تفسير سورة الإسراء

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة بني إسرائيل : بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله :﴿ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ١ ﴾
الحَرَم كلّه مَسْجد، يعنى مَكّة وَحَرمَها. ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ﴾ : بيت المَقْدِس. ﴿ الَّذِي بَارَكْنا حَوْلَهُ ﴾ بالثمار والأنهار.
وقوله :﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنا ﴾ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلَم حين أَسرى به ليُريه تلك الليلة العجائب. وأُرِي الأَنبياء حتّى وصفهم لأهل مكَّة، فقالوا : فإنّ لنا إِبلا في طريق الشأم فأخبِرنا بأمرها. فأخبرهم بآيات وعلامات. فقالوا : متى تقدَمُ ؟ فقال : يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أَورق. فقالوا : هذه علامات نعرف بها صِدقه مِن كذبه. فغدَوا من وراء العَقبة يستقبلونها، فقال قائل : هذه والله الشمسُ قد شَرَقت ولم يأتِ. وقال آخر : هذه والله العِير يقدمها جَمل أورق كما قال محمد صلى الله عليه وسلم. ثم لم يؤمنوا.
وقوله :﴿ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً٢ ﴾
يقال : رَبّا، ويقال : كافياً.
وقوله :﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا٣ ﴾
منصوبة على النداء ناداهم : يا ذُرّيّة مَنْ حملنا مع نوح، يعنى في أصلاب الرجال وأرحام النساء مَّمن لم يُخْلَق.
وقوله :﴿ وَقَضَيْنا إِلَى بَنِي إِسْرَائيلَ٤ ﴾
أعلمناهم أنهم سيُفسدون مَرَّتَيْن.
وقوله :﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُما ٥ ﴾ يقول : عقوبة أولى المرَّتين، وهو أول الفسادين ﴿ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنا ﴾ يعنى بُخْتَنَصَّر فسَبَى وقَتَل.
وقوله :﴿ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ ﴾ يعنى : قتلوكم بين بيوتكم ( فجاسُوا ) في مَعْنى أخذوا وحاسوا أيضاً بالحاء في ذلك المعنى.
وقوله :﴿ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ٦ ﴾
يعنى على بُخْتَنَصَّر جَاء رجل بعثه الله عزّ وجلّ على بُخْتَنَصَّر فقتله وأعاد اللهُ إِليهم مُلكهم وأمْرهم، فعاشوا، ثم أفسدُوا وهو آخِر الفسادَين.
وقوله :﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ٧ ﴾
يقول القائل : أين جواب ( إذا ) ؟ ففيه وجهان. يقال : فإذا جاء عد الآخرة بعثناهم ليسُوءَ اللهُ وجوهكم لمن قرأ بالياء. وقد يكون ليسوء العذابُ وجوهكم. وقرأها أبَىّ بن كعب ٩٨ب ( لِنَسُوءنْ وُجُوهَكُمْ ) بالتخفيف يعنى النون. ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جَوَاباً لإذا بلا ضمير فعل. تقول إذا أتيتني لأسُوءَنَّكَ ويكون دخول الواو فيما بعد ﴿ لنسوءن ﴾ بمنزلة قوله ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرض ولِيَكُونَ من ﴾ نُرِيه الملكوت، كذلك الواو في ﴿ وليَدْخُلُوا ﴾ تضمر لها فعلا بعدها، وقد قُرئت ( لِيُسوءُوا وُجُوهَكُم ) الذين يدخلون.
وقوله :﴿ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ٩ ﴾. يقول لشهادة أن لا إله إلا الله.
﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أُوقعت البشارة على قوله ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾ ويجوز أن يكون المؤمنون بُشروا أيضاً بقوله ﴿ وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيما... ﴾ لأن الكلام يَحتَمل أن تقول : بَشّرت عبد الله بأنه سيُعطَى وأن عدوّه سيُمنَع، ويكون. ويبشّر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لهم عَذاباً أليما، وإن لم يُوقع التبشير عليهم كما أوقعه على المؤمنين قبل ( أنَّ ) فيكون بمنزلة قولك في الكلام بَشّرت أَن الغيث آتٍ فيه معنى بشّرت الناس أَن الغيث آتٍ وإن لم تذكرهم. ولو اسْتأنفت ﴿ وإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ﴾ صلح ذلك ولم أسمع أحداً قرأ به.
