ﰡ
هذا تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم.
إنا أنزلنا إليك الكتاب متلبسا بالحق أو بسبب إظهار الحق وإثباته وتفصيله، فاعبد الله ممحضا له الدين، أي جاعله محضا لا شائبة فيه من شرك أو ادعاء باطل أو غير ذلك مما يعلق بالأذهان من آثار التقليد للزعماء والأعلين، والوراثة عن الآباء والسابقين، وتأكد أن تمحيض العبادة له شرط في النجاة ؛ لأنه لا إله غيرك ولا شريك له، فإذا أشركت معه غيره تركك ونفسك، فإذا دعوت شركاءك تركوك وشأنك ولم يغنوا عنك شيئا لأنهم هم أنفسهم في حاجة إلى من يأخذ بأيديهم.
﴿ زلفى ﴾ أي قربة. يقال زلف يزلف زلفا، أي تقرب.
تفسير المعاني :
ألا لله الدين المنزه عن الشوائب، والذين اتخذوا لهم نصراء وموالي من دونه يقولون : إننا ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا إلى الله قربة من طريق التوسل إليه، إن الله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون من أمر الدين. إن الله لا يوفق للهداية من هو كثير الكذب كثير الكفران.
﴿ لاصطفى ﴾ أي لاختار، مشتق من صفوة الشيء أي خلاصته.
تفسير المعاني :
لو أراد الله أن يجعل لنفسه ولدا لاختار من مخلوقاته ما شاء وما معنى ذلك ما دام الكل يستوي في النسبة إليه ؟ تنزيها لله عن النقص إنه هو الواحد القهار.
﴿ يكوّر ﴾ أي يلف. يقال كور العمامة لفها.
تفسير المعاني :
خلق السماوات والأرض ملتبسة بالحق، بلف الليل على النهار، ويلف النهار على الليل لف اللباس للابس، أو يغيبه كما يغيب الملفوف باللفافة. وسخر الشمس والقمر لمنفعة الخلق كل منهما يجري لأجل مقدر وهو العزيز الغفار.
﴿ الأنعام ﴾ جمع نعم، وهو يطلق على الغنم والبقر والإبل. ﴿ ظلمات ﴾ جمع ظلمة وهي الظلام. ﴿ فأنى تصرفون ﴾ أي فأين يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك.
تفسير المعاني :
خلقكم أيها الناس من روح واحدة ثم اشتق منها زوجا لها بحيث جعلهما متكاملين، وخلق لكم من البهائم ثمانية أزواج ذكرا وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، أي من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام عارية ثم على عظام مكسوة، في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن والرحم والمشيمة، ذلكم الله ربكم المستحق لعبادتكم فأين يعدل بكم عن عبادته ؟
﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ أي ولا تحمل نفس آثمة حمل أخرى. يقال وزر يزر وزرا حمل أو أثم. والوزر الإثم أو الحمل. ﴿ بذات الصدور ﴾ أي بما يهمس فيها.
تفسير المعاني :
إن تكفروا فإن الله غني عن إيمانكم ولا يرضى لعباده الكفر. وإن تشكروا الله على ما أعطاكم من النعم يرض ذلك لكم، ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، ثم إلى ربكم مردكم فيخبركم بما كنتم تعملون، إنه عليم بما تجيش به في صدوركم من الخواطر.
﴿ منيبا إليه ﴾ أي تائبا إليه. يقال أناب أي رجع وتاب. ﴿ خوله ﴾ أي أعطاه. مشتق من الخول وهو التعهد، أو من الخول وهو الافتخار. ﴿ أندادا ﴾ جمع ند وهو المثيل.
تفسير المعاني :
وإذا أصاب الإنسان ضر دعا ربه تائبا إليه، ثم إذا منحه نعمة منه نسي ذلك الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه عنه، وجعل لله نظراء يعبدهم ليضل الناس عن سبيله، فقل : تمتع بكفرك أيام الدنيا القليلة، إنك في الآخرة من أهل النار.
