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ حِينَمَا عَانَدُوا وَجَحَدُوا: إِنْ كَفَرْتُمْ نِعَمَ اللهِ عَلَيْكُمْ، أَنْتُمْ وَجَمِيعُ مَنْ فِي الأَرْضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً، وَإنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ شُكْرِ عِبَادِهِ لَهُ، وَهُوَ الحَمِيدُ المَحْمُودُ، وَإِنْ كَفَرَهُ مَنْ كَفَرَهُ، وَإِنَّكُمْ لاَ تَضُرُّونَ، بِالكُفْرِ وَالجُحُودِ، إِلاَّ أَنْفُسَكُمْ لأَنَّكُمْ تَحْرِمُونَهَا بِذَلِكَ مِنْ مَزِيدٍ مِنَ الإِنْعَامِ، وَتُعَرِّضُونَهَا لِعَذابِ اللهِ.
﴿نَبَأُ﴾ ﴿البينات﴾ ﴿اأَفْوَاهِهِمْ﴾
(٩) - قَصَّ اللهُ تَعَالَى خَبَرَ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَالأُمَمِ الأُخْرَى المُكَذِّبَةِ، الذِينَ جَائَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالحُجَجِ، وَالبَرَاهِينِ القَاطِعَةِ عَلَى وَحْدَانِيِّةِ اللهِ، وَعَلَى تَصَرُّفِهِ المُطْلَقِ بِالكَوْنِ، وَعَلى صِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الأَنْبِيَاءُ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَقَالُوا لَهُمْ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ، وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مُثِيرٍ لِلرَّيْبِ مِمَّا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مَعْنَى ﴿فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ﴾ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا كَلاَمَ اللهِ عَجِبُوا، وَرَجِعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُسْمِعَ صَوْتَهُ مَنْ هُوَ بَعيدٌ عَنْهُ، أَيْ إِنَّ هَذا تَعْبِيرٌ عَنْ أَنَّهُمْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ مُعْلِنِينَ كُفْرَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ الرُّسُلُ).
وَقِيلَ إِنَّ هَذا التَّعْبِيرَ مَثَلٌ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يَرُدُّوا جَوَاباً.
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ وَضَعُوا أَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ اسْتِغْرَاباً وَاسْتِنْكَاراً).
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَعْنَى هُوَ أَنَّهُمْ عَضُّوا عَلَى أَنَامِلِهِمْ تَغَيُّطاً مِنَ الرُّسُلِ وَكَلاَمِهِمْ).
مُرِيبٍ - مُوقِعٍ فِي الرّيْبَةِ وَالقَلَقِ.
﴿السماوات﴾ ﴿آبَآؤُنَا﴾ ﴿بِسُلْطَانٍ﴾
(١٠) - فَقَالَ الرُّسُلُ لِهَؤلاءِ المُكَذِّبِينَ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِمْ شَكَّهُمْ فِي وُجُودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ: أَفِي وُجُودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ شَكٌّ؟ فَإِنَّ الفِطْرَةَ شَاهِدَةٌ بِوُجُودِهِ، وَمَجْبُولَةٌ عَلَى الإِقْرَارِ بِهِ، لِذَلِكَ كَانَ الاعْتِرَافُ بِهِ ضَرُورِيّاً فِي الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِهَا شَكٌّ وَاضْطِرَابٌ فَتَحْتَاجُ إِلَى الدَّلِيلِ المُوصِلْ إَلى وُجُودِ اللهِ، وَلِذَلِكَ لَفَتَ الرُّسُلُ نَظَرَهُمْ إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّهُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمُبْدِعُهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَهُوَ تَعَالَى يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَيُؤَخِرَكُمْ فِي الدُّنْيا إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ (مُسَمَّى). فَقَالَتِ الأُمَمُ لِلرُّسُلِ: كَيْفَ نَتْبَعُكُمْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِكُمْ أَنَّكُمْ رُسُلُ اللهِ، فَأَنْتُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا، وَلَمْ نَرَ مِنْكَ مُعْجِزَةً تَدُلُّ عَلَى رِسَالَتِكُمْ، فَإِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ فَأْتُونَا بِبُرْهَانٍ وَدَلِيلٍ وَاضِحٍ عَلَى صِدْقِ مَا تَقُولُونَ.
فَاطِرِ - مُبْدِعِ وَمُخْتَرِعِ.
بِسُلْطَانٍ - حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ عَلَى صِدْقِكُمْ.
﴿بِسُلْطَانٍ﴾
(١١) - فَقَالَتْ لَهُمْ الرُّسُلُ: صَحيحٌ أَنَّنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ يََمنُّ بِفَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مِنْ عِبَادِهِ، فَيُؤْتِيهِ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ، وَلاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكُمْ بِمَا سَأَلْتُمُوهُ مِنَ المُعْجِزَاتِ وَالخَوَارِقِ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَأَمْرِهِ، فَهُوَ الذِي يَأْتِي بِالمُعْجِزَاتِ، وَيَأْذَنُ بِهَا، وَالمُؤْمِنُونَ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ، فَلْنَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ بِالصَّبْرِ عَلَى كُفْرِكُمْ، وَتَكْذِيبِكُمْ إِيَّانَا.
﴿هَدَانَا﴾ ﴿آذَيْتُمُونَا﴾
(١٢) - وَبَعْدَ أَنْ أَجَابَهُم الأَنْبِيَاءُ عَلَى شُبُهَاتِهِمْ، أَخَذَ المُشْرِكُونَ يُخَوِفُونَهُمْ، وَيَتَوَعَّدُونَهُمْ بِالانْتِقَامِ وَالإِيذَاءِ، فَقَالَ لَهُمُ الأَنْبِيَاءُ إِنَّنَا لاَ نَخَافُ تَهْدِيدَكُمْ، بَلْ نَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ، وَنَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لاَ نَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ، وَقَدْ هَدَانَا لأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَوْضَحِهَا وَأَبْيَنِهَا؟ وَسَنَصْبِرُ عَلَى مَا أَلْحَقْتُمُوهُ بِنَا مِنَ الأَذَى بِأَقْوَالِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ، وَمَنْ تَوَكّلَ عَلَى اللهِ كَفَاهُ مَا أَهَمَّهُ وَأَغَمَّهُ.
