تفسير سورة الحجر

جهود القرافي في التفسير
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب جهود القرافي في التفسير .
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

٧٥٣- أي : " إلا مصحوبين بالحق " فالمجرور معمول للحال المحذوفة المستثناة من الأحوال لتعينها لهذا الفعل دون غيرها من الأحوال. ( نفسه : ٥٤٧ ).
٧٥٤- قال النصارى : المسلمون ليسوا ثقة مما بأيديهم من القرآن. وهم يعتقدون أنه لا خلل فيه. وبيانه : أن عبد الله بن مسعود١ -رضي الله- كان من أجل الصحابة حتى قال فيه صلى الله عليه وسلم : " رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد " ٢. وقد خالفهم في القرآن وخالفوه حتى أوجعه عثمان– رضي الله عنه- ضربا. ولو كان القرآن مقطوعا به لما وقع فيه الخلاف بين الصحابة وهم حديثو العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن القطع يمنع وقوع الخلاف، كما لا يختلف العقلاء في وجود بغداد ولا في أن الواحد نصف الاثنين. وإذالم يحصل للصحابة القطع لم يحصل لغيرهم بطريق الأولى لأنهم أصل لغيرهم والفرع لا يكون أقوى من الأصل. وقد أثبت ابن مسعود رضي الله عنه- ما نفاه غيره من القراءات الشاذة، وأثبتوا هم ما نفاه هو، وهو المعوذتان، فكان عبد الله ينفيهما٣.
وإذا وقع مثل هذا الاختلاف العظيم نفيا وإثباتا اختلت الثقة بجملة القرآن.
والجواب : أن هذا السؤال أورده بعض المرتدة عن الإسلام بعد أن أسلم، وكان يعتقد أنه من الأسئلة العظيمة والمثالب الفاحشة. وليس الأمر كما ظنه، بل أضله الله تعالى على علم، فنظر بعين البغضاء، وتكلم بلسان الشحناء، فران على قلبه هواه، فلم يتميز له صوابه من خطإه.
والذي اتفق بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ليس – لأن القرآن غير معلوم عندهم- بل هو معلوم متواتر خلفا وسلفا لقوله تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ وقوله :﴿ ومن أصدق من الله حديثا ﴾٤.
وإنما اختلوا رضي الله عنهم في أن ابن مسعود كان يقرأ القرآن ويضم إليه تفسيره نحو قوله تعالى :﴿ فصيام ثلاثة أيام ﴾٥ كان يقرؤها : متتابعات٦، وغير ذلك مما كان رضي الله عنه يعتقد أنه تفسير لتلك الآيات التي نازعوه فيها حرصا منه على بيان معناها.
فكانوا هم يحرصون على أن لا يضاف للقرآن غيره، حذرا مما اتفق لأهل الكتاب في كتابهم، ففسر حالهم، وكان الصواب معهم – رضي الله عنهم- فميزوا كلام الله تعالى عن غيره. ولم يخلطوه بسواه، فسلم من الغلط والزلل. وهذا هو الحزم الذي وفق الله تعالى له هذه الأمة. ولذلك أجمعوا فيما أعلم على أنه لا يجوز أن يكتب فواتح السور بالمداد، بل بصبغ آخر حذرا من أن يعتقد أنها من القرآن٧. وهذا غاية العناية من الله تعالى بهذه الأمة. وهو المحمود المشكور على نعمه السابغة. وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. فهذه هي القراءات الشاذة، ومنها القراءات بالمعنى نحو القراءة في قوله تعالى :﴿ اهدنا الصراط المستقيم صراط من أنعمت عليهم ﴾٨ بدلا من قوله :﴿ اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ﴾٩ فرفض ذلك غاية الرفض حرصا على نفس اللفظ وإبعادا لذرائع التغيير والتبديل، فهذا من فضل محاسن هذه الأمة لا من مساوئها، ومن فضائلها لا من رذائلها، وأما المعوذتان، فكان ابن مسعود يريد أن يفردهما عن القرآن ليقرأهما الجنب وغيره للتعوذ، حتى يتميز ما يشترط فيه الطهارة من القرآن عما لا يشترط. فهذا وجه اجتهاده رضي الله عنه.
