تفسير سورة النّور

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة النور من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة النور مدينة
وهي اثنتان وأربع وستون آية، وتسع ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ سُورَةٌ ﴾، أي : هذه السورة، ﴿ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾، أي : فرضنا أحكامها، ومن قرأ بالتشديد فمعناه فصلناها، أو التشديد للمبالغة، ﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ١ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ : تتعظون،
١ ظاهرات المعاني /١٢ وجيز..
﴿ الزَّانِيَةُ١ وَالزَّانِي ﴾، رفعهما على الابتداء، والخبر محذوف، أي : جلدهما فيما فرض عليكم أو خبره قوله :﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾، والفاء لتضمنها معنى الشرط إذ اللام فيها بمعنى الذي، والجلد ضرب الجلد، وهذا مطلق محمول على بعض هو حر بالغ عاقل ما جامع في نكاح شرعي، فإن حكم من جامع فيه الرجم لأحاديث الصحاح، والآية الرجم المنسوخ لفظها دون معناها، وعند بعض٢ الإسلام شرط آخر، ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ ﴾ : رحمة، ﴿ في دِينِ اللَّهِ ﴾، فتعطلوا أحكامه، أو تسامحوا فيها، ﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾، فإن الإيمان يقتضي الصلابة في دينه، والاجتهاد في إقامة أحكامه، ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، أي : يجلد بحضرة طائفة من المؤمنين أقلها أربعة أو ثلاثة أو اثنان أو واحد٣ للشهرة، والتخجيل، فإن الفاسق بين المؤمنين الصالحين أخجل، وعن بعض إنما ذلك لأن يدعوا الله له بالتوبة.
١ قدمت الزانية لقلة عقلها التي هي الموجبة للفاحشة، وزناها أفحش لوجوه / ١٢ وجيز قال الشيخ ابن القيم في (الهدى)، (فصل) وأما نكاح الزانية فقد صرح سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك فإنه إما يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يلتزمه ولم يعقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال: ﴿وحرم ذلك على المؤمنين﴾ ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله تعالى: ﴿وانكحوا الأيامى منكم﴾ من أضعف ما يقال، وأضعف منه حمل النكاح على الزنا إذ يصير [كذا في زاد المعاد (٥/ ١١٤)، وفي المطبوع (تصير) والصحيح المثبت)] معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا تزني بها إلا زان أو مشرك وكلام الله ينبغي أن يصان عن مثل هذا، وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان وهو العفة فقال: (أنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)، فإنما أباح نكاحها في هذا الحال دون غيرها، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، فإن الإبضاع في الأصل على التحريم فيقصر في إباحتها على ما ورد به الشرع وما عداه فعلى أصل التحريم، وأيضا فإنه سبحانه قال: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) والخبيثاث: الزواني، وهذا يقضي أن من تزوج بهن فهو خبيث مثلهن، وأيضا فمن أقبح القبائح أن يكون الرجل زوج بغي، وقبح هذا مستقر في فطر الخلق وهو عندهم غاية المسبة، وأيضا فإن البغي لا يؤمن [كذا في زاد المعاد (٥/ ١١٥) وفي المطبوع (تؤمن) والصحيح المثبت] أن تفسد على الزوج فراشه وتعلق عليه أولادا من غيره، والتحريم يثبت بدون هذا، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المرأة التي وجدها حبلى من الزنا وبين زوجها، وأيضا فإن مرثد بن أبي مرثد الغنوي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج عناق وكانت بغيا فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النور وقال لا تنكحها انتهى بلفظه [زاد المعاد (٥/١١٥)].
وقال رحمه الله في (الهدي) في حكم عدم جواز وطء الحامل قبل وضع الحمل، والذي يقتضي منه العجب، تجويز من جوز من الفقهاء الأربعة العقد على الزانية قبل استبرائها ووطئها عقيب العقد فتكون الليلة عند الزاني وقد علقت منه، والليلة التي تليها فراشا للزواج، ومن تأمل كمال هذه الشريعة علم أنها تأبى ذلك كله كل الإباء وتمنع منه كل المنع، ومن محاسن مذهب الإمام أحمد قدس الله روحه أن حرم نكاحها بالكلية حتى تتوب ويرتفع عنها اسم الزانية والبغي والفاجرة، فهو –رحمه الله- لا يجوز أن يكون الرجل زوج بغي ومنازعوه ويجوزون ذلك، وهو، أسعد منهم في هذه المسألة بالأدلة نصا كلها من النصوص والآثار والمعاني والقياس والمصلحة والحكمة وتحريم ما رآه المسلمون قبيحا، والناس إذا بالغوا في سبب الرجل صرحوا له بالزاني والقاذف فكيف تجوز الشريعة مثل هذا. انتهى بلفظه..

٢ هو أبو حنيفة رضي الله عنه /١٢..
٣ قال النخعي ومجاهد: الطائفة تقع على واحد وبه قال أحمد رضي الله عنه١٢ منه..
﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾، هو خير، أي : الغالب أنه لا يرغب الجنس إلا إلى مثله، ﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾، لما فيه من التشبه بالفساق، والتسبب لسوء المقالة فيه، والغيبة، والشبهة في الولد، وغير ذلك من المفاسد، فللمبالغة عبر عن التنزيه بالتحريم، وقد نقل أنها نزلت في فقراء المهاجرين حين أردوا نكاح البغايا يكرين أنفسهن لينفقن عليهن من أكسابهن كعادة الجاهلية، وعن بعض السلف نكاح العفيف البغية، وتزويج الصالحة بالفاخر فاسد حتى يتوبان، وبعض الأحاديث يؤيد قوله فالنفي بمعنى النهي، وعن بعض هذا نكاح صحيح لكنه حرام وعن بعض الآية منسوخة،
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾ : يقذفون بالزنا، ﴿ الْمُحْصَنَاتِ١ : المسلمات الحرائر العاقلات البالغات العفيفات عن الزنا، ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ﴾ : على ما رموهن به، ﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ﴾، يشهدون عن الزنا، ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ﴾، أي : كل واحد من الرامين، ﴿ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾، وتخصيص النساء لخصوص الواقعة، ولأن قذفهن أغلب وأشنع وإلا فلا فرق فيه بين الذكر والأنثى، ﴿ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ﴾ : في أي واقعة كانت، ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ٢ : عند الله،
١ وخص النساء بذلك لأن القذف بالزنا فيهن أشنع وأقبح لإزالة عرضهن وعرض أقاربهم، وشبهة أولادهن وإن كان الرجال يشاركونهن في الحكم/١٢ وجيز..
٢ لأنهم أثبتوا الفسق العظيم لغيرهم فانقلب إليهم ولما كانت الزنا من أمهات الكبائر، وقلما يطلع على ذلك أحد شدد الله على القاذف حيث شرط فيها أربعة رحمة، وسترا على عباده سيما على النساء، والظاهر وجوب جلد الرامي، وإن لم يطالب المقذوف، والظاهر أن قوله: ﴿وأولئك هم الفاسقون﴾ جملة على حيالها غير داخلة في خبر ﴿والذين يرمون﴾ مؤكد لعدم قبول شهادتهم / ١٢ وجيز..
﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ ﴾، : أي : القذف، ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ : أعمالهم، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُور١ رحيمٌ ﴾، علة للاستثناء ومحل الاستثناء الجر على البدل من هم في لهم، فحاصله : اجلدوهم إذا لم يأتوا بأربعة شهداء، ولا تقبلوا أبدا شهادتهم إلا التائبين فاقبلوهم بعد التوبة٢ وعند من قال قوله :﴿ وأولئك هم الفاسقون ﴾ مستأنف غير داخل في حيز جزاء الشرط، والاستثناء من ( الفاسقون ) يكون محله النصب، ويحكم برد شهادته بعد التوبة أيضا، وهو مذهب بعض السلف٣،
١ الظاهر أن الاستثناء من الفاسقون، ومحله النصب فعلى هذا يجلد ولا يقبل شهادته بعد التوبة أيضا، وهذا مذهب كثير من السلف، فقال الشعبي والضحاك: إن اعتراف بعد التوبة على نفسه بأن ما قاله بهتان يقبل شهادته، وإلا فلا والجمهور على أن الجلد واجب وإن تاب، وأما قبول شهادته بعد التوبة فخلاف، قال صاحب البحر: الذي يقتضيه النظر ويعضده كلام العرب أن الاستثناء إذا تعقب جملا يصلح أن يخصص كل منها بالاستثناء لابد أن يحمل التخصيص في الجملة الأخيرة لا عودة إلى الجمل كلها، وهذه مسألة في أصول الفقه سيما في هذه الآية، فإن الجلد لا يسقط عنه بالتوبة إلا أن يقال رد شهادتهم لفسقهم، والفسق زال بالتوبة فرجع إليهم قبول شهادتهم /١٢ وجيز..
٢ هذا مذهب مالك والشافعي، وأحمد وصرح على ذلك سعيد بن المسيب وجماعة من السلف / ١٢ منه..