﴿ قانت ﴾ أي طائع مواظب على الطاعة. يقال قنت يقنت قنوتا، أي أطاع وواظب على الطاعة. ﴿ آناء الليل ﴾ أي ساعاته جمع إنى.
تفسير المعاني :
أم من هو قائم بوظائف الطاعات ساعات الليل والنهار قائما وساجدا يخاف عذاب الآخرة ويرجو رحمة ربه، كمن هو على الضد من ذلك لا يكثرت للآخرة ولا يطلب رحمة ربه ؟ قل : هل يستوي الذين يعلمون الحق والذين لا يعلمونه ؟ إنما يتعظ أولوا العقول.
قل : يا عبادي المؤمنين خافوا ربكم، قد كتبنا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة من الصحة واستقامة الأمور وتيسر العيش، وأرض الله واسعة، فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه فليرحل إلى حيث يتمكن منه، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
قل : إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين من شوائب الشرك.
وأمرت أن أكون في مقدمة المستسلمين له.
قل : إني أخاف عذاب يوم عظيم الهول إن عصيت ربي.
وقل لهم : أنا أعبد الله وحده مخلصا له ديني من شوائب الشرك.
فاعبدوا أنتم ما أردتم من دونه، إن الخاسرين هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا إن ذلك هو الخسران الواضح لمن ينظر فيه أقل نظر.
﴿ ظلل ﴾ جمع ظلة وهي ما أظلك، والمراد منها في الآية طبقات من النار يعتبر كل منها كأنه ظلة لمن تحته.
تفسير المعاني :
تكون فوق رءوسهم، وهم في النار، طبقات تظللهم من النيران والمعذبين فيها، ومن تحتهم كذلك طبقات، ذلك العذاب يخوف به الله عباده، يا عباد فخافوني ولا تتعرضوا لما يوجب غضبي.
﴿ الطاغوت ﴾ الشيطان وكل ما عبد من دون الله، مشتق من الطغيان وهو تجاوز الحد. ﴿ وأنابوا ﴾ ورجعوا وتابوا.
تفسير المعاني :
والذين باعدوا عبادة الشيطان وتابوا إلى الله لهم البشرى بالثواب على ألسنة رسله وملائكته.
﴿ أولوا الألباب ﴾ أصحاب العقول. جمع لب وهو العقل.
تفسير المعاني :
فبشر عبادي الذين يصغون إلى كل قول فيأخدون بأحسن ما فيه، لا يجمدون على ما هم عليه، ولا يتشبثون بما ورثوه وإن كان باطلا، أولئك الذين هداهم الله لطريقه القويم، وأولئك هم أصحاب العقول.
﴿ حق ﴾ أي ثبت ووجب. يقال حق الأمر يحق، ويحق حقا أي ثبت ووجب.
تفسير المعاني :
﴿ أفمن حق عليه كلمة العذاب ﴾ هذه جملة شرطية معطوفة على محذوف تقديره : أأنت مالك أمرهم، فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه ؟
﴿ غرف ﴾ جمع غرفة وهي الحجرة. ﴿ وعد الله ﴾ مصدر مؤكد، أي وعدهم بذلك وعدا. ﴿ الميعاد ﴾ أي الوعد.
تفسير المعاني :
لكن الذين اتقوا ربهم لهم في الآخرة غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، وعد الله بذلك وعدا صادقا إن الله لا يخلف الميعاد.
﴿ فسلكه ﴾ أي فأدخله. ﴿ ينابيع ﴾ أي عيونا ومجاري. ﴿ ثم يهيج ﴾ أي ثم يتم جفافه لأنه إذا تم جفافه حان أن يثور عن منبته. ﴿ حطاما ﴾ أي فتاتا. يقال حطمه يحطمه وحطمه أي فتته. ﴿ لذكرى ﴾ أي لتذكيرا.
