تفسير سورة النجم

حومد
تفسير سورة سورة النجم من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - يُقسِمُ اللهُ تَعَالى بِالنَّجْمِ حِينَما يَمِيلُ إِلى الغُرُوبِ.
هَوَى - مَالَ إِلى الغُُرُوبِ.
(٢) - إِنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ حَقّاً وصِدْقاً، وَإِنَّهُ رَاشِدٌ مُرْشِدٌ إِلى الحَقِّ، وَلْيسَ بِضَالٍّ وَلاَ غَاوٍ. (وَهذا جَوابُ القَسَمِ).
الغَاوِي - هُوَ مَنْ يَعْرِفُ الحَقَّ وَيَعْدِلُ عَنْهُ قَصْداً أَوْ هُوَ مَنْ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ البَاطِلِ.
(٣) - وَلاَ يَصْدُرُ مَا يَنْطِقُ بِهِ مِنَ القُرآنِ عَنْ هَوًى في نَفْسِهِ.
(٤) - إِنَّما يَقُولُ مَا أَوْحَاهُ إِلَيهِ رَبُّهُ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُبَلِّغَه إِلَى النَّاسِ، فَيْبَلِّغُهُ بِنَصِّهِ دُونَ زِيَادَةٍ وَلا نَقْصٍ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ: لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً.
(٥) - وَإِنَّ الذِي عَلَّمَهُ القُرْآنَ هُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيهِ السَّلامُ، وَهُوَ قَوِيٌّ، شَدِيدُ القُوَّةِ، مَوْثُوقٌ بِقولِهِ.
شَدِيدُ القُوَى - أَمِينُ الوَحْي جِبْرِيلُ، عَلَيهِ السَّلاَم.
(٦) - وَهُوَ ذُو قُوَّةٍ، وَذُو حَصَافَةٍ وَعَقْلٍ رَاجِحٍ، وَقَد استَوى في الأًفقِ فَرآه النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصُّورةِ التِي خَلَقَهُ اللهُ فِيها.
اسْتَوى - اسْتَقَامَ عَلَى صُورَتِهِ الخِلْقِيَّةِ.
ذُو مِرَّةٍ - ذُو قُوَّةٍ أَوْ خَلْقٍ حَسَنٍ.
(٧) - وَقَدِ استَقَامَ جِبْرِيلُ، عَلَيهِ السَّلاَمُ، في الأُفُقِ الأَعْلَى وَهُوَ عَلَى صُورَتِهِ التي خَلَقَهُ اللهُ عَلَيها، حِينَ أَحَبَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يَراهُ كَذلِكَ، فَظَهَرَ في الأُفُقِ لَهُ.
(٨) - ثُمَّ أَخَذَ جِبرِيلُ يَقْتَرِبُ مِنَ الرَّسُولِ، وَيَنْحَدِرُ مِنَ الأُفُقِ.
تَدَلَّى - انْحَدَرَ رُوَيداً رُوَيداً إِلى أَسْفَلٍ.
(٩) - فَكَانَ عَلَى قَدَرِ قَوْسَينِ إِذا مُدَّاً، أَوْ أَقْرَبَ مِنْ ذلِكَ عَلَى حِسَابِ تَقْدِيرِكُمْ.
(١٠) - فَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلى عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، مَا أَمَرَهُ اللهُ بِأَنْ يُوحِيَه إِليهِ مِنْ شُؤُونِ الدِّينِ.
عَبْدِهِ - أَيْ عَبدِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
(١١) - مَا كَذّبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَآهُ بِبَصَرِهِ مِنْ صُورَةِ جِبْرِيلَ، عَلَيهِ السَّلام.
﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾
(١٢) - أَفَتُكَذِّبُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَتُجَادِلُونَه فِيما رَآهُ بِعَينِهِ مِنْ صُورَةِ جِبْرِيلَ، عَلَيهِ السَّلامُ.
أَفَتُمَارُونَهُ - أَتُكَذِّبُونَهُ، وَتُجَادِلُونَهُ.
﴿رَآهُ﴾
(١٣) - وَلَقَد رَأَى مُحَمَّدٌ جِبْرِيلَ عَلَيهِما السَّلامُ في صُورَتِهِ التِي خَلَقَه اللهُ عَلَيها مَرَّةً أُخْرى.
نَزْلَةً أُخْرى - مَرَّةً أُخْرى.
