تفسير سورة النازعات

حومد
تفسير سورة سورة النازعات من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿النازعات﴾
(١) - بَدَأَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِالقَسَمِ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ إِظْهَاراً لِعَظَمَةِ شَأْنِهَا، عَلَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ مُحَمَّدُ ﷺ مِنْ أَمْرِ البَعْثِ، وَعَرْضِ الخَلاَئِقِ عَلَى رَبِّهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُجَازِيَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.. هُوَ حَقٌّ لاَ رَيْبِ فِيهِ، وَسَيَكُونُ يَوْمُ القِيَامَةِ يَوْماً تَعْظُمُ فِيهِ الأهْوَالُ، وَتَخْشَعُ فِيهِ الأَبْصَارُ.. وَالنَّازِعَاتُ هِيَ المَلاَئِكَةُ تَنْزِعُ أَرْوَاحَ البَشَرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَنْزِعُ المَلاَئِكَةُ رُوحَهُ وَتَأْخُذُهَا بِعُسْرٍ، فَتَغْرَقُ فِي نَزْعِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بِسُهُولَةٍ، وَكَأَنَّمَا حَلَّتْهُ مِنْ نِشَاطٍ.
(وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ النَّازِعَاتِ هِيَ الكَوَاكِبُ الجَارِيَةُ عَلَى نِظَامٍ مُعَيَّنٍ فِي سَيْرِهَا كَالشَّمْسِ وَالقَمَرِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ مَعْنَى النَّزْعِ هُنَا الجَرْيُ، وَيَكُونُ مَعْنَى (غَرْقاً) هُوَ مُجِدَّةً مُسْرِعَةً فِي جَرْيِهَا).
﴿الناشطات﴾
(٢) - وَمِنَ المَلاَئِكَةِ مَنْ تَنْشِطُ أَرْوَاحَ البَشَرِ وَتَاْخُذُهَا بِسُهُولَةٍ وَرِفْقٍ، وَكَأَنَّمَا تَحُلُّهَا مِنْ نِشَاطٍ.
(وَهُنَاكَ مَنْ قَالَ إِنَّ النَّازِعَاتِ هِيَ الكَوَاكِبُ، وَفَسَّرَ النَّاشِطَاتِ بِأَنَّهَا الكَوَاكِبُ الخَارِجَةُ مِنْ بُرْجٍ إِلَى بُرْجٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَشَطَ النُّورُ إِذَا خَرَجَ).
وَالنِّشَاطُ - هُوَ الرِّبَاطُ والوِثَاقُ.
﴿السابحات﴾
(٣) - اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ فِي تَحدِيدِ مَعْنَى السَّابِحَاتِ هُنَا:
- فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا المَلاَئِكَةُ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا النُّجُومُ السَّائِرَةُ فِي أَفْلاكِهَا سَيْراً هَادِئاً كالسَّبْحِ فِي المَاءِ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا السُّفُنُ السَّابِحَةُ فِي المَاءِ.
﴿فالسابقات﴾
(٤) - وَفِي تَفْسِيرِ مَعْنَاهَا أَقْوَالٌ:
- فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا المَلاَئِكَةُ سَبَقَتْ إِلَى الإِيْمَانِ والتَّصْدِيقِ، أَوْ سَبَقَتْ بِالأَرْوَاحِ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا فِي الجَنَّةِ أَوِ النَّارِ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا الخَيْلُ تَسْبِقُ فِي سَبِيلِ اللهِ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا النُّجُومُ المُسْرِعَاتُ عَنْ غَيِرهَا فِي سَبْحِهَا.
﴿فالمدبرات﴾
(٥) - قِيلَ إِنَّ المُدَبِّرَاتِ هُنَا تَعْنِي المَلاَئِكَةَ تُدَبِّرُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ بِأَمْرِ رَبِّهَا.
(وَقِيلَ إِنَّهَا الكَوَاكِبُ تُدَبِّرُ بَعْضِ أُمُورِ الكَوْنِ بِظُهُورِ بَعْضِ آثَارِهَا، فَسَيْرُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ يُعَلِّمُ البَشَرَ الحِسَابَ، وَالفَصُولَ، وَالشُّهُورَ، وَالمَوَاسِمَ.. وَاخْتِلافُ الفُصُولِ مِنْ أَسْبَابِ الحَيَاةِ..).
(٦) - حِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَتَرْجُفُ الأَرْضُ رَجْفَةً شَدِيدَةً تَتَحَرَّكُ مِنْهَا الجِبَالُ، وَيُسْمَعُ لَهَا صَوْتٌ شَدِيدٌ (وَهَذَا جَوَابُ القَسَمِ).