تفسير المعاني :
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأدخله على حالة ينابيع ومجاري في الأرض فيخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يتم جفافه فيصفر ثم يصير فتاتا ؟ إن في ذلك موعظة لأصحاب العقول ؛ إذ يرون في ذلك شبها بالحياة الدنيا فلا يغترون بها.
﴿ شرح ﴾ أي وسع.
تفسير المعاني :
أفمن وسع الله صدره لقبول الإسلام فهو على نور من معرفة ربه " هنا الخبر محذوف تقديره : كالقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في ضلال مبين، وهو مأخوذ من نص الآية التالية ".
﴿ كتابا متشابها ﴾ أي أن أبعاضه متشابهة في الإعجاز. ﴿ مثاني ﴾ جمع مثنى، أي أن فيه المعاني مثنى مثنى، كالأوامر والنواهي، والترغيب والترهيب، إلخ.
تفسير المعاني :
الله أنزل أحسن الحديث، وهو القرآن، كتابا تتشابه آياته في الإعجاز، معانيه مثنى تقشعر لسماعه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك الكتاب هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلله الله فلا هادي له من بعده.
﴿ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ﴾ الخبر في هذه الآية محذوف تقديره : كمن هو آمن منه ؟ حأحسن
تفسير المعاني :
أفمن يتقي بوجهه عذاب السوء في الآخرة، لأن يده تكون مغلولة إلى عنقه، كمن هو آمن منه، وقيل لهم : ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون.
كذب الذين سبقوهم فأتاهم العذاب من الجهة التي لا يخطر ببالهم أن العذاب يأتيهم منها.
﴿ الخزي ﴾ العار، فعله خزى يخزى.
تفسير المعاني :
فأذاقهم الله الذل في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.
ولقد مثلنا للناس في هذا القرآن بكل مثل لعلهم يتعظون.
قرآنا أنزلناه بلسان عربي لا اختلال فيه لعلهم يخافون الله فيرعووا.
﴿ متشاكسون ﴾ أي مختلفون، فإن التشاكس والتشاخس الاختلاف والتنازع. ﴿ ورجلا سلما لرجل ﴾ أي خالصا له لا ينازعه أحد فيه.
تفسير المعاني :
ضرب الله مثلا، لبيان حال الموحد والمشرك، عبدا يملكه شركاء متنازعون، وعبدا آخر يملكه رجل واحد فهو خالص له، فهل يستوي هذان العبدان في هدوء البال، وفي الطمأنينة على المآل ؟ الحمد لله على قيام الحجة على المشركين بل أكثرهم لا يعلمون.
إنك ميت يا محمد وهم ميتون.
﴿ تختصمون ﴾ أي تتجادلون.
تفسير المعاني :
ثم إنكم عند ربكم تتجادلون، فتستحتجّ عليهم ببذل الجهد لهم في التبليغ وسيعتذرون بأن سادتهم أجبروهم على الكفر وحملوهم عليه بالإغراء والتسويل.
﴿ مثوى ﴾ أي مكان إقامة. يقال ثوي بالمكان يثوى ثواء أي أقام فيه.
تفسير المعاني :
فمن أظلم من رجل كذب على الله وكذب بالحق إذ جاءه، أليس في جهنم منزل للكافرين ؟
والذي جاء بالحق وصدق به أولئك هم المتقون.
لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين.
ليكفر الله عنهم أي ليمحو عنهم أسوأ الذي عملوه في دنياهم، ويجزيهم أجرهم على أحسن الأعمال التي كانوا يأتونها.
﴿ أليس الله بكاف عبده ﴾ استفهام إنكاري للنفي مبالغة في الإثبات، والمراد بالعبد هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تفسير المعاني :
أليس الله كافيا عبده محمدا وحافظا إياه من كل سوء ؟ ويخوفونك بالذين من دونه، ومن يضلل الله فما له من هاد يهديه بعده. " نزلت هذه الآية حين قالت قريش لرسول الله : إنك لتعيب آلهتنا وإنا نخاف أن تخبلك. فطمأنه الله بأنه كافيه من كل شر وحافظه من كل سوء ".