(١٤) - عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى، حِينَما عُرِجَ بالرَّسُولِ إِلى السَّماءِ. وَهذِهِ السِّدْرَةُ تَنْتَهِي إِليها عُلُومُ الخَلائِق.
(١٥) - وَسِدْرَةُ المُنْتَهى هذِه ِ تَقَعُ عِنْدَ الجَنَّةِ التِي يَأْوِي إِليها المُتَّقُونَ يومَ القِيَامَةِ.
(١٦) - وَقَدْ رَآهُ حِينَما كَانَ يَغْشَى السِّدْرَةَ، وَيُغَطِّيها، خَلاَئِقُ تَدُلُّ في حُسْنِها وَجَمَالِها وَإِشْراقِها عَلَى عَظَمَةِ اللهِ وَجَلالِهِ.
(١٧) - مَا مَالَ بَصَرُ الرَّسُولِ ﷺ عَنْ رُؤيةِ هذهِ العَجَائِبِ يِميناً ولا شِمَالاً، وَما جَاوَزَها إِلى رُؤْيَةِ غَيرِهَا مِمَّا لَمْ يُؤمَرْ بِرُؤَيتِهِ.
﴿آيَاتِ﴾
(١٨) - وَقَدْ رَأًَى مُحمَّدٌ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ الكَثِيرَ مِنْ آياتِ رَبِّه الكَرِيمِ، وَعَجَائِبِ خَلْقِهِ.
﴿أَفَرَأَيْتُمُ﴾ ﴿اللات﴾
(١٩) - يُقَرِّعُ اللهُ تَعَالى المُشْرِكِينَ عَلى عِبَادَتِهِم الأَصْنَامَ والأَوْثَانَ، وَعَلى اتِخَاذِهِمْ إِيَّاهَا أَرْبَاباً، وَعَلَى إِقَامَةِ بُيُوتِ العِبَادَةِ لَها وَيَقُولُ لَهُمْ: لَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا قَصَّهُ اللهُ تَعالى عَنْ عَظَمَتِهِ وَجَلاَلِهِ، وَوَاسِعِ قُدْرَتِهِ فِيما خَلَقَ، أفَبعْد ذَلِكَ تَجْعَلُونَ هذهِ الأَصْنَامَ، التِي لاَ تَمْلِكُ لِنَفْسِها وَلا لِغَيرِهَا نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً، شُرَكَاء للهِ في العِبَادَةِ؟
الَّلاَتَ - صَخْرةً بَيْضَاءَ مَنْقُوشَةً كَانَ عَلَيها بَيْتٌ بِالطَّائِفِ لَهُ أَسْتَارٌ وَسَدَنَةٌ يَفْتَخِرُونَ بِهِ عَلَى أَحْيَاءِ العَرَب بَعْدَ قُريشٍ.
العُزَّى - شَجَرَةً عِنْدَهَا بِنَاءٌ وأَسْتَارٌ بِنَخْلَةَ بَيْنَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، وَكَانَتْ قُرَيشٌ تَعَظِّمُهَا.
﴿مَنَاةَ﴾
(٢٠) - كَانَتْ مَنَاةُ صَنَماً في المَشَلِّلِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَكَانَتِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ يُعَظِّمُونَها فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُهِلُّونَ مِنْها إِلى الحَجِّ إِلى الكَعْبَةِ.
(٢١) - أَتَجْعَلُونَ للهِ وَلَداً، وَتَجْعَلُونَ هذا الوَلَدَ أُنثىَ، وَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ الأُنْثَى لأَنْفُسِكُمْ، وَتُفَضِّلُونَ الذَّكَرَ عَلَيها، لأَنَّكُمْ تَنْسبُونَ إِلى الأُنْثَى النَّقْصَ، وَإِلى الذُّكُورِ الكَمَالَ؟
(٢٢) - تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ جَائِزَةٌ لاَ عَدْلَ فِيها، لأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ لِرَبِّكُمْ مَا تَكْرَهُونَه لأَنْفُسِكُمْ، وَآثرتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِما تُحِبُّونَ لها.
ضِيزَى - جَائِرةٌ لاَ عَدْلَ فِيها.
