تفسير سورة الحجر

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الحجر
«١» مكّيّة وآياتها تسع وتسعون ربّ يسّر وتمّم بالخير «٢» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ اشارة الى آيات السورة آياتُ الْكِتابِ الاضافة بمعنى من وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) الكتاب هو السورة او القران وتنكيره للتفخيم اى آيات ما هو جامع لكونه كتابا كاملا وقرانا يبين الرشد من الغى والحلال من الحرام بيانا عربيّا-.
رُبَما قرا نافع وعاصم وابو جعفر بتخفيف الباء والباقون بتشديدها- وربّ حرف جر للتقليل واستعمل هاهنا للتكثير مجازا لمناسبة المقابلة وإيذانا بانهم لو كانوا يودون الإسلام قليلا ولو مرة واحدة فبالحرىّ ان يسارعوا اليه فكيف وهم يودون كثيرا بل كل ساعة- او إيذانا بان ودادهم بلغت من الكثرة بحد لا يمكن التعبير عنه فاكتفى بما يدل على التقليل- وقيل استعمل هاهنا على الحقيقة للتقليل ووجه التقليل انه يدهشهم اهوال القيامة فان حانت منهم افاقة فى بعض الأوقات تمنوا ذلك- وما كافة تكف ربّ عن العمل فجاز دخولها على الفعل وحقها ان تدخل على الماضي لكن لمّا كان المترقب فى اخبار الله تعالى كالماضى فى تحققه دخلت على المضارع حيث قال الله تعالى يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) الغيبة فى حكاية ودادهم كالغيبة فى قولك حلف بالله ليفعلن مكان قولك لافعلن- اخرج ابن المبارك وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس وانس رضى الله عنهم انهما تذاكرا فى هذه الاية فقالا
(١) ليس عنوان السودة فى الأصل
(٢) الخطبة من الناشر-
290
هذا حيث يجمع الله تعالى بين اهل الخطايا من المسلمين وبين المشركين فى النار فيقول المشركون ما اغنى عنكم ما كنتم تعملون فيغضب الله فيخرجهم بفضل رحمته- واخرج هناد وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال ما يزال الله تعالى يشفّع ويدخل الجنة ويشفّع ويرحم حتّى يقول من كان مسلما فليدخل الجنة وذلك قوله تعالى رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- واخرج الطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ ان ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون فى النار ما شاء الله ان يكونوا ثم يعيّرهم اهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد الا أخرجه الله ثم قرا رسول الله ﷺ رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- واخرج الطبراني وابن عاصم والبيهقي عن ابى موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إذا اجتمع اهل النار فى النار ومعهم من شاء الله تعالى من اهل القبلة قال الكفار للمسلمين الم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما اغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا فى النار قالوا كانت لنا ذنوب فاخذنا بها فيسمع الله ما قالوا فامر من كان فى النار من اهل القبلة فاخرجوا فلما راى ذلك من بقي من الكفار فى النار قالوا يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ثم قرا رسول الله ﷺ رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- وذكر البغوي هذا الحديث نحو ما ذكر وفى آخره فيأمر لكل من كان من اهل القبلة فيخرجون منها فحينئذ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ- واخرج الطبراني عن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه انه سئل هل سمعت رسول الله ﷺ يقول شيئا فى هذه الاية رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال نعم سمعته يقول يخرج الله من شاء من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم- فلما أدخلهم الله النار مع المشركين قال المشركون تدّعون انكم اولياء الله فى الدنيا فما بالكم معنا فى النار فاذا سمع الله تعالى ذلك منهم اذن فى الشفاعة فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتّى يخرجون بإذن الله فاذا راى المشركون ذلك قالوا يا ليتنا كنا مثلكم فتدركنا الشفاعة فيسمّون الجهنميون من أجل سواد وجوههم فيقولون يا ربنا اذهب عنا الاسم
291
فيامرهم فيغسلون فى نهر الحيوة فيذهب الاسم عنهم- واخرج ابن جرير عن ابن مسعود فى هذه الاية قال هذا إذا راوهم يخرجون من النار- واخرج هناد عن مجاهد فى هذه الاية قال إذا خرج من النار من قال لا اله الا الله-.
ذَرْهُمْ يعنى دعهم يا محمّد يعنى الذين كفروا يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا بدنياهم وَيُلْهِهِمُ اى يشغلهم عن الاستعداد للمعاد الْأَمَلُ اى توقعهم طول الأعمار فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) سوء صنيعهم إذا عاينوا العذاب والغرض من هذا الكلام اقناط الرسول ﷺ عن انقيادهم واعلامه بانهم اهل الشقاوة فى علم الله تعالى وان نصحهم بعد ذلك مما لا فائدة فيه- وفيه الزام للحجة وتحذير عن إيثار التنعم وما يؤدى اليه طول الأمل.
وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ اى اهل قرية ومن زائدة إِلَّا وَلَها كِتابٌ اى وقت لهلاكها مقدر مكتوب فى اللوح المحفوظ مَعْلُومٌ (٤) عند الله تعالى والجملة صفة لقرية مستثناة من عموم الصفات والأصل ان لا تدخله الواو كما فى قوله تعالى إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ لكن لمّا شابهت صورتها صورة الحال ادخلت عليها تأكيدا للصوقها بالموصوف وجاز ان يقال الجملة حال من القرية لكونها فى حكم الموصوفة كانه قيل وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى. إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ من زائدة أَجَلَها اى لا تسبق امة الى الهلاك أجلها يعنى لا يهلك قبل ذلك وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) اى لا يستأخرون الهلاك عند بلوغ الاجل وتذكير ضمير امة حملا على المعنى.
وَقالُوا اى الكفار للنبى ﷺ تهكما واستهزاء يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) يعنون انك لتقول قول المجانين حيث تقول انزل علىّ الذكر اى.
القران لَوْ ما هل لا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ ليشهدوا لك بالصدق على ما تقول ويعضدون على الدعوة كقوله تعالى لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً- او للعقاب على تكذيبنا كما أتت الأمم السابقة إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) فى دعوى النبوة.
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ قرا حفص وحمزة والكسائي ننزّل بنونين على صيغة المضارع المتكلم المعروف من التفعيل مسندا الى الله تعالى والملئكة بالنصب على المفعولية وابو بكر بالتاء الفوقانية
والنون على صيغة الواحد المؤنث المجهول من التفعيل والملائكة بالرفع مسندا اليه والباقون كذلك لكن على صيغة الواحد المؤنث المعروف من التفعل بحذف احدى التاءين والملئكة مرفوع على الفاعلية إِلَّا بِالْحَقِّ اى بالعذاب المتحقق عند الله لقوم وَما كانُوا يعنى الكفار إِذاً يعنى إذا نزّلت الملائكة بالعذاب مُنْظَرِينَ (٨) اى مؤخرين يعنى لو نزلت الملائكة بالعذاب زال عن الكفار الامهال وعذبوا فى الحال.
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك أكده بوجوه وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) من التحريف والزيادة والنقصان ولا يتطرق اليه الخلل ابدا- وهذا دليل على كونه منزّلا من الله دون غيره إذ لو كان من عند غير الله لتطرق اليه الزيادة والنقصان وقدر الأعداء على الطعن فيه- ويل للرافضة حيث قالوا قد تطرق الخلل الى القران وقالوا ان عثمان وغيره حرّقوه والقوا منه عشرة اجزاء- وقيل الضمير فى له للنبى ﷺ يعنى انا لمحمّد حافظون ممن اراده بسوء نظيره قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ-.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رسلا فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) شيع جمع شيعة وهو القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم من شاعه إذا تبعه وأصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار.
وَما يَأْتِيهِمْ يعنى الشيع حكاية حال ماضية يعنى ما أتاهم مِنْ رَسُولٍ من زائدة لتعميم النفي إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كما يفعل هؤلاء بك تسلّية للنبى صلى الله عليه وسلم.
كَذلِكَ اى كما سلكنا الاستهزاء والكفر فى قلوب الشيع الأولين نَسْلُكُهُ اى ندخل الاستهزاء فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) يعنى مشركى مكة- والسلك إدخال الشيء فى الشيء كالخيط فى المخيط والرمح فى المطعون- وفيه رد للقدرية ودليل على انه تعالى يوجد الباطل فى قلوب الكفار.
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حال من المجرمين وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) اى سنة الله فيهم بان خذلهم وسلك الكفر فى قلوبهم او باهلاك من كذب الرسل منهم.
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ اى على هؤلاء المقترحين القائلين لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ بابا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) اى فظلت الملائكة يصعدون الى السماء وهم يرونها عيانا وقال الحسن فظل هؤلاء الكفار يعرجون الى السماء ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون.
لَقالُوا إِنَّما
سُكِّرَتْ أَبْصارُنا
اى سددت منا الابصار بالسحر اى حبست ومنعت النظر من السكر وهو سد النهر كذا فى القاموس- يدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف كذا قال ابن عباس وقال الحسن معنى سكّرت بالتشديد سحرت وقال قتادة أخرت وقال الكلبي عميت قال فى القاموس سكرت أبصارنا اى حبست عن النظر وحيرت او غطيت وغشيت بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) قد سحرنا محمّد ﷺ بذلك كما قالوه عند روية غير ذلك من المعجزات- وفى كلمة انّما وبل دلالة من الكفار على القطع بان ما يرونهم لا حقيقة له بل هو باطل خيّل إليهم بنوع من السحر-.