ومن يهد الله فلا يستطيع أحد أن يضله، أليس الله بعزيز ؟ أي غالب منيع، ذي انتقام، أي ينتقم من أعدائه.
﴿ حسبي الله ﴾ أي كفاني الله.
تفسير المعاني :
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ؟ ليقولن الله ؛ لأن بداهة العقل تقضي به، قل : أفرأيتم بعد ما تبين لكم أن الله هو المتفرد بالخلق من السلطان، إن أراد أن يصيبني بضر، هل تستطيع آلهتكم أن تحميني منه ؟ وإن أراد أن ينفحني برحمته، هل يستطعن إمساك رحمته عني ؟ قل : كفاني الله في جلب الخير ودفع الشر، عليه يتوكل المتوكلون.
﴿ على مكانتكم ﴾ أي على حالكم، أو على ما أنتم عليه من المكانة الدنيوية السامية في الثروة والجاه وكثرة الجنود.
تفسير المعاني :
قل : يا قوم اعملوا على غاية تمكنكم وبكل قواكم، إني عامل على قدر استطاعتي، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب خالد.
وقد حقق الله وعده فنصر رسوله وأذلهم. وثل عرشهم، وأورثه أرضهم دونهم.
إنا أنزلنا عليك الكتاب يا محمد ملتبسا بالحق، فمن اهتدى فنفع ذلك عائد لنفسه، ومن ضل فإنما ضرر ضلاله عائد إليه وما أنت بموكول إليك أمرهم، فإنما أرسلناك لتنذرهم وترشدهم لا أن تضمن إيمانهم وهديتهم.
﴿ الله يتوفى الأنفس ﴾ أي يقبضها. ﴿ إن في ذلك ﴾ أي في التوفي والإمساك والإرسال.
تفسير المعاني :
الله يقبض الأرواح حين موت أجسادها وحين نومها، فأما التي قضى عليها الموت فيمسكها عنده ولا يردها لجسدها، وأما التي لم يقضه عليها فيرسلها لتتقمص جسدها إلى موعد مقرر لا تتأخر عنه ولا تتقدم، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
أم اتخذوا لهم من دون الله وسطاء يشفعون لهم عند الله ؟
فقل : الشفاعة كلها لله لا يستطيع أن يجرؤ عليها أحد إلا بإذنه، له ملك السماوات والأرض لا يستطيع أحد أن يتدخل في أعماله دون أمره ثم إليه يرجعون.
﴿ اشمأزت ﴾ أي انقبضت ونفرت. وأصل الاشمئزاز أن يمتلئ الإنسان غما حتى ينقبض. ﴿ يستبشرون ﴾ الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه.
تفسير المعاني :
وإذا ذكر الله وحده انقبضت صدورهم، ونفرت قلوبهم، وإذا ذكر الذين من دونه، يعني الأوثان، إذا هم يستبشرون لفرط افتتانهم بها.
﴿ فاطر ﴾ أي خالق. يقال فطر الله الخلق يفطره فطرا أي خلقه. والفطرة الخلقة. ﴿ الغيب والشهادة ﴾ أي ما غاب عن الحس وما ظهر له.
تفسير المعاني :
قل : الله خالق السماوات والأرض، عالم ما ظهر وما بطن من أمور العالم، أنت تحكم بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في ذلك اليوم.
﴿ لافتدوا ﴾ أي لفدوا أنفسهم.
تفسير المعاني :
لو ملك الذين ظلموا أنفسهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لهان عليهم أن يبذلوه لفداء أنفسهم به من شدة العذاب، وظهر لهم من الله ما لم يكن يخطر على بالهم من وبال ما كانوا يقترفون.
﴿ وحاق بهم ﴾ أي وأحاط بهم.
تفسير المعاني :
وبدت لهم قبائح ما اجترموه من شنيع الأعمال، وأحاط بهم جزاء ما كانوا يستهزئون به من أمور الدين وواجبات الطاعة.
