تفسير سورة يوسف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة يوسف
مكية. وهي مائة وإحدى عشرة آية. وكأنها تتميم لما ذكر قبلها من قصص الأنبياء، فهي من جملة ما يثبت به الفؤاد، ويقع به التسلية مما يواجه به العبد من الأنكاد. وإنما أفردت بالسورة، لمزيد شرح وطول.

بسم الله الرحمان الرحيم :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ * ﴿ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ * ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله : أيها الرسول المجتبى، والمحبوب المنتقى ﴿ تلك ﴾ الآيات التي تُتلى عليك هي ﴿ آيات الكتاب ﴾ المنزل عليك من حضرة قدسنا، ﴿ المبين ﴾ أي : الظاهر صدقه، الشهير شأنه. أو الظاهر أمره في الإعجاز والبلاغة، الواضح معانيه في الفصاحة، والبراعة. أو المبين للأحكام الظاهرة والباطنة. أو البَينُ لمن تدبره أنه من عند الله. أو المبين لمن سأل تَعنُّتاً من أحبار اليهود سؤالهم ؛ إذ رُوي أنهم قالوا لكبراء المشركين : سلوا محمداً : لِمَ انتقلَ يعقوب من الشام ؟ وعن قصة يوسف. فنزلت السورة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما نزل القرآن بلسان عربي مبين إلا لنعقل عظمة ربنا ونعرفه، وذلك لا يكون إلا بعد استعمال العقول الصافية، والأفكار المنورة، في الغوص على درر معانيه. فحينئذٍ تطلع على أنوار التوحيد وأسرار التفريد، وعلى أنوار الصفات، وأسرار الذات، وعلى توحيد الأفعال وتوحيد الصفات، وتوحيد الذات. وقال تعالى :
﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ]، لكن لا يحيط بهذا إلا أهل التجريد، الذين صفت عقولهم من الأكدار، وتطهرت من الأغيار، وملئت بالمعارف والأسرار. قال تعالى :﴿ لِّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ ص : ٢٩ ]. وهم : أهل العقول الصافية المتفرغة من شواغل الحس. والله تعالى أعلم.

قلت :( قرآناً ) : حال، و( عربياً ) : نعت له، و( لعلكم ) : يتعلق بأنزلناه أو بعربياً.
﴿ إنا أنزلناه ﴾ أي : الكتاب، ﴿ قرآناً ﴾ أي : مقروءاً، أو مجموعاً، ﴿ عربياً ﴾ بلغة العرب، ﴿ لعلكم تعقلون ﴾ أي : أنزلناه بلغتكم كي تفهموه وتستعملوا عقولكم في معانيه ؛ فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص، ولم يخالط من يعلم ذلك، معجز ؛ إذ لا يتصور إلا بالإيحاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما نزل القرآن بلسان عربي مبين إلا لنعقل عظمة ربنا ونعرفه، وذلك لا يكون إلا بعد استعمال العقول الصافية، والأفكار المنورة، في الغوص على درر معانيه. فحينئذٍ تطلع على أنوار التوحيد وأسرار التفريد، وعلى أنوار الصفات، وأسرار الذات، وعلى توحيد الأفعال وتوحيد الصفات، وتوحيد الذات. وقال تعالى :
﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ]، لكن لا يحيط بهذا إلا أهل التجريد، الذين صفت عقولهم من الأكدار، وتطهرت من الأغيار، وملئت بالمعارف والأسرار. قال تعالى :﴿ لِّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ ص : ٢٩ ]. وهم : أهل العقول الصافية المتفرغة من شواغل الحس. والله تعالى أعلم.

و( أحسن ) : مفعول ( نَقُصُّ )، و( بما أوحينا ) : مصدرية، ويجوز أن يكون ( هذا القرآن ) : مفعول ( نَقُصُّ )، و( أحسن القصص ) : مصدر.
﴿ نحن نقصُّ عليك أحسن القَصَص ﴾ ؛ أحسن الاقتصاص ؛ لأنه اقتص على أبدع الأساليب، أو أحسن ما يُقص ؛ لاشتماله على العجائب والحِكَمٍ والآيات والعِبَر، ﴿ بما أوحينا إليك هذا القرآن ﴾ مشتملاً على هذه السورة التي فيها قصة يوسف، التي هي من أبدع القصص، ﴿ وإن كنتَ من قبله لَمِنَ الغافلين ﴾ عن هذه القصة، لم تخطر ببالك، ولم تقرع سمعك. قال البيضاوي : وهو تعليل لكونه موحى، و " إنْ " هذه : مخففة واللام هي الفارقة. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما نزل القرآن بلسان عربي مبين إلا لنعقل عظمة ربنا ونعرفه، وذلك لا يكون إلا بعد استعمال العقول الصافية، والأفكار المنورة، في الغوص على درر معانيه. فحينئذٍ تطلع على أنوار التوحيد وأسرار التفريد، وعلى أنوار الصفات، وأسرار الذات، وعلى توحيد الأفعال وتوحيد الصفات، وتوحيد الذات. وقال تعالى :
﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ]، لكن لا يحيط بهذا إلا أهل التجريد، الذين صفت عقولهم من الأكدار، وتطهرت من الأغيار، وملئت بالمعارف والأسرار. قال تعالى :﴿ لِّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ ص : ٢٩ ]. وهم : أهل العقول الصافية المتفرغة من شواغل الحس. والله تعالى أعلم.

ثم شرع في ذكر القصة، فقال :
﴿ إذ قال يوسف لأبيه يا أبي إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين( ٤ ) قال يا بني لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين( ٥ ) وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم( ٦ ) ﴾.
قلت :( إذ قال ) : معمول لا ذكرّ، أو بدل من ( أحسن القصص ) ؛ إن جعل مفعولا، بدل اشتمال، و( يا أبت ) : أصله : يا أبي، عوض من الياء تاء التأنيث ؛ لتناسبهما في الزيادة، ولذلك قلبت في الوقف هاء، في قراءة ابن كثير وأبي عمر ويعقوب. وإنما أعاد العامل في " رأيتهم " ؛ لطول الكلام، وجمع الشمس والقمر والكواكب جمع العقلاء ؛ لوصفهم بصفاتهم.
يقول الحق جل جلاله :﴿ إذ قال يوسف لأبيه ﴾ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم :﴿ يا أبت إني رأيت ﴾ في النوم ﴿ أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ﴾. وقد ذكر البيضاوي حديثا في تفسير هذه الكواكب فانظره. قيل : إن يوسف عليه السلام كان نائما في حجر أبيه، فنظر فيه، وقال في نفسه : أترى هذا الوجه أحسن أم الشمس أم القمر ؟ فإذا بيوسف قد انتبه من نومه، وقال :﴿ يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا. . . ﴾ إلخ، فلما قص الرؤيا على أبيه بكى، فقال يوسف : لم تبكي يا أبتي ؟ قال : يا بني لم يسجد مخلوق لمخلوق إلى عند المحنة، والبلاء، ألا ترى الملائكة لما أسجدهم الله لآدم، كيف ابتلي بالخروج من الجنة ؟ ثم قال له : يا بني، الشمس والقمر أنا وخالتك-وكانت أمه قد ماتت- والإحدى عشر كوكبا إخوتك. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : البداية مجلاة النهاية، يوسف عليه السلام نزلت له أعلام النهاية في أول البداية. وكذلك كل من سبق له شيء من العناية، لا بد تظهر أعلامه في أول البداية ؛ " من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ". من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
وأوصاف النهاية تأتي على ضد أوصاف البداية ؛ فكمال العز في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الذل في البداية. وتأمل قول الشاعر :
تَذَلَّلَ لِمَنْ تَهوَى لِتَكسِبَ عِزَّةً فَكَم عِزَّةٍ قَدْ نَالَها المرْء بِالذُّلِّ
وتأمل قضية سيدنا يوسف عليه السلام ؛ ما نال العز والملك حتى تحقق بالذل، والملك وكمال الغنى في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الفقر في البداية، وكمال العلم لا يأتي إلا بعد إظهار كمال الجهل، وكمال القوة لا يأتي إلا بعد كمال الضعف.. وهكذا جعل الله تعالى بحكمته الأشياء كامنة في أضدادها ؛ " تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه ". فالاجتباء يكون بعد الابتلاء، وإتمام النعم يكون بعد تقديم النقم، وذلك لتكون أحلى وأشهى، فيعرف قدرها ويتحقق منه شكرها، وهذا السر في تقديم أهوال يوم القيامة على دخول الجنة ؛ ليقع نعيمها في النفس كل موقع. ولا فرق بين جنة الزخارف، وجنة المعارف. ( حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات ). والله تعالى أعلم.

﴿ قال يا بني ﴾، وهو تصغير ابن صغر للشفقة أو لصغر السن، وكان ابن ثنتي عشرة سنة، ﴿ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ﴾ ؛ فيحتالوا لإهلاكك حيلة. فهِم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن الله يصطفيه لرسالته، ويفوقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم. ومن خاف من شيء سلط عليه.
والرؤيا تختص بالنوم، والرؤية، بالتاء بالبصر. قال البيضاوي : وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، والمصادفة منها إنما يكون باتصال النفس بالملكوت ؛ لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ. انظر تمامه فيه. وأخرج الحاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط، عن ابن عمر قال : لقي عمر عليا- رضي الله عنهما- فقال : يا أبا الحسن، الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق، ومنها ما يكذب، قال : نعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلي نوما إلا عرج بروحه إلى السماء. فالتي لا تستيقظ إلا عند العرش فتلك الرؤيا التي تصدق، والتي تستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذب " ١. ه. فمنها ما تكون واضحة المعنى لا تحتاج إلى تعبير، ومنها ما تكون خفية تحتاج إلى تعبير. والمعبر يحتاج إلى علم وفراسة وزيادة إلهام، فعلم التعبير علم مستقل، وقد أعطى الله منه ليوسف عليه السلام حظا وافرا.
ولما قال يعقوب لابنه :﴿ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً ﴾ قال : يا أبت، الأنبياء لا يكيدون، قال له :﴿ إن الشيطان للإنسان عدو مبين ﴾ ؛ ظاهر العداوة ؛ لأجل ما فعل بآدم وحواء، فلا يألوا جهداً في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم، حتى يحملهم على الكيد. قيل : لم يسمع كلام يوسف في رؤياه إلا خالته أم شمعون فقالت لإخوته : التعب عليكم، والإقبال على يوسف. فحركهم ذلك حتى فعلوا ما فعلوا. وقيل : أخبرت بذلك ولدها شمعون، فأخبر شمعون إخوته، فخلوا به وقالوا له : إنك لم تكذب قط. فأخبرنا بما رأيت في نومك، فأبى، فأقسموا عليه، فأخبرهم. فوقعوا فيما فعلوا به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : البداية مجلاة النهاية، يوسف عليه السلام نزلت له أعلام النهاية في أول البداية. وكذلك كل من سبق له شيء من العناية، لا بد تظهر أعلامه في أول البداية ؛ " من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ". من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
وأوصاف النهاية تأتي على ضد أوصاف البداية ؛ فكمال العز في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الذل في البداية. وتأمل قول الشاعر :
تَذَلَّلَ لِمَنْ تَهوَى لِتَكسِبَ عِزَّةً فَكَم عِزَّةٍ قَدْ نَالَها المرْء بِالذُّلِّ
وتأمل قضية سيدنا يوسف عليه السلام ؛ ما نال العز والملك حتى تحقق بالذل، والملك وكمال الغنى في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الفقر في البداية، وكمال العلم لا يأتي إلا بعد إظهار كمال الجهل، وكمال القوة لا يأتي إلا بعد كمال الضعف.. وهكذا جعل الله تعالى بحكمته الأشياء كامنة في أضدادها ؛ " تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه ". فالاجتباء يكون بعد الابتلاء، وإتمام النعم يكون بعد تقديم النقم، وذلك لتكون أحلى وأشهى، فيعرف قدرها ويتحقق منه شكرها، وهذا السر في تقديم أهوال يوم القيامة على دخول الجنة ؛ ليقع نعيمها في النفس كل موقع. ولا فرق بين جنة الزخارف، وجنة المعارف. ( حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات ). والله تعالى أعلم.


١ أخرجه الحاكم في المستدرك ٤/٣٩٦، ٣٩٧..
ثم قال له :﴿ وكذلك ﴾ أي : وكما اجتَباك لهذه الرؤية الدالة على شرف وعز وكمال نفس، ﴿ يجتبيك ربُّك ﴾ للنبوة والملك، أو لأمور عظام، ﴿ ويُعلِّمك ﴾ أي : وهو يعلمك ﴿ من تأويل الأحاديث ﴾ ؛ من تعبير الرؤيا ؛ لأنها أحاديث المَلك إن كانت صادقة، وأحاديث الشيطان إن كانت كاذبة. أو يعلمك من تأويل غوامض علوم كتب الله، وسنن الأنبياء وحكم الحكماء. ﴿ ويُتمُّ نعمتَه عليك ﴾ بالنبوة، أو بأن يجمع لك بين نعمة الدنيا، ونعمة الآخرة، ﴿ وعلى آل يعقوب ﴾ يريد : سائر بنيه. ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب، ﴿ كما أتمها على أبويك من قبلُ ﴾ ؛ من قبلك، أو من قبل هذا الوقت. فأتمها على إبراهيم بالرسالة والخلة والإنجاء من النار، وإسحاق بالرسالة والإنقاذ من الذبح، وهم :﴿ إبراهيمَ وإسحاقَ ﴾، فهما عطف بيان لأبويك ﴿ إن ربك عليمٌ ﴾ بمن يستحق الاجتباء، ﴿ حكيم ﴾ لا يخلو فعله من حكمة، نعمة كانت أو نقمة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : البداية مجلاة النهاية، يوسف عليه السلام نزلت له أعلام النهاية في أول البداية. وكذلك كل من سبق له شيء من العناية، لا بد تظهر أعلامه في أول البداية ؛ " من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ". من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
وأوصاف النهاية تأتي على ضد أوصاف البداية ؛ فكمال العز في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الذل في البداية. وتأمل قول الشاعر :
تَذَلَّلَ لِمَنْ تَهوَى لِتَكسِبَ عِزَّةً فَكَم عِزَّةٍ قَدْ نَالَها المرْء بِالذُّلِّ
وتأمل قضية سيدنا يوسف عليه السلام ؛ ما نال العز والملك حتى تحقق بالذل، والملك وكمال الغنى في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الفقر في البداية، وكمال العلم لا يأتي إلا بعد إظهار كمال الجهل، وكمال القوة لا يأتي إلا بعد كمال الضعف.. وهكذا جعل الله تعالى بحكمته الأشياء كامنة في أضدادها ؛ " تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه ". فالاجتباء يكون بعد الابتلاء، وإتمام النعم يكون بعد تقديم النقم، وذلك لتكون أحلى وأشهى، فيعرف قدرها ويتحقق منه شكرها، وهذا السر في تقديم أهوال يوم القيامة على دخول الجنة ؛ ليقع نعيمها في النفس كل موقع. ولا فرق بين جنة الزخارف، وجنة المعارف. ( حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات ). والله تعالى أعلم.

ثم قال تعالى :
﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾ * ﴿ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾
قلت :( يوسف ) : عجمي، وفي سينه ثلاث لغات : الضم وهو الأشهر والفتح، والكسر.
يقول الحق جل جلاله :﴿ لقد كان في يوسف وإخوته ﴾ أي : في قصصهم ﴿ آيات ﴾ ؛ دلائل قدرة الله وحكمته، وعلامة نبوتك حيث أخبرتَ بها من غير تعلم. ففي ذلك آيات ﴿ للسائلين ﴾ أي : لمن سأل عن قصتهم. والمراد بإخوته : علاته العشرة، والعلات : أبناء أمهات لأب واحد، فكانوا إخوته لأبيه، وهم : يهوذا، ورَوْبيل، وشمعون، ولاوي، وريالون، ويشجر، ودينة من بنت خالته ليّا، تزوجها يعقوب أولاً، فلما توفيت تزوج راحيل، فولدت له بنيامين، ويوسف. وقيل : جمع بينهما، ولم يكن الجمع حينئذٍ محرماً. وأربعة آخرون من سُريتَيْن، وهم : دان، وتفثالى، وجاد، وآشر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان يعقوب عليه السلام لا يفارق يوسف ليلاً ولا نهاراً. وهكذا شأن المحبين. وأنشدوا :
وَلِي كَبِدٌ يَسرِي إِليهِم سَلاَمه بَجَمر تَلَظَّى، والفؤادُ ضِرامُه
وأجفَانُ عَين لا تَمَل من البُكَا وصَبٌّ تَشَكِّى للحبيب غَرَامُه
فأنتُم سُروري، أنتُم غَايةُ المنى وقَلبي إِليكم والغرامُ زِمامُه
فَوَالله ما أَحبَبتُ ما عِشتُ غَيرَكم لأن اشتياقي لا يحل اكتتامه. هـ.
قال الجنيد رضي الله عنه : رأيت غلاماً حسن الوجه يعنف كهلاً حسناً، فقلت : يا غلام، لِمَ تفعل هذا ؟ قال : لأنه يدعي أنه يهواني، ومنذ ثلاث ما رآني، قال : فوقعت مغشياً علي، فلما أفقتُ ما قدرت على النهوض، فقيل لي في ذلك، فقلت : ينبغي للمحب ألا يفارق باب محبوبه على أي حال. وأنشدوا :
لاَزم البابَ إن عَشِقتَ الجَمَالا واهجُر النَّوم إنْ أردت الوِصَالا
واجعل الروحَ منك أَوَّل نَقدٍ لحبيبٍ أَنوارُه تَتَلالا
قلت : فالحبيب غيور ؛ لا يحب أن يرى في قلب حبيبه غيره. فإذا رأى فيه شيئاً أخرجه منه، وفرق بينه وبينه ؛ غيرةً منه واعتناء به، وهو السر في افتراق يوسف من أبيه. والله تعالى أعلم.

﴿ إذ قالوا ليُوسفُ وأخوه ﴾ بنيامين، وخُص بالإضافة ؛ لأنه شقيقه، ﴿ أحبُّ إلى أبينا منا ونحنُ عصبةٌ ﴾ أي : والحال أنا جماعة أقوياء، فنحن أحق بالمحبة ؛ لأنهما لا كفاءة فيهما. والعصبة : العشرة ففوق :﴿ إن أبانا لفي ضلالٍ ﴾ ؛ خطأ ﴿ مبين ﴾ ؛ ظاهر ؛ لتفضيل المفضول. رُوي أنه كان أحب إليه ؛ لما كان يرى فيه من مخايل الخير، وكان إخوته يحسدونه، فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة، بحيث لم يصبر عنه، فتناهى حسدهم حتى حملهم على التعرض لقلته. وهكذا شأن الحسد يبلغ بصاحبه أمراً عظيماً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان يعقوب عليه السلام لا يفارق يوسف ليلاً ولا نهاراً. وهكذا شأن المحبين. وأنشدوا :
وَلِي كَبِدٌ يَسرِي إِليهِم سَلاَمه بَجَمر تَلَظَّى، والفؤادُ ضِرامُه
وأجفَانُ عَين لا تَمَل من البُكَا وصَبٌّ تَشَكِّى للحبيب غَرَامُه
فأنتُم سُروري، أنتُم غَايةُ المنى وقَلبي إِليكم والغرامُ زِمامُه
فَوَالله ما أَحبَبتُ ما عِشتُ غَيرَكم لأن اشتياقي لا يحل اكتتامه. هـ.
قال الجنيد رضي الله عنه : رأيت غلاماً حسن الوجه يعنف كهلاً حسناً، فقلت : يا غلام، لِمَ تفعل هذا ؟ قال : لأنه يدعي أنه يهواني، ومنذ ثلاث ما رآني، قال : فوقعت مغشياً علي، فلما أفقتُ ما قدرت على النهوض، فقيل لي في ذلك، فقلت : ينبغي للمحب ألا يفارق باب محبوبه على أي حال. وأنشدوا :
لاَزم البابَ إن عَشِقتَ الجَمَالا واهجُر النَّوم إنْ أردت الوِصَالا
واجعل الروحَ منك أَوَّل نَقدٍ لحبيبٍ أَنوارُه تَتَلالا
قلت : فالحبيب غيور ؛ لا يحب أن يرى في قلب حبيبه غيره. فإذا رأى فيه شيئاً أخرجه منه، وفرق بينه وبينه ؛ غيرةً منه واعتناء به، وهو السر في افتراق يوسف من أبيه. والله تعالى أعلم.

ثم تعرضوا ليوسف، فقالوا :
﴿ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله : قال إخوة يوسف لما حركهم الحسد ﴿ اقتلوا يوسف ﴾ ؛ قيل : إنما قاله شمعون ودان، ورضي به الآخرون، ﴿ أو اطرَحُوهُ أرضاً ﴾ ؛ أي : في أرض بعيدة يأكله السباع، أو يلتقطه أحد، فإن فعلتم ﴿ يَخلُ لكم وجهُ أبيكم ﴾ أي : يصفْ إليكم وجه أبيكم ؛ فليقبل بكليته عليكم، ولا يلتفت عنكم إلى غيركم، ولا ينازعكم في محبته أحد، ﴿ وتكونوا من بعده ﴾ ؛ من بعد يوسف، أو الفراغ من أمره، أو قتله، أو طرحه، ﴿ قوماً صالحين ﴾ تائبين إلى الله عما جنيتم، مع محبة أبيكم. أو صالحين في أمور دنياكم، فإنها تنتظم لكم بخلو وجه أبيكم لكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن أردت أن يخلو لك وجه قلبك فيخلو لك وجه حبيبك، حتى تشاهده عياناً وتعرفه إيقاناً، فاقتل كل ما يميل إليه قلبك ويعشقه من الهوى، واطرح عن عين بصيرتك رؤية السِّوى، ترى من أنوار وجهه، وأسرار محاسنه، ما تبتهج به القلوب والأسرار، وتتنزه في رياض محاسنه البصائر والأبصار، وأنشدوا :
إِنْ تَلاَشَى الكَون عَنْ عَينِ كَشفِي شَاهَدَ القلبُ غَيبَهُ في بَيَان
فَاطرحِ الكَون عن عِيَانِكَ وامْحُ نُقطَةَ الغَينِ إِن أَرَدتَ تَرَانِي

﴿ قال قائل منهم ﴾ هو يهوذا، وكان أحسنهم فيه رأياً، وقيل : روبيل :﴿ لا تقتلوا يوسف ﴾ ؛ فإن القتل عظيم، ﴿ وألقُوه في غيابة الجُبِّ ﴾ : في قعره، سمي به لغيبته عن أعين الناظرين. ومن قرأ بالجمع، فكان بتلك الجب غيابات، ﴿ يلتقطْه ﴾ : يأخذه ﴿ بعضُ السيارة ﴾ أي : الذين يسيرون في الأرض، ﴿ إن كنتم فاعلين ﴾ ما يفرق بينه وبين أبيه ولا بد، أو كنتم فاعلين بمشورتي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن أردت أن يخلو لك وجه قلبك فيخلو لك وجه حبيبك، حتى تشاهده عياناً وتعرفه إيقاناً، فاقتل كل ما يميل إليه قلبك ويعشقه من الهوى، واطرح عن عين بصيرتك رؤية السِّوى، ترى من أنوار وجهه، وأسرار محاسنه، ما تبتهج به القلوب والأسرار، وتتنزه في رياض محاسنه البصائر والأبصار، وأنشدوا :
إِنْ تَلاَشَى الكَون عَنْ عَينِ كَشفِي شَاهَدَ القلبُ غَيبَهُ في بَيَان
فَاطرحِ الكَون عن عِيَانِكَ وامْحُ نُقطَةَ الغَينِ إِن أَرَدتَ تَرَانِي

ثم احتالوا على أبيهم في إرسال يوسف معهم، كما قال تعالى :
﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ * ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ * ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ ﴾
قلت :( تأمننا ) : اجتمع نونان، فيجوز الإدغام، وبه قرأ أبو جعفر، وقرأ الجماعة بالإشمام.
يقول الحق جل جلاله : قال إخوة يوسف لأبيهم :﴿ يا أبانا مَا لَك لا تأمنّا على يوسف ﴾ أي : لم تخافنا عليه ؟ ﴿ وإنا له لناصحون ﴾ نشفق عليه، ونريد له الخير. أرادوا أن يستنزلوه عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم. قلت : قد نصحوه في الحقيقة حيث تسببوا في ملكه وعزه. رُوي أنهم لما قالوا له :( مالك. . . ) الخ، اهتزت أركانه، واصفر لونه، واصطكت أسنانه، وتحركت جوانبه، كأنه علم بما في قلوبهم بالفراسة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يسمح يعقوب عليه السلام بفراق حبيبه ساعة، وكذلك العبد لا ينبغي أن يغفل عن سيده لحظة ؛ لأن الغفلة فراق، والذكر انجماع، والعبد لا صبر له عن سيده. وأنشدوا :
فلأَبكيَن على الفراق كما بكى سفا لفُرقةِ يوسفٍ يعقوبُ
وَلأَدعُوَنَّكَ في الظلام كما دعا عند البلية رَبّه أيوبُ

وأنشدوا أيضاً في ذم الغفلة :
غَفَلتَ عَنِ الأَيَّامِ يا أَخي فَانتَبِهْ وَشَمِّرْ فإن الموتَ لا شك واقعْ
على أي شيءٍ هو حزنك قائم جنود المنايا تأتيك فانهض وسارعْ
قيل : إن بعض الصالحين رأى أستاذه في المنام، فقال له : يا أستاذ، أي الحسرات عندكم أعظم ؟ قال : حسرة الغافلين، وأنشدوا :
تيقظ إلى التِّذكار فالعمر قد مضى وحتى مَتَى ذا السكرُ من غفلة الهوى
ورأى ذو النون المصري بعض الصالحين في المنام، فقال له : ما فعل الله بك ؟ قال : أوقفني بين يديه، وقال : يا مدعي، ادعيت محبتي ثم غفلت عني. وأنشدوا :
تغافلت عن فهم الحقيقة بالهوى فلا أُذنٌ تُصغِي ولا عينٌ تَذرِفُ
ضعفت ولكن في أمانيك قوةٌ فيا تابعَ اللذاتِ كم تتخلفُ
ورأى عبد الله بن مسلمة والده في النوم، فقال له : يا أبت، كيف ترى حالك ؟ فقال له : يا ولدي عشنا غافلين. وأنشدوا :
غفلتَ وحادِي الموتِ يحدوك للبِلاَ وجسمك يا مغرور أصبح معتلا
وحتى متى يا صاح بابك مغلق أتاك نذير الموت والعمر قد ولّى
قيل : ما أصاب يعقوب ما أصابه في ولده إلا من أجل خوفه عليه، وغفلته عن استيداعه ربه، ولو استودعه ربه لحفظه. لكن لا ينفع حذر من قدر. ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ).

وقوله :( يرتع ويلعب ) : جواب الأمر، فمن قرأ بكسر العين فجزمه بحذف الياء، وهو من رعي الإبل، ومن قرأ بالإسكان فهو من الرتع، وهي الإقامة في الخصب والنعم، والتاء على هذا أصلية. ووزن الفعل : يفعل، ووزنه على الأول يفتعل، قال ابن عطية : فيرتع على قراءة نافع من رعي الإبل، أي : يتدرب في رعي الإبل وحفظ المال. قال أبو علي : وقراءة ابن كثير :( نرتع ) بالنون ( ويلعب ) بالياء، فنزعها حسن ؛ لإسناد النظر في المال والرعاية إليهم، واللعب إلى يوسف لصباه، وقرأ أبو عمر وابن عامر :( نرتع ونلعب ) ؛ بالنون فيهما، وإسكان العين والباء، من الرتوع، وهو الإقامة في الخصب والمرعي في أكل وشرب، وقرأ عاصم والأخَوان :( يرتع ويلعب ) بإسناد ذلك كله إلى يوسف. ه. قلت : وكذا قرأ نافع، غير أنه يكسر العين وهم يسكنون.
ثم قالوا :﴿ أرسِله معنا غداً يرتع ﴾ : يتسع في أكل الفواكه ونحوها. أو يتعلم الرعاية، ﴿ ويلعبُ ﴾ بالاستباق والانتضال، ﴿ وإنا له لحافظون ﴾ أن يناله مكروه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يسمح يعقوب عليه السلام بفراق حبيبه ساعة، وكذلك العبد لا ينبغي أن يغفل عن سيده لحظة ؛ لأن الغفلة فراق، والذكر انجماع، والعبد لا صبر له عن سيده. وأنشدوا :
فلأَبكيَن على الفراق كما بكى سفا لفُرقةِ يوسفٍ يعقوبُ
وَلأَدعُوَنَّكَ في الظلام كما دعا عند البلية رَبّه أيوبُ

وأنشدوا أيضاً في ذم الغفلة :
غَفَلتَ عَنِ الأَيَّامِ يا أَخي فَانتَبِهْ وَشَمِّرْ فإن الموتَ لا شك واقعْ
على أي شيءٍ هو حزنك قائم جنود المنايا تأتيك فانهض وسارعْ
قيل : إن بعض الصالحين رأى أستاذه في المنام، فقال له : يا أستاذ، أي الحسرات عندكم أعظم ؟ قال : حسرة الغافلين، وأنشدوا :
تيقظ إلى التِّذكار فالعمر قد مضى وحتى مَتَى ذا السكرُ من غفلة الهوى
ورأى ذو النون المصري بعض الصالحين في المنام، فقال له : ما فعل الله بك ؟ قال : أوقفني بين يديه، وقال : يا مدعي، ادعيت محبتي ثم غفلت عني. وأنشدوا :
تغافلت عن فهم الحقيقة بالهوى فلا أُذنٌ تُصغِي ولا عينٌ تَذرِفُ
ضعفت ولكن في أمانيك قوةٌ فيا تابعَ اللذاتِ كم تتخلفُ
ورأى عبد الله بن مسلمة والده في النوم، فقال له : يا أبت، كيف ترى حالك ؟ فقال له : يا ولدي عشنا غافلين. وأنشدوا :
غفلتَ وحادِي الموتِ يحدوك للبِلاَ وجسمك يا مغرور أصبح معتلا
وحتى متى يا صاح بابك مغلق أتاك نذير الموت والعمر قد ولّى
قيل : ما أصاب يعقوب ما أصابه في ولده إلا من أجل خوفه عليه، وغفلته عن استيداعه ربه، ولو استودعه ربه لحفظه. لكن لا ينفع حذر من قدر. ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ).

﴿ قال ﴾ يعقوب :﴿ إني ليحزنني أن تذهبوا به ﴾ لشدة مفارقته عليَّ، وقلة صبري عنه، ﴿ وأخافُ أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافِلُون ﴾ : لاشتغالكم بالرتع واللعب، أو لقلة اهتمامكم به، وإنما خاف عليه من الذيب، لأن الأرض كانت مذأبة، وقيل : رأى في المنام أن الذئاب أحدقت بيوسف، فكان يخافه، وإنما كان تأويلها : إحداق إخوته به حين أرادوا قتله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يسمح يعقوب عليه السلام بفراق حبيبه ساعة، وكذلك العبد لا ينبغي أن يغفل عن سيده لحظة ؛ لأن الغفلة فراق، والذكر انجماع، والعبد لا صبر له عن سيده. وأنشدوا :
فلأَبكيَن على الفراق كما بكى سفا لفُرقةِ يوسفٍ يعقوبُ
وَلأَدعُوَنَّكَ في الظلام كما دعا عند البلية رَبّه أيوبُ

وأنشدوا أيضاً في ذم الغفلة :
غَفَلتَ عَنِ الأَيَّامِ يا أَخي فَانتَبِهْ وَشَمِّرْ فإن الموتَ لا شك واقعْ
على أي شيءٍ هو حزنك قائم جنود المنايا تأتيك فانهض وسارعْ
قيل : إن بعض الصالحين رأى أستاذه في المنام، فقال له : يا أستاذ، أي الحسرات عندكم أعظم ؟ قال : حسرة الغافلين، وأنشدوا :
تيقظ إلى التِّذكار فالعمر قد مضى وحتى مَتَى ذا السكرُ من غفلة الهوى
ورأى ذو النون المصري بعض الصالحين في المنام، فقال له : ما فعل الله بك ؟ قال : أوقفني بين يديه، وقال : يا مدعي، ادعيت محبتي ثم غفلت عني. وأنشدوا :
تغافلت عن فهم الحقيقة بالهوى فلا أُذنٌ تُصغِي ولا عينٌ تَذرِفُ
ضعفت ولكن في أمانيك قوةٌ فيا تابعَ اللذاتِ كم تتخلفُ
ورأى عبد الله بن مسلمة والده في النوم، فقال له : يا أبت، كيف ترى حالك ؟ فقال له : يا ولدي عشنا غافلين. وأنشدوا :
غفلتَ وحادِي الموتِ يحدوك للبِلاَ وجسمك يا مغرور أصبح معتلا
وحتى متى يا صاح بابك مغلق أتاك نذير الموت والعمر قد ولّى
قيل : ما أصاب يعقوب ما أصابه في ولده إلا من أجل خوفه عليه، وغفلته عن استيداعه ربه، ولو استودعه ربه لحفظه. لكن لا ينفع حذر من قدر. ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ).

( ونحن عصبة ) : حال، والرابط الواو، والعصبة : الجماعة من العشرة إلى فوق.
﴿ قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة ﴾ : جماعة، ﴿ إنا إذا لخاسرون ﴾ : مغبونون من القوة والحزم، أو مستحقون بأن يدعى عليهم بالخسارة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يسمح يعقوب عليه السلام بفراق حبيبه ساعة، وكذلك العبد لا ينبغي أن يغفل عن سيده لحظة ؛ لأن الغفلة فراق، والذكر انجماع، والعبد لا صبر له عن سيده. وأنشدوا :
فلأَبكيَن على الفراق كما بكى سفا لفُرقةِ يوسفٍ يعقوبُ
وَلأَدعُوَنَّكَ في الظلام كما دعا عند البلية رَبّه أيوبُ

وأنشدوا أيضاً في ذم الغفلة :
غَفَلتَ عَنِ الأَيَّامِ يا أَخي فَانتَبِهْ وَشَمِّرْ فإن الموتَ لا شك واقعْ
على أي شيءٍ هو حزنك قائم جنود المنايا تأتيك فانهض وسارعْ
قيل : إن بعض الصالحين رأى أستاذه في المنام، فقال له : يا أستاذ، أي الحسرات عندكم أعظم ؟ قال : حسرة الغافلين، وأنشدوا :
تيقظ إلى التِّذكار فالعمر قد مضى وحتى مَتَى ذا السكرُ من غفلة الهوى
ورأى ذو النون المصري بعض الصالحين في المنام، فقال له : ما فعل الله بك ؟ قال : أوقفني بين يديه، وقال : يا مدعي، ادعيت محبتي ثم غفلت عني. وأنشدوا :
تغافلت عن فهم الحقيقة بالهوى فلا أُذنٌ تُصغِي ولا عينٌ تَذرِفُ
ضعفت ولكن في أمانيك قوةٌ فيا تابعَ اللذاتِ كم تتخلفُ
ورأى عبد الله بن مسلمة والده في النوم، فقال له : يا أبت، كيف ترى حالك ؟ فقال له : يا ولدي عشنا غافلين. وأنشدوا :
غفلتَ وحادِي الموتِ يحدوك للبِلاَ وجسمك يا مغرور أصبح معتلا
وحتى متى يا صاح بابك مغلق أتاك نذير الموت والعمر قد ولّى
قيل : ما أصاب يعقوب ما أصابه في ولده إلا من أجل خوفه عليه، وغفلته عن استيداعه ربه، ولو استودعه ربه لحفظه. لكن لا ينفع حذر من قدر. ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ).

ثم ذكر انصرافهم بيوسف، وما كان من شأنه، فقال :
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ * ﴿ وَجَآءُوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ * ﴿ وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾
قلت :( لمّا ) حرف وجود لوجود، يطلب الشرط والجواب، وجوابها هنا محذوف، أي : فعلوا به ما فعلوا. وقيل : جوابها :( أجمعوا )، وقيل :( أوحينا ) على زيادة الواو فيهما. وجملة :( وهم لا يشعرون ) : حال من ( تنبئنهم )، فيكون خطاباً ليوسف عليه السلام، أو من ( أوحينا ) ؛ أي : وهم لا يشعرون حين أوحينا إليه. فيكون حينئذٍ الخطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول الحق جل جلاله : فلما ذهبوا بيوسف معهم ﴿ وأجْمَعُوا ﴾ أي : عزموا ﴿ أن يجعلوه في غيابات الجُبِّ ﴾ ؛ وهو بئر بأرض الأردن، أو بين مصر ومدين، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب.
قال الفراء : كان حفره شداد بن عاد. فانظره. قال السدي : ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيماً. فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح : يا أبتاه، يا يعقوب، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء. ه. وكان إخوته سبعة من خالته الحرة، والباقون من سريتين له، كما تقدم.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان يعقوب عليه السلام ينظر إلى يوسف عليه السلام حتى غاب عنه، وعن نظره، فلما علموا أنهم غيبوه عنه، وضعوه في الأرض وجروه عليها، ولطموا خده، فجرد شمعون سكينه وأراد ذبحه، فتعلق بذيل روبيل وضربه، وكذلك جميع إخوته ؛ إذا لجأ لواحد منهم طرده، فضحك عند ذلك يوسف عليه السلام فقال له يهوذا : ليس هذا موضع الضحك يا يوسف، فقال : من تعزز بغير الله ذل، ظننت أنه لا يصيبني وأنا بينكم مكروه لما رأيت من قوتكم وشدتكم، فسلطكم الله علي بشؤم تلك الفكرة ؛ حتى لا يكون التوكل إلا عليه والتعزز إلا به. ه. بالمعنى.
وقال الفراء : كانت زينب بنت يعقوب عليه السلام أخت يوسف وكانت رأت في منامها كان يوسف وضع بين الذئاب وهم ينهشون، فانتبهت فازعة، ومضت إلى أبيها باكية، فقالت : يا أبت، أين أخي يوسف ؟ قال : أسلمته إلى إخوته، فمضت خلفه حتى لحقت به، فأمسكته، وتعلقت بذيله، وقالت : لا أفارقك اليوم يا أخي أبداً، فقال لها إخوتها : يا زينب، أرسليه من يدك، فقالت : لا أفعل ذلك أبداً ؛ لأني لا أطيق فراق أخي، فقالوا : بالعشي نرده إليك ويأتيك. ثم أقبل يوسف عليه السلام يقبل رأسها ويديها، ويقول لها : يا أختاه دعيني أسير مع إخوتي أرتع وألعب، فذهب، وجلست تشيعه بعينها، ودموعها تتناثر مما رأت ؛ خوفاً عليه. ه.
فلما غابوا به عنها فعلوا به ما تقدم، وهموا بقتله، فقال لهم يهوذا : أما عاهدتمُوني ألا تقتلوه ؛ فأتوا به إلى البئر فدلوه فيها فتعلق بشفيرها، فربطوا يده، ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم، ويحتالوا به على أبيهم، فقال : يا إخوتاه رُدّوا عليّ قميصي أتوارى به، فقالوا : ادعُ الأحد عشر كوكباً والشمس والقمرَ يلبسوك ويؤنسوك. فلما بلغ نصفها ألقوه، وكان فيها ماء، فسقط، ثم آوى إلى الصخرة كانت فيها فقام عليها يبكي، فجاءه جبريل بالوحي، كما قال :﴿ وأوحينا إليه. . . ﴾ الخ. وكان ابن سبع عشرة سنة، وقيل : كان مراهقاً. وقال ابن عطية : كان ابن سبع سنين، أوحي إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهما السلام.
وفي القَصَص : أن إبراهيم عليه السلام، حين ألقي في النار، جُرد من ثيابه، فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، وإسحاق إلى يعقوب، فجعله في تميمة علقها على يوسف، فأخرجه جبريل وألبسه يوسف.
ثم قال له فيما أوحي إليه :﴿ لتنبئنهم ﴾ أي : لتحدثنهم ﴿ بأمرهم هذا ﴾ ؛ بما فعلوا بك، ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ أنك يوسف، لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم، وطول العهد المغير للحال والهيئات. وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر، حين دخلوا عليه ممتارين، فعرفهم وهم له منكرون، إلى أن قال لهم :﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [ يوسف : ٨٩ ]. وفي رواية : أوحى إليه : يا يوسف لا تحزن على ما أصابك، فإنك تصل إلى ملك كبير، ويقف إخوتك بين يديك. بشره بما يؤول إليه أمره، إيناساً وتطبيباً لقلبه. وقيل :﴿ وهم لا يشعرون ﴾ متصل بقوله :﴿ وأوحينا ﴾ أي : آنسناه بالوحي وهم لا يشعرون ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في هذه الآية رجاء كبير لأهل العصيان، وبشارة وتأنيس لمن أراد مقام الإحسان بعد الإساءة والغفلة والنسيان، وذلك أن هؤلاء السادات فعلوا بيوسف عليه السلام ما فعلوا، فلما تابوا بعد هذا الفعل العظيم اجتباهم الحق تعالى، وتاب عليهم، وقربهم حتى صاروا أنبياء، على حد قول بعض العلماء. ولذلك قيل :[ كم من خصوص خرجوا من اللصوص، وكم من عابد ناسك خرج من ظالم فاتك ]. وفي الحكم :" من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً ". وللشافعي رضي الله عنه :
فَلما قَسَا قَلبي وَضَاقَت مَذَاهِبِي جَعَلتُ الرَجَا منِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنبِي فَلَمَّا قَرَنتُهُ بِعفوكَ رَبِّي كَانَ عَفوُكَ أَعظَمَا
وهذا إنما يكون بالتوبة النصوح، والنهوض التام، والمجاهدة الكبيرة، كما فعل إبراهيم بن أدهم، والفضل بن عياض، والشيخ أبو يعزى، وغيرهم ممن كانوا لصوصاً فصاروا خصوصاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم :" مَن لَم يَغلِب نَفسَه وَهَواه فَليس لَهُ حَظٌ في عُقبَاه ". وأنشدوا :
جَنَينَا على النَّفس الَّتي لَك رُشدُها بِطبْعِ الهَوى فِيها وَتِيهٍ مَن الحِجا
جَزَى الله خَيراً مَن أَعَدَّ لِدَائهِ دَوَاءَ التُقَى فَاستَعمَلَ الخَوفَ والرَّجَا
جَبَانٌ وتَرجُوا أن تُلقَّبَ فَارساً مَتَى شَابه العَضبُ اليَمَانيُّ دُملَجَا
وفيها أيضاً : تنويه بمقام الصابرين وعاقبة المتقين، فإن يعقوب عليه السلام، لما استعمل الصبر الجميل، جمع الله شمله بولده مع ما أعد له من الثواب الجزيل. ويوسف عليه السلام، لما صبر على ما أصابه من المحن ؛ عوضه العز الدائم بترادف المنن. وفي الخبر :" أعلى الدرجات درجات الصابرين ". لكل عمل ثواب محدود، وثواب الصابرين غير محدود ولا معدود. قيل : إن الله تعالى أعطى لكل صابر قصراً في الجنة مسيرة الشمس أربعين يوماً، من درة بيضاء معلقة في الهواء، ليس تحته دعامة، ولا فوقه علاقة، وله أربعة آلاف باب، يدخل من كل باب سبعون ألف ملك، يسلمون على صاحبه ولا ترجع النوبة إليهم أبداً. هـ.