ورأى الصحابة رضي الله عنهم أن إفراد شيء من القرءان عن القرآن ذريعة ووسيلة على إسقاط بعض القرآن فمنعوا منه وكان الحزم معهم رضي الله عنهم، فظهر حينئذ أن السؤال سراب، والجاهل يعتقد أنه صواب، فبنى على منواله في الضلال، وقنع بزخارف الأقوال، وسيعلم إذا انكشف الغبار فرسا ركب أم حمار. ( الأجوبة الفاخرة : ٢٧٣ إلى ٢٧٧ ).
٧٥٥- قالوا : المسلمون يعيرونا بأن أناجيلنا أربعة عن أربعة مختلفين. وقرآنهم عن سبعة قراء مختلفين اختلافا شديدا أكثر مما بين الأناجيل من اختلافات بكثير. ويعترفون أن القراءات أكثر من سبع وإنما هذه السبعة اتفق اشتهارها، فلهم حينئذ سبعة كتب مروية، بل عشرة، بل أكثر من ذلك عن أناس شتى. فهم أشد اختلافا في كتابهم منا في كتابنا بالضرورة، فلا معنى لإنكارهم علينا ما وقع في كتابنا من الاختلاف فإنه عندهم أعظم.
والجواب : ما قال الشاعر :
أكل امرئ تحسبين امرءا*** ونار توقد بالليل نارا
هيهات ما كل سوداء فحمة ولا كل بيضاء شحمة. أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه العزيز على خير رسله بلغة قريش، وقبائل العرب مختلفة اللغات في الإمالة والتفخيم والمد والقصر والجهر والإخفاء وإعمال العوامل الناصبة والرافعة والجارة، فلو كلفوا كلهم الحمل على لغة واحدة لشق عليهم ذلك، فسأل عليه السلام ربه أن يجعله على سبع لغات لتتسع العرب ويذهب الحرج، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، فأنزلت القراءات لذلك، فكلها مروية عنه عليه السلام، متواترة. فنحن عل ثقة في جميعها، وأنها عن الله تعالى وبإذنه متلقات عن خير رسله. ( الأجوبة الفاخرة : ٢٧٩-٢٨١ ).
١ - هو عبد الله بن مسعود الهذلي، أبو عبد الرحمان، الصحابي المعروف، أحد كتبه الوحي والقراء المشهورين من الصحابة (ت: ٣٢ هج) ن: شجرة النور: ٢/٨٣..
٢ - ن: تخريجه في: مجمع الزوائد: ٢٩٠، ح: ٩. والمستدرك: ٣/٣١٧..
٣ - شبهة ضرب عثمان لابن مسعود ونفيه لقرآنية المعوذتين تصدى لها ولمثيلاتها العلماء بالتنفيذ. ن: الإتقان للسيوطي: ١/٢٩٨ وما بعدها. ومناهل العرفان للزرقاني: ١/٢٧٥ وما بعدها، وغيرهما من مؤلفات علوم القرآن..
٤ - سورة النساء: ٨٧..
٥ - سورة المائدة: ٩١..
٦ - حكى هذه القراءة مجاهد والشعبي وأبو إسحاق عن عبد الله بن مسعود، وقال إبراهيم في قراءة عبد الله بن مسعود: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" وقال الأعمش: كان أصحاب ابن مسعود يقرؤونها كذلك... ن: تفسير ابن كثير: ١/١٤٦..
٧ - يقصد كتاب البسملة، وهي مذهب الإمام مالك وأبي حنيفة، وليس أمرا مجمعا عليه. ن: تفسير ابن كثير: ١/٢٧ وما بعدها. و"الكشف عن وجوه القراءات السبع" لأبي طالب القيسي: ١/١٢- ٢٤. والذخيرة: ٢/١٧٦- ١٨١. كما نحيل على ما جمعناه في هذه الرسالة ص: ٢ وما بعدها..
٨ - بها قرأ ابن مسعود، وعمر وابن الزبير، ن: البحر المحيط: ١/٢٨..
٩ - سورة الفاتحة: ٦ كلمة "اهدنا" زيادة من المؤلف..
٧٥٦- أي : ما جاءهم في حالة من الحالات إلا في حالة كونهم مستهزئين، و " كان " فعل ماض يتعين تأويلها بالمضارع. ( الاستغناء : ٥٤٧ ).
٧٥٧- إن السكر بفتح الكاف، والتسكير في اللغة : المنع، لقوله تعالى :﴿ إنما سكرت أبصارنا ﴾ أي منعت وغلقت، ومنه تسكير الباب أي : غلقه. ( الذخيرة : ٤/١١٥ ).