﴿آبَآؤُكُم﴾ ﴿سُلْطَانٍ﴾
(٢٣) - وهذِهِ الأَصْنَامُ التِي يَعْبُدُها هؤلاءِ المُشْرِكُونَ مَا هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ لا حَقِيقَةَ لَها، سَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهم، وَجَعَلُوها آلِهةً لَهُمْ، عَكَفُوا عَلَى عِبَادَتِها، وَلَيسَ لَهُمْ مِنْ دَليلٍ وَلاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّةِ مَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُلُوهِيَّتِها، وَإِنما هُمْ يَتَّبِعُونَ في ذَلِكَ الظَنَّ والتَّخْمِينَ وَهَوى الأَنْفُسِ، وَتَقْلِيدَ الآبَاءِ، واعتِقَادَهُمْ أَنَّ الآباءَ لاَ يُمْكِنَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى ضَلالٍ، وََلَقَد اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم، وَقَلَّدُوا آبَاءَهُمْ وَثَابَرُوا عَلَى عِبَادَةِ هذهِ الأَصْنَامِ، مَعَ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَ إليهم الرَّسُولَ بالهُدَى والحَقِّ، وَالدَّلِيلِ القَاطِعِ، عَلَى وُجُودِ اللهِ ووحْدَانِيّتِهِ، وأنه لاَ إله إِلا هُوَ، فَكَانَ عَلَيهم أنْ يَتِّعِظُوا بِما جَاءَهُمْ، وأَنْ يُقْلِعُوا عَنِ الشِّرْكِ وَعَنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَأَنْ يَتَّبِعُوا رَسُولَ اللهِ حَقّاً وَصِدْقاً، وَلكِنَّهُمْ أَعْرَضُوا وَتَوَلَّوا.
﴿لِلإِنسَانِ﴾
(٢٤) - إِنَّهُمْ يَتَمَنَّون شَفَاعَةَ هذِهِ الأَصْنَامِ عِنْدَ اللهِ، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَتَمَنَّاهُ المَرْءُ يَحْصُلُ عَلَيهِ، وَلا كُلُّ مَنْ أرَادَ شَيْئاً وَصَلَ إليهِ.
(٢٥) - إنّهُمْ لَنْ يَحْصُلُوا عَلَى مَا يَتَمَنَّونَ مِنْ شَفَاعَةِ هَذهِ الأَصْنَامِ لَهُمْ، وَلَنْ تُجْدِيَهُم الأَصْنَامَ نَفْعاً، لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الدُّنيا الآخِرَةِ مُلْكٌ للهِ تَعَالى، وَلا تَمْلِكُ هَذهِ الأَصْنَامُ مِنْهُ شَيْئاً.
﴿السماوات﴾ ﴿شَفَاعَتُهُمْ﴾
(٢٦) - وَكَثيرٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ لا تُفيدُ شَفَاعَتُهُمْ شَيئاً إِلاَّ إِذا أَذِنَ لَهُمُ اللهُ تَعَالى بالشَّفَاعَةِ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى عَنْهُمْ. وَإِذا كَانَ هذا حَالَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبينَ مِنَ اللهِ تَعَالى، فَكَيفَ يَرْجُو هؤُلاءِ الجَاهِلُونَ شَفَاعَةَ أَصْنَامٍ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ، وَهِيَ حِجَارَةٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ.
لاَ تُغْنِي - لا تَدْفَعُ وَلاَ تَنْفَعُ.
﴿الملائكة﴾
(٢٧) - يُنكِرُ اللهُ تَعَالى عَلَى المُشْرِكِينَ جَعْلَ المَلاَئِكَةِ إِناثاً، وَتَسْمِيتَهُمْ بِأسْماءِ الإِنَاثِ، تَعَالى اللهُ عَنْ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، وَتَنَزَّهَ تَعَالى عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالوَلَدِ.
(٢٨) - وَهُمْ لاَ يَسْتَنِدُونَ فِيما يَقُولُونَ مِنْ أَنَّ المَلاَئِكَةَ إِنَاثٌ، وَأَنَّهُمْ بَنَاتُ اللهِ، إِلى عِلْمٍ صَحِيحٍ يُرْكَنُ إِليهِ، وَإِنَّما يَظُنُّونَ ظَنّاً، وَيَتَوَهَّمُونَ تَوَهُّماً، وَالظَّنُّ وَالتَّوهُّم لاَ يَقُومَانِ مَقَامَ الحَقِّ واليَقِينِ، وَلا يُغْنِيَانِ عَنْهما شَيْئاً.