﴿ وجاؤوا أباهم عِشَاءَ ﴾ آخر النهار، وقرئ ﴿ عُشي ﴾ بضم العين والقصر، جمع أعشى، أي : عُشي من البكاء. فجاؤوا إليه ﴿ يبكُون ﴾ أي : متباكين. روي أنه لما سمع بكاءهم فزع وقال : يا بني، أين يوسف ؟.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في هذه الآية رجاء كبير لأهل العصيان، وبشارة وتأنيس لمن أراد مقام الإحسان بعد الإساءة والغفلة والنسيان، وذلك أن هؤلاء السادات فعلوا بيوسف عليه السلام ما فعلوا، فلما تابوا بعد هذا الفعل العظيم اجتباهم الحق تعالى، وتاب عليهم، وقربهم حتى صاروا أنبياء، على حد قول بعض العلماء. ولذلك قيل :[ كم من خصوص خرجوا من اللصوص، وكم من عابد ناسك خرج من ظالم فاتك ]. وفي الحكم :" من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً ". وللشافعي رضي الله عنه :
فَلما قَسَا قَلبي وَضَاقَت مَذَاهِبِي جَعَلتُ الرَجَا منِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنبِي فَلَمَّا قَرَنتُهُ بِعفوكَ رَبِّي كَانَ عَفوُكَ أَعظَمَا
وهذا إنما يكون بالتوبة النصوح، والنهوض التام، والمجاهدة الكبيرة، كما فعل إبراهيم بن أدهم، والفضل بن عياض، والشيخ أبو يعزى، وغيرهم ممن كانوا لصوصاً فصاروا خصوصاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم :" مَن لَم يَغلِب نَفسَه وَهَواه فَليس لَهُ حَظٌ في عُقبَاه ". وأنشدوا :
جَنَينَا على النَّفس الَّتي لَك رُشدُها بِطبْعِ الهَوى فِيها وَتِيهٍ مَن الحِجا
جَزَى الله خَيراً مَن أَعَدَّ لِدَائهِ دَوَاءَ التُقَى فَاستَعمَلَ الخَوفَ والرَّجَا
جَبَانٌ وتَرجُوا أن تُلقَّبَ فَارساً مَتَى شَابه العَضبُ اليَمَانيُّ دُملَجَا
وفيها أيضاً : تنويه بمقام الصابرين وعاقبة المتقين، فإن يعقوب عليه السلام، لما استعمل الصبر الجميل، جمع الله شمله بولده مع ما أعد له من الثواب الجزيل. ويوسف عليه السلام، لما صبر على ما أصابه من المحن ؛ عوضه العز الدائم بترادف المنن. وفي الخبر :" أعلى الدرجات درجات الصابرين ". لكل عمل ثواب محدود، وثواب الصابرين غير محدود ولا معدود. قيل : إن الله تعالى أعطى لكل صابر قصراً في الجنة مسيرة الشمس أربعين يوماً، من درة بيضاء معلقة في الهواء، ليس تحته دعامة، ولا فوقه علاقة، وله أربعة آلاف باب، يدخل من كل باب سبعون ألف ملك، يسلمون على صاحبه ولا ترجع النوبة إليهم أبداً. هـ.

فقالوا :﴿ يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ﴾ ؛ أي : نتسابق بأقدامنا في العَدْو، أو الرمي ﴿ وتركنا يوسفَ عند متاعنا فأكله الذئبُ وما أنت بمؤمنٍ لنا ﴾ : بمصدق لنا، ﴿ ولو كنا صادقين ﴾ ؛ لسوء ظنك، وفرط محبتك ليوسف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في هذه الآية رجاء كبير لأهل العصيان، وبشارة وتأنيس لمن أراد مقام الإحسان بعد الإساءة والغفلة والنسيان، وذلك أن هؤلاء السادات فعلوا بيوسف عليه السلام ما فعلوا، فلما تابوا بعد هذا الفعل العظيم اجتباهم الحق تعالى، وتاب عليهم، وقربهم حتى صاروا أنبياء، على حد قول بعض العلماء. ولذلك قيل :[ كم من خصوص خرجوا من اللصوص، وكم من عابد ناسك خرج من ظالم فاتك ]. وفي الحكم :" من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً ". وللشافعي رضي الله عنه :
فَلما قَسَا قَلبي وَضَاقَت مَذَاهِبِي جَعَلتُ الرَجَا منِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنبِي فَلَمَّا قَرَنتُهُ بِعفوكَ رَبِّي كَانَ عَفوُكَ أَعظَمَا
وهذا إنما يكون بالتوبة النصوح، والنهوض التام، والمجاهدة الكبيرة، كما فعل إبراهيم بن أدهم، والفضل بن عياض، والشيخ أبو يعزى، وغيرهم ممن كانوا لصوصاً فصاروا خصوصاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم :" مَن لَم يَغلِب نَفسَه وَهَواه فَليس لَهُ حَظٌ في عُقبَاه ". وأنشدوا :
جَنَينَا على النَّفس الَّتي لَك رُشدُها بِطبْعِ الهَوى فِيها وَتِيهٍ مَن الحِجا
جَزَى الله خَيراً مَن أَعَدَّ لِدَائهِ دَوَاءَ التُقَى فَاستَعمَلَ الخَوفَ والرَّجَا
جَبَانٌ وتَرجُوا أن تُلقَّبَ فَارساً مَتَى شَابه العَضبُ اليَمَانيُّ دُملَجَا
وفيها أيضاً : تنويه بمقام الصابرين وعاقبة المتقين، فإن يعقوب عليه السلام، لما استعمل الصبر الجميل، جمع الله شمله بولده مع ما أعد له من الثواب الجزيل. ويوسف عليه السلام، لما صبر على ما أصابه من المحن ؛ عوضه العز الدائم بترادف المنن. وفي الخبر :" أعلى الدرجات درجات الصابرين ". لكل عمل ثواب محدود، وثواب الصابرين غير محدود ولا معدود. قيل : إن الله تعالى أعطى لكل صابر قصراً في الجنة مسيرة الشمس أربعين يوماً، من درة بيضاء معلقة في الهواء، ليس تحته دعامة، ولا فوقه علاقة، وله أربعة آلاف باب، يدخل من كل باب سبعون ألف ملك، يسلمون على صاحبه ولا ترجع النوبة إليهم أبداً. هـ.

و( صبر جميل ) : مبتدأ، والخبر محذوف، أي : مثل. أو : خبر عن مبتدأ، أي : أمري صبر جميل. و( على قميصه ) : في موضع نصب على الظرف، أي : فوق قميصه. أو : حال من الدم ؛ إن جوز تقديمها على المجرور.
﴿ وجاؤوا على قميصه ﴾ : فوق قميصه ﴿ بدم كذبٍ ﴾، أي : ذي كذب بمعنى مكذوب فيه ؛ لأنهم ذبحوا جدياً ولطخوا قميصه بدمه. رُوي أنه لما سمع بخبر يوسف صاح ودعا بقميصه فأخذه، وألقاه على وجهه، وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص، وقال : ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا ! أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه.
وفي رواية أخرى : أنه لما رأى صحة القميص ضحك، فقالوا له : الضحك والبكاء من فعل المجانين ! فقال : أما بكائي فعلى يوسف لما رأيت الدم، وأما ضحكي، فإني لما رأيت صحة القميص رجوت أن الحديث غير صحيح، ولذلك ﴿ قال بل سولتْ لكم أنفسكم أمراً ﴾ أي : سهلت لكم، وهونت في أعينكم أمراً عظيماً حتى أقدمتم عليه.
وقيل : لما سمع مقالهم غشي عليه إلى الصباح، وهم يبكون بأجمعهم، ويقولون بينهم : بئس ما فعلناه بيوسف ووالده، وأي عذر لنا عند الله. فلما أفاق نظر إلى أولاده، وقال : هكذا يا أولادي كان ظني فيكم، بئس ما فعلتم، وبئس ما سولت لكم أنفسكم ﴿ فصبر جميل ﴾ أي : فأمري صبري جميل. وفي الحديث :" الصبرُ الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق " ١ ﴿ واللَّهُ المستعانُ على ما تصفون ﴾ أي : على احتمال ما تصفونه من هلاك ابني يوسف. وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم، إن صح أنهم تنبأوا. وقد تقدم في سورة البقرة الخلاف في نبوة الأسباط فراجعه٢.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في هذه الآية رجاء كبير لأهل العصيان، وبشارة وتأنيس لمن أراد مقام الإحسان بعد الإساءة والغفلة والنسيان، وذلك أن هؤلاء السادات فعلوا بيوسف عليه السلام ما فعلوا، فلما تابوا بعد هذا الفعل العظيم اجتباهم الحق تعالى، وتاب عليهم، وقربهم حتى صاروا أنبياء، على حد قول بعض العلماء. ولذلك قيل :[ كم من خصوص خرجوا من اللصوص، وكم من عابد ناسك خرج من ظالم فاتك ]. وفي الحكم :" من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً ". وللشافعي رضي الله عنه :
فَلما قَسَا قَلبي وَضَاقَت مَذَاهِبِي جَعَلتُ الرَجَا منِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنبِي فَلَمَّا قَرَنتُهُ بِعفوكَ رَبِّي كَانَ عَفوُكَ أَعظَمَا
وهذا إنما يكون بالتوبة النصوح، والنهوض التام، والمجاهدة الكبيرة، كما فعل إبراهيم بن أدهم، والفضل بن عياض، والشيخ أبو يعزى، وغيرهم ممن كانوا لصوصاً فصاروا خصوصاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم :" مَن لَم يَغلِب نَفسَه وَهَواه فَليس لَهُ حَظٌ في عُقبَاه ". وأنشدوا :
جَنَينَا على النَّفس الَّتي لَك رُشدُها بِطبْعِ الهَوى فِيها وَتِيهٍ مَن الحِجا
جَزَى الله خَيراً مَن أَعَدَّ لِدَائهِ دَوَاءَ التُقَى فَاستَعمَلَ الخَوفَ والرَّجَا
جَبَانٌ وتَرجُوا أن تُلقَّبَ فَارساً مَتَى شَابه العَضبُ اليَمَانيُّ دُملَجَا
وفيها أيضاً : تنويه بمقام الصابرين وعاقبة المتقين، فإن يعقوب عليه السلام، لما استعمل الصبر الجميل، جمع الله شمله بولده مع ما أعد له من الثواب الجزيل. ويوسف عليه السلام، لما صبر على ما أصابه من المحن ؛ عوضه العز الدائم بترادف المنن. وفي الخبر :" أعلى الدرجات درجات الصابرين ". لكل عمل ثواب محدود، وثواب الصابرين غير محدود ولا معدود. قيل : إن الله تعالى أعطى لكل صابر قصراً في الجنة مسيرة الشمس أربعين يوماً، من درة بيضاء معلقة في الهواء، ليس تحته دعامة، ولا فوقه علاقة، وله أربعة آلاف باب، يدخل من كل باب سبعون ألف ملك، يسلمون على صاحبه ولا ترجع النوبة إليهم أبداً. هـ.


١ أخرجه الطبري في تفسيره ١٢/١٦٦..
٢ انظر تفسير الآية ١٣٦ من سورة البقرة..
ثم ذكر خروج يوسف من البئر، وبيعه، ودخوله مصر، فقال :
﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ * ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ * ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذالِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
قلت :( بضاعة ) : حال من المفعول، أي : وأخفوه مبضعاً به للتجارة.
يقول الحق جل جلاله :﴿ وجاءت سيارة ﴾ ؛ رفقة تسير من مدين إلى مصر، فنزلوا قريباً من الجب، وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه. ﴿ فأرسلوا واردَهم ﴾ الذي يرد الماء، ويستقي لهم، وهو : مالك بن ذعر الخزاعي، ﴿ فأدلى دلوه ﴾ أرسلها في الجب ليملأها، فتعلق بها يوسف، فلما رآه، ﴿ قال يا بشرى هذا غلام ﴾ ؛ نادى البشرى، بشارة لنفسه، أو لقومه، كأنه قال : تعالِ هذا أوانك. وقيل : اسم لصاحبه، ناداه ليعينه على إخراجه فأخرجوه، ﴿ وأسروه ﴾ أي : أخفاه الوارد، وأصحابه عن الرفقة، وقالوا : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه بمصر، حال كونه ﴿ بضاعة ﴾ ؛ أي : متاعاً مبضعاً به للتجارة، أي : يباع ويتجر بثمنه. ﴿ والله عليم بما يعملون ﴾ لم يخف عليه أسرارهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من ظن انفكاك لطف الله عن قدره ؛ فذلك لقصور نظره، لاسيما لطفه بالمتوجهين إليه، أو العارفين به الواصلين لحضرته. فكل ما ينزل بهم فإنما هو أقدار جارية، وأمداد سارية، وأنوار بهية، وألطاف خفية، تسبق لهم الأنوار قبل نزول الأقدار، فلا تحول حول قلوبهم الأكدار، ولا تغير قلوبَهم رؤية الأغيار، عند نزول شدائد الأقدار، يحفظ عليهم أسرار التوحيد، وينزل عليهم أنوار التأييد، عند نزول القضاء الشديد، والبلاء العتيد، ولابن الفارض رضي الله عنه :
أَحبائِي أَنتُم، أَحْسَنَ الدَّهرُ أم أَسا فَكُونُوا كما شِئتُمُ أَنا ذَلك الخِل

وقال صاحب العينية :
تَلَذُّ لِي الآلام إذ كُنتَ مُسْقمي وإن تَختَبِرني فَهْي عَندي صَنَائِعُ
تَحكَّم بِِما تَهواهُ فيَّ فإِنَّني فَقِيرٌ لسُلطَان المَحَبَّة طَائِعُ
وقد جرت عادة الله تعالى أن يعقب الجلال بالجمال، والمحن بالمنن، والذل بالعز، والفقر بالغنى، فبقدر ما تشتد المحن تأتي بعدها مواهب المنن، وبقدر ما ينزل من الجلال يأتي بعده الجمال. سُنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً. لا راد لما قضى، ولا معقب لما به حكم وأمضى.
قال تعالى :﴿ والله غالبٌ على أمره ﴾ : قال بعض المفسرين : هذه الآية هي قطب هذه السورة، ثم قال : أراد آدم البقاء في الجنة، وما أراد الله ذلك، فكان الأمْر مُراد الله. وأراد إبليس أن يكون رأس البررة الكرام، وأراد الله أن يكون إمام الكفرة اللئام، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد النمرود هلاك إبراهيم عليه السلام، ولم يرده الله، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد فرعون هلاك موسى عليه السلام، فأهلكه الله، ونجى موسى. وأراد داود أن يكون الملك لولده ميشا، وأراد الله أن يكون لسليمان عليه السلام، فكان كما أراد الله. وأرد أبو جهل هلاك سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونبوة الوليد بن المغيرة، فأهلك الله أبا جهل ونبأ محمداً صلى الله عليه وسلم. وأراد المنذر بن عاد البقاء في الدنيا، فأهلكه الله وخرب ملكه. وأراد إرم العاتي، الذي بنى إرم ذات العماد، يحاكي بها الجنة، أن يسكنها خالداً فيها، فكذبه الله، وحال بينه وبينها، وغيبها عنه حتى مات بحسرتها. هـ.

و( دراهم ) : بدل من ( ثمن ).
﴿ وشَرَوه ﴾ أي : باعه السيارة من الرفقة، أو إخوته، فيكون الضمير راجع لهم. رُوي أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام، فأتاه يومئذٍ فلم يجده فيها، وأخبر إخوته فأتوا الرفقة، وقالوا : هذا غلامنا فاشتروه، وسكت يوسف خوفاً من أن يقتلوه. أو اشتروه من إخوته ؛ لأن شرى قد يستعمل بمعنى اشترى. فاشتراه الرفقة منهم ﴿ بثمن بَخْسٍ ﴾ ؛ أي : مبخوس، لزيفه أو نقصانه، ﴿ دراهم مَعدودةٍ ﴾ قليلة، فإنهم يَزنُون ما بلغ الأوقية، ويعدُّون ما دونها. قيل : كان عشرين درهماً. وقيل : اثنين وعشرين. رُوي أن الذي اشتراه منهم مالك بن ذعر المتقدم، وكان صعلوكاً، فسأل يوسف أن يدعو له فدعا له فصار غنياً. رُوي أنه قال لهم : بكم تبيعونه ؟ فقالوا له : إن اشتريته بعيوبه بعناه لك. فقال : وما عيوبه ؟ فقالوا : سارق كذاب، يرى الرؤيا الكاذبة. فقال لهم : بكم تبيعونه لي مع عيوبه ؟ ويوسف عليه السلام ينظر إليهم ولا يتكلم، وهو يقول في نفسه : ما أظنه يقوم بثمني ؛ لأنهم يطلبون أموالاً كثيرة. قال لهم مالك : معي دراهم قليلة تعد ولا توزن، فقالوا له : هاتها. فاشتراه منهم بتلك الدراهم المعدودة. قال ابن عباس : كانت سبعة عشر درهماً، جعل له ذلك جزاء لما قوم نفسه، وظن أنهم يطلبون في الأموال. ه. ﴿ وكانوا فيه من الزاهدين ﴾ : الراغبين عنه. يحتمل أن يكون الضمير لإخوته، وزهدهم فيه ظاهر. أو يكون للرفقة، فإن بائعين كانوا بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه، وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق.
قال الفراء : لما اشتراه منهم مالك، قال لهم : اكتبوا لي كتاباً بخطكم بأنكم بعتم مني هذا الغلام بكذا وكذا، فكتبوا له ذلك، فلما أراد الرحيل قالوا له : اربطه لئلا يهرب، فلما همَّ بربطه قال له يوسف : خلني أودِّع ساداتي ؛ فَلَعَلَّي لا ألقاهم بعد هذا اليوم.
فقال له مالك : ما أكرمك من مملوك، حيث يفعل بك هذا وأنت تتقرب منهم. فقال له يوسف : كل أحد يفعل ما يليق به، فقال له : دونك، فقصدهم وهُم قيام صفاً واحداً، فلما دنا منهم بكوا وبكى يوسف عليه السلام، ثم قالوا : والله لقد ندمنا يا يوسف على ما فعلنا، ولولا الخشية من والدنا لرددناك. ه. ثم ذهبوا به إلى مصر فباعوه، فاشتراه العزيز الذي كان خزائن مصر. واسمه :" قطفير "، وكان المَلِك يومئذٍ " ريان بن الوليد العلقمي "، وقد آمن بيوسف، ومات في حياته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من ظن انفكاك لطف الله عن قدره ؛ فذلك لقصور نظره، لاسيما لطفه بالمتوجهين إليه، أو العارفين به الواصلين لحضرته. فكل ما ينزل بهم فإنما هو أقدار جارية، وأمداد سارية، وأنوار بهية، وألطاف خفية، تسبق لهم الأنوار قبل نزول الأقدار، فلا تحول حول قلوبهم الأكدار، ولا تغير قلوبَهم رؤية الأغيار، عند نزول شدائد الأقدار، يحفظ عليهم أسرار التوحيد، وينزل عليهم أنوار التأييد، عند نزول القضاء الشديد، والبلاء العتيد، ولابن الفارض رضي الله عنه :
أَحبائِي أَنتُم، أَحْسَنَ الدَّهرُ أم أَسا فَكُونُوا كما شِئتُمُ أَنا ذَلك الخِل

وقال صاحب العينية :
تَلَذُّ لِي الآلام إذ كُنتَ مُسْقمي وإن تَختَبِرني فَهْي عَندي صَنَائِعُ
تَحكَّم بِِما تَهواهُ فيَّ فإِنَّني فَقِيرٌ لسُلطَان المَحَبَّة طَائِعُ
وقد جرت عادة الله تعالى أن يعقب الجلال بالجمال، والمحن بالمنن، والذل بالعز، والفقر بالغنى، فبقدر ما تشتد المحن تأتي بعدها مواهب المنن، وبقدر ما ينزل من الجلال يأتي بعده الجمال. سُنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً. لا راد لما قضى، ولا معقب لما به حكم وأمضى.
قال تعالى :﴿ والله غالبٌ على أمره ﴾ : قال بعض المفسرين : هذه الآية هي قطب هذه السورة، ثم قال : أراد آدم البقاء في الجنة، وما أراد الله ذلك، فكان الأمْر مُراد الله. وأراد إبليس أن يكون رأس البررة الكرام، وأراد الله أن يكون إمام الكفرة اللئام، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد النمرود هلاك إبراهيم عليه السلام، ولم يرده الله، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد فرعون هلاك موسى عليه السلام، فأهلكه الله، ونجى موسى. وأراد داود أن يكون الملك لولده ميشا، وأراد الله أن يكون لسليمان عليه السلام، فكان كما أراد الله. وأرد أبو جهل هلاك سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونبوة الوليد بن المغيرة، فأهلك الله أبا جهل ونبأ محمداً صلى الله عليه وسلم. وأراد المنذر بن عاد البقاء في الدنيا، فأهلكه الله وخرب ملكه. وأراد إرم العاتي، الذي بنى إرم ذات العماد، يحاكي بها الجنة، أن يسكنها خالداً فيها، فكذبه الله، وحال بينه وبينها، وغيبها عنه حتى مات بحسرتها. هـ.

و( لنعلمه ) : عطف على محذوف، أي : مكناه في الأرض ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه. إلخ.
﴿ وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته ﴾ راعيل، أو زليخا، ﴿ أكرمي مثواه ﴾ ؛ اجعلي مقامه عندنا كريماً، والمعنى : أحسني تعهده، ﴿ عسى أن ينفعنا ﴾ في ضِياعنا وأموالنا، نستظهر به في مصالحنا، ﴿ أو نتخذه ولداً ﴾ أي : نتبنَّاه، وكان عقيماً، لما تفرس فيه من الرشد. ولذلك قيل :( أفرس الناس عزيز مصر، وابنة شعيب التي قالت :﴿ يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ [ القصص : ٢٦ ]، وأبو بكر حين استخلف عمر )١.
قال البيضاوي : رُوي أنه اشتراه العزيز وهو ابن تسع عشرة سنة، ولبث في منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة. واختلف فيما اشتراه به مَنْ جعل شراءً غير الأول، فقيل : عشرون ديناراً، وزوجاً نعل، وثوبان أبيضان. وقيل : ملؤه أي وزنه فضة، وقيل : ذهباً. ه. وقيل : مسكاً وحريراً.
﴿ وكذلك مكَّنَّا ليوسف في الأرض ﴾ أي : وكما مكنا محبته في قلب العزيز، أو كما مكناه في منزله، أو كما أنجيته، وعطفنا عليه العزيز مكناه في الأرض، ليتصرف فيها بالعدل، ﴿ ولنُعلِمَهُ من تأويل الأحاديث ﴾ ؛ أي : من تأويل كتب الله المتقدمة، أو من تأويل الأحكام الحادثة بين الناس ليحكم فيها بالعدل، أو من تعبير المنامات، ليستعد لها قبل حلولها. أي : كان القصد في إنجائه وتمكينه : إقامته العدل، وتْيسير أمور الناس، وليعلَمَ معاني كُتب الله وأحكامه فينفذها، ﴿ والله غالبٌ على أمره ﴾ : لا يرده شيء، ولا ينازعه فيما يريد جبار، ولا عنيد، أو غالب على أمر يوسف، فيدبر أمره بالحفظ والرعاية، والنصر والعز في عاقبة أمره، خلاف ما أراد به إخوته، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ أن الأمر كله بيده، أو لا يفهمون لطائف صنعه، وخفايا لطفه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من ظن انفكاك لطف الله عن قدره ؛ فذلك لقصور نظره، لاسيما لطفه بالمتوجهين إليه، أو العارفين به الواصلين لحضرته. فكل ما ينزل بهم فإنما هو أقدار جارية، وأمداد سارية، وأنوار بهية، وألطاف خفية، تسبق لهم الأنوار قبل نزول الأقدار، فلا تحول حول قلوبهم الأكدار، ولا تغير قلوبَهم رؤية الأغيار، عند نزول شدائد الأقدار، يحفظ عليهم أسرار التوحيد، وينزل عليهم أنوار التأييد، عند نزول القضاء الشديد، والبلاء العتيد، ولابن الفارض رضي الله عنه :
أَحبائِي أَنتُم، أَحْسَنَ الدَّهرُ أم أَسا فَكُونُوا كما شِئتُمُ أَنا ذَلك الخِل

وقال صاحب العينية :
تَلَذُّ لِي الآلام إذ كُنتَ مُسْقمي وإن تَختَبِرني فَهْي عَندي صَنَائِعُ
تَحكَّم بِِما تَهواهُ فيَّ فإِنَّني فَقِيرٌ لسُلطَان المَحَبَّة طَائِعُ
وقد جرت عادة الله تعالى أن يعقب الجلال بالجمال، والمحن بالمنن، والذل بالعز، والفقر بالغنى، فبقدر ما تشتد المحن تأتي بعدها مواهب المنن، وبقدر ما ينزل من الجلال يأتي بعده الجمال. سُنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً. لا راد لما قضى، ولا معقب لما به حكم وأمضى.
قال تعالى :﴿ والله غالبٌ على أمره ﴾ : قال بعض المفسرين : هذه الآية هي قطب هذه السورة، ثم قال : أراد آدم البقاء في الجنة، وما أراد الله ذلك، فكان الأمْر مُراد الله. وأراد إبليس أن يكون رأس البررة الكرام، وأراد الله أن يكون إمام الكفرة اللئام، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد النمرود هلاك إبراهيم عليه السلام، ولم يرده الله، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد فرعون هلاك موسى عليه السلام، فأهلكه الله، ونجى موسى. وأراد داود أن يكون الملك لولده ميشا، وأراد الله أن يكون لسليمان عليه السلام، فكان كما أراد الله. وأرد أبو جهل هلاك سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونبوة الوليد بن المغيرة، فأهلك الله أبا جهل ونبأ محمداً صلى الله عليه وسلم. وأراد المنذر بن عاد البقاء في الدنيا، فأهلكه الله وخرب ملكه. وأراد إرم العاتي، الذي بنى إرم ذات العماد، يحاكي بها الجنة، أن يسكنها خالداً فيها، فكذبه الله، وحال بينه وبينها، وغيبها عنه حتى مات بحسرتها. هـ.


١ أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/٣٤٦، والطبراني في المعجم الكبير ٨/١٨٥..
قال الهروي : الأَشُدَّ : من خمسة عشر إلى أربعين سنة. وهو جمع شدة، مثل : نعمة وأنعم، وهي : القوة والجلادة في البدن والعقل. ه.
﴿ ولما بلغ أشده ﴾ ؛ منتهى اشتداد جسمه، وكمال عقله. وتقدم تفسير الهروي له، وحده. وقيل : ما بين الثلاثين والأربعين، ﴿ آتيناه حكماً ﴾ : حكمة، وهي النبوة. أو العلم المؤيد بالعمل. أو حُكماً بين الناس بالعدل.
﴿ وعلماً ﴾ يعني : علم تأويل الأحاديث، أو علماً بأسرار الربوبية، وكيفية آداب العبودية. ﴿ وكذلك نجزي المحسنين ﴾ إذا كمل عقلهم، وتوفر آدابهم، وكمل تهذيبهم، آتيناهم الحكمة وكمال المعرفة. وفيه تنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ذلك جزاء على إحسانه وإتقانه عمله في عنفوان شبابه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من ظن انفكاك لطف الله عن قدره ؛ فذلك لقصور نظره، لاسيما لطفه بالمتوجهين إليه، أو العارفين به الواصلين لحضرته. فكل ما ينزل بهم فإنما هو أقدار جارية، وأمداد سارية، وأنوار بهية، وألطاف خفية، تسبق لهم الأنوار قبل نزول الأقدار، فلا تحول حول قلوبهم الأكدار، ولا تغير قلوبَهم رؤية الأغيار، عند نزول شدائد الأقدار، يحفظ عليهم أسرار التوحيد، وينزل عليهم أنوار التأييد، عند نزول القضاء الشديد، والبلاء العتيد، ولابن الفارض رضي الله عنه :
أَحبائِي أَنتُم، أَحْسَنَ الدَّهرُ أم أَسا فَكُونُوا كما شِئتُمُ أَنا ذَلك الخِل

وقال صاحب العينية :
تَلَذُّ لِي الآلام إذ كُنتَ مُسْقمي وإن تَختَبِرني فَهْي عَندي صَنَائِعُ
تَحكَّم بِِما تَهواهُ فيَّ فإِنَّني فَقِيرٌ لسُلطَان المَحَبَّة طَائِعُ
وقد جرت عادة الله تعالى أن يعقب الجلال بالجمال، والمحن بالمنن، والذل بالعز، والفقر بالغنى، فبقدر ما تشتد المحن تأتي بعدها مواهب المنن، وبقدر ما ينزل من الجلال يأتي بعده الجمال. سُنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً. لا راد لما قضى، ولا معقب لما به حكم وأمضى.
قال تعالى :﴿ والله غالبٌ على أمره ﴾ : قال بعض المفسرين : هذه الآية هي قطب هذه السورة، ثم قال : أراد آدم البقاء في الجنة، وما أراد الله ذلك، فكان الأمْر مُراد الله. وأراد إبليس أن يكون رأس البررة الكرام، وأراد الله أن يكون إمام الكفرة اللئام، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد النمرود هلاك إبراهيم عليه السلام، ولم يرده الله، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد فرعون هلاك موسى عليه السلام، فأهلكه الله، ونجى موسى. وأراد داود أن يكون الملك لولده ميشا، وأراد الله أن يكون لسليمان عليه السلام، فكان كما أراد الله. وأرد أبو جهل هلاك سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ونبوة الوليد بن المغيرة، فأهلك الله أبا جهل ونبأ محمداً صلى الله عليه وسلم. وأراد المنذر بن عاد البقاء في الدنيا، فأهلكه الله وخرب ملكه. وأراد إرم العاتي، الذي بنى إرم ذات العماد، يحاكي بها الجنة، أن يسكنها خالداً فيها، فكذبه الله، وحال بينه وبينها، وغيبها عنه حتى مات بحسرتها. هـ.

ثم ذكر مراودة زليخا ليوسف، وما كان من شأنهما، فقال :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيا أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ * ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّواءَ وَالْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ * ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُواءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ * ﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴾ * ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ ﴾ * ﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ * ﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾
قلت : المراودة : المطالبة، من راد يرود : إذا جاء وذهب لطلب الشيء، ومنه الرائد. و( هيت ) : اسم فعل معناه : تعال، أو أقبل، مبني على الفتح كأين، واللام للتبيين، كالتي في سقيا لك، وقرأ ابن كثير : بالضم، تشبيهاً بحيث، ونافع وابن عامر بالفتح، وهي لغة فيه. وقرئ :" هئْت " بالهمز ؛ كجئت، من هَاءَ يهيء : إذا تهيأ. و( معاذ الله ) : مصدر لمحذوف، أي : أعوذ بالله معاذاً. و( إنه ) : ضمير الشأن.
يقول الحق جل جلاله :﴿ وراودتْه ﴾ للفاحشة، أي : تمحلت وطلبت منه أن يوافقها ﴿ التي هو في بيتها ﴾ ؛ وهي زليخا. وترك التصريح بها ؛ استهجاناً. فراودته عن نفسه، ﴿ وغلقتِ الأبوابَ ﴾، قيل : كانوا سبعة. والتشديد للتكثير، أو للمبالغة في الإيثاق، ﴿ وقالت هَيت لك ﴾ أي : أقبل وبادر، أو تهيأتُ لك. رُوي أنها تزينت بأحسن ما عندها، وقالت : تعالى يا يوسف، ﴿ قال مَعَاذَ الله ﴾ ؛ أي : أعوذ بالله معاذاً، ﴿ إنه ﴾ أي : الشأن، ﴿ ربي أحسن مثواي ﴾ ؛ سيدي أحسن إقامتي وتربيتي، إذ قال لك أكرمي مثواي، فما جزاؤه أن أخونه في أهله، أو أنه تعالى ربي أحسن مَنزلي ؛ بأن عطف عَلَيَّ قلبَ سيدي، ولطف بي في أموري، فلا أعصيه، ﴿ إنه لا يُفلح الظالمون ﴾ ؛ المجاوزون الإحسان إلى الإساءة، أو الزناة ؛ فإن الزنى ظلم على الزاني والمزنيّ بأهله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد في دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراُ ﴾. وذلك كمال في حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقاً، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفي الحكم :" ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". والله تعالى أعلم.
واعلمْ أن ما امتحن به الصديق عليه السلام مع العصمة، قد وقع مثله كثيراً في هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع في كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكناً في مدرسة فاس، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها، فَتَلَفتْ البنت وبقيت كذلك إلى الليل، فرأت باباً خلفه ضوء، فأتت إليه، فوجدت فيه رجلاً ينظر في كتاب، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب، فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فرأى أنه تَعَيَّنَ عليه حفظها، فأدخلها وجعل حصيراً بينه وبينها، وبقي كذلك ينظر في كتابه، فإذا بالشيطان زين له عمله، فحفظه الله ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحرك أصابعه واحداً بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجب. ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ثم لاح الضوء، فقال : اخرجي، فخرجت إلى دارها سالمة، فذكرت القضية لوالديها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية، فناداه، فأخبره، فذكر أنه زوجه الأب منها. هـ. مختصراً.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله مثله، أو أحسن منه. وكذلك فعل الحق تعالى بيوسف عليه السلام قد زوجه زليخاً على ما يأتي إن شاء الله.
وحدثني شيخي مولاي العربي رضي الله عنه، أنه وقف على حكايات تناسب هذا ؛ وهو أن رجلاً صالحاً تعلق قلبه بابنة الملك، فلما رأى نفسه أنه لا يقدر على تزوجها تلطف حتى دخل عليها في قبتها ليلاً، فوجدها نائمة على فراشها ملقى على وجهها رداؤها، وشمعة تشعل عند رأسها، وأخرى عند رجلها، وطعام موضوع عندها. فكشف عن وجهها فرأى من الجمال ما أبهر عقله ؛ فجعل يتردد في نفسه، ويخاصمها على فعل الفاحشة، فبينما هو كذلك إذ أبصر لوحاً فوق رأسها مكتوباً فيه :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، فتاب الله تعالى عليه، وزجر نفسه عن هواها، فوضع يده في ذلك الطعام ليأكل منه، وترك فيه أثراً، فلما أفاقت البنت رأت أثر اليد في الطعام، فسألت أهل الدار، فكلهم قالوا : ما دخل عليك أحد منا، فتيقنت أن رجلاً دخل عليها، وكان يخطبها كثيرٌ ممن له الرئاسة والجاه، فخافت على نفسها من أن يطرقها أحد منهم فيغضبها، فقالت لأبيها : لا بد أن تزوجني، فقال في نفسه : والله لا أزوجها إلا لرجل صالح، فخرج مختفياً إلى المدرسة، فأتى بعض الناس، فقال : سمعت هنا برجل صالح، فأردت أن أزوره، فأشار إلى ذلك الرجل الذي دخل على بنته، ثم سأل ثانياً، وثالثاً، فكلهم أشار إليه، فأتى إليه فقال له : إن لي بنتاً جميلة خطبها مني كثير من الناس، فأردت أن أزوجكها، فجهزها بما يليق بها، وزوجها إياه. هـ.
وذكر ابن عرضون : أن رجلاً كان بالقيروان من العلماء الأتقياء، يقال له شقران، وكان جميل الصورة فهوته امرأة، فأرسلت إلى عجوز، وأسرت إليها أمره على أن توصله إليها، فأتت إليه العجوز، وقالت : عندي ابنة مريضة، وأرادت أن توصي، وعسى أن تصل إليها، وتدعو لها، فلبس ثيابه، ومشى معها إلى أن وصلت إلى الدار فأدخلته، فوجد صبية جميلة، فقالت له : هلمّ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين. فقالت له العجوز : هيهات يا شقران، والله لئن لم تفعل لأصيحنَّ، وأقول : إنك دخلت علينا وعارضتنا، فقال لها : إن كان ولا بد فدعيني حتى أدخل الحجرة، فقالت له : افعل ما بدا لك، فدخل الحجرة، فقال : اللهم إنها ما هوت مني إلا صورتي فَغَيَّرها، فخرج من الحجرة وقد ظهر عليه الجذام. فلما رأته، قالت : اخرج فخرج سالماً. وهذه الحكاية مشهورة ببلاد القيروان. هـ.
قلت : وقد نزل بنا في حال شبابنا كثير مما يشبه هذا، فحفظنا الله بمنّه وكرمه وحسن رعايته. فللَّهِ المنة والحمد، لا أحصي ثناء عليه.