﴿الظالمين﴾
(١٣) - وَلَمَّا عَجَزَ رُؤُوسُ الكُفْرِ وَالضَّلاَلَةِ عَنْ مُقَارَعَةِ الحُجَّةِ بِالحُجَّةِ، عَمَدُوا إِلى تَهْدِيدِ الرُّسُلِ بِالنَّفْيِ وَالإِخْرَاجِ مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، إِنْ لَمْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى الرُّسُلِ: أَنَّهُ تَعَالَى سَيُهْلِكُ هؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ الظَّالِمِينَ.
(١٤) - وَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى الرُّسُلِ: أَنَّهُ سَيُسْكِنُهُمْ أَرْضَ الكَافِرِينَ وَدِيَارَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَذا جَزَاءٌ عَادِلٌ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، وَخَافَ مَا خَوَّفَهُ بِهِ رَبُّهُ، وَمَا تَوَعَّدَهُ بِهِ مِنَ العَذَابِ وَالنَّكَالِ.
خَافَ مَقَامِي - خَافَ مَوْقِفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ لِلْحِسَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
(١٥) - وَاسْتَنْصَرَ الرُّسُلُ بِرَبِّهِمْ عَلَى أَقْوَامِهِمْ، لَمَّا يَئِسُوا مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَطَلَبُوا مِنَ اللهِ تَعَالَى النَّصْرَ عَلَى الكَافِرِينَ فَنَصَرَهُمُ اللهُ، فَرَبِحُوا، وَخَسِرَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، شَدِيدِ العِنَادِ لِلْحَقِّ.
(وَقِيلَ بَلْ مَعْنَاهُ هُوَ: أَنَّ الأُمَمَ اسْتَفْتَحَتْ عَلَى نَفْسِهَا، كَمَا قَالَ كُفَّارُ قُرَيشٍ: ﴿اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.﴾ اسْتَفْتَحُوا - اسْتَنْصَرَ الرُّسُلُ بِاللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
خَابَ كُلُّ جَبَّارٍ - خَسِرَ وَهَلَكَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ مُتَعَاظِمٍ.
عَنِيدٍ - مُعَانِدٍ لِلْحَقِّ.
﴿وَرَآئِهِ﴾
(١٦) - فَقَدْ حَلَّتِ الهَزِيمَةُ بِهَذَا الجَبَّارِ العَنِيدِ فِي الدُّنْيا، وَأَمَامَهُ فِي الآخِرَةِ جَهَنَّمُ تَنْتَظِرُهُ، فَهِيَ لَهُ بِالمِرْصَادِ، وَسَيَكُونُ خَالِداً فِيهَا، وَيُسْقَى فِي النَّارِ مِنَ الصَّدِيدِ الذِي يَسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ المُحْتَرِقَيْن.
(وَوَرَاءُ، هُنا، مَعْنَاهَا أَمَامُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً﴾ أَيْ كَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ).
الصَّدِيدُ - مَا يَسِيلُ مِنْ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ المُحْتَرِقَةِ.
﴿وَرَآئِهِ﴾
(١٧) - يَشْرَبُهُ قَسْراً وَقَهْراً، جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ، وَلاَ يَكَادُ يَبْتَلِعُهُ لِسُوءِ طَعْمِهِ، وَنَتْنِ رَائِحَتِهِ، وَحَرَارَتِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ، وَيَأْتِيهِ العَذَابُ بِأَنْوَاعِهِ، لَيْسَ مِنْهَا نَوْعٌ إِلاَّ يَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَمُوتُ لِيَخْلُدَ فِي النَّارِ وَالعَذَابِ، وَلَهُ بْعَدَ هَذِهِ الحَالَةِ عَذَابٌ آخَرَ شَدِيدٌ غَلِيظٌ أَدْهَى مِنَ الذِي قَبْلَهُ وَأَمَرُّ.
يَتَجَرَّعُهُ - يَتَكَلَّفُ بَلْعَهُ لِشِدَّةِ حَرَارَتِهِ، وَمَرَارَةِ طَعْمِهِ.
لاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ - لاَ يَكَادُ يَبْتَلِعُهُ لِشِدَّةِ كَرَاهَتِهِ وَنَتْنِهِ.
﴿أَعْمَالُهُمْ﴾ ﴿الضلال﴾
(١٨) - هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لأَعْمَالِ الخَيْرِ التِي يَعْمَلُهَا الكُفَّارُ، الذِينَ عَبَدُوا مَعَ اللهِ غَيْرَهُ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَبَنُوا أَعْمَالَهُمْ عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ صَحِيحٍ مِنَ الإِيمَانِ وَالتَّقْوى، فَانْهَارَتْ. فَقَالَ تَعَالَى: مَثَلُ أَعْمَالِ الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ مَثَلُ الرَّمَادِ الذِي لَعِبَتْ بِهِ الرِّيحُ العَاصِفَةُ الشَّدِيدَةُ فَتَبَعْثَرَ، وَأَصْبَحَ مِنَ المُسْتَحِيلِ جَمْعَهُ. كَذَلِكَ أَعْمَالُ الكَافِرِينَ، فَإِنَّهَا تَتَبَدَّدُ وَتَذْهَبُ هَبَاءً، وَلاَ يَقْدِرُونَ فِي الآخِرَةِ أَنْ يُقَدِّمُوا شَيْئاً مِنْ أَعْمَالِهِمْ التِي كَسَبُوهَا فِي الحَيَاةِ الدُّنْياَ، يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَهُمْ أَحْوَجُ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَصِيبِ. وَذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ البَعِيدُ عَنْ طَرِيقِ الهُدَى وَالصَّوَابِ.