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً البرج هو النجم الكبير ماخوذ من التبرج اى الظهور يقال تبرجت المرأة إذا ظهرت- وقال عطية هى قصور فى السماء- وليس المراد بالآية مصطلح اهل الهيئة والنجوم فانها مبنية على كون السموات منطبقة بعضها على بعض بحيث يتحركن كلهن قسرا بحركة الفلك التاسع فلك الافلاك وكون حركة فلك الافلاك على منطقة وقطبين وحركة الفلك الثامن فلك الثوابت على منطقة وقطبين أخريين ولزوم الشمس منطقة الفلك الثامن وحصول التقاطع بين المنطقين ورسم خط يحصل به التقاطع بين الاقطاب الاربعة فيحصل اربعة أقواس كل قوس مشتملة على ثلاثة بروج- وذلك مما يأبى عنه الشرع فانه يثبت بالشرع حركة الكواكب دون السموات وبعد ما بين كل سمائين خمسمائة عام وعدد السموات لا يزيد على سبع وَزَيَّنَّاها اى البروج بالضياء او السماء بالشمس والقمر والكواكب لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها يعنى السماء مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) فلا يقدر ان يصعد إليها ويوسوس أهلها او يتصرف فى أمرها او يطلع على أحوالها- قال البغوي قال ابن عباس كانت الشياطين لا يحجبون عن السموات وكانوا يدخلونها ويأتون باخبارها فيلقون على الكهنة فلمّا ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلمّا ولد محمّد ﷺ منعوا من السموات كلها فما منهم يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب- فلمّا منعوا تلك المقاعد ذكروا ذلك لابليس فقال لقد حدث فى الأرض حدث- قال فبعثهم فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتلو القران فقالوا هذا والله الّذي حدث.
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ اى لكن من استرق السمع فَأَتْبَعَهُ اى تبعه ولحقه شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) ظاهر للمبصرين والشهاب شعلة نار تخرج من الكواكب قال البغوي وذلك ان الشياطين يركب بعضهم بعضا الى السماء الدنيا فيسترقون السمع من الملائكة فيرمون بالشهب فلا يخطى ابدا فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه او جنبه او يده او حيث يشاء الله ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس فى البوادي عن ابى هريرة قال ان نبى الله ﷺ قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كانّه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا للذى قال الحقّ وهو العلىّ الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها الى من تحته ثم يلقيها الاخر الى من تحته حتّى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن وربما أدركه الشهاب قبل ان يلقيها وربما القاها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السماء رواه البخاري ومن طريقه البغوي- وعن عائشة انها سمعت النبي ﷺ يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهى السحاب فيذكر الأمر قضى فى السماء فيسترق الشياطين السمع فيسمعه فيوحيه الى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري ومن طريقه البغوي-.
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها اى بسطناها على الماء وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا ثوابت وقد كانت الأرض تميد الى ان أرساها بالجبال وَأَنْبَتْنا فِيها اى فى الأرض او فى الجبال بل فى كليهما مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) اى مقدر بمقدار معين يقتضيه الحكمة- او مستحسن متناسب من قولهم كلام موزون- اوله وزن فى أبواب النعم او ما يوزن من الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس وغيرها حتّى الزرنيخ والكحل- وفى الجبال كالياقوت والزبرجد والفيروزج وغيرها.
وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها اى فى الأرض والجبال مَعايِشَ جمع معيشة يعنى ما تعيشون بها فى الدنيا من المطاعم والمشارب والملابس والادوية وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) عطف على معايش اى جعلنا لكم من لستم
له برازقين من الدواب والانعام فمن هاهنا بمعنى ما كما فى قوله تعالى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ- وقيل يريد الله تعالى به العيال والخدم والمماليك والانعام والدواب الّتي يظنون انهم يرزقونها ظنا باطلا والله يرزقكم وإياهم وأورد كلمة من تغليبا للعقلاء على غيرهم- وقيل من فى محل الجر عطفا على الضمير المجرور فى لكم وفذلكة الاية الاستدلال بتلك الأشياء على وجود الصانع وكمال قدرته وتناهى حكمته وتفرده بالالوهية ووجوب الوجود والامتنان على العباد بما أنعم عليهم فى ذلك ليوحدوه ويعبدوه ويشكروه ولا يكفروه.
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ اى ما من شيء خلقناه الا نحن قادرون على إيجاد أضعاف ما وجد منه من جنسه وتكوينها فضرب الخزائن مثلا لاقتداره- او شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة الّتي لا يحتاج فى إخراجها الى كلفة واجتهاد- وشبّه إيجاده فى الخارج بانزاله من الخزائن وإخراجه منه فقال وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) مقدر فى الأزل إيجاده معلوم عند الله مقداره- قلت ولعل المراد بالخزائن الأعيان الثابتة فى علم الله تعالى وبانزاله إيجاده فى الخارج الظلي بوجود ظلى- قال البغوي وعن الامام جعفر بن محمّد الصادق رضى الله عنهما وعن ابائهما انه قال فى العرش تمثال جميع ما خلق الله فى البر والبحر وهو تأويل قوله تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ- قلت لعل مراد الامام عليه السلام عالم المثال فانها بمنزلة الخيال للعالم الكبير ومحل الخيال للانسان الدماغ ومحل الخيال للعالم الكبير العرش- وقيل أراد بالخزائن المطر وهو خزينة لكل شيء حيث قال الله تعالى وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ- ويقال لا ينزل من السماء قطرة الا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله كذا قال البغوي-.
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ اى حوامل تحمل السحاب الماطرة جمع لاقحة يقال ناقة لاقحة إذا حملت الولد ومنه ما روى ان النبي ﷺ نهى عن بيع الملاقح يعنى بيع ما فى بطن الناقة من الولد- جمع ملقوح وجاز ان يكون لواقح جمع لقوح وهى ناقة ذات لبن- قال البيضاوي شبه الريح الّتي جاءت يخبر من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم- وقال ابن مسعود يرسل الله الريح فيحمل
الماء فيجرى به السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثم تمطر- وقال ابو عبيد أراد باللواقح ملاقح جمع ملقحة لانها تلقح الأشجار اى تجعلها حاملة للثمار- وقال عبيد بن عمير يبعث الريح المبشرة فيقمّ الأرض قمّا ثم المثيرة فتثير سحابا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف السحاب بعضه الى بعض فيجعله ركاما ثم يبعث اللواقح فيلقح الشجر- وقال ابو بكر بن عياش لا يقطر قطرة من السماء الا بعد ان تعمل الرياح الأربع فيه فالصبا تهجه والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه وفى الخبر ان اللقح الرياح الجنوب- وفى بعض الآثار ماهبت ريح الجنوب الا وانبعث عنبا عذقة- واما الريح العقيم فانها تأتى بالعذاب ولا تلقح- وروى البغوي من طريق الشافعي والطبراني عن ابن عباس قال ماهبت ريح قط إلا جثى النبي ﷺ على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا- قال ابن عباس فى كتاب الله أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً... أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ وقال أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ ويُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ... فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ اى جعلنا المطر لكم سقيا يقال أسقي فلان فلانا إذا جعل له سقيا وسقاه اى أعطاه ماء يشرب ويقول العرب سقيت الرجل ماء او لبنا إذا كان يسقيه فاذا جعلوا له ماء لشرب ارضه او ماشيته يقول أسقيته وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) يعنى ليس المطر فى خزائنكم بل هو فى خزائننا نفى عنهم ما اثبت لنفسه- او المعنى ما أنتم له بحافظين فى العيون والآبار ونحو ذلك- وذلك ايضا يدل على تدبير الحكيم كما يدل عليه حركة الريح فى بعض الأوقات من بعض الجهات وفى بعضها من بعض اخر من الجهات على وجه ينتفع به الناس فان طبيعة الماء يقتضى الغور فوقوفه دون حدّ لا بد له من سبب مقتضى لذلك-.
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي القلوب بالمعرفة والأجسام بتعليق النفوس الحيوانية او النباتية او نحو ذلك وَنُمِيتُ بإزالتها وتكرير الضمير فى انّا لنحن للدلالة على الحصر وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) لا يبقى حىّ سوانا- استعير الوارث للباقى بعد فناء غيره استعارة من وارث الميت لانه يبقى بعد فنائه.
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ
مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ
(٢٤) اى لا يخفى علينا شيء من أحوالكم بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته فان ما يدل على قدرته دليل على علمه- قال البغوي قال ابن عباس أراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الاحياء- وقال الشعبي الأولين والآخرين وقال عكرمة المستقدمون من خلقه الله وحرج من أصلاب الآباء والمستأخرون من لم يخلق ولم يخرج بعد- وقال مجاهد المستقدمون الأمم السابقة والمستأخرون امة محمّد صلى الله عليه وسلم- وقال الحسن المستقدمون فى الطاعة والخير والمستأخرون المبطئون عنها- وقيل المستقدمون فى الصفوف فى الصلاة والمستأخرون فيها- اخرج ابن مردوية عن داود بن صالح انه سال سهل بن حنيف الأنصاري عن هذه الاية أنزلت فى سبيل الله قال لا ولكنها فى صفوف الصلاة- واخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه عن ابن عباس ان امراة حسناء كانت تصلى خلف رسول الله ﷺ فتقدم بعض القوم لئلا ينظروا إليها وتأخر بعض حتّى يكون فى الصف المؤخر فاذا ركع نظر من تحت ابطيه فنزلت هذه الاية- وقال الأوزاعي أراد المصلين فى أول الوقت والمؤخرين الى آخره- وقال مقاتل أراد المستقدمين فى صف القتال والمستأخرين فيه- وقال ابن عيينة أراد من اسلم ومن لم يسلم.