و( لولا ) : حرف امتناع، وجوابها محذوف، أي : لخالطها، ولا يجوز أن يكون ( وهمَّ بها ) : جوابها ؛ لأن حكمها حكم الشرط، فلا يتقدم عليها جوابها. قاله البيضاوي.
قلت : وبهذا يُرد على من وقف على ( همت به )، كالهبطي، ومن تبعه، إلا أن يُحمل على أنه ابتداء كلام مع حذف الجواب. واستحسنه البعض ؛ ليكون همُّ يوسف خارجاً عن القسم، ( وكذلك ) : في موضع المصدر، أي : ثبتناه مثل ذلك التثبيت لنصرف. . الخ، و( المخلصين ) بالفتح : اسم مفعول من : أخلصه الله. وبالكسر : اسم فاعل بمعنى أخلص دينه لله.
﴿ ولقد هَمَّتْ به وهمَّ بها ﴾، قال ابن جزي : أكْثََرَ الناسُ الكلامَ في هذه الآية، حتى ألفوا فيها التآليف، فمنهم مفرط ومُفرّط ؛ وذلك أن منهم من جعل هَمَّ المرأة وهَمَّ يوسف من حيث الفعل الذي أرادته. وذكروا من ذلك روايات من جلوسه بين رجليها، وحله للتكَّة، وغير ذلك مما لا ينبغي أن يقال به ؛ لضعف نقله ولنزاهة الأنبياء عن مثله، ومنهم من قال : همت به لتضربه على امتناعه، وهَمَّ بها ليقتلها أو يضربها ؛ ليدفعها. وهذا بعيد يرده قوله :﴿ لولا أن رأى برهان رَبِّهِ ﴾. ثم قال : والصواب إن شاء الله : أنها همت به من حيث مرادُها، وهَمَّ بها كذلك، لكنه لم يعزم على ذلك، ولم يبلغ إلى حد ما ذكر من حل التكَّة، بل كان همه خطرة خطرت على قلبه، ولم يتابِعها، ولكنه بادر إلى التوبة والإقلاع عن تلك الخطرة، حتى محاها من قلبه، لمَّا رأى برهان ربه. ولا يقدح هذا في عصمة الأنبياء ؛ لأن الهم بالذنب لبس بذنب، ولا نقص في ذلك ؛ لأنَّ من هَمَّ بذنب ثم تركه كتب له حسنة. ه.
قلت : وكلامه حسن ؛ لأن الخطرات لا طاقة للبشر على تركها، وبمجاهدة مخالفتها فُضِّل البشر على جنس الملائكة، وقال البيضاوي : والمراد بهمه : ميل الطبع، ومنازعة الشهوة، لا القصد الاختياري، وذلك مما لا يدخل تحت التكليف، بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل، لمن يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفته، كقوله : قتلته لو لم أخف الله. ه. ومثله في تفسير الفخر، وأنه مال إليها بمقتضى الطبع، ومُنع منه بصارف العصمة، كالصائم يشتاق الماء البارد ويمنعه منه صومه. ومثله أيضاً في لطائف المنن : همت به هَمَّ إرادة، وهَمَّ بها هَمَّ ميل لا هَمَّ إرادة. قال المحشي الفاسي : وفيه نظر ؛ لأن ذلك لا يتصور في النفوس المطمئنة. وإنما ذلك شأن أرباب التلوين والمجاهدة، دون أهل التمكين والمشاهدة، وخصوصاً الأنبياء ؛ إذ صارت نفوسهم مشاكلة للروح، مندرجة فيها، ولذلك صارت مطمئنة، وميلها حينئذ إنما يكون للطاعة، وأما غير الطاعة، فهي بمنزلة القذر والنتن تشمئز منه، ولا يتصور بحال ميلها إليه. ثم أطال الكلام في ذلك.
قلت : أما تفسير الهم بالميل فلا يليق بالنفس المطمئنة. وأما تفسيره بالخاطر فيتصور في المطمئنة وغيرها. وإنما سماه الله تعالى هماً في حق يوسف عليه السلام ؛ لأن الأنبياء عليهم السلام لعلو منصبهم، وشدّة قربهم من الحضرة، يشدد عليهم في مطالبة الأدب، فيجعل الخاطر في حقهم هَمّاً وظناً. كما قال تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ ﴾ [ يوسف : ١١٠ ] فيمن خفف الذال، أو كما قال تعالى في حق يونس عليه السلام :﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْه ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] ؛ على أحد التفاسير. والله تعالى أعلم.
ثم قال تعالى :﴿ لولا أن رأى برهانَ ربه ﴾ لخالطها. والبرهان الذي رأى : قيل : ناداه جبريل : يا يوسف تكون في ديوان الأنبياء، وتفعل فعل السفهاء. وقيل : رأى يعقوب عاضاً على أنامله، يقول : إياك يا يوسف والفاحشة. وقيل : تفكر في قبح الزنى فاستبصر. وقيل : رأى زليخا غطت وجه صنمها حياءً منه، فقال : أنا أولى أن أستحي من ربي. ﴿ كذلك ﴾ أي : مثل ذلك التثبيت ثبتناه ؛ ﴿ لِنَصْرِِفَ عنه السّوءَ ﴾ ؛ خيانة السيد، ﴿ والفحشاءَ ﴾، الزنى ؛ ﴿ إنه من عبادنا المخلَصين ﴾ الذين أخلصناهم لحضرتنا. أو من الذين أخلصوا وجهتهم إلينا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد في دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراُ ﴾. وذلك كمال في حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقاً، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفي الحكم :" ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". والله تعالى أعلم.
واعلمْ أن ما امتحن به الصديق عليه السلام مع العصمة، قد وقع مثله كثيراً في هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع في كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكناً في مدرسة فاس، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها، فَتَلَفتْ البنت وبقيت كذلك إلى الليل، فرأت باباً خلفه ضوء، فأتت إليه، فوجدت فيه رجلاً ينظر في كتاب، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب، فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فرأى أنه تَعَيَّنَ عليه حفظها، فأدخلها وجعل حصيراً بينه وبينها، وبقي كذلك ينظر في كتابه، فإذا بالشيطان زين له عمله، فحفظه الله ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحرك أصابعه واحداً بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجب. ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ثم لاح الضوء، فقال : اخرجي، فخرجت إلى دارها سالمة، فذكرت القضية لوالديها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية، فناداه، فأخبره، فذكر أنه زوجه الأب منها. هـ. مختصراً.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله مثله، أو أحسن منه. وكذلك فعل الحق تعالى بيوسف عليه السلام قد زوجه زليخاً على ما يأتي إن شاء الله.
وحدثني شيخي مولاي العربي رضي الله عنه، أنه وقف على حكايات تناسب هذا ؛ وهو أن رجلاً صالحاً تعلق قلبه بابنة الملك، فلما رأى نفسه أنه لا يقدر على تزوجها تلطف حتى دخل عليها في قبتها ليلاً، فوجدها نائمة على فراشها ملقى على وجهها رداؤها، وشمعة تشعل عند رأسها، وأخرى عند رجلها، وطعام موضوع عندها. فكشف عن وجهها فرأى من الجمال ما أبهر عقله ؛ فجعل يتردد في نفسه، ويخاصمها على فعل الفاحشة، فبينما هو كذلك إذ أبصر لوحاً فوق رأسها مكتوباً فيه :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، فتاب الله تعالى عليه، وزجر نفسه عن هواها، فوضع يده في ذلك الطعام ليأكل منه، وترك فيه أثراً، فلما أفاقت البنت رأت أثر اليد في الطعام، فسألت أهل الدار، فكلهم قالوا : ما دخل عليك أحد منا، فتيقنت أن رجلاً دخل عليها، وكان يخطبها كثيرٌ ممن له الرئاسة والجاه، فخافت على نفسها من أن يطرقها أحد منهم فيغضبها، فقالت لأبيها : لا بد أن تزوجني، فقال في نفسه : والله لا أزوجها إلا لرجل صالح، فخرج مختفياً إلى المدرسة، فأتى بعض الناس، فقال : سمعت هنا برجل صالح، فأردت أن أزوره، فأشار إلى ذلك الرجل الذي دخل على بنته، ثم سأل ثانياً، وثالثاً، فكلهم أشار إليه، فأتى إليه فقال له : إن لي بنتاً جميلة خطبها مني كثير من الناس، فأردت أن أزوجكها، فجهزها بما يليق بها، وزوجها إياه. هـ.
وذكر ابن عرضون : أن رجلاً كان بالقيروان من العلماء الأتقياء، يقال له شقران، وكان جميل الصورة فهوته امرأة، فأرسلت إلى عجوز، وأسرت إليها أمره على أن توصله إليها، فأتت إليه العجوز، وقالت : عندي ابنة مريضة، وأرادت أن توصي، وعسى أن تصل إليها، وتدعو لها، فلبس ثيابه، ومشى معها إلى أن وصلت إلى الدار فأدخلته، فوجد صبية جميلة، فقالت له : هلمّ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين. فقالت له العجوز : هيهات يا شقران، والله لئن لم تفعل لأصيحنَّ، وأقول : إنك دخلت علينا وعارضتنا، فقال لها : إن كان ولا بد فدعيني حتى أدخل الحجرة، فقالت له : افعل ما بدا لك، فدخل الحجرة، فقال : اللهم إنها ما هوت مني إلا صورتي فَغَيَّرها، فخرج من الحجرة وقد ظهر عليه الجذام. فلما رأته، قالت : اخرج فخرج سالماً. وهذه الحكاية مشهورة ببلاد القيروان. هـ.
قلت : وقد نزل بنا في حال شبابنا كثير مما يشبه هذا، فحفظنا الله بمنّه وكرمه وحسن رعايته. فللَّهِ المنة والحمد، لا أحصي ثناء عليه.

﴿ واسْتَبَقَا البَابَ ﴾ أي : تسابقا إلى الباب، وابتدرا إليه، وذلك أن يوسف عليه السلام فرَّ منها ؛ ليخرج حيث رأى البرهان، وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج، ﴿ وقَدّت قميصَه من دُبُرٍ ﴾ أي : شقت قميصه من خلف لما اجتذبته لترده. والقدُّ الشق طولاً، والقَطُّ : الشق عرضاً، ﴿ وألفيا سيدها ﴾ : وصادفاً زوجها ﴿ لدى الباب ﴾ ؛ وفيه إطلاق السيد على الزوج، وإنما أفرد الباب هنا، وجمعه في قوله :﴿ وغلقت الأبواب ﴾ لأن المراد هنا الباب البراني الذي هو المخرج من الدار.
﴿ قالتْ ﴾ لزوجها :﴿ ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يَسجن أو عذابٌ أليم ﴾ ؟ قالته إيهاماً أنها فرت منه ؛ تبرئة لساحتها عند زوجها، وإغراء له عليه ؛ انتقاماً لنفسها لما امتنع منها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد في دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراُ ﴾. وذلك كمال في حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقاً، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفي الحكم :" ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". والله تعالى أعلم.
واعلمْ أن ما امتحن به الصديق عليه السلام مع العصمة، قد وقع مثله كثيراً في هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع في كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكناً في مدرسة فاس، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها، فَتَلَفتْ البنت وبقيت كذلك إلى الليل، فرأت باباً خلفه ضوء، فأتت إليه، فوجدت فيه رجلاً ينظر في كتاب، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب، فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فرأى أنه تَعَيَّنَ عليه حفظها، فأدخلها وجعل حصيراً بينه وبينها، وبقي كذلك ينظر في كتابه، فإذا بالشيطان زين له عمله، فحفظه الله ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحرك أصابعه واحداً بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجب. ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ثم لاح الضوء، فقال : اخرجي، فخرجت إلى دارها سالمة، فذكرت القضية لوالديها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية، فناداه، فأخبره، فذكر أنه زوجه الأب منها. هـ. مختصراً.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله مثله، أو أحسن منه. وكذلك فعل الحق تعالى بيوسف عليه السلام قد زوجه زليخاً على ما يأتي إن شاء الله.
وحدثني شيخي مولاي العربي رضي الله عنه، أنه وقف على حكايات تناسب هذا ؛ وهو أن رجلاً صالحاً تعلق قلبه بابنة الملك، فلما رأى نفسه أنه لا يقدر على تزوجها تلطف حتى دخل عليها في قبتها ليلاً، فوجدها نائمة على فراشها ملقى على وجهها رداؤها، وشمعة تشعل عند رأسها، وأخرى عند رجلها، وطعام موضوع عندها. فكشف عن وجهها فرأى من الجمال ما أبهر عقله ؛ فجعل يتردد في نفسه، ويخاصمها على فعل الفاحشة، فبينما هو كذلك إذ أبصر لوحاً فوق رأسها مكتوباً فيه :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، فتاب الله تعالى عليه، وزجر نفسه عن هواها، فوضع يده في ذلك الطعام ليأكل منه، وترك فيه أثراً، فلما أفاقت البنت رأت أثر اليد في الطعام، فسألت أهل الدار، فكلهم قالوا : ما دخل عليك أحد منا، فتيقنت أن رجلاً دخل عليها، وكان يخطبها كثيرٌ ممن له الرئاسة والجاه، فخافت على نفسها من أن يطرقها أحد منهم فيغضبها، فقالت لأبيها : لا بد أن تزوجني، فقال في نفسه : والله لا أزوجها إلا لرجل صالح، فخرج مختفياً إلى المدرسة، فأتى بعض الناس، فقال : سمعت هنا برجل صالح، فأردت أن أزوره، فأشار إلى ذلك الرجل الذي دخل على بنته، ثم سأل ثانياً، وثالثاً، فكلهم أشار إليه، فأتى إليه فقال له : إن لي بنتاً جميلة خطبها مني كثير من الناس، فأردت أن أزوجكها، فجهزها بما يليق بها، وزوجها إياه. هـ.
وذكر ابن عرضون : أن رجلاً كان بالقيروان من العلماء الأتقياء، يقال له شقران، وكان جميل الصورة فهوته امرأة، فأرسلت إلى عجوز، وأسرت إليها أمره على أن توصله إليها، فأتت إليه العجوز، وقالت : عندي ابنة مريضة، وأرادت أن توصي، وعسى أن تصل إليها، وتدعو لها، فلبس ثيابه، ومشى معها إلى أن وصلت إلى الدار فأدخلته، فوجد صبية جميلة، فقالت له : هلمّ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين. فقالت له العجوز : هيهات يا شقران، والله لئن لم تفعل لأصيحنَّ، وأقول : إنك دخلت علينا وعارضتنا، فقال لها : إن كان ولا بد فدعيني حتى أدخل الحجرة، فقالت له : افعل ما بدا لك، فدخل الحجرة، فقال : اللهم إنها ما هوت مني إلا صورتي فَغَيَّرها، فخرج من الحجرة وقد ظهر عليه الجذام. فلما رأته، قالت : اخرج فخرج سالماً. وهذه الحكاية مشهورة ببلاد القيروان. هـ.
قلت : وقد نزل بنا في حال شبابنا كثير مما يشبه هذا، فحفظنا الله بمنّه وكرمه وحسن رعايته. فللَّهِ المنة والحمد، لا أحصي ثناء عليه.

﴿ قال هي راودتني عن نفسي ﴾ : طالبتني بالمواقعة بها. قال ذلك تبرئة لساحته، ولو لم تكذب عليه ما قاله.
﴿ وَشَهِدَ شاهدٌ من أهلها ﴾، قيل : ابن عمها. وقيل : ابن خالها صبياً في المهد. وكونه من أهلها أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف. وكونه لم يتكلم قط، ثم تكلم كرامة ليوسف عليه السلام، وعن النبي صلى الله عليه وسلم :" تكلم في المهد أربعةٌ : ابنُ ماشِطة ابنة فرعَون، وشَاهِدُ يُوسفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْج، وعيسَى ". وذكر مسلم في صحيحه في قصة الأخدود :" أن امرأة أتِي بها لتُطْرَح في النار، ومعها صبي يرضع، فقال لها : يا أمه اصبري، لا تجزعي. فإنك على الحق " ١. وعَدَّ بعضهم عشرة تكلموا في المهد، فذكر إبراهيم عليه السلام، ويحيى بن زكريا، ومريم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وطفلاً في زمنه عليه السلام، وهو : مبارك اليمامة، وقد نظمهم السيوطي، وزاد واحداً، فقال :
تكلم في المَهدِ النَّبيُّ مُحَمدٌ ويحيى وعيسى والخليلُ ومريمُ
وصَبِيّ جُريْجٍ ثم شاهِدُ يوسِفُ وطِفلٌ لدى الأُخدود يَرويهِ مُسلِمُ
وطفلٌ عَلَيهِ مُرَّ بالأمَةِ الَّتي يُقالُ لَها تَزنِي ولا تَتَكَلَّمُ
وماشِطَةٌ فِي عَهدِ فرعون طِفلُها وفي زَمَنِ الهادي المُبَاركُ تُختَمُ
وذكر ابن وهب عن أبي لهيعة قال : بلغني أن المولود فيما تقدم كان يولد في الليل، فيصبح يمشي مع أمه. ه. وضعف ابن عطية كون شاهد يوسف صبياً بالحديث :" لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة "، وبأنه لو كان الشاهد صبياً لكان الدليل نفس كلامه، دون أن يحتاج إلى الاستدلال بالقميص. ه. وقد يجاب بأن الحصر باعتبار بني إسرائيل، مع أن الوحي يتزايد شيئاً فشيئاً، فأخبر بثلاثة، ثم أخبر بآخرين، وبأن الاستدلال وقع بهما تحقيقاً للقضية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد في دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراُ ﴾. وذلك كمال في حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقاً، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفي الحكم :" ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". والله تعالى أعلم.
واعلمْ أن ما امتحن به الصديق عليه السلام مع العصمة، قد وقع مثله كثيراً في هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع في كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكناً في مدرسة فاس، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها، فَتَلَفتْ البنت وبقيت كذلك إلى الليل، فرأت باباً خلفه ضوء، فأتت إليه، فوجدت فيه رجلاً ينظر في كتاب، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب، فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فرأى أنه تَعَيَّنَ عليه حفظها، فأدخلها وجعل حصيراً بينه وبينها، وبقي كذلك ينظر في كتابه، فإذا بالشيطان زين له عمله، فحفظه الله ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحرك أصابعه واحداً بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجب. ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ثم لاح الضوء، فقال : اخرجي، فخرجت إلى دارها سالمة، فذكرت القضية لوالديها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية، فناداه، فأخبره، فذكر أنه زوجه الأب منها. هـ. مختصراً.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله مثله، أو أحسن منه. وكذلك فعل الحق تعالى بيوسف عليه السلام قد زوجه زليخاً على ما يأتي إن شاء الله.
وحدثني شيخي مولاي العربي رضي الله عنه، أنه وقف على حكايات تناسب هذا ؛ وهو أن رجلاً صالحاً تعلق قلبه بابنة الملك، فلما رأى نفسه أنه لا يقدر على تزوجها تلطف حتى دخل عليها في قبتها ليلاً، فوجدها نائمة على فراشها ملقى على وجهها رداؤها، وشمعة تشعل عند رأسها، وأخرى عند رجلها، وطعام موضوع عندها. فكشف عن وجهها فرأى من الجمال ما أبهر عقله ؛ فجعل يتردد في نفسه، ويخاصمها على فعل الفاحشة، فبينما هو كذلك إذ أبصر لوحاً فوق رأسها مكتوباً فيه :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، فتاب الله تعالى عليه، وزجر نفسه عن هواها، فوضع يده في ذلك الطعام ليأكل منه، وترك فيه أثراً، فلما أفاقت البنت رأت أثر اليد في الطعام، فسألت أهل الدار، فكلهم قالوا : ما دخل عليك أحد منا، فتيقنت أن رجلاً دخل عليها، وكان يخطبها كثيرٌ ممن له الرئاسة والجاه، فخافت على نفسها من أن يطرقها أحد منهم فيغضبها، فقالت لأبيها : لا بد أن تزوجني، فقال في نفسه : والله لا أزوجها إلا لرجل صالح، فخرج مختفياً إلى المدرسة، فأتى بعض الناس، فقال : سمعت هنا برجل صالح، فأردت أن أزوره، فأشار إلى ذلك الرجل الذي دخل على بنته، ثم سأل ثانياً، وثالثاً، فكلهم أشار إليه، فأتى إليه فقال له : إن لي بنتاً جميلة خطبها مني كثير من الناس، فأردت أن أزوجكها، فجهزها بما يليق بها، وزوجها إياه. هـ.
وذكر ابن عرضون : أن رجلاً كان بالقيروان من العلماء الأتقياء، يقال له شقران، وكان جميل الصورة فهوته امرأة، فأرسلت إلى عجوز، وأسرت إليها أمره على أن توصله إليها، فأتت إليه العجوز، وقالت : عندي ابنة مريضة، وأرادت أن توصي، وعسى أن تصل إليها، وتدعو لها، فلبس ثيابه، ومشى معها إلى أن وصلت إلى الدار فأدخلته، فوجد صبية جميلة، فقالت له : هلمّ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين. فقالت له العجوز : هيهات يا شقران، والله لئن لم تفعل لأصيحنَّ، وأقول : إنك دخلت علينا وعارضتنا، فقال لها : إن كان ولا بد فدعيني حتى أدخل الحجرة، فقالت له : افعل ما بدا لك، فدخل الحجرة، فقال : اللهم إنها ما هوت مني إلا صورتي فَغَيَّرها، فخرج من الحجرة وقد ظهر عليه الجذام. فلما رأته، قالت : اخرج فخرج سالماً. وهذه الحكاية مشهورة ببلاد القيروان. هـ.
قلت : وقد نزل بنا في حال شبابنا كثير مما يشبه هذا، فحفظنا الله بمنّه وكرمه وحسن رعايته. فللَّهِ المنة والحمد، لا أحصي ثناء عليه.


١ أخرجه مسلم في الزهد حديث ٧٣..
ثم ذكر الحق تعالى ما قاله الشاهد، فقال :﴿ إن كان قميصُه قُدَّ من قُبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين ﴾ ؛ لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قُدامه بالدفع عن نفسها. أو لأنه أسرع خلفها فعثر بذيله فانقدَّ جَيبُه. ﴿ وإن كان قميصُه قُدَّ من دُبر فكذبت وهو من الصادقين ﴾ ؛ لأنها جذبته إلى نفسها حين فرَّ منها. والجملة الشرطية محكية بالقول، أي : قال : إن كان. . . إلخ. وتسميتها شهادة ؛ لأنها أدت مؤداها. والجمع بين " إنْ " و " كان " على تأويل : إن يعلم أنه كان، ونحوه، ونظيره : قولك : إن أحسنت إليَّ فقد أحسنت إليك من قبل. فإن معناه : إن تمنن علي بإحسانك امنن عليك بإحساني. ومعناه : إن ظهر أنه كان قميصه. . . الخ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد في دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراُ ﴾. وذلك كمال في حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقاً، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفي الحكم :" ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". والله تعالى أعلم.
واعلمْ أن ما امتحن به الصديق عليه السلام مع العصمة، قد وقع مثله كثيراً في هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع في كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكناً في مدرسة فاس، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها، فَتَلَفتْ البنت وبقيت كذلك إلى الليل، فرأت باباً خلفه ضوء، فأتت إليه، فوجدت فيه رجلاً ينظر في كتاب، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب، فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فرأى أنه تَعَيَّنَ عليه حفظها، فأدخلها وجعل حصيراً بينه وبينها، وبقي كذلك ينظر في كتابه، فإذا بالشيطان زين له عمله، فحفظه الله ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحرك أصابعه واحداً بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجب. ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ثم لاح الضوء، فقال : اخرجي، فخرجت إلى دارها سالمة، فذكرت القضية لوالديها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية، فناداه، فأخبره، فذكر أنه زوجه الأب منها. هـ. مختصراً.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله مثله، أو أحسن منه. وكذلك فعل الحق تعالى بيوسف عليه السلام قد زوجه زليخاً على ما يأتي إن شاء الله.
وحدثني شيخي مولاي العربي رضي الله عنه، أنه وقف على حكايات تناسب هذا ؛ وهو أن رجلاً صالحاً تعلق قلبه بابنة الملك، فلما رأى نفسه أنه لا يقدر على تزوجها تلطف حتى دخل عليها في قبتها ليلاً، فوجدها نائمة على فراشها ملقى على وجهها رداؤها، وشمعة تشعل عند رأسها، وأخرى عند رجلها، وطعام موضوع عندها. فكشف عن وجهها فرأى من الجمال ما أبهر عقله ؛ فجعل يتردد في نفسه، ويخاصمها على فعل الفاحشة، فبينما هو كذلك إذ أبصر لوحاً فوق رأسها مكتوباً فيه :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، فتاب الله تعالى عليه، وزجر نفسه عن هواها، فوضع يده في ذلك الطعام ليأكل منه، وترك فيه أثراً، فلما أفاقت البنت رأت أثر اليد في الطعام، فسألت أهل الدار، فكلهم قالوا : ما دخل عليك أحد منا، فتيقنت أن رجلاً دخل عليها، وكان يخطبها كثيرٌ ممن له الرئاسة والجاه، فخافت على نفسها من أن يطرقها أحد منهم فيغضبها، فقالت لأبيها : لا بد أن تزوجني، فقال في نفسه : والله لا أزوجها إلا لرجل صالح، فخرج مختفياً إلى المدرسة، فأتى بعض الناس، فقال : سمعت هنا برجل صالح، فأردت أن أزوره، فأشار إلى ذلك الرجل الذي دخل على بنته، ثم سأل ثانياً، وثالثاً، فكلهم أشار إليه، فأتى إليه فقال له : إن لي بنتاً جميلة خطبها مني كثير من الناس، فأردت أن أزوجكها، فجهزها بما يليق بها، وزوجها إياه. هـ.
وذكر ابن عرضون : أن رجلاً كان بالقيروان من العلماء الأتقياء، يقال له شقران، وكان جميل الصورة فهوته امرأة، فأرسلت إلى عجوز، وأسرت إليها أمره على أن توصله إليها، فأتت إليه العجوز، وقالت : عندي ابنة مريضة، وأرادت أن توصي، وعسى أن تصل إليها، وتدعو لها، فلبس ثيابه، ومشى معها إلى أن وصلت إلى الدار فأدخلته، فوجد صبية جميلة، فقالت له : هلمّ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين. فقالت له العجوز : هيهات يا شقران، والله لئن لم تفعل لأصيحنَّ، وأقول : إنك دخلت علينا وعارضتنا، فقال لها : إن كان ولا بد فدعيني حتى أدخل الحجرة، فقالت له : افعل ما بدا لك، فدخل الحجرة، فقال : اللهم إنها ما هوت مني إلا صورتي فَغَيَّرها، فخرج من الحجرة وقد ظهر عليه الجذام. فلما رأته، قالت : اخرج فخرج سالماً. وهذه الحكاية مشهورة ببلاد القيروان. هـ.
قلت : وقد نزل بنا في حال شبابنا كثير مما يشبه هذا، فحفظنا الله بمنّه وكرمه وحسن رعايته. فللَّهِ المنة والحمد، لا أحصي ثناء عليه.

﴿ فلمّا رأى ﴾ زوجُها قميصَ يوسف ﴿ قُدَّ من دُبرٍ قال إنه ﴾ أي : قَوْلُكِ :﴿ ما جزاء. . . ﴾ الخ. ﴿ من كَيدِكُنَّ ﴾ ؛ من حيلتكن. والخطاب لها ولأمثالها ولسائر النساء. ﴿ إنَّ كيدَكُنَّ عَظيم ﴾ ؛ لأن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب، وأشد تأثيراً من النفس والشيطان ؛ لأنهن يواجهن به الرجال، والنفس والشيطان يوسوسان مسارقة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد في دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراُ ﴾. وذلك كمال في حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقاً، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفي الحكم :" ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". والله تعالى أعلم.
واعلمْ أن ما امتحن به الصديق عليه السلام مع العصمة، قد وقع مثله كثيراً في هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع في كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكناً في مدرسة فاس، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها، فَتَلَفتْ البنت وبقيت كذلك إلى الليل، فرأت باباً خلفه ضوء، فأتت إليه، فوجدت فيه رجلاً ينظر في كتاب، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب، فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فرأى أنه تَعَيَّنَ عليه حفظها، فأدخلها وجعل حصيراً بينه وبينها، وبقي كذلك ينظر في كتابه، فإذا بالشيطان زين له عمله، فحفظه الله ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحرك أصابعه واحداً بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجب. ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ثم لاح الضوء، فقال : اخرجي، فخرجت إلى دارها سالمة، فذكرت القضية لوالديها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية، فناداه، فأخبره، فذكر أنه زوجه الأب منها. هـ. مختصراً.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله مثله، أو أحسن منه. وكذلك فعل الحق تعالى بيوسف عليه السلام قد زوجه زليخاً على ما يأتي إن شاء الله.
وحدثني شيخي مولاي العربي رضي الله عنه، أنه وقف على حكايات تناسب هذا ؛ وهو أن رجلاً صالحاً تعلق قلبه بابنة الملك، فلما رأى نفسه أنه لا يقدر على تزوجها تلطف حتى دخل عليها في قبتها ليلاً، فوجدها نائمة على فراشها ملقى على وجهها رداؤها، وشمعة تشعل عند رأسها، وأخرى عند رجلها، وطعام موضوع عندها. فكشف عن وجهها فرأى من الجمال ما أبهر عقله ؛ فجعل يتردد في نفسه، ويخاصمها على فعل الفاحشة، فبينما هو كذلك إذ أبصر لوحاً فوق رأسها مكتوباً فيه :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، فتاب الله تعالى عليه، وزجر نفسه عن هواها، فوضع يده في ذلك الطعام ليأكل منه، وترك فيه أثراً، فلما أفاقت البنت رأت أثر اليد في الطعام، فسألت أهل الدار، فكلهم قالوا : ما دخل عليك أحد منا، فتيقنت أن رجلاً دخل عليها، وكان يخطبها كثيرٌ ممن له الرئاسة والجاه، فخافت على نفسها من أن يطرقها أحد منهم فيغضبها، فقالت لأبيها : لا بد أن تزوجني، فقال في نفسه : والله لا أزوجها إلا لرجل صالح، فخرج مختفياً إلى المدرسة، فأتى بعض الناس، فقال : سمعت هنا برجل صالح، فأردت أن أزوره، فأشار إلى ذلك الرجل الذي دخل على بنته، ثم سأل ثانياً، وثالثاً، فكلهم أشار إليه، فأتى إليه فقال له : إن لي بنتاً جميلة خطبها مني كثير من الناس، فأردت أن أزوجكها، فجهزها بما يليق بها، وزوجها إياه. هـ.
وذكر ابن عرضون : أن رجلاً كان بالقيروان من العلماء الأتقياء، يقال له شقران، وكان جميل الصورة فهوته امرأة، فأرسلت إلى عجوز، وأسرت إليها أمره على أن توصله إليها، فأتت إليه العجوز، وقالت : عندي ابنة مريضة، وأرادت أن توصي، وعسى أن تصل إليها، وتدعو لها، فلبس ثيابه، ومشى معها إلى أن وصلت إلى الدار فأدخلته، فوجد صبية جميلة، فقالت له : هلمّ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين. فقالت له العجوز : هيهات يا شقران، والله لئن لم تفعل لأصيحنَّ، وأقول : إنك دخلت علينا وعارضتنا، فقال لها : إن كان ولا بد فدعيني حتى أدخل الحجرة، فقالت له : افعل ما بدا لك، فدخل الحجرة، فقال : اللهم إنها ما هوت مني إلا صورتي فَغَيَّرها، فخرج من الحجرة وقد ظهر عليه الجذام. فلما رأته، قالت : اخرج فخرج سالماً. وهذه الحكاية مشهورة ببلاد القيروان. هـ.
قلت : وقد نزل بنا في حال شبابنا كثير مما يشبه هذا، فحفظنا الله بمنّه وكرمه وحسن رعايته. فللَّهِ المنة والحمد، لا أحصي ثناء عليه.

ثم التفت العزيزُ إلى يوسف وقال :﴿ يوسفُ ﴾ أي : يا يوسف. وحذف النداء ؛ إشارة إلى تقريبه وملاطفته، ﴿ أعرضْ عن هذا ﴾ الأمر واكتمه، ولا تذكره، ﴿ واستغفري ﴾ يا زليخا ﴿ لذنبك إنك كنت من الخاطئين ﴾ ؛ من القوم المذنبين من خطأ ؛ إذا أذنب متعمداً. والتذكير للتغليب. قاله البيضاوي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد في دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراُ ﴾. وذلك كمال في حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقاً، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفي الحكم :" ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول ". والله تعالى أعلم.
واعلمْ أن ما امتحن به الصديق عليه السلام مع العصمة، قد وقع مثله كثيراً في هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع في كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكناً في مدرسة فاس، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها، فَتَلَفتْ البنت وبقيت كذلك إلى الليل، فرأت باباً خلفه ضوء، فأتت إليه، فوجدت فيه رجلاً ينظر في كتاب، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب، فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فرأى أنه تَعَيَّنَ عليه حفظها، فأدخلها وجعل حصيراً بينه وبينها، وبقي كذلك ينظر في كتابه، فإذا بالشيطان زين له عمله، فحفظه الله ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحرك أصابعه واحداً بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجب. ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ثم لاح الضوء، فقال : اخرجي، فخرجت إلى دارها سالمة، فذكرت القضية لوالديها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية، فناداه، فأخبره، فذكر أنه زوجه الأب منها. هـ. مختصراً.
فمن ترك شيئاً لله عوضه الله مثله، أو أحسن منه. وكذلك فعل الحق تعالى بيوسف عليه السلام قد زوجه زليخاً على ما يأتي إن شاء الله.
وحدثني شيخي مولاي العربي رضي الله عنه، أنه وقف على حكايات تناسب هذا ؛ وهو أن رجلاً صالحاً تعلق قلبه بابنة الملك، فلما رأى نفسه أنه لا يقدر على تزوجها تلطف حتى دخل عليها في قبتها ليلاً، فوجدها نائمة على فراشها ملقى على وجهها رداؤها، وشمعة تشعل عند رأسها، وأخرى عند رجلها، وطعام موضوع عندها. فكشف عن وجهها فرأى من الجمال ما أبهر عقله ؛ فجعل يتردد في نفسه، ويخاصمها على فعل الفاحشة، فبينما هو كذلك إذ أبصر لوحاً فوق رأسها مكتوباً فيه :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، فتاب الله تعالى عليه، وزجر نفسه عن هواها، فوضع يده في ذلك الطعام ليأكل منه، وترك فيه أثراً، فلما أفاقت البنت رأت أثر اليد في الطعام، فسألت أهل الدار، فكلهم قالوا : ما دخل عليك أحد منا، فتيقنت أن رجلاً دخل عليها، وكان يخطبها كثيرٌ ممن له الرئاسة والجاه، فخافت على نفسها من أن يطرقها أحد منهم فيغضبها، فقالت لأبيها : لا بد أن تزوجني، فقال في نفسه : والله لا أزوجها إلا لرجل صالح، فخرج مختفياً إلى المدرسة، فأتى بعض الناس، فقال : سمعت هنا برجل صالح، فأردت أن أزوره، فأشار إلى ذلك الرجل الذي دخل على بنته، ثم سأل ثانياً، وثالثاً، فكلهم أشار إليه، فأتى إليه فقال له : إن لي بنتاً جميلة خطبها مني كثير من الناس، فأردت أن أزوجكها، فجهزها بما يليق بها، وزوجها إياه. هـ.
وذكر ابن عرضون : أن رجلاً كان بالقيروان من العلماء الأتقياء، يقال له شقران، وكان جميل الصورة فهوته امرأة، فأرسلت إلى عجوز، وأسرت إليها أمره على أن توصله إليها، فأتت إليه العجوز، وقالت : عندي ابنة مريضة، وأرادت أن توصي، وعسى أن تصل إليها، وتدعو لها، فلبس ثيابه، ومشى معها إلى أن وصلت إلى الدار فأدخلته، فوجد صبية جميلة، فقالت له : هلمّ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين. فقالت له العجوز : هيهات يا شقران، والله لئن لم تفعل لأصيحنَّ، وأقول : إنك دخلت علينا وعارضتنا، فقال لها : إن كان ولا بد فدعيني حتى أدخل الحجرة، فقالت له : افعل ما بدا لك، فدخل الحجرة، فقال : اللهم إنها ما هوت مني إلا صورتي فَغَيَّرها، فخرج من الحجرة وقد ظهر عليه الجذام. فلما رأته، قالت : اخرج فخرج سالماً. وهذه الحكاية مشهورة ببلاد القيروان. هـ.
قلت : وقد نزل بنا في حال شبابنا كثير مما يشبه هذا، فحفظنا الله بمنّه وكرمه وحسن رعايته. فللَّهِ المنة والحمد، لا أحصي ثناء عليه.

ولما شاع خبر زليخا مع يوسف عليه السلام، عاب عليها بعض النسوة، كما قال تعالى :
﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ * ﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ * ﴿ قَالَتْ فَذالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصَّاغِرِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ * ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
قلت :( نسوة ) : اسم جمع لامرأة. وتأنيثه غير حقيقي، ولذلك جرد فعله من التاء. و( في المدينة ) متعلق بقال، أي : أشعن الخبر في المدينة، أو : صفة لنسوة، فيتعلق بالاستقرار. و( حباً ) : تمييز.
يقول الحق جل جلاله :﴿ وقال نسوة في المدينة ﴾ : مصر، وكانوا خمساً : زوجة الحاجب، والساقي، والخباز، والسجان، وصاحب الدواب. قلن :﴿ امرأةُ العزيزُ تُراودُ فتاها ﴾ : خادمها ﴿ عن نفسه ﴾ أي : تطلب مواقعة غلامهِا إياها، ﴿ قد شَغَفَها حُبَّاً ﴾ ؛ قد دخل شغاف قلبها حُبُّه، وهو غلافه، ﴿ إنا لنراها في ضلالٍ مبين ﴾ ؛ في خطأ عن الرشد بيِّن ظاهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الحب إذا كان على ظاهر القلب، ولم يخرق شغافه، كان العبد مع دنياه، وآخرته، بين ذكر، وغفلة. فإذا دخل سويداء القلب، وخرق شغافه نسي العبد دنياه وأخراه، وغاب عن نفسه وهواه، وضل في محبة مولاه. ولذلك قيل لعاشقة يوسف :﴿ إنا لنراها في ضلال مبين ﴾ أي : في استغراق في المحبة حتى ضل عنها ما دون محبوبها. ومنه قوله تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى ﴾ [ الضحى : ٧ ] أي : وجدك ضالاً في محبته، فهداك إلى حضرة مشاهدته ومقام قربه، فكان قاب قوسين أو أدنى. وعلامة دخول المحبة شغاف القلب أربعة أشياء : الاستيحاش، والإيناس، وذكر الحبيب مع الأنفاس، وحضوره مع الخواطر والوسواس. وأنشدوا :
تَاللَّهِ مَا طَلَعت شَمسٌ ولا غربت إلاَّ وَذكْرُكَ مَقرُونٌ بِأَنفَاسِي
وَلاَ جَلَسْتُ إلى قوْمٍ أُحدّثُهُم إلاَّ وأَنتَ حَدِيثِي بَينَ جُلاّسي
ولا شربتُ لَذيذ الماء مِنْ ظَمَإِ إلا رَأيتُ خَيَالاً مَنكَ في الكاسِ
إن كَانَ للنَّاسِ وسوَاسٌ يُوسوِسُهُم فَأَنتَ واللَّهِ وَسواسِي وخَنَّاسِي
لَولا نَسيمٌ بِذكراكُم أَفيقُ بهِ لكُنتُ مُحتَرِقاً من حرِّ أَنفَاسي

وقال آخر :
خَيَالُك في وَهمِي، وذَكرُكَ في فَهمِي ومَثواكَ فِي قَلبِي، فَأَين تَغِيب ؟
قوله تعالى :﴿ فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن... ﴾ الآية : أدهشتهم طلعة يوسف، وجماله الباهر، وزليخا لما استمرت معه لم تفعل شيئاً من ذلك. كذلك المريد إذا استشرف على أنوار الحضرة وجمالها، أدهشته وحيرته، فلولا التأييد الإلهي ما أطاقها، فإذا صبر على صدماتها، واستمر مع تجليات أنوارها ذهب دهشه. واطمأن قلبه بشهود محبوبه من وراء أردية العز والكبرياء، وهذه هي الطمأنينة الكبرى والسعادة العظمى.
وقوله تعالى :﴿ قال رب السجن أحب إليَّ ﴾، هكذا ينبغي للعبد أن يكون ؛ يختار ما يبقى على ما يفنى ؛ فرب شهوة ساعة أورثت حزناً، ورب صبر ساعة أورثت نعيماً جزيلاً. وبالله التوفيق.