وقوله :﴿ وَيَدْعُ الإِنْسَانُ١١ ﴾
حذفت الواو منها في اللفظ ولم تُحذف في المعنى ؛ لأنها في موضع رفع، فكان حذفها باستقبالها اللام السَّاكنة. ومثلها ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ وكذلك ﴿ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ المُؤْمِنِينَ ﴾ وقوله ﴿ يَوْمَ يُنادِ المُنادِ ﴾ وقوله ﴿ فَما تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ ولو كُنَّ بالياء والواو كان صَواباً. وهذا من كلام العرب. قال الشاعر :
كفاك كفٌّ ما تُليق درهما جُوداً وأخرى تُعْطِ بالسيف الدَّما
وقال بعض الأنصار :
ليس تخفي بشَارتي قَدْر يومٍ ولقد تُخْفِ شِيمتى إعْسَارِى
وقوله :﴿ وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ ﴾ يريد كدعائهِ بالخير في الرغبة إلى الله عزَّ وجَل فيما لا يحبّ الداعي إجابته، كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشرّ وقد دعا به. فذلك أيْضاً من نِعَم الله عزّ وجلَّ عليه.
وقوله :﴿ فَمَحَوْنا آيَةَ الْلَّيْلِ١٢ ﴾
حدَّثنا محمد بن الجَهْم قال حدثنا الفراء قال حدثني مِنْدَل بن علي عن داود بن أبى هند عن أبى حرب بن أبى الأسود الدِّيلى رفعه إلى علي بن أبى طالب رحمه الله قال : هو اللَّطْخ الذي في القمر.
وقوله :﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْناهُ طَائرَهُ١٣ ﴾
وهو عمله، إن خيراً فخيراً وإن شرّا فشرّا ( وَنُخْرِجُ لَهُ ) قَرأها يحيى بن وَثّاب بالنون وقَرأها غيره بالياء مفتوحة :( وَيَخْرُجُ لَهُ ) طائره، منهم مجاهد والحَسَن. وقَرأ أبو جعفر المدنيُّ ( ويُخرِج... له كِتاباً ) معناه : ويُخرِج له عمله كتاباً. وكلٌّ حسن.
وقوله :﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ١٤ ﴾ : فيها - والله أعلم - ( يُقَال ) مضمرة. مثل قوله ﴿ ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾ ومثل قوله ﴿ فَأَما الذِينَ اسْوَدَّتْ وُجوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ ﴾ المعنى - والله أعلم - : فيقال : أكفرتم.
قوله :﴿ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ١٤ ﴾
وكلّ ما في القرآن منْ قوله ﴿ وكَفى بربّك ﴾ ﴿ وكفي بالله ﴾ و ﴿ كَفي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ ﴾ فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعاً ؛ كما قال الشاعر :
ويخبرني عن غائب المَرْء هَدْيُه كفى الهَدْيُ عَما غَيَّب المرءُ مُخبِرا
وإنما يجوز دخول البَاء في المرفوع إذا كان يُمدح به صَاحبُه ؛ ألا ترى أنك تقول : كفاكَ به ونهاكَ به وأكرِم به رجلاً، وبِئس به رجلا، ونعم به رجلا، وطاب بطعامك طعاما، وجَاد بثوبك ثوباً. ولو لم يكن مدحا أو ذما لم يجز دخولها ؛ ألا ترى أن الذي يقول : قامَ أخوكَ أو قعد أخوك لا يجوز له أن يقول : قام بأخيك ولا قَعَد بأخيك ؛ إلاَّ أن يُريد قام به غيره وقعَد به.
وقوله :﴿ أَمَرْنا مُتْرَفِيها١٦ ﴾
قرأ الأعْمَش ٩٩ ا وعاصم ورجال من أهل المدينة ﴿ أَمَرْنا ﴾ خفيفة حدَّثنا محمد قال حدَّثنا الفراء قال حدّثني سفيان بن عُيَينة عن حُمَيد الأعرج عن مجاهد ﴿ أمَرْنا ﴾ خفيفة. وفسّر بعضهم ﴿ أَمَرْنا مُتْرَفِيها ﴾ بالطاعة ﴿ فَفَسَقُوا ﴾ أي إن المترف إذا أُمِر بالطاعة خالف إلى الفسوق. وقى قراءة أُبَىّ بن كعب ( بعثنا فيها أكابر مجرميها ) وقرأ الحسن ﴿ آمَرنا ﴾ وروى عنه ﴿ أَمِرْنا ﴾ ولا ندرى أنها حُفِظت عنه لأنا لا نعرف معناها ها هنا. ومعنى ( آمرنا ) بالمدّ : أكثرنا. وقرأ أبو العالية الرياحي ( أمَّرنا مُتْرَفيها ) وهو موافق لتفسير ابن عباس، وذلك أنه قال : سلَّطنا رؤساءها فَفَسَقوا فيها.
وقوله :﴿ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ١٨ ﴾ أي ذلك مِنا لمن نريد.
وقوله :﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هؤلاء٢٠ ﴾ أوقعت عليهما نُمدّ أي نمدهم جميعاً ؛ أي نرزق المؤمن والكافر من عَطَاء رَبّك.