(وَجَاءَ في الصَّحِيحِ: " إِيَّاكُمْ والظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ ").
﴿الحياة﴾
(٢٩) - فَأَعْرِضْ عَنْ مِثْلِ هؤُلاءِ الذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ القُرآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الحَقِّ والهُدَى، وَجَعَلُوا هَمَّهُمُ الدُّنيا وَمَا فِيها مِنْ مُتَعٍ وَمَلَذَّاتٍ، وَاهْجُرْهُمْ وَلاَ تَهْتَمَّ بِمَصِيرِهِمْ.
(٣٠) - وَذِلكَ الذِي يَتْبَعُونَه في عَقَائِدِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ هُوَ مُنْتَهَى مَا وَصَلُوا إِليهِ مِنَ العِلْمِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُفَكِّرُونَ في شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِ الآخِرَةِ، وَإِنَّما جَعَلُوا الدُّنيا أَكْبَرَ هَمِّهِمْ، وَاللهُ تَعَالى هُوَ الخَالِقُ لِلْخَلْقِ، وَهُوَ العَليمُ بِأَحْوالِهِم وَأَفْعَالِهم وَمَصَالِحهم، وَهُوَ الذِي يَهدي مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ العليمُ بِمَنْ جَعَلَ العَمَلَ لِلآخِرَةِ هَمَّهُ، وَسَعى لَها سَعْيَها، وَمَنْ جَعَلَ الدُّنيا هَمَّهُ، وَسَعَى في طَلَبِها مِنْ كُلِّ بَابٍ، وَسَيَجْزِي كُلَّ وَاحِدٍ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الجَزاءِ.
﴿السماوات﴾ ﴿أَسَاءُواْ﴾
(٣١) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى عِبَادَه بِأَنَّه خَالِقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَمَا فِيهما، وَأَنَّ جَميعَ مَا فِي الوُجُودِ مُلْكُهُ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِما في النُّفُوسِ والصًُّدُورِ، وَقَدْ خَلَقَ الخَلْقَ بِالحقِّ وَالعَدْلِ، وَأَمَرَ الخَلقَ بعبادَتِهِ وَالإِخلاصِ فِيها، وَنَهَاهُم عَنِ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي، وَهُوَ لَنْ يُهمِلَ أَمْرَ الخَلق، وَسَيُجَازي كُلَّ وَاحِدٍ بِعَمَلِهِ: السَّيِّئ عَلَى إِسَاءَتِهِ وَالمُحْسِنَ عَلَى إِحْسَانِهِ.
﴿كَبَائِرَ﴾ ﴿الفواحش﴾ ﴿وَاسِعُ﴾ ﴿أُمَّهَاتِكُمْ﴾
(٣٢) - يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالى في هذِهِ الآيةِ الكَريمةِ أَوْصَافَ المُحْسِنينَ الذينَ يَجْزِيهِمْ في الآخِرَةِ بالحُسْنى فَيَقُولُ: مِنْ صِفَاتِ هؤُلاءِ المُحْسِنينَ أنَّهم يَبْتَعِدُونَ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ، وَعَنِ الفَوَاحِشِ، وَلا يَجْتَرِحُونَ السَّيِّئاتِ، وَلاَ يَرْتَكِبُونَ المُحرَّمَاتِ وَالكَبَائِرَ (كَالقَتْلِ وَالزِّنا وَأكْلِ الرِّبا وَأَكلِ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفِ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ).
وَإِذا وَقَعَتْ مِنْهُمْ بَعْضُ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى وَاسعُ المَغْفِرَةِ يَغْفِرُها لَهُم لِقَولِهِ تَعَالى ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ﴾. وَاللهُ تَعَالى بَصِيرٌ بأَحْوالِ العِبَادِ، عَلِيمٌ بِأَقْوالِهِمْ وَأَفْعَالِهم، وَحِينَ ابتَدأ اللهُ تَعَالى خَلْقَهُمْ وَهُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ علمَ مَا سَيَكُونَ مُسِيئاً.
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ العِبَادَ بألاَّ يُزَكُّوا، أَنْفُسَهُم، وَلا يُثْنُوا عَلَيها، وَلاَ يَمْدَحُوها، لأنَّ اللهَ تَعَالى وَحْدَهُ العَالِمُ مَنْ هُوَ البَرُّ التَّقِيُّ الصَّالحُ، وَمَنْ هُوَ الفَاجِرُ الشَّقِيُّ السَّيِّئُ.
" وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يَمْدَحَ أَحَدٌ صَاحِبَهُ أمَامَ آخَرِينَ، وَأَنْ يَكْتَفِي بِالقَوْلِ: أَحْسَبُ أَنَّ فُلاناً واللهُ حَسِيبُهُ، وَلا أُزكِّي أَحَداً عَلَى اللهِ، أَحْسَبُه كَذا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ "
الفَواحِشَ - مَا عَظُمَ قُبْحُهُ مِنَ الكَبَائِرِ.
اللَّمَمَ - صَغَائِرَ الذُّنُوبِ.
فَلا تُزَكُّو أَنْفُسَكُمْ - فَلا تَمْدَحُوها بِحُسْنِ الأَعْمَالِ.
﴿أَفَرَأَيْتَ﴾
(٣٣) - أَرَأَيْتَ حَالَ هذا الذِي تَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالى، وَأَعْرَضَ عَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ؟
(٣٤) - أَطَاعَ اللهَ قَليلاً في أَدَاءِ العِبَادَاتِ، وَفِي الإِنْفَاقِ في سَبِيلِ الخَيْرِ وَالبرِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، ثُمَّ تَوَقَّفَ عَنْ كُلِّ ذلِكَ، وَامْتَنَعَ عَنِ القِيامِ بِما كَانَ يَقُومُ بِهِ.
أَكْدَى -تَوَقَّفَ عَنِ السَّيرِ كَلَلاً أَو قَطَعَ عَطِيَّتَهُ بُخْلاً.
(٣٥) - هَلْ عِنْدَ هذا الذِي تَوَقَّفَ عَنِ الإِنْفَاقِ، وَقَطَعَ إِحْسَانَه، عِلْمُ الغَيْبِ بِأَنَّ المَالَ الذِي في يَدِهِ سيَنْفدُ وَهُوَ يَرَى ذلِكَ عِيَاناً، وَلِذلِك أَمْسَكَ عَنْ مُتَابَعَةِ الإِنْفَاقِ؟ إِنَّ الأَمرَ لَيْسَ كَذلِكَ، فَإِنَّهُ إِنَّما يُمسِكُ عَنِ البِرِّ والصَّدَقَةِ بُخْلاً وَشُحّاًَ.
(٣٦) - أَوَ لَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ بِمَا جَاءَ فِي التَّورَاةِ التِي أَنزَلَها اللهُ تَعَالى عَلَى نَبِيِّهِ مُوسَى، عَليهِ السَّلاَمُ؟
﴿إِبْرَاهِيمَ﴾
(٣٧) - وَبِما فِي صُحُفِ إِبْراهِيمَ الذِي وَفَّى بِمَا عَاهَدَ اللهَ عَلَيهِ، وَقَامَ بِجَمِيعِ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ؟
(٣٨) - فَقَدْ جَاءَ فِي صُحُفِ إِبراهِيمَ وَمُوسى أَنَّهُ لاَ يَحمِلُ أَحدٌ ذَنْبَ أَحدٍ، وَإِنَّما تَحْمِلُ كُلُّ نَفْسٍ ذَنبَها، لاَ يَحمِلُه عَنْها غَيْرُها.
لاَ تَزرُ - لاَ تَحْمِلُ نَفْسٌ آثِمَةٌ نَفْسٍ أُخْرى.
﴿لِلإِنسَانِ﴾
(٣٩) - وَلا تُحاسَبُ نَفْسٌ إِلاَّ عَلَى مَا عَمِلَتْهُ.
(٤٠) - وَجَاءَ في هذِهِ الصُّحُفِ أيضاً: أَنَّ سَعْيَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُعْرَضُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمَامَ اللهِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالمُؤْمِنينَ، فَيُشَادُ بِفَضْلِ المُحْسِنينَ، وَيُوبَّخُ المُسِيئُونَ.
﴿يُجْزَاهُ﴾
(٤١) - ثُمَّ يُجزَى الإِنْسَانُ بِعَمَلِهِ أَوْفَى الجَزَاء وَأَوْفَرَهُ.