و( حاشَ لله ) : قال أبو علي الفارسي : هي هنا فعل، والدليل على ذلك من وجهين، أحدهما : أنها دخلت على لام الجر، ولا يدخل حرف على حرف. والآخر : أنها حذف منها الألف، على قراءة الجماعة، والحروف لا يحذف منها شيء، وقرأها أبو عمرو بالألف على الأصل، والفاعل بحاش ضميرُ يوسف، أي : بعد يوسف عن الفاحشة لخوف الله.
وقال الزمخشري : حاش، وضع موضع المصدر، كأنه قال : تنزيهاً لله. وحذف منه التنوين ؛ مراعاة لأصله من الحرفية. وقال البيضاوي : هو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، فوضع موضع التنزيه. واللام للبيان، كما في قولك : سقيا لك. ه.
﴿ فلما سمعتْ بمكرهنّ ﴾ ؛ باغتيابهن. وسماه مكراً ؛ لأنهن أخفينَه كما يخفي الماكر مكره. وقيل : كانت اسْتَكتَمَتهن سرها فأفشينه. فلما بلغها إفشاؤه ﴿ أرسلتْ إليهن ﴾ تدعوهن. قيل : دعت أربعين امرأة فيهن الخمس. ﴿ وأعتدتْ ﴾ : أعدت ﴿ لهن مُتكأ ﴾ ؛ ما يتكئن عليه من الوسائد ونحوها. وقيل : المتكأ : طعام، فإنهم كانوا يتكئون للطعام عند أكله، وقرئ في الشاذ :" مَتْكاً "، بسكون التاء وتنوين الكاف، وهو الأترج. ﴿ وآتتْ كل واحدةٍ منهن سكّيناً ﴾ ليقطعن به. وهذا يدل على أن الطعام كان مما يقطع بالسكاكين كالأترج. وقيل : كان لحماً.
﴿ قالت اخْرُجْ عليهن ﴾، فأسعفها ؛ لأنه كان مملوك زوجها، فخرج عليهن، ﴿ فلما رأينه أكْبَرْنَهُ ﴾ : عظمن شأنه وجماله الباهر، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" رأيتً يُوسفَ لَيلَةَ المعراج كالقَمَر لَيلَةَ البَدْرِ " وقيل : كان يُرى تلألؤ وجهه على الجدران. ﴿ وقطّعن أيديَهُنَّ ﴾، جرحنها بالسكين ؛ لفرط الدهشة، اشتغلن بالنظر إليه، وبُهتْن من جماله حتى قطعن أيديهن، وهُنَّ لا يشعرن، كما يقطع الطعام. ﴿ وقُلْنَ حاشَ لله ﴾ ؛ تنزيهاً له عن صفات العجز عن أن يخلق مثله. أو تنزيهاً له أن يجعل هذا بشراً. اعتقدوا أن الكمال خاص بالملائكة، وكونه في البشر في حيز المحال، أو تعجباً من قدرته على خلق مثله. ﴿ ما هذا بشراً ﴾ ؛ لأن هذا الجمال غير معهود للبشر. ﴿ إن هذا إلا مَلَكٌ كَريمُ ﴾ على الله ؛ لأن الجمع بين الجمال الرائق، والكمال الفائق، والعصمة البالغة، من خواص الملائكة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الحب إذا كان على ظاهر القلب، ولم يخرق شغافه، كان العبد مع دنياه، وآخرته، بين ذكر، وغفلة. فإذا دخل سويداء القلب، وخرق شغافه نسي العبد دنياه وأخراه، وغاب عن نفسه وهواه، وضل في محبة مولاه. ولذلك قيل لعاشقة يوسف :﴿ إنا لنراها في ضلال مبين ﴾ أي : في استغراق في المحبة حتى ضل عنها ما دون محبوبها. ومنه قوله تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى ﴾ [ الضحى : ٧ ] أي : وجدك ضالاً في محبته، فهداك إلى حضرة مشاهدته ومقام قربه، فكان قاب قوسين أو أدنى. وعلامة دخول المحبة شغاف القلب أربعة أشياء : الاستيحاش، والإيناس، وذكر الحبيب مع الأنفاس، وحضوره مع الخواطر والوسواس. وأنشدوا :
تَاللَّهِ مَا طَلَعت شَمسٌ ولا غربت إلاَّ وَذكْرُكَ مَقرُونٌ بِأَنفَاسِي
وَلاَ جَلَسْتُ إلى قوْمٍ أُحدّثُهُم إلاَّ وأَنتَ حَدِيثِي بَينَ جُلاّسي
ولا شربتُ لَذيذ الماء مِنْ ظَمَإِ إلا رَأيتُ خَيَالاً مَنكَ في الكاسِ
إن كَانَ للنَّاسِ وسوَاسٌ يُوسوِسُهُم فَأَنتَ واللَّهِ وَسواسِي وخَنَّاسِي
لَولا نَسيمٌ بِذكراكُم أَفيقُ بهِ لكُنتُ مُحتَرِقاً من حرِّ أَنفَاسي

وقال آخر :
خَيَالُك في وَهمِي، وذَكرُكَ في فَهمِي ومَثواكَ فِي قَلبِي، فَأَين تَغِيب ؟
قوله تعالى :﴿ فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن... ﴾ الآية : أدهشتهم طلعة يوسف، وجماله الباهر، وزليخا لما استمرت معه لم تفعل شيئاً من ذلك. كذلك المريد إذا استشرف على أنوار الحضرة وجمالها، أدهشته وحيرته، فلولا التأييد الإلهي ما أطاقها، فإذا صبر على صدماتها، واستمر مع تجليات أنوارها ذهب دهشه. واطمأن قلبه بشهود محبوبه من وراء أردية العز والكبرياء، وهذه هي الطمأنينة الكبرى والسعادة العظمى.
وقوله تعالى :﴿ قال رب السجن أحب إليَّ ﴾، هكذا ينبغي للعبد أن يكون ؛ يختار ما يبقى على ما يفنى ؛ فرب شهوة ساعة أورثت حزناً، ورب صبر ساعة أورثت نعيماً جزيلاً. وبالله التوفيق.

و( ليكونن ) : نون التوكيد الخفيفة كتبت بالألف ؛ لشبهها بالتنوين.
﴿ قالت ﴾ لهن :﴿ فذلِكُنَّ الذي لُمتنَّني فيه ﴾ ؛ توبيخاً لهن على اللوم، أي : فهو ذلك الغلام الكنعاني، الذي لمتنني في الافتتان به قبل أن ترونه. ولو كنتن رَأَيْتُنَّهُ لعذرتُنَّنِي، ﴿ ولقد راودتُه عن نفسه فاستعصم ﴾ : فامتنع طلباً للعصمة. أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها ؛ كي يعاونها على إلانة عريكته، ﴿ ولئن لم يفعلْ ما آمُرُهُ ﴾ به ﴿ ليُسَبِّحنَ وليكونا من الصاغرين ﴾ الأذلاء، وهو من صِغَر، بالكسر يَصغَر صغاراً. فقلن له : أطع مولاتك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الحب إذا كان على ظاهر القلب، ولم يخرق شغافه، كان العبد مع دنياه، وآخرته، بين ذكر، وغفلة. فإذا دخل سويداء القلب، وخرق شغافه نسي العبد دنياه وأخراه، وغاب عن نفسه وهواه، وضل في محبة مولاه. ولذلك قيل لعاشقة يوسف :﴿ إنا لنراها في ضلال مبين ﴾ أي : في استغراق في المحبة حتى ضل عنها ما دون محبوبها. ومنه قوله تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى ﴾ [ الضحى : ٧ ] أي : وجدك ضالاً في محبته، فهداك إلى حضرة مشاهدته ومقام قربه، فكان قاب قوسين أو أدنى. وعلامة دخول المحبة شغاف القلب أربعة أشياء : الاستيحاش، والإيناس، وذكر الحبيب مع الأنفاس، وحضوره مع الخواطر والوسواس. وأنشدوا :
تَاللَّهِ مَا طَلَعت شَمسٌ ولا غربت إلاَّ وَذكْرُكَ مَقرُونٌ بِأَنفَاسِي
وَلاَ جَلَسْتُ إلى قوْمٍ أُحدّثُهُم إلاَّ وأَنتَ حَدِيثِي بَينَ جُلاّسي
ولا شربتُ لَذيذ الماء مِنْ ظَمَإِ إلا رَأيتُ خَيَالاً مَنكَ في الكاسِ
إن كَانَ للنَّاسِ وسوَاسٌ يُوسوِسُهُم فَأَنتَ واللَّهِ وَسواسِي وخَنَّاسِي
لَولا نَسيمٌ بِذكراكُم أَفيقُ بهِ لكُنتُ مُحتَرِقاً من حرِّ أَنفَاسي

وقال آخر :
خَيَالُك في وَهمِي، وذَكرُكَ في فَهمِي ومَثواكَ فِي قَلبِي، فَأَين تَغِيب ؟
قوله تعالى :﴿ فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن... ﴾ الآية : أدهشتهم طلعة يوسف، وجماله الباهر، وزليخا لما استمرت معه لم تفعل شيئاً من ذلك. كذلك المريد إذا استشرف على أنوار الحضرة وجمالها، أدهشته وحيرته، فلولا التأييد الإلهي ما أطاقها، فإذا صبر على صدماتها، واستمر مع تجليات أنوارها ذهب دهشه. واطمأن قلبه بشهود محبوبه من وراء أردية العز والكبرياء، وهذه هي الطمأنينة الكبرى والسعادة العظمى.
وقوله تعالى :﴿ قال رب السجن أحب إليَّ ﴾، هكذا ينبغي للعبد أن يكون ؛ يختار ما يبقى على ما يفنى ؛ فرب شهوة ساعة أورثت حزناً، ورب صبر ساعة أورثت نعيماً جزيلاً. وبالله التوفيق.

﴿ قال ربّ السجنُ أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه ﴾ من فعل الفاحشة ؛ بالنظر إلى العاقبة. وإن كان مما تشتهيه النفس. لكن رُبَّ شَهوةَ ساعة أورَثَتْ حُزْناً طويلاً. قيل : إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا، وإنما كان اللائق به أن يسأل الله العافية، فالاختيار لنفسه أوقعه في السجن، ولو ترك الاختيار لكان معصوماً من غير امتحان بالسجن، كما كان معصوماً وقت المراودة، ﴿ وإلا تَصْرِف عني ﴾ : وإن لم تصرف عني ﴿ كيدَهُنَّ ﴾ من تحبيب ذلك إليَّ، وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة، ﴿ أَصْبُ إليهن ﴾ ؛ أًمِلْ إلى جانبهن بطبعي ومقتضى شهوتي، ﴿ وأكن من الجاهلين ﴾ ؛ من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه، فإن الحكيم لا يفعل ما هو قبيح. أو من الذين لا يعملون بما يعلمون، فإنهم جهال، وكلامه هذا : تضرع إلى الله تعالى، واستغاثة به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الحب إذا كان على ظاهر القلب، ولم يخرق شغافه، كان العبد مع دنياه، وآخرته، بين ذكر، وغفلة. فإذا دخل سويداء القلب، وخرق شغافه نسي العبد دنياه وأخراه، وغاب عن نفسه وهواه، وضل في محبة مولاه. ولذلك قيل لعاشقة يوسف :﴿ إنا لنراها في ضلال مبين ﴾ أي : في استغراق في المحبة حتى ضل عنها ما دون محبوبها. ومنه قوله تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى ﴾ [ الضحى : ٧ ] أي : وجدك ضالاً في محبته، فهداك إلى حضرة مشاهدته ومقام قربه، فكان قاب قوسين أو أدنى. وعلامة دخول المحبة شغاف القلب أربعة أشياء : الاستيحاش، والإيناس، وذكر الحبيب مع الأنفاس، وحضوره مع الخواطر والوسواس. وأنشدوا :
تَاللَّهِ مَا طَلَعت شَمسٌ ولا غربت إلاَّ وَذكْرُكَ مَقرُونٌ بِأَنفَاسِي
وَلاَ جَلَسْتُ إلى قوْمٍ أُحدّثُهُم إلاَّ وأَنتَ حَدِيثِي بَينَ جُلاّسي
ولا شربتُ لَذيذ الماء مِنْ ظَمَإِ إلا رَأيتُ خَيَالاً مَنكَ في الكاسِ
إن كَانَ للنَّاسِ وسوَاسٌ يُوسوِسُهُم فَأَنتَ واللَّهِ وَسواسِي وخَنَّاسِي
لَولا نَسيمٌ بِذكراكُم أَفيقُ بهِ لكُنتُ مُحتَرِقاً من حرِّ أَنفَاسي

وقال آخر :
خَيَالُك في وَهمِي، وذَكرُكَ في فَهمِي ومَثواكَ فِي قَلبِي، فَأَين تَغِيب ؟
قوله تعالى :﴿ فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن... ﴾ الآية : أدهشتهم طلعة يوسف، وجماله الباهر، وزليخا لما استمرت معه لم تفعل شيئاً من ذلك. كذلك المريد إذا استشرف على أنوار الحضرة وجمالها، أدهشته وحيرته، فلولا التأييد الإلهي ما أطاقها، فإذا صبر على صدماتها، واستمر مع تجليات أنوارها ذهب دهشه. واطمأن قلبه بشهود محبوبه من وراء أردية العز والكبرياء، وهذه هي الطمأنينة الكبرى والسعادة العظمى.
وقوله تعالى :﴿ قال رب السجن أحب إليَّ ﴾، هكذا ينبغي للعبد أن يكون ؛ يختار ما يبقى على ما يفنى ؛ فرب شهوة ساعة أورثت حزناً، ورب صبر ساعة أورثت نعيماً جزيلاً. وبالله التوفيق.

﴿ فاستجاب له ربه ﴾ : أجاب دعاءه الذي تضمنه كلامه، ﴿ فصرفَ عنه كيدهنَّ ﴾ حيث ثبته على العصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن، وآثرها على اللذة الفانية ؛ ﴿ إنه هو السميعُ ﴾ لدعاء الملتجئين إليه، ﴿ العليم ﴾ بإخلاصهم أو بما يصلح بهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الحب إذا كان على ظاهر القلب، ولم يخرق شغافه، كان العبد مع دنياه، وآخرته، بين ذكر، وغفلة. فإذا دخل سويداء القلب، وخرق شغافه نسي العبد دنياه وأخراه، وغاب عن نفسه وهواه، وضل في محبة مولاه. ولذلك قيل لعاشقة يوسف :﴿ إنا لنراها في ضلال مبين ﴾ أي : في استغراق في المحبة حتى ضل عنها ما دون محبوبها. ومنه قوله تعالى :﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى ﴾ [ الضحى : ٧ ] أي : وجدك ضالاً في محبته، فهداك إلى حضرة مشاهدته ومقام قربه، فكان قاب قوسين أو أدنى. وعلامة دخول المحبة شغاف القلب أربعة أشياء : الاستيحاش، والإيناس، وذكر الحبيب مع الأنفاس، وحضوره مع الخواطر والوسواس. وأنشدوا :
تَاللَّهِ مَا طَلَعت شَمسٌ ولا غربت إلاَّ وَذكْرُكَ مَقرُونٌ بِأَنفَاسِي
وَلاَ جَلَسْتُ إلى قوْمٍ أُحدّثُهُم إلاَّ وأَنتَ حَدِيثِي بَينَ جُلاّسي
ولا شربتُ لَذيذ الماء مِنْ ظَمَإِ إلا رَأيتُ خَيَالاً مَنكَ في الكاسِ
إن كَانَ للنَّاسِ وسوَاسٌ يُوسوِسُهُم فَأَنتَ واللَّهِ وَسواسِي وخَنَّاسِي
لَولا نَسيمٌ بِذكراكُم أَفيقُ بهِ لكُنتُ مُحتَرِقاً من حرِّ أَنفَاسي

وقال آخر :
خَيَالُك في وَهمِي، وذَكرُكَ في فَهمِي ومَثواكَ فِي قَلبِي، فَأَين تَغِيب ؟
قوله تعالى :﴿ فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن... ﴾ الآية : أدهشتهم طلعة يوسف، وجماله الباهر، وزليخا لما استمرت معه لم تفعل شيئاً من ذلك. كذلك المريد إذا استشرف على أنوار الحضرة وجمالها، أدهشته وحيرته، فلولا التأييد الإلهي ما أطاقها، فإذا صبر على صدماتها، واستمر مع تجليات أنوارها ذهب دهشه. واطمأن قلبه بشهود محبوبه من وراء أردية العز والكبرياء، وهذه هي الطمأنينة الكبرى والسعادة العظمى.
وقوله تعالى :﴿ قال رب السجن أحب إليَّ ﴾، هكذا ينبغي للعبد أن يكون ؛ يختار ما يبقى على ما يفنى ؛ فرب شهوة ساعة أورثت حزناً، ورب صبر ساعة أورثت نعيماً جزيلاً. وبالله التوفيق.

ثم ذكر سجن يوسف، وما يتبعه من إخراجه، وتمليكه، وتمكينه، فقال :
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ * ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِيا أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِيا أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذالِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيا إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ * ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذالِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾
قلت :( ليسجننه ) : مفسر للفاعل، أي : ظهر له سجنه ؛ إذ الجملة لا تكون فاعلاً على المشهور، وجوزه بعضهم مستدلاً بالآية. وقيل : محذوف، أي : بدا لهم رأي ليسجننه. وقال الإمام القصار، الفاعل هو القسم المفهوم من اللام الموطئة له، أي : بدا لهم قسمهم ليسجننه.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ثم بَدَا لهم ﴾ أي : ظهر للعزيز وأهله، ﴿ من بعد ما رأوا الآيات ﴾ الدالة على براءة يوسف ؛ كشهادة الصبي، وقَدّ القميص، وقطع الأيدي، واستعصامه منهن، فظهر لهم سجنه. وأقسموا ﴿ ليَسجُننَّهُ حتى حين ﴾ حتى يظهر ما يكون منه ؛ ليظن الناس أنها مُحِقة فيما ادعت عليه. فخدعت زوجها حتى وافقها على سجنه. ورُوي أنه لما أدخل السجن ندَمت زليخاً على سجنه، وعيل صبرها على فراقه، فأرسلت إلى السجان ليطلقه، فأبى، فلبث فيه سبع سنين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : جرت عادة الحق ـ تعالى ـ في خلقه أنه لا يأتي الامتكان إلا بعد الامتحان، ولا يأتي السلوان إلا بعد الأشجان، ولا يأتي العز إلا بعد الذل، ولا يأتي الوجد إلا بعد الفقد. فبقدر ما يضيق على البشرية تتسع ميادين الروحانية، وبقدر ما تسجن النفس وتحبس عن هواها، تتسع الروح في مشاهدة مولاها.
وقوله تعالى :﴿ ودخل معه السجن فتيان ﴾ : إشارة إلى أن امتحانه بالسجن كان لتكميل حقيقته وشريعته، فمن رأى أنه يحمل الطعام فإشارة إلى حمل لواء الشريعة، ومن رأى أنه يعصر خمراً فإشارة إلى تحقيق خمرة الحقيقة، فيكون من أهل مقام الإحسان، ولذلك قال :﴿ إنا نراك من المحسنين ﴾، ثم ذكر نتيجة مقام الإحسان ـ وهو التوحيد الخاص ـ فقال :﴿ ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ﴾. وذكر أن ذلك ناله من باب الكرم لا من باب العمل، فقال :﴿ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ﴾. والله تعالى أعلم.

﴿ ودخلَ معه السجنَ فتيان ﴾ أي : فسجنوه واتفق أنه دخل معه في ذلك اليوم رجلان آخران، من عبيد الملك : ساقيه وخبازه، اتُهِمَا أنهما أرادا أن يَسُمَّاه، ﴿ قال أحدهما ﴾ وهو الساقي :﴿ إني أراني ﴾ في المنام ﴿ أعصِرُ خمراً ﴾ أي : عنباً. وسماه خمراً : باعتبار ما يؤول إليه. رُوي أنه قال : رأيت كأن الملك دعاني وردني إلى قصره، فبينما أنا أدور في القصر، وإذا بثلاثة عناقيد من العنب، فعصرتها، وحملت ذلك إلى الملك لأسقيه له.
﴿ وقال الآخرُ ﴾ وهو الخباز :﴿ إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكلُ ﴾ : تنهش ﴿ الطيرُ منه ﴾، قال : رأيت كأن العزيز دعاني، وأخرجني من السجن، ودفع لي طيفورة عليها خبز، فوضعتها على رأسي، والطير تأكل منه. ﴿ نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ﴾ ؛ من الذين يحسنون تأويل الرؤيا. وإنما قالا له ذلك ؛ لأنهما رأياه في السجن يعظ الناس ويعبر رؤياهم، أو من المحسنين إلى أهل السجن، كان عليه السلام، إذا رأى محتاجاً طلب له، وإذا رأى مضيقاً وسع ليه ؛ فقالا له : فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : جرت عادة الحق ـ تعالى ـ في خلقه أنه لا يأتي الامتكان إلا بعد الامتحان، ولا يأتي السلوان إلا بعد الأشجان، ولا يأتي العز إلا بعد الذل، ولا يأتي الوجد إلا بعد الفقد. فبقدر ما يضيق على البشرية تتسع ميادين الروحانية، وبقدر ما تسجن النفس وتحبس عن هواها، تتسع الروح في مشاهدة مولاها.
وقوله تعالى :﴿ ودخل معه السجن فتيان ﴾ : إشارة إلى أن امتحانه بالسجن كان لتكميل حقيقته وشريعته، فمن رأى أنه يحمل الطعام فإشارة إلى حمل لواء الشريعة، ومن رأى أنه يعصر خمراً فإشارة إلى تحقيق خمرة الحقيقة، فيكون من أهل مقام الإحسان، ولذلك قال :﴿ إنا نراك من المحسنين ﴾، ثم ذكر نتيجة مقام الإحسان ـ وهو التوحيد الخاص ـ فقال :﴿ ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ﴾. وذكر أن ذلك ناله من باب الكرم لا من باب العمل، فقال :﴿ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ﴾. والله تعالى أعلم.

﴿ قال لا يأتيكما طعامُ تُرزِقَانِه ﴾ في النوم، ﴿ إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكُما ﴾ تأويله في الدنيا. أو : لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة ؛ لتأكلاه إلا أخبرتكما به، ما هو ؟ وما لونه ؟ وما صفته ؟ وكم هو ؟ قبل أن يأتيكما، إخباراً بالغيب، فيأتيهما كذلك ؛ معجزة. وصَفَ نفسَه بكثرة العلم والمكاشفة ؛ ليكون وسيلة إلى دعائهما إلى التوحيد.
ثم قال لهما :﴿ ذلكما مما علمني ربي ﴾ بالوحي والإلهام. وليس ذلك من قبيل التكهن أو التنجيم. رُوي أنهما قالا له : من أين لك هذا العلم، وأنت لست بكاهن ولا منجم ؟ فقال لهما :﴿ ذلكما مما علمني ربي إني تركتُ مِلّةََ ﴾ ؛ طريقة ﴿ قومٍ لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ﴾ أي : علمني ذلك لأني تركت ملة أهلِ الكفر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : جرت عادة الحق ـ تعالى ـ في خلقه أنه لا يأتي الامتكان إلا بعد الامتحان، ولا يأتي السلوان إلا بعد الأشجان، ولا يأتي العز إلا بعد الذل، ولا يأتي الوجد إلا بعد الفقد. فبقدر ما يضيق على البشرية تتسع ميادين الروحانية، وبقدر ما تسجن النفس وتحبس عن هواها، تتسع الروح في مشاهدة مولاها.
وقوله تعالى :﴿ ودخل معه السجن فتيان ﴾ : إشارة إلى أن امتحانه بالسجن كان لتكميل حقيقته وشريعته، فمن رأى أنه يحمل الطعام فإشارة إلى حمل لواء الشريعة، ومن رأى أنه يعصر خمراً فإشارة إلى تحقيق خمرة الحقيقة، فيكون من أهل مقام الإحسان، ولذلك قال :﴿ إنا نراك من المحسنين ﴾، ثم ذكر نتيجة مقام الإحسان ـ وهو التوحيد الخاص ـ فقال :﴿ ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ﴾. وذكر أن ذلك ناله من باب الكرم لا من باب العمل، فقال :﴿ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ﴾. والله تعالى أعلم.

﴿ واتبعتُ ملة آبائي إبراهيمَ وإسحاق ويعقوبَ ﴾، وإنما قال ذلك ؛ تمهيداً للدعوة، وإظهاراً أنه من بيت النبوة ؛ لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه، والوثوق به.
ما كان لنا } : ما صح لنا معشر الأنبياء ﴿ أن نُشرك بالله من شيء ﴾ أيّ شرك كان، ﴿ ذلك ﴾ التوحيد ﴿ من فضل الله علينا ﴾ بالوحي ﴿ وعلى الناس ﴾ ببعثنا إليهم، وإرشادنا إياهم وتثبيتهم عليه، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يشكرون ﴾ هذا الفضل ؛ فيُعرضون عنه. أو من فضل الله علينا بالوحي والإلهام، وعلى الناس بنصب الدلائل وإنزال الآيات. ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها، ولا يستدلون بها، فيوحدون خالقها، فهم كمن كفر النعمة ولم يشكرها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : جرت عادة الحق ـ تعالى ـ في خلقه أنه لا يأتي الامتكان إلا بعد الامتحان، ولا يأتي السلوان إلا بعد الأشجان، ولا يأتي العز إلا بعد الذل، ولا يأتي الوجد إلا بعد الفقد. فبقدر ما يضيق على البشرية تتسع ميادين الروحانية، وبقدر ما تسجن النفس وتحبس عن هواها، تتسع الروح في مشاهدة مولاها.
وقوله تعالى :﴿ ودخل معه السجن فتيان ﴾ : إشارة إلى أن امتحانه بالسجن كان لتكميل حقيقته وشريعته، فمن رأى أنه يحمل الطعام فإشارة إلى حمل لواء الشريعة، ومن رأى أنه يعصر خمراً فإشارة إلى تحقيق خمرة الحقيقة، فيكون من أهل مقام الإحسان، ولذلك قال :﴿ إنا نراك من المحسنين ﴾، ثم ذكر نتيجة مقام الإحسان ـ وهو التوحيد الخاص ـ فقال :﴿ ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ﴾. وذكر أن ذلك ناله من باب الكرم لا من باب العمل، فقال :﴿ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ﴾. والله تعالى أعلم.

ثم دعاهم على التوحيد، فقال :
﴿ يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ * ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾
قلت : الإضافة في ( صاحبي السجن ) : على معنى ( في ) ؛ كقولك :
يا سَارِقَ الليْلَةَ أَهْل الدَّارِ ***. . .
يقول الحق جل جلاله :﴿ يا صاحبَي السجن ﴾ أي : ساكنيه، أو يا صاحبي فيه ؛ ﴿ أأرباب متفرقون ﴾ : متعددون، ﴿ خيرٌ أم اللهُ الواحدُ ﴾ المتوحّد في الألوهية، ﴿ القهّار ﴾ : الغالب على أمره، لا يقاومه غيره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من لم يجمع قلبه على مولاه، واتبع حظوظه وهواه، فله أرباب متفرقون بقدر ما يميل إليه قلبُه من هذا العرض الفاني. قال ابن عطية : وقد ابتلي بأرباب متفرقين من يخدم أبناء الدنيا، ويؤملهم. هـ. وفي الحديث :" خَابَ مَن رَجَى غير الله وضَلَّ سَعيُه، وطَابَ وقَتُ مَن وَثَقَ بِاللِّهِ " ولله در القائل :
حَرامٌ على مَنْ وَحّدَ الله رَبّهُ وَأَفرَدَهُ أن يَجتَدي أَحَدَاً رفدا
فَيَا صَاحِبي قِف بي عَلى الحقِّ وقفَةً مُوتُ بَها وَجداً وأَحيَا بِها وَجداً
وَخَلِّ مُلوك الأرضِ تَجهَد جُهدَهَا فّذا المُلكُ مُلكٌ لا يُباع ولا يُهدَى

﴿ ما تعبدون ﴾ أنتم ومن على دينكم من أهل مصر، ﴿ من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ﴾ أي : ما تعبدون إلا مسميات أسماء من الحجارة، والخشب، سميتموها آلهة من غير حجة تدل على استحقاقها للعبادة. والمعنى : سميتم آلهة ما لا يستحق الألوهية، ثم عبدتموها. ﴿ ما أنزل اللهُ بها ﴾ أي : بعبادتها ﴿ من سلطانٍ ﴾ : من حجة ولا برهان. ﴿ إن الحُكمُ ﴾ في أمر العبادة ﴿ إلا لله ﴾ ؛ لأنه المستحق لها دون غيره، من حيث أنه الواجب لذاته، الموجد للكل، هو المالك لأمره، ﴿ أمَر ﴾ على لسان أنبيائه ﴿ ألا تعبدوا إلا إياه ﴾ ولا تعبدوا معه سواه ﴿ ذلك الدين القيم ﴾ القويم الذي لا عوج فيه، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ دلائل توحيده، فيتخبطون في جهالتهم. قال البيضاوي : وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة، بَيّن لهم أولاً : رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة، ثم برهن على أن ما يُسمونها آلهة، ويعبدونها لا تستحق الألوهية، ثم دل على ما هو الحق القويم، والدين المستقيم، الذي لا يقتضي العقل غيره، ولا يرتضي العلم دونه. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من لم يجمع قلبه على مولاه، واتبع حظوظه وهواه، فله أرباب متفرقون بقدر ما يميل إليه قلبُه من هذا العرض الفاني. قال ابن عطية : وقد ابتلي بأرباب متفرقين من يخدم أبناء الدنيا، ويؤملهم. هـ. وفي الحديث :" خَابَ مَن رَجَى غير الله وضَلَّ سَعيُه، وطَابَ وقَتُ مَن وَثَقَ بِاللِّهِ " ولله در القائل :
حَرامٌ على مَنْ وَحّدَ الله رَبّهُ وَأَفرَدَهُ أن يَجتَدي أَحَدَاً رفدا
فَيَا صَاحِبي قِف بي عَلى الحقِّ وقفَةً مُوتُ بَها وَجداً وأَحيَا بِها وَجداً
وَخَلِّ مُلوك الأرضِ تَجهَد جُهدَهَا فّذا المُلكُ مُلكٌ لا يُباع ولا يُهدَى

ثم فسر لهما الرؤيا، فقال :
﴿ يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ * ﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾
قلت :( منهما ) : يتعلق بظن، والظن يحتمل أن يكون بمعنى اليقين ؛ لأن قوله :( قضي الأمر ) يقتضي ذلك، أو يبقى على بابه.
يقول الحق جل جلاله : قال يوسف :﴿ يا صاحِبَي السجن ﴾ المستفتيان عن الرؤيا، ﴿ أما أحدُكُما ﴾ وهو الساقي، ﴿ فيسْقي ربه خمراً ﴾ كما كان يسقيه قبلُ، ويعود إلى ما كان عليه، ﴿ وأما الآخرُ فيُصلبُ فتأكلُ الطير من رأسه ﴾، فقالا : كَذَبْنا ما رأينا شيئاً، فقال :﴿ قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان ﴾، سبق به القضاءُ في الأزل، وهو ما يؤول إليه أمركما، ولذلك وحده ولم يقل : قضي أمراكما. رُوي أنه لما دعاهما إلى التوحيد أسلم الساقي وأبى الخباز، فأخرج بعد ثلاث وصُلب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : النسيان والغفلة التي لا تثبت في القلب، والخواطر التي ترد وتذهب من أوصاف البشرية التي لا تنافي الخصوصية، إذ لا انفكاك للعبد عنها. قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠١ ] فالطيف لا ينجو منه أحد ؛ لأنه من جملة أوصاف العبودية التي بها تعرف كمالات الربوبية.
وقد قال تعالى في حق سيد العارفين :﴿ وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٠ ] ؛ فالعصمة التي تجب للأنبياء إنما هي مما يوجب نقصاً أن غضاً من مرتبتهم. وهذه الأمور إنما توجب كمالاً ؛ لأنها بها يتحقق كمال العبودية التي هي شرف العبد. فافهم وسلم، ولا تنتقد، فإن هذه الأمور لا يفهمها إلا العارفون بالله، دون غيرهم من أهل العلم الظاهر.
وقال الورتجبي : إن يوسف عليه السلام لم يعلم وقت إيمان الملك، ولم يأت وقت دخوله في الإسلام، فأنساه الشيطان ذكر ربه، في سابق حكمه، على تقدير وقت إيمان الملك، فلبث في السجن إلى وقت إيمان الملك، فنسيان يوسف : احتجابه عن النظر إلى قدره السابق. هـ.

﴿ وقال للذي ظنَّ أنه ناج منهما ﴾ يوسف، أي : تيقن، أو غلب على ظنه أنه ناجٍ منهما، إما عن وحي، على الأول، أو باجتهاد بسبب الرؤيا :﴿ اذكُرني عند ربك ﴾ ؛ عند سيدك، وهو المَلِك، وقل له : غلامٌ سُجنَ ظُلماً، لعله يُخلصني. قال ابن عطية : يحتمل أن يذكره بعلمه ومكانته، ويحتمل أن يذكره بمظلمته، وما امتحن به بغير حق. أو يذكره بهما. ه. وقال الورتجبي : يحتمل أن قوله :﴿ اذكرني عند ربك ﴾ : عَرَّف له طريقتي مع الله حتى يعرفني أني رسول الله، ويطيعني في طاعة الله، وينجو بذلك من عذابه، ويصل إلى ثوابه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وليوحد الله تعالى، ويتخلص من كيد الشيطان، وما معه من الإنسان. ه.
﴿ فأنسَاهُ الشيطانُ ذكرَ ربه ﴾ أي : فأنسى الساقي أن يذكر يوسف لربه. أو أنسي يوسفَ ذكرَ الله حتى استغاث بغير، فأدبه، ﴿ فلبثَ في السجن ﴾، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم :" رَحِمَ الله أخِي يُوسُف، لَوْ لَمْ يَقُل : اذْكرْنِي عند رَبِّك، لَمَا لَبِثَ في السِّجنِ سَبْعاً بَعدَ الخَمسِ ".
روي أن جبريل عليه السلام أتاه بعد المقالة، فقال له : مَن أخرجك من الجُبِّ، وخلِّصك من القتل، وعَصَمَكَ من الفاحشة ؟ فقال : الله. فقال : كيف تعتصم بغيره، وتثق بالمخلوق، وترفع قصتك إليه، وتترك ربك ؟ ! قال : يا جبريل ؛ كلمات جرت على لساني، وأنا تائب لا أعود لمثلها. ه. والاستعانة بالمخلوق، وإن كانت جائزة شرعاً، لكنها لا تليق بمقام الأقوياء. ﴿ فلبث في السجن بضْعَ سنين ﴾ البضع : من الثلاث إلى التسع. ؟ رُوي أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين أولاً، ثم سجن بعد المقالة سبع سنين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : النسيان والغفلة التي لا تثبت في القلب، والخواطر التي ترد وتذهب من أوصاف البشرية التي لا تنافي الخصوصية، إذ لا انفكاك للعبد عنها. قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠١ ] فالطيف لا ينجو منه أحد ؛ لأنه من جملة أوصاف العبودية التي بها تعرف كمالات الربوبية.
وقد قال تعالى في حق سيد العارفين :﴿ وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٠ ] ؛ فالعصمة التي تجب للأنبياء إنما هي مما يوجب نقصاً أن غضاً من مرتبتهم. وهذه الأمور إنما توجب كمالاً ؛ لأنها بها يتحقق كمال العبودية التي هي شرف العبد. فافهم وسلم، ولا تنتقد، فإن هذه الأمور لا يفهمها إلا العارفون بالله، دون غيرهم من أهل العلم الظاهر.
وقال الورتجبي : إن يوسف عليه السلام لم يعلم وقت إيمان الملك، ولم يأت وقت دخوله في الإسلام، فأنساه الشيطان ذكر ربه، في سابق حكمه، على تقدير وقت إيمان الملك، فلبث في السجن إلى وقت إيمان الملك، فنسيان يوسف : احتجابه عن النظر إلى قدره السابق. هـ.

ثم ذكر سبب خروجه من السجن، فقال :
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ ﴾ * ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ * ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيا أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذالِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذالِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾
قلت : يقال : عَبرت الرؤيا بالتخفيف عبارة، وهو أفصح من عبَّرت بالتشديد تعبيراً. واللام للبيان، أو لتقوية العامل ؛ لضعف الفعل بتأخيره عن مفعوله. والأصل : تعبرون الرؤيا.
يقول الحق جل جلاله :﴿ وقال الملِكُ ﴾ ؛ وهو ملك مصر الذي كان العزيز وزيراً له، واسمه :" ريان بن الوليد ". وقيل :" مصعب بن الريان "، وكان من الفراعنة رُوي أن يوسف عليه السلام لما لبث في السجن سْبع سنين سجد، وقال : إلهي، خلصني من السجن، فكلما دعا يوسف أمنت الملائكة، فاتفق في الليلة التي دعا فيها يوسف أن رأى الملكُ تلك الرؤيا التي ذكرها بقوله :﴿ إني أرى ﴾ في المنام ﴿ سبعَ بقراتٍ سمَانٍ ﴾ خرجن من نهر يابس، وسبع بقرات عجاف مهازيل خرجن بأثرهن فابتلعت المهازيلُ السمان، ﴿ وسبعَ سنبلات خُضْرٍ ﴾ قد انعقد حَبُّها، ﴿ و ﴾ سبعاً، ﴿ أخر يابسات ﴾ قد أدركت، فالْتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها. فلما رأى ذلك انتبه مرعوباً، وجمع ندماءه، ودعا المفسرين، فقال :﴿ يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ﴾ ؛ اعبروها، ﴿ إن كنتم للرؤيا تعْبُرون ﴾ أي : إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي الجوع أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " ١.
وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :( أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار ). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.

﴿ قالوا ﴾ : هذه ﴿ أضغاثُ أحلام ﴾ ؛ تخاليطها، جمع ضَغث، وأصله : ما جمع من أخلاط النبات وحُزم، فاستعير للرؤيا الكاذبة. وإنما جمعوا ﴿ أحلام ﴾ ؛ للمبالغة في وصف الحلم بالكذب. ثم قالوا :﴿ ومن نحن بتأويل الأحلام بعالمين ﴾، والمعنى : ليس لها تأويل عندنا ؛ لأنها أكاذيب الشيطان، وإنما التأويل للمنامات الصادقة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي الجوع أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " ١.
وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :( أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار ). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.

وأصل ( ادكر ) اذتكر، فقلبت التاء دالاً مهملة، وأدغمت المعجمة فيها فبقيت دالاً. وإليه أشار ابن مالك بقوله :
في ادَّانَ وازْدَادْ وادَّكِرْ دالاً بَقِي ***. . .
﴿ وقال الذي نجا منهما ﴾ من صاحبي السجن، وهو الساقي، وكان حاضراً، ﴿ وادَّكرَ بعد أُمة ﴾ أي : وتذكر بعد جماعة من السنين، وهي سبع سنين، ﴿ أنا أُنبئكم بتأويله فأرسلون ﴾ إلى من عنده علمها، أو إلى السجن. رُوي أنه لما سمع مقالة الملك بكى، فقال الملك : ما لك تبكي ؟ قال : أيها الملك ؛ إن رؤياك هذه لا يعبرها إلا الغلام العبراني الذي في السجن، فتغير وجه الملك، وقال : إني نسيته، وما ذكرته منذ سبع سنين، ما خطر لي ببال. فقال الساقي : وأنا مثلك، فقال لهم الملك : وما يدريك أنه يعبر الرؤيا ؟ فحدثه بأمره، وأمر الساقي فقال له : امض إليه وسله، فقال : إني والله أستحي منه ؛ لأنه أوصاني ونسيت، فقال له : لا تستح منه ؛ لأنه يرى الخير والشر من مولاه فلا يلومك. فأتاه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي الجوع أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " ١.
وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :( أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار ). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.

فقال :﴿ يوسفُ ﴾ أي : يا يوسف، ﴿ أيها الصّدّيق ﴾ : المبالغ في الصدق. وإنما وصفه بالصِّدِّيقية لما جرب من أحواله، وما رأى من مناقبه، مع ما سمع من تعبير رؤياه ورؤيا صاحبه، ﴿ افْتِنَا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ﴾ أي : أفتني في رؤيا ذلك واعبرها لي، ﴿ لعلي أرجعُ إلى الناس ﴾ أي : أعودُ إلى الملك ومن عنده، أو إلى أهل البلد ؛ إذ قيل : إن السجن كان خارجاً البلد.
﴿ لعلهم يعلمون ﴾ تأويلها. أو يعلمون فضلك ومكانتك. وإنما لم يجزم بعلمهم ؛ لأنه ربما اختُرِم دونه، أو لعلهم لا يفهمون ما يقول لهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي الجوع أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " ١.
وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :( أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار ). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.

و( دأباً ) حال، أي : دائبين، أو مصدر بإضمار فعله، أي : تدأبون دأباً. وفيه لغتان : السكون، والفتح.
﴿ قال ﴾ في تعبيرها :﴿ تزرعون سبعَ سنينَ دأباً ﴾ أي : على عادتكم المستمرة من الخصب والرخاء. ﴿ فما حصدتُّم فَذَرُوهُ ﴾ : اتركوه ﴿ في سُنْبُله ﴾ ؛ لئلا تأكله السوس، وهي نصيحة خارجة عن عبارة الرؤيا، ﴿ إلا قليلاً مما تأكلون ﴾ في تلك السنين، أي : لا تدرسوا منه إلا ما تحتاجون إلى أكله خاصة، وذلك أن أرض مصر لا يبقى فيها الطعام عامين. فعلمهم حيلة يبقى بها السنين المخصبة إلى السنين المجدبة، وهو أن يتركوه في سنبله غير مُدرَس ؛ فإن الحبة إذا بقيت في غشائها حُفظت بإذن الله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي الجوع أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " ١.
وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :( أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار ). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.

﴿ ثم يأتي من بعد ذلك سبع شِدَادٌ ﴾ أي : ذات شدة وجوع ﴿ يأكُلْنَ ما قدمتم لهن ﴾ أي : يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن. أسند الأكل إلى السنين مجازاً ؛ تَطْبِيقاً بين المعبر والمعبر به، ﴿ إلا قليلاً مما تحصنون ﴾ أي : مما تخزنون وتخبئُون للزراعة والبذر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي الجوع أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " ١.
وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :( أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار ). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.