(٧) - ثُمَّ تَتْبَعُ النَّفْخَةَ الأُوْلَى نَفْخَةٌ ثَانِيَةٌ هِيَ الرَّادِفَةُ، فَتُدَكُّ الأَرْضُ وَالجِبَالُ، وَتَنْشَقُّ السَّمَاءُ، وَتَنْتَثِرُ الكَوَاكِبُ، وَيَبْعَثُ اللهُ الخَلاَئِقَ.
الرَّادِفَةُ - التِي تَلِي الأُولَى وَتَرْدُفُهَا.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(٨) - فَتَهْلَعُ قُلُوبُ الكُفَّارِ حِينَ يَتَأَكَّدُونَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ، وَأَنَّهُمْ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا.
وَاجِفَةٌ - خَائِفَةٌ وَجِلَةٌ.
﴿أَبْصَارُهَا﴾ ﴿خَاشِعَةٌ﴾
(٩) - وَتَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ، وَيَظْهَرُ فِيهَا الخَوْفُ وَالذِّلَّةُ.
خَاشِعَةٌ - ذَلِيلَةٌ مُنْكَسِرَةٌ منَ الفَزَعِ.
﴿أَإِنَّا﴾
(١٠) - كَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَسْتَبْعِدُونَ وُقُوعَ البَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَبَعْدَ أَنْ يَصِيرَ النَّاسُ فِي القُبُورِ (الحَافِرَةِ).
(وَقِيلَ بَلْ إِنَّ المَعْنَى هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ إِلَى خَلْقِنَا الأَوَّلِ قَبْلَ المَمَاتِ فَرَاجِعُونَ أَحْيَاءً. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى (الحَافِرَةِ) عَوْدَةُ الإِنْسَانِ إِلَى الخِلْقَةِ الأُولَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا).
﴿أَإِذَا﴾ ﴿عِظَاماً﴾
(١١) - وَكَانُوا يَقُولُونَ: أَنُرَدُّ إِلَى الحَيَاةِ مَرَّة أُخْرى بَعْدَ أَنْ نَصِيرَ عِظَاماً نَخِرَةً بَالِيَةً مُتَفَتِّتَةً؟
(١٢) - وَقَالُوا: إِنَّهُ إِذَا صَحَّ مَا قِيلَ لَهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ سَيُبْعَثُونَ مِنْ قُبُوِرِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، فَهُمْ خَاسِرُونَ لأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِوُقُوعِ البَعْثِ.. (وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ اسْتِبْعَاداً لِوُقُوعِ البَعْثِ، وَاسْتِهْزَاءً بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ).
﴿وَاحِدَةٌ﴾
(١٣) - وَرَدَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً: لاَ تَسْتَبْعِدُوا ذَلِكَ، وَلاَ تَظُنُّوهُ عَسِيراً عَلَى اللهِ، فَإِنَّمَا هِيَ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ تُطْلَقُ بِإِذْنِ اللهِ (وَقِيلَ إِنَّهَا النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ).
زَجْرَةٌ - صَيْحَةٌ.
(١٤) - فَإِذَا بِالنَّاسِ كُلِّهم أَحْيَاءٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ (أَوْ فِي أَرْضِ المَحْشَرِ).
السَّاهِرَةُ - وَجْهُ الأَرْضِ. وَقِيلَ إِنَّهَا الأَرْضُ البَيْضَاءُ الخَالِيَةُ مِنْ كُلِّ مَعْلَمٍ.
﴿أَتَاكَ﴾
(١٥) - شَقَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ تَكْذِيبُ قُرَيْشٍ لَهُ، وَاسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِ، فَذَكَّرَهُ اللهُ تَعَالَى بِقِصَّةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلاَمُ، مَعَ فِرْعَوْنَ، لِيُسَلِّيَهُ، وَيُثَبِّتَ قَلْبَهُ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ العَاقِبَةَ لِلرُّسُلِ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ المُكَذِّبِينَ.
﴿نَادَاهُ﴾
(١٦) - فَقَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ ﷺ: هَلِ اتَّصَلَ بِكَ خَبَرُ مُوسَى، حِينَمَا كَلَّمَهُ رَبُّهُ نِدَاءً، وَهُوَ فِي وَادِي طُوىً المُطَهِّرِ المُبَارَكِ؟
(وَطُوىً اسْمُ وَادٍ أَسْفَلِ جَبَلِ سيْنَاءَ).