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ لا محالة للجزاء على ما عملوا من عمل عن جابر قال قال رسول الله ﷺ من مات على شيء بعثه الله تعالى عليه رواه احمد والحاكم والبغوي- وتوسيط الضمير للدلالة على انه هو القادر والمتولى لحشرهم لا غير وتصدير الجملة بان لتحقيق الوعد وو التنبيه على ان ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكمة كما صرح به قوله إِنَّهُ حَكِيمٌ ظاهر الحكمة متقن فى أفعاله عَلِيمٌ (٢٥) وسع علمه كل شيء-.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعنى جنس البشر بان خلق أباهم آدم عليه السلام وسمى إنسانا لظهوره- وادراك البصر إياه- ولموانسة بعضهم ببعض- وقيل من النسيان لانه عهد اليه فنسى مِنْ صَلْصالٍ اى طين يابس غير مطبوخ يصلصل اى يصوت إذا نقر- قال ابن عباس رضى الله عنهما هو الطين الحر الطيب الّذي إذا نضب
عنه الماء تشقق فاذا حرك تقعقع- وقال مجاهد هو الطين المنتن وقال هو من صلّ اللّحم وأصلّ إذا أنتن مِنْ حَمَإٍ طين تغير واسود من طول مجاورة الماء وهو صفة لصلصال اى كائن من حما مَسْنُونٍ (٢٦) مصور من سنة الوجه كان فى الاول ترابا فعجن بالماء فصار طينا فمكث فصار حما فخلص فصار سلالة فصور فصار مسنونا فيبس فصار صلصالا- وقال مجاهد وقتادة المنتن المتغير من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فان ما يسيل بينهما كان منتنا ويسمى سنينا- وقال ابو عبيدة هو المصبوب فهو كالجواهر المذابة نصب فى القوالب من السن وهو الصب يقول العرب سننت الماء اى صببته كانه افرغ من الحمأ فصوّر منها تمثال انسان أجوف فيبس حتّى إذا نقر صلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتّى سواه ونفخ فيه من روحه.
وَالْجَانَّ أريد به الجنس كما فى الإنسان لان تشعب الجنس إذا كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس باسره مخلوقا منها- وقال ابن عباس الجانّ ابو الجن كما ان آدم ابو البشر- وقال قتادة هو إبليس ويقال الجان ابو الجن وإبليس ابو الشياطين وفى الجن مسلمون وقاسطون ويحيون ويموتون وليس من الشياطين مسلم ويموتون إذا مات إبليس- وذكر وهب من الجن من يولد لهم ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين ومن الجن من هم بمنزلة الريح لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون منصوب بفعل مضمر يفسره خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ اى قبل خلق آدم عليه السلام مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) اى من نار الحر الشديد النافذ فى المسام- قال البغوي السموم ريح حارة تدخل مسام الإنسان وتقتله- ويقال السموم بالنهار والحرور بالليل وعن الكلبي عن ابى صالح السموم نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وهى نار بين السماء وبين الحجاب فاذا أحدث الله امرا خرّقت الحجاب فهوت الى ما أمرت فالهدة الّتي يسمعون خرق ذلك الحجاب- وقيل نار السموم لهب النار- وقيل من نار السموم اى من نار جهنم- وعن الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان إبليس من حى من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم وخلقت الجن الذين ذكروا فى القران من مارج من نار فاما الملائكة خلقوا من النور.
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ فى المستقبل من الزمان بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ عدلت صورته وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي اصل النفخ اجراء الريح فى تجويف جسم اخر- والروح نوعان نوع منها علوى وهو خلق من خلق الله تعالى مجرد من المادّة يرى بنظر الكشف مقامه فوق العرش لكونه الطف منه وذلك هو الروح العلوي وذلك يرى بنظر الكشف خمسة بعضها فوق بعض القلب والروح والسر والخفي والأخفى وهى كلها من لطائف عالم الأمر- ونوع منها سفلى وهو بخار لطيف ينبعث من العناصر الاربعة الّتي يتركب منها الجسم الإنساني ويسمى ذلك بالنفس وقد جعل الله تعالى الروح السفلى المسمى بالنفس مرءة للارواح العلوية فكما ان الشمس مع كونها على السماء تمتلى فى المرأة عند المحاذات اى يحصل فى المرأة نورها وحرارتها حتّى يظهر اثارها فى المرأة من الاضاءة والإحراق كذلك الأرواح العلوية مع كونها على اوج تجردها تمتلى فى النفس حتّى يظهر فيها اثارها وذلك البرزات الحاصلة فى النفوس هى الأرواح الجزئية لكل فرد من الافراد- ثم الروح السفلى مع ما تحملها من العلويات تتعلق اولا بالمضغة القلبية وتفيض عليه القوة الحيوانية والمعارف الانسانية المكتسبة من الأرواح العلوية ثم تسرى حاملا لها فى تجاويف الشرائين الى اعماق البدن وسميت ذلك بالنفخ لمشابهته بنفخ الريح فى الشيء المجوف- وأضاف الله تعالى الروح الى نفسه تشريفا لكونه مخلوقا بامره من غير مادة- او لاستعداده قبول التجليات الرحمانية ما لا يستعد له روح غير الإنسان والإنسان وان كان الغالب منه عنصر الطين ولاجل ذلك أضيف خلقته الى الطين لكنه جامع للاسطقسّات العشر خمسة من عالم الخلق العناصر الاربعة والبخار المنبعث منها المسمى بالنفس والروح السفلى وخمسة من عالم الأمر المذكورة فهو لاجل ذلك الجامعية صار مستحقّا للخلافة أهلا لنور المعرفة ونار العشق والمحبة المقتضية للمعيّة الغير المتكيفة المحكية بقوله ﷺ المرء مع من أحب ومهبطا للتجليات الذاتية والصفاتية والظلالية ولاجل ذلك المعيّة وقبول التجليات اقتضت الحكمة الالهية لقوله تعالى
فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) امر من وقع يقع واللام هاهنا بمعنى الى يعنى قعوا الى آدم ساجدين لله تعالى جعل الله تعالى آدم قبلة للملائكة كما جعل الكعبة قبلة للناس فكما ان الكعبة انما صارت مسجودة إليها لاجل تجل لله تعالى فيها مختصة بها كذلك آدم عليه السلام-.
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ اما تحقيقا بإدراك المعيّة المذكورة او تقليدا او امتثالا لامر العليم الحكيم كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) أكد الله سبحانه بتأكيدين للمبالغة فى التعميم ومنع التخصيص- وذكر عن المبرد انه قال أكد بالكل للاحاطة وبأجمعين للدلالة على انهم سجدوا مجتمعين دفعة واحدة وهذا ليس بشيء فانه لو كان كذلك لكان الثاني حالا منصوبا لا تأكيدا مرفوعا.
إِلَّا إِبْلِيسَ فانه لاجل عدم البصيرة لم يدرك المعيّة المذكورة ولم يستدل بان قول الحكيم لا يخلو من الحكمة- قيل الاستثناء منقطع لان إبليس لم يكن من الملائكة كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فعلى هذا يتصل به قوله تعالى أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) اى ولكن إبليس ابى- وقيل الاستثناء متصل وهو كان من الملائكة من صنف منها يسمون بالجن فعلى هذا ابى كلام مستأنف كانه جواب سائل قال هلا سجد.
قالَ الله سبحانه يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) يعنى اى شيء عرض لك فى ان لا تكون مع الساجدين الى آدم مع وجوبه عليك بحكم الحاكم على الإطلاق وظهور فضل آدم واستحقاقه بأخبار العليم الصادق الخلاق.
قالَ إبليس لكمال غباوته لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ اللام لتأكيد النفي اى لا يصلح لى وينافي حال ان اسجد لِبَشَرٍ جسمانى كثيف خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) وهى اخس العناصر وخلقتنى من نار وهى ألطفها وأشرفها- وقد ذكرنا ما يناسب هذا المقام فى تفسير سورة الأعراف-.
قالَ الله تعالى فَاخْرُجْ يعنى ان عصيتنى فاخرج مِنْها اى من السماء او الجنة او من زمرة الملائكة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) مردود طريد من الخير والكرامة فان من يطرد يرجم بالحجارة- او انّك ترجم بالشهب ان تقربت السماء وهو وعيد متضمن للجواب عن شبهته وتعريضه على الله تعالى بانه لا ينبغى ان يؤمر الفاضل
بالسجود للمفضول- والجواب ان الفضل والخير كله بيد الله وفى امتثال امره فاذا عصى حرم من الخير واستحق الطرد.
