تفسير سورة إبراهيم

بيان المعاني
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

لإخراج الكافر لأنهم من جملة من دخلوا بيته «وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ» عامة فتشتمل دعوته هذه كل مؤمن ومؤمنة من آدم إلى آخر الدوران «وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً» ٢٨ هلاكا ودمارا وخرابا، فاستجاب الله تعالى دعاءه فأغرقهم جميعا على الصورة المارة في قصته في سورة هود المذكورة، أما وقد أجاب الله دعاءه بإهلاك قومه ومن على أرضه في زمنه، فهو أكرم من أن لا يجيب دعاءه بالمغفرة له وللمؤمنين قبله وبعده بمنه وكرمه وعسى أن تكون ممن شملته دعوته بالمغفرة لعموم لفظها بلطفه وعطفه ومنّه. ولا توجد سورة مختومة بما ختمت به، ولم تكرر في القرآن أيضا، ومثل ما بدئت به مر في سورة القدر في ج ١.
هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، آمين.
تفسير سورة ابراهيم عدد ٢٢- ٧٢- ١٤
نزلت بمكة بعد سورة نوح، عدا الآيتين ٢٨/ ٢٩ فإنهما نزلنا في المدينة، وهي اثنتان وخمسون آية، وثمنمئة وإحدى وستون كلمة، وثلاثة آلاف وأربعمائة وأربعة وثلاثون حرفا، ومثلها في عدد الآي الحافة ونون.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «الر» تقدم ما فيه أول سورة يونس لمارة، هذا القرآن العظيم المدون في أنزلنا «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ» يا سيد الرسل «لِتُخْرِجَ النَّاسَ» بهديه وإرشاده «مِنَ الظُّلُماتِ» الكفر والطغيان والجهالة «إِلَى النُّورِ» الإيمان والطاعة والعلم، تشير هذه الآية إلى أن طرق الإضلال كثيرة، لأنه جمع لفظ الظلمات الداخل فيه جميع أنواعها، وأفرد لفظ النور لأن طريق الإيمان واحد، وهكذا في جميع ما ورد في كتاب الله تعالى يكون النور مفردا والظلمات جمعا، وإنما شبه الكفر بالظلمات لأنها نهاية ما يتحيّر فيها الرجل من طرق الهدى، وشبه الإيمان بالنور لأنه غاية ما ينجلي به طريق الهداية، وهذا الإخراج «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» وأمره وتوفيقه وتسهيله وتيسيره «إِلى صِراطِ
271
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
١ الذي أمر عباده بسلوكه ويجوز في اللفظ العظيم الآتي الجر على أنه صفة لما قبله والرفع على الابتداء «اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» ملكا وعبيدا «وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ» به التاركين عبادته «مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ» ٢ في الآخرة لا تطيقه أجسامهم، ووصف الكافرين بأنهم «الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ» وآثروها عليها طوعا واختيارا ورضاء «وَيَصُدُّونَ» الناس مع ذلك «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» فيمنعونهم من سلوكها «وَيَبْغُونَها» الطريق الموصلة إلى الله المؤدية لدينه القويم المسببة لدخول الجنة «عِوَجاً» ميلا وزيغا حائدين عن القصد السوي، راجع الآية الأولى من سورة الكهف المارة «أُولئِكَ» الذين هذه صفتهم كانوا «فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ»
٣ عن الصواب ناء عن الحق في هذه الدنيا ويوم القيامة في أشد العذاب إذا لم يتوبوا ويرجعوا، قال تعالى «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ» يتكلم بلغتهم، وقرىء بلسن على الجمع، ثم بين العلة في ذلك بقوله «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» ما يفعلون ويذرون فيفهمهم ويفهموا عنه، ولا يفهم من هذه الآية كون محمدا عربيا وقد أرسل للعرب خاصة لأنه لا يعرف لغة الآخرين ممن على وجه الأرض، لأن الله تعالى آذنه بإرسال رسل من قبله إلى الأطراف يترجمون لهم بألسنتهم ما يتعلق بالإيمان والإسلام، لأن القرآن العظيم أثبت عموم رسالته بالآية ١٥٨ من الأعراف المارة في ج ١، لأن لفظ الناس يدخل فيه العربي والأعجمي، فضلا عن الناس كلهم تبعا للعرب، لأن القرآن جاء بلغتهم ليجتمعوا عليه والاجتماع خير من التفرقة، وجاء في تفسير أبو السعود والرازي أن الله تعالى أنزل الكتب كلها عربية ثم ترجمها السيد جبريل على الأنبياء بلغة أقوامهم ليفهموها. هذا وإذا كان الكتاب واحدا بلغة واحدة مع اختلاف الأمم وتباين اللغات كان ذلك أبلغ في اجتهاد المجتهدين في تعليم معانيه وتفهيم فوائده وغوامضه وأسراره وحدوده وأحكامه. وقد ألمعنا إلى عموم الرسالة في الآية ٢٨ من سورة سبأ المارة فراجعها وما ترشدك إليه. وبعد بيان الرسول للمرسل إليهم ذلك «فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ» ممن آثر الضلالة على الهدى «وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ» ممن فضّل الهدى على الضلال تبعا لما هو مخلوق