﴿ ثم يأتي من بعد ذلك عام يُغاث الناس ﴾ أي : يغيثهم الله بالفرج من القحط، أو يغاث بالمطر، لكن مصر إنما تسقى من النيل. ﴿ وفيه ﴾ أيضاً ﴿ يَعْصِرُون ﴾ العنب والزيتون ؛ لكثرة الثمار. أو يعصرون الضروع لحلب اللبن ؛ لأجل الخصب. وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أوَّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة. والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة. ولعله علم ما في السنة الثامنة من الخصب والرخاء بالوحي، أو بأن انتهاء الجدب لا يكون إلا بالخصب، وبأن سنة الله الجارية أن يوسع على عباده بعد ما ضَيّق عليهم، لقوله :﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ﴾ [ الشرح : ٥ ]. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي الجوع أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " ١.
وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :( أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار ). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.

ثم ذكر خروجه من السجن وتمكينه من الملك، فقال :
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ * ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُواءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ * ﴿ ذالِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ * ﴿ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيا إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيا إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ * ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ * ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ * ﴿ وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ * ﴿ وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله : ولما جاء الرسول من عند يوسف بالتعبير، وسمعه الملك، تعجب منه، واستعظم علمه وعقله، وقال : لا ينبغي لمثل هذا أن يُسجن، ﴿ ائتوني به فلما جاءه الرسولُ ﴾ ليُخرجه، ﴿ قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أيديهن ﴾ : ما شأنهن حتى قطعن أيديهن، وهل رأين مني ميلاُ إليهن. وإنما تأنى في الخروج، وقدَّم سؤال النسوة، والفحص عن حاله ؛ ليظهر براءة ساحته، وليعلم الملك أنه سُجن ظلماً، فلا يقدر الحاسد أن يتوسل به إلى تقبيح أمره. وفيه دليل على أنه ينبغي أن يتقي مواضع التهم، ويجتهد، في نفيها، وفي الحديث :" مَنْ كََان يُؤمِنُ بِالله ِواليومِ الآخِر ِفلا يَقِفَنَّ مَواقِفَ التُّهَم ".
وفيه دليل على حلمه وصبره، وعدم اهتباله بضيق السجن ؛ إذ لم يُجب الداعي ساعة دُعي بعد طول سجنه. ومن هذا المعنى تواضع معه نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال :" لَو لَبِثت في السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِي " ١. ولم يذكر امرأة العزيز كرماً، ومراعاةً للأدب، ورعياً لذمام زوجها، وستراً لها. بل ذكر النسوة اللاتي قطعن أيديهن.
ثم قال :﴿ إن ربي بكيدهن عليم ﴾ حين قلن لِي : أطع مولاتك. وفي عبارته تعظيم لكيدهن، والاستشهاد عليه بعلم الله، وبراءته مما قذف به، والوعيد لهن على كيدهن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ


١ أخرجه البخاري في التعبير باب ٩، وأحاديث الأنبياء باب ١١، ١٩، وتفسير سورة ١٢، باب ٥، ومسلم في الإيمان حديث ٢٣٨، وفضائل الصحابة حديث ١٥٢..
ثم جمع الملك النسوة، وكُن ستاً أو سبعاً، مات منهن ثلاث ويوسف في السجن، وبقي أربع ومعهن امرأة العزيز، و﴿ قال ﴾ لهن :﴿ ما خطبكُنَّ ﴾ ؛ ما شأنكن ﴿ إذ راودتُنَّ ﴾ أي : حين راودتن ﴿ يوسفَ عن نفسه ﴾، وأسند المراودة إلى جميعهن ؛ لأن المَلِك لم يتحقق أن امرأة العزيز هي التي راودته وحدها. ﴿ قلنَ حاشَ لله ﴾ ؛ تنزيهاً لله أن يعجز عن خلق عفيف مثله، أو تنزيهاً ليوسف أن يعصيه ؛ لأجل خوف الله. وهذا تبرئة ليوسف ولهن، أو لهن فقط. وتكون تبرئة يوسف في قولهن :﴿ ما علمنا عليه من سُوءٍ ﴾ : من ذنب.
﴿ قالت امرأةُ العزيز الآن حَصْحَصَ الحق ﴾ : أي : تبين ووضح، أو ثبت واستقر، ﴿ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ﴾ في قوله :﴿ راودتني عن نفسي ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ

فلما رجع إليه الرسول، وذكر ما قالته النسوة، وما أقرت به امرأة العزيز، قال :﴿ ذلك ليعلم أني لم أخُنْهُ بالغيب ﴾ أي : فعلت ذلك التثبت والتأني في الخروج ليعلم العزيز أني لم أخنه في زوجته ﴿ بالغيب ﴾ في حال غيبته، أو بظهر الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة، بل تعففت عنها. ﴿ وأن الله لا يهدي كيدَ الخائنين ﴾ أي : لا ينفذه ولا يسدده. أو لا يهدي الخائنين ليكدهم. وأوقع الفعل على الكيد ؛ مبالغةً. وفيه تعريض بامرأة العزيز في خيانتها زوجها، وتوكيد لأمانته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ

رُوي عن ابن عباس أنه لما قال :﴿ لم أخُنْهُ بالغيب ﴾ قال جبريل عليه السلام : ولا حين هممت. فقال :﴿ وما أُبرئُ نفسي ﴾ لا أنزهها في عموم الأحوال، أو لا أزكيها على الدوام. قاله تواضعاً وإظهاراً للعبودية ؛ وتنبيهاً على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه، ولا العجب بحاله، بل إظهاراً لنعمة العصمة والتوفيق.
ثم قال :﴿ إنَّ النفسَ لأمارةٌ بالسوء ﴾ بحيث إنها مائلة بالطبع إلى الشهوات، فتهُم بها، وتستعمل القوى والجوارح في نيلها في كل الأوقات، ﴿ إلا ما رحم ربي ﴾ : إلا وقت رحمة ربي بالعصمة والحفظ، أو : إلا ما رحم الله من النفوس فيعصمها من ذلك. وقيل : الاستثناء منقطع، أي : لكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة، ﴿ إن ربي غفور رحيم ﴾، يغفر ما همت به النفوس، ويرحم من يشاء بالعصمة. أو يغفر للمستغفر ذنبه المعترف على نفسه، ويرحمه بالتقريب بعد تعرضه للإبعاد.
وقيل : إن قوله تعالى :﴿ ذلك ليعلم أني لم أخُنْه بالغيب ﴾ إلى هنا، هو من كلام زليخا. والأول أرجح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ

﴿ وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ﴾ أي : أجعله خاصتي وخلاصتي، أو أجعله خالصاً لنفسي. قال أولاً :﴿ ائتوني به ﴾ فقط، فلما تبين له حاله وظهر كماله، قال :﴿ ائتوني به أستخلصه لنفسي ﴾ رُوي أنه لما أراد أن يخرجه أرسل إليه بخلعة يأتي فيها، وكان بين السجن والبلد : أربعة فراسخ، فقال يوسف : لا أخرج من السجن حتى لا يبقى فيه أحد، فأمر الملك بخروج جميع مَن فيه. فلما خرج من السجن اغتسل وتنظف، ولبس ثياباً جدداً، فلما دخل على الملك، قال : اللهم إني أسألك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره. ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية، فقال : ما هذا اللسان ؟. فقال : لسان آبائي. وكان الملك يعرف سبعين لساناً، فكلمه بها، فأجابه بجميعها، فتعجب منه، فقال : أحب أن أسمع رؤياي، فحكاها، ونعت له البقرات والسنابل وأماكنها فأجلسه على السرير، وفوض إليه أمره. وهذا معنى قوله تعالى :﴿ فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ﴾ أي : فلما أتوا به وكلمه وشاهد منه الرشد والدعاء، ﴿ قال إنك اليوم ﴾ عندنا ﴿ مكينٌ ﴾ أي : في مكانه ومنزلة، ﴿ أمين ﴾ : مؤتمن على كل شيء، ثم فوض إليه أمر المملكة.
وقيل : توفي قطفير أي : العزيز فنَصَّبه منصبه، وزوجه من زليخا بعد أن شاخت، وافتقرت، فدعا الله تعالى فرد عليها جمالها وشبابها، فوجدها عذراء وولد منها إفراثيم وميشا. ثم قال له الملك : ما ترى نصنع في هذه السنين المخصبة ؟.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ

﴿ قال اجعلني على خزائنِ الأرض ﴾ أي : أرض مصر إلى أمرها. والخزائن : كل ما يخزن فيه طعام ومال وغيرهما. ﴿ إني حفيظٌ ﴾ لها ممن لا يستحقها، ﴿ عليم ﴾ بوجوه التصرف فيها. قال البيضاوي : ولعله عليه السلام لما رأى أنه يستعمله في أمره لا محالة، آثر ما تعم فوائده وعوائده، وفيه دليل على جواز طلب التولية، وإظهار أنه مستعد لها، والتولي من يد الكافر، إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به. وعن مجاهد : أن الملك أسلم على يديه. ه. قلت : وقد تقدم عن الورتجبي ما يدل عليه.
وقال ابن عطية : وطلب يوسف للعمل إنما هو حسبة منه عليه السلام ؛ لرغبته أن يقع العدل، ونحو هذا هو دخول أبي بكر رضي الله عنه في الخلافة، مع نهيه المستشيرَ له من الأنصار عن أن يتأمَّر على اثنين. فجائز للفاضل أن يعمل ويطلب العمل إذا رأى ألا عوض منه. ه. وفي " الاكتفاء في أخبار الخلفاء " : أن عمر أراد أبا هريرة على العمل، فامتنع، فقال له : أوليس يوسف خيراً منك، وقد طلب العمل ؟ فقال : يوسف نبي ابن نبي، وأنا ابن أميمَةَ، فأنا أخاف ثلاثاً واثنين : أن أقول بغير علم، وأقضي بغير عدل، وأن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، ويؤخذ مالي. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ

﴿ وكذلك مَكَّنَا ليوسف ﴾ أي : ومثل ذلك الصنع الجميل الذي صنعنا بيوسف مكناه ﴿ في الأرض ﴾ ؛ أرض مصر، ﴿ يتبوأ منها حيثُ يشاءُ ﴾ : ينزل من بلادها حيث يريد هو، أو ينزل منها حيث نريد، ﴿ نُصيب برحمتنا من نشاء ﴾ في الدنيا والآخرة، ﴿ ولا نُضيع أجر المحسنين ﴾، بل نوفي أجورهم عاجلاً وآجلاً. ويوسف أفضلهم في زمانه، فمكَّنه الله من أرض مصر، حتى ملكها بأجمعها ؛ وذلك أنه لما فوض إليه الملك اجتهد في جمع الطعام وتكثير الزراعات، حتى دخلت السنون المجدبة، وعم القحط مصر والشام، ونواحيهما، وتوجه الناس إليه، فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق لهم منها شيء، ثم في السنة الثانية بالحلي والحلل، ثم في السنة الثالثة بأمتعة البيوت، هم في الرابعة بالدواب، ثم في الخامسة بالرباع والعقار، ثم في السادسة بأولادهم، ثم في السابعة برقابهم حتى استرقهم جميعاً، ثم عرض الأمر على الملك، فقال : الرأي رأيك. فأعتقهم ورد إليهم أموالهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ

قال تعالى :﴿ ولأجرُ الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾ الشرك والفواحش، فهو أحق بالرغبة وأولى بالطلبة. وقال ابن جزي في قوله :﴿ نُصيب برحمتنا من نشاء ﴾ : الرحمة هنا المراد بها الدنيا، وكذلك الأجر في قوله :﴿ ولا نُضيع أجر المحسنين ﴾ ؛ بدليل قوله بعد ذلك :﴿ ولأجرُ الآخرة خير ﴾ فأخبر تعالى أن رحمته في الدنيا يصيب بها من يشاء من مؤمن وكافر، وطائع وعاص، وأن المحسنين لا بد من أجرهم في الدنيا. فالأول في المشيئة، والثاني واقع لا محالة. ثم أخبر أن أجر الآخرة خير من ذلك كله ﴿ للذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾، وفيه إشارة إلى أن يوسف عليه السلام جمع الله له بين الدنيا والآخرة. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : في الآية ثلاث فوائد : الأولى : مدح التأني في الأمور، ولو كانت جلالية ؛ لأنه يدل على كمال العقل والرزانة، وطمأنينة القلب. وذم العجلة ؛ لأنها من خفة العقل والطيش، وعدم الصبر والاحتمال. يؤخذ ذلك من تأني يوسف عليه السلام في السجن بعد طول مدته. وفي الحديث " التَأَنِّي مِن اللَّهِ، والعَجَلَةُ من الشَّيطَانِ " ١.
الثانية : عدم تزكية النفس، ودوام اتهامها، ولو بلغت من التصفية ما بلغت. وقد تقدم في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ]، وقال بعض الصوفية : وكيف يصلح لعاقل أن يزكي نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يقول :﴿ إنا النفس لأمارة بالسوء ﴾، والنفوس ثلاثة : أمارة، ولوامة، ومطمئنة. وزاد بعضهم : اللهامة من قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]..
الثالثة : تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ﴾. وفي ذلك يقول الشاعر :
وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه
قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ
يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه تَاجُ البرية والرحمانُ صَفَّاهُ

ولما أصاب أرض كنعان ما أصاب سائر البلاد، وسمع يعقوب عليه السلام بأن ملك مصر يبيع الطعام، أرسل نبيه –غير بنيامين- إلى مصر للميرة، كما قال تعالى :
﴿ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ * ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيا أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ * ﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ * ﴿ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ * ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انْقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وجاء إخوة يوسف ﴾ إلى مصر للميرة، ﴿ فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ﴾، إنما أنكروه ؛ لبعد العهد ولتغير سنه، ولأنهم فارقوه في سن الحداثة، ولتوهمهم أنه هلك، أو لقلة تأملهم في حاله ؛ لشدة هيبتهم إياه، أو لأنه كان مُلثّماً. رُوي أنهم دخلوا عليه في قصر مُلكه وهو في هيئة عظيمة من الملك، والتاج على رأسه، فقال لهم بعد أن عرفهم : من أنتم، وما أمركم، وما جاء بك إلى بلادي، ولعلكم عيون ؟ فقالوا : معاذ الله، نحن بنو أب واحد، وهو شيخ صدِّيق، نبي من الأنبياء، اسمه يعقوب. قال : كم أنتم. قالوا : كنا اثني عشر، فذهب أحدنا إلى البرية، فهلك. فقال : فكم أنتم ها هنا ؟ قالوا : عشرة. قال : فأين الحادي عشر ؟ قالوا : عند أبيه يتسلّى به عن الهالك، قال : فمن يشهد لكم ؟ قالوا : لا يعرفنا ها هنا من يشهد لنا. قال : فَدَعوا عندي بعضكم رهينة، وائتوني بأخ لكم من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا ؛ فأصابت شمعون وهذا معنى قوله :﴿ ولما جَهَّزَهُم بجَهَازهم ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله :﴿ فعرفهم وهم له منكرون ﴾، كذلك أهل الخصوصية من أهل مقام الإحسان، يعرفون مقامات أهل الإيمان ومراتبهم، وأهل مقام الإيمان ينكرونهم ولا يعرفون مقامهم، كما قال القائل :
تَرَكْنَا البُحُورَ الزَّاخرَاتِ وَرَاءنَا فَمِنْ أَينَ يَدْرِِي النَّاسُ أين تَوَجَّهْنَا
فكلما علا بالولي المقام خفي عن الأنام، ولا يعرف مراتب الرجال إلا من دخل معهم، وشرب مشربهم، وإلا فهو جاهل بهم. وقوله تعالى :﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ﴾ : كذلك الحق ـ جل جلاله ـ يقول لعبده : ائتني بقلبك، فإن لم تأتني به فلا أقبل طاعتك، ولا تقرب إلى حضرتي. قال النبي صلى الله عليه السلام :" إنَّ الله لا يَنْظُرُ إلى صَُوَرِكم ولاَ إلى أَعْمَالِكُمْ، وَإَنَّما يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُم ونيَّاتِكُم ". أو كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقوله تعالى :﴿ سنراود عنه أباه ﴾ : كذلك ينبغي للعبد أن يحتال على قلبه حتى يرده إلى ربه ؛ وذلك بقطع العلائق، والفرار من الشواغل والعوائق، حتى تشرق عليه أنوار الحقائق.
وقوله تعالى :﴿ اجعلوا بضاعتَهم في رِحَالِهم ﴾... الآية. كذلك ينبغي للواعظ والمذكر أن يبشر الناس، وينمي بضاعتهم، وهو : الإيمان والمحبة لله ومعرفته، ويجعلها في قلوبهم بحسن وعظه، ونور حاله، فيكون ممن ينهض الناس حاله، ويدل على الله مقاله. ولا يقنط الناس ويفلسهم من الإيمان والمحبة، بل ينبغي أن يجمع بين التبشير والتحذير، والترغيب والترهيب، ويغلب جانب الترغيب بذكر إحسان الله وآلائه.. لعلهم يعرفون ذلك إذا انقلبوا إلى أسبابهم، لعلهم يرجعون إلى الله في غالب أحوالهم. وبالله التوفيق.

﴿ ولما جَهَّزَهُم بجَهَازهم ﴾ أعطاهم ما اشتروا منه من الطعام، وأوقر ركابهم ؛ ﴿ قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ﴾ وهو : بنيامين بكسر الباء على وزن إسرائيل، قاله في القاموس. وقيل : كان يوسف عليه السلام يعطي لكل نفس حملاً، ولا يزيد عليه، فسألوه حِملاً زائداً لأخيهم من أبيهم ؛ فأعطاهم، وشرط عليهم أن يأتوا به ؛ ليعلم صدقهم. ثم قال لهم :﴿ ألا ترَوْنَ أني أُوفي الكيلَ وأنا خيرُ المنزِلين ﴾ للأضيافِ. قال لهم ذلك ؛ ترغيباً في رجوعهم، وقد كان أحسن ضيافتهم غاية الإحسان.
رُوي أنه عليه السلام نادى صاحب المائدة، وقال له : لا تنزل هؤلاء بدار الغرباء، ولا بدار الأضياف، ولكن أدخلهم داري، وانصب لهم مائدة كما تنصبها لي، واحفظهم وأكرمهم. فسأله عنهم، فلم يجب، فبسط لهم الفرش والوسائد، فلما جن الليل أمر أن توضع بين أيديهم الموائد، والشماع، والمجامر، وهم ينظرون من كوة إلى دار الأضياف، وقد بلغ بهم الجهد، فكانوا يعطونهم قرصة شعير لكل أحد من الغرباء، وهم يرون ما بين أيديهم من الإكرام والطعام، وقد بلغ الحمل من الطعام ألفاً ومائتي دينار. فقال بعضهم لبعض : إن هذا المَلك أكرمنا بكرامة ما أكرم بها أحداً من الغرباء ! فقال شمعون : لعل الملك سمع بذكر آبائنا فأكرمنا لأجلهم. وقال آخر : لعله أكرم فقرنا وفاقتنا. ويوسف عليه السلام ينظر إليهم من كوة ويسمع كلامهم، ويبكي. ثم قال لولده ميشا : اشدد وسطك بالمنطقة واخدم هؤلاء القوم، فقال له : من هم يا أبت ؟ فقال : هم أعمامك يا بني، قال : يا أبت هؤلاء الذين باعوك ؟ قال : نعم، باعوني حتى صرت مَلك مصر، ما تقول يا بني، أحسَنُوا أو أساؤوا ؟ قال : بل أحسَنوا فما أقول لهم ؟ قال : لا تكلمهم، ولا تُفش لهم سراً حتى يأذن الله بذلك، فبقوا في الضيافة ثلاثاً أو أكثر، ثم جهزهم، وأرسلهم، وشرط عليم أن يأتوا بأخيه بنيامين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله :﴿ فعرفهم وهم له منكرون ﴾، كذلك أهل الخصوصية من أهل مقام الإحسان، يعرفون مقامات أهل الإيمان ومراتبهم، وأهل مقام الإيمان ينكرونهم ولا يعرفون مقامهم، كما قال القائل :
تَرَكْنَا البُحُورَ الزَّاخرَاتِ وَرَاءنَا فَمِنْ أَينَ يَدْرِِي النَّاسُ أين تَوَجَّهْنَا
فكلما علا بالولي المقام خفي عن الأنام، ولا يعرف مراتب الرجال إلا من دخل معهم، وشرب مشربهم، وإلا فهو جاهل بهم. وقوله تعالى :﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ﴾ : كذلك الحق ـ جل جلاله ـ يقول لعبده : ائتني بقلبك، فإن لم تأتني به فلا أقبل طاعتك، ولا تقرب إلى حضرتي. قال النبي صلى الله عليه السلام :" إنَّ الله لا يَنْظُرُ إلى صَُوَرِكم ولاَ إلى أَعْمَالِكُمْ، وَإَنَّما يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُم ونيَّاتِكُم ". أو كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقوله تعالى :﴿ سنراود عنه أباه ﴾ : كذلك ينبغي للعبد أن يحتال على قلبه حتى يرده إلى ربه ؛ وذلك بقطع العلائق، والفرار من الشواغل والعوائق، حتى تشرق عليه أنوار الحقائق.
وقوله تعالى :﴿ اجعلوا بضاعتَهم في رِحَالِهم ﴾... الآية. كذلك ينبغي للواعظ والمذكر أن يبشر الناس، وينمي بضاعتهم، وهو : الإيمان والمحبة لله ومعرفته، ويجعلها في قلوبهم بحسن وعظه، ونور حاله، فيكون ممن ينهض الناس حاله، ويدل على الله مقاله. ولا يقنط الناس ويفلسهم من الإيمان والمحبة، بل ينبغي أن يجمع بين التبشير والتحذير، والترغيب والترهيب، ويغلب جانب الترغيب بذكر إحسان الله وآلائه.. لعلهم يعرفون ذلك إذا انقلبوا إلى أسبابهم، لعلهم يرجعون إلى الله في غالب أحوالهم. وبالله التوفيق.

قال لهم :﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيلَ لكم عندي ولا تقربون ﴾. أي : لا تدخلوا دياري ولا تقربوا ساحتي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله :﴿ فعرفهم وهم له منكرون ﴾، كذلك أهل الخصوصية من أهل مقام الإحسان، يعرفون مقامات أهل الإيمان ومراتبهم، وأهل مقام الإيمان ينكرونهم ولا يعرفون مقامهم، كما قال القائل :
تَرَكْنَا البُحُورَ الزَّاخرَاتِ وَرَاءنَا فَمِنْ أَينَ يَدْرِِي النَّاسُ أين تَوَجَّهْنَا
فكلما علا بالولي المقام خفي عن الأنام، ولا يعرف مراتب الرجال إلا من دخل معهم، وشرب مشربهم، وإلا فهو جاهل بهم. وقوله تعالى :﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ﴾ : كذلك الحق ـ جل جلاله ـ يقول لعبده : ائتني بقلبك، فإن لم تأتني به فلا أقبل طاعتك، ولا تقرب إلى حضرتي. قال النبي صلى الله عليه السلام :" إنَّ الله لا يَنْظُرُ إلى صَُوَرِكم ولاَ إلى أَعْمَالِكُمْ، وَإَنَّما يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُم ونيَّاتِكُم ". أو كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقوله تعالى :﴿ سنراود عنه أباه ﴾ : كذلك ينبغي للعبد أن يحتال على قلبه حتى يرده إلى ربه ؛ وذلك بقطع العلائق، والفرار من الشواغل والعوائق، حتى تشرق عليه أنوار الحقائق.
وقوله تعالى :﴿ اجعلوا بضاعتَهم في رِحَالِهم ﴾... الآية. كذلك ينبغي للواعظ والمذكر أن يبشر الناس، وينمي بضاعتهم، وهو : الإيمان والمحبة لله ومعرفته، ويجعلها في قلوبهم بحسن وعظه، ونور حاله، فيكون ممن ينهض الناس حاله، ويدل على الله مقاله. ولا يقنط الناس ويفلسهم من الإيمان والمحبة، بل ينبغي أن يجمع بين التبشير والتحذير، والترغيب والترهيب، ويغلب جانب الترغيب بذكر إحسان الله وآلائه.. لعلهم يعرفون ذلك إذا انقلبوا إلى أسبابهم، لعلهم يرجعون إلى الله في غالب أحوالهم. وبالله التوفيق.

﴿ قالوا سَنُراود عنه أباه ﴾ أي : سنجهد في طلبه منه، ﴿ وإنا لفاعلون ﴾ ذلك، لا نتوانى فيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله :﴿ فعرفهم وهم له منكرون ﴾، كذلك أهل الخصوصية من أهل مقام الإحسان، يعرفون مقامات أهل الإيمان ومراتبهم، وأهل مقام الإيمان ينكرونهم ولا يعرفون مقامهم، كما قال القائل :
تَرَكْنَا البُحُورَ الزَّاخرَاتِ وَرَاءنَا فَمِنْ أَينَ يَدْرِِي النَّاسُ أين تَوَجَّهْنَا
فكلما علا بالولي المقام خفي عن الأنام، ولا يعرف مراتب الرجال إلا من دخل معهم، وشرب مشربهم، وإلا فهو جاهل بهم. وقوله تعالى :﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ﴾ : كذلك الحق ـ جل جلاله ـ يقول لعبده : ائتني بقلبك، فإن لم تأتني به فلا أقبل طاعتك، ولا تقرب إلى حضرتي. قال النبي صلى الله عليه السلام :" إنَّ الله لا يَنْظُرُ إلى صَُوَرِكم ولاَ إلى أَعْمَالِكُمْ، وَإَنَّما يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُم ونيَّاتِكُم ". أو كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقوله تعالى :﴿ سنراود عنه أباه ﴾ : كذلك ينبغي للعبد أن يحتال على قلبه حتى يرده إلى ربه ؛ وذلك بقطع العلائق، والفرار من الشواغل والعوائق، حتى تشرق عليه أنوار الحقائق.
وقوله تعالى :﴿ اجعلوا بضاعتَهم في رِحَالِهم ﴾... الآية. كذلك ينبغي للواعظ والمذكر أن يبشر الناس، وينمي بضاعتهم، وهو : الإيمان والمحبة لله ومعرفته، ويجعلها في قلوبهم بحسن وعظه، ونور حاله، فيكون ممن ينهض الناس حاله، ويدل على الله مقاله. ولا يقنط الناس ويفلسهم من الإيمان والمحبة، بل ينبغي أن يجمع بين التبشير والتحذير، والترغيب والترهيب، ويغلب جانب الترغيب بذكر إحسان الله وآلائه.. لعلهم يعرفون ذلك إذا انقلبوا إلى أسبابهم، لعلهم يرجعون إلى الله في غالب أحوالهم. وبالله التوفيق.

﴿ وقال لفتيته ﴾ ؛ لغلمانه الكيالين، وقرأ الأخوان وحفص :﴿ لفتيانه ﴾، بجمع الكثرة :﴿ اجعلوا بضاعتَهم ﴾ أي : ثمنهم الذي اشتروا به، ﴿ في رحالهم ﴾ ؛ في أوعيتهم. فأمر أن يجعل بضاعة كل واحد في رحله، وكانت نعالاً وأدَمَا. وإنما فعل ذلك يوسف تكرماً وتفضلاً عليهم، وترفقاً أن يأخذ ثمن الطعام منهم، وخوفاً من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به إليه.
﴿ لعلهم يعرفُونها ﴾ أي : لعلهم يعرفون هذه اليد والكرامة في رد البضاعة إليهم، فيرجعون إلينا. فليس الضمير للبضاعة ؛ لأن ميز البضاعة لا يعبر عنه بلعل، وإنما المعنى : لعلهم يعرفون لها يداً وتكرمة ويرون حقها ﴿ إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يَرْجِعُون ﴾، أي : لعل معرفتهم بهذه الكرامة تدعوهم إلى الرجوع. وقصد بذلك استمالتهم والإحسان إليهم. أو : لعلهم يعرفون البضاعة، ولا يستحلون متاعنا فيرجعون به إلينا، وضعف هذا ابن عطية : فقال : وقيل : قصد يوسف برد البضاعة أن يتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فيرجعوا لدفع الثمن. وهذا ضعيف من وجوه. ثم قال : ولسرورهم بالبضاعة، وقولهم :﴿ هذه بضاعتُنا رُدَّتْ إلينا ﴾، يكشف أن يوسف لم يقصد هذا، وإنما قصد أن يستميلهم ويصلهم كما تقدم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله :﴿ فعرفهم وهم له منكرون ﴾، كذلك أهل الخصوصية من أهل مقام الإحسان، يعرفون مقامات أهل الإيمان ومراتبهم، وأهل مقام الإيمان ينكرونهم ولا يعرفون مقامهم، كما قال القائل :
تَرَكْنَا البُحُورَ الزَّاخرَاتِ وَرَاءنَا فَمِنْ أَينَ يَدْرِِي النَّاسُ أين تَوَجَّهْنَا
فكلما علا بالولي المقام خفي عن الأنام، ولا يعرف مراتب الرجال إلا من دخل معهم، وشرب مشربهم، وإلا فهو جاهل بهم. وقوله تعالى :﴿ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ﴾ : كذلك الحق ـ جل جلاله ـ يقول لعبده : ائتني بقلبك، فإن لم تأتني به فلا أقبل طاعتك، ولا تقرب إلى حضرتي. قال النبي صلى الله عليه السلام :" إنَّ الله لا يَنْظُرُ إلى صَُوَرِكم ولاَ إلى أَعْمَالِكُمْ، وَإَنَّما يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُم ونيَّاتِكُم ". أو كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وقوله تعالى :﴿ سنراود عنه أباه ﴾ : كذلك ينبغي للعبد أن يحتال على قلبه حتى يرده إلى ربه ؛ وذلك بقطع العلائق، والفرار من الشواغل والعوائق، حتى تشرق عليه أنوار الحقائق.
وقوله تعالى :﴿ اجعلوا بضاعتَهم في رِحَالِهم ﴾... الآية. كذلك ينبغي للواعظ والمذكر أن يبشر الناس، وينمي بضاعتهم، وهو : الإيمان والمحبة لله ومعرفته، ويجعلها في قلوبهم بحسن وعظه، ونور حاله، فيكون ممن ينهض الناس حاله، ويدل على الله مقاله. ولا يقنط الناس ويفلسهم من الإيمان والمحبة، بل ينبغي أن يجمع بين التبشير والتحذير، والترغيب والترهيب، ويغلب جانب الترغيب بذكر إحسان الله وآلائه.. لعلهم يعرفون ذلك إذا انقلبوا إلى أسبابهم، لعلهم يرجعون إلى الله في غالب أحوالهم. وبالله التوفيق.

ثم ذكر رجوعهم من مصر على أبيهم، فقال :
﴿ فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ * ﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ * ﴿ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذالِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴾ * ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ * ﴿ وَقَالَ يا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾
قلت :( نكتل ) : أصله : نَكْتَيِِل، بوزن نفتعل، من الكيل، قلبت الياء ألفاً ؛ لتحرك ما قبلها، ثم حذفت للساكنين. و( حفظاً ) : تمييز، ومن قرأ بالألف فحال، كقوله : لله دره فارساً. أو تمييز، وهو أرجح.
يقول الحق جل جلاله :﴿ فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا مُنع منا الكيلُ ﴾ أي : حكم بمنعه بعد هذا، إن لم نذهب بأخينا بنيامين، ﴿ فأرْسِل معنا أخانا نكتلْ ﴾ أي : نرفع المانع من الكيل، ونكتل ما نحتاج إليه. وقرأ الأخوان بالياء :﴿ يكتل ﴾ لنفسه، فنضم اكتياله إلى اكتيالنا، ﴿ وإنا له لحافظون ﴾ من أن يناله مكروه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : رُوي أن إخوة يوسف لما رجعوا عنه صاروا لا ينزلون منزلاً إلا أقبل عليهم أهل ذلك المنـزل بالكرامات والضيافات، فقال شمعون : لما قدمنا إلى مصر ما التفت إلينا أحد، فلما رجعنا صار الناس كلهم يكرموننا ؟ فقال يهوذا : الآن أثر الملك عليكم، ونور حضرته قد لاح عليكم. هـ. قلت : وكذلك من قصد حضرة العارفين لا يرجع إلا محفوفاً بالأنوار، معموراً بالأسرار، مقصوداً بالكرامة والإبرار.
قوله تعالى :﴿ فأرسل معنا أخانا... ﴾ إلخ ؛ قال الأستاذ القشيري : المحبة غيورٌ ؛ لما كان ليعقوب تَسَلٍّ عن يوسف برؤية بنيامين، أبت المحبة إلا أن تظهر سُلطانها بالكمال فغارت على بنيامين أن ينظر إليه يعقوب بعين يوسف. هـ. قلت : وكذلك الحق تعالى غيور أن يرى في قلب حبيبه شيئاً غيره، فإذا رأى أزاله عنه، وفرق بينه وبين ذلك الشيء، حتى لا يُحب شيئاً سوى محبوبه. هذا مما يجده أهل الأذواق في قلوبهم.
وقوله تعالى في وصية يعقوب :﴿ لا تدخلوا من باب واحد ﴾، فيه إشارة إلى أن الدخول على الله لا يكون من باب واحد بحيث يلتزم المريد حالة واحدة وطريقة واحدة ؛ كالعزلة فقط، أو الخلطة فقط، أو الصمت على الدوام، أو ذكر الاسم على الدوام.
بل لا بد من التلوين قبل التمكين وبعده ؛ فالعزلة على الدوام : مقام الضعف، والخلطة من غير عزلة بطالة. بل لا يكون عارفاً حتى يعرف الله، ويكون قلبُه معه في العزلة والخلطة، والصمت والكلام، والقبض والبسط، والفقد والوجد، ويترقى من ذكر الاسم إلى الفكرة والنظرة، كما هو مقرر عند أهل الفن.
وقوله تعالى :﴿ عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ﴾، فيه تهييج على مقام التوكل، وحث على الثقة بالله في جميع الأمور. وفي ذلك يقول الشاعر :
تَوَكَّل على الرَّحمان في كُلِّ حَاجَـةٍ وَثِـقْ بالله، دَبَّـر الخلقَ أجمعْ
وضَع عَنكَ هَمَّ الرِّزْقِ ؛ فالرَّبُّ ضَامِنٌ وكفّ عن الْكَونَينِ والخلق أَربع
قوله :" والخلق أربع " : أراد العالم العلوي والسفلي، والدنيا والآخرة. وكلها أكوان مخلوقة يجب كف البصر والبصيرة عن الميل إليها، والوقوف معها. والله تعالى أعلم.

﴿ قال هل آمنكم عليه ﴾ أي : ما آمَنكم عليه ﴿ إلا كما أمنْتُكُم على أخيه من قبلُ ﴾، وقد قلتم في يوسف :﴿ وإنا له لحافظون ﴾، ﴿ فاللَّهُ خيرٌ حافظاً ﴾ ؛ فأثق به، وأفوض أمري أليه، ﴿ وهو أرحمُ الراحمين ﴾، فأرجو أن يرحمني بحفظه، ولا يجمع عليّ مصيبتين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : رُوي أن إخوة يوسف لما رجعوا عنه صاروا لا ينزلون منزلاً إلا أقبل عليهم أهل ذلك المنـزل بالكرامات والضيافات، فقال شمعون : لما قدمنا إلى مصر ما التفت إلينا أحد، فلما رجعنا صار الناس كلهم يكرموننا ؟ فقال يهوذا : الآن أثر الملك عليكم، ونور حضرته قد لاح عليكم. هـ. قلت : وكذلك من قصد حضرة العارفين لا يرجع إلا محفوفاً بالأنوار، معموراً بالأسرار، مقصوداً بالكرامة والإبرار.
قوله تعالى :﴿ فأرسل معنا أخانا... ﴾ إلخ ؛ قال الأستاذ القشيري : المحبة غيورٌ ؛ لما كان ليعقوب تَسَلٍّ عن يوسف برؤية بنيامين، أبت المحبة إلا أن تظهر سُلطانها بالكمال فغارت على بنيامين أن ينظر إليه يعقوب بعين يوسف. هـ. قلت : وكذلك الحق تعالى غيور أن يرى في قلب حبيبه شيئاً غيره، فإذا رأى أزاله عنه، وفرق بينه وبين ذلك الشيء، حتى لا يُحب شيئاً سوى محبوبه. هذا مما يجده أهل الأذواق في قلوبهم.
وقوله تعالى في وصية يعقوب :﴿ لا تدخلوا من باب واحد ﴾، فيه إشارة إلى أن الدخول على الله لا يكون من باب واحد بحيث يلتزم المريد حالة واحدة وطريقة واحدة ؛ كالعزلة فقط، أو الخلطة فقط، أو الصمت على الدوام، أو ذكر الاسم على الدوام.
بل لا بد من التلوين قبل التمكين وبعده ؛ فالعزلة على الدوام : مقام الضعف، والخلطة من غير عزلة بطالة. بل لا يكون عارفاً حتى يعرف الله، ويكون قلبُه معه في العزلة والخلطة، والصمت والكلام، والقبض والبسط، والفقد والوجد، ويترقى من ذكر الاسم إلى الفكرة والنظرة، كما هو مقرر عند أهل الفن.
وقوله تعالى :﴿ عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ﴾، فيه تهييج على مقام التوكل، وحث على الثقة بالله في جميع الأمور. وفي ذلك يقول الشاعر :
تَوَكَّل على الرَّحمان في كُلِّ حَاجَـةٍ وَثِـقْ بالله، دَبَّـر الخلقَ أجمعْ
وضَع عَنكَ هَمَّ الرِّزْقِ ؛ فالرَّبُّ ضَامِنٌ وكفّ عن الْكَونَينِ والخلق أَربع
قوله :" والخلق أربع " : أراد العالم العلوي والسفلي، والدنيا والآخرة. وكلها أكوان مخلوقة يجب كف البصر والبصيرة عن الميل إليها، والوقوف معها. والله تعالى أعلم.

و( ما نبغي ) : استفهامية، أو نافية. و( نمير أهلنا ) : عطف على محذوف، أي : ردت فنستظهر بها ونمير. . . الخ. قال في القاموس : مار يَمير ؛ بالكسر : جَلَب الطعام. ه.
﴿ ولما فَتحوا متاعَهُم ﴾ : أوعيتهم، ﴿ وجدوا بضاعَتَهم رُدت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي ﴾ أي : ما نطلب، فهل من مزيد على هذه الكرامة، أكرمنا وأحسن مثوانا، وباع منا، ورد علينا متاعنا، ولا نطلب وراء ذلك إحساناً. أو : ما نتعدى في القول، ولا نزيد على ما حكينا لك من إحسانه. أو : ما نبغي على أخينا، ولا نكذب على الملك. ﴿ هذه بضاعتنا رُدَّتْ إلينا ﴾، وهو توضيح وبيان لقولهم :﴿ ما نبغي ﴾، أي : ردت إلينا فنتقوى بها. ﴿ ونمير أهلَنا ﴾ : نسوق لهم الميرة وهو : الطعام حين نرجع إلى الملك، ﴿ ونحفظُ أخانا ﴾ من المكاره في ذهابنا وإيابنا. . ﴿ ونزدادُ كيلَ بعيرٍ ﴾ بزيادة حِمل بعير أخينا، إذ كان يوسف عليه السلام لا يعطي إلا كيل بعير لكل واحد.
﴿ ذلك كيلٌ يسير ﴾ أي : ذلك الطعام الذي أتيناه به شيء قليل لا يكفينا حتى نرجع ويزيدنا كيل أخينا، أوْ ذلك الحِمل الذي يزيدنا لبعير أخينا كيل قليل عنده، يسهل عليه لا يتعاظمه، فلا يمنعنا منه. كأنهم اسْتَقَلَّوا ما كيل لهم ؛ فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم. وقيل : إنه من كلام يعقوب عليه السلام، والمعنى : أن حمل بعير شيء قليل لا يخاطر لمثله بالولد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : رُوي أن إخوة يوسف لما رجعوا عنه صاروا لا ينزلون منزلاً إلا أقبل عليهم أهل ذلك المنـزل بالكرامات والضيافات، فقال شمعون : لما قدمنا إلى مصر ما التفت إلينا أحد، فلما رجعنا صار الناس كلهم يكرموننا ؟ فقال يهوذا : الآن أثر الملك عليكم، ونور حضرته قد لاح عليكم. هـ. قلت : وكذلك من قصد حضرة العارفين لا يرجع إلا محفوفاً بالأنوار، معموراً بالأسرار، مقصوداً بالكرامة والإبرار.
قوله تعالى :﴿ فأرسل معنا أخانا... ﴾ إلخ ؛ قال الأستاذ القشيري : المحبة غيورٌ ؛ لما كان ليعقوب تَسَلٍّ عن يوسف برؤية بنيامين، أبت المحبة إلا أن تظهر سُلطانها بالكمال فغارت على بنيامين أن ينظر إليه يعقوب بعين يوسف. هـ. قلت : وكذلك الحق تعالى غيور أن يرى في قلب حبيبه شيئاً غيره، فإذا رأى أزاله عنه، وفرق بينه وبين ذلك الشيء، حتى لا يُحب شيئاً سوى محبوبه. هذا مما يجده أهل الأذواق في قلوبهم.
وقوله تعالى في وصية يعقوب :﴿ لا تدخلوا من باب واحد ﴾، فيه إشارة إلى أن الدخول على الله لا يكون من باب واحد بحيث يلتزم المريد حالة واحدة وطريقة واحدة ؛ كالعزلة فقط، أو الخلطة فقط، أو الصمت على الدوام، أو ذكر الاسم على الدوام.
بل لا بد من التلوين قبل التمكين وبعده ؛ فالعزلة على الدوام : مقام الضعف، والخلطة من غير عزلة بطالة. بل لا يكون عارفاً حتى يعرف الله، ويكون قلبُه معه في العزلة والخلطة، والصمت والكلام، والقبض والبسط، والفقد والوجد، ويترقى من ذكر الاسم إلى الفكرة والنظرة، كما هو مقرر عند أهل الفن.
وقوله تعالى :﴿ عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ﴾، فيه تهييج على مقام التوكل، وحث على الثقة بالله في جميع الأمور. وفي ذلك يقول الشاعر :
تَوَكَّل على الرَّحمان في كُلِّ حَاجَـةٍ وَثِـقْ بالله، دَبَّـر الخلقَ أجمعْ
وضَع عَنكَ هَمَّ الرِّزْقِ ؛ فالرَّبُّ ضَامِنٌ وكفّ عن الْكَونَينِ والخلق أَربع
قوله :" والخلق أربع " : أراد العالم العلوي والسفلي، والدنيا والآخرة. وكلها أكوان مخلوقة يجب كف البصر والبصيرة عن الميل إليها، والوقوف معها. والله تعالى أعلم.