يَومٌ عَاصِفٌ - شَدِيدُ هُبُوبِ الرِّيحِ.
﴿السماوات﴾
(١٩) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِ الأَبْدَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ﷺ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحِكْمَةِ عَلَى أَكْمَلِ صُورَةٍ، وَأَحْسَنِ خَلْقٍ، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الإِنْسَانِ، أَفَلَيْسَ الذِي قَدِرَ عَلَى خَلْقِ كُلِّ مَا فِي هَذا الكَوْنِ العَظِيمِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ، قَادِراً عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِ البَشَرِ مِنْ جَدِيدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُهْلِكَ النَّاسَ إَنْ شَاءَ، وَعَلَى أَنْ يَأْتِي بِخَلْقٍ جَدِيدٍ غَيْرَهُمْ.
(٢٠) - وَلَيْسَ ذَلِكَ الإِذْهَابُ وَالإِتْيَانُ صَعْباً عَلَى اللهِ، وَلا مُمْتَنِعاً عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى.
﴿الضعفاء﴾ ﴿هَدَانَا﴾ ﴿لَهَدَيْنَاكُمْ﴾
(٢١) - وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَبْرُزُ الخَلاَئِقُ كُلُّهَا لِلوَاحِدِ القَهَّارِ، وَتَجْتَمِعُ فِي بَرَازٍ وَاحِدٍ (وَهُوَ المَكَانُ الوَاسِعُ الخَالِي الذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ)، فَيَقُولُ الأَتْبَاعُ (الضُّعَفَاءُ) لِلقَادَةِ الذِينَ اسْتَكْبَرُوا عَنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ: لَقَدْ كُنَّا تَابِعِينَ لَكُمْ نَأْتَمِرُ بِأَمْرِكُمْ، وَقَدْ فَعَلْنَا مَا أَمَرْتُمُونَا بِهِ، فَهَلْ تَدْفَعُونَ عَنَّا اليَوْمَ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا﴾ ؟ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمُ القَادَةُ الكُبَرَاءُ قَائِلِينَ: لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانَا لَهَدَيْنَاكُمْ مَعَنَا، وَلَكِنَّنَا ضَلَلْنَا فَضَلَلْتُمْ مَعَنَا، فَحَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ لأنَّ الجَزَعَ لاَ يُفِيدُ، وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا فَلاَ نَجَاةَ لَنَا مِنَ النَّارِ، وَلاَ مَصْرِفَ لَنَا عَنْهَا.
بَرَزُوا - خَرَجُوا مِنَ القُبُورِ لِلْحِسَابِ.
مغْنُونَ عَنَّا - دَافِعُونَ عَنَّا.
مَحِيصٍ - مُنجىً وَمَهْرَبٍ.
﴿الشيطان﴾ ﴿سُلْطَانٍ﴾ ﴿الظالمين﴾
(٢٢) - وَبَعْدَ أَنْ يُتِمَّ اللهُ تَعَالَى قَضَاءَهُ بَيْنَ العِبَادِ، وَيُدْخِلَ أَهْلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، يَقُومُ إِبْلِيسُ خَطِيباً فِي أَهْلِ النَّارِ، لِيَزِيدَهُمْ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ، وَحَسْرَةً إِلَى حَسْرَتِهِمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ، وَوَعَدَكُمْ بِالنَّجَاةِ وَالسَّلاَمَةِ إِنْ آمَنْتُمْ بِهِ، وَصَدَّقْتُمْ رُسُلَهُ، وَكَانَ وَعْدُهُ حَقّاً. أَمّا أَنَا فَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي دَلِيلٌ وَلاَ حُجَّةٌ فِيمَا وَعَدْتُكُمْ بِهِ، وَدَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، وَقَدْ اسَتْجَبْتُمْ لِي بِمُجَرَّدِ أَنْ دَعَوْتُكُمْ وَوَسْوَسْتُ لَكُمْ، وَقَدْ أَقَامَتِ الرُّسُلُ عَلَيْكُمُ الحُجَجَ وَالأَدِلَّةَ الصَّحِيحَةَ عَلَى صِدْقِ مَا جَاؤُوكُمْ بِهِ، فَخَالَفْتُمُوهُمْ وَاتَّبَعْتُمُونِي فَصِرْتُمْ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ، فَلاَ تَلُومُونِي اليَوْمَ، وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ لأَنَّ الذَّنْبَ ذَنْبُكُمْ، فَمَا أَنَا اليَوْمَ بِمِغِيثِكُمْ (مُصْرِخِكُمْ)، وَلاَ مُنْقِذِكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، وَمَا أَنْتُمْ بِنَافِعِيَّ وَلاَ مُنْقِذِيَّ وَلاَ مُغِيثِيَّ (مُصْرِخِيَّ) مِمَّا أَنَا فِيهِ، مِنَ العَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَإِنِّي جَحَدْتُ (كَفَرْتُ) أَنْ أَكُونَ شَرِيكاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَشْرَكْتُمُونِي فِيهِ فِي الدُّنْيا. ثُمَّ يَقُولُ لَهُمْ إِبْلِيسُ: إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الحِقِّ، وَاتِّبَاعِهِمْ البَاطِلَ، لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
وَقَدْ قَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ مَا سَيَكُونُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَالَ إِبْلِيسَ مَعَ الذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي الدُّنْيَا لِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهاً لَهُمْ، وَحَضّاً لَهُمْ عَلَى التَّبَصُّرِ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ.