وقوله :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ٢٣ ﴾ كقولك : أمر ربك وهي في قراءة عبد الله ( وَأَوْصى رَبُّك ) وقال ابن عباس هي ( وَوَصَّى ) التصقت واوها. والعرب تقول تركته يقضي أمور الناس أي يأمر فيها فينفُذ أمره.
وقوله ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا ﴾ معناه : وأوصى بالوالدين إحسَانا. والعرب تقول أُوصيك به خيراً، وآمرك به خيراً. وكان معناه : آمرك أن تفعل به ثم تحذف ( أنْ ) فتوصل الخير بالوصيَّة وبالأمر، قال الشاعر :
عجبتُ من دَهْماء إذ تشكُونا *** ومن أبى دَهماء إذ يوصينا
خيراً بها كأننا جافونا ***...
وقوله :﴿ إِما يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ ﴾ فإنه ثنّى لأن الوالدين قد ذُكِرا قبله فصار الفعل على عددهما، ثم قال ﴿ أَحَدُهُما أَوْ كِلاَهُما ﴾ على الائتناف كقوله ﴿ ثمَّ عموا وصَمُّوا ﴾ ثم استأنف فقال :﴿ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾ وكذلك قوله ﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأسَرُّوا النَّجْوى ﴾ ثم استأنف فقال :﴿ الذين ظَلَمُوا ﴾ وقد قرأها ناس كثير ﴿ إِما يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ ﴾ جعلت ﴿ يَبْلُغَنّ ﴾ فعلا لأحدهما. فَكرَّرت ب فكرت عليه كلاهما.
وقوله ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُما ٩٩ب أُفٍّ ﴾ قرأها عاصم بن أبى النَّجُود والأعمش ( أُفِّ ) خفضاً بغير نون. وقرأ العوامّ ( أُفٍّ ) فالذين خفضوا ونوَّنوا ذهبوا إلى أنها صوت لا يُعرف معناه إلاّ بالنطق به فخفضوه كما تُخفض الأصوات. من ذلك قول العرب : سمعت طاقٍ طاقٍ لصوت الضرب، ويقولون : سَمعت تِغٍ تِغٍ لصوت الضحك. والذين لم ينوّنوا وخفضوا قالوا : أفّ على ثلاثة أحرف، وأكثر الأصْوات إنما يكون على حَرفين مثل صَهْ ومثل يَغْ ومَهْ، فذلك الذي يُخفض ويُنَوَّن فيه لأنه متحرك الأوَّل. ولسنا بمضطرين إلى حركة الثاني من الأدوات وأشباهِها فيُخْفَضَ فخفض بالنون : وشبّهت أفَّ بقولك مُدَّ ورُدَّ إذْ كانت على ثلاثة أحرف. ويدلّ على ذلك أنَّ بعض العرب قد رفعها فيقول أفُّ لك. ومثله قول الراجز :
سألتُها الوصلَ فقالت مِضَّ *** وحَرَّكت لي رأسها بالنَغْض
كقول القائل ( لا ) يقولها بأضراسه، ويقال : ما علّمك أهلُك إلا ( مضِّ ومِضُّ ) وبعضهم : إلاّ مِضّا يوقع عليها الفعل. وقد قال بعض العرب : لا تقولن له أُفّا ولا تُفّا يُجعل كالاسم فيصيبه الخفض والرفع [ والنصب ] ثبت في ب والنصب بلا نون يجوز كما قالوا رُدَّ. والعرب تقول : جَعَل يتأفّف من ريح وجدها، معناه يقول : أفِّ أفِّ. وقد قال الشاعر فيما نُوّن :
وقفنا فقلنا إِيهِ عن أمّ سالمٍ *** وَما بالُ تكليم الديار البلاقع
فحذف النون لأنها كالأداة، إذا كانت على ثلاثة أحرف، شُبِّهت بقولهم : جَيْرِ لا أفعل ذلك، وقد قال الشاعر :
فقُلْن على الفِردوس أوَّلُ مشرب *** أَجَلْ جَيْرِ إِن كَانت أُبيحت دَعَاثرُهْ
وقوله :﴿ وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ٢٤ ﴾ بالضمّ قرأها العوامّ. حدثنا محمد قال : حدّثنا الفراء قال حدَّثني هُشَيم عن أبى بشر جعفر بن إياس عن سَعِيد بن جُبَير أنه قرأ ( وَاخْفِضْ لَهُما جَناح الذِّلّ ) بالكسر. قال : حدثنا الفراء وحدثني الحَكَم بن ظُهَير عن عاصم بن أبى النَّجُود أنه قرأها ( الذِّلّ ) بالكسر. قال أبو زكريا : فسألت أبا بكر عنها فقال : قرأها عاصم بالضمّ. وَالذُلّ منَ الذلّة أن يتذلّل وليسَ بذليل في الخِلْقة، والذِّلَّة والذُّلّ مصدرُ الذليل والذِّلّ مصدر للذلول ؛ مثل الدابَّة والأرض. تقول : جَمَلٌ ذَلُول، ودابَّة ذَلُول، وأرض ذَلُول بيِّنة الذِّلّ.