٧٥٨- هو استثناء مفرغ لتوسطه بين المبتدإ وخبره. وفيه من الأسئلة : أن " من " هل هي زائدة أم لا ؟ وما معنى " عندنا " ؟ وما معنى " الخزائن " ؟ وما المستثنى منه ؟ وكذلك في الاستثناء الذي بعده وإن لم يكن مفرغا لكونه ذكر معه في هذه الآية.
والجواب : أما " من " فزائدة، لأن المبتدأ ذكر في النفي، وأصل الكلام : " وما شيء إلا عندنا خزائنه ". و " إن " بمعنى : " ما ". وأما لفظ " عند " هاهنا فمجاز، لأن الظرف المكاني على الله تعالى محال حيث أطلق في الكتاب والسنة. فإن قلت : من أي أنواع المجاز هو ؟ وما العلاقة فيه ؟ لأن كل مجاز لابد فيه من علاقة. قلت : إذا قلنا : " زيد عنده مال " فمعناه أن ماله في المواضع التي تنسب إلى ماله كانت قريبة منه أو بعيدة، حتى لو كان له مال في الهند صدق أن عنده مالا. فكل مكان حاز ماله وضمه كان " عندا " له، كان المكان مملوكا له أم لا. وكذلك قولنا : لديه. ومنهم من قال : " لديه " لما قرب، كقوله تعالى :﴿ وألفيا سيدها لدى الباب ﴾١، و " عند " لما بعد. إذا تقرر هذا، فقدرة الله تعالى وإرادته وعلمه شامل لمقدوراته، فشبه اشتمال صفة الرب تعالى على الإيجاد باشتمال البقاع على الأموال، فهو من مجاز الاستعارة، والعلاقة الشبه. وهذا التقرير ينطبق على جميع موارد الاستعمال في هذا فتأمله.
وأما الخزائن : فجمع خزانة، وهي المكان الذي يخزن فيه الشيء. واختلف فيها في حق الله تعالى فقيل : هي حقيقة لما ورد في قصة قوم عاد أن الريح عتت على الخزان وانفتح منها قدر حلقة الخاتم. ولو كان قدر منخر الثور لهلكت الأرض، إلى غير هذا من الشواهد الواردة في المنقولات. وقيل : الخزائن مجاز، نسبة كناية عن اشتمال قدرة الله تعالى مقدوراته في مادة الإمكان، كاشتمال الخزانة على ما فيها من الأمتعة، وهذا هو الذي يتجه، فإن قوله تعالى :﴿ وإن من شيء ﴾ : نكرة في سياق النفي مؤكدة في سياق المدح، وذلك يقتضي أن يحمل على كل نوع يتخيل من الممكنات. وهذه الأنواع كلها يتعذر استقرارها في الخزائن، فإن من جملتها الأعراض كالأصوات والألوان والطعوم والروائح وغير ذلك مما لا يمكن بقاؤه، فكيف يوصف بأنه في خزانة ؟ بل في القدرة فقط. وأما المستثنى منه فهو الصفات والأحوال من جهة المعنى والتقدير : " لا يتخيل شيء ولا يتصور في نفس الأمر في حالة من الحالات إلا في حالة استقراره في خزائننا "، وتسلب عنده جميع الأحوال التي تضاد هذه الحالة أو تناقضها، هذا من حيث المعنى. وأما من حيث اللفظ فالمستثنى منه أخبار، وذلك أن هذا المبتدأ يمكن أن يخبر عنه بأشياء كثيرة غير هذا الخبر فكلها منفية إلا هذا الخبر. وكذلك الاستثناء الثاني من الأحوال أيضا لفظا ومعنى. أي : " لا ننزله في حالة عدم التقدير والإهمال والمجازفة، بل في حالة التقدير والضبط، وليس له لفظ يتقاضى خيرا ولا غيره حتى ينقسم استثناؤه إلى لفظ ومعنى، بل معنى فقط. فتأمل الفرق بينهما. ( الاستغناء : ٢١٦- ٢١٨ ).
١ - سورة يوسف: ٢٥..
٧٥٩- قوله تعالى ﴿ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ﴾ : لا يمكنك أن تقول : إن صيغة " كل " وضعت للعموم في مثل قوله تعالى :﴿ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ﴾.