٣ كقاضي شريح والنخعي وسعيد بن جبير ومكحول وهو مذهب أبي حنيفة /١٢ منه..
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ ﴾، إلا بمعنى غير صفة شهداء، ﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ﴾ : التي تمنع الحد، ﴿ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ﴾ : أربع مرات، ﴿ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ : فيما قذفها به، وأصله ( على أنه ) فحذف على وكسر إن، وعلق عنه العامل باللام تأكيد وقرئ بنصب أربع فتقديره : فالواجب أو فعليهم شهادة أحدهم وأربع منصوب على المصدر من شهادة،
﴿ وَالْخَامِسَةُ ﴾، أي : الشهادة الخامسة، ﴿ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ في الرمي، وحكم لعان الرجل سقوط حد القذف وبانت منه بنفس اللعان وحرمت عليه أبدا على الأصح١ ويتوجه عليها حد الزنا إلا أن تلاعن، وهو قوله، ﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
١ للحديث الصحيح، وعليه الأكثرون من السلف /١٢ وجيز..
﴿ وَيَدْرَأُ ﴾ : يدفع، ﴿ عَنْهَا الْعَذَابَ ﴾ : الحد، ﴿ أَنْ تَشْهَدَ ﴾، فاعل يدرأ، ﴿ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ ﴾ : الزوج، ﴿ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ : فيما رماني به،
﴿ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ ﴾ : الزوج ﴿ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ : في ذلك، ومن قرأ الخامسة بالنصب فهو عطف على أربع كأن رجل وجد على فراشه رجلا فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فأراد عليه السلام أن يأمر بحده بحكم آية الرمي إذ نزلت آية اللعان فتلاعنا،
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾، لعاجلكم بالعقوبة، وفضحكم، فجواب لولا متروك ليدل على أنه عظيم لا يكتنه.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ ﴾ : هو أبلغ ما يكون من الكذب، أي : إفك عائشة أم المؤمنين١ رضي الله عنها وصفوان، ﴿ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ﴾، خبر إن، والعصبة جماعة من العشرة إلى الأربعين، ورأسهم ابن أبي بن سلول رئيس النفاق لعنه الله، ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ ﴾، أي : الإفك، ﴿ شَرًّا لَّكُم ﴾ : الجملة مستأنفة، ﴿ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾، لأنه ظهر منه البراءة لها ولجميع أزواجه، ورفعه القدر مع الثواب الجزيل، ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ ﴾ : جزاء ما اكتسب، ﴿ مِنَ الْإِثْمِ ﴾ : بقدر ما خاض فيه مختصا به، ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ ﴾ : معظمه، ﴿ مِنْهُمْ ﴾، أي : من الخائضين، وهو ابن أبي بدأ به وأشاعه، ﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ٢ : الفضيحة والشهرة بالنفاق، والطرد في الدارين،
١ كما هو المشهور المذكور في الصحيحين، وغيرهما وذلك لأنها خرجت من هودجها تلتمس عقدا لها انقطع من جزع فرحلوا وهم يظنون أنها في هودجها فرجعت وقد ارتحل الجيش والهودج معهم فأقامت في مكان ذلك المكان، ومر بها صفوان بن المعطل وكان متأخرا عن الجيش فأناخ راحلته وحملها عليها فلما رأى ذلك أهل الإفك قالوا ما قالوا فبرأها الله مما قالوا، هذا حاصل القصة مع طولها وتشعب أطرافها كذا في الفتح /١٢..
٢ وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عذري قام النبي- صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك، وتلي القرآن، فلما نزل من المنبر أمر برجلين والمرأة فضربوا حدهم وسماهم، حسان، ومسطح، وحمنة [وسنده صحيح]، واختلفوا في وجه تركه –صلى الله عليه وسلم- لجلد عبد الله بن أبي، فقيل لتوفير العذاب العظيم له في الآخرة، وحد من عداه ليكون ذلك تكفيرا لذنبهم، وقيل احتراما لابنه وإطفاء لنار الفتنة /١٢ فتح..
﴿ لَوْلَا ﴾ : هلا، ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴾ : حاصله هلا ظننتم خيرا أيها المؤمنون، والمؤمنات بالذين هم كأنفسكم حين سمعتم الإفك ممن اخترعه وقلتم بناء على ظنكم خيرا هذا إفك مبين، كما يقول المستقين المطلع على الحال، فلالتفات إلى الغيبة للمبالغة في التوبيخ، والإشعار بأن١ الإيمان يقتضي ظن الخير بمن هو كنفسه، فإن المؤمنين كنفس واحدة،
١ وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به، والحافظ له، وليتك تجد من يسمع فيسكت، ولا يشيع ما يسمعه بإخوانه، وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، قال العلماء: في الآية دليل على أن درجة الإيمان، والعفاف لا يزيلها الخبر المحتمل وإن شاع / ١٢ فتح..
﴿ لَوْلَا ﴾ : هلا، ﴿ جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾، أي : التفصلة بين الرمي الصادق، والكاذب شهادة الشهود الأربعة وانتفاؤها، والذين رموا حبيبة حبيب الله الطاهرة، ولم تكن لهم بينة، فكانوا كاذبين عند الله في حكمه١ وشرعه،
١ أو معدودون فيمن اعتادوا بالكذب، والكذب ليس من عادة المؤمنين كما في الصحيح ﴿أنه يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا﴾ /١٢ وجيز. [أخرجاه في الصحيحين]..
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾، جواب لولا الامتناعية قوله :﴿ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ ﴾ : خضتم، ﴿ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ : يستحقر في جنبه الجلد واللوم،
﴿ إِذْ ﴾، ظرف لمسكم، أو أفضتم، ﴿ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ : يأخذه بعض من بعض، يعني ما اكتفيتم بتهاونكم في تكذيب الرامين حتى أفشيتموه، ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم ﴾ : من غير روية وفكر، ﴿ مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ﴾ : وما هو إلا قول يدور في فيكم من غير ترجمة عن علم به في القلب، ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا ﴾ : سهلا لا تبعة له، ﴿ وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ : في الوزر،
﴿ وَلَوْلَا ﴾ : هلا، ﴿ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ : من المخترعين، ﴿ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا ﴾ : ما ينبغي، وما يصح لنا، ﴿ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا ﴾ قدم الظرف، وجعله فاصلا بين لولا وفعله، لأن ذكره أهم لبيان أن الواجب عليهم التهامي١* عن التكلم به أول ما سمعوه، ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾، أنزهك عن أن يكون لحرمة نبيك عيب يفضي إلى نقصه أو ذكره للتعجب، فإنه لفظ يذكر عند رؤية عجيب، { هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
١ كذا بالأصل ولعل الصواب (التناهي)..
﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا ﴾، أي كراهة أن تعودوا أو في أن تعودوا، ﴿ لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ : فإن الإيمان يمنع عنه،
﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ﴾ : لكي تتعظوا، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ﴾ : تنتشر، ﴿ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا١ وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ﴾ : السرائر، ﴿ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ : فيعاقب على ما في قلوبكم من مثل محبة إفشاء الفاحشة،
١ فيه دليل على أن إرادة الفسق، والرضاء به فسق، والمؤمن من يريد الخير لإخوانه /١٢ وجيز..
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رءوف رَحِيمٌ ﴾، تكريم للمنة، وتعظيم للجريمة بحذف جواب لولا١ولا يخفى ما فيه المبالغات.
١ كأنه قال ﴿لترون ما لا يخطر ببالكم﴾..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ : وساوسه وأوامره، ﴿ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾، فهو ضال، غاو، ﴿ فَإِنَّهُ ﴾، الشيطان، ﴿ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ﴾ : ما أفرط قبحه، ﴿ وَالْمُنكَرِ ﴾ : ما أنكره الشرع، ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى ﴾ : ما طهر من دنس النفس بواسطة وساوسه، ﴿ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء١ : فيوفقه على تهذيب الأخلاق، والتوبة الماحية دنسه، كما وفق بعض من أغواه بالإفك على التوبة وطهرهم، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ : بالأقوال، والنيات،
١ ومن دعائه –صلى الله عليه وسلم- اللهم آت نفسي تقواها وزكه أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها /٢. [أخرجه مسلم وغيره]..
﴿ وَلَا يَأْتَلِ ﴾ : لا يحلف، ﴿ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ ﴾ : في الدين، ﴿ وَالسَّعَةِ ﴾ : في المال، ﴿ أَن يُؤْتُوا ﴾، أي : في شأن إعطاء، ﴿ أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، يعني : لا يحلف على أن لا يعطيهم، ولا يتصدق علهم، وقيل معناه لا يقصر في إعطائهم على أن يأتل من الإلو نزلت١ حين حلف الصديق أن لا ينفق أبدا على ابن خالته المسكين المهاجر مسطح، لأنه قد زلق زلقة في الإفك، ﴿ وَلْيَعْفُوا ﴾ : ما فرط منهم، ﴿ وَلْيَصْفَحُوا ﴾ : بالإغماض عنه، ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ : بعفوكم عن الناس وصفحكم، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ : لما سمع الصديق الآية قال : بلى أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح نفقته، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا،
١ أخرجه ابن المنذر عن عائشة /١٢ فتح. [بل هو في الصحيحين]..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ : العفائف، ﴿ الْغَافِلَاتِ ﴾ : عما قذفن به، ﴿ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾، عن بعض السلف : إن من رمي الأزواج أمهات المؤمنين فهو ملعون، وليس له توبة، فالآية خاصة بهن والأصح أن الآية عامة مشروطة١* بعدم التوبة، وقد عد عليه السلام قذف المحصنات من السبع الموبقات٢*، وورد قذف المحصنة يعدم عمل مائة٣ سنة،
١ بالأصل (عام مشروط)..