سُلْطَانٍ - تَسَلُّطٍ أَوْ حُجَّةٍ.
بِمُصْرِخِكُمْ - بِمُنْقِذِكُمْ مِنَ العَذَابِ.
بِمُصْرِخِيَّ - بِمُنْقِذِيَّ مِنَ العَذَابِ.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾ ﴿جَنَّاتٍ﴾ ﴿الأنهار﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾ ﴿سَلاَمٌ﴾
(٢٣) - أَمَّا المُؤْمِنُونَ الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَعَمِلُوا فِي الدُّنْيَا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، وَأَخْلَصُوا العِبَادَةَ للهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُدْخِلَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي المِيَاهُ فِي جَنَبَاتِهَا، لِيَكُونُوا فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً، لاَ يَحُولُونَ عَنْهَا وَلاَ يَزُولُونَ، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، وَتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الإِيمَانِ، وَفِعْلِ الخَيْرَاتِ وَتُحْيِّيهِمُ المَلاَئِكَةُ فِيهَا قَائِلِينَ لَهُمْ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ.
(٢٤) - بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي الآيَاتِ السَّابِقَاتِ حَالَ الأَشْقِيَاءَ، وَمَا يُلاَقُونَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الأَهْوَالِ الشَّدِيدَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا بَيَّنَ حَالَ السُّعَدَاءِ الأَبْرَارِ وَمَا يَنَالُونَهُ مِنْ فَوْزٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلاً يُبَيِّنُ حَالَ الفَرِيقَيْنِ، وَيُوَضِّحُ الفَرْقَ بَيْنَهُمَا، لِتَقْرِيبِ الصُّورَةِ إِلَى العُقُولِ وَالأَفْهَامِ فَقَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَعْلَمْ يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ عِلْمَ اليَقِينِ، كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً وَوَضَعَهُ المَوْضِعَ اللاَّئِقَ بِهِ، فَشَبَّهَ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ (وَهِي الإِيمَانُ الثَّابِتُ فِي قَلْبِ المُؤْمِنِ الذِي يَرْفَعُ بِهِ عَمَلُهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَنَالُهُ بَرَكَتُهُ وَثَوَابُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ)، بِالشَّجَرَةِ المُثْمِرَةِ الجَمِيلَةِ المَنْظَرِ التِي أَصْلُهَا رَاسِخٌ فِي الأَرْضِ وَفُروعُهَا مُتَصَاعِدَةٌ إِلى السَّمَاءِ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ هِيَ قَوْلُ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الطَّيِّبَةَ هِي النَّخْلَةُ).
كَلِمَةً طَيِّبَةً - هِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالإِسْلاَمِ.
(٢٥) - وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا ثِمَارُهَا فِي كُلِّ حِينٍ، وَفِي كُلٍّ آنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا اللهِ، كَذَلِكَ المُؤْمِنُ لاَ يَزَالُ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي كُلِّ حِينٍ، وَاللهُ يَضْرِبُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لِيُقَرِّبَ الأُمُورَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ، وَيَزِيدَ فِي إِيضَاحِهَا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَتَّعِظُونَ وَيَتَذَكَّرُونَ.
تُؤْتِي أُكُلَهَا - تُعْطِي ثَمَرَهَا الذِي يُؤْكَلُ.
(٢٦) - وَضَرَبَ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً لِكَلِمَةِ الكُفْرِ وَمَا مَاثَلَهَا (كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ)، شَجَرَةً خَبِيثَةً كَالحَنْظَلِ وَنَحْوِهِ، لَيْسَ لَهَا جُذُورٌ ثَابِتَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفُرُوعُهَا لاَ تَتَجَاوَزُ سَطْحَ الأَرْضِ، وَقَدِ اقْتُلِعَتْ مِنْ فَوْقِ الأًَرْضِ لأنَّ عُرُوقَها قَرِيبةٌ مِنْ سَطْحِ الأَرْضِ، وَأُلْقِيَتْ.
كَمَا أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الخَبِيثَةَ لاَ ثَبَاتَ لَهَا وَلاَ دَوَامَ، وَثَمَرُهَا مُرُّ المَذَاقِ، كَذَلِكَ الكُفْرُ لاَ يَدُومُ وَلاَ يَثْبُتُ، وَعَاقِبَتُهُ وَخِيمَةٌ.
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ - كَلِمَةِ الكُفْرِ وَالضَّلاَل. ِ
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الحياة﴾ ﴿الآخرة﴾ ﴿
١٦٤٩; لظَّالِمِينَ﴾

(٢٧) - بَعْدَ أَنْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ، أَخْبَرَ عَنْ فَوْزِ أَصْحَابِهَا بِبُغْيَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَهُوَ تَعَالَى قَدْ ثَبَّتَهُمْ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ التِي ذَكَرَهَا اللهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ - إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ فِتْنَتَهُمْ وَصَرْفَهُمْ عَنش الإِيمَانِ - كَمَا يُثَبِّتُهُمْ بَعْدَ المَوْتِ فِي القَبْرِ.
أَمَّا الكُفَّارُ الظَّالِمُونَ، الذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَبْدِيلِ فِطْرَةِ اللهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَعَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ إِلَى القَوْلِ الثَّابِتِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُضِلُّهُمْ عَنِ الحَقِّ. وَاللهُ تَعَالَى بِيَدِهِ الهِدَايَةُ وَالضَّلاَلُ.