272
له أزلا «وَهُوَ الْعَزِيزُ» الغالب على أمره الذي لا يكون في ملكه إلا ما يريد «الْحَكِيمُ» فيمن يضل ويهدي بحسب معدنه وجبلته «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا» التسع المار ذكرها في الآية ١٢٩ من الأعراف في ج ١، وقلنا له «أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ» بني إسرائيل من بين القبط وأنقذهم «مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» مر تفسيرها آنفا «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ» التي أوقعها على الأمم السابقة بعد ما ابتلاهم بنعمه وأظهروا للناس كفرها، والمراد من الأيام هنا الوقائع لأن العرب يعبرون عن الحوادث بأيام فيقولون يوم الفجار وذي قار ويوم قضّه وغيرها، قال عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غور طوال... عصينا الملك فيها ان ندينا
ونظير هذه الآية بالمعنى الآية ١٤ من سورة الجاثية المارة، «إِنَّ فِي ذلِكَ» التذكير بالوقائع الكائنة على الأمم السالفة «لَآياتٍ» عبر وعظات «لِكُلِّ صَبَّارٍ» على البلاء وعلى الجور والأذى «شَكُورٍ» ٥ لنعم الله وعطائه وهما صفة خيرة الخلق من المؤمنين لأن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر «وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ» أي اذكر يا خاتم الرسل ما قاله أخوك موسى لبني إسرائيل إذ يعدد نعمه عليهم لتقصها على قومك ومقول القول «اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ» عذا بعد أن خلصهم من رق الفراعنة الملمع إليه في الآية ١٢٧ من الأعراف فما بعدها في ج ١، وبعد أن أراهم آيات ربهم في إغراق عدوهم ونجاتهم بآن واحد والآيات التي بعدها كالمن والسلوى والإظلال بالغمام وتفجير الماء وقد كانوا فرعون وآله «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ» يبغونكم باشده وأشنعه «وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ» يسترقونهم ويستخدمونهم «وَفِي ذلِكُمْ» الحال الذي أجروه معكم «بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» ٦ لا أعظم منه، لأن قتل الذكور وإبقاء النسوة للاسترقاق غاية في الذل ونهاية في العار، وقيل في المعنى:
ومن أعظم الرزء فيما أرى... بقاء البنات وموت البنينا
وهذه الواو التي في ويذبحون يسميها القراء الواو الكبيرة، إذ مر قبلها في
273
الآية ١٤١ من سورة الأعراف ج ١ ويأتي بعدها في الآية ٢٩ من البقرة في ج ٣ بلا واو «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ» أعلم ووعد وأوعد «لَئِنْ شَكَرْتُمْ» نعمه التي من جملتها خلاصكم من رق القبط والغرق «لَأَزِيدَنَّكُمْ» نعما فأجعل منكم ملوكا وأنبياء راجع الآية ٢٣ من المائدة في ج ٣، «وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ» تلك النعم وجحدتموها «إِنَّ عَذابِي» لمن يكفرها «لَشَدِيدٌ» ٧ أشد من عذاب استرقاق القبط وإماتة الرجال وإبقاء النساء منكم «وَقالَ مُوسى» لبني إسرائيل «إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» فضره يعود عليكم وعليهم في الدنيا والآخرة والله لا يعبا بكم «فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ» عن جميع خلقه لا حاجة له في شكرهم «حَمِيدٌ» ٨ بذاته وإن لم يحمده خلقه ثم ذكرهم بمن قبلهم فقال «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ» كقوم إبراهيم وموسى وشعيب وغيرهم «لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ» لعدم إحاطة علم البشر بهم لكثرتهم ولأن الله لم يبينهم لنا، قال تعالى (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ) الآية ٧٩ من الفرقان المارة في ج ١ ونظيرتها الآية ٧٩ من سورة المؤمن المارة، ولهذا قال ابن مسعود كذب النسّابون الذين يدعون معرفة الأنساب إلى آدم، والله تعالى نفى معرفة العلم بذلك عن عباده، وجاء عنه ﷺ فيمن ينتسب لآدم عليه السلام وفيمن ينتسب من عدنان إلى إسماعيل عليه السلام كذب النسّابون، لأن الله تعالى لم يبين القرون ما بين النّبيين.