﴿ خولناه ﴾ أي أعطيناه.
تفسير المعاني :
فإذا مس الإنسان ضر دعا من كان بالأمس يشمئز من ذكره موصوفا بصفته الخاصة من التفرد بالوجود، وهو الله سبحانه وتعالى، ثم إذا منحه نعمة من عنده شمخ بأنفه، وترفع على الناس بكبريائه، وزعم أنه أوتي تلك النعمة بعلم خاص عنده بوجوه كسبها، أو ادعى أنه أعطيها لاستحقاقه إياها، وغفل عن أنها امتحان من الله له ليرى أيشكر أم يكفر، ولمن أكثرهم لا يعلمون.
قد قالها، أي قال هذه الكلمة، وهي " إنما أوتيته على علم " الذين من قبلهم من أمثال قارون، فما أفادهم في حمايتهم من بطش الله ما كانوا يكسبونه من متاع الدنيا.
بل أصابهم جزاء السيئات التي اجترحوها، والذين ظلموا من هؤلاء المشركين الحاليين سيصيبهم جزاء سيئاتهم، وما هم بفائتين لله بل هم في قبضته لا يستطيعون أن يفلتوا.
﴿ يبسط الرزق ﴾ أي يوسعه. ﴿ ويقدر ﴾ أي ويضيق عليه. يقال قدر الله عليه رزقه يقدره، أي قتره عليه وضيقه.
تفسير المعاني :
أو لم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء من عباده ويضيقه على من يشاء أخذا منه لكل نفس بالحال التي تصح لها من العسر واليسر ؟ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون بحكمة الله.
﴿ لا تقنطوا ﴾ أي لا تيأسوا. يقال قنط يقنط قنوطا أي يئس.
تفسير الألفاظ :
﴿ أسرفوا على أنفسهم ﴾ أي أفرطوا بالجناية عليها بالإكثار من المعاصي.
تفسير المعاني :
قل يا عبادي الذين أكثروا من ارتكاب المعاصي لا تيئسوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء، إنه هو الغفور الرحيم.
﴿ وأنيبوا ﴾ أي وارجعوا. يقال أناب إلى الله، أي رجع إليه بالتوبة.
تفسير المعاني :
وارجعوا إلى ربكم واستسلموا له من قبل أن يحل بكم عذابه ثم لا تنصرون.
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم، كالعزائم دون الرخص، من قبل أن يجيئكم العذاب فجأة وأنتم لا تشعرون.
﴿ أن تقول نفس ﴾ أي كراهة أن تقول نفس. ﴿ في جنب الله ﴾ أي في جانبه بمعنى في حقه. ﴿ وإن كنت ﴾ إن هنا مخففة من إنى.
تفسير المعاني :
كراهة أن تقول نفس : يا حسرتي على ما أضعت في حق الله وأنا مستهزئ بما جاء به الرسول، " نزلت هذه الآيات في أهل مكة، قالوا : يزعم محمد أن من عبد الوثن وقتل النفس لا يغفر له، فكيف ولم نهاجر وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس، فنزلت الآية تبشرهم بأن الله يغفر الذنوب جميعا إن تابوا وخلصت نيتهم ".
وكراهة أن تقول نفس : لو أن الله أرشدني إلى ما يريده لي لكنت من المتقين.
﴿ كرة ﴾ أي رجعة. يقال كر الفارس يكر كرا، أي رجع بعد الفر، كما هو الشأن في الحرب من كر وفر.
تفسير المعاني :
كراهة أن تقول حين ترى العذاب حالا بها : ليت لي رجعة إلى الدنيا لأكون من المحسنين.
﴿ بلى ﴾ حرف جواب تأتى ردا على نفي أو جوابا لسؤال منفي. وقوله تعالى ﴿ لو أن الله هداني ﴾، فيه معنى النفي ولذلك جيء بلفظ بلى ردا عليه.