(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " إِذَا سُئِلَ المُؤْمِنُ فِي القَبْرِ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة﴾. أَمَّا الكَافِرُ فَإِذَا أُدْخِلَ فِي قَبْرِهِ أُقْعِدَ فَقِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىءٍ وَأَنْسَاهُ اللهُ ذِكْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ مَنِ الرَّسُولُ الذِي بُعِثَ إِلَيْكُمْ، لَمْ يَهْتَدِ لَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ بِشَيءٍ. فَذَلِكَ مَعَنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُضِلُّ الظَّالِمِينَ "). (رَوَاهُ البُخَارِي).
فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا - وَفِي القََبْرِ عِنْدَ السُّؤَالِ.
﴿نِعْمَةَ﴾
(٢٨) - أَلَمْ تَعْلَمْ وَتَعْجَبْ مِنْ قَوْمٍ أَتَتْهُمْ نِعْمَةُ اللهِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْكُرُوهَا وَيُقَدِّرُوهَا، وَلَكِنَّهُمْ غَمَطُوهَا، وَكَفَرُوا بِهَا وَجَحَدُوهَا، كَأَهْلِ مَكَّةَ الذِينَ أَسكَنَهُمُ اللهُ حَرَماً آمِناً تُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ، وَجَعَلَهُمْ سَدَنَةَ بَيْتِهِ، وَشَرَّفَهُمْ بِإِرْسَالِ نَبِيٍّ مِنْهُم، فَكَفَرُوا بِتِلْكَ النِّعْمَةِ، فَأَصَابَهُمُ الجَدْبُ وَالقَحْطُ سَبْعَ سِنِينَ، وَأُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً مِنْ سَرَاتِهِمْ وَقَادَتِهِمْ... وَأَحَلُّوا الذِينَ شَايَعُوهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ دَارَ الهَلاَكِ (دَارَ البَوَارِ).
دَارَ البَوَارِ - دَارَ الهَلاَكِ وَهِيَ جَهَنَّمُ.
(٢٩) - وَدَارُ البَوَارِ هِيَ جَهَنَّمُ يُلْقَوْنَ فِيهَا لِيُقَاسُوا حَرَّهَا. وَيَبْقَونَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً، وَبِئْسَ المَقَامُ وَالمُسْتَقَرُّ.
يَصْلَوْنَهَا - يَدْخُلُونَهَا، أَوْ يُقَاسُونَ حَرَّهَا.
(٣٠) - وَجَعَلُو للهِ شُرَكاَءَ (أَنْدَاداً) عَبَدُوهُمْ مَعَهُ، وَدَعُوا النَّاسَ إِلَى عِبَادَتِهِمْ، لِيَصْرِفُوهُمْ عَنِ سَبِيلِ اللهِ القَوِيمِ، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤلاَءِ المُشْرِكِينَ الذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةِ اللهِ كُفْراً، وَجَعَلُو للهِ أَنْدَاداً، وَصَدُّوا النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ دِينِهِ الحَنِيفِ: اسْتَمْتِعُوا فِي الدُّنيا، قَدرَ مَا تَسْتَطِيعُونَ وَافْعَلُوا مَا يُمْكِنُكُمْ فِعْلُهُ، فَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ هَذِهِ سَتُورِدُكُمْ مَوَارِدَ الهَلاَكِ، وَسَيَكُونُ مَصِيرُكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ جَزَاءً وِفَاقاً.
أَنْدَاداً - أَمْثَالاً مِنَ الأَوْثَانِ يَعْبُدُونَهَا.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصلاة﴾ ﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾ ﴿خِلاَلٌ﴾
(٣١) - يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِطَاعَتِهِ، وَالقِيَامِ بِحَقِّهِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُتِمُّوهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَخُشُوعِهَا، وَبِأَنْ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَالإِنْفَاقِ عَلَى الأَقْرِبَاءِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى غَيْرِ الأَقَارِبِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى المُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمٌ لاَ بَيْعَ فِيهِ، وَلاَ يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ يُفْتَدَى بِهَا مِنَ العَذَابِ، وَلاَ تَنْفَعُ الإِنْسَانَ صَدَاقَةُ صَدِيقٍ، وَلاَ شَفَاعَةُ شَفِيعٍ.
لاَ خِلاَلٌ - لاَ مُخَالَّةٌ وَلاَ مُوَادَّةٌ.
﴿السماوات﴾ ﴿الثمرات﴾ ﴿الأنهار﴾
(٣٢) - يَلْفِتُ اللهُ تَعَالَى نَظَرَ الخَلْقِ إِلَى الأَدِلَّةِ المَنْصُوبَةِ فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ التِي تُوجِبُ عَلَى العِبَادِ المُثَابَرَةَ عَلَى شُكْرِهِ، وَدَوَامِ طَاعَتِهِ، وَيُعَدِّدُ النِّعَمَ العَظِيمَةَ التِي أَغْدَقَهَا عَلَيْهِمْ لِيَكُونَ فِي ذَلِكَ حَثٌّ لَهُمْ عَلَى التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، فِيمَا يَأْتُونَ، وَفِيمَا يَذَرُونَ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ خَلَقَ لَهُمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَخَلْقَهُمَا أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ الإِنْسَانِ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ، وَأَخْرَجَ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ مُخْتَلِفَةَ الأَلْوَانِ وَالأَشْكَالِ، وَالطُّعُومِ وَالمَنَافِعِ، وَسَخَّرَ السُّفُنَ وَالمَرَاكِبَ (الفُلْكَ) لِمَنْفَعَةِ الإِنْسَانِ، وَجَعَلَهَا طَافِيَّةً عَلَى سَطْحِ المَاءِ، وَسَخَّرَ البَحْرَ لِحَمْلِهَا لِتَسْهِيلِ انْتِقَالِ النَّاسِ فِيهَا، وَسَخَّرَ الأَنْهَارَ تَشُقُّ الأَرْضَ مِنْ قٌطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَيَشْرَبُ مِنْهَا النَّاسُ وَالأَنْعَامُ، وَتُسْقَى الزُّرُوعُ مِنْهَا، وَتَجْرِي فِيهَا المَرَاكِبَ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِيهِ رِزْقٌ وَمَنَافِعُ لِلْعِبَادِ.
