تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة الأنفال مدنية وهي خمس وسبعون آية وعشر ركوعات.
ﰡ
﴿ يسألونك عن الأنفال ﴾ أي : حكم الغنائم نزلت حين اختلف كلام الشبان والشيوخ في غنائم بدر، والشبان ادعوا الأحقية بأنهم باشروا القتال ﴿ قل الأنفال لله والرسول ﴾ : فيضعها الرسول حيث يأمره الله، ولذلك قسم رسول الله - صلى عليه وسلم- غنائم بدر بين الشبان والشيوخ على السواء، وعن بعض : إن هذا في بدر ثم نسخت بقوله :" واعملوا أنما غنمتم " إلى آخره، فإن غنائم بدر قسمت من غير تخميس وفيه نظر ؛ لأن بعض الأحاديث يدل على تخميسها صريحا ﴿ فاتقوا الله ﴾ : في الاختلاف ﴿ وأصلحوا ذات بينكم ﴾ : الحال التي بينكم بترك المنازعة ﴿ وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ﴾ فإن من مقتضى الإيمان طاعة الله ورسوله.
﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله ﴾ : بأن سمعوا الأذان والإقامة ﴿ وجلت قلوبهم ﴾ : من الله فأدوا فرائضه ﴿ وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ﴾ : تصديقا ﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾ : لا يرجون غيره وإن سألوا غيره، فإنهم يعلمون أنه المعطي والمانع.
﴿ الذين يقيمون الصلاة ﴾ يديمونها ﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ يؤدون الصدقة الواجبة.
﴿ أولئك هم المؤمنون حقا ﴾ : صدق من غير شك، صفة مصدر محذوف أي : إيمانا حقا، أو مصدر مؤكد، بخلاف المنافق، فإنه لا يدخل في قلبه شيء من ذكر الله تعالى عند الصلوات، ولا يصدقون بآيات الله تعالى كلما نزلت، فلا يزداد إيمانهم، ولا يصلون إذا غابوا عن محضر المسلمين، ولا يؤدون الزكاة، فهم ليسوا بمؤمنين حقا، هكذا فسرها ابن عباس - رضي الله عنهما -، أو معناها المؤمن الكامل الإيمان من ضم إلى مكارم أعمال قلبه من الخشية عند ذكر الله تعالى من الإخلاص، واطمئنان النفس ورسوخ اليقين، ومن التوكل عليه في جميع الأمور، محاسن أفعال الجوارح، من الصدقة والصلاة ﴿ لهم درجات ﴾ : من الجنة ﴿ عند ربهم ﴾ يرتقونها بأعمالهم لا للمنافقين ﴿ ومغفرة ﴾ لسيئاتهم ﴿ ورزق كريم ﴾ : حسن وهو رزق الجنة.
﴿ كما أخرجك ربك من بيتك ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي : الحال في كراهتهم القتال كحال إخراجك من المدينة، أو متعلق بما بعده، وهو يجادلونك ومعنى الوجهين واحد، أو تقديره : حالهم في كراهة حكمنا بأن الأنفال لله تعالى كحالهم في حكمنا بإخراجك من المدينة ﴿ بالحق ﴾ أي : إخراجا متلبسا بالحكمة والصواب ﴿ وإن فريقا من المؤمنين ﴾ : بعضا منهم ﴿ لكارهون ﴾ : الخروج وحينئذ الجملة في موقع الحال، وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام في تجارة عظيمة، فخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في عقبهم، فبلغ الخير أهل مكة، فخرج أبو جهل مع عسكر عظيم، فأراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - القتال ووعد الأصحاب بالظفر فقال بعضهم : هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له، ثم واجهوا العدو وقاتلوا في بدر، والظفر للمسلمين.
﴿ يجادلونك في الحق ﴾ : وهو إيثار الجهاد ﴿ بعد ما تبين ﴾ : نصرتهم بإعلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ﴿ كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ﴾ أي : يكرهون القتال كراهة من يجر إلى القتل، وهو مشاهد ناظر إلى أسبابه.
﴿ وإذ يعدكم الله ﴾ أي : اذكر إذ يعدكم ﴿ إحدى الطائفتين ﴾ : العير التي فيها التجارة، أو النفير التي خرجت من مكة ﴿ أنها لكم ﴾ : بدل اشتمال من ثاني مفعوليه، وهو إحدى ﴿ وتودون أن غير ذات الشوكة ﴾ أي : العير التي ليس عدد كثير ولا عُدد ﴿ تكون لكم ويريد الله أن يحق ﴾ : أن يثبت ويظهر ﴿ الحق بكلماته ﴾ : بأمره إياكم بالقتال، قيل الباء بمعنى مع أي : يرفع كلمة الله ويجعل دينه عاليا غالبا ﴿ ويقطع دابرا لكافرين ﴾ : الدابر : الآخر، وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال، يعني إرادتكم إصابة مال بلا مكروه، وإرادة الله إعلاء كلمته، وفوز الدارين لكم.
﴿ ليحق الحق ويبطل الباطل ﴾ متعلق بمحذوف أي : لهذين الجهتين فعلنا ما فعلنا أو متعلق بيقطع ﴿ ولو كره المجرمون ﴾ : ذلك.
﴿ إذ تستغيثون ﴾ : هو إلحاح دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم - حين رأى شوكة الأعداء، وهو بدل من إذ يعدكم بأن يكون عبارة عن زمان واسع وقع الوعد في أجزائه والاستغاثة في بعض، أو متعلق ب " ليحق " ﴿ ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم ﴾ أي : بأني ومن قرأ " إني " بالكسر فعلى إرادة القول، أو استجاب بمنزلة قال ﴿ بألف من الملائكة مردفين ﴾ : متتابعين بعضهم على اثر بعض، أو مردفين بألف آخر فقد نقل عن علي - رضي الله عنه - : إن جبريل في ألف عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر وميكائيل في ألف عن ميسرته وأنا فيها، ومن قرأ بفتح الدال فمعناه أردف الله المسلمين بهم، أو أردف الله ألفا بألف آخر وقد أنزل الله تعالى أولا ألفا ثم ألفا ثم ألفا إلى خمسة آلاف كما ذكرناه في سورة آل عمران.
﴿ وما جعله الله ﴾ أي : الإمداد ﴿ إلا بشرى ﴾ : بشارة ﴿ ولتطمئن به قلوبكم ﴾ : فيزول منها الوجل ﴿ وما النصر إلا من عند الله ﴾ وإمداد الملائكة وكثرة العدد والعدد وسائط لا تأثير لها ﴿ إن الله عزيز ﴾ : لا يغالب ﴿ حكيم ﴾ في أفعاله.