(١٧) - أَمَرَ اللهُ تَعَالَى عَبْدَهُ مُوسَى بِأَنْ يَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ الطَّاغِيَةِ المُتَجَبِّرِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ، وَإِلَى الكَفِّ عَنِ الطُّغْيَانِ وَالاسْتِعْلاَءِ عَلَى النَّاسِ.
طَغَى - عَتَا وَتَجَبَّرَ.
(١٨) - فَقُلْ لَهُ: هَلْ تَرْغَبُ فِي أَنْ تُطَهِّرَ نَفْسَكَ مِنَ الآثَامِ التِي انْغَمَسْتَ فِيهَا؟ وَتُزَكِّيَهَا؟
تَزَكَّى - تَطَهَّرَ مِنَ الكُفْرِ والطُّغْيَانِ.
(١٩) - وَهَلْ تُرِيدُ أَنْ أَدُلَّكَ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ، فَيَخْضَعَ قَلْبُكَ لَهُ، وَيُصْبِحَ مُطِيعاً خَاشِعاً.
﴿فَأَرَاهُ﴾ ﴿الآية﴾
(٢٠) - وَلَمّا لَمْ يَقْنَعْ فِرَعَوْنُ بِدَعْوَةِ مُوسَى وَحُجَجِهِ العَقْلِيَّةِ، أَرَاهُ مُوسَى بُرْهَاناً قَوِيّاً، وَمُعْجِزَةً كُبْرَى، عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ، وَصِحَّةِ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ، وَهِيَ انْقِلاَبُ العَصَا حَيَّةً عَظِيمَةً، وَإِخْرَاجُ يَدِهِ مِنْ جَيْبِهِ بَيْضَاءَ تَتَلأْلأُ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَلاَ مَرَضٍ.
(٢١) - فَكَذَّبَ فِرْعَوْنَ بِالحَقِّ، وَخَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ مِنَ الطَّاعَةِ.
(٢٢) - ثُمَّ تَوَلَّى، وَأَخَذَ فِي السَّعْيِ لِمُوَاجَهَةِ الحَقِّ بِالبَاطِلِ، غَيْرَ مُتَدَبِّرٍ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ.
يَسْعَى - يَجِدُّ فِي الإفْسَادِ وَمُعَارَضَةِ رَسُولِ اللهِ.
(٢٣) - فَأَخَذَ يُنَادِي فِي قَوْمِهِ، وَيُرْسِلُ فِيهِم الحَاشِرِينَ لِيَجْمَعُوا لَهُ السَّحَرَةَ، وَيَحْشُرُوهُمْ إِلَيهِ، لِمُوَاجَهَةِ مُوسَى، وَالآيَاتِ التِي جَاءَهُمْ بِهَا مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ.
حَشَرَ - جَمَعَ السَّحَرَةَ أَوِ الجُنْدَ.
(٢٤) - وَقَامَ فِيهِمْ قَائِلاً: إِنَّهُ رَبُّهُمْ الأَعْلَى، فَلاَ سُلْطَانَ فِي أَرْضِ مِصْرَ يَعْلُو سُلْطَانَهُ.
﴿الآخرة﴾
(٢٥) - فَانْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ، وَجَعَلَهُ عِبْرَةً لأَمْثَالِهِ فِي الدُّنْيَا. وَيُعَذِّبُهُ اللهُ فِي الآخِرَةِ فِي جَهَنَّمَ، وَبِئْسَ الرّفْدُ المَرْفُودُ.
(وَقَيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَذَّبَهُ لِمَقَالَتِهِ الأَخِيرَةِ: إِنَّهُ رَبُّهُمُ الأَعْلَى، كَمَا عَذَّبَهُ لَمَقَالَتِهِ الأُوْلَى التِي كَذَّبَ بِهَا مُوسَى).
نَكَالٌ - عُقُوبَةٌ تَجْعَلُ مَنْ تَنْزِلُ بِهِ يَنكِلُ عَنْ فِعْلِهِ.
(٢٦) - وَفِيمَا أَنْزَلَهُ اللهُ بِفِرْعَوْنَ مِنَ العُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَعِظَةٌ وَعِبْرَةٌ لِمَنْ لَهُ عَقْلٌ تُؤثِّرُ فِيهِ المَوْعِظَةُ.