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) فانه منتهى أمد الطرد واللعنة وبعد ذلك وقت الجزاء المترتب على تلك اللعنة والابعاد- او لانه بعد ذلك يعذب بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائد- وقيل انما حد اللعنة به لانه ابعد غاية يضربها الناس- قال البغوي قيل ان اهل السماء يلعنون إبليس كما يلعنه اهل الأرض فهو ملعون فى السماء والأرض- قلت بل يلعنه خالق السموات والأرض حيث قال وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ إبليس.
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي اى ان أخرجتني ولعنتنى فانظرنى اى أمهلني ولا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) أراد ان يجد فرصة الإغواء والنجات عن الموت إذ لا موت بعد البعث فاجابه الله فى الاول زيادة فى بلائه وشقائه لا إكراما له ولم يجبه فى الثاني و.
قالَ فَإِنَّكَ «١» مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) عند الله تعالى اى الوقت الّذي يموت فيه الخلائق وهو النفخة الاولى- يقال ان مدة موت إبليس أربعين سنة وهو ما بين النفختين-.
قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم وما مصدرية اى باغوائك واضلالك ايّاى قسمى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ اى فى الدنيا الّتي هى دار الغرور ازيّن لهم المعاصي- وقيل الباء للسببية اى لازيّننّ لهم بسبب اغوائك ايّاى وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) اى لاحملنهم على الغواية.
إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قرا ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بكسر اللام على صيغة الفاعل فى جميع القران يعنى أخلصوا دينهم بالتوحيد والطاعة لك ونفوسهم لاتباع مرضاتك والباقون بفتح اللام يعنى الذين أخلصتهم لنفسك عن طاعة غيرك وطهرتهم من الشوائب فهديتهم واصطفيتهم فلا يعمل فيهم كيدى-.
قالَ الله تعالى هذا اى الإخلاص صِراطٌ عَلَيَّ اى طريق للوصول الىّ من غير ضلال مُسْتَقِيمٌ (٤١) لا اعوجاج فيه أصلا قال الحسن صراط الحق مستقيم وقال مجاهد الحق يرجع على الله وعليه طريقه ولا يعرج على شيء- وقال الأخفش يعنى علىّ
(١) وفى الأصل انّك
الدلالة على الصراط المستقيم- وجاز ان يكون هذا اشارة الى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلص من اغوائه- والمعنى ان تخليص المخلصين طريق علىّ اى حق علىّ ان اراعيه مستقيم فلا انحراف عنه- وقال الكسائي هذا الكلام على التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه طريقك علىّ اى لا تفلت منى كما قال الله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فعلى هذا هذا اشارة الى ما اتخذ إبليس طريقا لنفسه اى طريق الإغواء- وقرا ابن سيرين ويعقوب وقتادة علىّ بالرفع والتنوين من العلوّ والمعنى ان هذا يعنى الإخلاص طريق رفيع من ان ينال مستقيم لايمال.
إِنَّ عِبادِي الظاهر ان الاضافة للاستغراق بدليل الاستثناء فيشتمل المؤمن والكافر لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) يعنى سلطانك بتسليط الله تعالى ليس الا على الغاوين واما المؤمنون فلا سلطان لك عليهم فهو تصديق لابليس فيما استثناه فهذه الاية نظير قوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ والمقصود بيان عصمة المخلصين وانقطاع مخالب الشيطان عنهم ومن هاهنا يندفع قول من شرط ان يكون المستثنى اقل من الباقي لافضائه الى تناقض الاستثناءين- وجاز ان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن من اتبعك من الغاوين ليدخلنهم جهنم حذف الخبر لدلالة ما بعده عليه ويكون الكلام لتكذيب الشيطان فيما او هم ان له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده فان منتهى ما يقدر عليه الشيطان التحريض كما قال وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي- وجاز ان يكون الاضافة فى عبادى للعهد والمعنى انّ عبادى المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ والاستثناء حينئذ منقطع البتة-.
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ اى موعد الغاوين او المتبعين أَجْمَعِينَ (٤٣) تأكيد للضمير او حال والعامل فيها الموعد ان جعلته مصدرا على تقدير المضاف ومعنى الاضافة ان جعلته اسم مكان فانه لا يعمل لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ اخرج هناد وابن المبارك واحمد الثلاثة فى الزهد وابن جرير وابن ابى الدنيا فى صفة
النار والبيهقي عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال أبواب جهنم هكذا ووضع احدى يديه على الاخرى وفرج بين أصابعه يعنى باب فوق باب سبعة أبواب فيملا الاول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم السادس ثم السابع- وذكر البغوي اثر على رضى الله عنه نحوه وقال فيه ان الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض- واخرج ابن جرير وابن ابى الدنيا فى صفة النار عن ابن جريج فى هذه الاية قال أولها يعنى الأبواب جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم السقر ثم الجحيم ثم الهاوية.
لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ اى من الغاوين جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) اى لكل دركة قوم يسكنونها- ومنهم حال من جزء او من المستكن فى لكل باب لا فى مقسوم لان الصفة لا تعمل فيما تقدم على موصوفه- قرا ابو بكر جزّ «١» بالتشديد بلا همز- قال البغوي قال الضحاك فى الدركة الاولى اهل التوحيد الذين ادخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون وفى الثانية النصارى وفى الثالثة اليهود وفى الرابعة الصابئون وفى الخامسة المجوس وفى السادسة اهل الشرك وفى السابعة المنافقون قال الله تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ- وقال البغوي روى عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي او قال على امة محمّد صلى الله عليه وسلم- قال القرطبي الباب الاول جهنم»
وهو أهون عذابا من غيره وهو مختص بعصاة هذه الامة وسمى بذلك الاسم لانه يتجهّم فى وجوه الرجال والنساء فيأكل لحومهم والهاوية وهى أبعدها قعرا- واخرج البزار عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ للنار باب لا يدخله الا من شفى غيظه بسخط الله- واخرج الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ لجهنم سبعة أبواب أشدها غمّا وكربا وحزنا وانتنها للزناة الذين ركبوا الزنى بعد العلم- واخرج البيهقي عن الخليل بن مرة مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(١) الصحيح قرا ابو بكر جزؤ بضم الزاء وبهمزة وابو جعفر جزّ بتشديد الزاء بلا همز والباقون بالإسكان وهمز- ابو محمّد
(٢) اخرج ابن مردوية عن انس قال قال رسول الله ﷺ جزء أشركوا وجزء شكوا فى الله وجزء غفلوا- منه رحمه الله
كان لا ينام حتّى يقرا تبارك وحم السجدة وقال الحواميم سبع وأبواب جهنم سبع- جهنم وحطمة ولظى وسقر والسعير والهاوية والجحيم قال يجيء حم السجدة منها يوم القيامة يقف على باب من هذه الأبواب فيقول اللهم لا يدخل هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرءونى واخرج الثعلبي ان سلمان الفارسي لما سمع قوله تعالى وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ فى ثلاثة ايام هاربا من الخوف لا يعقل فجيء به الى النبي ﷺ فساله فقال يا رسول الله نزلت لهذه الاية وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ الاية فو الّذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبى فانزل الله تعالى.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين لم يتبعوا الشيطان فى الشرك فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) لكل واحد منهم جنة وعين او لكل واحد عدة منها- قرا نافع وابو عمرو وهشام وحفص عيون بضم العين حيث وقع والباقون بكسرها.
ادْخُلُوها على ارادة القول يعنى يقال لهم ادخلوا الجنات والعيون بِسَلامٍ اى سالمين او مسلّما عليكم آمِنِينَ (٤٧) من الموت والآفات والخروج.
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ اى حقد كان فى الدنيا والماضي هاهنا بمعنى المستقبل عبر به تنبيها على تحقق وقوعها- اخرج سعيد بن منصور وابو نعيم فى الفتن وابن ابى شيبة والطبراني وابن مردوية عن على رضى الله عنه قال أرجو ان أكون انا وعثمان وطلحة والزبير منهم- قلت وذلك حين وقع الشر والفتنة بينهم حتّى قتل عثمان فى حرب الدار وطلحة والزبير يوم الجمل- واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد عن عبد الكريم بن رشيد قال ينتهى اهل الجنة الى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ النيران فاذا دخلوها نزع الله تعالى ما فى صدورهم من غل فصاروا إخوانا- او المراد بالآية نزع التحاسد من صدور اهل الجنة على درجات الجنة ومراتب القرب إِخْواناً حال من ضمير فى جنت او من فاعل ادخلوها او من الضمير فى امنين او من الضمير المضاف اليه والعامل هاهنا معنى الاضافة وكذا قوله عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) ويجوز ان يكونا صفتين لاخوان او حالين من ضميره لانه بمعنى متصافين وان يكون متقابلين حالا من المستقر فى على سرر اخرج هناد عن مجاهد فى هذه الاية قال لا يرى بعضهم قفا بعض- قال البغوي وفى بعض الاخبار ان المؤمن
فى الجنة إذا ودّ ان يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما الى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان- واخرج ابن ابى حاتم عن على بن الحسين نزلت فى ابى بكر وعمر وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ قيل واىّ غلّ قال غلّ الجاهلية ان بنى تميم وبنى عدى وبنى هاشم كان بينهم فى الجاهلية فلما اسلم هؤلاء القوم تحابوا فاخذت أبا بكر الخاصرة فجعل على يسخن يده فيكمد بها خاصرة ابى بكر فنزلت هذه الاية قلت على هذه الرواية قوله ونزعنا حال من الضمير المستكن فى جنات بتقدير قد تقديره إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وقد نزعنا فى الدنيا بالإسلام ما كان فى صدورهم فى الجاهلية من غلّ.