﴿ إذ يغشيكم ﴾ : الله ﴿ النعاس ﴾ بدل ثان من إذ يعدكم أو بإضمار اذكر ﴿ أمنة ﴾ أمنا وهو مفعول له وفيه شرطالنصب ؛ لأن حاصل معنى يغشيكم النعاس تنعسون والآمنة فعل لفاعله ﴿ منه ﴾ أي حاصلة من الله تعالى وهذه السنة في البدر أيضا ففي الصحيح أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - مع الصديق يدعوان يوم بدر في العريش أخذته سنة ثم استيقظ متبسما قال : أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع، وعن علي – رضي الله عنه - قال لقد رأينا يوم بدر وما فينا إلا نائم إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي ويبكي حتى أصبح ﴿ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ﴾ : من الجناة والحدث ﴿ ويذهب عنكم رجز الشيطان ﴾ وسوسته، فإنهم في البدر نزلوا على الماء، فاحتلم أكثرهم وقد غلب الكفار على الماء، وقد وسوس إليهم الشيطان بأنكم تزعمون أنكم أولياء الله تعالى وفيكم رسول الله وحينئذ تصلون على جنابة، فأنزل الله تعالى المطر، وسال الوادي ﴿ وليربط على قلوبكم ﴾ بالصبر واليقين ﴿ ويثبت به ﴾ : بسبب المطر والربط ﴿ الأقدام ﴾ على المحاربة يعني قوى قلوبهم، وشجعهم أو المطر لبد الرمل بحيث لا يغوص أرجلهم فيه، فثبت أقدامهم، فإنهم في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام.
﴿ إذ يوحي ﴾ بدل ثالث أو بإضمار اذكر ﴿ ربك إلى الملائكة أني معكم ﴾ : بالعون النصر، وهو مفعول يوحي، وعند بعضهم أن الخطاب مع المؤمنين أي : أوحى للملائكة أن يولوا للمؤمنين : إن الله معكم ﴿ فثبتوا الذين آمنوا ﴾ ببشارة النصر، أو بتكثير سوادهم، ومحاربة أعدائهم ﴿ سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ﴾ : الخوف ﴿ فاضربوا فوق الأعناق ﴾ أي : الرؤوس أو أعاليها، وهي المذابح، قال ربيع بن أنس : كان الناس يعرفون قتلى الملائكة من قتيلهم، بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق بها ﴿ واضربوا منهم كل بنان ﴾ : أصابع أو كل طرف ومفصل، قيل : الخطاب في قوله فاضربوا للمؤمنين، والأكثرون على أنه للملائكة.
﴿ ذلك ﴾ أي : الضرب أو الأمر به ﴿ بأنهم شاقوا الله ورسوله ﴾ : خالفوهما، تركوا الشرع فصاروا في شق ﴿ ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ﴾ : له.
﴿ ذلكم ﴾ : الخطاب مع الكفرة أي : الأمر ذلكم، أو ذلكم العذاب ﴿ فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ﴾ عطف على ذلكم.
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ﴾ الزحف : الجيش الكثير منصوب على الحال ﴿ فلا تولوهم الأدبار ﴾ بالانهزام.
﴿ ومن يولهم يومئذ ﴾ : يوم القتال مطلقا، أو يوم قتال البدر خاصة ﴿ دبره ﴾ : فانهزم ﴿ إلا متحرفا لقتال ﴾ : يفر مكيدة، ليرى أنه خاف، فيتبعه العدو فيكر عليه ويقتله ﴿ أو متحيزا إلى فئة ﴾ فر من هاهنا إلى فئة أخرى من المسلمين يعاونونه، حتى لو كان في سرية ففر إلى أميره أو إمامه الأعظم لجاز، ونصب متحرفا ومتحيزا على الحال، أو استثناء من المولين أي : إلا رجلا متحرفا ﴿ فقد باء ﴾ : رجع ﴿ بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ﴾ : جهنم، أكثر السلف على أن هذا في يوم البدر خاصة، ولهذا قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فيه :" اللهم إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدا "، وأما في سائر الحروب فجاز الفرار إذا كان الكفار أكثر من مثيلهم وعن بعض الفرار مطلقا حرام وكبيرة إلا عن هذين السببين، وعن بعض هذا خاصة الصحابة.
﴿ فلم تقتلوهم ﴾ : تقديره : إن فخرتم بقتلهم يوم بدر، فلم تقتلوهم بقوتكم ﴿ ولكن الله قتلهم ﴾ : بأن أظفركم عليهم، وأرسل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم، نزلت حين انصرفوا عن القتال يتفاخرون، يقولون : قتلنا فلانا أو أسرنا فلانا، فهو تعالى يبين أنه خالق أفعالهم وأنه المحمود على جميع خير صدر عنهم ﴿ وما رميت ﴾ : يا محمد قبضة التراب في أعينهم ﴿ إذ رميت ﴾ أتيت بصورة الرمي ﴿ ولكن الله رمى ﴾ أتى بما هو غاية الرمي، فصورة الرمي منك، وحقيقتها مني كأنه قال : ما رميت خلقا إذ رميت كسبا، " وذلك أن رسول الله – صلى عليه وسلم - أخذ قبضة من تراب، بتعليم جبريل عليه السلام فرمى بها وجوه الأعداء، قائلا :" شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا وامتلأت عينه منها " ، فاشتغلوا بأعينهم فردفهم المؤمنون بالقتل والأسر، وهذه الرمية ليست من جنس أفعال البشر وقوتهم ﴿ وليبلي ﴾ تقديره : ولكن الله رمى لفوائد كثيرة وليبلي ﴿ المؤمنين منه ﴾ : من الله ﴿ بلاء حسنا ﴾ أي : ولينعم عليهم نعمة حسنة عظيمة بالنصر، ومشاهدة الآيات فيشكروا ﴿ إن الله سميع ﴾ : بدعائهم ﴿ عليم ﴾ بضمائرهم.
﴿ ذلكم ﴾ إشارة إلى البلاء الحسن، وتقديره : الأمر والحكمة ذلكم ﴿ وأن الله موهن كيد الكافرين ﴾ أي : الحكمة إبلاء المؤمنين، وإبطال حيل الكافرين.