وقوله :﴿ وَإِما تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ٢٨ ﴾ يقول : إذا أَتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأَعرضت لأنه لا شيء عندك تعطيهم فقل لهم : قولا ميْسُوراً، يقول : عِدْهم عِدة حَسَنةً. ثم نهاه أَن يعطى كلّ ما عنده حتى لا يبقى مَحْسوراً لا شيء عنده. والعرب تقول للبعير : هو محسور إذا انقطع سَيره وحَسرت الدابَّةَ إذا سِرْتها حَتى ينقطع سيرها. وقوله :﴿ يَنْقَلِبْ ١٠٠ ا إليْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وهو حَسِيرٌ ﴾ يحسَر عند أقصر بلوغ المنظر.
وقوله :﴿ خِطْئاً كَبِيراً٣١ ﴾ وقرأ الحسن خَطَاء كبيراً بالمدّ. وقرأ أبو جعفر المدنيّ ﴿ خَطَأْ كَبيراً ﴾ قَصَر وهمز. وكلٌّ صواب. وكأنَّ الخِطْأَ الإثم. وقد يكون في معنى خَطَأ بالقصر. كما قالوا : قِتْب وقَتَب، وحِذُرٌ وحَذَرٌ، ونِجْسٌ ونَجَسٌ. ومثله قراءة من قرأ ﴿ هُمْ أُولاء على أَثَرِي ﴾ و ﴿ إِثْرِي ﴾.
وقوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا٣٣ ﴾ في الاقتصاص أو قبول الدِّيَة. ثم قال :﴿ فَلاَ يُسْرِف في الْقَتْلِ ﴾ فقرئتِ بالتّاء واليَاء. فمن قال بالياء ذهب إلى الوليّ أي لا يقتلنَّ غير قاتله. يقول فلا يسرف لولىُّ في القتل. قال : حدَّثنا القراء قال وحدَّثني غير واحد، منهم مِنْدل وجرير وقيس عن مغيرة عن إِبراهيم عن أبى معمر عن حُذ‍َيفة بن اليمان أنه قرأ ﴿ فَلاَ تُسْرِف ﴾ بالتاء. وفي قراءة أُبَىّ ( فلاَ يُسْرِفوا في القتل ).
وقوله ﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ﴾ يقال : إن وليَّه كان منصوراً. ويقال الهاء للدم. إن دم المقتول كان منصوراً لأنه ظُلِم. وقد تكون الهاء للمقتول نفسِه، وتكون للقتل لأنه فعل فيجرى مجرى الدم والله أعلم بصواب ذلك.
وقوله :﴿ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ٣٤ ﴾ حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال وحدثني حِبَّان بن علي عن الكلبىّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : الأشُدّ. ما بين ثمانيَ عَشْرة إِلى ثلاثين.
وقوله :﴿ وَلاَ تَقْفُ٣٦ ﴾ أكثر القراء يجعلونها من قفوت، فتحرَّك الفاء إلى الواو، فتقول ﴿ وَلاَ تَقْفُ ﴾ وبعضهم قال ( وَلاَ تَقَفْ ) والعرب تقول قُفْت أثره وقَفَوته. ومثله يَعْتام ويَعْتمى وقاع الجملُ الناقةَ وقعا إذا ركبها، وعاث وَعَثَى من الفساد. وهو كثير، منه شاكُ السلاح وشاكى السلاح، وجُرف هارٌ وهارٍ. وسَمعتُ بعض قُضَاعة يقول : اجتحى ماله واللغة الفاشية اجتاح ماله. وقد قال الشاعر :
ولو أني رأيتك من بعيد لعاقكَ من دعاء النِّيب عَاقى
يريد : عائق
حَسِبت بُغَام راحلتي عَناقاً وما هي وَيْبَ غَيرِكَ بالعَناق
وقوله :﴿ كُلُّ ذلك كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها٣٨ ﴾ وقرأ بعض أهل الحجاز ( كَانَ سَيِّئةً عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها )
وقوله :﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّماوَاتُ السَّبْعُ٤٤ ﴾ أكثر القراء على التاء. وهي في قراءة عبد الله ( سَبَّحتْ له السموات السبع ) فهذا يقوِّى الذين قرءوا بالتاء. ولو قرئت بالياء لكان صواباً ؛ كما قرءوا ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتْ ﴾ و ﴿ يَكُاد ﴾.