﴿دَآئِبَينَ﴾ ﴿الليل﴾
(٣٣) - وَسَخَّرَ لِلنَّاسِ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ، يَسِيرَانِ دَائِمَيْ الحَرَكَةِ (دَائِبَيْنِ)، لاَ يَفْتُرَانِ، لَيْلاً وَلاَ نَهَاراً، وَسَخَّرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَانِ، وَيَتَفَاوَتَانِ طُولاً وَقِصَراً، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالنَّهَارَ مَعَاشاً لَهُمْ.
دَائِبَيْنِ - دَائِمَيْنِ فِي حَرَكَتِهِمَا وَمَنَافِعِهِمَا لَكُمْ.
﴿وَآتَاكُم﴾ ﴿نِعْمَتَ﴾ ﴿الإنسان﴾
(٣٤) - وَهَيَّأَ لَكُمْ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ، مِمَّا تَسْأَلُونَهُ بِلِسَانِكُمْ، وَبِلِسَانِ حَالِكُمْ، وَنِعَمُ اللهِ عَلَى النَّاسِ لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى، وَالإِنْسَانُ عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الشُّكْرَ للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهِ. وَبَدَلاً مِنْ أَن يَقُومَ الإِنْسَانُ بِشُكْرِ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفُر هذِهِ النِّعَمَ، وَقَدْ يَشْكُرُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ غَيْرَ مَنْ تَفَضَّلَ بِالإِنْعَامِ بِهَا عَلَيْهِ كَالأَصْنَامِ وَالأَنْدَادِ، فَهُوَ ظَلُومٌ كَثِيرُ الكُفْرَانِ لِلنِّعْمَةِ.
(وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنِيً عَنْهُ رَبَّنا "). (رَوَاهُ البُخَارِي).
لاَ تُحْصُوهَا - لاَ تُطِيقُوا عَدَّهَا لِعَدَمِ تَنَاهِيهَا.
﴿إِبْرَاهِيمُ﴾ ﴿آمِناً﴾
(٣٥) - وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ، وَأَنْتَ تَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، خَبَرَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، إِذْ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مَكَّةَ بَلَداً آمِناً فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهَا بَلَداً حَرَاماً آمِناً لاَ يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ، وَلاَ يُظْلَمُ فِيهَا أَحَدٌ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً﴾ كَمَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يُجَنِّبَهُ، وَيُجَنِّبَ بَنِيهِ، عِبَادَةَ الأَصْنَامِ، وَأَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَمِلَّةِ الإِسْلاَمِ.
اجْنُبْنِي - أَبْعِدْنِي وَنَحِّنِي.
(٣٦) - فَقَدْ أَضَلَّتْ هَذِهِ الأَصْنَامُ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ افْتَتَنُوا بِهَا فَعَبَدُوهَا، وَتَبَرَّأَ إِبْرَاهِيمُ مِمَّنْ عَبَدَ الأَصْنَامَ وَقَالَ: إِنَّ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ ذُرْيَّتِهِ عَلَى دِينِهِ، وَأَخْلَصَ العَمَلَ وَالعِبَادَةَ للهِ، فَهُوْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. أَمَّا العُصَاةُ الذِينَ يُخَالِفُونَهُ، وَيَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ، فَقَدْ رَدَّ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، أَمْرَهُمْ إِلَى مَشِيئَةِ اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإٍِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ، وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
﴿الصلاة﴾ ﴿الثمرات﴾
(٣٧) - وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، رَبَّهُ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ البَيْتَ الحَرَامَ (الكَعْبَةَ)، فَقَالَ: رَبِّ إِنَّنِي أَسْكَنْتُ أُنَاساً مِنْ أَبْنَائِي وَذُرِّيَتِي بِهَذا الوَادِي الذِي لاَ زَرْعَ فِيهِ، عِنْدَ بَيْتَكَ الحَرَامِ، الذِي أَمَرْتَنِي بِإِقَامَتِهِ فَأَقَمْتُهُ، وَقَدْ جَعَلْتَهُ مُحَرَّماً لِيَتَمَكَّنَ أَهْلُهُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ عِنْدَهُ، فَاجْعَلْ جَمَاعَاتٍ مِنَ النَّاسِ تَأْتِي إِلَيْهِمْ (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)، وَمَعَهُمُ الأَرْزَاقُ وَالمِيرَةُ وَالثَّمَرَاتُ لِيَأْكُلوا مِنْهَا، وَلَيَكُونَ ذَلِكَ عَوْناً لَهُمْ عَلَى طَاعِتكَ وَشُكْرِكَ.
وَقدِ اسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَفَرَضَ عَلَى النَّاسٍ الحَجَّ إِلَى البَيْتِ الحَرَامِ، وَأَلْهَمَهُمُ القِيَامَ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا﴾ تَهْوِي إِلَيْهِمْ - تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ شَوْقاً وَوِدَاداً.
(٣٨) - وَقَالَ إِبْرَاهِيمِ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، مُتَابِعاً دُعَاءَهُ: رَبَّنا أَنْتَ تَعْلَمُ قَصْدِي فِي دُعَائِي، وَمَا أَرَدْتُ بِدُعَائِي لأَهْلِ هَذَا البَلَدِ، وَأَنَّهُ القَصْدُ إِلَى رِضَاكَ، وَالإِخْلاصُ لَكَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ.