و( إلا أن يحاط ) : استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي : لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم.
﴿ قال لن أرْسِلهُ معكم ﴾ ؛ لأني رأيت منكم ما رأيت، ﴿ حتى تُؤتون موثقاً من الله ﴾ ؛ حتى تعطوني ما أثق به من عهد الله، وتحلفوا ليَ الأيمان الموثقة ﴿ لتأتنني به ﴾ في كل حال، ﴿ إلا أن يُحاطَ بكم ﴾ ؛ إلا أن تغلبوا، ولا تطيقوا الإتيان به.
أو : إلا أن تهلكوا جميعاً ويحيط الموت بكم ﴿ فلما آتَوْهُ موثقَهم ﴾ ؛ عهدهم وحلفوا له، ﴿ قال ﴾ أبوهم :﴿ الله على ما نقولُ ﴾ من طلب الموثق وإتيان الولد ﴿ وكيل ﴾ أي : مطلع رقيب، لا يغيب عنه شيء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : رُوي أن إخوة يوسف لما رجعوا عنه صاروا لا ينزلون منزلاً إلا أقبل عليهم أهل ذلك المنـزل بالكرامات والضيافات، فقال شمعون : لما قدمنا إلى مصر ما التفت إلينا أحد، فلما رجعنا صار الناس كلهم يكرموننا ؟ فقال يهوذا : الآن أثر الملك عليكم، ونور حضرته قد لاح عليكم. هـ. قلت : وكذلك من قصد حضرة العارفين لا يرجع إلا محفوفاً بالأنوار، معموراً بالأسرار، مقصوداً بالكرامة والإبرار.
قوله تعالى :﴿ فأرسل معنا أخانا... ﴾ إلخ ؛ قال الأستاذ القشيري : المحبة غيورٌ ؛ لما كان ليعقوب تَسَلٍّ عن يوسف برؤية بنيامين، أبت المحبة إلا أن تظهر سُلطانها بالكمال فغارت على بنيامين أن ينظر إليه يعقوب بعين يوسف. هـ. قلت : وكذلك الحق تعالى غيور أن يرى في قلب حبيبه شيئاً غيره، فإذا رأى أزاله عنه، وفرق بينه وبين ذلك الشيء، حتى لا يُحب شيئاً سوى محبوبه. هذا مما يجده أهل الأذواق في قلوبهم.
وقوله تعالى في وصية يعقوب :﴿ لا تدخلوا من باب واحد ﴾، فيه إشارة إلى أن الدخول على الله لا يكون من باب واحد بحيث يلتزم المريد حالة واحدة وطريقة واحدة ؛ كالعزلة فقط، أو الخلطة فقط، أو الصمت على الدوام، أو ذكر الاسم على الدوام.
بل لا بد من التلوين قبل التمكين وبعده ؛ فالعزلة على الدوام : مقام الضعف، والخلطة من غير عزلة بطالة. بل لا يكون عارفاً حتى يعرف الله، ويكون قلبُه معه في العزلة والخلطة، والصمت والكلام، والقبض والبسط، والفقد والوجد، ويترقى من ذكر الاسم إلى الفكرة والنظرة، كما هو مقرر عند أهل الفن.
وقوله تعالى :﴿ عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ﴾، فيه تهييج على مقام التوكل، وحث على الثقة بالله في جميع الأمور. وفي ذلك يقول الشاعر :
تَوَكَّل على الرَّحمان في كُلِّ حَاجَـةٍ وَثِـقْ بالله، دَبَّـر الخلقَ أجمعْ
وضَع عَنكَ هَمَّ الرِّزْقِ ؛ فالرَّبُّ ضَامِنٌ وكفّ عن الْكَونَينِ والخلق أَربع
قوله :" والخلق أربع " : أراد العالم العلوي والسفلي، والدنيا والآخرة. وكلها أكوان مخلوقة يجب كف البصر والبصيرة عن الميل إليها، والوقوف معها. والله تعالى أعلم.

ثم وصاهم ﴿ وقال ﴾ لهم :﴿ يا بَنيّ لا تدخلوا من بابٍ واحدٍ وادخلوا من أبواب متفرقةٍ ﴾. وكانت في ذلك العهد خمساً : باب الشام، وباب المغرب، وباب اليمن، وباب الروم، وباب طَيْلون. فقال لهم : ليدخل كل أخوين من باب، خاف عليهم العين ؛ لأنهم أهل جمال وأُبَّهة، مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة ؛ فإذا دخلوا كوكبة واحدة أصابتهم العين. ولعل لم يوصهم بذلك في المرة الأولى ؛ لأنهم كانوا مجهولين حينئذٍ، وللنفس آثار من العين، وقد قال عليه الصلاة والسلام :" العَينُ حَقٌّ تُدخِل الرَّجُلَ القَبرَ والجَمَلَ القِدرَ " ١.
وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ منها، بقوله :" اللهم إنِّي أَعُوذ بك مِن كَلِّ نَفسٍ هَامَّةٍ، وعَينٍ لامَّةٍ " ٢. ويؤخذ من الآية والحديث : التحصن منها قياماً برسم الحكمة. والأمر كله بيد الله. ولذلك قال يعقوب عليه السلام :﴿ وما أغني عنكم من الله من شيء ﴾ مما قُضي عليكم بما أشرت به عليكم، والمعنى : أن ذلك لا يدفع من قدر الله شيئاً، فإن الحذر لا يمنع القدر، ﴿ إن الحُكم إلا لله ﴾ فما حكم به عليكم لا ترده حيلة، ﴿ عليه توكلتُ وعليه فليتوكل المتوكلون ﴾ أي : ما وثقت إلا به، ولا ينبغي أن يثق أحد إلا به. وإنما كرر حذف الجر ؛ زيادة في الاختصاص ؛ ترغيباً في التوكل على الله والتوثق به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : رُوي أن إخوة يوسف لما رجعوا عنه صاروا لا ينزلون منزلاً إلا أقبل عليهم أهل ذلك المنـزل بالكرامات والضيافات، فقال شمعون : لما قدمنا إلى مصر ما التفت إلينا أحد، فلما رجعنا صار الناس كلهم يكرموننا ؟ فقال يهوذا : الآن أثر الملك عليكم، ونور حضرته قد لاح عليكم. هـ. قلت : وكذلك من قصد حضرة العارفين لا يرجع إلا محفوفاً بالأنوار، معموراً بالأسرار، مقصوداً بالكرامة والإبرار.
قوله تعالى :﴿ فأرسل معنا أخانا... ﴾ إلخ ؛ قال الأستاذ القشيري : المحبة غيورٌ ؛ لما كان ليعقوب تَسَلٍّ عن يوسف برؤية بنيامين، أبت المحبة إلا أن تظهر سُلطانها بالكمال فغارت على بنيامين أن ينظر إليه يعقوب بعين يوسف. هـ. قلت : وكذلك الحق تعالى غيور أن يرى في قلب حبيبه شيئاً غيره، فإذا رأى أزاله عنه، وفرق بينه وبين ذلك الشيء، حتى لا يُحب شيئاً سوى محبوبه. هذا مما يجده أهل الأذواق في قلوبهم.
وقوله تعالى في وصية يعقوب :﴿ لا تدخلوا من باب واحد ﴾، فيه إشارة إلى أن الدخول على الله لا يكون من باب واحد بحيث يلتزم المريد حالة واحدة وطريقة واحدة ؛ كالعزلة فقط، أو الخلطة فقط، أو الصمت على الدوام، أو ذكر الاسم على الدوام.
بل لا بد من التلوين قبل التمكين وبعده ؛ فالعزلة على الدوام : مقام الضعف، والخلطة من غير عزلة بطالة. بل لا يكون عارفاً حتى يعرف الله، ويكون قلبُه معه في العزلة والخلطة، والصمت والكلام، والقبض والبسط، والفقد والوجد، ويترقى من ذكر الاسم إلى الفكرة والنظرة، كما هو مقرر عند أهل الفن.
وقوله تعالى :﴿ عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ﴾، فيه تهييج على مقام التوكل، وحث على الثقة بالله في جميع الأمور. وفي ذلك يقول الشاعر :
تَوَكَّل على الرَّحمان في كُلِّ حَاجَـةٍ وَثِـقْ بالله، دَبَّـر الخلقَ أجمعْ
وضَع عَنكَ هَمَّ الرِّزْقِ ؛ فالرَّبُّ ضَامِنٌ وكفّ عن الْكَونَينِ والخلق أَربع
قوله :" والخلق أربع " : أراد العالم العلوي والسفلي، والدنيا والآخرة. وكلها أكوان مخلوقة يجب كف البصر والبصيرة عن الميل إليها، والوقوف معها. والله تعالى أعلم.


١ أخرجه البخاري في الطب باب ٣٦، ومسلم في السلام حديث ٤١، ٤٢..
٢ أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ١٠..
ثم ذكر رجوعهم إلى مصر، واتصال يوسف بأخيه، وإمساكه عنده إلى أن اتصل بأبيه، فقال :
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ * ﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ ﴾ * ﴿ قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذالِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ * ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذالِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
قلت :( ما كان ) : جواب " لما "، و( إلا حاجة ) : استثناء منقطع.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولمّا دخلوا من حيثُ أمرهم أبُوهم ﴾ أي : من أبواب متفرقة في البلد، ﴿ ما كان يُغني عنهم ﴾ أي : ما أغنى عنهم رأي يعقوب واتَّبَاعهم له ﴿ من الله من شيء ﴾ مما قضى عليهم، فاتُّهموا بالسرقة وظهرت عليهم، فأخذ بنيامين الذي كان الخوف عليه، وتضاعفت المصيبة على يعقوب، ﴿ إلا حاجةً ﴾ : لكن حاجة ﴿ في نفس يعقوب ﴾ يعني : شفقته عليهم، وتحرزه من أن يعانوا، ﴿ قضاها ﴾ ؛ أظهرها ووصى بها. ﴿ وإنه لَذُو علم لمَا علمناه ﴾ بالوحي ونصب الدليل. ولذلك قال :﴿ وما أغنى عنكم من الله من شيء ﴾ ؛ فلم يغتر بتدبيره، ففيه تنزيه ليعقوب عن الوقوف مع الأسباب والعوائد، ورفع إيهام وقوفه مع عالم الحكمة. ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ سر القدر ؛ وأنه لا ينفع منه الحذر.
قال ابن عطية : قوله :﴿ ما كان يغني عنهم من الله من شيء ﴾، معناه : ما درأ عنهم قدراً ؛ لأنه لو قَُضِي أن تصيبهم عين لأصابتهم، مفترقين أو مجتمعين. وإنما طمع يعقوب عليه السلام أن تصادف وصيته القدر في سلامتهم. ثم أثنى الله عز وجل على يعقوب بأنه لقن مما علمه الله من هذا المعنى، واندرج غيره في ذلك العموم، وقال : إن أكثر الناس ليس كذلك. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

﴿ ولما دخلوا على يوسفَ آوى إليه أخاه ﴾ أي : ضم إليه بنيامين على الطعام، أو في المنزل. رُوي أنه أضافهم، فأجلسهم اثنين اثنين، فبقي بنيامين وحيداً فبكى، وقال : لو كان يوسف حياً لجلس معي، فأجلسه معه على مائدته، ثم قال : لينزل كل اثنين بيتاً، وهذا لا ثاني له فيكون معي، فبات عنده، وقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ؟ قال : من يجد إذاً مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، ﴿ قال إني أنا أخوك ﴾ وعرفه بنفسه، ﴿ فلا تبتئس ﴾ ولا تحزن ﴿ بما كانوا يعملون ﴾ في حقنا من الأذى، أو : لا تحزن بما يعمله فتياني، ولا تبال بما تراه في تحيُّلي في أخذك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

﴿ فلما جَهَّزهُم بجَهَازِهمْ جعل السِّقايةَ ﴾، التي هي الصواع، ﴿ في رَحْلِ أَخيه ﴾، وهي إناء يشرب بها الملك، ويأكل فيها، وكان من فضة، وقيل : من ذهب. وقيل : كان صاعاً يُكال به. وقصد بجعله في رحل أخيه أن يحتال على إمساكه معه ؛ إذ كان شَرْعُ يعقوب أن من سرق استعبده المسروق منه. ﴿ ثم أذَّن مؤَذِّنٌ ﴾ بعد أن انصرفوا :﴿ أيتها العير إنكُم لسارقون ﴾، والخطاب لإخوة يوسف، وإنما استحل رميهم بالسرقة مع علمه بأنهم أبرياء ؛ لما في ذلك من المصلحة في المآل، وبوحي لا محالة، وإرادة من الله تعالى عَنَتُهم بذلك، يقويه قوله تعالى :﴿ كذلك كدنا ليوسف ﴾، ويمكن من أن يكون فيه تورية، وفيها مندوحة عن الكذب، أي : إنكم لسارقون يوسف من أبيه، حين باعوه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

﴿ قالوا وأقبلُوا عليهم ماذا تفقدون ﴾ أي : أيُّ شيء ضاع منكم ؟ والفقد : غيبة الشيء عن الحس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

﴿ قالوا نَفقِدُ صُوَاعَ الملكِ ﴾ الذي يكيل به، أو يشرب فيه، ﴿ ولمن جاء به حِمْلُ بعيرٍ ﴾ من الطعام، ﴿ وأنا به زعيم ﴾ كفيل أؤديه إلى من رده. وفيه دليل على جواز الجعل، وضمان الجعل قبل تمام العمل. قاله البيضاوي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

﴿ قالوا تالله لقد عَلِمْتُم ما جئنا لنُفسدَ في الأرض وما كنا سارقين ﴾ فيما مضى، استشهدوا بعلمهم بديانتهم على براءة أنفسهم ؛ لما عرفوا منهم من الديانة والأمانة في دخولهم أرضهم، حتى كانوا يجعلون الأكمة في أفواه إبلهم ؛ لئلا تنال زرع الناس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

﴿ قالوا فما جزاؤه ﴾ أي : السارق، ﴿ إن كنتم كاذبين ﴾ في ادعاء البراءة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

و( جزاؤه ) : مبتدأ، و( من ) : شرطية أو موصولة، وخبرها :( فهو جزاؤه )، والجملة : خبر جزاء الأول. أو ( جزاؤه ) : مبتدأ و( من ) خبر، على حذف مضاف، أي : جزاؤه أخذ من وُجد في رحله، وتم الكلام، و( فهو جزاؤه ) : جملة مستقلة تقريرية لما قبلها.
﴿ وقالوا جزاؤه مَن وُجِدَ في رَحْلهِ فهو جزاؤه ﴾ ؛ يحبس في سرقته، ويُسْتَرَقّ للمسروق منه، وهذا كان قصد يوسف عليه السلام، وهي كانت شريعة يعقوب. وكانت أيضاً شريعتنا في أول الإسلام ثم نسخ بالقطع. ثم قالوا :﴿ كذلك نجزي الظالمين ﴾ بالسرقة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

﴿ فَبَدأَ ﴾ المؤذن أو يوسف ؛ لأنهم رُدُّوا إلى مصر، أي : بدأ في التفتيش، ﴿ بأوعيتِهم قبلَ وعَاءِ أخيه ﴾ بنيامين، تقية للتهمة، ﴿ ثم استخرجها ﴾ ؛ أي : السقاية، أو الصواع ؛ لأنه يُذكر ويُؤنث، ﴿ من وعاءِ أخيه ﴾ ﴿ كذلك ﴾، أي : مثل ذلك الكيد ﴿ كِدْنَا ليوسفَ ﴾ أي : علمناه الحيلة بالوحي في أخذ أخيه، ﴿ ما كان ليَأخُذَ أخاه في دين الملك ﴾ ملك مصر ؛ لأن دينه كان الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق. ﴿ إلا أن يشاءَ اللهُ ﴾ أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك. أو : لكن أخذه بمشيئة الله وإرادته. ﴿ نرفعُ درجات من نشاء ﴾ بالعلم والعمل، كما رفعنا درجته، ﴿ وفوق كلّ ذي علم عليم ﴾ أرفع درجة منه.
قال البيضاوي : واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته ؛ إذ لو كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه أي : لدخوله تعالى في عموم الآية والجواب : أن المراد كل ذي علم من الخلق ؛ لأن الكلام فيهم، ولأن العليم هو الله تعالى. ومعناه : الذي له العلم البالغ، ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا : فوق كل العلماء عليم، وهو مخصوص. ه.
قلت : وقد ورد ثبوت العلم له تعالى في آيات وأحاديث. كقوله تعالى :﴿ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾
[ النساء : ١٦٦ ] ﴿ أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ ﴾ [ هود : ١٤ ]، " وإني على عِلمٍ من عِلمِ اللهِ علَّمَنيهِ " إلى غير ذلك مما هو صريح في الرد عليهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة... ﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه... ﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً ألبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه أسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
وقوله :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ : أي بالعلم بالله ؛ كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه ؛ كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

ثم ذكر جوابهم، فقال :
﴿ قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ ﴾
قلت : معنى الشرط والجواب : إن ثبت أن بنيامين يسرق فقد سرق أخ له، أي : سرقته كسرقة أخيه، و( مكاناً ) : تمييز.
يقول الحق جل جلاله : قال إخوة يوسف، لما ظهرت السرقة عليهم :﴿ إن يسرقْ ﴾ بنيامين ﴿ فقد سرق أخٌ له ﴾ أخوه يوسف ﴿ من قبل ﴾، فهذا الأمر إنما صدر من ابْنَي راحيل، لا منا، قصدوا بذلك رفع المضرة عن أنفسهم، ورموا بها يوسف وشقيقه، وهذه السرقة التي رموه بها ؛ قيل : كانت ورثت عمته من أبيها منطقة، وكانت تخصُّ يوسف وتحبه، فلما شب، أراد يعقوب انتزاعه منها، فشدت المنطقة على وسطه، ثم أظهرت ضياعَها، ففتَّش عليها، فوجدت مشدودة على وسطه، فصارت أحق به في حكمهم وقيل : كان لجده من أمه صنم من ذهب، فسرقه وكسره، وألقاه في الجيف. وقيل : كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل.
﴿ فأسرَّها يوسفُ في نفسه ولم يُبدها لهم ﴾ أي : أخفى هذه الإجابة، ولم يكذبهم فيها. أو : الحزازة التي وجد في نفسه من قولهم :﴿ فقد سرق أخ له من قبل ﴾ ؛ أي : أسر كراهية مقالتهم. أو : المقالة التي يفسرها قوله :﴿ قال أنتم شرُّ مكاناً ﴾ ؛ أي : قال في نفسه خفية : أنتم شر مكاناً، أي : أنتم أقبح منزلة في السرقة بسرقتكم أخاكم، أو بسوء صنيعكم بما فعلتم معي. ﴿ والله أعلم بما تَصِفُون ﴾، وقد علم سبحانه أن الأمر ليس كما تصفون، فهو إشارة إلى كذبهم فيما نسبوا إليه من السرقة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : النفس الأمارة من شأنها الانتصار، ودفع النقائص عنها والعار. والنفس المطمئنة من شأنها الاكتفاء بعلم الله، والرضا بما يجري به القضاء من عند الله، فإذا اختلجها شيء من الانتصار أَسَرَّتْه، ولم تخرجه إلى حالة الإظهار.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : آداب الفقير المتجرد أربعة أشياء : الحرمة للأكابر، والرحمة للأصاغر، والانتصاف من نفسه، وعدم الانتصار لها. هـ. فالفقير إذا انتصر لنفسه فقد نقض العهد مع ربه، فيجب عليه التوبة. وقالوا :[ الصوفي دمه هدر، وعرضه وماله مباح ]. يعني : أنه لا ينتصر لنفسه، فكل من آذاه لا يخاف من جانبه ؛ فكأنه مباح، مع كونه حراماً بالشريعة، بل هو أشد حرمة من غيره. والله تعالى أعلم.

﴿ قالوا يا أيها العزيزُ إن له أباً شيخاً كبيراً ﴾ في السن، أو القدر، ذكروا حاله ؛ استعطافاً له، وكانوا أعلموه بشدة محبة أبيه فيه، ﴿ فخُذ أحدَنا مكانه ﴾ ؛ فإن أباه ثكلان، أي : حزين على أخيه الهالك، يستأنس به، ﴿ إنا نراك من المحسنين ﴾ إلينا، فأتمم إحسانك، أو من المتعودين الإحسان فلا تغير إحسانك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : النفس الأمارة من شأنها الانتصار، ودفع النقائص عنها والعار. والنفس المطمئنة من شأنها الاكتفاء بعلم الله، والرضا بما يجري به القضاء من عند الله، فإذا اختلجها شيء من الانتصار أَسَرَّتْه، ولم تخرجه إلى حالة الإظهار.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : آداب الفقير المتجرد أربعة أشياء : الحرمة للأكابر، والرحمة للأصاغر، والانتصاف من نفسه، وعدم الانتصار لها. هـ. فالفقير إذا انتصر لنفسه فقد نقض العهد مع ربه، فيجب عليه التوبة. وقالوا :[ الصوفي دمه هدر، وعرضه وماله مباح ]. يعني : أنه لا ينتصر لنفسه، فكل من آذاه لا يخاف من جانبه ؛ فكأنه مباح، مع كونه حراماً بالشريعة، بل هو أشد حرمة من غيره. والله تعالى أعلم.

﴿ قال معاذَ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ﴾ فإنَّ أَخْذَ غيره ظلم، فلا آخذ أحداً مكانه ؛ ﴿ إنا إذاً لظالمون ﴾ في مذهبكم ؛ لأن الله أمرنا باسترقاق السارق ؛ فاسترقاق غيره ظلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : النفس الأمارة من شأنها الانتصار، ودفع النقائص عنها والعار. والنفس المطمئنة من شأنها الاكتفاء بعلم الله، والرضا بما يجري به القضاء من عند الله، فإذا اختلجها شيء من الانتصار أَسَرَّتْه، ولم تخرجه إلى حالة الإظهار.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : آداب الفقير المتجرد أربعة أشياء : الحرمة للأكابر، والرحمة للأصاغر، والانتصاف من نفسه، وعدم الانتصار لها. هـ. فالفقير إذا انتصر لنفسه فقد نقض العهد مع ربه، فيجب عليه التوبة. وقالوا :[ الصوفي دمه هدر، وعرضه وماله مباح ]. يعني : أنه لا ينتصر لنفسه، فكل من آذاه لا يخاف من جانبه ؛ فكأنه مباح، مع كونه حراماً بالشريعة، بل هو أشد حرمة من غيره. والله تعالى أعلم.

ثم قال تعالى :
﴿ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِيا أَبِيا أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ * ﴿ ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ * ﴿ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالّعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ * ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
قلت :( نجياً ) : حال، أي : انفردوا عن الناس مناجين. وإنما أفرده ؛ لأنه مصدر، أو بزنته. و( من قبل ما ) : يحتمل أن تكون مزيدة ومصدرية مرفوعة بالابتداء، أي : تفريطكم في يوسف واقع من قبل هذا. قاله ابن جزي. وفيه نظر ؛ فإن الظرف المقطوع لا يقع خبراً، أوْ منصوبة بالعطف على مفعول ( تعلموا )، أي : لم تعلموا أخذ ميثاق أبيكم، وتفريطكم في يوسف قبل هذا.
يقول الحق جل جلاله :﴿ فلما استيأسوا ﴾ ؛ أي يئسوا ﴿ منه ﴾ من يوسف أن يجيبهم إلى ما دعوه إليه من أخذ أحدهم مكان أخيهم، ﴿ خَلَصُوا ﴾ أي : تخلصوا من الناس، وانفردوا عنهم ﴿ نجيّاً ﴾ متناجين، يناجي بعضهم بعضاً : كيف وقع للصاع ؟ وكيف يتخلصون من عهد أبيهم ؟ ثم فسر تلك المناجاة :﴿ قال كبيرُهمْ ﴾ في السن، وهو رُوَيْبيل، أو في الرأي، وهو شمعون، وقيل يهوذا :﴿ ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله ﴾ ؛ عهداً وثيقاً، وحلفتم له لتأتن بابنه إلا أن يُحاط بكم ؟ فكيف تصنعون معه، ﴿ ومن قبلُ ﴾ هذا ﴿ فرطتم في يوسف ﴾ واعتذرتم بالأعذار الكاذبة ؟ ﴿ فلن أبرح الأرض ﴾ ؛ فلن أفارق أرض مصر ﴿ حتى يأذن لي أبي ﴾ في الرجوع، ﴿ أو يحكم الله لي ﴾ : أو يقضي لي بالخروج منها، أو بتخليص أخي منهم قهراً، ﴿ وهو خيرُ الحاكمين ﴾ ؛ لأن حكمه لا يكون إلا بالحق.
رُوي أنهم كلموا العزيز في إطلاقه، فقال رويبيل، وقيل : يهوذا : أيها الملك، لتتركن أخانا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل، ووقف شعر جسده، فخرجت كل شعرة من ثيابه، فقال يوسف لابنه الصغير، واسمه نائل : قم إلى جنبه ومُسَّه، فمسه، وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم لا يسكن غضبه إلا إذا مسه أحد من آل يعقوب، فلما مسه ولد يوسف عليه السلام سكن غضبه، فقال : من هذا ؟ إن في هذا البلد لبذراً من بذر يعقوب.
وقيل : إنهم هموا بالقتال، وقال يهوذا لإخوته : تفرقوا في أسواق مصر، وأنا أصيح صيحة تشق مراريهم، فإذا سمعتم صوتي، فاخربوا يميناً وشمالاً، فلما غضب، وأراد أن يصيح مسه ولد يوسف فسكن، فلما لم يسمعوا صوته أتوا إليه فوجدوه قد سكن غضبه، فقال : إن هنا بذراً من آل يعقوب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فلما استيأس القلب من الدنيا، والرجوع إليها، وقطع يأسه من حظوظها وهواها، خلصت له المناجاة وصفت له أنوار المشاهدات، وأنواع المكالمات، والقلب هو كبير الأعضاء وملكها، فيقول لها : ألم تعلموا أن الله قد أخذ عليكم موثقاً ألا تعصوه ولا تُخالفوه، ومن قبل هذا وهو زمان البطالة، قد فرطتم في عبادته، فلن أبرح أرض العبودية حتى يأذن لي في العروج إلى سماء شهود عظمة الربوبية، أو يحكم لي بالوصال، وهو خير الحاكمين. فإن وقعت من الجوارح هفوة فيقال لها : ارجعوا إلى أبيكم ـ وهو القلب ـ فقولوا : إن ابنك سرق، أي : تعدى وأخذ ما ليس له من الهوى فيما ظهر لنا، وما شهدنا إلا بما علمنا، فرب معصية في الظاهر طاعة في الباطن، واسأل البشرية التي كنا فيها والخواطر التي أقبلنا على المعصية فيها، فيقول القلب : بل زينت لكم أنفسكم أمر الهوى، فدواؤكم الصبر الجميل، والتوبة للعظيم الجليل، عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً، فنصرفهم في طاعة الله ومرضاته. والله تعالى أعلم بأسرار حِكَم كتابه، فعلم الإشارة يقبل مثل هذا وأكثر. وإياك والانتقاد ؛ فقد قالوا في باب الإشارة أرق من هذا وأغرب. وبالله التوفيق.
ثم قال لهم :﴿ ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا أنّ ابنك سرق ﴾ على ما شهدنا من ظاهر الأمر، ﴿ وما شهدْنا إلا بما علمنا ﴾ بأن رأينا الصاع استُخرج من وعائه. ﴿ وما كنا للغيب حافظين ﴾ أي ما كنا لباطن الأمر حافظين، فلا ندري أسرق، أو أحد دسه في وعائه ؟ أو ما كنا حين أعطيناك العهد حافظين للغيب، عالمين بالقدر المغيب، وأنك تصاب به كما أصبت بأخيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فلما استيأس القلب من الدنيا، والرجوع إليها، وقطع يأسه من حظوظها وهواها، خلصت له المناجاة وصفت له أنوار المشاهدات، وأنواع المكالمات، والقلب هو كبير الأعضاء وملكها، فيقول لها : ألم تعلموا أن الله قد أخذ عليكم موثقاً ألا تعصوه ولا تُخالفوه، ومن قبل هذا وهو زمان البطالة، قد فرطتم في عبادته، فلن أبرح أرض العبودية حتى يأذن لي في العروج إلى سماء شهود عظمة الربوبية، أو يحكم لي بالوصال، وهو خير الحاكمين. فإن وقعت من الجوارح هفوة فيقال لها : ارجعوا إلى أبيكم ـ وهو القلب ـ فقولوا : إن ابنك سرق، أي : تعدى وأخذ ما ليس له من الهوى فيما ظهر لنا، وما شهدنا إلا بما علمنا، فرب معصية في الظاهر طاعة في الباطن، واسأل البشرية التي كنا فيها والخواطر التي أقبلنا على المعصية فيها، فيقول القلب : بل زينت لكم أنفسكم أمر الهوى، فدواؤكم الصبر الجميل، والتوبة للعظيم الجليل، عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً، فنصرفهم في طاعة الله ومرضاته. والله تعالى أعلم بأسرار حِكَم كتابه، فعلم الإشارة يقبل مثل هذا وأكثر. وإياك والانتقاد ؛ فقد قالوا في باب الإشارة أرق من هذا وأغرب. وبالله التوفيق.
﴿ واسأل القرية التي كنا فيها ﴾ ؛ وهي القرية التي لحقهم فيها المنادي، أي : أرسل إليهم عن القصة إن اتهمتنا.
" ﴿ و ﴾ سل أيضاً ﴿ العيرَ ﴾ : أهل العير، ﴿ التي أقبلنا فيها ﴾، والعير : جماعة الإبل. ﴿ وإنا لصادقون ﴾ فيما أخبرناك به. هذا تمام وصية كبيرهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فلما استيأس القلب من الدنيا، والرجوع إليها، وقطع يأسه من حظوظها وهواها، خلصت له المناجاة وصفت له أنوار المشاهدات، وأنواع المكالمات، والقلب هو كبير الأعضاء وملكها، فيقول لها : ألم تعلموا أن الله قد أخذ عليكم موثقاً ألا تعصوه ولا تُخالفوه، ومن قبل هذا وهو زمان البطالة، قد فرطتم في عبادته، فلن أبرح أرض العبودية حتى يأذن لي في العروج إلى سماء شهود عظمة الربوبية، أو يحكم لي بالوصال، وهو خير الحاكمين. فإن وقعت من الجوارح هفوة فيقال لها : ارجعوا إلى أبيكم ـ وهو القلب ـ فقولوا : إن ابنك سرق، أي : تعدى وأخذ ما ليس له من الهوى فيما ظهر لنا، وما شهدنا إلا بما علمنا، فرب معصية في الظاهر طاعة في الباطن، واسأل البشرية التي كنا فيها والخواطر التي أقبلنا على المعصية فيها، فيقول القلب : بل زينت لكم أنفسكم أمر الهوى، فدواؤكم الصبر الجميل، والتوبة للعظيم الجليل، عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً، فنصرفهم في طاعة الله ومرضاته. والله تعالى أعلم بأسرار حِكَم كتابه، فعلم الإشارة يقبل مثل هذا وأكثر. وإياك والانتقاد ؛ فقد قالوا في باب الإشارة أرق من هذا وأغرب. وبالله التوفيق.
فلما رجعوا إلى أبيهم، وقالوا له ما قال لهم كبيرهم ﴿ قال ﴾ لهم أبوهم :﴿ بل سَوَّلت لكم أنفسُكم أمراً ﴾ أي : زينت لكم أمراً فصنعتموه، وإلا فمن أين يدري الملك أن السارق يُؤخذ في السرقة، إذ ليست بشريعته، ﴿ فصبر جميلٌ ﴾ أي : فأمري صبر جميل، ﴿ عسى اللهُ أن يأتيني بهم جميعاً ﴾ ؛ بيوسف وبنيامين، وأخيهما الذي بقي بمصر ؛ ﴿ إنه هو العليمُ ﴾ بحالي وحالهم، ﴿ الحكيم ﴾ في تدبيره. رُوي أن عزرائيل دخل ذات يوم على يعقوب عليهما السلام فقال له يعقوب : جئت لقبض روحي، أو لقبض روح أحد من أولادي وأهلي ؟ قال : إنما جئت زائراً، فقال له : أقسمت عليك بالله إلا ما أخبرتني، هل قبضت روح يوسف ؟ فقال : لا، بل هو حي سَوِيّ، وهو ملك وله خزائن، وجنود وعبيد، وعن قريب يجمع الله شملك به. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فلما استيأس القلب من الدنيا، والرجوع إليها، وقطع يأسه من حظوظها وهواها، خلصت له المناجاة وصفت له أنوار المشاهدات، وأنواع المكالمات، والقلب هو كبير الأعضاء وملكها، فيقول لها : ألم تعلموا أن الله قد أخذ عليكم موثقاً ألا تعصوه ولا تُخالفوه، ومن قبل هذا وهو زمان البطالة، قد فرطتم في عبادته، فلن أبرح أرض العبودية حتى يأذن لي في العروج إلى سماء شهود عظمة الربوبية، أو يحكم لي بالوصال، وهو خير الحاكمين. فإن وقعت من الجوارح هفوة فيقال لها : ارجعوا إلى أبيكم ـ وهو القلب ـ فقولوا : إن ابنك سرق، أي : تعدى وأخذ ما ليس له من الهوى فيما ظهر لنا، وما شهدنا إلا بما علمنا، فرب معصية في الظاهر طاعة في الباطن، واسأل البشرية التي كنا فيها والخواطر التي أقبلنا على المعصية فيها، فيقول القلب : بل زينت لكم أنفسكم أمر الهوى، فدواؤكم الصبر الجميل، والتوبة للعظيم الجليل، عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً، فنصرفهم في طاعة الله ومرضاته. والله تعالى أعلم بأسرار حِكَم كتابه، فعلم الإشارة يقبل مثل هذا وأكثر. وإياك والانتقاد ؛ فقد قالوا في باب الإشارة أرق من هذا وأغرب. وبالله التوفيق.
ثم قال تعالى :
﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ * ﴿ قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ يا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
قلت : يا أسفي، ويا ويلتي، ويا حسرتي، مما عوض فيه الألف عن ياء المتكلم. والأسف : أشد الحزن. وقيل : شدة الحسرة. و( كظيم ) : إما بمعنى مفعول، كقوله :( وهو مكظوم ) ؛ أي : فهو مملوء غيظاً على أولاده، ممسك له في قلبه، تقول : كظم السقاء ؛ إذا شد على ملئِه. أو بمعنى فاعل ؛ كقوله :﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ [ آل عمران : ١٣٤ ] ؛ من كظم البعير جِرَّتَهُ ؛ إذا ردها في جوفه.
يقول الحق جل جلاله :﴿ وتولّى ﴾ يعقوب عن أولاده، أي : أعرض ﴿ عنهم ﴾ لما لم يصدقهم، كراهةً لما صادف منهم، ورجع إلى تأسفه ﴿ وقال يا أسَفَا ﴾ أي : يا شدة حزني ﴿ على يوسف ﴾. وإنما تأسف على يوسف دون أخويه لأن محبته كانت أشد ؛ لإفراط محبته فيه، ولأن مصيبته سبقت عليهما. ﴿ وابيضَّتْ عيناه ﴾ من كثرة البكاء ﴿ من الحُزن ﴾، كأَنَّ العَبْرَةَ محقت سوادها، وقيل : ضعف بصره، وقيل : عمي. وقد رُوي أنه :" حَزِنَ يعقُوب حُزْن سبعين ثَكْلَى، وأُعطِي أَجر مائَة شَهيدٍ، وما ساءَ ظَنّه بالله قَطّ ".
وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع. ولعل أمثال ذلك لا يدخل تحت التكليف، فإنه قلَّ من يملك نفسه عند الشدائد، وقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :" القلْبُ يَحْزَنُ، والعَيْنُ تَدمَعُ، ولا نَقُولُ إلاَّ ما يُرْضِي رَبَّنا، وإنَّا على فِراقِكَ يا إبراهِيمُ لَمَحْزُونون " ١.
﴿ فهو كظيم ﴾ أي : مملوء غيظاً على أولاده ؛ لما فعلوا. أو كاظم غيظه، ماسك له، لم يظهر منه شيئاً، ولم يَشْكُ لأحد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يتأسف يعقوب عليه السلام على فقد صورة يوسف الحسية، إنما تأسف على فقد ما كان يشاهد فيه من جمال الحق وبهائه، في تجلي يوسف وحسن طلعته البهية، وفي ذلك يقول ابن الفارض :
عَيْني لِغَيْرِ جَمَالِكُمْ لاَ تَنْظُرُ وسِوَاكمُ فِي خَاطِري لا يَخطرُ
فلما فقد ذلك التجلي الجمالي حزن عليه، وإلا فالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أولى بالغنى بالله عما سواه. فإذا حصل للقلب الغنى بالله لم يتأسف على شيء، ولم يحزن على شيء ؛ لأنه حاز كل شيء، ولم يفته شيء. " ماذا فقد من وجده، وما الذي وجد من فقده ". ولله در القائل :
أَنَا الفَقِيرُ إِليْكُمُ والْغَنِيُّ بِكُمُ وَلَيْس لِي بَعدَكُمُ حِرْصٌ عَلى أَحدِ
وهذا أمر محقق، مذوق عند العارفين ؛ أهل الغنى بالله. وقوله :﴿ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾ : فيه رفع الهمة عن الخلق، والاكتفاء بالملك الحق، وعدم الشكوى فيما ينزل إلى الخلق... وهو ركن من أركان طريق التصوف، بل هو عين التصوف. وبالله التوفيق.


١ أخرجه البخاري في الجنائز باب ٤٣، ومسلم في الفضائل حديث ٦٢..
و( تفتأ ) : من النواقص اللازم للنفي، وحذفه هنا لعدم الإلباس ؛ لأنه لو كان مثبتاً لأكد باللام والنون. والحرض : المريض المشرف على الهلاك، وهو في الأصل مصدر، ولذلك لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع.
﴿ قالوا تاللهِ تَفْتَؤا ﴾ : لا تزال ﴿ تذكرُ يوسفَ ﴾ تفجعاً عليه، ﴿ حتى تكون حَرَضاً ﴾ : مشرفاً على الهلاك، ﴿ أو تكون من الهالكين ﴾ : من الميتين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يتأسف يعقوب عليه السلام على فقد صورة يوسف الحسية، إنما تأسف على فقد ما كان يشاهد فيه من جمال الحق وبهائه، في تجلي يوسف وحسن طلعته البهية، وفي ذلك يقول ابن الفارض :
عَيْني لِغَيْرِ جَمَالِكُمْ لاَ تَنْظُرُ وسِوَاكمُ فِي خَاطِري لا يَخطرُ
فلما فقد ذلك التجلي الجمالي حزن عليه، وإلا فالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أولى بالغنى بالله عما سواه. فإذا حصل للقلب الغنى بالله لم يتأسف على شيء، ولم يحزن على شيء ؛ لأنه حاز كل شيء، ولم يفته شيء. " ماذا فقد من وجده، وما الذي وجد من فقده ". ولله در القائل :
أَنَا الفَقِيرُ إِليْكُمُ والْغَنِيُّ بِكُمُ وَلَيْس لِي بَعدَكُمُ حِرْصٌ عَلى أَحدِ
وهذا أمر محقق، مذوق عند العارفين ؛ أهل الغنى بالله. وقوله :﴿ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾ : فيه رفع الهمة عن الخلق، والاكتفاء بالملك الحق، وعدم الشكوى فيما ينزل إلى الخلق... وهو ركن من أركان طريق التصوف، بل هو عين التصوف. وبالله التوفيق.