وإنما حَسُنت الياء لأنه عدد قليل، وإذا قلَّ العدد من المؤنّث والمذكر كانت الياء فيه أحْسَن من التاء قال الله عَزّ وَجَلَّ في المؤنّث القليل ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ في المَدِيِنَةِ ﴾، وقال في المذكَّر ﴿ فإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ ﴾ فجاء بالتذكير. وذلك أن أوَّل فعل المؤنث إذا قلَّ يكون باليَاء، فيقال : النسوة يقمن ١٠٠ب. فإذا تقدّم الفعل سقطت النون من آخره لأن الاسم ظاهر فثبت الفعل من أوّله على الياء، ومن أنّث ذهب إلى أن الجمع يقع عليه ( هذه ) فأنَّث لتأنيث ( هذه ) والمذكر فيه كالمؤنّث ؛ ألا ترى أنك تقول : هذه الرجال، وهذه النساء. حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : حدثني قيس بن الربيع عن عَمار الدُهْنِيّ عن سعيد بن جُبَير قال : كل تَسْبيح في القرآن فهو صلاة، وكلّ سلطان حُجّة، هذا لقوله ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾.
وقوله :﴿ عِظَاما وَرُفَاتاً ﴾ : الرُّفَات : التراب لا واحد له، بمنزلة الدُقَاق والحُطَام.
وقوله :﴿ أَوْ خَلْقاً مِّما يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ٥١ ﴾ قالوا للنبيّ صلى الله عَلَيْه وسلم : أرأيت لو كُنا الموتَ من يميتنا ؟ فأنز الله عَز وجَل ﴿ أَوْ خَلْقاً مِّما يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ يعنى الموت نفسَه أي لبعث الله عليكم من يميتكم.
وقوله ﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ ﴾ يقال أَنغض رأسَه أي حَرّكه إلى فوق وإلى أسْفل. وأرانا ذلك أبو زكريا فقال برأسه، فألصقه بحَلْقه ثم رفعه كأنه ينظر إلى السَّقف. والرأس يَنْغَض ويَنْغِض. والثِنيَّة إذا تحركَت : قيل نَغَضت سِنّه. وإنما يسمى الظليم نَغْضا لأنه إذا عجّل مشيه ارتفع وانخفض.
وقوله :﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ ﴾ يعني البعث.
وقوله :﴿ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً٥٤ ﴾ يقول : حافظاً ورَبَّا.
وقوله :﴿ زَبُوراً٥٥ ﴾ قال الفراء وحدثني أبو بكر قال كان عَاصم يقرأ ﴿ زَبُوراً ﴾ بالفتح في كلّ القرآن. وقرأ حمزة بالضمّ.
وقوله :﴿ أولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ٥٧ ﴾
يعنى الجنَّ الذين كانت خُزَاعة تعبدهم. فقال الله عز وجل ﴿ أولئك ﴾ يعنى الجنَّ الذين ( يَدْعونهم ) يبتغون إلى الله. ف ﴿ يَدْعُونَ ﴾ فعل للذين يعبدونهم. و ﴿ يَبْتَغُونَ ﴾ فعل للجنِّ به ارتفعوا.
وقوله :﴿ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها٥٨ ﴾ بالموت ﴿ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذَاباً شَدِيداً ﴾ بالسَّيف.
وقوله :﴿ وَما مَنَعَنا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ٥٩ ﴾ ( أنْ ) في موضع نصب ﴿ إِلاَّ أَن كَذَّبَ ﴾ أنْ في مَوْضع رفع ؛ كما تقول : ما منعهم الإيمانَ إلاّ تكذيبُهم.
وقوله ﴿ الناقَةَ مُبْصِرَةً ﴾ جعل الفعل لها. ومن قرأ ( مَبْصَرة ) أراد : مثل قول عَنْترة.
والكفر مَخْبَثَة لنفس المنعم ***...
فإذا وضَعْت مَفْعلة في معنى فاعل كفَتْ من الجمع والتأنيث، فكانت موحّدة مفتوحة العين، لا يجوز كسرها. العرب تقول : هَذا عُشْب مَلْبَنَة مَسْمنة، والولد مَبْخلة مَجْبنة. فما ورد عليك منه فأخرِجه على هذه الصورة. وإن كان من الياء والواو فأظهرهما. تقول : هذا شراب مَبْوَلة، وهذا كلام مَهْيَبة للرجال، ومَتْيَهة، وأشباه ذلك. ومعنى ( مُبصِرة ) مضيئةِ، كما قال الله عز وجل ﴿ وَالنَّهارَ مُبْصِراً ﴾ مضيئاً.
وقوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالناسِ٦٠ ﴾ يعنى أهْل مكةَ أي أنه سَيَفتح لك ﴿ وَما جَعَلْنا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً ﴾ يريد : ما أريْناك ليلة الإسراء إلا فتنة لهم، حتى قال بعضهم : ساحر، وكاهن، وأكثروا. ﴿ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ﴾ هي شجرة الزَّقُوم، نصبتها بجعلنا. ولو رُفعت تُتْبَع الاسم الذي في فتنة من الرؤيا كان صواباً. ومثله في الكلام جَعلتك عَامِلاً وزيداً وزيدٌ.
وقوله :﴿ لأَحْتَنِكَنَّ ١٠١ ا ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً٦٢ ﴾ يقول : لأستولينَّ عليهم ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ يعنى المعصومين.
وقوله :﴿ وَاسْتَفْزِزْ٦٤ ﴾ يقول اسْتَخِفَّ ( بِصَوْتِكَ ) بدعائك ﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ يعنى خيل المشركين ورجالَهم.
وقوله ﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ﴾ كلّ مال خالطه حرام فهو شِرْكُهُ. وقوله ﴿ وَعِدْهُمْ ﴾ أي قل لهم : لا جَنَّة ولا نار. ثم قال الله تبارك وتعالى ﴿ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾.
وقوله :﴿ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً٦٩ ﴾ يقال : ثائراً وطالباً. فتَبِيع في مَعنى تابع.
وقوله :﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ٧١ ﴾
قراءة العوامّ بالنون. و ( يَدْعُو ) أيضاً لله تبارك وتعالى. حدَّثنا محمد قال حدَّثنا الفراء قال : وسألني هُشَيم فقال : هل يجوز ( يَوْمَ يُدْعَواْ كُلُّ أُناسٍ ) روَوه عن الحسن فأخبرته أنى لا أعرفه، فقال : قد سألت أهل العربيَّة عن ذلك فلم يعرفوه.
وقوله :﴿ وَمَن كَانَ فِي هذه أَعْمَى٧٢ ﴾
يعنى : في نِعم الدنيا التي اقتصَصْناها عليكم ﴿ فَهُوَ فِي الآخِرَةِ ﴾ في نعم الآخرة ﴿ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾.
والعرب إذا قالوا : هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفَعِيل، ومالا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف. فإذا كان في فَعْللت مثل زخرفت، أو افعللت مثل احمررت واصفررت لم يَقولوا : هو أفعل منك ؛ إلا أن يقولوا : هو أشدّ حمرةً منكَ، وأشدّ زخرفة منك. وإنما جاز في العَمَى لأنه لم يُرِد به عَمَى العين، إنما أراد به - والله أعلم - عَمَى القلبِ. فيقال : فلان أعمى من فلان في القلب و ( لا تقل ) : هو أعمى منْه في العين. فذلك أنه لَما جاء على مذهب أحمر وحمراء تُرك فيه أفعل منك كما تُرك في كثيره. وقد تَلْقَى بعض النحويين يَقول : أُجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نَقول : عمِي وزرِق وعرِج وعَشِي ولا نَقول : صَفِر ولا حمِر ولا بَيِض. وليس ذلك بشيء، إنما يُنظر في هذا إلى ما كان لصَاحبه فيه فِعل يقِلّ أو يكثر، فيكون أفعل دليلاً على قِلَّة الشيء وكثرته ؛ ألا ترى أنك قد تقول : فلان أقْوَم من فلان وأجمل ؛ لأنّ قيام ذا وجَمالَه قد يزيد على قيام الآخر وجماله، ولا تقول لأعميين : هذا أعمى من هذا، ولا لمّيتين : هذا أمْوت من هذا. فإِن جاءك منه شيء في شعر فأجزته احتمل النوعان الإجازة : حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثني شيخ من أهل البصرة أنه سمع العرب تقول : ما أسود شَعره. وسئِل الفراء عن الشيخ فقال : هذا بشّار الناقط. وقال الشاعر :
أما الملوكُ فأنت اليَوْمَ ألأَمُهم لُؤما وَأبيضُهم سِرْبالَ طبَّاخ
فمن قال هذا لزِمه أن يقول : اللهُ أبْيَضك والله أسْوَدك وما أسْوَدَك. ولُعبة للعرب يقولون أَبِيضى حالا وأَسِيدى حالا والعرب تقول مُسْوِدة مُبْيِضة إذا وَلَدَت السُودان والبِيضان وأكثر ما يقولون : مُوضحة إذا وَلَدت البيْضَان وقد يقولون مُسِيدة ١٠١ ب.