(٤٢) - وَأَنَّ مَرْجِعَ الأُمُورِ يَوْمَ المَعَادِ إِلى اللهِ، فَيُحَاسِبُ الخَلْقَ عَلَى مَا اكْتَسَبُوا مِنْ أَعْمَالِ فَيُثِيبُهُم عَلَيها في الجَنَّةِ، أَوْ يُعَاقِبُهُمْ عَلَيها بِالعَذَابِ في نَارِ جَهَنَّمَ.
المُنْتَهى - المَصِيرُ وَالنِّهَايَةُ في الآخِرَةِ لِلْجَزاءِ.
(٤٣) - وَأَنَّهُ تَعَالى خَلَقَ في عِبَادِهِ الضَّحِكَ، كَمَا خَلَق فِيهم البُكَاءَ، وَخَلَقَ فِيهِمْ أسْبَابَهُما، أَيْ أَنَّهُ تَعَالى خَلَقَ مَا يَسُرُّ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَمَا يُحْزِنُ مِنَ الأَعْمالِ السَّيِّئة.
(٤٤) - وَأَنَّهُ هُوَ وَحْدَهُ الذِي سَلَبَ الحَيَاةَ، وَهُوَ الذِي وَهَبهَا.
(٤٥) - وَأَنَّ اللهَ تَعَالى خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى مِنَ الإِنسَانِ وَالحَيَوانِ لِتَسْتَمِرَّ الحَيَاةُ بِالتَّزَاوُجِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ.
(٤٦) - وَقَدْ خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ مِنَ المَنِيِّ تَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الذَّكَرِ وَتَسْتَقِرُّ في رَحِمِ الأُنْثَى.
تُمْنَى - تَتَدَفَّقُ في الرَّحِمِ.
(٤٧) - وَأَنَّ عَلَيهِ أَنْ يُعِيدَ خَلْقَ المَخْلُوقَاتِ مَرَّةً أُخْرى يَوْمَ القِيَامةِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَنْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الأَحْيَاءِ قَدْ هَلَكُوا.
النَّشْأَةَ الأُخْرى - الإِحْيَاءَ بَعْدَ الإِمَاتَةِ.
(٤٨) - وَأَنَّهُ تَعَالى هُوَ الذِي يَمْنَحُ الغِنَى لِمنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ الذي يُفْقِرُ مَنْ يَشاءُ، بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ في ذَلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ، التِي لاَ يَعْلَمُ سِرَّها إِلاَّ اللهُ تَعَالى.
أَقْنَى - أَفْقَرَ أَوْ أَرْضَى بِمَا أَعْطَى.
(٤٩) - وَأَنَّهُ تَعَالى هُوَ رَبُّ كَوْكَبِ الشِّعْرَى الذِي يَظْهَرُ في السَّماءِ خَلْفَ الجَوْزَاءِ، وَهُوَ خَالِقُهُ.
وَقَدْ خَصَّ اللهُ تَعَالى كَوْكَب الشِّعْرى بالذِّكْرِ لأنَّ أُناساً من العَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَه في الجَاهِلِيَّةِ.
الشِّعْرى - كَوْكَبٌ مَعْرُوفٌ كَانَ بَعْضُ العَرَبِ يَعْبُدُهُ.
(٥٠) - وَأَنَّهُ تَعَالى هُوَ الذِي أَهْلَكَ عَاداً الأُولى قَوْمَ هُودٍ عَلَيهِ السَّلاَمُ، وََكَانوا مِنْ أَكْثَرِ الخَلْقِ قُوَّةً وَعُتوّاً، واسْتِكْبَاراً في الأَرْضِ.
عَاداً الأُولى - قَوْمَ هُودٍ.
﴿ثَمُودَ﴾
(٥١) - وَأَهْلَكَ ثَمُودَ، قَوْمَ صَالِحٍ، بَعْدَ أَنْ أَهْلَكَ عَاداً، فَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَداً.
ثَمُودُ - قَوْمُ صَالِحٍ.
(٥٢) - وَأَهْلَكَ اللهُ قَبْلَ هؤُلاءِ قَومَ نُوحٍ، وَكَانُوا أَكْثَرَ ظُلْماً وَطُغْيَاناً مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ.
(٥٣) - وَأَهْلَكَ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ (المُؤْتَفِكَةَ)، فَدَمَّرَهَا عَلَيهِمْ، وَجَعَلَ عَاليَهَا سَافِلَهَا.