﴿أَأَنتُمْ﴾ ﴿بَنَاهَا﴾
(٢٧) - وَيَقُولُ تَعَالَى لِمَنْ يُنَاصِبُونَ النَّبِيَّ العِدَاءَ، وَيُنْكِرُونَ البَعْثَ والنُّشُورَ: إِنَّكُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَعْلمُونَ أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِكُمْ، وَأَنَّ إِبْدَاعَهَا وَإِنْشَاءَهَا أَصْعَبُ مِنْ إِبْدَاعِكُمْ وَإِنْشَائِكُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ خَلَقْنَاهَا، وَلَمْ يُعْجِزْنَا أَمْرُ إِبْدَاعِهَا.
﴿فَسَوَّاهَا﴾
(٢٨) - فَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ، وَضَمَّ أًجْزَاءَهَا المُتَفَرِّقَةَ، وَجَعَلَهَا ذَاهِبَةً فِي السَّمَاءِ صُعُداً، وَعَدَلَهَا فَجَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ المُنَاسِبِ لَهُ.
السَّمْكُ - قَائِمُ كُلِّ شَيءٍ.
﴿ضُحَاهَا﴾
(٢٩) - وَجَعَلَ لَيْلَهَا مُظْلِماً حَالِكَ السَّوَادِ، وَجَعَلَ نَهَارَهَا مُضِيئاً مُشْرِقاً وَضَّاحاً.
أَغْطَشَ لَيْلَهَا - جَعَلَهُ مُظْلِماً.
﴿دَحَاهَا﴾
(٣٠) - وَمَهَّدَ بَعْدَ ذَلِكَ الأَرْضَ، وَبَسَطَهَا لسُكْنَى المَخْلُوقَاتِ.
دَحَاهَا - بَسَطَهَا وَمَدَّهَا.
﴿مَرْعَاهَا﴾
(٣١) - وَفَجَّرَ العُيُونَ والأَنْهَارَ وَاليَنَابِيعَ فِيهَا فَفَاضَتْ بِالمَاءِ، وَأَنْبَتَتِ النَّبَاتَاتِ لِيَأْكُلَ مِنْهَا النَّاسُ والأَنْعَامُ.
﴿أَرْسَاهَا﴾
(٣٢) - وَثَبَّتَ الجِبَالَ فِي أَمَاكِنِهَا مِنَ الأَرْضِ، وَجَعَلَهَا كَالأَوْتَادِ التِي تُشَدُّ بِهَا الخِيَامُ لِكَيْلاَ تَذْهَبَ بِهَا الرِّيَاحُ وَذَلِكَ لِكَيْلاََ تَمِيدَ الأَرْضُ بِمَنْ عَلَيْهَا مِنَ الخَلاَئِقِ، وَتَضْطَرِبَ بِهِمْ.
﴿مَتَاعاً﴾ ﴿لأَنْعَامِكُمْ﴾
(٣٣) - وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى كُلَّ ذَلِكَ لِيَتَمَتَّعَ بِهِ النَّاسُ والأَنْعَامُ، وَيَنْتَفِعُوا بِهِ فِي مَعَاشِهِمْ وَحَيَاتِهِمْ. فَاللهُ تَعَالَى يُقَرِّرُ هَذِهِ الحَقَائِقَ فِي أَذْهَانِ النَّاسِ لِيَخْلُصَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى لَفْتِ أَنْظَارِهِمْ إِلَى أَنَّ الذِي خَلَقَ هَذَا الخَلْقَ البَدِيعَ العَظِيمَ لاَ يَعْجَزُ عَنْ بَعْثِ العِبَادِ مِنَ القَبُورِ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ صَارُوا تُرَاباً وَرُفَاتاً، وَتَفَرَّقَتْ ذَرَّاتُ أجْسَادِهِمْ فِي الأَرْضِ.
(٣٤) - فَإِذَا جَاءَتِ القِيَامَةُ بِأَهْوَالِهَا التِي تَشِيبُ لَهَا الوِلْدَانُ.
وَالطَّامَّةُ - هِيَ الدَّاهِيَةُ التِي تَطُمُّ الدَّوَاهِي، وَتَعْلُوا عَلَيْهَا.
﴿الإنسان﴾
(٣٥) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ يَرَى الإِنْسَانُ أَعْمَالَهُ جَمِيعَهَا، حَسَنَهَا وقَبِيحَهَا، مُدَوَّنَةً فِي صَحِيفَةِ أَعْمَالِهِ، فَيَتَذَكَّرُهَا، وَكَانَ هُوَ قَدْ نَسِيَهَا وَأَحْصَاهَا اللهُ وَأَثْبَتَهَا لَدَيْهِ.
(٣٦) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ تَظْهَرُ النَّارُ لِلنَاظِرِينَ، فَيَرَاهَا النَّاسُ جَمِيعاً، وَيُعَايِنُونَ أَهْوَالَهَا.