٢ أخرجاه في الصحيحين..
٣ أخرجه الطبراني /١٢ وجيز [وسنده ضعيف]..
﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ ﴾، ظرف لمتعلق لهم، ﴿ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ : بأن أنطقهن الله من غير اختيارهم، عن ابن عباس : هذا خاص بالكفرة حين جحدوا كفرهم، وحلفوا على إيمانهم،
﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ ﴾ : جزاءهم، ﴿ الْحَقَّ ﴾ : الواجب المستحق، ﴿ وَيَعْلَمُونَ ﴾ : علما عيانيا، ﴿ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ : ذو الحق البين أي : العادل الظاهر العدل،
﴿ الْخَبِيثَاتُ ﴾ : من القول أو من النساء، ﴿ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ ﴾ : من الرجال، ﴿ لِلْخَبِيثَاتِ ﴾، من القول أو من النساء، ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ ﴾ : من القول أو من النساء، ﴿ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ ﴾، من الرجال، ﴿ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾، من القول أو من النساء، فما نسبوه إلى الصديقة هم أولى به، وهي أولى بالبراءة والثناء الجميل، ولا يكون أهل بيت الرسالة إلا طيبات مبرآت من الخبائث، ﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ : عائشة، وصفوان ذكرهما بلفظ الجمع، أو أهل بيت الرسالة، ﴿ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾، لأنها حليلة خليل الله، طيبة لطيب، عليه وعلى آله وأزواجه شرائف الصلوات والتحيات، ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ : لذنوبهم، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ : في الجنة.
﴿ يَا أَيُّهَا١ الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ : التي تسكنونها، ﴿ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا٢، تستأذنوا، ﴿ وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ : بأن تقولوا : السلام عليكم، أأدخل ؟ ويقول ذلك ثلاثا، فإن أذن له دخل، وإلا رجع، وإن كان بيت أمه وبنته، ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ : الاستئذان والتسليم، ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، أي : أنزل عليكم أو قيل لكم هذا إرادة أن تتعظوا، وتتأدبوا،
١ ولما وجد أهل الإفك سبيلا إلى البهتان لاتفاق الخلوة تعالى بشيء لا يكون لأحد طريق في التهم فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا﴾ الآية، هذا ما في الوجيز وفي الفتح ولما زجر عن الزنا والقذف شرع في الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان، لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء، فربما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا﴾ الآية ١٢..
٢ وفي مصحف عبد الله (حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا) وعن عكرمة نحوه، أخرج ابن أبي شيبة، والطبراني وغيرهما عن أبي أيوب قال: قلت يا رسول الله أرأيت قول الله: (حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس، قال: (يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت، قال ابن كثير: هذا حديث غريب [وأخرجه أيضا ابن ماجه (٣٧٠٧)، وهو ضعيف، وانظر ضعيف ابن ماجة (٨٠٩)]، وأخرجه الطبراني عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الاستئناس أن تدعو الخادم حتى يستأنس أهل البيت الذين تسلم عليهم [وهو ضعيف كالذي قبله]، وقال الأكثرون: إنه يقدم السلام على الاستئذان فيقول: (السلام عليكم أدخل ؟، وهو الحق، لأن البيان منه صلى الله عليه وسلم للآية كان هكذا /١٢ فتح..
﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا ﴾ : في البيوت، ﴿ أَحَدًا ﴾ : يأذن لكم، ﴿ فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾، يعني : حتى يأتي من يأذن لكم أو لا تدخلوها إلا بإذن مالكها، ﴿ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ﴾ : ولا تلحوا، ﴿ هُوَ ﴾ : الرجوع، ﴿ أَزْكَى ﴾ : أطهر وأصلح، ﴿ لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ : فيجازيكم به.
﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾، حرج، ﴿ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ١، هذا تخصيص بعد تعميم، ﴿ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ﴾، كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة، وعن بعض : المراد منها الخانات والرُّبط، وقوله :﴿ فيها متاع لكم ﴾ أي : استمتاع لكم، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾، فلا تدخلوا الفساد، ولا تطلعوا على عورات،
١ فإن الغرض من الأذن كف النظر عن العورات، وليس في غير المسكون عورة /١٢..
﴿ قُل١ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾، أي : عما يحرم، ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ : عن الحرام دخل من التبعيض في النظر دون الفرج دلالة على أن أمر النظر٢ أوسع وعن بعض : حفظ الفروج ههنا سترها، ﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ : فكونوا على حذر منه في حركاتكم، وسكناتكم،
١ ولما ذكر الاستئذان لئلا يقع النظر على عورة قال ﴿قل للمؤمنين﴾: الآية /١٢ وجيز..
٢ لأن أول النظر لا يملك، ولهذا في الحديث ﴿لا تتبع النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية﴾ [وهو حديث حسن، وانظر صحيح الجامع (٧٩٥٣)]، وقدم النظر لأنه هو بريد الفجور، والبلوى فيه أكثر، وقد فسره ابن كثير بحفظ الفرج عن الزنا وكشف العورة وهو حسن / ١٢ وجيز..
﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ١ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ : عما يحرم عليهن النظر إليه، ﴿ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ : عما يحرم، ﴿ وَلَا يُبْدِينَ ﴾، لا يظهرن، ﴿ زِينَتَهُنَّ ﴾ : كالخلخال والقرط، وغيرهما، ﴿ إِلَّا مَا ظَهَرَ٢ مِنْهَا ﴾ : كالخاتم والكحل، ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ﴾، جمع خمار وهو المقنعة، ﴿ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾، ليسترن بذلك القرط، والأعناق والصدر، ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾، أي : الزينة الخفية، ﴿ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ٣ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ : المؤمنات أما الكافرات فعند أكثر٤ السلف أنهن كالأباعد٥، قال بعض السلف، الأولى أن يُسَتَّرن من العم، والخال حذرا عن أن يصفاهن لأبنائهما، ولهذا لم يذكرهما٦، ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾، أكثر السلف على أن العبيد كالآباء٧، والأبناء، وعن بعض : أن المراد ما ملكت من إماء المشركات فإنهن محرمات، ﴿ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ﴾، الإربة الحاجة، والمراد منهم من لا حاجة لهم إلى النساء، ويتبعون ليصيبوا من أفضل الطعام، أو الأحمق الغبي، أو من يستطيع غشيان النساء، ومن قرأ غير بالنصب فعنده أنه حال أو بتقدير أعنى، ﴿ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء ﴾، وصف المفرد بالجمع، لأن المراد به الجنس، أي : أطفال لا يعرفون ما العورة، فمعنى الظهور الاطلاع أو المراد أطفال لم يبلغوا من الظهور بمعنى الغلبة، ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾ : الأرض، ﴿ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾ : من صوت الخلخال، وهذا من عادات الجاهلية، ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ : من التقصير في أوامره، ونواهيه، أو المراد توبوا عن مثل٨ ما كنتم عليه في الجاهلية من أمر النظر، وغيره، ﴿ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٩ : راجين الفلاح،
١ أمرهن مصرحا لا في ضمن أمر الرجال لكمال الاهتمام في شأن غض البصر وحفظ الفرج /١٢ وجيز..
٢ كالخاتم، والكحل، قال ابن مسعود: (ما ظهر منها: هو الثياب، ونص على هذا أحمد، قال تعالى: ﴿خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ وذكر الزينة دون مواضعها مبالغة في الأمر بالستر فعلم ستر مواضعها بطريق الأولى /١٢ وجيز..
٣ قدم الأزواج، لأن اطلاعهم يقع على أعظم من الزينة، بل الزينة لهم /١٢ وجيز..
٤ وقد كتب عمر بن عبد العزيز [وهذا وهم وصوابه (عمر بن الخطاب –رضي الله عنه) تفسير القرطبي (٦/٢١٦) وتفسير ابن كثير (٣/٢٨٥)] إلى أبي عبيدة أن امنع نساء أهل الذمة من دخول الحمام مع المؤمنات/١٢..
٥ صرح بذلك عمر بن الخطاب ومجاهد / ١٢ منه..
٦ قال الشعبي، وعكرمة: الأولى أن تتحاشى منهما حذرا من أن يصافهن لأبنائهما فلهذا لم يذكر هما /١٢ وجيز..