أَهْوَى - أَسْقَطَهَا إِلى الأَرْضِ بَعْدَ رَفْعِها.
المُؤْتَفِكَةَ - قُرَى قَوْمِ لُوطٍ التِي جَعَلَ عَاليَهَا سَافِلَهَا.
﴿فَغَشَّاهَا﴾
(٥٤) - وَبَعْدَ أَنْ قَلَبَ اللهُ تَعَالى قُرَى لُوطٍ، وَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، أَمْطَرَها بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ فَغَشِيَها مِنَ الحِجَارةِ (أَوْ مِنَ العَذَابِ النَّازِلِ بِها) الشَّيءُ الكَثِيرُ الذِي لا يُوصَفُ (مَا غَشَّى).
غَشَّاهَا - أَلْبَسَها وَغَطَّاهَا بِأَنْواعٍ مِنَ العَذَابِ.
﴿آلاء﴾
(٥٥) - فَبِأَيِّ نِعَمِ رَبِّكَ عَلَيكَ تَرْتَابُ وَتَتَشَكَّكُ يَا أَيُّها الإِنْسَانُ؟
تَتَمارَى - تَرْتَابُ وَتَتَشَكَّكُ.
(٥٦) - إِنَّ مُحمَّداً رَسُولُ اللهِ أَرْسَلَهُ اللهُ لِيُنْذِرَ مَنْ حَادَ عَنْ طَريقِ الهُدَى، وَسَلَكَ طَرِيقَ الغَوَايَةِ والضَّلالِ، بِالعِقَابِ الأَلِيمِ، وَهُوَ رَسُولٌ مِثْلُ غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ الذِينَ أَرْسَلَهُمْ اللهُ إِلى أَقْوامِهِمْ مُحَذِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.
(وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَى الآيةِ هُوَ: أَنَّ هذا القُرآنَ نَذِيرٌ مِنْ جِنْسِ الكُتُبِ التِي جَاءَتْ تُنْذِرُ الأُمَمَ الخَالِيَةَ).
(٥٧) - اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وَجَاءَ وَقْتُ الحِسَابِ، وَسُتْجَزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ فَاحْذَروا يَا أَيُّها الغَافِلُونَ أَنْ تَكُونوا مِنَ الهَالِكينَ.
أزِفَتْ - اقْتَرَبَتْ وَدَنَتْ.
الآزِفَةُ - السَّاعَةُ.
(٥٨) - وَلاَ يَدْفَعُها إِذَا جَاءَتْ أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ، وَلاَ يَكْشِفُ عَنْ مَوْعِدِ حُلُولِها غَيْرُهُ تَعَالى.
كَاشِفَةٌ - نَفْسٌ تَكْشِفُ أهْوَالَها وَشَدائِدَها.
(٥٩) - يُنْكِرُ اللهُ تَعَالى عَلَى الكُفَّارِ إِعْرَاضَهُم عَنِ القُرآنِ بَعْدَ اسْتِمَاعِهِم إِليهِ فَيَقُولُ: أَفَيَنْبَغي لَكُم بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَعْجَبُوا مِنْ هذا القُرآنِ الذِي جَاءَ يَهْدِيكُم إِلى سَوَاءِ السَّبِيلِ؟
(٦٠) - وَتَضْحَكُونَ مِنْهُ اسْتِهزَاءً وَسُخْرِيَةُ، وَلا تَبْكُونَ خَوْفاً مِنَ الحِسَابِ الذِي يَنْتَظِرُكُم يَوْمَ القِيَامَةِ كَما يَفْعَلُ المُوقِنُونَ؟
﴿سَامِدُونَ﴾
(٦١) - وَكَيفَ تَتَلَقَّوْنَ مَوَاعِظَ القُرآنِ وَعِبَرَهُ وَحُجَجَهُ، وَأَنْتُم لاَهُونَ مُعْرِضُونَ غَافِلُونَ؟
سَامِدُونَ - لاَهُونَ مُعْرِضُونَ غَافِلُونَ.
(٦٢) - فاخْضَعُوا للهِ الذِي أَنْزَلَ هذا القُرآنَ، واعْبُدُوهُ، وَوَحِّدُوهُ، واسْجُدُوا لَهُ، وَأَخْلِصُوا العَمَلَ لَهُ سُبْحَانَهُ.
Icon