لا يَمَسُّهُمْ فِيها اى فى الجنة نَصَبٌ اى تعب استيناف او حال بعد حال من الضمير فى متقابلين وَما هُمْ مِنْها «١» اى من الجنة بِمُخْرَجِينَ (٤٨) فان تمام النعمة بالخلود- اخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال مر رسول الله ﷺ بنفر من أصحابه يضحكون قال أتضحكون وبين ايديكم النار فنزل جبرئيل وقال يا محمّد يقول لك ربك لم تقنط عبادى من رحمتى.
نَبِّئْ عِبادِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) واخرج ابن مردوية من وجه اخر عن رجل من اصحاب النبي ﷺ قال اطلع علينا رسول الله ﷺ من الباب الّذي يدخل منه بنوا شيبة قال الا أراكم تضحكون ثم أدبر ثم رجع القهقرى فقال انى خرجت حتّى إذا كنت عند الحجر جاء جبرئيل فقال يا محمّد ان الله يقول لم تقنط عبادى نبّئ عبادى الاية وفى نسق الكلام من هذه الاية فذلكة لما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له وفى ذكر المغفرة دليل على ان المراد بالمتقين من يتقى الشرك لا من يتقى الذنوب كلها صغيرها وكبيرها- قال البغوي قال قتادة بلغنا ان نبى الله ﷺ قال لو يعلم العبد قدر عفو الله لما نورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لتخرج نفسه- وروى الترمذي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة
(١) فى الأصل عنها اى عن الجنة
ما طمع فى الجنة أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من الجنة- وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ان الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة وامسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الّذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار- وفى توصيف ذاته بالمغفرة والرحمة دون التعذيب ترجيح بجانب الوعد على الوعيد وتأكيد له- روى احمد ومسلم عن سلمان واحمد وابن ماجة عن ابى سعيد عن النبي ﷺ بلفظ ان الله تعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها فى الأرض رحمة منها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض واخّر تسعا وتسعين فاذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة-.
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) فى عطف هذه الجملة على نبّئ عبادى الاية تحقيق للوعد والوعيد فى الدنيا ايضا كما حققهما فى الاخرة فيما سبق- والضيف اسم يطلق على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث والمراد هاهنا الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى لبشارة ابراهيم بالولد وإهلاك قوم لوط.
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً اى نسلم او سلمنا سلاما قالَ ابراهيم إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) خائفون لانهم دخلوا بغير اذن او بغير وقت او لانهم لم يأكلوا طعامه- والوجل اضطراب النفس بتوقع المكروه.
قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا رسل ربك نُبَشِّرُكَ استيناف فى مقام التعليل للنهى عن الوجل فان المبشر لا يخاف منه قرأ حمزة بالتخفيف وفتح النون من المجرد والباقون من التفعيل بِغُلامٍ يعنى إسحاق عليه السلام لقوله تعالى فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ... عَلِيمٍ (٥٣) ذى علم بالغ إذا كبر فتعجب ابراهيم لاجل كبره وكبر امرأته و.
قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ اى مع مس الكبر إياي والاستفهام للانكار ان يبشر فى مثل هذه الحالة وكذلك قوله فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) اى فباىّ اعجوبة تبشروني فان البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة
بشارة بغير شيء قرا ابن كثير بكسر النون مشددة فى كل القران على ادغام نون الجمع فى نون الوقاية ونافع بكسرها مخففة على حذف نون «١» الجمع استثقالا لاجتماع المثلين ودلالة لابقاء نون الوقاية المكسورة على الياء والباقون بفتح النون وتخفيفها.
قالُوا اى الملائكة بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ اى بالصدق او باليقين او بطريقة هى حق وهو قول الله عزّ وجلّ وامره الّذي لا راد لقضائه فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) اى من الآيسين وذلك لانه تعالى قادر على ان يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر- وكان استعجاب ابراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك.
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ قرا ابو عمرو والكسائي ويعقوب هاهنا وفى الروم يقنطون وفى الزمر لا تقنطوا بكسر النون فى الثلاثة والباقون بفتحها مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦) اى المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله وكمال علمه وقدرته فان القنوط من رحمة الله كبيرة كالامن من مكره-.
قالَ ابراهيم فَما خَطْبُكُمْ اى شأنكم الّذي أرسلتم لاجله سوى البشارة أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) لعله علم ان كمال المقصود ليس البشارة لانهم كانوا عددا والبشارة لا يحتاج الى العدد ولذلك اكتفى بالواحد فى بشارة زكريا ومريم عليهما السلام- او لانهم بشروه فى تضاعف الحال لازالة الوجل ولو كان تمام المقصود لابتدؤا بها.
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) اى مشركين يعنى قوم لوط.
إِلَّا آلَ لُوطٍ اى اتباعه واهل دينه ان كان استثناء من قوم كان منقطعا إذ القوم مقيد بالاجرام وان كان استثناء من الضمير فى مجرمين كان متصلا والقوم والإرسال شاملين للمجرمين- والمعنى انا أرسلنا الى قوم أجرموا كلهم الا ال لوط منهم لنهلك المجرمين وننجى ال لوط ويدل عليه قوله. إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ مما يعذب به غيرهم من القوم خفف حمزة والكسائي وشدده الباقون أَجْمَعِينَ (٥٩) حملة مستأنفة على تقدير اتصال الاستثناء وجار مجرى خبر لكن على تقدير الانفصال وعلى هذا جاز ان يكون قوله.
إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من ال لوط او من الضمير المنصوب فى
(١) هذا عند سيبويه واما عند جمهور القراء فالمحذوفة نون الوقاية- ابو محمّد عفا الله عنه
منجوهم وعلى تقدير اتصال الاستثناء لا يكون الاستثناء الا من الضمير لاختلاف الحكمين قَدَّرْنا اى قضينا قرا ابو بكر هنا وفى سورة النمل بتخفيف الدال والباقون بتشديدها إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) الباقين فى العذاب مع الكفار- علق قدّر مع ان التعليق من خواص افعال القلوب لتضمنه معنى العلم ويجوز ان يكون قدّر جار مجرى قلنا لان التقدير بمعنى القضاء قول وهو فى الأصل جعل الشيء على مقدار غيره واسناد الملائكة التقدير الى أنفسهم مع انه فعل الله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص به تعالى او لانهم كانوا رسلا فكلامهم على وجه السفارة مستند اليه تعالى-.
فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ لهم لوط إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) اى ينكركم نفسى إذ ليس عليكم زى السفر ولستم من اهل القرية فاخاف ان يصل الىّ منكم مكروه.
قالُوا اى الملائكة بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) يعنى ما جئنا بما تنكرنا لاجله بل جئناك بما يسرّك ويشفى لك فى أعدائك وهو العذاب الّذي تعد بها قومك فيمترون بها.
وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ باليقين من عذابهم او بالعذاب المحقق فى علم الله تعالى وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فيما أخبرناك.
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ اذهب بهم فى الليل قرا نافع وابن كثير فاسر بهمزة الوصل من السرى ومعناهما واحد بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ اى طائفة منها وقيل فى آخرها وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ يعنى كن على اثرهم حتّى تسرع بهم وتطلع على أحوالهم وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ اى لا ينظر وراءه فيرى من الهول ما لا يطيقه- او لئلا يروا ما نزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم فيصيبهم ما أصابهم- او لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف لغرض فيصيبه العذاب- وقيل نهوا عن الالتفات ليوطّنوا نفوسهم على المهاجرة او جعل النهى عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لان من يلتفت لا بد له فى ذلك من ادنى وقفة وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) يعنى الى حيث امر الله تعالى قال ابن عباس رضى الله عنهما يعنى الشام وقال مقاتل يعنى زغر.
وقيل أردن وَقَضَيْنا إِلَيْهِ اى أوحينا الى لوط مقضيّا ولذلك عدى بالى ذلِكَ
الْأَمْرَ
مبهم يفسره أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ يعنى أصلهم مَقْطُوعٌ ومحل انّ النصب على البدل منه وفيه تفخيم لذلك الأمر- والمعنى انهم يستأصلون عن آخرهم لا يبقى منهم أحد مُصْبِحِينَ (٦٦) اى داخلين فى الصبح وهو حال من هؤلاء او من الضمير فى مقطوع- وجمعه حملا على المعنى فان دابر هؤلاء فى معنى مدبرى هؤلاء-.
وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ سدوم يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) باضياف لوط يبشر بعضهم بعضا طمعا فى الفاحشة بهم فانهم كانوا فى صورة غلمان حسان الوجوه.
قالَ لهم لوط إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) فان تفضيح الضيف تفضيح للمضيف.
وَاتَّقُوا اللَّهَ فى ارتكاب الفاحشة وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قرا يعقوب لا تفضحونى ولا تخزونى بالياء والباقون بحذفها اى لا تذلّونى بسببهم من الخزي وهو الهوان او لا تخجلوني فيهم من الخزاية وهى الحياء.
قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ معطوف على محذوف تقديره أنترك هؤلاء ولم ننهك والاستفهام للانكار وهو من الإثبات نفى وبالعكس يعنى لا نتركهم وقد نهيناك عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) اى عن ان تجير منهم أحدا وتحول بيننا وبينهم فانهم كانوا يقطعون السبيل ويتعرضون كل واحد وكان لوط عليه السلام يمنعهم عنه بقدر وسعه- او عن ضيافة الناس وإنزالهم عندك فانا نركب منهم الفاحشة.
قالَ لهم لوط عليه السلام هؤُلاءِ بَناتِي قرا نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها وقد مر وجوه تأويله فى سورة هود عليه السلام إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) قضاء الشهوة او فاعلين ما أقول لكم فانكحوهن- قال الله تعالى.
لَعَمْرُكَ يا محمّد وحياتك قسمى وهو لغة فى العمر يختص به القسم لا يثار الأخف فيه لانه كثير الدور على الالسنة- قال البغوي روى عن ابى الجوزاء عن ابن عباس قال ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمّد ﷺ وما اقسم بحياة أحد الا بحياته إِنَّهُمْ يعنى كفار قريش لَفِي سَكْرَتِهِمْ اى غوايتهم وشدة انهماكهم فى قضاء الشهوات وعدم تميزهم بين الخطاء والصواب الّذي يشاربه إليهم يَعْمَهُونَ (٧٢) يتحبرون فكيف يسمعون نصحك والجملة معترضة فى قصة لوط- وقيل هذا من كلام الملائكة أضياف
لوط خاطبوا لوطا بقولهم لعمرك يا لوط انّهم يعنى قومك لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ-.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعنى الصيحة الهائلة المهلكة قيل صيحة جبرئيل مُشْرِقِينَ (٧٣) اى داخلين فى وقت شرق الشمس وإضائتها فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا وتمامه حين اشرقوا.
فَجَعَلْنا عالِيَها اى عالى المرتبة او عالى قرارهم سافِلَها رفعها جبرئيل الى السماء ثم قلبها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) اى من طين متحجرا وطين عليه كتاب من السجل وقد سبق مزيد بيان هذه القصة فى سورة هود- والفاء فى قوله فجعلنا تدل على تقدم الصيحة على قلب الأرض وامطار الحجارة والله اعلم.
إِنَّ فِي ذلِكَ الحديث لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) قال ابن عباس للناظرين وقال مجاهد للمتفرسين وقال قتادة للمعتبرين وقال مقاتل للمتفكرين قلت الوسم التأثير والسمة الأثر يعنى الناظرين فى ظواهر الأشياء وسماتها حتّى يتفرسوا بواطنها بسمات ظواهرها.
وَإِنَّها اى مدينة لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) اى بطريق ثابت واضح يسلكه الناس ويرون اثارها فالمقيم ما لم يندرس اثارها.
إِنَّ فِي ذلِكَ البيان لآية لّلمؤمنين (٧٧) بالله ورسوله المعتقدين بان هذا البيان من الله تعالى.
وَإِنْ اى انه كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ اى الأشجار المتكاثفة وهم قوم شعيب كانوا يسكنون غيظة وكانت عامة شجرهم الدوم وهو المقل لَظالِمِينَ (٧٨) اللام للتأكيد ظلموا أنفسهم وعرضوها للنار حيث كفروا بالله وكذبوا شعيبا.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وذلك ان الله سلط عليهم الحر سبعة ايام ثم بعث الله سحابة فالتجئوا إليها يلتمسون الروح فامطر الله عليهم منها نارا فاحرقتهم وذلك عذاب يوم الظلة وَإِنَّهُما يعنى سدوم قرية قوم لوط والايكة- وقيل الايكة ومدين فانه كان مبعوثا إليهما وكان ذكر إحداهما منبها على الاخرى لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) اى بطريق واضح أفلا يعتبر «١» بهما اهل مكة والامام اسم لما يؤتم به فسمى به اللوح ومطمر البناء والطريق لانها مما يؤتم بها-.
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ يعنى ثمود- والحجر واد بين المدينة والشام
(١) فى الأصل افلا يعتدون [.....]
الْمُرْسَلِينَ (٨٠) يعنى صالحا عليه السلام وجميع المرسلين الذين شهد برسالتهم صالح.
وَآتَيْناهُمْ آياتِنا يعنى آيات الكتاب المنزل على نبيهم او معجزاته كالناقة وولدها وسقياها ودرها فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها- او امنين من عذاب الله لفرط غفلتهم وحسبانهم ان الجبال يحميهم منه.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صيحة العذاب مُصْبِحِينَ (٨٣) اى حال كونهم داخلين فى الصباح.
فَما أَغْنى عَنْهُمْ اى لم يدفع عنهم العذاب ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد- وقد ذكرنا فى تفسير سورة التوبة فى قصة غزوة تبوك انه ﷺ مر بالحجر فقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم وتقنّع بردائه وهو على الرحل واسرع حتّى أجاز الوادي-.
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى خلقا متلبسا بالحق كى يكون دليلا على وجود الصانع وصفاته وحجة على المنكرين مزيلا لعذرهم- او المعنى «١» متلبسا بالحق لا يلايم استمرار الفساد ودوام الشر فاقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وازالة فسادهم من الأرض وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فينتقم الله ممن أشرك بالله وكذّب رسله فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) اى اعرض عنهم ولا تعجل للانتقام منهم.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الّذي خلقك وخلق أعداءك وبيده الأمر كله الْعَلِيمُ (٨٦) بالمحسن والمسيء فيجازى كلا منهما على حسب عمله- او هو العليم بحالك وحالهم فهو حقيق بان تكل اليه أمرك- او هو الّذي خلقكم وعلم ما هو الأصلح لكم والأصلح اليوم الصفح-.
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي جمع مثناة اسم الظرف او مثنية اسم الفاعل صفة للايات او السور- قال البغوي قال عمر وعلىّ وابن مسعود رضى الله عنهم هى فاتحة الكتاب سبع آيات وهو قول قتادة وعطاء والحسن وسعيد بن جبير
(١) فى الأصل ملتبسا
312
وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ أم القران هى السبع المثاني والقران العظيم- وفى وجه التسمية بالمثاني اقوال قال ابن عباس رضى الله عنهما والحسن وقتادة لانها تثنّى فى الصلاة فيقرا فى كل ركعة- وقيل لانها مقسومة بين الله وبين العبد بنصفين نصفها ثناء ونصفها دعاء- عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال يقول الله عزّ وجلّ قسّمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين الحديث وقد مر فى تفسير سورة الفاتحة- وقال الحسين بن الفضل سميت مثانى لانها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة كل مرة معها سبعون الفا من الملائكة- وقال مجاهد سميت مثانى لان الله تعالى استثناها وادّخرها لهذه الامة فما أعطاها غيرهم- وقال ابو زيد البلخي سميت مثانى لانها تثنى اى تصرف اهل الشر عن الفسق من قولهم ثنيت عنانى- وقيل لانها تثنى على الله عزّ وجلّ بصفاته العظام «١» - وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سبعا يعنى سبع سور من المثاني للبيان فالمثانى اما من التثنية باعتبار تكرر قراءته او ألفاظه او قصصه ومواعظه قال وهى السبع «٢» الطوال أولها البقرة وآخرها الأنفال مع التوبة فانهما فى حكم سورة واحدة ولذلك لم يكتب بينهما سطر بسم الله- وقيل سابعها التوبة وحدها وقيل يونس- قال ابن عباس انما سميت السبع الطوال مثانى لان الفرائض والحدود والأمثال والخير والشر والعبر ثنيت فيها يعنى تكررت- وقيل انها من الثناء باعتبار انه مثنّى عليه بالبلاغة والاعجاز ومثنّى على الله بما هو اهله من أسمائه وصفاته- روى محمّد بن نصر عن انس قال قال رسول الله ﷺ ان الله أعطاني السبع الطوال مكان التورية وأعطاني الراءات الى الطواسين مكان الإنجيل وأعطاني ما بين الطواسين الى الحواميم مكان الزبور وفضلنى بالحواميم والمفصل ما قزاهن نبى قبلى- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اوتى النبي ﷺ السبع الطوال واعطى موسى عليه السلام ستّا فلما القى الألواح رفغت ثنتان وبقيت اربع- وقيل المراد بالسبع الحواميم السبع روى البغوي بسنده
(١) وعن عمر بن الخطاب قال فى قوله تعالى لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال السبع الطوال- وروى ذلك ايضا عن ابن عمر وابن عباس ومجاهد وسفيان وغيرهم- قلت والمثاني القران يذكر الله القصة الواحدة مرارا ١٢ منه رحمه الله
(٢) فى الأصل بصفاته العظيم
313
عن ثوبان ان رسول الله ﷺ قال ان الله أعطاني السبع الطوال مكان التورية وأعطاني المائين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني وفضلنى ربى بالمفصل- وقال طاءوس المراد بالمثاني القران كله بدليل قوله تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ سمى القران مثانى لان الانباء والقصص ثنيت فيه فعلى هذا من للتبعيض والمراد بالسبع السور السبع- وقيل المراد بالسبع سبعة اسباع القران ومن المثاني القران كله فعلى هذا قوله تعالى وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) من قبيل عطف أحد الوصفين على الاخر وعلى التأويلات السابقة من قبيل عطف الكل على البعض او العام على الخاص-.