والبث : أشد الحزن.
﴿ قال إنما أشكو بَثّي ﴾ أي : شدة همي ﴿ وحزني ﴾ الذي لا صبر عليه، ﴿ إلى الله ﴾ لا إلى أحد منكم ولا غيركم ؛ فَخَلّوني وشِكَايتي، فلست مِمَّن يجزع ويَضْجَر ؛ فيستحق التعنيف، وإنما أشكو إلى الله، ولا تعنيف فيه ؛ لأن فيه إظهار الفقر، والعجز بين يديه، وهو محمود. ﴿ وأعلمُ من الله ما لا تعلمون ﴾ أي : أعلم من لطف الله ورأفته ورحمته، ما يوجب حسن ظني وقوة رجائي، وأنه لا يخيب دعائي، ما لا تعلمون. أو : وأعلم من طريق الوحي من حياة يوسف ما لا تعلمون ؛ لأنه رأى ملك الموت فأخبره بحياته، كما تقدم. وقيل : علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى تخر له إخوته سُجّداً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يتأسف يعقوب عليه السلام على فقد صورة يوسف الحسية، إنما تأسف على فقد ما كان يشاهد فيه من جمال الحق وبهائه، في تجلي يوسف وحسن طلعته البهية، وفي ذلك يقول ابن الفارض :
عَيْني لِغَيْرِ جَمَالِكُمْ لاَ تَنْظُرُ وسِوَاكمُ فِي خَاطِري لا يَخطرُ
فلما فقد ذلك التجلي الجمالي حزن عليه، وإلا فالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أولى بالغنى بالله عما سواه. فإذا حصل للقلب الغنى بالله لم يتأسف على شيء، ولم يحزن على شيء ؛ لأنه حاز كل شيء، ولم يفته شيء. " ماذا فقد من وجده، وما الذي وجد من فقده ". ولله در القائل :
أَنَا الفَقِيرُ إِليْكُمُ والْغَنِيُّ بِكُمُ وَلَيْس لِي بَعدَكُمُ حِرْصٌ عَلى أَحدِ
وهذا أمر محقق، مذوق عند العارفين ؛ أهل الغنى بالله. وقوله :﴿ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾ : فيه رفع الهمة عن الخلق، والاكتفاء بالملك الحق، وعدم الشكوى فيما ينزل إلى الخلق... وهو ركن من أركان طريق التصوف، بل هو عين التصوف. وبالله التوفيق.

﴿ يا بَني اذهبوا ﴾ إلى الأرض التي تركتم بها أخويكم، ﴿ فتحسسُوا من يوسفَ وأخيهِ ﴾ أي : تعرفوا من خبرهما، وتفحَّصوا عن حالهما. والتحسس : طلب الشيء بالحواس. وإنما لم يذكر الولد الثالث ؛ لأنه بقي هناك اختياراً. وفي ذكر يوسف دليل على أنه كان عالماً بحياته. ﴿ ولا تيأسوا من رَّوْح الله ﴾ : لا تقنطوا من فرجه وتنفيسه، أو من رحمته، وقرئ بضم الراء، أي : من رحمته التي يحيي بها العباد، أي : ولا تيأسوا من حي معه روح الله ؛ فكل من بقي روحه يرْجى، أي : ويوسف عندي، فمن معه روح الله فلا تيأسوا من رجوعه. ﴿ إنه ﴾ أي : الشأن ﴿ لا ييأسُ من رَّوْح الله إلا القومُ الكافرون ﴾ بالله وصفاته ؛ لأن العارف لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال. وإنما جعل اليأس من صفة الكافر ؛ لأن سببه تكذيبٌ بالربوبية، أو جهل بصفة الله وقدرته، والجهل بالصفة جهل بالموصوف، فالإياس من رحمة الله كفر.
وأما حديث الرجل الذي قال :( إذا متُّ فاحرقوني، ثم اذْروني في البحر والبر في يوم رائح، فلئِنِ قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحد من الناس )، حسبما في الصحيح، فليس فيه اليأس ولا تعجيز القدرة، لكن لما غلبه الخوف المفرط لم يتأمل ولم يضبط حاله ؛ إما لحقه من الخوف وغمره من الدهش، دون عقد ولا إصرار على نفي الرحمة واليأس منها. ويدل على ذلك قوله :( لما قال له الرب تعالى : ما حملك على هذا ؟ قال : مخافتك، فغفر له ). ولم يقل اليأس من رحمتك. انظر المحشي الفاسي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لم يتأسف يعقوب عليه السلام على فقد صورة يوسف الحسية، إنما تأسف على فقد ما كان يشاهد فيه من جمال الحق وبهائه، في تجلي يوسف وحسن طلعته البهية، وفي ذلك يقول ابن الفارض :
عَيْني لِغَيْرِ جَمَالِكُمْ لاَ تَنْظُرُ وسِوَاكمُ فِي خَاطِري لا يَخطرُ
فلما فقد ذلك التجلي الجمالي حزن عليه، وإلا فالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أولى بالغنى بالله عما سواه. فإذا حصل للقلب الغنى بالله لم يتأسف على شيء، ولم يحزن على شيء ؛ لأنه حاز كل شيء، ولم يفته شيء. " ماذا فقد من وجده، وما الذي وجد من فقده ". ولله در القائل :
أَنَا الفَقِيرُ إِليْكُمُ والْغَنِيُّ بِكُمُ وَلَيْس لِي بَعدَكُمُ حِرْصٌ عَلى أَحدِ
وهذا أمر محقق، مذوق عند العارفين ؛ أهل الغنى بالله. وقوله :﴿ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾ : فيه رفع الهمة عن الخلق، والاكتفاء بالملك الحق، وعدم الشكوى فيما ينزل إلى الخلق... وهو ركن من أركان طريق التصوف، بل هو عين التصوف. وبالله التوفيق.

ثم ذهبوا إلى مصر كما أمرهم أبوهم، قال تعالى :
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ فلما دخلوا عليه ﴾ على يوسف حين رجعوا إليه مرة ثالثة، ﴿ قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضُّرُّ ﴾ شدة الجوع ﴿ وجئنا ﴾ إليك ﴿ ببضاعةٍ مُّزجَاةٍ ﴾ : رديئة، أو قليلة، أو ناقصة، تدفع وترد من أزجيته، دفعته. ومنه :﴿ يُزْجِي سَحَاباً ﴾ [ النور : ٤٣ ] قيل : كانت دراهم زيوفاً وقيل : الصنوبر وحبة الخضراء. وقيل : سَويق المُقْل أي : الدوم. وقيل : عروضاً. ﴿ فأوْف لنا الكَيْلَ ﴾ : أتممه لنا، ﴿ وتصدَّقْ علينا ﴾ بالمسامحة، وقبول المزجاة، أو بالزيادة على ثمننا. وهذا يقتضي أن الصدقة كانت حلالاً على الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو خلاف المشهور. أو برد أخينا، ﴿ إن الله يجزي المتصدّقين ﴾ أحسن الجزاء. والتصدق : التفضل مطلقاً، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في القصر :" هذهِ صَدَقةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيكُمْ بها، فاقبلوا صدقته " ١.
رُوي أن يعقوب عليه السلام لما أرسلهم المرة الثالثة ليتحسسوا أخبار يوسف وأخيه، أرسل معهم كتاباً ونصه : بسم الله الرَّحمان الرحيم، من يعقوب الحزين إلى عزيز مصر، ولو عرفت اسمك لذكرتك في كتابي هذا، يا من أعتز بعز الله، فالله يُعِزُ من يشاء، ويُذل من يشاء، وإني أيها العزيز قد اشمأز قلبي، وقطع الحزن أوصالي، وإني ناهٍ إلى الإقراح، دائم البكاء والصياح، وإني من نطفة آباء كرام، فكيف يتولد اللصوص مني وأنا من الخصوص ! وقد أخبرت أنك وضعت الصَّاع بالليل في رحل ولدي الأصغر، وإني حزين عليه كما كنتُ حزيناً على أخيه الفقيد، حزناً دائماً سرمداً شديداً. وإن كنت أفجعتني في الآخرة ؛ فإن قلبي لا محالة طائر. ثم ختمه بالسلام.
فلما دفعوه ليوسف قرأه. وبكى بكاء شديداً، ثم دفعه لأخيه بنيامين فقرأه وبكى أيضاً. ثم نزل عن سريره، ثم دفع لهم الكتاب الذي كانوا كتبوه لمالك بن ذعْر لما باعوه بخطوط شهادتهم، كان أخذه من مالك حين باعه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من رام الدخول إلى حضرة الكريم الغفار، فليدخل من باب الذل والانكسار. وفي الحِكَم :" ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا قرعت الباب، ورمت الدخول مع الأحباب، فقل بلسان التضرع والانكسار : يا أيها العزيز الغفار مسنا الضر، وهو البعد والغفلة، وجئنا ببضاعة مزجاة ؛ عمل مدخول، وقلب معلول، فأوْفِ لنا ما أملناه من الجزاء المأمول، وتفضل علينا بالقبول والوصول، وقل : اليوم نغفر لكم ونغطي مساوئكم، ونوصلكم بما مني إليكم من الإحسان، لا بما منكم إلينا الطاعة والإذعان. هؤلاء إخوة يوسف لما أظهروا فاقتهم، واستقلوا بضاعتهم، وأحضروا شكايتهم، سمح لهم وقربهم، وكشف لهم عن وجهه الجميل، ومنحهم العطاء الجزيل، فما ظنك بالرب العظيم الجليل، الذي هو أرحم الراحمين، ومحل أمل القاصدين.

١ أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٤..
فلما قرأوه تغيرت ألوانهم وتضعضعت أركانهم، وبُهتوا، فقال لهم :﴿ هلْ علمتم ما فعلتم بيوسفَ وأخيه ﴾ ؛ من إيذاء يوسف، وتفريقه من أبيه، ومضرة أخيه من بعده، فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه، أي : هل علمتم قبحه فتبتم منه ؟ قاله نصحاً وتحريضاً لهم على التوبة. ﴿ إذ أنتم جاهِلَون ﴾ أي : فعلتم ذلك حين كنتم جاهلين قُبح ذلك. وإنما سماهم جاهلين ؛ لأن فعلهم حينئذٍ فعل الجهال، أو لأنهم حينئذٍ كانوا صبياناً طياشين، فعرفوه حينئذٍ على ظن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من رام الدخول إلى حضرة الكريم الغفار، فليدخل من باب الذل والانكسار. وفي الحِكَم :" ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا قرعت الباب، ورمت الدخول مع الأحباب، فقل بلسان التضرع والانكسار : يا أيها العزيز الغفار مسنا الضر، وهو البعد والغفلة، وجئنا ببضاعة مزجاة ؛ عمل مدخول، وقلب معلول، فأوْفِ لنا ما أملناه من الجزاء المأمول، وتفضل علينا بالقبول والوصول، وقل : اليوم نغفر لكم ونغطي مساوئكم، ونوصلكم بما مني إليكم من الإحسان، لا بما منكم إلينا الطاعة والإذعان. هؤلاء إخوة يوسف لما أظهروا فاقتهم، واستقلوا بضاعتهم، وأحضروا شكايتهم، سمح لهم وقربهم، وكشف لهم عن وجهه الجميل، ومنحهم العطاء الجزيل، فما ظنك بالرب العظيم الجليل، الذي هو أرحم الراحمين، ومحل أمل القاصدين.
قلت :( من يتق ويصبر ) : من قرأ بالياء : أجرى الموصول مجرى الشرط ؛ لعمومه وإبهامه، فعطف على صلته بالجزم، ومنه قول الشاعر :
كذَلِكَ الذي يَبْغي عَلَى النَّاسِِ ظَالِماً تُصْبه عَلَى رغمِ عَوَاقِبُ مَا صَنَعْ
فقالوا :﴿ أئنك لأنتَ يوسف ﴾ ؟ بالاستفهام التقريري. وقرأ ابن كثير على الإيجاب. قيل : عرفوه بذوائبه وشمائله حين نزل إليهم وكلمهم.
وقيل : تبسم فعرفوه بثناياه. وقيل : رفع التاج عن رأسه فعرفوه بِشَامةٍ كانت في رأسه بيضاء، وكانت لسارة يعقوب مثلها.
﴿ قال ﴾ لهم :﴿ أنا يوسف وهذا أخي ﴾ من أبي وأمي. ذكره تعريفاً لنفسه به، وتفخيماً لشأنه، وإدخالاً له في المنة بقوله :﴿ قد مَنّ الله علينا ﴾ بالسلامة والكرامة والعز. ﴿ إنه من يتقِ ﴾ الله ﴿ ويصبرْ ﴾ على بلواه، وعلى طاعته وتقواه ﴿ فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ﴾، وضع المحسنين موضع المضمر ؛ تنبيهاً على أن المحسن جمع بين الصبر والتقوى. فمن اتقى الله وصبر فهو محسن. . .
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من رام الدخول إلى حضرة الكريم الغفار، فليدخل من باب الذل والانكسار. وفي الحِكَم :" ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا قرعت الباب، ورمت الدخول مع الأحباب، فقل بلسان التضرع والانكسار : يا أيها العزيز الغفار مسنا الضر، وهو البعد والغفلة، وجئنا ببضاعة مزجاة ؛ عمل مدخول، وقلب معلول، فأوْفِ لنا ما أملناه من الجزاء المأمول، وتفضل علينا بالقبول والوصول، وقل : اليوم نغفر لكم ونغطي مساوئكم، ونوصلكم بما مني إليكم من الإحسان، لا بما منكم إلينا الطاعة والإذعان. هؤلاء إخوة يوسف لما أظهروا فاقتهم، واستقلوا بضاعتهم، وأحضروا شكايتهم، سمح لهم وقربهم، وكشف لهم عن وجهه الجميل، ومنحهم العطاء الجزيل، فما ظنك بالرب العظيم الجليل، الذي هو أرحم الراحمين، ومحل أمل القاصدين.
﴿ قالوا تالله لقد آثَرَكَ اللهُ علينا ﴾ بحسن الصورة وكمال السيرة، أو فضلك علينا رغماً على أنفنا، ﴿ وإن كنا لخاطئين ﴾ أي : والحال أن شأننا أنَّا كنا مذنبين فيما فعلنا معك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من رام الدخول إلى حضرة الكريم الغفار، فليدخل من باب الذل والانكسار. وفي الحِكَم :" ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا قرعت الباب، ورمت الدخول مع الأحباب، فقل بلسان التضرع والانكسار : يا أيها العزيز الغفار مسنا الضر، وهو البعد والغفلة، وجئنا ببضاعة مزجاة ؛ عمل مدخول، وقلب معلول، فأوْفِ لنا ما أملناه من الجزاء المأمول، وتفضل علينا بالقبول والوصول، وقل : اليوم نغفر لكم ونغطي مساوئكم، ونوصلكم بما مني إليكم من الإحسان، لا بما منكم إلينا الطاعة والإذعان. هؤلاء إخوة يوسف لما أظهروا فاقتهم، واستقلوا بضاعتهم، وأحضروا شكايتهم، سمح لهم وقربهم، وكشف لهم عن وجهه الجميل، ومنحهم العطاء الجزيل، فما ظنك بالرب العظيم الجليل، الذي هو أرحم الراحمين، ومحل أمل القاصدين.
﴿ قال لا تثريبَ ﴾ : لا عتاب ﴿ عليكم اليوم ﴾ أي : لا عقوبة عليكم في هذا اليوم. ثم دعا لهم فقال :﴿ يغفرُ الله لكم ﴾، فيوقف على اليوم. وقيل : يتعلق بيغفر، فيوقف على ما قبله، وهو بعيد ؛ لأنه تحكم على الله، وإنما يصلح أن يكون دعاء، إذ هو الذي يليق بآداب الأنبياء، فكأنه أسقط حق نفسه بقوله :﴿ لا تثريب عليكم اليوم ﴾، ثم دعا الله أن يغفر لهم الله حقه. قاله ابن جزي، وصدر به البيضاوي. وبه تعلم ضعف وقف الهبطي.
ثم قال في تمام دعائه :﴿ وهو أرحمُ الراحمين ﴾ ؛ فإنه يغفر الصغائر والكبائر، ويتفضل على التائب.
قال البيضاوي : ومن كرم يوسف عليه السلام أنهم لما عرفوه أرسلوا له، وقالوا : إنك تدعوننا بالبكرة والعشي إلى الطعام، ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك، فقال لهم : إن أهل مصر كانوا ينظرون إليَّ بالعين الأولى، ويقولون : سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً ما بلغ، ولقد شَرُفْت بكم، وعظمت في أعينهم حيث إنكم إخوتي، وإني من حفدة إبراهيم عليه السلام. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من رام الدخول إلى حضرة الكريم الغفار، فليدخل من باب الذل والانكسار. وفي الحِكَم :" ما طلب لك شيء مثل الاضطرار، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار ". فإذا قرعت الباب، ورمت الدخول مع الأحباب، فقل بلسان التضرع والانكسار : يا أيها العزيز الغفار مسنا الضر، وهو البعد والغفلة، وجئنا ببضاعة مزجاة ؛ عمل مدخول، وقلب معلول، فأوْفِ لنا ما أملناه من الجزاء المأمول، وتفضل علينا بالقبول والوصول، وقل : اليوم نغفر لكم ونغطي مساوئكم، ونوصلكم بما مني إليكم من الإحسان، لا بما منكم إلينا الطاعة والإذعان. هؤلاء إخوة يوسف لما أظهروا فاقتهم، واستقلوا بضاعتهم، وأحضروا شكايتهم، سمح لهم وقربهم، وكشف لهم عن وجهه الجميل، ومنحهم العطاء الجزيل، فما ظنك بالرب العظيم الجليل، الذي هو أرحم الراحمين، ومحل أمل القاصدين.
ثم أمرهم بالرجوع إلى أبيهم، والإتيان به وبمن معه من أولادهم، فقال :
﴿ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ * ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ﴾ * ﴿ قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ﴾ * ﴿ فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ قَالُواْ يا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
يقول الحق جل جلاله : قال يوسف لإخوته لما عرفوه، وأزال ما بينه وبينهم من الوحشة، وقد أخذ قميصه :﴿ اذهبوا بقميصي هذا ﴾، رُوي أن هذا القميص كان لإبراهيم الذي لبسه حين كان في النار، وقيل : ألبسه له جبريل حين خرج من النار، وكان من ثياب الجنة، ثم كان لإسحاق ثم ليعقوب، ثم كان دفعه ليوسف، فكان عنده في حِفَاظ من قصب، وكان في عنقه في الجب، وأمره جبريل بإرساله، وقال : إنه قميص يوسف الذي هو منه بمنزلة قميص كل واحد. وبهذا تتبين الغرابة في أن وجد يعقوبُ ريحه من بُعدٍ ولو كان من قميص الجنة لما كان في ذلك غرابة، ويجده كل أحد. ه.
قلت : وما قاله لا ينهض ؛ لأن ما ظهر من الجنة إلى دار الدنيا لا يبقى على حاله دائماً ؛ لأنه من أسرار الغيب، بل لا يجده إلا أهل الذوق من أهل القرب، كنور الحجر الأسود، وغيره مما نزل من الجنة. والله تعالى أعلم.
ثم قال لهم اذهبوا به :﴿ فألقوه على وجهِ أبي يأتِ بصيراً ﴾ أي : يرجع بصيراً، علم ذلك بوحي، أو تجربة من القميص، ﴿ وأتوني بأهلكم أجمعين ﴾ ؛ نسائكم وذراريكم وأموالكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق ـ جل جلاله ـ جعل للبشرية عَيْنَين حسيين : تبصر بهما الحسيات، وجعل للقلب عينين معنويين يرى بهما المعاني. فالأول : يسمى البصر، والثاني : البصيرة : فأحد عيني القلب تبصر أنوار الشريعة، والأخرى تبصر أسرار الحقيقة. وقد يغشى القلب ظلمةُ الكفر، فتغطيهما معاً، وهو : عمى البصيرة. وقد يغشاه ظلمة المعاصي، واتباع الحظوظ والهوى، فتعمى عين الحقيقة، وتضعف عين الشريعة، ودواؤهما : إلقاء قميص المعرفة على وجه عين الحقيقة، وجلباب العصمة على عين الشريعة، فيرجع القلب بصيراً. ولا بد من صحبة شيخ عارف يعطيه هذا القميص، ويقول : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه بصيرتكم، تأتي بصيرة عارفة، فإذا قرب منها هذا القميص هبَّ عليها نسيم الوصال، وهاج عليها الوجدُ والحالُ. وأنشدت بلسان المقال :
سُوَيْداء قََلْبِي أَصْبَحَت حَرماً لَكُم تَطُوفُ بها الأسرارُ من عَالَم اللُّطف
وسائلُ ما بينَ المُحبِّين أَصْبَحَتْ تَجِلُّ عن التَّعْرِيفِ والرَّسم والعُرْفِ
رَسَائِل جَاءَتْنا بِِرُؤْيَا جَنَابِكُمْ عَوارِِفُ عُرف فَاقَ كُلَّ شّذا عَرف

قلت : جواب ( لولا ) : محذوف، أي : لولا أن تفندون لقلت إنه قريب، أو لصدقتموني.
﴿ ولما فَصَلَتِ العيرُ ﴾ من مصر، وخرجت من عمارتها، ﴿ قال أبوهم ﴾ لمن حضره :﴿ إني لأجِدُ ريحَ يوسف ﴾ ؛ أوجده الله، ريح ما عَبَق من قميصه حين أقبل إليه به يهوذا من ثمانين فرسخاً ؛ لأن يعقوب كان إذ ذاك ببيت المقدس، ويوسف بمصر، ﴿ لولا أن تُفَنِّدون ﴾ ؛ تنسبوني إلى الفِند، وهو : نُقصان عَقْلِ يحدث من هِرَم. ولذلك لا يقال عجوز مفندة ؛ لأن نقصان عقلها ذاتي. أي : لولا أن تحمِّقوني لقلت إنه قريب، أو لصدقتموني في ذلك، أو لولا أن تلوموني، وتردوا عليّ قولي لقلت إنه ريح يوسف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق ـ جل جلاله ـ جعل للبشرية عَيْنَين حسيين : تبصر بهما الحسيات، وجعل للقلب عينين معنويين يرى بهما المعاني. فالأول : يسمى البصر، والثاني : البصيرة : فأحد عيني القلب تبصر أنوار الشريعة، والأخرى تبصر أسرار الحقيقة. وقد يغشى القلب ظلمةُ الكفر، فتغطيهما معاً، وهو : عمى البصيرة. وقد يغشاه ظلمة المعاصي، واتباع الحظوظ والهوى، فتعمى عين الحقيقة، وتضعف عين الشريعة، ودواؤهما : إلقاء قميص المعرفة على وجه عين الحقيقة، وجلباب العصمة على عين الشريعة، فيرجع القلب بصيراً. ولا بد من صحبة شيخ عارف يعطيه هذا القميص، ويقول : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه بصيرتكم، تأتي بصيرة عارفة، فإذا قرب منها هذا القميص هبَّ عليها نسيم الوصال، وهاج عليها الوجدُ والحالُ. وأنشدت بلسان المقال :
سُوَيْداء قََلْبِي أَصْبَحَت حَرماً لَكُم تَطُوفُ بها الأسرارُ من عَالَم اللُّطف
وسائلُ ما بينَ المُحبِّين أَصْبَحَتْ تَجِلُّ عن التَّعْرِيفِ والرَّسم والعُرْفِ
رَسَائِل جَاءَتْنا بِِرُؤْيَا جَنَابِكُمْ عَوارِِفُ عُرف فَاقَ كُلَّ شّذا عَرف

﴿ قالوا ﴾ أي : الحاضرون :﴿ تاللهِ إنك لفي ضلالِكَ القديم ﴾ أي : إنك لفي خطئك القديم بالإفراط في محبة يوسف، وإكثار ذكره، وتوقع لقائه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق ـ جل جلاله ـ جعل للبشرية عَيْنَين حسيين : تبصر بهما الحسيات، وجعل للقلب عينين معنويين يرى بهما المعاني. فالأول : يسمى البصر، والثاني : البصيرة : فأحد عيني القلب تبصر أنوار الشريعة، والأخرى تبصر أسرار الحقيقة. وقد يغشى القلب ظلمةُ الكفر، فتغطيهما معاً، وهو : عمى البصيرة. وقد يغشاه ظلمة المعاصي، واتباع الحظوظ والهوى، فتعمى عين الحقيقة، وتضعف عين الشريعة، ودواؤهما : إلقاء قميص المعرفة على وجه عين الحقيقة، وجلباب العصمة على عين الشريعة، فيرجع القلب بصيراً. ولا بد من صحبة شيخ عارف يعطيه هذا القميص، ويقول : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه بصيرتكم، تأتي بصيرة عارفة، فإذا قرب منها هذا القميص هبَّ عليها نسيم الوصال، وهاج عليها الوجدُ والحالُ. وأنشدت بلسان المقال :
سُوَيْداء قََلْبِي أَصْبَحَت حَرماً لَكُم تَطُوفُ بها الأسرارُ من عَالَم اللُّطف
وسائلُ ما بينَ المُحبِّين أَصْبَحَتْ تَجِلُّ عن التَّعْرِيفِ والرَّسم والعُرْفِ
رَسَائِل جَاءَتْنا بِِرُؤْيَا جَنَابِكُمْ عَوارِِفُ عُرف فَاقَ كُلَّ شّذا عَرف

﴿ فلما أن جاءَ البشير ﴾ أي : المبشر، وهو يهوذا. رُوي أنه قال : كنتُ أحزنْتُه بِحَمل قميصه المُلَطَّخ بالدم إليه، اليوم أفرحُه بحمل هذا إليه. وفي رواية عنه قال : إني ذهبت إليه بقميص التَّرْحَة، فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة. فلما وصل إليه ﴿ ألقاه على وجهه ﴾ ؛ طرح البشيرُ القميصَ على وجه يعقوب، أو : ألقاه يعقوبُ بنفسه على وجهه، ﴿ فارتدَّ بصيراً ﴾ بقدرة الله وبركة القميص. ﴿ قال ألم أقلْ لكم إني أعلمُ من الله ما لا تعملون ﴾ من حياة يوسف، وإنزال الفرج.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق ـ جل جلاله ـ جعل للبشرية عَيْنَين حسيين : تبصر بهما الحسيات، وجعل للقلب عينين معنويين يرى بهما المعاني. فالأول : يسمى البصر، والثاني : البصيرة : فأحد عيني القلب تبصر أنوار الشريعة، والأخرى تبصر أسرار الحقيقة. وقد يغشى القلب ظلمةُ الكفر، فتغطيهما معاً، وهو : عمى البصيرة. وقد يغشاه ظلمة المعاصي، واتباع الحظوظ والهوى، فتعمى عين الحقيقة، وتضعف عين الشريعة، ودواؤهما : إلقاء قميص المعرفة على وجه عين الحقيقة، وجلباب العصمة على عين الشريعة، فيرجع القلب بصيراً. ولا بد من صحبة شيخ عارف يعطيه هذا القميص، ويقول : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه بصيرتكم، تأتي بصيرة عارفة، فإذا قرب منها هذا القميص هبَّ عليها نسيم الوصال، وهاج عليها الوجدُ والحالُ. وأنشدت بلسان المقال :
سُوَيْداء قََلْبِي أَصْبَحَت حَرماً لَكُم تَطُوفُ بها الأسرارُ من عَالَم اللُّطف
وسائلُ ما بينَ المُحبِّين أَصْبَحَتْ تَجِلُّ عن التَّعْرِيفِ والرَّسم والعُرْفِ
رَسَائِل جَاءَتْنا بِِرُؤْيَا جَنَابِكُمْ عَوارِِفُ عُرف فَاقَ كُلَّ شّذا عَرف

﴿ قالوا يا أبانا استغفرْ لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ﴾، وقد اعترفنا بذنوبنا، وسألنا المغفرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق ـ جل جلاله ـ جعل للبشرية عَيْنَين حسيين : تبصر بهما الحسيات، وجعل للقلب عينين معنويين يرى بهما المعاني. فالأول : يسمى البصر، والثاني : البصيرة : فأحد عيني القلب تبصر أنوار الشريعة، والأخرى تبصر أسرار الحقيقة. وقد يغشى القلب ظلمةُ الكفر، فتغطيهما معاً، وهو : عمى البصيرة. وقد يغشاه ظلمة المعاصي، واتباع الحظوظ والهوى، فتعمى عين الحقيقة، وتضعف عين الشريعة، ودواؤهما : إلقاء قميص المعرفة على وجه عين الحقيقة، وجلباب العصمة على عين الشريعة، فيرجع القلب بصيراً. ولا بد من صحبة شيخ عارف يعطيه هذا القميص، ويقول : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه بصيرتكم، تأتي بصيرة عارفة، فإذا قرب منها هذا القميص هبَّ عليها نسيم الوصال، وهاج عليها الوجدُ والحالُ. وأنشدت بلسان المقال :
سُوَيْداء قََلْبِي أَصْبَحَت حَرماً لَكُم تَطُوفُ بها الأسرارُ من عَالَم اللُّطف
وسائلُ ما بينَ المُحبِّين أَصْبَحَتْ تَجِلُّ عن التَّعْرِيفِ والرَّسم والعُرْفِ
رَسَائِل جَاءَتْنا بِِرُؤْيَا جَنَابِكُمْ عَوارِِفُ عُرف فَاقَ كُلَّ شّذا عَرف

﴿ قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ﴾، أخره إلى السَّحَر، أو إلى صلاة الليل، أو إلى ليلة الجمعة، تحرياً لوقت الإجابة، أو إلى أن يتحلّل لهم من يوسف، فإن عفو المظلوم شرط في المغفرة، ويؤيده ما رُوي أنه لما اجتمع به، وتحلل منه، استقبل يعقوبُ القبلة قائماً يدعو، ويوسفُ خلفه يؤمن، وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين، حتى نزل جبريل وقال : إن الله قد أجاب دعوتك في أولادك، وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة. وهو إن صح، دليل نبوتهم، وأن ما صدر منهم كان قبل نبوتهم، قاله البيضاوي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اعلم أن الحق ـ جل جلاله ـ جعل للبشرية عَيْنَين حسيين : تبصر بهما الحسيات، وجعل للقلب عينين معنويين يرى بهما المعاني. فالأول : يسمى البصر، والثاني : البصيرة : فأحد عيني القلب تبصر أنوار الشريعة، والأخرى تبصر أسرار الحقيقة. وقد يغشى القلب ظلمةُ الكفر، فتغطيهما معاً، وهو : عمى البصيرة. وقد يغشاه ظلمة المعاصي، واتباع الحظوظ والهوى، فتعمى عين الحقيقة، وتضعف عين الشريعة، ودواؤهما : إلقاء قميص المعرفة على وجه عين الحقيقة، وجلباب العصمة على عين الشريعة، فيرجع القلب بصيراً. ولا بد من صحبة شيخ عارف يعطيه هذا القميص، ويقول : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه بصيرتكم، تأتي بصيرة عارفة، فإذا قرب منها هذا القميص هبَّ عليها نسيم الوصال، وهاج عليها الوجدُ والحالُ. وأنشدت بلسان المقال :
سُوَيْداء قََلْبِي أَصْبَحَت حَرماً لَكُم تَطُوفُ بها الأسرارُ من عَالَم اللُّطف
وسائلُ ما بينَ المُحبِّين أَصْبَحَتْ تَجِلُّ عن التَّعْرِيفِ والرَّسم والعُرْفِ
رَسَائِل جَاءَتْنا بِِرُؤْيَا جَنَابِكُمْ عَوارِِفُ عُرف فَاقَ كُلَّ شّذا عَرف

ثم ذكر دخول يعقوب مصر، وجمع شمله بيوسف –عليهما السلام-، فقال :
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ * ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ﴾. قبل هذا الكلام محذوفات، وهي : فرحل يعقوب بأهله حتى بلغوا إليه، ولما دخلوا على يوسف. . . الخ.
رُوي أن يوسف عليه السلام وجه إليه رواحل وأموالاً ليتجهز إليه بمن معه، وأرسل إليه مائة وثمانين كسوة من رفيع الثياب والعمائم لإخوته، وقميصان مُذَهبان للإناث، فلما وصلت إلى يعقوب لبس، وألبس أولاده. وركبوا المراكب، وخرجوا من أرض كنعان يريدون مصر، فلما قربوا، أًمَرَ يوسف عليه السلام العساكر أن تخرج معه للقائهم، فأول من لقيهم ثلاثون ألف فارس، كلهم يسجدون بين يدي يعقوب، وهو يتعجب من عظم تلك الأجناد، ويضحك من نصر الله تعالى، وعزه لابنه. ثم لقيهم البغال، والجواري لنساء إخوته وأولادهم. ثم لقيهم أربعون ألف شيخ من الوزراء والكبراء. ثم استقبلهم يوسف عليه السلام مترجلاً ماشياً على قدميه، متواضعاً لأبيه، في مائة ألف، كلهم على أرجلهم، معهم الملك " ريَّان " ثم سلم يوسف عليه السلام والملك على أبيه، ثم أقبلا يبكيان، وبكى إخوته وضج الناس بالبكاء، ثم ضم إليه أبويه، وقيل : أباه وخالته، ﴿ وقال ادخلوا إن شاء الله آمنين ﴾، ثم حُمل يعقوب عليه السلام في هودج من الذهب، ويوسف عليه السلام، وإخوته يمشون بين يديه مترجلين حتى دخلوا مصر، ثم أتوا إلى قصر مملكته.
قال ابن عباس : فجلس يوسف عليه السلام على سريره، وأبوه عن يمينه، وخالته عن شماله، وإخوته بين يديه، فخروا له سجداً ؛ لأنها كانت في ذلك الزمان يعني تحيتهم على الملوك رُوي أنهم قالوا في سجودهم : سبحان مؤلف الشتات بعد الإياس، سبحان كاشف الضر بعد البأس. فقال يوسف لأبيه :﴿ يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل. . . ﴾ إلخ هكذا ذكر القصة صاحب الزهر الأنيق في قصة يوسف الصديق. وهذا معنى قوله :﴿ فلما دخلوا على يوسف ﴾ بلده ومملكته ﴿ آوى إليه أبويه ﴾ ؛ أي : اعتقهما، وسلم عليهما، وضمهما إليه. قيل : الأبوين حقيقة. وقيل : أباه وخالته، ونزَّل الخالة منزلة الأم تنزيلَ العم منزلة الأب في قوله :﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [ البقرة : ١٣٣ ].
﴿ وقال ادخلوها مصر إن شاء الله آمنين ﴾ من القحط وأصناف المكاره. والمشيئة متعلقة بالدخول المكيَّف بتلك الهيئة لا بالأمن. وقال ابن جزي : راجعة إلى الأمن. قال البيضاوي : وكان أولاد يعقوب الذين دخلوا مصر اثنين وسبعين رجلاً، وامرأة، وكانوا حين خرجوا مع موسى ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وتسعين رجلاً سوى الذرية والهرمى. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أحلى الوصال، بعد الفراق، وما ألذ شهود الحبيب على الاشتياق، فبقدر طول البين يعظم قدر الوصال، وبقدر حمل مشاق الطلب يظفر بالمأمول. فجدّ أيها العبد في طلب مولاك، وغبَ في سيرك إليه عن حظوظك وهواك، تظفر بالوصْل الدائم في عزك وعُلاك، وتتصل بكل ما كنت تأمله من مطالبك ومنُاك. وأنشدوا :
وإنِ امْرُؤ أَمْسَى بِقُرْبِك نَازِلاً فَأَهْلاً بِه، حَازَ الفَضَائِلَ كُلّها
وألبسته حُلْيَ المحاسِن فاكْتَسَى حُلَلَ الرضَا فازْدَادَ قُرْبا ما انْتَهَى
وبالله التوفيق.

﴿ ورفع أبويهِ على العرش ﴾، أي : حين دخلوا قصر مملكته، ﴿ وخرُّوا له سُجداً ﴾ ؛ تحية وتكرمة ؛ فإن السجود كان عندهم يجري مجرى التحية. وقيل : معناه : خروا لأجله سجداً لله ؛ شكراً. وقول البيضاوي : الرفع مؤخر عن الخرور، فيه نظر ؛ لما تقدم عن صاحب الزهر الأنيق، ولا داعي إلى الخروج عن الظاهر إلا بنص صريح.
قال ابن عطية : واختلف في هذا السجود ؛ فقيل : كان المعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض، وقيل : بل دون ذلك ؛ كالركوع البالغ ونحوه، مما كان سيرة تحيتهم للملوك في ذلك الزمان. وأجمع المفسرون أن ذلك السجود، كيفما كان، إنما كان تحيةً لا عبادة.
قال قتادة : هذه كانت تحية الملوك عندهم، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة. ثم قال : قال أبو عمرو الشيباني : تقدم يوسُفُ يعقوب عليه السلام في المشي في بعض تلك المواطن، فهبط جبريل فقال : أتتقدَّم أباك ؟ إن عقوبتك لذلك ألا يخرج من نسلك نبي. ه. قال المحشي الفاسي : وما أظن لهذا صحة، وقد كان في ذريته " يوشع بن نون " عليه السلام، ويوسف المذكور في سورة الطَّوْل على قول. وفي البيضاوي : وكان عمر يوسف مائة عشرين سنة، وقد ولد له من راعيل : إفراثيم وميشا، وهو جد يوشع بن نون ورحمة امرأة أيوب. ه. قلت : المذكور في قصة أيوب أن زوجه رحمة إنما كانت ابنة إفراثيم بن يوشع لابنته.
ثم قال :﴿ يا أبت هذا تأوِيلُ رؤيايَ من قبلُ ﴾ ؛ التي رأيتها أيام الصبا، وهي : رؤيا أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون لي، ﴿ قد جَعَلَهَا ربي حقاً ﴾ : صدقاً. وكان بين رؤياه وبين صدق تأويلها ثمانون عاماً، وقيل : أربعون، وهو الأصح. ﴿ وقد أحسنَ بي إذ أخرجني من السجن ﴾، ولم يذكر الجب ؛ لئلا يخجل إخوته ولأنه خرج من الجب إلى الرق، ومن السجن إلى الملك، فالنعمة هنا أوضح. ﴿ وجاءَ بكم من البَدْوِ ﴾ : من البادية ؛ لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو، فعد عليهم من النعم انتقالهم للحاضرة ؛ لأنها محل الراحة. ﴿ من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ﴾ : أفسد بيننا وحرش، من نَزَغَ الدابة إذا نخسها. ﴿ إن ربي لطيف لِمَا يشاء ﴾ أي : لطيف التدبير لما يشاء من الأمور ؛ إذ ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته، ويتسهل دونها، ﴿ إنه هو العليم ﴾ بوجوه المصالح والتدابير، ﴿ الحكيم ﴾ الذي يفعل كل شيء في وقته، على وجه تقتضيه الحكمة.
رُوي أن يوسف عليه السلام طاف بأبيه عليهما السلام في خزائنه، فلما أدخله خزانة القرطاس، قال : يا بني، ما أغفلك، عندك هذه القراطيس وما كتبت لي على ثماني مراحل، قال : أمرني جبريل، قال : أو ما تسأله ؟ قال : أنت أبسط مني، سله، فقال جبريل : أمرني ربي بذلك ؛ لقولك :( إني أخاف أن يأكله الذئب )، فهلا خفتني. ه. قاله البيضاوي : وزاد في القوت : لِمَ خفت عليه الذئب ولم ترجني ؟ ولِمَ نظرت إلى غفلة إخوته، ولم تنظر إلى حفظي له ؟ فهذا على معنى قول يوسف عليه السلام للساقي :( اذكرني عند ربك )، فهذا مما يعتب على الخصوص من خفي سكونهم، ولمح نظرهم إلى ما سوى الله عز وجل. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما أحلى الوصال، بعد الفراق، وما ألذ شهود الحبيب على الاشتياق، فبقدر طول البين يعظم قدر الوصال، وبقدر حمل مشاق الطلب يظفر بالمأمول. فجدّ أيها العبد في طلب مولاك، وغبَ في سيرك إليه عن حظوظك وهواك، تظفر بالوصْل الدائم في عزك وعُلاك، وتتصل بكل ما كنت تأمله من مطالبك ومنُاك. وأنشدوا :
وإنِ امْرُؤ أَمْسَى بِقُرْبِك نَازِلاً فَأَهْلاً بِه، حَازَ الفَضَائِلَ كُلّها
وألبسته حُلْيَ المحاسِن فاكْتَسَى حُلَلَ الرضَا فازْدَادَ قُرْبا ما انْتَهَى
وبالله التوفيق.