﴿إِسْمَاعِيلَ﴾ ﴿وَإِسْحَاقَ﴾
(٣٩) - وَحَمدَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ عَلَى مَا رَزَقَهُ مِنَ الوَلَدِ - إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ - بَعْدَ أَنْ عَلاَهُ الكِبَرُ، وَآيسَ مِنَ الوَلَدِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَسْتَجِيبُ لِدُعَاءِ مَنْ دَعَاهُ مُخْلِصاً، وَلَقَدِ اسْتَجَابَ لِي فِيمَا سَأَلْتُهُ مِنَ الوَلَدِ، وَفِيمَا سَأَلْتُهُ مِنْ جَعْلِ هَذا البَلَدِ حَرَماً آمناً، وَفِيمَا سَأَلْتُهُ مِنْ أَنْ يُجَنِّبنِي وَبَنِيَّ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ.
﴿الصلاة﴾
(٤٠) - رَبِّ اجْعَلْنِي مُحَافِظاً عَلَى الصَّلاَةِ، مُقِيماً لِحُدُودِهَا، كَمَا فَرَضْتَهَا عَلَيَّ، وَاجْعَلْ ذُرِّيَتِي كَذَلِكَ مُقِيمِينَ لِلصَّلاَةِ، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَائِي فِيمَا سَأَلْتُكَ فِيهِ.
(وَقَدْ خَصَّ إِبْرَاهِيمُ الصَّلاةَ مِنْ بَيْنِ الفَرَائِضِ الأُخْرَى لأنَِّها العُنْوَانُ الذِي يَمْتَازُ بِهِ المُؤْمِنُ عَنْ غَيْرِ المُؤْمِنِ).
﴿وَلِوَالِدَيَّ﴾
(٤١) - وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ ذُنُوبِ، وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُؤْمِنينَ كُلِّهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ يُحَاسِبُ اللهُ الخَلائِقَ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى عَمَلِهِ.
(وَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ قَبْلَ أَنْ يَتَبَرَّأَ إِبْراهِيمُ مِنْ أَبِيهِ، لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ).
﴿غَافِلاً﴾ ﴿الظالمون﴾ ﴿الأبصار﴾
(٤٢) - وَلاَ تَحْسَبَنَّ، يَا مُحَمَّدُ، اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَفْعَلُهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مُحَارَبَةِ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، وَإِذَا كَانَ قَدْ أَنْظَرَهُمْ وَأَجَّلَهُمْ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُحْصِي عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ، وَيُؤَخِّرُ إِنْزَالَ عِقَابِهِ بِهِمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمَ شَدِيدُ الهَوْلِ، تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مِنْ شِدَّةِ الفَزَعِ وَالرُّعْبِ.
تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ - تَرْتَفِعُ الأَبْصَارُ وَتَبْقَى مَفْتُوحَةً مِنَ الهَوْلِ وَالفَزَعِ.
(٤٣) - ثُمَّ يَصِفُ اللهُ تَعَالَى هؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ حَالَ قِيَامِهِمْ مِنْ قَبُورِهِمْ يَوْمَ الحَشْرِ، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مُسْرِعِينَ (مُهْطِعِينَ) فِي مَشْيِهِمْ، وَقَدْ رَفَعُوا رُؤوسَهُمْ إِلَى الأَعْلَى (مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ) وَأَبْصَارُهُمْ شَاخِصَةٌ مُدِيمَةُ النَّظَرِ، لاَ تَطْوَفُ عُيُونُهُمْ، وَلا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفهُمْ، لِشِدَّةِ خَوْفِهِمْ، مِمَّا يُعَاينُونَهُ مِنَ الأَهْوَالِ، وَقلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ خَالِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيءٌ لِشِدَّةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الخَوْفِ وَالرُّعْبِ، وَلاَ تَعِي شَيْئاً.
مُهْطِعِينَ - مُسْرِعِي المَشْيِ إِلَى الدَّاعِي بِذِلَّةٍ.
مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ - رَافِعِي رُؤُوسِهِمْ مُدِيمِي النَّظَرِ إِلَى الأَمَامِ.
أَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ - قُلُوبُهُمْ خَالِيَةٌ لاَ تَعِي لِفَرْطِ الحَيرَةِ.
(٤٤) - خَوِّفْ أَيُّها الرَّسُولُ هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ مِنْ هَوْلِ يَوْمِ القِيَامَةِ وَشَدَّتِهِ، إِذْ يَقُولُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ: رَبَّنا آخِّرْنا إِلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ، وَنُؤْمِنَ بِكَ، وَبِكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ.
وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً: لَقَدْ كُنْتُمْ أَقْسَمْتُمْ، وَأَنْتُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا، أَنَّهُ لاَ زَوَالَ لَكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، وَأَنَّهُ لاَ حَشْرَ وَلاَ مَعَادَ وَلاَ حِسَابَ؟ فَذُوقُوا هَذَا العَذَابِ بِذَاكَ الكُفْرِ.
﴿مساكن﴾
(٤٥) - وَقَدْ بَلَغَكُمْ مَا أََنْزَلْنَاهُ مِنَ العِقَابِ الشَّدِيدِ بِالأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ التِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ بِهِمْ، وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ هَؤُلاَءِ المِكَذِّبِينَ، وَلَمْ تَعْتَبِرُوا، وَلَمْ تَزْدَجِرُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالظُّلْمِ، وَالآنَ تَسْأَلُونَ التَّأخِيرَ لِلتَّوْبَةِ حِينَ نَزَلَ بِكُمُ العَذَابُ، فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَقَدْ فَاتَ الأَوَانُ.