﴿ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ﴾ المشركون حين خرجوا تعلقوا بأستار الكعبة، وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم الحزبين وأهدى الفئتين، أو قال أبو جهل يوم بدر : اللهم أهلك أيتنا أقطع للرحم، فيقول تعالى : إن طلبتم الفتح للأكرمين أو لواصل الرحم، فقد استجاب الله تعالى، فالخطاب على سبيل التهكم ﴿ وإن تنتهوا ﴾ عن الشرك ﴿ فهو خير لكم وإن تعودوا ﴾ : إلى الكفر والمحاربة ﴿ نعد ﴾ لكم بمثل وقعة بدر ﴿ ولن تغني ﴾ : ترفع ﴿ عنكم فئتكم ﴾ : جماعتكم ﴿ شيئا ﴾ من الإغناء أو المضار ﴿ ولو كثرت ﴾ فئتكم ﴿ وأن الله مع المؤمنين ﴾ : بالنصر، فلا يغلبون، ومن قرأ " أن " بفتح الهمزة تقديره : لأن الله مع المؤمنين وقعت تلك الواقعة.
﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه ﴾ لا تتولوا عن الرسول، ولا تعرضوا عنه، فإن طاعته طاعة الله تعالى ﴿ وأنتم تسمعون ﴾ القرآن أي : بعد ما علمتم وأجبتم داعي الله.
﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا ﴾ هم الكفرة أو المنافقون ﴿ وهم لا يسمعون ﴾ سماع انتفاع، فكأنهم ما سمعوا، أو معناه يقولون : أطعنا وهم لا يطيعون.
﴿ إن شر الدواب ﴾ : جميع الحيوانات ﴿ عند الله الصم ﴾ : عن الحق ﴿ البكم ﴾ عن التكلم به ﴿ الذين لا يعقلون ﴾ فهذا الضرب من آدم شر الخلائق.
﴿ ولو علم الله فيهم خيرا ﴾ : انتفاعا بالآيات ﴿ لأسمعهم ﴾ : إسماع تفهيم ﴿ ولو أسمعهم ﴾ وقد علم ألا خير فيهم ﴿ لتولوا ﴾ : ما صدقوا وما انتفعوا به، فكيف على تقدير عدم الإسماع، كقوله : نعم العبد صهيب، ولو يخف الله لم يعصه ﴿ وهم معرضون ﴾ : عنه عنادا بعد الفهم، أو معناه وهم قوم عادتهم الإعراض عن الحق.
﴿ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ﴾ بالطاعة ﴿ إذا دعاكم ﴾ وحّد الرسول لأن دعوة الله تسمع من رسوله ﴿ لما يحييكم ﴾ أي : الإيمان فإنه يورث الحياة الأبدية : أو القرآن فيه الحياة والنجاة، أو الشهادة فإنهم أحياء عند الله يرزقون، أو الجهاد فإنه سبب بقائكم ﴿ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ﴾ : بين المؤمن كفره بين الكافر وإيمانه، أو يحول حتى لا يدري ما يعمل، أو حتى لا يستطيع أن يعزم على شيء إلا بإذنه، أو تمثيل بغاية قربه من كقوله :" ونحن اقرب إليه من حبل الوريد " ق : ١٦. ﴿ وأنه إليه تحشرون ﴾ لجزاء الأعمال.
﴿ و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ حذر الله المؤمن عن محنة تعم المسيء وغيره، لا تخص من باشر الذنب، والفتنة إقرار المنكر بين أظهرهم والمساهلة في الحسبة، بمعنى لا تصيبن وبالها، أو نزلت في علي وعمار وطلحة الزبير وما وقع عليهم يوم الجمل بعد شهادة عثمان- رضي الله عنه - أو في قوم مخصوصين من الصحابة أصابتهم الفتنة يوم الجمل، والأول أصح، وقوله " لا تصيبن " إما جواب الأمر على مذهب الكوفيين فتقديره أن لا تتقوا لا تصب الظالمين خاصة، ودخول النون لما فيه من معنى النهي، كان إصابة الفتنة إليهم خاصة مطلوب، وإما صفة فتنة ولا للنهي ؛ لأن النون لا تدخل المنفي في غير القسم بتقدير القول أي : فتنة مقولا في حقها ﴿ واعلموا أن الله شديد العقاب ﴾.
﴿ واذكروا ﴾ : يا معشر المهاجرين ﴿ إذ أنتم قليل ﴾ : في العدد ﴿ مستضعفون في الأرض ﴾ بمكة قبل الهجرة ﴿ تخافون أن يتخطفكم الناس ﴾ : يذهب بكم، ويعدمكم كفار قريش أو كفار سائر البلاد ﴿ فآواكم ﴾ إلى المدينة ﴿ وأيدكم بنصره ﴾ على الأعداء يوم بدر وغيره ﴿ ورزقكم من الطيبات ﴾ الغنائم، و كانت لا تحل للأمم السابقة ﴿ لعلكم تشكرون ﴾ : لكي تشكروا نعمة، والآية خطاب للعرب كافة لا للمهاجرين خاصة، فإن العرب كانوا أذل الناس وأجوعه وأعره وأضله، حتى جاء الله بالإسلام فمكنهم في البلاد، وسلطهم على العباد وجعلهم ملوكا شرفاء، وصيرهم مترفين أغنياء.
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ﴾ بترك فرائض الله وسننه، أو بما تضمروا خلاف ما تظهرون ﴿ وتخونوا ﴾ داخل في النهي، أو نصب بإضمار أن ﴿ أماناتكم ﴾ أي : لا تنقضوا كل عمل ائتمن الله عليه العباد، أو لا تخونوا أماناتكم فيما بينكم بأن لا تحفظوها ﴿ وأنتم تعلمون ﴾ أنها أمانة، أو أنتم علماء، قال كثير من السلف : نزلت في أبي لبابة حين حاصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قريظة وأمرهم أن ينزلوا على حكم سعد فاستشار قريظة من أبي لبابة في النزول على حكم سعد، وكان أهل أبي لبابة وأمواله فيهم فأشار إلى حلقه أنه الذبح فتلك خيانة.
﴿ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ : اختبار وامتحان ليختبركم أنكم تشتغلون بها عن الله سبحانه، فتنسونه وتعصونه أو تذكرونه وتطيعونه فيها، فإن أبا لبابة خان بسبب الأولاد والأموال ﴿ وأن الله عنده أجر عظيم ﴾ : خير لكم من أموالكم وأولادكم، فحافظوا على حدود الله تعالى فيهم.