لا تَمُدَّنَّ يا محمّد عَيْنَيْكَ اى لا ترفع بصرك طمعا إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ من امتعة الدنيا أَزْواجاً أصنافا مِنْهُمْ اى من الكفار فانها مستحقرة بالاضافة الى ما أوتيته من القران روى إسحاق بن راهويه فى مسنده من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص انه قال من اوتى القران فراى أحدا اوتى من الدنيا أفضل مما اوتى فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا- وقال البغوي روى ان سفيان بن عيينة تأول قول النبي ﷺ ليس منا من لم يتغنّ بالقران اى لم يستغن به روى الحديث البخاري عن ابى هريرة واحمد وابو داود وابن حبان والحاكم عن سعد وابو داود عن ابى لبابة عن عبد المنذر والحاكم عن ابن عباس وعائشة وروى البيهقي عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لا تغبطن فاجرا بنعمة ان له عند الله قاتلا لا يموت ورواه البغوي بلفظ لا تغبطن فاجرا بنعمة فانك لا تدرى ما هو لاق بعد موته ان له عند الله قاتلا لا يموت- فبلغ ذلك وهب بن منبه فارسل اليه أبا داود الأعور فقال يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت قال عبد الله بن مريم النار- وروى احمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والبغوي عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ انظروا الى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة الله عليكم وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ اى على الكفار بانهم
لم يؤمنوا او المعنى لا تغتم على ما فانك من مشاركتهم فى الدنيا وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) اى ليّن جانبك لهم وارفق بهم وارحمهم.
وَقُلْ إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) أنذركم ببيان وبرهان ان عذاب الله نازل بكم ان لم تؤمنوا-.
كَما أَنْزَلْنا اى مثل الّذي أنزلنا من العذاب فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) قال البغوي حكى عن ابن عباس انه قال هم اليهود والنصارى.
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عباس قال سال رجل رسول الله ﷺ قال ارايت قول الله تعالى كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ قال اليهود والنصارى قال ما عضين قال أمنوا ببعض وكفروا ببعض جمع عضة كعدة الفرقة والقطعة كذا فى القاموس أصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء فاليهود والنصارى اقتسموا القران الى حق وباطل وجعلوه اجزاء صدقوا بعضه وقالوا هذا حق موافق للتورية والإنجيل وكذبوا بعضه وقالوا هذا باطل مخالف لهما- وقيل كانوا يستهزءون به فيقول بعضهم سورة البقرة لى ويقول الاخر سورة ال عمران لى- وقال مجاهدهم اليهود والنصارى وأريد بالقران ما يقرءون من كتبهم قسمت اليهود والنصارى كتابهم فعرفوه وتركوه- وقيل المقتسمون قوم اقتسموا القران فقال بعضهم سحر وقال بعضهم شعر وقال بعضهم كهانة وقال بعضهم أساطير الأولين- وقيل الاقتسام هو انهم فرقوا القول فى رسول الله ﷺ فقالوا شاعر ساحر كاهن- وقال مقاتل كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة ايام الموسم فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على أنقابها يقولون لمن جاء من الحاجّ لا تغتروا بهذا الخارج (الّذي يدعى النبوة) منّا يقول طائفة منهم انه مجنون وطائفة انه كاهن وطائفة انه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فاذا سئل عنه قال صدق أولئك يعنى المقتسمين- والعذاب النازل بالمقتسمين ان كان المراد بهم اليهود فقتل بنى قريظة واجلاء بنى النضير وغيرهم وان كان
المراد بهم قريش فما نزل بهم يوم بدر حيث قتلوا أجمعون- وقيل المراد بالمقتسمين الذين تقاسموا على ان يبيتوا صالحا عليه السلام- وقيل عضين جمع عضة أصلها عضهة ذهبت هاؤها كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة بدليل التصغير على شفيهة والمراد بالعضهة الكذب والبهتان فى القاموس العضة الكذب ومنه فى حديث البيعة ولا يعضه بعضنا بعضا اى لا يرميه بالعضهة وهى البهتان والكذب- وفى حديث اخر إياكم والعضة قال الزمخشري أصلها فعلة من العضهة وهو البهت فحذفت لامه كما حذفت من السنة والشفة كذا فى النهاية للجزرى- وقيل العضة السحر فى القاموس العضون السحر جمع عضهة بالهاء وانما جمع جمع السلامة جبرا لما حذف منه ومنه قوله ﷺ لعن الله العاضهة والمستعضهة اى الساحرة والمستسحرة كذا فى النهاية- وجاز ان يكون كما أنزلنا متعلقا بقوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ فانه بمعنى أنزلنا إليك والمعنى أنزلنا إليك سبعا من المثاني انزالا كما أنزلنا التورية والإنجيل على المقتسمين يعنى اليهود والنصارى فهو صفة لمصدر محذوف وعلى هذا يكون قوله تعالى لا تَمُدَّنَّ الى آخره اعتراضا وعلى ما ذكرنا الموصول اعنى قوله الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ صفة للمقتسمين- وان كان المراد بالمقتسمين المقتسمين على تبييت صالح عليه السلام فالموصول مبتدا خبره-.
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) من الكفر والمعاصي والتقسيم ونسبة القران الى الكذب او السحر ومجازيهم عليه- قال البغوي قال محمّد بن إسماعيل البخاري قال عدة من اهل العلم يعنى عن قول لا اله الا الله اخرج الترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية عن انس عن النبي ﷺ فى هذه الاية قال عن قول لا اله الا الله- واخرج مسلم عن ابى برزة الأسلمي رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ لا تزال قد ما عبد عن الصراط حتّى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه- واخرج الترمذي وابن مردوية مثله عن ابن مسعود واخرج
316
الطبراني والاصبهانى فى الترغيب عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ تناصحوا فى العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فان خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانته فى ماله وان الله سائلكم عنه- واخرج ابو نعيم عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل الله عنها ما أراد بها- واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عمران رسول الله ﷺ قال من امّ قوما فليتق الله وليعلم انه ضامن مسئول لما ضمن فان احسن كان له من الاجر مثل اجر من خلفه وما كان من نقص فهو عليه- واخرج ابن ابى حاتم وابو نعيم فى الحلية عن معاذ بن جبل قال قال النبي ﷺ يا معاذ ان المؤمن سئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتّى كحل عينيه- واخرج البيهقي وابن ابى الدنيا عن الحسن قال قال رسول الله ﷺ ما من عبد يخطب الا الله سائله منها ماذا أراد بها مرسل جيد الاسناد- واخرج ابن ابى حاتم عن الانفع بن عبد الله الكلاعى قال ان لجهنم سبع قناطير والصراط عليهن فيحبس الخلائق على القنطرة الاولى فيقول قفوهم انهم مسئولون فيحاسبون على الصلاة ويسئلون منها فيهلك فيها من هلك وينجو من نجا فاذا بلغوا الثانية حوسبوا على الامانة كيف أدوها وكيف خانوها فيهلك من هلك وينجو من نجا فاذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها فيهلك من هلك وينجو من نجا قال والرحم يومئذ متدلية الى الهوى تقول اللهم من وصلني فصله ومن قطعنى فاقطعه- واخرج ابن ماجة عن ابى سعيد قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ان الله تبارك وتعالى ليسئل العبد يوم القيامة حتّى يقول ما منعك إذا رايت المنكر ان تنكره فاذا لقن الله حجته قال يا رب رجوتك وفرقت من الناس وفى الصحيحين عن ابن عمران رسول الله ﷺ قال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته قال الامام الّذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على اهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على اهل بيت زوجها وولده وهى مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته- وفى الباب عن انس عند ابن حبان وابى نعيم وعنه عند الطبراني واخرج
317
الطبراني فى الكبير عن المقدام سمعت رسول الله ﷺ يقول لا يكون رجل على قوم الا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه رأية يحملها وهم يتبعونه فيسئل عنهم ويسئلون عنه- واخرج ايضا عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ ما من امير يأمر على عشرة الا سئل عنهم يوم القيامة وفى باب السؤال أحاديث كثيرة جدّا- فان قيل كيف الجمع بين هذه الاية وما فى معناها من الأحاديث وبين قوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ قال ابن عباس وجه الجمع انه لا يسئل هل عملتم به لانه اعلم به منهم ولكن يقول لم عملتم كذا «١» وكذا اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عنه واعتمد عليه قطرب وقال السؤال ضربان سوال استعلام وسوال توبيخ فقوله تعالى لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ يعنى استعلاما
وقوله لَنَسْئَلَنَّهُمْ أجمعين يعنى توبيخا وتقريعا وقال عكرمة عن ابن عباس فى جمع الآيتين ان يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف فيسئلون فى بعض المواقف ولا يسئلون فى بعضها نظيره قوله تعالى هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وفى موضع اخر ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ كذا اخرج الحاكم.
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ قال ابن عباس اى اظهر امر للنبى ﷺ بإظهار الدعوة- روى عن عبد الله بن عبيدة قال كان مستخفيا حتّى نزلت هذه الاية فخرج هو وأصحابه- ويروى عن ابن عباس امضه قال الضحاك اعلم وقال الأخفش افرق بالقران بين الحق والباطل وقال سيبويه اقض بما تؤمر واصل الصدع الإبانة والفصل والتميز وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) لا تلتفت إليهم قيل نسخه اية القتال-.