(٤٦) - فِي تَفْسِيرِ هذِه ِالآيَةِ قَوْلاَنِ:
الأَوَّلُ - إِنَّ الذِي فَعَلُوهُ بِأَنْفَسِهِمْ مِنْ شِرْكٍ بِاللهِ، وَكُفْرٍ بِآيَاتِهِ وَرُسُلِهِ، مَا ضَرَّ الجِبَالَ شَيْئاً، وَلاَ أَثَّرَ فِيها. وَآيَاتُ اللهِ وَشَرْعُهُ وَدِينُهُ هِيَ كَالجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ رُسُوخاً وَثَبَاتاً، وَلِذلِكَ فَلَنْ يُؤْثِّرَ فِيهَا مَكْرُهُمْ شَيْئاً لِتَفَاهَتِهِ، وَضَعْفِ أَثَرِهِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ (إِن) بِمَعْنَى (مَا).
وَالثَّانِي - إِنَّ مَكْرَهُمْ وَكُفْرَهُمْ تَكَادُ الجِبَالُ لِتَزُول مِنْهُ لِدِقَّةِ تَدْبِيِرِهِ، وَقُوَّةِ إِحْكَامِهِ، أَوْ لِضَخَامَةِ مَا فِيهِ مِنْ كُفْرٍ وَعُتُوٍّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً.﴾
(٤٧) - يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ وَعَدَ رُسُلَهُ بِالنَّصْرِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ؛ وَيَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ﷺ: إِنَّ اللهَ لَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ لِرُسُلِهِ، وَإِنَّهُ سَيَنْصُرُهُمْ، وَاللهُ تَعَالَى لاَ يُغَالَبُ، وَلاَ يَمْتَنِعُ عَلَيهِ شَيءٌ أَرَادَهُ، وَإِنَّهُ سَيَنْصُرُهُ، وَهُوَ ذُو انْتِقَامٍ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَجَحَدَ بِآيَاتِهِ.
(وَهذا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ يُقْصَدُ مِنْهُ تَثْبِيتُ أُمَّتِهِ عَلَى ثِقَتِهِمْ بِوَعْدِ اللهِ، وَبِأَنَّهُ سَيُنْزِلُ عِقَابَهُ بِالظَّالِمِينَ).
﴿السماوات﴾ ﴿الواحد﴾
(٤٨) - وَيَوْمَ القِيَامَةِ تُبَدَّلُ الأَرْضُ فَتُصْبِحُ غَيْرَ الأَرْضِ التِي يَعْرِفُهَا البَشَرُ، وَتُبَدَّلُ السَّمَاءُ فَتُصْبِحُ غَيْرَ السَّمَاءِ التِي يَرَوْنَهَا. وَتَخْرُجُ الخَلائِقُ جَمِيعاً مِنَ القُبُورِ، وَيُسَاقُونَ لِيَقِفُوا أَمَامَ اللهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، الذِي قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، وَدَانَتْ لَهُ الرِّقَابُ، وَخَضَعَتْ لَهُ الأَلْبَابُ، فَلاَ مُغِيْثَ لأَحَدٍ، وَلاَ مُجِيرَ لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ.
(وَفِي الحَدِيثِ: " يُبَدِّلُ اللهُ الأَرْضَ غَيْرَ الأَرْضِ فَيَبْسُطُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الأَدِيمِ العُكَاظِيِّ، فَلاَ تَرَى عِوَجاً وَلاَ أَمْتاً ").
بَرَزُوا للهِ - خَرَجُوا مِنَ القُبُورِ إِلَى الحِسَابِ.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(٤٩) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ الذِي تَتَبَدَّلُ فِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضِ، وَتَبْرُزُ الخَلاَئِقُ للهِ، تَرَى يَوْمَئِذٍ يَا مُحَمَّدُ الذِينَ أَجْرَمُوا بِكُفْرِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، مُقْرِنِينَ (مَجْمُوعِينَ) بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي القُيُودِ، فَيَجْتَمِعُ النُّظَرَاءُ فِي الكُفْرِ وَالإِجْرَامِ، كُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفِهِ.
مُقَرَّنِينَ - مَقْرُوناً بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
الأَصْفَادِ - القُيُودِ وَالأَغْلاَلِ.
(٥٠) - وَتَكُونُ ثِيَابُهُمُ التِي يَلْبَسُونَها مِن قَطِرَانٍ (وَالقَطِرَانُ مَادَّةٌ سَائِلَةٌ تُطْلَى بِهَا الإِبْلُ الجَرْبَاءُ، وَهُوَ أَلصَقُ شَيءٍ بِالنَّارِ)، وَتَلْفَحُ النَّارَ وُجُوهَهُمْ.
سَرَابِيلُهُمْ - قُمْصَانُهُمْ أَوْ ثِيَابُهُمْ.
تَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ - تُغَطِّيهَا وَتُجَلِّلُها.
(٥١) - وَإِنَّمَا فَعَلَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِمْ جَزَاءً وِفَاقاً لَهُمْ بِمَا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الكُفْرِ وَالآثَامِ. وَيَوْمَ القِيَامَةِ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِعَمَلِهَا فِي الدُّنْيَا، إِنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً، وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ، لأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ مِنْ أَفْعَالِ عِبَادِهِ، وَلاَ تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ.
﴿بَلاَغٌ﴾ ﴿وَاحِدٌ﴾ ﴿أُوْلُواْ﴾ ﴿الألباب﴾
(٥٢) - هَذا القُرْآنُ بَلاغٌ لِجَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ، مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ، لِيَتَّعِظُوا بِهِ، وَلَيَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رُسُلِهِ، وَلَيَسْتَدِلُّوا بِمَا فِي مِنَ الحُجَجِ وَالدَّلاَلاَتِ عَلَى أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلْيَتَذَكَّر ذَوُو العُقُولِ وَالأَفْهاَم ِ (الأَلْبَابِ).
بَلاَغٌ لِلنَّاسِ - كِفَايَةٌ فِي العِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ.
الأَلْبَابِ - العُقُولِ وَالأَفْهَامِ.
Icon