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ﴾ : مخرجا ونجاة في الدنيا والآخرة، أو فصلا بين الحق والباطل أو يفرق بينكم وبين ما تخافون، أو ظهورا يعلى قدركم ﴿ ويكفر عنكم سيئاتكم ﴾ : يسترها عن أعين الناس ﴿ ويغفر لكم ﴾ لا يؤاخذكم بها ﴿ والله ذو الفضل العظيم ﴾ فبمحض إحسانه يفي بما وعدكم على التقوى.
﴿ وإذ يمكر ﴾ أي : واذكر هذا الزمان ﴿ بك الذين كفروا ليثبتوك ﴾ : ليقيدوك ويحبسوك ﴿ أو يقتلوك أو يخرجوك ﴾ : من مكة، اجتمع قريش وشاور بعضهم بعضا في شأن محمد – صلى الله عليه وسلم -، فقيل : قيدوه حتى يموت. وقيل أخرجوه فتستريحوا من أذاه ثم اتفقوا على رأي أبي جهل وهو : أن يؤخذ من كل بطن رجل، يضربونه ضربة رجل واحد، فلا يقوى بنو هاشم على طلب قوده من قريش، وهذا بتصويب الشيطان فإنه بينهم في صورة شيخ جليل فأمر الله تعالى نبيه بالهجرة ﴿ و يمكرون ويمكر الله ﴾ : يعاملهم الله تعالى معاملة الماكرين ﴿ و الله خير الماكرين ﴾ إذ مكره أنفذ تأثيرا.
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا لا أساطير الأولين ﴾ : ما هذا إلا ما سطره الأولون من القصص، هو اقتبسها وتعلم منها، نزلت في نضر بن الحارث ومن وافقه ورضي بقوله حين ذهب إلى بلاد فارس وتعلم من أخبار ملوكهم، فلما رجع يحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول : تالله أينا أحسن قصصا أنا أو محمد، وهذا غاية مكابرته وفرط عناده، فإنهم لا يجدون إلى أقصر سورة سبيلا.
﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا ﴾ أي : القرآن ﴿ هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم ﴾ هذا قول نضر بن الحارث أيضا أو قول أبي جهل، وغرضه إظهار عدم الشك في بطلان القرآن، والتعريف في الحق إشارة إلى الحق الذي يدعيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه منزل من ربه، فإنهم يسلمون أنه قصص القرون الماضية، وقد نقل أن معاوية قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة أي : بلقيس قال : أجهل من قومي قومك ؛ قالوا حين دعاهم إلى الحق :" إن كان هذا هو الحق " الآية، و لم يقولوا إن كان هذا هو الحق فاهدنا له.
﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ : مقيم بمكة، فإن الله تعالى لا يستأصل قوما وفيهم نبيهم، واللام لتأكيد النفي ﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ أي : وفيهم من يستغفر كالمؤمنين الذين كانوا بمكة، وما استطاعوا الهجرة أو لما أمسوا ندموا على قولهم : اللهم إن كان هو الحق، فقالوا : غفرانك غفرانك، فنزلت، أو المراد من استغفارهم أنه في الله تعالى أن بعضهم يؤمنون، فالمعنى يمهلهم ؛ لأن فيهم من يستغفر بعد ذلك، وقد ورد :" أنزل عليّ أمانين لأمتي :" وما كان الله ليعذبهم " الآية فإذا مضيت تركت فيكم الاستغفار "، قيل : هذا دعوتهم إلى الإسلام والاستغفار، أي : استغفروا لا أعذبكم كما تقول : لا أعاقبك وأنت تطيعني، أي : اطعني لا أعاقبك، وقيل معناه : وفي أصلابهم من يستغفر.
﴿ و ما لهم ألا يعذبهم الله ﴾ قال بعضهم : قوله :" وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " نزل بمكة، فلما خرج عليه الصلاة والسلام إلى المدينة نزل : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون، أي : من بقى من المؤمنين في مكة، فلما خرجوا أنزل الله تعالى " وما لهم ألا يعذبهم الله " والتعذيب فتح مكة، أو القتل يوم بدر، أو الجوع والضر، وقال بعضهم : قوله " وما كان الله ليعذبهم " الآية منسوخة بقوله :" وما لهم ألا يعذبهم الله " وهذا عند من قال المراد بالاستغفار : صدور الاستغفار منهم نفسهم، كما ذكرنا غفرانك غفرانك ﴿ وهم يصدون ﴾ : يمنعون المؤمنين ﴿ عن المسجد الحرام ﴾ كعام الحديبية وإخراج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ﴿ و ما كانوا أولياءه ﴾ مستحقين ولاية أمر المسجد الحرام، فإنهم يقولون : نحن أولياء الحرم نفعل فيه ما نريد ﴿ إن أولياؤه إلا المتقون ﴾ : عن الشرك ﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ أنهم غير مستحقين لولاية الحرم ومنهم من يعلم ويعاند.
﴿ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء ﴾ أي : كيف لا يستحقون العذاب، وكيف يكونون ولاة الحرم، وتقربهم إلى الله تعالى وما يضعون موضع صلاتهم الصفير يدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون في الطواف ﴿ وتصدية ﴾ : تصفيقا، وقد نقل كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفرون بأفواههم ويصفقون بأيديهم، وقال بعضهم : كان إذا – صلى النبي صلى الله عليه وسلم - في الحرم قام رجلان عن يمينه يصفران، ورجلان عن يساره يصفقان ليخلطوا عليه صلاته، وقال بعضهم، المراد صد الناس عن سبيل الله تعالى، فحينئذ من قلب إحدى الدالين تاء كما في ظنيت من الظن ﴿ فذوقوا العذاب ﴾ : ببدر ﴿ بما كنتم تكفرون ﴾.
﴿ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا ﴾ : الناس ﴿ عن سبيل الله ﴾ لما رجع من بقى من الكفرة من البدر إلى مكة، استعانوا من أبي سفيان وغيره من مال تجارة الشام، واستقرضوا أيضا ثم أنفقوا في غزوة أحد، ولهذا قالوا : نزلت في أبي سفيان، أو المراد صرف أموالهم في غزوة بدر ﴿ فسينفقونها ﴾ أي : بعد ذلك في غزوة أحد ﴿ ثم تكون عليهم حسرة ﴾ : في الآخرة، أو في الدنيا لذهاب الأموال، وعدم نيل المرام ﴿ ثم يغلبون ﴾ : عاقبة الأمر، وقيل : المراد من قوله :" فسينفقونها " ذكر قرب زمان الإنفاق ثم الحسرة على صرفه ثم غلبة المؤمنين، فإنه وإن كان الإنفاق وحده واقعا متقدما لكن الإنفاق والحسرة والمغلوبية، لم يقع بعد حين نزول الآية، ﴿ والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ﴾ : يعني : من مات على الكفر منهم.