إن " كل " من صيغ العموم في جميع الحالات، والواقع منها يكون محصورا، ولولا حجة هذا الجواب للزم عدم العموم، حيث نصوا عليه في الآية المتقدمة بسبب أن الملائكة الذين سجدوا محصورين في عدد معين مشخص لا عموم فيه، وتشخيصهم بعددهم المحصور. غير أن أفراد الملائكة أكثر من الانحصار، والكثرة مع الحصر لا توجب عموما، مع أنهم قد نصوا على العموم، إلا أنه مع الحصر في الواقع. فلا سبيل لنا في الجواب إلا ما تقدم، بأن نقول : كل ما تفرض أنه من الملائكة فقد سجد، ولم يبق من المفروض ملك، فالعموم باعتبار ما يفرض ويتوهم ملكا، لا باعتبار الواقع، ولو لم يعتبر قيد عدم النهاية في مفهوم العموم لما كانت أسماء الأعداد من صيغ العموم إن اقتصرنا على مطلق العدد، بل لابد من اعتبار قيد عدم الحصر، والواقع كله كيفما فرض محصور، فلا يكون للواقع عموما أبدا، والواقع من الملائكة في السجود محصور، فلا يكون عاما من جهة أنه محصور، وإنما يكون عاما من جهة يتوهم واقعا فيهم، وذلك غير متناه، وهذا هو حقيقة العموم. ( العقد المنظوم : ٢/١١٩-١٢٠ ).
٧٦٠- قوله تعالى :﴿ إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ﴾ فلولا أن إبليس يجوز أن يكون سجد لما قال : " لم يكن من الساجدين " ١ لعروها عن الفائدة.
فإن قيل : تكون الجملة تأكيدا لما دلت عليه " إلا " من الاستثناء.
قلنا : المعاني التي تدل عليه الحروف لا تؤكد، فلا نقول : " ما قام زيد " نفيا، ولا تقول : " أزيد قام " استفهاما، وتجعل نفيا تأكيدا لمعنى " ما "، واستفهاما تأكيدا لمعنى الهمزة، لأن الحروف وضعها على الاختصار، ألا ترى أن الهمزة أخصر من قولك : " استفهم ". و " ما " أخصر من قولك : " نفيا " والتأكيد مبني على الإطالة والإسهاب، فلا يجمع بينه وبين الحروف للتناقض. والجواب : أن قوله تعالى :﴿ أبى أن يكون مع الساجدين ﴾ زيادة فائدة، وهي أن عدم سجوده كان إباء، وإلا لا تعطي إلا عدم السجود فقط، أما أنه إباء فلا، ذكرت هذه الجملة. ( الاستغناء : ٢٨٧-٢٨٩ ).
١ - سورة الأعراف: ١١..
٧٦١- قوله تعالى :﴿ منهم ﴾ إشارة على بني آدم، وأنه يغوي بعضهم، فإن بعض العباد لا يتعين فيهم عموم، بل يصدق، وبأي عدد كان من بني آدم، كأنه قال : إلا المخلصين من بني آدم، أقل المجرمين. ( العقد المنظوم : ٢/٣١٣ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:٧٦١- قوله تعالى :﴿ منهم ﴾ إشارة على بني آدم، وأنه يغوي بعضهم، فإن بعض العباد لا يتعين فيهم عموم، بل يصدق، وبأي عدد كان من بني آدم، كأنه قال : إلا المخلصين من بني آدم، أقل المجرمين. ( العقد المنظوم : ٢/٣١٣ ).
٧٦٢- قوله تعالى :﴿ إن عبادي ﴾ يشمل الملائكة، لكنه اسم جنس أضيف فيعم، والمتبع له بعض الغاوين فإن الغاوين منهم من يتبع هواه، ومنهم يتبع الشيطان وغير ذلك القرناء وغيرهم فنصيبه متبع له بعض الغاوين.
ومعلوم أن الغاوين أقل من الملائكة وحدهم، فكيف أضيف إليهم صالح بني آدم. ( نفسه : ٢/٣١٣ ).
٧٦٣- فامرأته مستثناة من المستثنى قبلها وهو " آل لوط ". ( الاستغناء : ٤٧٧ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:٧٦٣- فامرأته مستثناة من المستثنى قبلها وهو " آل لوط ". ( الاستغناء : ٤٧٧ ).
Icon