ثم إن يوسف عليه السلام لما تمكن من الملك الفاني، اشتاق إلى الملك الباقي، فقال :
﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾
قلت :( فاطر ) : نعت المنادي، أو منادى بنفسه.
يقول الحق جل جلاله : حاكياً عن يوسف عليه السلام :﴿ ربِّ قد آتيتني من المُلكِ ﴾ أي : من بعض الملك، وهو ملك مصر، ﴿ وعلمتني من تأويل الأحاديث ﴾ ؛ الكتب المتقدمة، أو تأويل الرؤيا. و " من " : للتبعيض فيهما ؛ إذ لم يعط ملك الدنيا كلها، ولا أحاط بالعلم كله. ﴿ فاطِرَ السَّماواتِ والأرض ﴾ : مبدعهما ومنشئهما، ﴿ أنت وليي في الدنيا والآخرة ﴾ : أنت ناصري ومتولي أمري في الدارين، ﴿ توفني مسلماً ﴾ : اقبضني مسلماً ؛ ﴿ وألحقني بالصالحين ﴾ من آبائي، أو جماعة الصالحين في الرتبة والكرامة، أو بالصالحين لحضرة قدسك.
رُوي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعاً وعشرين سنة، ثم توفي، فنقله يوسف عليه السلام إلى الشام ليُدفن مع أبويه. هكذا ذكر بعض المفسرين. وقال في الزهر الأنيق : بقي يعقوب عليه السلام بمصر أربعين سنة في أطيب وقت، وأكمل عافية، ثم أوحى الله إلى جبريل : أن انزل إلى يعقوب، وقال له : يرحل إلى الأرض المقدسة، عند قبور آبائه، يجاورهم حتى أُلحِقَه بهم. فنادى يعقوب عليه السلام يوسفَ وأولاده، وقال لهم : قد أمرني ربي بمجاورة أبي ؛ ليقبض روحي هناك، ثم ودَّعهم وخرج إلى الأرض المقدسة فزار قبور آبائه فبكى، فرأى في المنام إبراهيم على كرسي، وإسماعيل عن يمينه، وإسحاق عن يساره، وهم يقولون : الْحق بنا يا يعقوب، فانتبه، ثم قام فوجد قبراً محفوراً تخرج منه رائحة المسك، فقال : لمن هذا ؟ قال له مَلَكٌ عنده : هو لمن يتمنى سكناه، فقال : أنا، فقبض روحه ملكُ الموت، ثم نزل جبريلُ وميكائيلُ عليهما السلام وكفناه، وصليا عليه، ودفناه.
قال كعب الأحبار : توفي يعقوب وهو ابن مائتي سنة، ولما وصل نعيُه يوسفَ بكى، وبكى معه إخوته. ه. قلت : ظاهره أنهم لم يحضروا موته. وهو خلاف قوله تعالى :﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ ﴾ [ البقرة : ١٣٣ ]، إلا أن يؤول بمعنى : قرب، فتكون وصيته وقعت حين أراد الرجوع إلى الشام، وهو خلاف الظاهر.
ثم إن يوسف تاقت نفسه إلى الملك المخلد، فتمنى الموت، فقال :﴿ رب قد آتيتني من الملك. . . . ﴾ إلخ. رُوي أنه عاش بعد قوله هذا مدة، ثم ماتت زليخا، ولم يتزوج بعدها، وعاش بعدها أربعين يوماً، ثم اشتاق إلى اللقاء واللحوق بآبائه، فتوفاه الله طيَّباً طاهراً، فتخاصم أهل مصر في مدفنه، حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مَرمَر أي : رُخام فيدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء، ثم يصل إلى مصر ؛ ليكونوا شرْعاً فيه. وفي رواية : أنهم دفنوه على ضفة النيل ؛ فخصبت وجدبت الأخرى ؛ فنقلوه للأخرى، فخصبت وجدبت الأولى، فجعلوه في صندوق، ودفنوه في النيل ؛ فاخضرت الجهتان، ثم نقله موسى عليه السلام إلى مدفن آبائه.
وكان عمره : مائة وعشرين سنة، وقد تقدم ذكر أولاده الثلاثة : إفراثيم، وميشا، ورحمة امرأة أيوب، وتقدم البحث فيها، وذكر في الزهر الأنيق أنه ولد له من زليخا عشرة أولاد، فانظره. والله تعالى أعلم.
الإشارة : إذا كان العبد في زيادة من الأعمال، وفي الترقي إلى مقامات الكمال، فلا بأس أن يتمنى البقاء في هذه الدار ؛ لزيادة الزاد إلى دار القرار، وإذا كان في نقصان من الأعمال، أو خاف النقصان بعد الكمال، فلا بأس بطلب الرحيل والانتقال ؛ كما طلبه الصَّديق عليه السلام بعد الملك التام. وكما فعل عمر رضي الله عنه حين انتشرت رعيته، وخاف التقصير في سيرته. وقد تقدم في سورة البقرة تفصيل ذلك، ولقد أحسن الشاعر في التحذير، من الاغترار بزخرف هذه الدار، فقال :
هُو الحِمَامُ فلا تُبْعِدْ زِيَارَتَه *** ولا تَقُلْ : لَيْتَني منه على حَذَرِ
يَا وَيحْ مَن غَرَّه دَهْرٌ فَسُرَّ به لَم يَخْلُص الصَّفْوُ إلا شِيبَ بالكَدَرِ
انْظُر لِمَنْ باد تنْظُرْ آية عَجَباً وعِبْرَةً لأُولِي الأبصَارِ والبَصَرِ
بَادُوا فعَادُوا حَديثاً، إنَّ ذَا عَجَبٌ ما أَوْضَحَ الرُّشْدَ لولا غَفلَةُ النَّظَرِ
تَنَافَسَ النَّاسُ في الدُّنيا وَقَدْ عَلِمُوا أن المقام بها كاللمح بالبصر
فخل عن زمن تخشى عواقبه إن الزمانَ إذا فَكَّرت ذو غِيرِ
وَاعمَل لأُخْرَاكَ لا تَبْخَلْ بِمَكْرمُةٍ ومَهّدِ العُذْرَ ؛ ليْس العينُ كَالأَثرِ
ثم نبه الحق تعالى أن الإخبار بقصة يوسف عليه السلام من أعلام النبوة لنبينا صلى الله عليه وسلم، فقال :
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ * ﴿ وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ * ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ * ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ ﴾ * ﴿ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾
قلت :( ذلك ) : مبتدأ، و( من أنباء الغيب ) : خبر. و( نوحيه ) : حال.
يقول الحق جل جلاله : ذلك أي : خبر يوسف وقصته، هو ﴿ من أنباء ﴾ أخبار ﴿ الغيب ﴾ التي لم يكن لك بها علم، وإنما عَلِمْتَه بالوحي الذي ﴿ نُوحيه إليك ﴾ فأخبرتهم به. ﴿ وما كنت لديهم ﴾ أي : وما حضرت عندهم، ﴿ إذ أجمعوا أمرَهم ﴾ : حين عزموا أمرهم على أن يجعلوه في غَيَِابَةِ الجب، ﴿ وهم يمكرون ﴾ به، وبأبيه ؛ ليرسله معهم. ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحداً من الأحبار فتعلمت ذلك منه، فتحققوا أنه وحي من عند الله، ولكن جحدوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ : مثله يقال لأهل الوعظ والتذكير، الداعين إلى مقام الخصوصية، وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم، بمهتدين إلى مقام الخصوصية ؛ لأن أهل الخصوصية أفراد قليلون في كل زمان ؛ قال تعالى :﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [ سبأ : ١٣ ]. وتقدم في سورة هود١ ما يتعلق بقوله :﴿ وما تسألهم عليه من أجر ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وكأيِّن من آية... ﴾ الخ، فيه ذم الغفلة، والإعراض عن التفكر والاعتبار ؛ فإن الحق ـ جل جلاله ـ ما أظهر هذه الكائنات إلا ليعرف بها، وتظهر فيها أسرار ذاته، وأنوار صفاته. قال في لطائف المنن : فما نصبت الكائنات لتراها، ولكن لترى فيها مولاها ؛ فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها ؛ تراها من حيث ظهوره فيها، ولا تراها من حيث كونيتها. قال : ولنا في هذا المعنى :
لَكَ ما أثبتَ المعالم إلا لِتَراهَا بعَيْنِ مَن لا يَرَاهَا
فَارْقَ عَنهَا رُقِيَّ منْ لَيْس يَرضَى حَالةً دُون أن يرى مَولاهَا. هـ.
وقوله تعالى :﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ : لا ينجو من الشرك الخفي إلا أهل التوحيد الخاص، وهم الذين غابوا عن الأكوان جملةً بشهود المكون، قد سقط من نظرهم وجود الأغيار، وتطهرت سرائرهم من لوث الأكدار، ولم يبق في مشهدهم إلا الواحد القهار، فلم يعتمدوا على الوسائط والأسباب، برؤية مسبب الأسباب، ولم يركنوا إلى العشائر والأصحاب، فإن التفتوا إلى غيره، غفلةً، أدبهم، وردهم إلى حضرته. هذا شأنهم معه أبداً. جعلنا الله منهم، وخرطنا في سلكهم آمين.

﴿ وما أكثرُ الناس ولو حرصْتَ ﴾ على إيمانهم، وبالغت في إظهار الآيات لهم، ﴿ بمؤمنين ﴾ ؛ لعنادهم وتصميمهم على الكفر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ : مثله يقال لأهل الوعظ والتذكير، الداعين إلى مقام الخصوصية، وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم، بمهتدين إلى مقام الخصوصية ؛ لأن أهل الخصوصية أفراد قليلون في كل زمان ؛ قال تعالى :﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [ سبأ : ١٣ ]. وتقدم في سورة هود١ ما يتعلق بقوله :﴿ وما تسألهم عليه من أجر ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وكأيِّن من آية... ﴾ الخ، فيه ذم الغفلة، والإعراض عن التفكر والاعتبار ؛ فإن الحق ـ جل جلاله ـ ما أظهر هذه الكائنات إلا ليعرف بها، وتظهر فيها أسرار ذاته، وأنوار صفاته. قال في لطائف المنن : فما نصبت الكائنات لتراها، ولكن لترى فيها مولاها ؛ فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها ؛ تراها من حيث ظهوره فيها، ولا تراها من حيث كونيتها. قال : ولنا في هذا المعنى :
لَكَ ما أثبتَ المعالم إلا لِتَراهَا بعَيْنِ مَن لا يَرَاهَا
فَارْقَ عَنهَا رُقِيَّ منْ لَيْس يَرضَى حَالةً دُون أن يرى مَولاهَا. هـ.
وقوله تعالى :﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ : لا ينجو من الشرك الخفي إلا أهل التوحيد الخاص، وهم الذين غابوا عن الأكوان جملةً بشهود المكون، قد سقط من نظرهم وجود الأغيار، وتطهرت سرائرهم من لوث الأكدار، ولم يبق في مشهدهم إلا الواحد القهار، فلم يعتمدوا على الوسائط والأسباب، برؤية مسبب الأسباب، ولم يركنوا إلى العشائر والأصحاب، فإن التفتوا إلى غيره، غفلةً، أدبهم، وردهم إلى حضرته. هذا شأنهم معه أبداً. جعلنا الله منهم، وخرطنا في سلكهم آمين.

﴿ وما تسألُهم عليه ﴾ على تبليغ هذا النبأ، أو القرآن، ﴿ من أجرٍ ﴾ ؛ كما يفعله حملة الأخبار من الأحْبار. ﴿ إن هو إلا ذِكْرٌ ﴾ : عظة من الله، ﴿ للعالمين ﴾ من الجن والإنس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ : مثله يقال لأهل الوعظ والتذكير، الداعين إلى مقام الخصوصية، وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم، بمهتدين إلى مقام الخصوصية ؛ لأن أهل الخصوصية أفراد قليلون في كل زمان ؛ قال تعالى :﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [ سبأ : ١٣ ]. وتقدم في سورة هود١ ما يتعلق بقوله :﴿ وما تسألهم عليه من أجر ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وكأيِّن من آية... ﴾ الخ، فيه ذم الغفلة، والإعراض عن التفكر والاعتبار ؛ فإن الحق ـ جل جلاله ـ ما أظهر هذه الكائنات إلا ليعرف بها، وتظهر فيها أسرار ذاته، وأنوار صفاته. قال في لطائف المنن : فما نصبت الكائنات لتراها، ولكن لترى فيها مولاها ؛ فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها ؛ تراها من حيث ظهوره فيها، ولا تراها من حيث كونيتها. قال : ولنا في هذا المعنى :
لَكَ ما أثبتَ المعالم إلا لِتَراهَا بعَيْنِ مَن لا يَرَاهَا
فَارْقَ عَنهَا رُقِيَّ منْ لَيْس يَرضَى حَالةً دُون أن يرى مَولاهَا. هـ.
وقوله تعالى :﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ : لا ينجو من الشرك الخفي إلا أهل التوحيد الخاص، وهم الذين غابوا عن الأكوان جملةً بشهود المكون، قد سقط من نظرهم وجود الأغيار، وتطهرت سرائرهم من لوث الأكدار، ولم يبق في مشهدهم إلا الواحد القهار، فلم يعتمدوا على الوسائط والأسباب، برؤية مسبب الأسباب، ولم يركنوا إلى العشائر والأصحاب، فإن التفتوا إلى غيره، غفلةً، أدبهم، وردهم إلى حضرته. هذا شأنهم معه أبداً. جعلنا الله منهم، وخرطنا في سلكهم آمين.

﴿ وكأيّنَ ﴾ : كثيراً ﴿ من آية في السماوات والأرضِ ﴾ الدالة على وجود صانعها وتوحيده، وكمال قدرته وتمام حكمته، ﴿ يَمرُّونَ عليها ﴾ ويشاهدونها، ﴿ وهم عنها مُعْرِضُون ﴾ : لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ : مثله يقال لأهل الوعظ والتذكير، الداعين إلى مقام الخصوصية، وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم، بمهتدين إلى مقام الخصوصية ؛ لأن أهل الخصوصية أفراد قليلون في كل زمان ؛ قال تعالى :﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [ سبأ : ١٣ ]. وتقدم في سورة هود١ ما يتعلق بقوله :﴿ وما تسألهم عليه من أجر ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وكأيِّن من آية... ﴾ الخ، فيه ذم الغفلة، والإعراض عن التفكر والاعتبار ؛ فإن الحق ـ جل جلاله ـ ما أظهر هذه الكائنات إلا ليعرف بها، وتظهر فيها أسرار ذاته، وأنوار صفاته. قال في لطائف المنن : فما نصبت الكائنات لتراها، ولكن لترى فيها مولاها ؛ فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها ؛ تراها من حيث ظهوره فيها، ولا تراها من حيث كونيتها. قال : ولنا في هذا المعنى :
لَكَ ما أثبتَ المعالم إلا لِتَراهَا بعَيْنِ مَن لا يَرَاهَا
فَارْقَ عَنهَا رُقِيَّ منْ لَيْس يَرضَى حَالةً دُون أن يرى مَولاهَا. هـ.
وقوله تعالى :﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ : لا ينجو من الشرك الخفي إلا أهل التوحيد الخاص، وهم الذين غابوا عن الأكوان جملةً بشهود المكون، قد سقط من نظرهم وجود الأغيار، وتطهرت سرائرهم من لوث الأكدار، ولم يبق في مشهدهم إلا الواحد القهار، فلم يعتمدوا على الوسائط والأسباب، برؤية مسبب الأسباب، ولم يركنوا إلى العشائر والأصحاب، فإن التفتوا إلى غيره، غفلةً، أدبهم، وردهم إلى حضرته. هذا شأنهم معه أبداً. جعلنا الله منهم، وخرطنا في سلكهم آمين.

﴿ وما يؤمن أكثرُهُم بالله ﴾ أي : وما يصدق أكثرهم بوجود الله في إقرارهم، بوجوده، وخالقيته للأشياء، وأنه الرزّاق المميت. ﴿ إلا وهم مشركون ﴾ بعبادة الأصنام، أو باتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً، أو بنسبة التبني إليه، أو الوقوف مع الأسباب، أو غير ذلك من أنواع الشرك الجلي والرهبان أرباباً، أو بنسبة التبني إليه، أو بالوقوف مع الأسباب، أو غير ذلك من أنواع الشرك والجلي والخفي. قيل : نزلت في مشركي مكة، وكانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً تملكه وما ملك : وقيل : في أهل الكتاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ : مثله يقال لأهل الوعظ والتذكير، الداعين إلى مقام الخصوصية، وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم، بمهتدين إلى مقام الخصوصية ؛ لأن أهل الخصوصية أفراد قليلون في كل زمان ؛ قال تعالى :﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [ سبأ : ١٣ ]. وتقدم في سورة هود١ ما يتعلق بقوله :﴿ وما تسألهم عليه من أجر ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وكأيِّن من آية... ﴾ الخ، فيه ذم الغفلة، والإعراض عن التفكر والاعتبار ؛ فإن الحق ـ جل جلاله ـ ما أظهر هذه الكائنات إلا ليعرف بها، وتظهر فيها أسرار ذاته، وأنوار صفاته. قال في لطائف المنن : فما نصبت الكائنات لتراها، ولكن لترى فيها مولاها ؛ فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها ؛ تراها من حيث ظهوره فيها، ولا تراها من حيث كونيتها. قال : ولنا في هذا المعنى :
لَكَ ما أثبتَ المعالم إلا لِتَراهَا بعَيْنِ مَن لا يَرَاهَا
فَارْقَ عَنهَا رُقِيَّ منْ لَيْس يَرضَى حَالةً دُون أن يرى مَولاهَا. هـ.
وقوله تعالى :﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ : لا ينجو من الشرك الخفي إلا أهل التوحيد الخاص، وهم الذين غابوا عن الأكوان جملةً بشهود المكون، قد سقط من نظرهم وجود الأغيار، وتطهرت سرائرهم من لوث الأكدار، ولم يبق في مشهدهم إلا الواحد القهار، فلم يعتمدوا على الوسائط والأسباب، برؤية مسبب الأسباب، ولم يركنوا إلى العشائر والأصحاب، فإن التفتوا إلى غيره، غفلةً، أدبهم، وردهم إلى حضرته. هذا شأنهم معه أبداً. جعلنا الله منهم، وخرطنا في سلكهم آمين.

﴿ أفأمنوا أن تأتيهم غاشيةٌ ﴾ : عقوبة تغشاهم وتشملهم، ﴿ من عذاب الله ﴾ المرسل على الأمم المتقدمة، ﴿ أو تأتيهم الساعةُ بغتهً ﴾ : فجأة، ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ بإتيانها، غير مستعدين لها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قوله تعالى :﴿ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ﴾ : مثله يقال لأهل الوعظ والتذكير، الداعين إلى مقام الخصوصية، وما أكثر الناس ولو حرصت على هدايتهم، بمهتدين إلى مقام الخصوصية ؛ لأن أهل الخصوصية أفراد قليلون في كل زمان ؛ قال تعالى :﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [ سبأ : ١٣ ]. وتقدم في سورة هود١ ما يتعلق بقوله :﴿ وما تسألهم عليه من أجر ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وكأيِّن من آية... ﴾ الخ، فيه ذم الغفلة، والإعراض عن التفكر والاعتبار ؛ فإن الحق ـ جل جلاله ـ ما أظهر هذه الكائنات إلا ليعرف بها، وتظهر فيها أسرار ذاته، وأنوار صفاته. قال في لطائف المنن : فما نصبت الكائنات لتراها، ولكن لترى فيها مولاها ؛ فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها ؛ تراها من حيث ظهوره فيها، ولا تراها من حيث كونيتها. قال : ولنا في هذا المعنى :
لَكَ ما أثبتَ المعالم إلا لِتَراهَا بعَيْنِ مَن لا يَرَاهَا
فَارْقَ عَنهَا رُقِيَّ منْ لَيْس يَرضَى حَالةً دُون أن يرى مَولاهَا. هـ.
وقوله تعالى :﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ : لا ينجو من الشرك الخفي إلا أهل التوحيد الخاص، وهم الذين غابوا عن الأكوان جملةً بشهود المكون، قد سقط من نظرهم وجود الأغيار، وتطهرت سرائرهم من لوث الأكدار، ولم يبق في مشهدهم إلا الواحد القهار، فلم يعتمدوا على الوسائط والأسباب، برؤية مسبب الأسباب، ولم يركنوا إلى العشائر والأصحاب، فإن التفتوا إلى غيره، غفلةً، أدبهم، وردهم إلى حضرته. هذا شأنهم معه أبداً. جعلنا الله منهم، وخرطنا في سلكهم آمين.

ثم أوضح طريقهم، فقال :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
قلت :( أدعوا ) : حال من الياء. و( على بصيرة ) : حال ثان، و( أنا ومن اتبعني ) : الضمير تأكيد للمستكن في ( أدعو )، أو في ( على بصيرة )، أو مبتدأ خبره :( على بصيرة )، مقدم.
يقول الحق جل جلاله :﴿ قل ﴾ يا محمد :﴿ هذه سبيلي ﴾ : طريقي الذي جئتُ به من عند ربي ؛ وهي الدعوة إلى التوحيد، والتأهب ليوم المعاد. ثم فسرها بقوله :﴿ أدعو إلى الله ﴾، أول حال كوني داعياً إلى الله، أي : إلى توحيده ومعرفته والأدب معه، ﴿ على بصيرة ﴾ : حجة واضحة، وبينة من ربي، لا عن تقليد أو عمى. أدعو إلى الله ﴿ أنا ومن اتبعني ﴾ ؛ فمن كان على قدمي فهو يدعو أيضاً إلى الله على بصيرة وبينة من ربه، ﴿ وسبحان الله ﴾ : وأنزهه عن الشركاء والأنداد، ﴿ وما أنا من المشركين ﴾ به شركاً جلياً ولا خفياً، بل مخلصاً موحداً.
الإشارة : لا يصلح العبد أن يكون داعياً إلى الله حتى يكون على بصيرة من ربه، بحيث لا يبقى فيه تقليد بحت، ولا يختلجه شك ولا هم.
والدعاة إلى الله على ثلاث مراتب : فمنهم من يدعو على بصيرة الإسلام ؛ وهم الدعاة إلى معرفة أحكام الله وشرائعه، ومنهم من يدعو على بصيرة الإيمان، وهم الدعاة إلى معرفة صفات الله تعالى وكمالاته، ومعرفة ما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز على طريق البرهان الواضح. ومنهم من يدعو إلى الله على بصيرة الإحسان، وهم الدعاة إلى معرفة الذات العلية على نعت الشهود والعيان، من طريق الذوق والوجدان ؛ وهم العارفون بالله، أهل النور المخرق، بحيث كل من واجههم خرق النور إلى باطنه. وهذه الدعوة الحقيقية والبصيرة النافذة، وأهل هذا المقام هم أهل التربية النبوية، فدعوة هؤلاء أكثر نفعاً، وأنجح تأثيراً ؛ في زمن يسير ؛ يهدي الله على أيديهم الجم الغفير.
قال في نوادر الأصول : الداعي إلى الله على بصيرة أي معاينة هو الذي قلبه عند الله، وعلى بصيرة في الطريق، ومحل القلوب في تلك المراتب ؛ ناطقاً بالله، عن الله، فلذلك يلج آذان المستمعين، مع الكسوة التي تخرق كل حجاب، وهو نور الله، لأنه خرج من قلب مشحون بالنور، فخرق كل حجاب قد تراكم على قلوب المخلطين، فخلصها إلى نور التوحيد فأنارها ؛ بمنزلة جمرة وصلت النفخة إليها، فالتهبت ناراً، فأضاءت البيت. وهذا سبيل الناطق عن الله. ثم قال : وكيف يجوز الدعاء إلى الله لمن ليس عند الله، وهو لله، وإنما قلبه عند نفسه ولنفسه، مشغول بنهمته وشهواته وأحواله، وإنما هذا لمن تفرغ من نفسه، واشتغل بالله. ه.
ثم رد على من زعم من الكفار أن الرسول من البشر، فقال :
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيا إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ * ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
قلت :( نوحى ) : نعت لرجال، وكذا ( من أهل القرى ) : نعت ثان، و( حتى ) : غاية لمحذوف، أي : وما أرسلنا إلا رجلاً يوحى إليهم فأوذوا مثلك، ودام عليهم، حتى إذا استيأسوا جاءهم نصرنا.
يقول الحق جل جلاله :﴿ وما أرسلنا من قبلك ﴾ يا محمد ﴿ إلا رجالاً ﴾ بشراً لا ملائكة، وهو رد لقولهم :﴿ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً ﴾ [ فصلت : ١٤ ]، وقيل : معناه : نفي استنباء النساء. وصفة أولئك الرجال :﴿ يوحَى إليهم ﴾ كما أوحي إليك، فتميزوا بالوحي عن غيرهم، وهم ﴿ من أهل القُرى ﴾. وهم المدن والأمصار، والمداشر الكبار ؛ لأنهم أحلم وأعلم، بخلاف أهل العمود فإنهم أهل جفاء وجهالة. قال الحسن :( لم يبعث الله نبياً من أهل البادية، ولا من النساء ولا من الجن ).
قال ابن عطية : والتَّبَدِّي مكروه إلا في الفتن، وحين يُفَرُّ بالدين، لحديث :" يُوشِكُ أن يَكونَ خَيْرُ مَالِ المُسْلِم غَنما يَتْبَعُ بها سَعَفَ الجِبَالِ. . . " ١ الحديث. وفي ذلك أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الأكوع. ه.
قلت : والفتنة تتنوع بتنوع المقامات ؛ ففتنة أهل الظاهر : تعذر إقامة الشريعة لكثرة الهرج والفتن، وفتنة أهل الباطن : تعذر جمع القلب بالله ؛ لكثرة الحس، وتعرض الشواغل والعلائق. فمن وجد ذلك في الحواضر فلينتقل إلى البوادي، إن وجد من يعينه على الدين. والغالب أن الحواضر في هذا الزمان يغلب فيها العوائد والشهوات، وتعتري فيها الشواغل والشواغب، بخلاف البادية. فإذا كان عليه الصلاة والسلام أذن لسَلَمة : خوف فتنة الظاهر، فأولى خوف فتنة الباطن ؛ لأنه إذا فسد القلب فسد الجسد كله.
ثم قال ابن عطية : وقال صلى الله عليه وسلم :" لا تعرب في الإسلام " ٢. وقال :" مَن بَدَا جَفَا " ٣. وعن معاذ بن جبل أنه قال :( الشَّيْطَانُ ذِئْبُ الإِنْسَانِ، كذِئبِ الغَنَمِ ؛ يَأخُذُ الشَّاةَ القَاصية ؛ فإِيَّاكُمْ والشِّعاب، وَعَليكم بالمَسَاجِدِ، والجَمَاعَاتِ، والعَامةَ )٤.
ثم قال : ويعترض هذا ببدو يعقوب، وينفصل عن ذلك بوجهين : أحدهما : أن ذلك البدو لم يكن في أهل العمود، بل بتَقَرِّ في منازل وربوع، والثاني : إنما جعله بدواً بالإضافة إلى مصر، كما هي بنات الحواضر الصغار بَدْوٌ بالإضافة إلى الحواضر الكبار. ه.
قلت : فالتعرب المنهي عنه هو اعتزال الرجل وحده في جبل أو شِعْبٍ، وإما إن تقرر في جماعة يقيمون الدين، ويجتمعون عليه، فليس بتعرب ولا بدو. ويدل عليه جواب ابن عطية الأول عن يعقوب عليه السلام. والحاصل : أن أهل القلوب يفتشون على مصالح قلوبهم، فأينما وجدوها فهي حاضرتهم. وقد ظهر في البوادي أكابر من الأولياء، ربما لم يظهروا في الحواضر. والله تعالى أعلم.
ثم قال تعالى :﴿ أفلم يسيروا ﴾ أي : كفار مكة، ﴿ في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم ﴾ من المكذبين لرسلهم : كيف هلكوا وتركوا آثارهم يشاهدونها خراباً دارسة، فيحذروا تكذيبك، ليؤمنوا ويتأهبوا للدار الآخرة ؛ ﴿ ولَدَار الآخِرَةِ ﴾ أي : ولدار الحياة الآخرة ﴿ خير للذين اتقوا ﴾ الشرك والمعاصي، ﴿ أفلا تعقلون ﴾، وتستعملون عقولكم لتعلموا أنها خير. أو : أفلا يعقلون الذين يسيرون في الأرض ليعلموا أن الدنيا فانية، والدار الآخرة خير ؛ لأنها باقية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد وجد كثير من الأولياء بالمدن والحواضر، وكثير منهم في القرى والمداشر. وفضل الله يؤتيه من يشاء، لا يختص بمكان ولا زمان، غير أن جلهم جمعوا بين علم المدن وتفرغ البوادي، يعني : جمعوا بين شريعة المدن وحقيقة البوادي ؛ لأن أهل المدن شريعتهم قوية، وحقيقتهم ضعيفة. والبوادي بالعكس ؛ لكثرة العلائق في المدن وخفتها في البوادي، والحقيقة تحتاج إلى تفرغ كبير وتفكر كثير، والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وظنوا أنهم قد كذبوا ﴾ بالتخفيف، معناه : أنهم لم يقفوا مع ظاهر الوعد ؛ لسعة علمهم ؛ لأن ذلك الوعد قد يكون في علم الغيب متوقفاً على شروط خفية لا يعلمها ذلك النبي أو الولي، ليتحقق انفراده تعالى بالعلم الحقيقي، والقهرية الغالبة. فلذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم.
وقال الورتجبي : إنهم استغرقوا في قلْزُوم الأزلية١، وغابوا تحت بحار الديمومية، ولم يروا الحق من كمال استغراقهم في الحق. فلما لم يروه ناداهم لسان غيْرة قهر القدم : أين أنتم ؟ غبتم عنه وعن الحقيقة، فتطُلع أنوار الحقيقة عليهم، ويأخذ لطفها عن شبكات امتحان القهر. وهذا دأب الحق مع الأنبياء والأولياء حتى لا يسكنوا إلى ما وجدوا منه، بل يفنوا به عن كل ماله إليهم. هـ.
قال المحشي الفاسي : وحاصل ما أشار إليه : أن قراءة التخفيف تشير إلى أخذهم عن الوقوف مع الوعد، والسكون إليه، غيبةً في الحق عن مقتضى وعده، لا تكذيباً لوعده، بل ذلك أحوال غالبة آخذة عن الصفة، غيبةً في الموصوف. وهذا حال الصوفي كما يعرف ذلك أهله. وهو صحيح في نفسه ولكنه بعيد عن مرمى الآية ؛ فإن صاحب الغيبة لا يوصف بظن خلاف الوعد، وإن كان غائباً عنه. وأقرب منه ما ذكره الترمذي الحكيم : من أن ذلك كان لظن فقد شرط في الموعود أوجب عدَم القطع لوقوع الوعد. والله أعلم.
وقد قال في الحِكم :" لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه ". يعني أنه قد يتخلف لفقد شرط ؛ كما في قضية الجرْو الذي تخلف جبريل من أجله. أو لعدم تحقيق الوقت ؛ لأن تعيينه كان من قبل أنفسهم من غير وحي، فلما تأخر ظنوا ذلك بأنفسهم. والله تعالى أعلم. هـ.
والحاصل : أن الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لما تأخر عنهم النصر هجس في أنفسهم تخلف الوعد ؛ خوفاً أن يكون متوقفاً على شرط لم يعلموه، أو جعلوا له وقتاً فهموه من أمارات، فلما تأخر عنه ظنوا أنه قد تخلف. وأما قضية الجرو الذي أشار إليها : فكان جبريل عليه السلام وعد نبينا صلى الله عليه وسلم أن يأتيه في وقت مخصوص، فدخل جرو البيت، فلم ينزل في ذلك الوقت، فلما نزل بعد ذلك، قال :" إنما تَخلَّفْنَا عن الوقت ؛ لأَنَّ الملائكة لا تَدخلُ بَيْتاً فيه كَلْبٌ " ٢. كما في الصحيح.


١ أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٥..
٢ أخرجه عبد الرزاق في المصنف ٧/٤٦٤..
٣ أخرجه أحمد في المسند ٢/٣٧١..
٤ أخرجه أحمد في المسند ٥/٢٣٣..
قلت :( نوحى ) : نعت لرجال، وكذا ( من أهل القرى ) : نعت ثان، و( حتى ) : غاية لمحذوف، أي : وما أرسلنا إلا رجلاً يوحى إليهم فأوذوا مثلك، ودام عليهم، حتى إذا استيأسوا جاءهم نصرنا.
فإن أبيتم وكذبتم نبيكم فقد كذب من قبلكم رسلهم، وآذوهم، وتأخر نصرهم، ﴿ حتى إذا استيأس الرسل ﴾ من النصر، أو من إيمان قومهم ؛ لانهماكهم في الكفر، وتماديهم من غير وازع، ﴿ وظنوا ﴾ أي : تيقنوا ﴿ أنهم قد كذبوا ﴾ أي : أن قومهم كذبوهم فيئسوا من إيمانهم. أو : وظنوا أن من آمن بهم قد كذبوهم ؛ لطول البلاء وتأخر النصر. وأما قراءة ( كُذِبُوا ) ؛ بالتخفيف ؛ فمعناه : وظنوا أنهم قد كذب عليهم في وعد النصر. . وأنكرت عائشة رضي الله عنها هذه الرواية، وقالت : معاذ الله ؛ لم تكن الرسل تظن بربها ذلك. كما في البخاري.
وقد يجاب بأن ذلك كانت خواطر وهواجس من وسواس النفس، يمر ولا يثبت، وهو من طبع البشر، لا يدخل تحت التكليف. وسماه ظناً ؛ مبالغة في طلب المراقبة، كما تقدم في قوله :﴿ ولقد همت به وهم بها ﴾. وقال ابن جزي، على هذه القراءة : الضميران يعودان على المرسل إليهم، أي : ظن الأتباع أن الرسل قد كذبوا عليهم في دعوى الرسالة، أو في مجيء النصر لما اشتد عليهم البلاء، وتأخر عنهم النصر.
فلما يئسوا ﴿ جاءهم نصرنا فنُجَّي من نشاء ﴾ نجاته : وهو : النبي والمؤمنون. وإنما لم يعينهم ؛ للدلالة على أنهم الذين يستأهلون نجاتهم بالمشيئة القديمة، لا يشاركهم فيها غيرهم، ﴿ ولا يُردُّ بأسُنا عن القوم المجرمين ﴾ إذا نزل بهم. وفيه بيان المستثنين بالمشيئة، كأنه قال : ولا نشاء نجاة المجرمين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد وجد كثير من الأولياء بالمدن والحواضر، وكثير منهم في القرى والمداشر. وفضل الله يؤتيه من يشاء، لا يختص بمكان ولا زمان، غير أن جلهم جمعوا بين علم المدن وتفرغ البوادي، يعني : جمعوا بين شريعة المدن وحقيقة البوادي ؛ لأن أهل المدن شريعتهم قوية، وحقيقتهم ضعيفة. والبوادي بالعكس ؛ لكثرة العلائق في المدن وخفتها في البوادي، والحقيقة تحتاج إلى تفرغ كبير وتفكر كثير، والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وظنوا أنهم قد كذبوا ﴾ بالتخفيف، معناه : أنهم لم يقفوا مع ظاهر الوعد ؛ لسعة علمهم ؛ لأن ذلك الوعد قد يكون في علم الغيب متوقفاً على شروط خفية لا يعلمها ذلك النبي أو الولي، ليتحقق انفراده تعالى بالعلم الحقيقي، والقهرية الغالبة. فلذلك كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم.
وقال الورتجبي : إنهم استغرقوا في قلْزُوم الأزلية١، وغابوا تحت بحار الديمومية، ولم يروا الحق من كمال استغراقهم في الحق. فلما لم يروه ناداهم لسان غيْرة قهر القدم : أين أنتم ؟ غبتم عنه وعن الحقيقة، فتطُلع أنوار الحقيقة عليهم، ويأخذ لطفها عن شبكات امتحان القهر. وهذا دأب الحق مع الأنبياء والأولياء حتى لا يسكنوا إلى ما وجدوا منه، بل يفنوا به عن كل ماله إليهم. هـ.
قال المحشي الفاسي : وحاصل ما أشار إليه : أن قراءة التخفيف تشير إلى أخذهم عن الوقوف مع الوعد، والسكون إليه، غيبةً في الحق عن مقتضى وعده، لا تكذيباً لوعده، بل ذلك أحوال غالبة آخذة عن الصفة، غيبةً في الموصوف. وهذا حال الصوفي كما يعرف ذلك أهله. وهو صحيح في نفسه ولكنه بعيد عن مرمى الآية ؛ فإن صاحب الغيبة لا يوصف بظن خلاف الوعد، وإن كان غائباً عنه. وأقرب منه ما ذكره الترمذي الحكيم : من أن ذلك كان لظن فقد شرط في الموعود أوجب عدَم القطع لوقوع الوعد. والله أعلم.
وقد قال في الحِكم :" لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه ". يعني أنه قد يتخلف لفقد شرط ؛ كما في قضية الجرْو الذي تخلف جبريل من أجله. أو لعدم تحقيق الوقت ؛ لأن تعيينه كان من قبل أنفسهم من غير وحي، فلما تأخر ظنوا ذلك بأنفسهم. والله تعالى أعلم. هـ.
والحاصل : أن الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لما تأخر عنهم النصر هجس في أنفسهم تخلف الوعد ؛ خوفاً أن يكون متوقفاً على شرط لم يعلموه، أو جعلوا له وقتاً فهموه من أمارات، فلما تأخر عنه ظنوا أنه قد تخلف. وأما قضية الجرو الذي أشار إليها : فكان جبريل عليه السلام وعد نبينا صلى الله عليه وسلم أن يأتيه في وقت مخصوص، فدخل جرو البيت، فلم ينزل في ذلك الوقت، فلما نزل بعد ذلك، قال :" إنما تَخلَّفْنَا عن الوقت ؛ لأَنَّ الملائكة لا تَدخلُ بَيْتاً فيه كَلْبٌ " ٢. كما في الصحيح.

ثم قال تعالى :
﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ لقد كان في قصصهم ﴾ أي : في قصص الأنبياء وأممهم، أو في قصة يوسف وإخوته، ﴿ عبرةٌ لأولي الألباب ﴾ : لذوي العقول الصافية الخالصة من شوائب الإلف والعادة، ومن الركون إلى الحس ؛ لأن الإخبار بهم على يد نبي أمي آية واضحة لمن تفكر بقلب خالص. ﴿ ما كان حديثاً يُفترى ﴾ أي : ما كان القرآن حديثاً مُفترىً، ﴿ ولكن ﴾ كان ﴿ تصديقَ الذي بين يديه ﴾ من الكتب الإلهية، ﴿ وتفصيلَ كل شيء ﴾ يحتاج إليه في الدارين ؛ إذ ما من أمر ديني إلا وله مستند من القرآن بوسط، أو بغير وسط. ﴿ وهُدى ﴾ من الضلال، ﴿ ورحمةً ﴾ ينال بها خير الدارين، ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ : يصدقون به، ويتدبرون في معانيه.
الإشارة : تفكر الاعتبار يشد عُروة الإيمان، وفكرة الاستبصار تشد عُروة الإحسان. قال في الحِكَم :" الفكرة فكرتان : فكرة تصديق وإيمان، وفكرة شهود وعيان. فالأولى : لأهل التفكر والاعتبار، والثانية : لأهل الشهود والاستبصار ". ومرجع الاعتبار إلى خمسة أمور :
الأول : التفكر في سرعة انصرام الدنيا وانقراضها، وذهاب أهلها. قرناً فقرنا، وجيلاً فجيلاً. فيوجب ذلك الزهد في الدنيا، والإعْراض عن زخرفها الغرارة، والتأهب للدار الباقية.
الثاني : التفكر في الدار الباقية، ودوام نعيمها، أو عذابها. وذلك مرتب على السَّعْي في هذه الدار، فيوجب ذلك انتهاز الفرصة في الأعمال، واغتنام الأوقات والساعات قبل الفوات.
الثالث : التفكر في النعم التي أنعم الحق تعالى بها على الإنسان ؛ إما ظاهرة ؛ كالعافية في البدن، والزرق الحلال، وما يتبع ذلك مما لا يحصى ؛ قال تعالى :
﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ]. وإما باطنة : كنعمة الإسلام والإيمان، وصحيح العرفان، والاستقامة في الدين، ولاسيما إن رزقه الله من يأخذ بيده من شيخ عارف. فهذه نعمة عظمى قَلَّ من يسقط عليها. فيوجب له ذلك الشكر الذي هو أعلى المقامات، ومتكفِّل بالزيادات، قال تعالى :﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٧ ]. . ولا يعرف العبد ما عليه من النعم إلا بالتفكر في أضدادها، والنظر إلى أهل البلاء.
الرابع : التفكر في عيوبه ومساوئه، لعله يسعى في تطهيرها، أو يشتغل بها عن عيوب غيره.
الخامس : التفكر فيما أظهر الله تعالى من أنواع المكونات، وضروب المصنوعات ؛ فيعرف بذلك جلالة الصانع، وعظيم قدرته، وإحاطة علمه، وحكمته. فإن اتصل بشيخ عارف غيَّبه عنها بشهود مكونها.
وبالله التوفيق. وهو الهادي إلى سواء الطريق
Icon