﴿ ليميز الله الخبيث من الطيب ﴾ : الشقي من السعيد، أو الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان من الإنفاق الطيب في سبيل الله تعالى، واللام متعلق بيحشرون، وهذا التمييز في الآخرة أو الدنيا وحينئذ متعلق اللام مقدر أي : يسر الله للكافرين إنفاق أموالهم في محاربتكم، لميز الخبيث من الطيب، أي : من يطعه بقتال أعداء الله ممن يعصيه بالنكول عن كما قال تعالى " وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه " [ آل عمران : ١٠٩ ]، وقال تعالى " وما أصابكم يوم التقى الجمعان " [ آل عمران : ١٦٦ ] ﴿ ويجعل الخبث ﴾ أي : الفريق الخبث ﴿ بعضه على بعض فيركمه جميعا ﴾ : عبارة عن الضم والجمع حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم، أو معناه يضم على الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه، كقوله " فتكوى بها جباههم وجنوبهم " [ التوبة : ٣٥ ] ﴿ فيجعله في جهنم أولئك ﴾ أي : الفريق الخبيث ﴿ و هم الخاسرون ﴾.
﴿ قل للذين كفروا ﴾ : كأبي سفيان وغيره أي : لأجلهم ﴿ إن ينتهوا ﴾ : عن الكفر ومعاداة الدين ﴿ يغفر لهم ما قد سلف ﴾ : من الذنوب ﴿ وإن يعودوا ﴾ إلى القتال ويستمروا على كفرهم ﴿ فقد مضت سنة الأولين ﴾ في نصرة أنبيائه وإهلاك أعدائه، أو سنة الأولين في قريش يوم بدر.
﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ﴾ : لا يوجد شرك، أو لا يفتن مؤمن عن دينه ﴿ ويكون الدين كله لله ﴾ : لا يعبد غير الله تعالى في جزيرة العرب ﴿ فإن انتهوا ﴾ عن الكفر ﴿ فإن الله بما يعملون بصير ﴾ يجازيهم مجازاة البصير بهم، أو معناه فإن انتهوا عما هم فيه من الكفر والقتال، فكفوا عنهم وإن كنتم لا تعلمون بواطنهم، فإن الله بما يعملون بصير ومن قرأ " تعملون " بالتاء، فمعناه : فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام، وتسببكم إلى إخراجهم من ظلمة الكفر بصير، فيجازيكم.
﴿ وإن تولوا ﴾ ولم ينتهوا عن الشرك والقتال ﴿ فاعلموا أن الله مولاكم ﴾ : ناصركم ﴿ نعم المولى ﴾ : لا يضيع من تولاه ﴿ ونعم النصير ﴾ فمن نصره لا يغلب أبدا.
﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ : أخذتم من الكفار قهرا لا صلحا، أي شيء كان ﴿ فإن لله خمسه ﴾ مبتدأ خبره مقدر أي : فثابت أن لله خمسه، والأصح أن ذكر الله افتتاح كلام للتبرك، وقال بعضهم، سهم الله يصرف إلى الكعبة ﴿ وللرسول ﴾ كان يصرف فيما شاء، والآن لمصالح المسلمين أو للخليفة، أو مردود إلى الأصناف الباقية، أو لقرابة النبي-صلى الله عليه وسلم- ﴿ ولذي القربى ﴾ هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب، أو من لا يحل له الزكاة، أو بنو هاشم وحدهم، أو قريش كلهم ﴿ واليتامى ﴾ : يتامى المسلمين فقراءهم، أو فقرائهم وأغنيائهم، أو يتامى ذوي القربى ﴿ والمساكين ﴾ : المحاويج الذين لا يجدون ما يصون خلتهم، أو مساكين ذوي القربى ﴿ وابن السبيل ﴾ : المسافر أو مريد السفر إلى مسافة القصر، وليس له ما ينفقه في سفره، أو ابن السبيل من ذوي القربى، فعلى هذا الغنيمة تقسم على خمسة : أربعة منها للمحاربين، وخمس لهؤلاء المذكورين ﴿ إن كنتم أمنتم بالله ﴾ تقديره : امتثلوا ما شرعت بكم في الغنيمة، إن كنتم آمنتم بالله ﴿ وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ﴾ : يوم فرق فيه بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، والآية نزلت فيه ﴿ يوم التقى الجمعان ﴾ : المسلمون والكفار، وهو يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان ﴿ والله على كل شيء قدير ﴾ ولهذا قدر على نصر القليل على الكثير.
﴿ إذ أنتم ﴾ بدل من يوم الفرقان ﴿ بالعدوة ﴾ : شط الوادي ﴿ الدنيا ﴾ : الأقرب من المدينة ﴿ وهم ﴾ : كفار مكة ﴿ بالعدوة القصوى ﴾ : جانب الوادي الأبعد من المدينة ﴿ والركب ﴾ أي : ركب أبي سفيان الذين جاءوا من الشام ﴿ أسفل منكم ﴾ : في مكان أسفل من مكانكم أي : ساحل البحر، منصوب على الظرف واقع موقع خبر و " الركب " ﴿ ولو تواعدتم ﴾ أنتم والكفار للقتال ﴿ لاختلفتم ﴾ : أنتم ﴿ في الميعاد ﴾ : خوفا وهيبة لقتلكم وكثرتهم ﴿ ولكن ﴾ جمع الله تعالى بينكم بصنعه من غير ميعاد وإرادة لكم ﴿ ليقضي الله أمرا كان مفعولا ﴾ : في علمه، أو معناه حقيقا بأن يفعل من نصر أوليائه، وإعلاء كلمة الإسلام ﴿ ليهلك ﴾ بدل من ليقضي، أو متعلق بمفعولا ﴿ من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ﴾ أي : ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآيات، فلا يبقى له حجة وعذر بوجه، ويؤمن من آمن عن حجة وبصيرة ويقين، فالهلاك والحياة : الكفر والإيمان، أو ليموت من يموت عن بينة عاينها، ويعيش عن حجة شاهدها، لئلا يكون له حجة ومعذرة ﴿ وإن الله لسميع ﴾ : بكفر من كفر، وإيمان من آمن ﴿ عليم ﴾ بما في قلوبهم.