وقوله :﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ٧٦ ﴾
لما قدِم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة حسدته اليهود وثَقُل عليهم مكانُه، فقالوا : إنك لتعلم أن هذه البلاد ليست ببلاد الأنبياء، إنما بلادهم الشأم. فإن كنت نبيّا فاخرج إليه، فإِن الله سينصرك. قال : فعسكر النبي صَلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة فأنزل الله :﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ ليستخفونك وَإِذاً لاَ يَلْبَثُونَ ﴿ مِنَ الأَرْضِ خِلافَكَ إلاَّ قَليلاً ﴾ يقول : إنك لو خرجتَ ولم يؤمنوا لنزل بهم العذابُ.
وقوله :﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ٧٧ ﴾ نصب السنَّةَ على العذاب المضمر، أي يعذَّبون كسنّة من قد أرسلنا ﴿ وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً ﴾.
وقوله :﴿ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الْلَّيْلِ٧٨ ﴾
جاء عن ابن عباس قال : هو زَيغوغتها وزوالها للظهر. قال أبو زكريّا : ورأيت العرب تذهب بالدلوك إلى غياب الشمس أنشدني بعضهم :
هذا مَقَام قدَمَيْ رَبَاحِ ذبَّبَ حتى دَلكَتْ بِرَاحِ
يعنى الساقى ذبَّب : طرد الناس. بِرَاح يقول : حتى قال بالراحة على العين فينظر هل غابت قال : هكذا فسَّروه.
وقوله ﴿ إِلَى غَسَقِ الْلَّيْلِ ﴾ : أَوَّلِ ظلمته للمغرب والعِشَاء.
وقوله ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾ أي وأَقم قرآن الفجر ﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾ يعنى صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
وقوله :﴿ نافِلَةً لَّكَ٧٩ ﴾ ليست لأحد نافلة إلا للنبي صَلى الله عليه وسلم، لأنه ليس من أحد إلاَّ يخاف على نفسه، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخَّر، فعمله نافلةٌ.
وقوله :﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ٨٠ ﴾
قال له في المنصَرَف لما رجع من معسكره إلى المدينة حين أَراد الشأم ﴿ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ إلى مَكة.
وقوله :﴿ كَانَ يَئُوساً٨٣ ﴾ إذا تركت الهمزة من قوله ﴿ يؤوساً ﴾ فإِن العرب تقول يَوْساً ويَوْوْساً تجمعون بين ساكنين وكذلك ﴿ وَلاَ يَؤودُهُ حِفْظُهُما ﴾ وكذلك ﴿ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ﴾ يقول بَيْسِ و ( بَيْيْسٍ ) و ( ويؤوده ) يجمعون ساكنين. فهذا كلام العرب : والقراء يقولون ( يَوُوساً ) و ( يَوُوده ) فيحرّكون الواو إلى الرفع و( بَيِيْسٍ ) يحرّكون الياء الأولى إلى الخفض. ولم نجد ذلك في كلامهم، لأن تحرك الياء والواو أَثقل من ترك الهمزة، فلم يكونوا ليَخْرجوا من ثِقَل إلى ما هو أَثقَل منه.
وقوله :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ٨٤ ﴾ : ناحيته. وهي الطريقة والْجِديلة. وسمعتُ بعض العرب من قُضَاعة يقول : وعبدُ الملك إذ ذاك على جَدِيلته وابن الزبير على جديلته. والعرب تقول : فلان على طريقة صالحة، وخَيْدَبة صَالحة، وسُرْجُوجة. وعُكْل تقول : سِرْجِيجة.
وقوله :﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي٨٥ ﴾ يقول : مِن علم ربّى، ليس من علمكم.
وقوله :﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ٨٧ ﴾ استثناء كقوله ﴿ إلاَّ حاجَةً في نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها ﴾.
وقوله :﴿ على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ٨٨ ﴾
جواب لقوله ﴿ لئِن ﴾ والعرب إذا أجابت ( لئِن ) ب ( لا ) جعلوا ما بعد لا رفعا ؛ لأن ( لئِن ) كاليمين، وجواب اليمين بِ ( لا ) مرفوعٌ. وربما جَزَم الشاعر، لأن ( لئن ) إن التي يجازى بها زيدت عليها لام، فوجّه الفعل فيها إِلى فَعَل، ولو أُتى بيفعل لجاز جزمه. وقد جَزَم بعض الشعراء بلئِن، وبعضهم بلا التي هي جوابها. قال الأعشى :
لئن منُيتَ بنا عن غِبّ معركَة لا تُلْفِنا من دماء القوم نَنتفل
١٠٢ ا وأنشدتني امرأة عُقَيليّة فصيحة :
لئن كان ما حُدّثته اليومَ صَادقاً أصُمْ في نهارِ القيظ للشمس باديَا
وأَركبْ حماراً بين سرج وفَرْوَة وأُعْرِ من الخاتام صُغْرى شماليا
قال وأنشدني الكسائي للكُمَيت بن معروف :
لئِن تَكُ قد ضاقت عليكم بيوتُكم لَيَعلمُ ربّى أنّ بيتيَ واسع
وقوله ﴿ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ الظهير العَوْن.