تفسير المعاني :
بلى قد جاءتك آياتي تبطل منك كل اعتذار وتعلل، فكذبت بها واستكبرت عليها، وكنت من الكافرين بها.
﴿ مثوى ﴾ أي محل إقامة. يقال ثوى بالمكان يثوى ثويا أي أقام به.
تفسير المعاني :
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة، أليس في جهنم مكان للمتكبرين ؟
﴿ بمفازتهم ﴾ أي بفوزهم، وهو على وزن مفعلة من الفوز مثل مندمة من الندم.
تفسير المعاني :
وننجي الذين اتقوا ربهم بفوزهم بجزاء طاعتهم لا يصيبهم السوء ولا هم يحزنون.
الله خالق كل كائن في السماوات والأرض، وهو على كل شيء وكيل يتولى التصرف فيه وتدبيره.
﴿ مقاليد ﴾ أي مفاتيح وهو جمع مقليد أو مقلاد، وقيل جمع إقليد على الشذوذ وهو المفتاح.
تفسير المعاني :
بيده مفاتيح خير السماوات والأرض، والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون.
قل : أفغير الله تأمروني أن أعبد أيها الجاهلون ؟
﴿ ليحبطن ﴾ أي ليبطلن. يقال حبط عمله يحبط حبوطا بطل.
تفسير المعاني :
ولقد أوحينا إليك وإلى كل من الرسل الذين تقدموك. لئن أشركت بالله بعد الذي جاءك من العلم لتكونن من الخاسرين. نقول : إن الرسل أنفسهم مأمورون أن يكونوا أول المؤمنين بأنهم رسل الله، وأن يكونوا في مقدمة العاملين بما يوحى إليهم.
بل فاعبد الله وحده وكن شاكرا لأنعمه.
﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾ أي وما قدروه حق تقديره، أي ما قدروا عظمته حق تعظيمها إذ جعلوا له شركاء. ﴿ والأرض جميعا قبضته ﴾ أي والأرض جميعا مقبوض عليها في يده. وأصل القبضة المرة من القبض، أطلقت بمعنى الشيء المقبوض باليد.
تفسير المعاني :
وما قدر هؤلاء المشركون الله تعالى حق تقديره، إذ تخيلوا له شركاء، والأرض ومن عليها مقبوضة في يده، والسماوات على أبعادها غير المتناهية مطويات في يمينه، فتنزيها له عما يشركون.
﴿ ونفخ في الصور ﴾ الصور بمعنى البوق. قيل إن إسرافيل ينفخ في بوق يوم القيامة فيموت كل حي، ثم ينفخ فيه أخرى فيقومون للبعث. وعندنا أن نفخه بالبوق كناية عن إيذائه بمجيء يوم القيامة ثم عن إيذانه بالبعث. ﴿ فصعق ﴾ أي خر ميتا أو مغشيا عليه، وأصله الموت بالصاعقة، يقال صعقته الصاعقة تصعقه أي نزلت عليه فأهلكته.
تفسير المعاني :
ونفخ في الصور يوم القيامة، فهلك من في السماوات والأرض من الأحياء، إلا من شاء الله. " قيل جبريل وميكائيل وإسرافيل، فإنهم يموتون بعد، وقيل حملة العرش " ثم نفخ فيه نفخة أخرى، فإذا هم أحياء ينظرون أي ينتظرون.
وأشرقت الأرض بنور ربها أي بعدل ربها، ووضع كتاب الحساب، وجيء بالنبيين والشهداء الذين يشهدون للأمم وعليها من الملائكة والناس.
ووفيت كل نفس عملها، وسيق الذين كفروا إلى النار، حتى إذا جاءوها سألهم خزنتها تقريعا لهم : ألم يأتكم رسل منكم ينذرونكم هذا اليوم ؟ قالوا : نعم، ولكن وجبت كلمة العذاب على الكافرين، فلم يكن لنا محيص من قضاء الله وقدره. وقالت لهم ملائكة العذاب : ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس منزل المتكبرين الذين ترفعوا عن اتباع المرسلين.