بُرِّزتْ - أُظْهِرَت إِظْهَاراً بَيِّناً.
(٣٧) - فَأَمَّا مَنْ تَكَبَّرَ وَتَجَاوَزَ الحَدَّ بِكُفْرِهِ وَعِصْيَانِهِ.
﴿آثَرَ﴾
(٣٨) - وَآثَرَ لَذَّاتِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ، وَشَهَوَاتِهَا، عَلَى ثَوَابِ الآخِرَةِ البَاقِيَةِ الدَّائِمَةِ.
(٣٩) - فَإِنَّ النَّارَ المُتَأَجِّجَةَ سَتَكُونُ مَأْوَاهُ وَمُسْتَقَرَّهُ.
(٤٠) - وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُ سَيُسْأَلُ عَنْ أَعْمَالِهِ، فَحَاذَرَ ذَلِكَ اليَوْمَ، وَحَسَبَ حِسَابَهُ، وَجَنَّبَ نَفْسَهُ الوُقُوعَ فِي المَحَارِمِ، وَالانْسِيَاقِ وَرَاءَ الهَوَى وَالشَّهَوَاتِ.
(٤١) - فَتَكُونُ الجَنَّةُ جَزَاءَهُ، وَفِيهَا مَأْوَاهُ وَمَصِيرُهُ.
﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ ﴿مُرْسَاهَا﴾
(٤٢) - كَانَ المُشْرِكُونَ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ... عِنَاداً وَاسْتِهْزَاءً، مَتَى تَكُونُ؟، وَيُلِحُّونَ عَلَيهِ فِي التَّعْجِيلِ بِقِيَامِهَا.
وَكَانَ النَّبِيُّ يَتَمَنَّى أَنْ يَجِيبَهُمْ عَمَّا يَسْأَلُونَ، حِرْصاً مِنْهُ عَلَى هِدَايَتِهِمْ فَنَهَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ تَمَنَّي مَا لاَ يُرْجَى. لأَنَّ السَّاعَةَ عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ مَهْمَّتُهُ الإِنْذَارُ، وَتَبْلِيغُ رِسَالَةِ رَبِّهِ، أَمَّا المُعَانِدُونَ فَلْيَذَرُهُمْ وَشَأْنَهم.
وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّ المُشْرِكِينَ يَسْأَلُونَ مَتَى تَكُونُ السَّاعَةُ؟
أَيَّانَ مُرْسَاهَا - مَتَى يُقِيمُهَا اللهُ وَيُثَبِّتُهَا.
﴿ذِكْرَاهَا﴾
(٤٣) - فَمَا هَذِهِ الذِّكْرَى الدَّائِمَةُ لَهَا، وَمَا هَذَا الاهْتِمَامُ الذِي جَعَلَكَ لاَ تَأَلُوا جُهْداً فِي السُّؤَالِ عِنْهَا؟ وَلَيْسَ عِلْمُهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَذْكرَهُ لَهُمْ.
﴿مُنتَهَاهَآ﴾
(٤٤) - إِنَّ عِلْمَ السَّاعَةِ يَنْتَهِي إِلَى رَبِّكَ، فَلاَ يَعْلَمُ وَقْتَ قِيَامِهَا غَيْرُهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلاَ لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ.
﴿يَخْشَاهَا﴾
(٤٥) - وَأَنْتَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ مَبْعُوثٌ لِلانْذَارِ والتَّخْوِيفِ، وَتَحْذِيرِ مَنْ يَخَافُ مِنَ النَّاسِ مِنْ هَوْلِ السَّاعَةِ، وَعُسْرِ الحِسَابِ فِي الآخِرَةِ.
﴿ضُحَاهَا﴾
(٤٦) - وَحِينَمَا يَقُومُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالحَشْرِ، وَيَرَوْنَ السَّاعَةَ وَأَهْوَالَهَا، يَسْتَقْصِرُونَ مُدَّةَ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَيَرَوْنَهَا كَأَنَّهَا عَشِيَّةٌ مِنْ يَوْمٍ، أَوْ ضُحًى مِنْ نَهَارٍ.
(أَوْ يَظُنُّونُ أَنَّ مُدَّةَ لُبْثِهِمْ فِي القُبُورِ كَانَتْ غَايَةً فِي القِصَرِ).
العَشِيَّةُ - مَا بَعْدَ الظُّهْرِ حَتَّى مَغِيبِ الشَّمْسِ.
الضُّحَى - مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ.
Icon