وقوله :﴿ مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً٩٠ ﴾.
الذي يَنْبَعَ، ويقال : يَنْبُعُ لغتان. و ( تَفْجُر ) قرأها يحيى بن وَثّاب وَأصحاب عبد الله بالتخفيف. وكأن الفَجر مرة واحد و ( تُفَجِّر ) فكأن التفجير من أماكن. وهو بمنزلة فَتَحت الأبواب وفتَّحتها.
وقوله :﴿ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً٩٢ ﴾.
و( كِسْفاً ) الكِسَف : الجِماع. قال : سَمعت أعرابيَّا يقول لبزّاز ونحن بطريق مكة : أعطنى كِسْفة أي قطعة. والكِسْف مصدر. وقد تكون الكِسْف جمع كِسْفة وكِسْف.
وقوله ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائكَةِ قَبِيلاً ﴾ أي كِفيلا.
وقوله :﴿ أَوْ تَرْقَى فِي السَّماء٩٣ ﴾. المعنى : إلى السماء. غير أن جوازه أنهم قالوا : أو تضع سُلَّما فترقى عَليْه إلى السماء، فذهبَتْ ( في ) إلى السُلَّم.
وقوله :﴿ وَما مَنَعَ الناسَ أَن يُؤْمِنُواْ ﴾ أن في موضع نصب ﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ ( أن ) في موضع رفع.
﴿ أَوْ يكُوَن لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ﴾ حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدَّثني حِبَّان عن الكلبيّ قال : الزخرُف : الذهب.
وقوله :﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنزَلَ ١٠٢ ﴾ قرأها ابن عباس وابن مسعود ( عَلِمْتَ ) بنصب التاء. حدّثنا محمد قال : حدّثنا الفراء قال : وحدَّثني هُشَيم عن أبى بشر عن سَعِيد بن جُبير ( لَقَدْ عَلِمْتَ ) مثله بنصب التاء. حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدّثني قيس وأبو الأحوص جميعاً عن أبى إسحاق عن شيخ من مُرَاد عن عليّ أنه قال : واللهِ ما عَلِم عدوّ الله، وإنما علم موسى. وكان يقرأ ( علِمتُ ) برفع التاء. وفسرّه الكلبىّ بإسناده على قراءة عليّ وتفسيره. وأما ابن عباس وابن مسعود فقالا : قد قال الله عزّ وجل ﴿ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُم ﴾ قال الفراء : والفتح أحبّ إلىَّ وقال بعضهم : قرأ الكسائي بالرفع، فقال : أخالفه أشَدَّ الخلاف.
وقوله :﴿ يا فِرْعَونُ مَثْبُوراً ١٠٢ ﴾ ممنوعاً من الخير. والعرب تقول : ما ثَبَرك عن ذَا أي ما منعك منه وَصَرَفكَ عنه.
وقوله :﴿ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً١٠٤ ﴾ من ها هنا وها هنا وكلِّ جانب.
وقوله :﴿ وَقُرْآنا فَرَقْناهُ١٠٦ ﴾ نصبت القرآن بأرسلناك أي ما أرسلناكَ إلا مبشّراً ونذيراً وقرآنا أيضا كما تقول : ورحمة ؛ لأن القرآن رحمة. ويكون نصبه بفرقناهُ على رَاجع ذكره. فلما كانت الواو قبله نُصب. مثلُه ﴿ وفَرِيقاً حَقَّ عَليهِمُ الضلالةُ ﴾ وأما ( فرقناه ) بالتخفيف فقد قرأه أصحاب عبد الله. والمعنى أحكمناه وفصَّلناه ؛ كما قال ﴿ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ أي يفصّل. وروى عن ابن عباس ( فَرَّقناه يقول : لم ينزل في يوم وَلا يومين. حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدثني الحَكَم بن ظهَير عن السُّدّي عن أبى مالك عن ابن عباس ﴿ وَقُرْآنا فَرَقْناهُ ﴾ مخففة.
وقوله :﴿ أَيّاً مّا تَدْعُواْ١١٠ ﴾
( ما ) قد يكون صلة، كما قال تبارك وتعالى ﴿ عَما قَلِيلٍ ليُصْبِحُنَّ نادِمِين ﴾ وتكون في معنى أي معادة لمّا اختلف لفظهما :
وقوله :﴿ وَابْتَغِ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً ﴾ أي قَصْدا.
Icon