﴿ زمرا ﴾ أي جماعات، جمع زمرة. ﴿ خزنتها ﴾ جمع خازن. ﴿ حقت ﴾ أي ثبتت ووجبت، يقال حق الأمر يحق ويحق حقا، أي ثبت ووجب.
تفسير المعاني :
وسيق الذين خافوا ربهم وأطاعوه، وترسموا خطوات رسلهم، ووقفوا عند حدود أوامرهم ونواهيهم إلى الجنة جماعات جماعات، حتى إذا وصلوا إليها، وفتحت لهم أبوابها، وقال لهم القائمون على أمرها من خزنتها : سلام عليكم أي سمة عليكم من الله اطمئنوا فلن يصيبكم بعد اليوم ما تكرهون، فقد طهرتم من دنس المادة والماديات وما تقتضيه من العلاقات، فادخلوها خالدين لا يهددكم بلاء ولا يعتريكم بعدها فناء.
﴿ مثوى ﴾ أي محل إقامة. يقال ثوى بالمكان يثوى به ثواء، أي أقام به.
تفسير المعاني :
وسيق الذين خافوا ربهم وأطاعوه، وترسموا خطوات رسلهم، ووقفوا عند حدود أوامرهم ونواهيهم إلى الجنة جماعات جماعات، حتى إذا وصلوا إليها، وفتحت لهم أبوابها، وقال لهم القائمون على أمرها من خزنتها : سلام عليكم أي سمة عليكم من الله اطمئنوا فلن يصيبكم بعد اليوم ما تكرهون، فقد طهرتم من دنس المادة والماديات وما تقتضيه من العلاقات، فادخلوها خالدين لا يهددكم بلاء ولا يعتريكم بعدها فناء.
﴿ طبتم ﴾ أي طهرتم من دنس المعاصي. يقال طاب يطيب طيبا أي صار طيبا أي نقيا طاهرا.
تفسير المعاني :
وسيق الذين خافوا ربهم وأطاعوه، وترسموا خطوات رسلهم، ووقفوا عند حدود أوامرهم ونواهيهم إلى الجنة جماعات جماعات، حتى إذا وصلوا إليها، وفتحت لهم أبوابها، وقال لهم القائمون على أمرها من خزنتها : سلام عليكم أي سمة عليكم من الله اطمئنوا فلن يصيبكم بعد اليوم ما تكرهون، فقد طهرتم من دنس المادة والماديات وما تقتضيه من العلاقات، فادخلوها خالدين لا يهددكم بلاء ولا يعتريكم بعدها فناء.
﴿ صدقنا وعده ﴾ أي جعل وعده لنا صادقا. يقال أخبرني فصدقني، أي قال لي صدقا. أما صدقني فمعناه سلم بقولي. وهذا مثل أخبرني فكذبني أي لم يقل لي الواقع، أما كذبني فمعناه لم يسلم بقولي. ﴿ نتبوأ ﴾ أي نسكن. يقال بوأته دارا، أي أسكنته إياها.
تفسير المعاني :
وقال أهل الجنة : الحمد لله الذي حقق لنا وعده الذي وعدنا به على ألسنة رسله وأورثنا الأرض، أي المكان الذي استقروا فيه على الاستعارة، ننزل من مكانات الجنة حيث نشاء فنعم جزاء العاملين بما أوجبه علينا وأنزله إلينا.
﴿ حافين ﴾ أي محيطين.
تفسير المعاني :
وترى الملائكة محدقين بالعرش " من هنا مزيدة " ينزهون الله عن النقص، ويقدسونه حامدين إياه على أن جعلهم مستغرقين في صفات الحق، وقضى الله بين الخلق فأدخل بعضهم النار وبعضهم الجنة. وقيل، أي وقال المؤمنون : الحمد لله رب العالمين على قضائه العدل وحكمه الفصل.