﴿ إذ يريكهم الله ﴾ بدل من ثان من يوم الفرقان، أو مقدر باذكر ﴿ في منامك قليلا ﴾ لتخبر أصحابك فيكون تشجيعا لهم، وهو ثالث مفاعيل يريكم ﴿ ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ﴾ : لجبنتم ﴿ ولتنازعتم في الأمر ﴾ : اختلفت كلمتكم في أمر القتال ﴿ ولكن الله سلم ﴾ : أنعم بالسلامة من التنازع ﴿ إنه عليم بذات الصدور ﴾ ما كان وما سيكون من الجبن والتنازع.
﴿ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم ﴾ لا في المنام ﴿ قليلا ﴾ حال عن ثاني مفعولي يريكموهم لا مفعول ثالث ؛ لأنه من رؤية العين هاهنا، وإنما قللهم في أعين المسلمين تثبيتا لهم، وتصديقا لرؤيا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ﴿ ويقللكم في أعينهم ﴾ ليجترؤا، أو يستعدوا للحرب حتى قال أبو جهل : إنهم أكلة جزور، ثم كثرهم في أعينهم حتى يرونهم مثليهم، لتفاجئهم الكثرة فتكسر قلوبهم ﴿ ليقضي الله أمرا كان مفعولا ﴾ : من إهلاكهم وإذلالهم ﴿ وإلى الله ترجع الأمور ﴾ : فلا أمر إلا وهو خالقه : وعلى الحقيقة هو فاعله، أو بعد الدنيا مصير الكل إليه فيجازيهم.
﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ﴾ : حاربتم جماعة : والمؤمنون لا يحاربون إلا الكفار﴿ فاثبتوا ﴾ : ولا تنهزموا ﴿ واذكروا الله كثيرا ﴾ : في تلك الحال بان تستغيثوا به، وتتوكلوا عليه وتسألوا النصر ﴿ لعلكم تفلحون ﴾ : كي تظفروا بمرامكم.
﴿ وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا ﴾ : باختلاف الآراء ﴿ فتفشلوا ﴾ فتجبنوا، جواب النهي ﴿ وتذهب ريحكم ﴾ : دولتكم ووقاركم وريح النصر، فإن النصرة لا تكون إلا بريح كما في الحديث :" نصرت بالصبا " ﴿ واصبروا إن الله مع الصابرين ﴾.
﴿ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ﴾ : فخرا. وطغيانا ﴿ ورئاء الناس ﴾ : ليثنوا عليهم بالشجاعة والغلبة والرياسة، كما قال أو جهل، لما قيل : إن العير قد نجا فارجعوا، فقال : والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزور، ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب ﴿ ويصدون عن سبيل الله ﴾ عطف على بطرا، سواء كان مفعولا له، أو حالا على تأويل المصدر ﴿ والله بما يعملون محيط ﴾ : عالم بما جاءوا به وله، ولهذا جازاهم شر الجزاء.
﴿ وإذ زين ﴾ مقدر باذكر ﴿ لهم الشيطان أعمالهم ﴾ في معاداة الرسول، فإنه تمثل لهم في سورة سراقة بن مالك الكناني، وهو من أكابر بني كنانة معه عسكر وراية ﴿ وقال لا غالب لكم ﴾ خبر لا، أو صفة غالب، ولو كان ظرفا لغالب لوجب أن يقال : لا غالبا ﴿ اليوم من الناس ﴾ لكثرة عددكم وعددكم ﴿ وإني جار لكم ﴾ : مجيركم من بني كنانة وممدكم في الحرب، وكان بين قريش وبني كنانة حرب وعداوة، وخافوا من بني كنانة فلهذا أجارهم ﴿ فلما تراءت الفئتان ﴾ : التقى الجمعان ﴿ نكص على عقبيه ﴾ : رجع القهقري و كانت يده في يد أحد من المشركين فقال له : أفرارا من غير قتال ؟ ! فضرب في صدر صاحبه الشرك فانطلق ﴿ وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ﴾ من جنود الله : ملائكته ﴿ إني أخاف الله ﴾ وهذا كذب منه، ما به مخافة الله تعالى لكن علم أنه لا قوة له ولا منعة، أو أخاف الله أن يهلكني فيمن أهلك، أو خاف أن يصله مكروه من الملائكة، وهذا عادته الشؤمة كما حكاه تعالى " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر " الآية [ الحشر : ١٦ ] ﴿ والله شديد العقاب ﴾ من تتمة كلام الشيطان، أو ابتداء كلام الله تعالى.
﴿ إذ يقول ﴾ مقدر باذكر ﴿ المنافقون والذين في قلوبهم مرض ﴾ : شرك، أو قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا وخرجوا مع الكفار يوم بدر، ولما رأوا المسلمين قليلا ارتابوا وارتدوا، وقالوا :﴿ غر هؤلاء ﴾ أي : المؤمنين ﴿ دينهم ﴾ حتى تعرضوا مع قتلهم كثرتها، فقتلوا جميعا، فقال تعالى مجيبا لهم :﴿ ومن يتوكل على فإن الله عزيز ﴾ : لا غالب لأمره، ولا يضام من التجأ إليه ﴿ حكيم ﴾ : في أفعاله لا يضعنها إلا في موضعها.
﴿ ولو ترى ﴾ يا محمد ﴿ إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ﴾ أي : لو رأيت حالهم حين قتلهم الملائكة يوم بدر، وقال بعضهم : هذا عند الموت لا يخص بيوم بدر ﴿ يضربون وجوههم ﴾ : إذا أقبلوا ﴿ وأدبارهم ﴾ : إذا أدبروا، والجملة حال ﴿ وذوقوا ﴾ أي : ويقولون : ذوقوا، عطف على يضربون ﴿ عذاب الحريق ﴾ : بشارة لهم بجهنم، قال بعضهم : مع الملائكة مقامع من حديد كلما ضربوا التهبت النار منها، وجواب " لو " مقدر أي : لو ترى لرأيت أمرا فظيعا هائلا.
﴿ ذلك ﴾ الضرب ﴿ بما قدمت أيديكم ﴾ أي : بشؤم ذنوبكم ﴿ وأن الله ليس لظلام للعبيد ﴾ عطف على ما قدمت، قيل : للدلالة على أن سببية مقيدة بانضمامه إليه، إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنب، وظلام للتكثير لكثرة العبيد فالظالم لهم كثير الظلم.