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) بقمعهم وإهلاكهم قال البغوي يقول الله تعالى لنبيه ﷺ فاصدع بامر الله ولا تخف أحدا غير الله فان الله تعالى كافيك ممن عاداك كما كفاك المستهزئين وهم خمسة نفر من رؤساء قريش الوليد بن المغيرة المخزومي وكان رأسهم والعاص بن وائل السهمي والأسود ابن المطلب بن الحارث بن اسد بن عبد العزى ابو زمعة (وكان رسول الله صلى الله
(١) فى الأصل كذا كذا
318
عليه وسلم قد دعا عليه فقال اللهم أعمه بصره واثكله بولده) والأسود بن عبد يغوث ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة والحارث بن قيس بن الطلالة- فاتى جبرئيل محمّدا ﷺ والمستهزءون يطوفون بالبيت فقام جبرئيل وقام رسول الله ﷺ الى جنبه فمر به الوليد بن المغيرة فقال جبرئيل يا محمّد كيف تجد هذا قال بئس عبد الله قال قد كفيت وأومأ الى ساق الوليد فمر برجل من خزاعة ينال بريش نباله وعليه برديمان وهو يجر إزاره فتعلقت شظية من نبل بإزاره فمنعه الكبر ان يبطامن فينزعها وجعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض فمات- ومر به العاص بن وائل فقال جبرئيل كيف تجد هذا يا محمّد قال بئس عبد الله فاشار جبرئيل الى اخمص رجليه وقال قد كفيت فخرج على راحلته ومعه ابنان له يتنزه فنزل شعبا من تلك الشعاب فوطى على شبرقة فدخلت منها شوكة فى اخمص رجله فقال لدغت لدغت فطلبوا فلم يجدوا شيئا وانتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق بعير فمات مكانه- ومر به الأسود بن المطلب فقال جبرئيل عليه السلام كيف تجد هذا قال عبد سوء فاشار بيده الى عينيه وقال قد كفيت فعمى قال ابن عباس رضى الله عنهما رماه جبرئيل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعت عيناه فضرب برأسه الجدار حتّى هلك- وفى رواية الكلبي أتاه جبرئيل وهو فى اصل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك فاستغاث بغلامه فقال غلامه لا ارى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك حتّى مات وهو يقول قتلنى رب محمّد- ومر به الأسود بن عبد يغوث فقال جبرئيل كيف تجد هذا قال بئس عبد الله على انه ابن خالى فقال قد كفيت وأشار الى بطنه فاستسقى بطنه فمات جنبا وفى رواية الكلبي انه خرج من اهله فاصابه السموم فاسود حتّى صار حبشيا فاتى اهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب حتّى مات وهو يقول قتلنى رب محمّد- ومر به الحارث ابن قيس فقال جبرئيل كيف تجد هذا قال عبد سوء فاوما الى رأسه وقال قد كفيت فامتخط قبحا فقتله وقال ابن عباس انه أكل حوتا مالحا فاصابه العطش
319
فلم يزل يشرب عليه من الماء حتّى انفذ بطنه فمات فذلك قوله عز وجل إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بك وبالقرآن- واخرج الطبراني وابو نعيم والبيهقي فى الدلائل من حديث ابن عباس رضى الله عنهما انهم كانوا خمسة من اشراف قريش الوليد ابن المغيرة والعاص بن الوائل وعدى بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود ابن المطلب يبالغون فى إيذاء النبي ﷺ والاستهزاء به فقال جبرئيل لرسول الله ﷺ أمرت ان أكفيكهم فاوما الى ساق الوليد فمر بنبّال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لاخذه فاصاب عرقا فقطعه فمات وأومأ الى اخمص العاص فدخلت فيه شوكة فانتفخت رجله حتّى صارت كالرحى ومات وأشار الى انف عدى بن قيس فامتخط قيحا فمات والى رأس الأسود بن عبه يغوث وهو قاعد فى اصل شجرة فجعل ينطح برأسه الشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتّى مات والى عينى الأسود بن عبد المطلب فعمى- واخرج البزار والطبراني عن انس ابن مالك قال مر النبي ﷺ على أناس فجعلوا يغمزون فى قفاه هذا الّذي يزعم انه نبى ومعه جبرئيل فغمر جبرئيل فوقع مثل الطفر فى أجسادهم فصارت قروحا حتّى نتنوا فلم يستطع أحد ان يدنو منهم فانزل الله تعالى إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) عاقبة أمرهم-.
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ اى يمتلى صدرك من الغيظ ولا تستطيع إنفاذه بِما يَقُولُونَ (٩٧) من الشرك والطعن فى القران والاستهزاء.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فافرغ الى الله بالتسبيح والتحميد يشغلك التسبيح والتحميد عن الغيظ ويكفيك الله ويكشف عنك الغم ويذهب عنك الغيظ ويشف صدرك- او فنزهه عما يقولون حامدا لله على ما هداك الى الحق قال ابن عباس فصل بامر ربك وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) من المتواضعين وقال الضحاك يعنى قل سبحان الله وبحمده وكن من المصلين- اخرج احمد وابو داود وابن جرير
من حديث عبد العزيز أخي حذيفة بن اليمان رضى الله عنهما ان رسول الله ﷺ إذا خرّبه امر فزع الى الصلاة.
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) اى الموت الموقن به فانه متيقن لحوقه كل مخلوق حىّ- والمعنى ما دمت حيّا ولا تخل بالعبادة كما فى قول عيسى أوصني بالصّلوة «١» ما دمت حيّا- روى البغوي بسنده وغيره عن جبير بن نفير قال قال رسول الله ﷺ ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان سبح بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ- وعن عمر رضى الله عنه قال نظر رسول الله ﷺ الى مصعب بن عمير مقيلا عليه إهاب كبش قد تنطق به فقال رسول الله ﷺ انظروا الى هذا الّذي قد نور الله قلبه لقد رايته بين أبويه يغذو انه بأطيب الطعام والشراب ولقد رايت عليه حلة شراها وشريت بمائتي درهم فدعاه حب الله وحب رسوله الى ما ترونه تمت تفسير سورة الحجر فى السادس والعشرين من الربيع الثاني من السنة الثانية بعد المائتين والف ويتلوه تفسير سورة النحل ان شاء الله تعالى- تمت سنة ١٢٠٢ هـ.
فهرس تفسير سورة النّحل من التّفسير المظهرى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه حديث إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح- ٨ حديث ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى إلخ ١١ حديث لا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار مثقال ذرة من ايمان- ١٢ وجه المقابلة بين الكبر والايمان- ١٢ وذكر الفناء المصطلح الصوفية- ١٢ حديث من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه الحديث ١٣ حديث قال الله كذبنى عبدى ولم يكن له ذلك وشتمنى الحديث- ١٩ حديث انى ارى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء أطا الحديث- ٢٣ حديث لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق- ٢٤
(١) وفى القران بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا-
321
مضمون صفحه مضمون صفحه ما ورد فى نزول العذاب عند ترك الأمر بالمعروف ٣٧ ما ورد فى العسل وكونه شفاء- ٣٢ قال الله تعالى انى والجن والانس فى نبا عظيم اخلق ويعبد غيرى الحديث- ٣٥ حديث من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه- ٤٥ حيوة المؤمن فى الدنيا حيوة طيبة وبيان كونها طيبة- ٤٦ حديث ان الله يقول لاهل الجنة هل رضيتم الحديث وفيه ان رضوان الله أفضل نعيم الجنة- ٤٧ حديث ان أعلمكم وأتقاكم بالله انا- ٤٧ حديث عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير- ٤٧ مسائل الاستعاذة قبل القراءة وقيل بعد ٤٨ واختلاف العلماء فى التعوذ فى الصلاة ٤٨ وكيفية التعوذ وحقيقته- ٤٩ فيما ورد ان المؤمن لا يكون كاذبا- ٥٣ قصة بلاء عمار وأبيه وامه حين اكرهوا على الكفر- ٥٤ مسائل الإكراه وتعريفه واقسامه وأحكامه وما ورد فيه- ٥٥ قصة قتل خبيب حين اكره على الكفر فلم يكفر ٥٦ قصة رجلين مسلمين سالهما مسيلمة الكذاب عن نبوته فاعطاه أحدهما ما أراد تقية وقتل الثاني شهيدا- ٥٦ اختلاف العلماء فى تصرفات المكره- ٥٧ اعطى ابراهيم عليه السلام فى الدنيا حسنة وهى الخلة وطلبه رسول الله ﷺ فاستجيب دعاؤه بعد الف سنة- ٦٥ ما ورد فى ان الله تعالى امر بالجمعة لليهود والنصارى فابوا واختاروا السبت والأحد واعطى الجمعة لهذه الامة فقبلوا- ٦٧ قصة قتل حمزة رضى الله عنه وما مثل به وما وجد رسول الله ﷺ عليه وأراد الانتقام ومثلة الكفار فامر بالصبر- ٦٨ وما ورد من النهى عن المثلة- ٧٩ تمّت.
322
Icon