٧ وعليه حديث صحيح/١٢ وجيز. [وهو قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما وهبها عبدا ورآها تستر نفسها منه: (لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك) أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح]..
٨ وفي معنى إبداء مثل الخلخل والتطيب عند الخروج من بيتها كما ثبت في الترمذي: (إذا استعطرت فمرت بمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية) / ١٢ وجيز [صحيح]..
٩ قيل ليس في كتاب الله آية أكثر ضمائر من هذه جمعت خمسة وعشرين للمؤمنات من مخفوض ومرفوع، ولما كان النظر بالشهوة، وهم الوقوع هذا في الزنا غالبة في العزب أعقب أمر غض البصر، وحفظ الفرج بالتزوج فقال: ﴿وانكحوا الأيامي﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وانكِحُوا١ : أيها الأولياء والسادة، ﴿ الْأَيَامَى ﴾ : العزب ذكرت كان أو أنثى بكرا أو ثيبا، ﴿ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾، خص الصالحين، لأن إحصان دينهم والاعتناء بحالهم أهم وأكثر، ﴿ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾، يعني لا يمنعكم فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة، قال تعالي :( وإن خفتم علية فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء الله ) قال الصديق رضي الله عنه :﴿ أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال تعالى : وإن خفتم عليه فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ﴾، ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ : لا ينفد جوده، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ : بصلاح أحوال عباده في البسط والقبض،
١ والأمر في ﴿أنكحوا﴾ للندب عند الأكثرين /١٢..
﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ ﴾ : ليجتهد في العفة عن الحرام، ﴿ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ﴾، أي : أسبابه١، ﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ : فيجدوا ما يتزوجون به، ﴿ وَالَّذِينَ٢ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾، أي : يطلبون من مواليهم أن يكاتبوهم، ويبيعوهم منهم، ﴿ فَكَاتِبُوهُمْ ﴾، خبر للموصول أو مفسر لفعل ناصب للموصول، والفاء لتضمن معنى الشرط، والأمر للندب عند الأكثرين، ﴿ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾، في الحديث٣ إن علمتم فيهم حرفة، ولا ترسلوهم كلابا على الناس، أو أمانة وكسبا، أو صدقا وصلاحا في الدين، ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ أي : اطرحوا لهم من الكتابة بعضها والأكثرون على أن طرح شيء منها واجب، والمراد أمر المسلمين بإعطائهم سهمهم من الزكاة أو بإعانتهم في أداء الكتابة، ﴿ وَلَا٤ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ ﴾، إماءكم، ﴿ عَلَى الْبِغَاء ﴾ : علي الزنا، ﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾، هذا الشرط للاتعاظ يعني : ينبغي أن يحترز من تلك الرذيلة، وإن لم يكن زاجر شرعي حتى لا تكون أمته خيرا منه، وحاصله لو كانت للأمة هذه الخصلة فما أقبح على مولاها أن يكرهها على الرذيلة، والإكراه لا يأتي إلا مع إدارة التعفف، ﴿ لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾، يعني : ما يؤاخذ من أجورهن نزلت٥ حين شكت فتيات ابن أبي بن سلول عند النبي عليه السلام عن إكراههم على الزنا، ﴿ وَمَن يُكْرِههُّنَّ ﴾ : على الزنا، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ ﴾ : لهن، ﴿ رَّحِيمٌ ﴾، والوزر على المكره وفي مصحف ابن مسعود لفظ لهن مكتوب،
١ وقيل النكاح اسم لما يمهر به كاللخاف، واللباس اسم لما يحلف به ويلبس /١٢ وجيز..
٢ أمر أولا بما يعصم من الفتنة، وهو غض البصر، ثم بالنكاح الذي هو عاصم ثم بالحمل على النفس (*) الأمارة بالسوء عند العجز عن النكاح على رزق القدرة، ولما ذكر العبيد والإماء الطالبين الراغبين في النكاح، وبعث السيد على تزويجهم رغبهم في أن يكاتبوهم إن طلبوا ذلك فقال: ﴿والذين﴾ الآية / ١٢ وجيز..
٣ رواه أبو داود في المراسيل /١٢ منه. [وهو ضعيف]..
٤ ولما أمر سبحانه بالرفق نهي عن ضده فقال: ﴿ولا تكرهوا فتياتكم﴾ الآية /١٢ وجيز..
٥ كما نقله البراز في مسنده والمفسرون /١٢ وجيز [ذكره الهيثمي في (المجمع)، (٧/٨٣) وقال: (رواه الطبراني والبراز بنحوه ورجال الطبراني رجال الصحيح)]..
﴿ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾، بينت وأوضحت آي القرآن، ﴿ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ ﴾، أمثال من أمثال من قبلكم، وما حل بهم من مخالفتهم أوامر الله قال تعالى : فجعناهم سلفا ومثلا للآخرين }، ﴿ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ١، فإنهم المنتفعون بمواعظ القرآن.
١ فإنهم المنتفعون بمواعظ القرآن ولما قال آيات مبينات، ومثلا، وما القرآن إلا هدي ونور كما وصفه الله بذلك أعقبه بقوله: ﴿الله نور السموات﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ اللَّهُ١ نُورُ السَّمَاوَاتِ٢ وَالْأَرْضِ ﴾ : منورهم أو مدبرهما، يقال : فلان نور قومه يعتدون به في أمورهم، أو موجدهما عن ابن مسعود ﴿ إن ربكم ليس عنده ليل، ولا نهار، نور العرش من نور وجهه ﴾، قال حجة الإسلام :( النور في الحقيقة اسم لكل ما هو ظاهر بذاته مظهر لغيره، والله سبحانه هو المتصف بهذه الصفة، فهو النور الحقيقي، ﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ : صفة نور الله، وهداه في قلب المؤمن، وكان ابن مسعود يقرأ :( مثل نور الله قلب المؤمن )، وعن بعض : الضمير للمؤمن الدال عليه سياق الكلام، وكان أُبي يقرأ ( مثل نور من آمن به ) أو المراد من النور القرآن، أو محمد – عليه السلام- أو طاعة الله، قيل : إضافة النور إلى ضمير الله دليل على أن إطلاق النور على الله ليس على ظاهره، ﴿ كَمِشْكَاةٍ ﴾ : أي صفته صفة كوة غير نافذة، أو هي موضع الفتيلة من القنديل، وعليه أكثر السلف، ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾، سراج أو فتية مشتعلة، فالكوة صدر المؤمن، والمصباح نور من الله في قلبه أو القرآن، ﴿ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ : قنديل من الزجاج، ﴿ الزُّجَاجَةُ ﴾ : لما فيها من النور، ﴿ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ : مضيء متلألئ كالزهرة في صفاته منسوب إلى الدر، أو فعيل من الدر فإنه يدفع الظلام بضوئه، أو كوكب يُدرأ، أي : يدفع ويرمي به، والكواكب في ذلك الحين أشد استنارة من سائر الأحوال، وقبلت همزته ياء، ﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ ﴾، أي : ابتداء ثقوبه من شجرة الزيت المتكاثر نفعه، يعمي رويت ذبالته بزيتها، وفي تنكير الشجرة ووصفها ثم الإبدال عنها تفخيم لشأن الزيت، ﴿ لَّا شَرْقِيَّةٍ ﴾ : وحدها فلا تصيبها الشمس في السماء، ﴿ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ : وحدها فلا تصيبها في الغداة، بل في مكان عليها الشمس مشرقة من أول طلوعها إلى آخر غروبها كصحراء أو رأس جبل فزيتها أضوء، وهذا نحو فلان ليس بأسود ولا أبيض، أولا في مضحي تشرق عليها الشمس فتحرقها، ولا في مقناة تغيب عنها دائما فيتركها نيا، أو لا نابتة في شرق الأرض، ولا في غربها، بل في وسطها، وهو الشام فإن زيتونه أجود أو لا في شرقية من الشجر، ولا في غربية، بل في وسط الشجر أو ليست من أشجار الدنيا، إذ لو كانت منها لكانت أحدهما، لكنه مثل ضربه الله لنوره فإن نور قلب المؤمن من نور الله، ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ﴾ : بنفسه، ﴿ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ : لفرط بريقه وضوء إشراقه، ﴿ نُّورٌ٣ عَلَى نُورٍ ﴾، نوره متضاعف نور النار ونور ذلك الزيت، ونور القنديل، وضبط المشكاة لأشعته، ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء ﴾، ويزين فؤاد عباده المؤمنين بنور من نوره، فينشرح صدورهم لمعارفه، عن ابن عباس يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدي قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هديا ونورا على هدي ونور عن بعضهم : القرآن المصباح، والزجاجة قلب المؤمن، والمشكاة لسانه، وفمه والشجرة الوحي، يكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ ( نور على نور ) نور القرآن والدلائل العقلية، ونور البصيرة، ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ﴾ : تقريبا للأفهام وتسهيلا لسبيل الإدراك، ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ : من المعقول، والمحسوس الظاهر، والخفي الكلي، والجزئي.