﴿ كدأب آل فرعون ﴾ أي : دأبهم وطرقتهم كدأبهم ﴿ والذين من قبلهم ﴾ : من قبل آل فرعون ﴿ كفروا بآيات الله ﴾ تفسير الدأب ﴿ فأخذهم بذنوبهم ﴾ كما أخذ هؤلاء ﴿ إن الله قوي ﴾ لا يغلبه شيء ﴿ شديد العقاب ﴾ : للكافرين.
﴿ ذلك ﴾ أي : الأخذ بالذنوب، لا التعذيب بغير ذنب ﴿ بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنغمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ أي : بسبب أن عادة الله جارية، بأن لا يبدل نعمة على قوم بنعمة، حتى غيروا حالهم إلى أسوءها كقريش، كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها، وصدوا عن سبيل الله وغيرها من القبائح ﴿ وأن الله سميع ﴾ : لما يقولون ﴿ عليم ﴾ بما يضمرون، ولولا إحاطة علمه كيف يأخذهم بأعمالهم ؟ !
﴿ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ﴾ أي : عادتهم كعادتهم ﴿ كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون ﴾ تكرير للتأكيد ﴿ وكل ﴾ : من الأولين والآخرين. ﴿ كانوا ظالمين ﴾.
﴿ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ﴾ : رسخوا في الكفر ﴿ فهم لا يؤمنون ﴾ : لرسوخهم فيه.
﴿ الذين ﴾ بدل من الذين كفروا ﴿ عاهدت منهم ﴾ أي : أخذت منهم العهد ﴿ ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ﴾ كيهود بني قريظة، نقضوا عهدهم وأعانوا المشركين بالسلاح، وقالوا : نسينا وأخطأنا، فعاهدهم الثانية فنقضوا يوم الخندق ﴿ وهم لا يتقون ﴾ : عاقبة الغدر ﴿ فإما تثقفنهم ﴾ : تظفرون بهم وتأسرهم ﴿ في الحرب فشرد بهم ﴾ أي : بسبب قتلهم.
﴿ من خلفهم ﴾ أي : فافعل بهم عقوبة، يفرق منك ويخافك من ورائهم من الكفرة ليعتبروا، فلا ينقضوا العهد بعد ذلك، يعني : غلظ عقوبتهم ليكون عبرة لغيرهم ﴿ لعلهم ﴾ أي : من خلفهم ﴿ يذكرون ﴾ : يتعظون، فيحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل صنيعهم.
﴿ وإما تخافن من قوم ﴾ : معاهدين ﴿ خيانة ﴾ : نقض عهد بإمارة تلوح لك ﴿ فانبذ إليهم ﴾ : اطرح إليهم عهدهم ﴿ على سواء ﴾ أي : ثابتا على طريق مستو متوسط، بأن تخبرهم أنك قطعت العهد الذي بينك وبينهم، فلا يكونون على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك، فالجار والمجرور حال ﴿ إن الله لا يحب الخائنين ﴾ تعليل لنبذ العهد وعدم مفاجأة القتال بلا إعلام.
﴿ ولا يحسبن ﴾ : يا محمد ﴿ الذين كفروا سبقوا ﴾ : فاتونا فلا نقدر عليهم، بل هم تحت قهر قدرتنا، ومن قرأ " لا يحسبن بالياء فالذين كفروا فاعله، بتقدير : أن سبقوا فحذقت أن، أو تقديره : لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا، أو فاعله ضمير إلى " من خلفهم " أو إلى جيل المؤمنين، وفي الجميع تكلف ﴿ إنهم لا يعجزون ﴾ : لا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم، ومن قرأ بالفتح فتقديره : لأنهم يعجزون، قال بعضهم : نزلت فيمن أفلت يوم بدر من المشركين.
﴿ وأعدوا لهم ﴾ : للكفار ﴿ ما استطعتم من قوة ﴾ : من كل ما يتقوى به في الحرب، وفي الحديث الصحيح :" ألا إن القوة الرمي " قالها ثلاثا ﴿ ومن رباط الخيل ﴾ الرباط : اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ﴿ ترهبون ﴾ : تخوفون ﴿ به ﴾ : بما استطعتم ﴿ عدو الله وعدوكم ﴾ : كفار مكة ﴿ وآخرين من دونهم ﴾ أي : من دون كفار مكة ﴿ لا تعلمونهم ﴾ : لا تعرفونهم ﴿ الله يعلمهم ﴾ : يعرفهم، هم المنافقون أو اليهود أو أهل فارس ﴿ و ما تنفقوا من شيء ﴾ : قليل أو كثير ﴿ في سبيل الله يوف إليكم ﴾ أجره وجزاؤه ﴿ و أنتم لا تظلمون ﴾ بتضييع العمل.
﴿ وإن جنحوا إلى السلم ﴾ : مالوا للصلح ﴿ فاجنح لها ﴾ : مل إليها، قال بعضهم : الآية منسوخة بقوله :" قاتلوا الذين لا يؤمنون "، وفي شيء لأن المهادنة لكثرة الأعداء ولغيرها جائزة إذا رأى الإمام، وقال بعضهم : الآية مخصوصة بأهل الكتاب ﴿ وتوكل على الله ﴾ في الصلح، ولا تخف خداعهم ﴿ إنه هو السميع ﴾ : لأقوالهم ﴿ العليم ﴾ بنياتهم.
﴿ وإن يريدوا أن يخدعوك ﴾ : يريدون بالصلح خديعة ﴿ فإن حسبك ﴾ : كحسبك وكافيك ﴿ الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ﴾.
﴿ وألف بين قلوبهم ﴾ مع ما فيهم من الضغينة في أدني شيء ﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ﴾ لتناهي عداوتهم وجهالتهم، فإن بين الأوس والخروج من العداوة والحروب ما لا يمكن الإصلاح، فالله بمحض قدرته ألف بينهم فاجتمعوا وأنفقوا، وأنساهم الله تلك الشحناء فصاروا أنصارا ﴿ ولكن الله ألف بينهم ﴾ فإنه مقلب القلوب ﴿ إنه عزيز ﴾ : غالب لا يغالب أبدا ﴿ حكيم ﴾ يضع كل شيء في موضعه.
﴿ يا أيها النبي حسبك الله ﴾ : كافيك ﴿ ومن اتبعك من المؤمنين ﴾ مفعول معه، أي : محسبك مع المؤمنين الله، أو عطف على " الله "، نزلت في غزوة بدر، وقال بعضهم : نزلت حين أسلم عمر، ثم اعترض عليه بأن الأنفال كلها مدنية، وإسلام عمر قبل الهجرة فلا يصح هذا.
﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ﴾ أي : بالغ في حثهم عليه ﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة والوعد بالغلبة ﴿ و إن يكن منكم مائة يغلبون ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ﴾ : بسبب جهالتهم بالله يقاتلون لأجل حظ دنيوي، فلا تثبت أ قدامهم إذا رأوا شدة القتال وظنوا الهلاك.
﴿ الآن خفف الله عنكم ﴾ نزلت لما ثقلت على المسلمين مقابلة الواحد مع العشرة، فنسها وخفف عنهم ﴿ وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ في البدن أو في البصيرة، فإن في بعضهم ضعف البصيرة ﴿ فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين ﴾ أي : إن كانوا على الشطر من عدوهم لم يجز الفرار، وإلا جاز ولم يجب القتال، ثم اعلم أنه ذكر في الأول العشرين والمائة، وفي الثاني المائة والألف، للدلالة، أن حكم القليل والكثير واحد ﴿ بإذن الله ﴾ بأمره وإرادته ﴿ والله مع الصابرين ﴾ : بالنصر والظفر.
﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ﴾ ما صح وما استقام لنبي من الأنبياء أن يأخذ أسرى، ولا يقتلهم ﴿ حتى يثخن في الأرض ﴾ : يكثر القتل فيعز الإسلام و يذل الكفر ﴿ تريدون عرض الدنيا ﴾ : حطامها، أي : الفداء ﴿ والله يريد الآخرة ﴾ أي : يريد ثواب الآخرة، أو ما هو سبب نيل الجنة من إعزاز الدين وقمع الملحدين ﴿ والله عزيز حكيم ﴾ يعلم ما يليق بالأحوال، نزلت حين جاءوا بأسارى بدر، فاستشار فيهم، فقال عمر : هم أئمة الكفر والله أغناك عن الفداء فاضرب أعناقهم، قال أبو بكر : هم قومك وأهلك لعل الله يتوب عليهم، خذ فدية تقوى بها أصحابك، فقبل الفداء وعفا عنهم.
﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ يعني في أم الكتاب أن لا يعذب مسلم شهد البدر، وهم مغفورون، أو فيه أن المغانم والفداء حلال لكم، أو لا أعذب من عصاني إلا بعد تصريح بنهي ﴿ لمسكم فيما أخذتم ﴾ : من الفداء قبل أن آذن لكم ﴿ عذاب عظيم ﴾.
﴿ فكلوا ﴾ أي : أبحت لكم الغنائم فكلوا ﴿ مما غنمتم ﴾ : من الفدية، فإنها من جملة الغنائم ﴿ حلالا ﴾ حال، أو أكلا حلالا ﴿ طيبا ﴾ قيل : إنهم أمسكوا عن الغنائم أيضا، وخافوا أشد خوف، فنزل " فكلوا " الآية ﴿ واتقوا لله ﴾ : في مخالفته ﴿ إن الله غفور ﴾ فيغفر ذنبكم ﴿ رحيم ﴾ فأباح لكم الفداء.
﴿ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ﴾ بأن يتعلق علم الله بحصول إرادة إيمان وإخلاص فيها ﴿ يؤتكم ﴾ إن أسلمتم ﴿ خيرا مما أخذ منكم ﴾ : من الفداء ﴿ ويغفر لكم ﴾ ما صدر قبل الإسلام منكم ﴿ والله غفور رحيم ﴾ نزلت في عباس وأصحابه، أسروا يوم بدر وأخذ منهم الفداء، وكان العباس بعد ذلك يقول : أعطاني الله مكان عشرين أوقية أفديتها لنفسي ولابني أخي كانت معي، والتمست من النبي- عليه الصلاة والسلام - أن يحاسبني من جملة فدائي وفداء ابني أخوي فأبى فأبدلني الله في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده ما يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله.
﴿ و إن يريدوا ﴾ أي : الأسارى ﴿ خيانتك ﴾ فيما أظهروا لك من الإسلام والإخلاص ﴿ فقد خانوا الله ﴾ : بالكفر﴿ من قبل ﴾ : من قبل بدر﴿ فأمكن ﴾ أي : فأمكنك ﴿ منهم ﴾ يوم بدر، فإن عادوا نعد، قال بعضهم : نزلت في عبد الله بن سعد الكاتب حين ارتد ولحق بالمشركين، قال بعض : نزلت في عباس وأصحابه حين قالوا : آمنا بك ولننصحن لك على قومنا، والأكثرون على أنه عامر ﴿ والله عليم ﴾ : بخيانة من خان ﴿ حكيم ﴾ بتدبيره.
﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ﴾ : أسكنوا المهاجرين منازلهم ﴿ ونصروا ﴾ أي : نصروهم على أعدائهم ﴿ أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾ : في الميراث دون أقاربهم، آخا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار، كل اثنين أخوان فكانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة، حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ﴾ أي : ليسوا لكم بأولياء في الميراث ﴿ وإن استنصروكم ﴾ أي : المؤمنون الذين لم يهاجروا ﴿ في الدين فعليكم النصر ﴾ : فواجب عليكم نصرتهم على المشركين ﴿ إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾ : عهد فلا تنقضوا عهدكم في نصرتهم عليهم ﴿ والله بما تعملون ﴾ من الوفاء بالعهد ونقضه ﴿ بصير ﴾ : فيجازيكم.
﴿ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ﴾ في الميراث دون المسلمين ﴿ إلا تفعلوه ﴾ أي : إن لم تفعلوا ما أمرتم من قطع العلائق حتى في الميراث بينكم وبين الكفار ﴿ تكن ﴾ : تحصل ﴿ فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾ في الدين كقوة الكفر وضعف الإسلام.
﴿ و الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا ﴾ : صدقا من غير ريب، دون من آمن وسكن دار الشرك، وفي الحديث المتفق على صحته بل المتواتر :" المرء مع من أحب "، ونصب حقا على المصدر المؤكد، أو تقديره : إيمانا حقا ﴿ لهم مغفرة ورزق كريم ﴾ : في الجنة.
﴿ والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ﴾ : من جملتكم، أيها المهاجرون والأنصار، فإن المهاجرين بعضهم هاجروا قبل الحديبية، وبعضهم بعد صلحها قبل فتح مكة وهي الهجرة الثانية ﴿ وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ في التوراث من الأجانب ﴿ في كتاب الله ﴾ في حكمه، أو في اللوح وهذه ناسخة لإرث بالحلف والإخاء الذي كانوا يتوارثون به أولا ﴿ إن الله بكل شيء عليم ﴾ فيعلم صلاح الأوقات.