١ قال الإمام شمس الدين ابن القيم في القصيدة النونية: فصل:
والنور من أسمائه أيضا ومن أوصافه سبحانه ذي البرهان
بقال ابن مسعود كلاما قد حكا ه الدارمي عنه بلا نكران
ما عنده ليل يكون ولا نهار *** قلت تحت الفلك يوجد ذان
نور السموات العلي من نوره *** والأرض كيف النجم والقمران
من نور وجه الرب جل جلاله وكذا حكاه الحافظ الطبران
فيه استنار العرش والكرسي مع سبع الطباق وسائر الأكوان
وكتابه نور كذلك شرعه نور كذا المبعوث بالفرقان
وكذلك الإيمان في قلب الفتي نور على نور مع القرآن
وحجابه نور ولو كشف الحجاب لأحرق السبحات للأكوان
وإذا أتى للفضل يشرق نوره في الأرض يوم قيامة الأبدان
وكذلك دار الرب جنات العلي نور تلألأ ليس ذا بطلان
والنور ذو نوعين مخلوق وو صف ما هو والله متحدان
وكذلك المخلوق ذو نوعين محسوس ومعقول هما شيئان
احذر تزل فتحت قدمك هوة كم قد هوي فيها على الأزمان
من عابد بالجهل زلت رجله فهوى إلى قعر الحضيض الدان
لاحت له آثار أنوار العبا دة ظنها الأنوار للرحمن
فأتي بكل مصيبة وبلية ما شئت من شطح ومن هذيان
وكذا الحلولي الذي هو خدنه من ههنا حقا هما أخوان
ويقابل الرجلين ذو التعطيل و الحجب الكثيفة ما هما سيان
ذا في كثافة طبعه وظلامه وبظلمة التعطيل هذا الثان
والنور محجوب فلا هذا ولا هذا له من ظلمة يريان
انتهى من عينها..

٢ أي: منورهما ويؤيد هذا المعنى قوله: ﴿مثل نوره﴾ بالإضافة إلى ضميره وقراءة علي ابن أبي طالب وأبي جعفر وعبد العزيز المكي وزيد بن علي وثابت بن أبي حفصة وسلمة بن عبد الملك وأبي عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن إياس بن أبي ربيعة (نورا) فعلا ماضيا والأرض بالنصب /١٢ وجيز..
٣ وهنا تم المثال وأما أحسن ذلك حيث ذكر المصباح مرتين نكرة ومعرفة، وكذلك الزجاجة، وما اكتفى بقوله كمشكاة مصباح المصباح في زجاجة للتفخيم والتعظيم، ولقد أحسن أبو تمام وقد مدح ملكا وقال:
إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس
فقيل له شبهت ملكا عظيما بأجلاف العرب، فقال مرتجلا.
لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا شرودا في النداء والباس
والله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس
النبراس أي: المصباح، فإن المثل للتفهيم / ١٢ وجيز. .

﴿ فِي بُيُوتٍ١، أي : كمشكاة في بعض بيوت، وهي المساجد كأنه قيل : مثل نوره في قلبه كما ترى في المساجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، وقيل متعلق بما بعده أي : يسبح في بيوت، ولفظ فيها تكرير نحو زيد في الدار جالس فيها، أو بمحذوف أي : سبحوا في بيوت، ﴿ أَذِنَ اللَّهُ ﴾ : أمر الله، ﴿ أَن تُرْفَعَ ﴾، أن يعظم قدرها فيطهرها من الدنس، واللغو، وكل ما لا يليق فيها، ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾، المراد من التسبيح إما الصلاة، وبالغدو الصبح، وبالآصال باقي الصلوات، لأن اسم الأصيل يجمعها أو صلاة الصبح والعصر٢، وإما التسبيح والتنزيه، والذكر في طرفي النهار،
١ ولما ذكر أنه يهدي لنوره من يشاء ذكر حال من حصلت له الهداية لذلك النور فذكر أشرف عباداتهم القلبية، وهي التنزيه عن النقائص، وفي أشرف بيوت وهو المساجد، وقد جاء التقسيم لقابل الهداية، وغير قابلها، فبدأ بالصالحين ثم الطالحين فقال: (﴿في بيوت﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ يعني أو المراد بالغدو صلاة الصبح وبالآصال صلاة العصر /١٢ منه..
﴿ رِجَالٌ ﴾، فاعل يسبح، وعند من قرأ يسبح بصيغة المفعول ففاعل محذوف كأنه قيل من يسبح١ فأجاب يسبح رجال، ﴿ لَّا تُلْهِيهِمْ ﴾ : لا تشغلهم، ﴿ تِجَارَةٌ ﴾ : معاملة رائجة، ﴿ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ٢ اللَّهِ ﴾، أو المراد بالتجارة الشري٣*، فإنه أصلها ومبدأها، أو التجارة الجلب فإن من يجلب الأمتعة من بلد إلى بلد للبيع هو التاجر، ﴿ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾، عطف على ذكر الله، أي : لا يشغلهم شيء عن إقامة الصلاة، ﴿ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا ﴾ : مع تلك الطاعات، ﴿ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾، تضطرب، وتتغير من الهول وهو يوم القيامة،
١ نحو:
فلبيك يزيد ضارع لخصومة
١٢..

٢ يعني لهم تجارة وبيع ولكن ذكر الله أخذ بمجامع قلوبهم فلا يشغلهم شيء عن ذكره /١٢ وجيز..
٣ ذا بالأصل، وأرى أن تكتب (الشراء)..
﴿ لِيَجْزِيَهُمُ ﴾، متعلق بيسبح، أو لا تلهيهم، ﴿ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ﴾، أي : أحسن جزاء أعمالهم، ﴿ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ : أشياء لم تخطر ببالهم، ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ١ حِسَابٍ ﴾
١ ولما ذكر حال المؤمنين بين حال الكافرين فقال: ﴿والذين كفروا﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ ﴾، هو ما يرى في الفلاة وقت الظهيرة فيظن أنه ماء، ﴿ بِقِيعَةٍ ﴾، هي بمعنى القاع، وهو الأرض المستوية، ﴿ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ﴾ : العطشان١ في القيامة، ﴿ مَاء ﴾، فتوجه إليه، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءهُ ﴾ : جاء السراب، ﴿ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ : مما ظنه، ﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ ﴾ : محاسبا إياه، ﴿ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ : جزاء عمله، ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾، لا يشغله حساب عن حساب كذلك الكفار يحسب أن عمله مغن عن عقاب الله، فإذا جاء إليه ليغنيه عند الموت في أشد أوقات الحاجة لم يجد عمله ينفعه ووجد الله عنده، أو وجد عقابه عنده، فوفاه جزاء عمله، فيجر إلى جهنم وبئس المهاد.
١ يعني المشبه به سراب يراه العطشان في القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد إلا نقيض ما رجاه وقلنا العطشان في القيامة ليحصل التقرب من أول التشبيه، وتتمته وهو قوله ﴿وجد الله عنده﴾إلخ وعلى هذا المشبه به أمر خيالي لا موجود فتأمل ولا تغفل /١٢ منه..
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ ﴾، عطف على كسراب وأو للتخيير أو للتنويع، فإن الأول حال رؤسائهم وعقلائهم، والثاني حال مقلديهم وجهالهم، ﴿ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ﴾ : عميق كثير الماء، ﴿ يَغْشَاهُ ﴾ : يعلو البحر، ﴿ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾ : أمواج مترادفة، ﴿ مِّن فَوْقِهِ ﴾، الضمير إلى الموج الثاني، ﴿ سَحَابٌ ﴾، يظلمه، ﴿ ظُلُمَاتٌ ﴾، أي : هذه ظلمات١، ﴿ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾، وقراءة جر ظلمات على أنها بدل من ظلمات ﴿ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ : لم يقرب من أن يراها فضلا عن أن يراها والضمائر لمن في البحر لدلالة الفحوى عليه شبه أعمالهم في سوادها وظلمتها، وما في قلوبهم من الجهل والحيرة بظلمات متراكمة في غاية ما يكون بحيث لا يمكن أن يهتدي إلى النور سبيلا، ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾، هذا في مقابلة يهدي الله لنوره من يشاء، وقوله :﴿ نور على نور ﴾.
١ إشارة إلى أن ظلمات خبر لمبتدأ محذوف /١٢ منه..
﴿ أَلَمْ١ تَرَ ﴾ : ألم تعلم علما كالمشاهدة في اليقين، ﴿ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، من لتغليب ذوي العقول والمراد أعم، ولكل من الجمادات أيضا لسان به يذكرون الله يسمعه من يسمع، وقيل المراد لسان الحال، ﴿ وَالطَّيْرُ ﴾، عطف على من، ﴿ صَافَّاتٍ ﴾ : باسطات أجنحتهن في الهواء يسبحن بتسبيحات هو يلهمها، قيل : خصها ؛ لأنها ليست في أرض ولا في سماء، ﴿ كُلٌّ ﴾ : منهم، ﴿ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾، أي : قد علم هو صلاة نفسه كيف يصلي ويسبح٢ أو قد علم الله صلاته، وتسبيحه لا يخفى عليه، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾
١ ولما أخبر أن الله هو نور السموات والأرض وعلم أن ظهورهما وظهور ما فيهما من نوره بين أن الموجودات التي ظهرت من نوره دالة مبينة لموجدها فقال: ﴿ألم تر﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ بإلهام الله إياه كما ألهم الطير دقائق العلوم بحيث تحير فيه عقول العقلاء /١٢ وجيز..
﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ : مرجع الكل إليه،
﴿ أَلَمْ١ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾، يسوقه ثم يجمع بين قطعه، وأجزاءه، ويضم بعضه إلى بعض، ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾ : متراكما بعضه فوق بعض، ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾ : المطر، ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾ : فرجه وفتوقه، ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾، أي : ينزل مبتدأ من السماء من جبال فيها من برد بردا، فيكون من برد بيان للجبال، والمفعول محذوف٢، أو من الثالثة للتبعيض وهو المفعول، وعن بعض السلف٣ إن في السماء جبال برد يترل الله منه البرد، أو معناه يترل الله من جانب السماء من قطع عظام من الغيم يشبه الجبال بعض برد، ﴿ فَيُصِيبُ بِهِ ﴾ : بالبرد، ﴿ مَن يَشَاء ﴾ : أن يصيبه، ﴿ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء ﴾ : أن يصرفه عنه، ﴿ يَكَادُ سَنَا ﴾ : ضوء، ﴿ بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ : من فرط الإضاءة، فهو الله سبحانه مخرج الماء والنار، والظلمة، والنور من شيء واحد٤،
١ ولما ذكر أن الكل منقاد وذكر ملكه والمصير إليه أخذ يؤكد ذلك بعجيب من أفعاله مشعر بانتقال من حال إلى حال منبه على إمكان الانتقال إلى المعاد فقال: ﴿ألم تر أن الله يزجي﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ هو قولنا بردا لما قدرنا /١٢ منه..
٣ نقله محيي السنة عن ابن عباس /١٢ منه..
٤ وعادة الله جارية بأن برق غيم البرد أضوء، ورعده أشد /١٢ وجيز..
﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ : يصرفها في اختلافهما، وتعاقبهما، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾، المذكورات، ﴿ لَعِبْرَةً ﴾ : دلالة، ﴿ لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ ﴾ : لذوي العقول،
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ﴾، وهو النطفة، ﴿ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ﴾، كالحية : قدمه، لأنه أدخل في القدرة وأغرب، ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ﴾، كالإنسان والطير، ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ﴾، كالنعم جعل الدواب وهي ما يدب في الأرض كلها مميزين تغليبا١ للعقلاء، فلذلك قال :﴿ فمنهم من ) إلخ. . ، وعن بعض : أن الماء أول مخلوق، والريح والنار والطين خلق منه، { يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء ﴾ : أن يخلقه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ﴾
١ فإنه دخل في قوله: كل دابة الإنسان، وهم ذووا العقول فغلبهم فلما غلبهم في المجمل استعمل لفظة من التي هي لذوي العقول في تفصيله، ليكون على وتيرة المجمل، وطريقته فافهم /١٢ منه..
ٌ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ﴾ : لكمال قدرتنا، ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء ﴾ : هاديته، ﴿ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، فيبصره آياته، ويعلمه الكتاب والحكمة،
﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ : الذين مع محمد – صلى الله عليه وسلم، ﴿ آمَنَّا١ بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ﴾ : لهما، ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّى ﴾ : يعرض عن قبول حكم الله ورسوله، ﴿ فَرِيقٌ مِّنْهُم ﴾ : كالمنافقين، ﴿ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ : القول، واعتراف، ﴿ وَمَا أُوْلَئِكَ ﴾ : الفريق، ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾، أو ما أولئك الذين يقولون آمنا وأطعنا مجموعين بمؤمنين، بل فيهم كافرون٢،
١ ولما ذكر دلائل التوحيد اتبع ذلك بذم قوم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم فقال: ﴿ويقولون آمنا بالله﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ على الأول أولئك إشارة إلى المنافقين خاصة، وعلى الثاني إلي المجموع من حيث المجموع /١٢ منه..
﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ : الحاكم نبي الله عليه السلام يحكم بحكم الله، ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ١ : فاجئوا الإعراض لعلمهم أنه لا يحكم إلا بالحق، وهم يريدون الباطل إن كان الحق٢ عليهم،
١ وهذا هو شأن مقلدة المذاهب بعينه اليوم يعرضون على إجابة الداعي إلى الله ورسوله، وعن التحاكم إليهما أي: إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم /١٢ فتح..
٢ هذا القيد يعلم من مقابلة قوله: ﴿وإن يكن لهم الحق﴾ /إلخ.. فلا تغفل /١٢ منه..
﴿ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ ﴾ : لا عليهم، ﴿ يَأْتُوا إِلَيْهِ ﴾ : إليه رسول الله، ﴿ مُذْعِنِينَ١ : منقادين قيل نزلت٢ في منافق، ويهودي، وهو يجره إلى النبي – عليه السلام-، والمنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما،
١ وما أصدق هذه الآية على المقلدين في صنيعهم مع أهل القرآن وأصحاب الحديث /١٢ فتح..
٢ نقله محي السنة رضي الله عنه /١٢..
﴿ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ : كفر ونفاق، وقيل جنون، ﴿ أَمِ ارْتَابُوا ﴾ : في نبوتك، ﴿ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ﴾ : في الحكومة، ﴿ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، أي : لا يرتابون، ولا يخافون لعلمهم بنبوتك، وبأن الله لا يظلم وإنما هم يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم أو معناه لا يظلم، ولا يحيف١ الله لأحد، بل هم الظالمون لأنفسهم.
١ على الأول، بل إضراب عن قوله: ﴿أم ارتابوا﴾ وقوله: ﴿أم يخافون﴾، وعلى الثاني عن قوله: ﴿أم يخافون﴾ وعلى قول أن فسر المرض بالجنون يمكن أن يكون بل إضرابا عن الثلاثة / ١٢منه..
﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا١ دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾، سواء كان الحق لهم أو عليهم، ﴿ أَن يَقُولُوا ﴾، اسم كان، ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
١ وفي هذه الآية دليل على وجوب الإجابة إلى القاضي العالم بحكم الله العادل في حكمه لأن العلماء ورثة الأنبياء، والحكم من قضاة الإسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنة، العادلين في القضاء هو حكم بحكم الله ورسوله، فالداعي إلى التحاكم إليهم قد دعي إلى الله وإلى رسوله، أي: إلى حكمهما فإن حكمهما فإن كان القاضي مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنة، بل كان جاهلا جهلا بسيطا، وهو من لا علم له بشيء من ذلك أو جهلا مركبا، وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ولكنه قد عرف بعض اجتهادات المجتهدين، واطلع على شيء من علم الرأي(*) فهذا في الحقيقة جاهل وإن اعتقد أنه يعلم بشيء من العلم فاعتقاده باطل فمن كان من القضاة هكذا فلا تجب الإجابة إليه لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله، بل هو من قضاة الطاغوت، وحكام الباطل وإذا تقرر لديك هذا، وفهمته علمت أن التقليد والانتساب إلى عالم العلماء دون غيره، والتعبد بجميع ما جاء به من رواية ورأي وإهمال ما عداه من أعظم ما حدث في هذه الملة الإسلامية من البدع المضلة والفواقر الموحشة، فإنا لله وإنا إليه راجعون / ١٢فتح.
* بالأصل (الرائي)..

﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ : فيما ساءه وسره، ﴿ وَيَخْشَ اللَّهَ ﴾ : على ما مضى من ذنوبه، ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾ : فيما بقي من عمره في بعض اللغات إذا أسقط الياء للجزم يسكنون ما قبلها فيقال : لم أشتر طعاما، ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ : بوفق، بل فوق بغيتهم،
﴿ وَأَقْسَمُوا١ بِاللَّهِ جَهْدَ٢ أَيْمَانِهِمْ ﴾ : قسما غليظا، ﴿ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ ﴾ : بالخروج إلى الغزو، ﴿ لَيَخْرُجُنّ ﴾، جواب لأقسموا، ﴿ قُل ﴾ : لهم، ﴿ لَّا تُقْسِمُوا ﴾ : على الكذب، ﴿ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ﴾، أي : طاعتكم طاعة مشهورة معلومة بأنها قول لا فعل معه، أو الذي يطلب منكم طاعة معروفة لا إيمان بمجرد الأفواه أو طاعة معروفة أولى وأمثل من هذا الإيمان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ : فلا يخفي عليه سرائركم،
١ ولما استطرد حكاية قول المؤمنين رجع إلى بيان أحوال المنافقين فقال: ﴿وأقسموا بالله﴾ الآية ١٢..
٢ مر مرار أن جهد مفعول مطلق من أقسم من غير لفظه أو تقديره يجهدون جهد أيمانهم / ١٢ منه..
﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن١ تَوَلَّوا ﴾ : تتولوا عن الطاعة، ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ ﴾ : على محمد :﴿ مَا حُمِّلَ ﴾ : من تبليغ الرسالة، فإذا أدى خرج عن عهدته، ﴿ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾ : من القبول فإن أعرضتم فقد تعرضتم لسخط الله، ﴿ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ : إلى الحق، ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ : التبليغ الموضح فضرر عدم القبول ليس إلا لكم،
١ اعلم قوله: ﴿فإن تولوا﴾ خطاب بدليل قوله: ﴿فإنما عليه﴾ وقوله: ﴿وإن تطيعوه﴾ والأصل فإن تولوا فإنما عليك ما حملت وعليهم ما حملوا ففيه التفات لأنه جعلهم غيبا حيث أمر الرسول بخطابهم في قوله: ﴿قل﴾، أي: قل لهم، ثم خاطبهم بقوله ﴿فإن تولوا﴾ على أنه خطاب مستقل من الله لا من تتمة المقول فهو الفتات حقيقي /١٢ منه..
﴿ وَعَدَ اللَّهُ١ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ﴾ : ليجعلهم خلفاء متصرفين في الأرض لما كان الوعد من الله في تحقيقه كالقسم تلقي بما يتلقى به القسم أو تقديره وعد الله الذين آمنوا وأقسموا ليستخلفنهم، ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾، داود وسليمان، وغيرهما أو بني إسرائيل أهلك القبط، وأورثهم أرضهم، ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾ : تمكينه تثبيته وإحكامه، ﴿ الَّذِي ارْتَضَى ﴾، اختار، ﴿ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ ﴾ : من الأعداء، ﴿ أَمْنًا ﴾، منهم نزلت٢ حين قالوا : يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون، ما يأتي علينا يوم نضع السلاح، ﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾، استئناف كأنه قيل : لم يستخلفون، ويؤمنون، فقال :﴿ يعبدونني ﴾ أو حال أي : وعدهم ذلك في حال عبادتهم، ﴿ لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾، حال من فاعل يعبد، ﴿ وَمَن كَفَرَ ﴾ : هذه النعمة، ﴿ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ : بعد حصول الخلافة والأمن أو كفر بمعنى ارتد، ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ : الكاملون في الفسق،
١ ولما قال: ﴿وما على الرسول إلا البلاغ﴾ وصارت النفوس طامحة بأن يعلموا الحال بعد تبليغ الرسول، وعدم قبولهم قوله قال مبينا حال المؤمنين السامعين، ومن ضمنه يعلم حال الجاحدين ﴿وعد الله الذين آمنوا﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ نقله محي الدين، والشيخ عماد الدين ابن كثير /١٢ منه..
﴿ وَأَقِيمُوا١ الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ : فيما أمر ونهي، ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ : راجين رحمة الله،
١ ولما تمت لهم البشرى ومعناه اعبدوا ولا تشركوا، ولا تكفروا نعمه أو لا ترتدوا عطف عليه بقوله: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ١ : يا محمد، ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ ﴾ : الله عن إهلاكهم، ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾، وفي قراءة بالغيبة، والذين فاعله، ومعجزين في الأرض مفعولاه، أي : لا يحسبن الكفار في الأرض أحدا يعجز الله حتى يطعموا في مثل ذلك، ﴿ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ﴾، حال أي : لا نبغي هذا الحسبان، وقد أعد لهم النار، ﴿ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾، النار.
١ ولما وعد المؤمنين ما وعدهم كأن قائلا قال: كيف والكفار في كثرة وقوة ؟، فقال: لا تحسبن أيها المخاطب الذين كفرو الآية /١٢ وجيز..
﴿ يَا أَيُّهَا١ الَّذِينَ٢ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ : من العبيد والإماء نزلت لما دخل٣ غلام أسماء بنت أبي مرثد عليها في وقت كرهته، أو لما دخل٤ على عمر غلام وقت الظهيرة وهو نائم منكشف عنه ثوبه، قيل هذا رجوع إلى تتمة الأحكام السابقة بعد الفراغ عن الآيات الدالة على وجوب الطاعة فيما سلف من الأحكام وغيره، ووعد عليها على الإعراض عنها، ﴿ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ﴾ : من الأحرار، ﴿ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ﴾ : في اليوم والليلة، ﴿ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ ﴾، بدل من ثلاث مرات، أو تقديره هي من قبل صلاة الفجر، ﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم ﴾ : لأجل القيلولة، ﴿ مِّنَ الظَّهِيرَةِ ﴾، بيان للحين، ﴿ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ﴾ : الآخرة، ﴿ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ﴾، أي : هذه الأوقات ثلاث أوقات عورات سمي هذه الأوقات عورات، لأن الناس يختل فيها تسترها، والعورة الخلل، وقراءة نصب ثلاث بالبدلية من ثلاث مرات، ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ ﴾ : في ترك الاستئذان، ﴿ بَعْدَهُنَّ ﴾، بعد هذه الأوقات والآية السابقة في الأحرار البالغين، وهذه في المماليك٥ والصبيان، ﴿ طَوَّافُونَ ﴾، أي : هم طوافون، ﴿ عَلَيْكُم٦، استئناف يبين العذر في ترك الاستئذان في غير تلك الأوقات، ﴿ بَعْضُكُمْ ﴾ : طائف، ﴿ عَلَى بَعْضٍ ﴾، أو تقديره يطوف بعضكم على بعض فيكثرون التردد لحوائجكم، فيغتفر فيهم ما لا يغتفر في غيرهم، ﴿ كَذَلِكَ ﴾ : مثل ذلك التبيين، ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ : بأحوالكم، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ : فيما أمركم،
١ ولما كانت السورة معقودة لبيان أحكام العفاف، والستر بين بعض أحكامه وفي خلالها أثبت نصائح ومواعظ استطرادا للدلالة على وجوب الطاعة فيما سلف من الأحكام وغيره، ووعد علي امتثالها وأوعد على الإعراض، ثم رجع إلى المقصود، ومن المعقود من السورة فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ الآية / ١٢ وجيز..
٢ المراد خطاب الرجال والنساء غلب فيه الرجال / ١٢ منه..
٣ قاله مقاتل ببن حيان / ١٢ منه..
٤ نقله محيي السنة عن ابن عباس /١٢ منه..
٥ فلا تكون ناسخة للآية الأولى، وعن ابن عباس أن الناس ليس لهم ستور على أبوابهم، ولا حجال فربما فاجأ الرجل والده أو خادمه، وهو على أهله فأمرهم الله بالاستئذان، ثم بسط الله عليهم في الرزق فاتخذوا السنور والحجال، فرأي الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان فتهاونوا وتركوا العمل بتلك الآية /١٢ منه..
٦ والظاهر أن السرية خارجة من هذا الحكم إلا أن يكون لسيدها زوجة أو سرية أخرى وتكون عنده /١٢ وجيز..
﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ ﴾، أي : ذلك الأطفال الذين يستأذنون في ثلاث أوقات، ﴿ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ﴾ : في جميع أوقات الدخول، ﴿ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ ﴾ : بلغوا الحلم، ﴿ مِن قَبْلِهِمْ ﴾، وهم الرجال الأحرار، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾، كرره تأكيدا في الأمر بالاستئذان، وعن كثير من السلف١ إذا بلغ الغلام الحلم فليستأذن على أبوابه في جميع الأحوال،
١ كسعيد بن جبير ويحيي بن أبي كثير / ١٢ منه..
﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء ﴾ : العجائز اللاتي قعدن عن الحيض، ﴿ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا ﴾ : لا يطمعن فيه لكبرهن، ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾ : الثياب الظاهرة كالجلباب يعني ليس على العجائز من التستر ما على غيرها من النساء، ﴿ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ ﴾ : مظاهرات، ﴿ بِزِينَةٍ ﴾، أمر بإخفائها أو غير قاصدات بوضع الثياب١ تبرج الزينة، ﴿ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ ﴾ : فلا يضعن الجلباب أيضا، ﴿ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾ : لأنه أبعد من التهمة، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ : لمقالهن للرجال، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ : بمقاصدهن،
١ علم التوجيه للأخير الزينة غير مقيدة بخلاف الوجه الأول، فإنه مقيدة بزينة خفية لسبق العلم باختصاص الحكم بها لأن الوضع بقصد التبرج مذموم أبدا / ١٣ منه..
﴿ لَيْسَ١ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ ﴾، كان المؤمنون إذا دخل عليهم الأعمى وغيره وليس في بيوتهم شيء يضيفونه يذهبون به إلى بيت أحد من هؤلاء المذكورين في الآية، فيأكل هو وضيفه من بيوتهم، فخافوا أن يكون أكلا بغير حق، ويلحقهم إثم لقوله تعالى :﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾، فترلت، أي : ليس على الضعفاء، ولا على أنفسكم حرج في ذلك أو كانوا٢ يخرجون إلى الغزو ويدفعون مفاتيح أبوابهم إلى هؤلاء القاعدين، ويأذنون أن يأكلوا من بيوتهم، وهم يتحرجون، ولا يأكلون فترلت رخصة لهم، ولغيرهم أن يأكلوا من بيوت هؤلاء أو كان٣ هؤلاء المرضى من الأعمى، وغيره يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء، فترلت، أو معناه٤ ليس على الأعمى والأعرج، والمريض حرج في القعود عن الغزو، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت، وقوله :﴿ أن تأكلوا من بيوتكم ﴾، أي : التي فيها أزواجكم، وعيالكم، وعن بعض المفسرين : ذكره ليعطف عليه الباقي ليعلم أن بيوت الأقارب كبيت نفسه، فلا يحترز عنها بوجه، ﴿ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ ﴾، عطف على ما بعد من أي : أن تأكلوا عما في يده٥ وتصرفه وملك المفاتح كناية عن ذلك ( كالناطور )٦* جاز له أن يأكل من البستان، والراعي من لبن الغنم، والمأذون مما في بيت بيده مفاتحه، أو عطف على ما يضاف البيوت إليه أي : بيوت الذين ملكتم مفاتحهم٧ وهم المماليك، ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ٨، أو بيوت صديقكم، وهو يقع على الواحد، والجمع وهذا كله إذا علم رضى صاحب المال وإن كان بقرينة، ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا ﴾ : مجتمعين، ﴿ أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ : متفرقين، كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده٩ فرخصهم في ذلك أو كان الغني يطلب١٠ فقيرا من قرابته ليأكل معه، فيقول : والله لأتخرج أن آكل معك وإني فقير وأنت غني، أو كانوا١١ إذا نزل بهم ضيف يتحرجون أن لا يأكلوا إلا معه، ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا ﴾ : من هذه البيوت ليأكلوا، ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ﴾ : على أهل الذي هو منكم دينا وقرابة، أو إذا دخلتم بيوت١٢ أنفسكم فسلموا على أهل بيتكم، أو إذا دخلتم١٣ بيوتا خالية فقالوا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ﴿ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ١٤ اللَّهِ ﴾ : ثابتة بأمره من عنده على المصدر، لأنها بمعنى التسليم، ويجوز أن يكون معناه سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ﴿ مُبَارَكَةً ﴾ : يرجى بها زيادة الخير، ﴿ طَيِّبَةً ﴾ : تطيب بها نفس المستمع، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون١٥ : الحق والخير.
١ ولما حجر في أمر البيوت لبعض ووسع لبعض لأجل صيانة العرض ضيق ووسع أيضا في أمر المال، فقال: ﴿ليس على الأعمى﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ تقله الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها /١٢ منه..
٣ نقله محيي السنة عن سعيد بن جبير والضحاك، وغيرهما /١٢ منه..
٤ قاله العطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وجعلوا كالآية التي في سورة الفتح، وتلك الجهاد البتة / ١٢ منه..
٥ هو قول عائشة رضي الله عنها /١٢ منه..
٦ النّاطور: حافظ الزرع والتمر والكَرْم..
٧ قاله سعيد بن جبير والسدي / ١٢ منه..
٨ عن ابن عباس: الصديق أوكد من والديه ألا ترى استغاثة أهل النار لم يستغيثوا بالآباء والأمهات، وقالوا: ﴿فما لنا من شافعين ولا صدق حميم﴾ قيل لعالم: أخوك أحب إليك أم صديقك ؟ فأجاب لا أحب أخي إلا إذا كان صديقي. وما تعرض لبيت الأولاد لأنه داخل بيوتكم فإن ولد الشخص بعضه، ولأن الولد أقرب ممن عدد من القرابات، وفي الحديث: (أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) /١٢ وجيز. [صحيح، انظر صحيح الجامع (١٥٦٦)، وراجع الإرواء (١٦٢٦)]..
٩ قاله ابن عباس، وقتادة والضحاك، وابن جريح / ١٢ منه..
١٠ نقله عطاء الخراساني عن ابن عباس /١٢ منه..
١١ قال عكرمة وأبو صالح /١٢ منه..
١٢ هو قول جابر، وطاووس، والزهري، وقتادة، والضحاك، وعمرو بن دينار / ١٢ منه..
١٣ قاله ابن عباس، وقتادة، ومجاهد /١٢ منه..
١٤ معناها فتعملون على مقتضاها أو تدخلون في زمرة العقلاء، ولما بين الاستئذان في دخول البيت، وجواز الأكل من بعض البيوت واستحباب السلام حين دخول البيت، وجواز الأكل من بعض البيوت واستحباب السلام حين دخول البيت عقبه بالاستئذان عن محضر النبي المصطفى – صلى الله عليه السلام- الذي هو بيت الله فقال: ﴿إنما المؤمنون﴾ الآية / ١٢وجيز..
١٥ ولما ذكر من الحكم ما هو من خصوصيات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أعقبه بشيء آخر من خصوصياته الدال على تعظيمه كالأول فقال: ﴿لا تجعلوا دعاء الرسول﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ : من صميم القلب، ﴿ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ ﴾ : مع الرسول عطف على آمنوا، ﴿ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾ : كالحروب، والجمعة، والمشورة، ﴿ لَمْ يَذْهَبُوا ﴾ : عن محضرة، ﴿ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾، حذف قوله :﴿ ويأذن لهم ﴾، لأنه كالمستغني عنه، وكانت الصحابة إذا أرادوا أن يخرجوا من المسجد لحاجة، وهو عليه السلام في المنبر لم يخرجوا حتى يقوموا بحياله فيأذن فيخرج، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ : إيمانا صدقا، ﴿ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾ : مهامهم، ﴿ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ : فالأمر مفروض إليك، ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ﴾ : فإن الذهاب عن مجلسك ربما يكون زللا لهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ : لفرطات العباد، ﴿ رَّحِيمٌ ﴾
﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم١ بَعْضًا ﴾ : لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا، فقالوا : يا نبي الله، يا رسول الله لا : يا٢ محمد يا أبا القاسم، أو احذروا٣ دعاءه عليكم إذا أسخطتموه، فإن دعاءه موجب ليس كدعاء بعضكم على بعض، ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ ﴾، أي : يتسلون، ﴿ مِنكُمْ ﴾ : قليلا قليلا، ويخرجون، ﴿ لِوَاذًا ﴾ : ملاوذين٤ مستترين بعضهم ببعض للخروج أو يلوذ بمن يؤذن، فينطق معه كأنه تابعه من لاذ يلوذ، وكأن هذا ديدن المنافقين يهربون بأي وجه يمكن لهم من محضر حضرة النبوة صلوات الله وسلامه عليه، ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ ﴾ : معرضين٥، ﴿ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ : منصرفين عنه بغير إذنه مخالفين أمره، ﴿ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ : في الدنيا، ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ : في الآخرة،
١ ومعناه لا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا في جواز الإعراض والمساهلة في إجابته، والرجوع بعد الإجابة بغير إذنه فإن المبادرة إلى إجابته واجبة وإن كنتم في الصلاة والمراجعة بغير إذنه محرمة /١٢وجيز..
٢ قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم /١٢ منه..
٣ حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن والبصري وعطية العوفي /١٢ منه..
٤ ملاوذين يلوذ بعضهم ببعض بحيث يدور معه إذا دار استتارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم /١٢ وجيز..
٥ قوله معرضين عن أمره إشارة إلى أن تعدية المخالفة بعن لتضمين معنى الإعراض وإلا فالمخالفة متعدية بنفسه كما أشار إليه بقوله مخالفين أمره /١٢ منه..
﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ : ملكا وخلقا، ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ١ عَلَيْهِ ﴾، من النفاق والإخلاص أكد عمله بقد لتأكيد الوعيد يعني من خَلَقَ جميع الخلق وملكهم كيف يخفي عليه أحوال المنافقين، وإن اجتهدوا في الإخفاء، ﴿ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ ﴾، المنافقون، ﴿ إِلَيْهِ ﴾ : للجزاء، يوم ظرف٢ لقوله :﴿ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ﴾ : بالمجازات، ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ٣.
١ فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ويوم يرجعون المنافقون الظاهر عطف يوم على ما أنتم عليه فهو مفعول يعلم، وفيه التفات آخر من الخطاب / ١٢ وجيز..
٢ ومعمول ينبئهم أعني يوم لما قدم عليه للاختصاص جيء بحرفي العطف عليه، ومثله غير عزيز /١٢..
٣ عن عقبة بن عامر قال: (رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ هذه الآية في خاتمة سورة النور وهو جاعل أصبعيه تحت عينيه يقول بكل شيء بصير) أخرجه الطبراني وغيره قال السيوطي بسند حسن / ١٢ فتح. [كما في الدر المنثور (٥/ ١١٢) وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ٨٤): (هكذا وقع، فإن كانت قراءة شاذة، وإلا فالتلاوة بكل شيء عليم. رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وهو سيء الحفظ وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات)]..
Icon