مطلب النهي عن الانتساب لما بعد عدنان ومحاورة الكفرة وسؤال الملكين في القبر:
وهذه الآية التي نحن بصددها كافية لسد باب الانتساب إلى ما بعد عدنان لأن الذي لا يعلمه إلا الله يعجز عنه البشر، لذلك يجب علينا أن نحجم عن الانتساب إلى ما بعد عدنان، ولهذا البحث صلة في الآية ١١١ من سورة المؤمنين الآتية.
قال تعالى «جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» على صدقهم وما جاؤهم به من عند ربهم «فَرَدُّوا» أي الكفرة من أولئك الأمم «أَيْدِيَهُمْ» أوصلوها وأخذوها
274
«فِي أَفْواهِهِمْ» أي الرسل لئلا يتكلموا بما أرسلوا به، أو إلى أفواه أنفسهم إشارة لعدم رغبتهم بما يقولون لهم، وهذا كناية عن إسكاتهم تكذيبا لهم، وكثيرا ما يقع هذا بين المخاطبين الآن من أهل القرى والبوادي، إذا لم يرد المخاطب أن يسمع كلام المخاطب فإنه يشير إليه بيده ويضعها على فم نفسه كأنه يقول له ردّ قولك إلى فيك ولا تنطق بما تريد لأني لا أصدقه، وقد يقوم إليه ويضع يده على فيه إذا كان لا يهابه، يدل على هذا المعنى قوله تعالى «وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ» فلا حاجة لبيان «وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ» من الإيمان والتوحيد والبعث «مُرِيبٍ» ٩ موقع في التهمة إن لم نجزم جحود ما جئتم به، والريبة قلق وعدم طمأنينة بالأمر، لذلك فلا نميل لأمر نحن في شك منه.
وقيل إنهم أخذوا أيديهم فعضوها بأفواههم تعجبا أو غيظا، وهذا لا يوافق النظم ويأباه السياق «قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي» وجود «اللَّهِ شَكٌّ» استفهام إنكاري، أي أتنكرون وجود الإله «فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وخالق ما فيهما وبينهما الذي «يَدْعُوكُمْ» للإيمان به والتصديق برسله «لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ» إذا أجبتم دعوته وصدقتم رسله، والمراد من لفظ من هنا وفي مثلها غفران الذنوب التي هي حق الله فقط، أما حقوق العباد فلا تغفر إلا بإسقاطها من قبل أهلها أو بمشيئه الله القادر على إرضاء خصومهم، راجع الآية الثانية من سورة نوح المارة «وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» عنده لا يقدم ولا يؤخر ولا يبدل، وانه قدّر لكم آجالا تبلغونها إن أنتم آمنتم وصدقتم وآجالا دونها إن أصررتم على كفركم عقوبة لكم، راجع الآية ١٢ من سورة نوح المارة «قالُوا» لرسلهم «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ولستم بآلهة ولا ملائكة حتى نتبعكم أ «تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا» من الآلهة «فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ» ١٠ يميّزكم عنا ويثبت أن آلهتنا باطلة وأنكم على الحق
«قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» لسنا بآلهة ولا ملائكة كما ذكرتم «وَلكِنَّ اللَّهَ» الذي خلق ورزق وأحيا وأمات الذي منّ عليكم بالعقل والسمع والبصر والأمن والعافية والولد والجاه والرياسة «يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ»
275
برسالته إلى إرشاد خلقه لدينه رحمة بهم، ولئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير «وَما كانَ لَنا» بصفتنا رسل الله «أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ» قوة وبرهان ومعجزة نقسركم بها على اتباعنا والإيمان بنا «إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» لأنا عاجزون مثلكم، ولولا ما خصنا الله به من الوحي لما فضلناكم بشيء، ولولا أن يرسلنا إليكم لما دعوناكم إلى شيء «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ١١ أمثالنا على أن يقدرنا لمجابهة عنادكم وعدائكم «وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ» نحن معاشر الأنبياء، يراجع نظير هذه الآية في المعنى الآية ٢٢ من سورة يس في ج ١، «وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا» التي نسلكها في أمور ديننا الموصل لرضاء الله.
واعلموا أيها الناس أننا عبيد الله ورسله إليكم وقد أمرنا بإنذاركم وإقلاعكم عما أنتم عليه من الكفر وما علينا إلا نصحكم وسنثابر عليه ولو لم تصغوا إلينا «وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا» به من التكذيب والإهانة والاستخفاف، لأنه في سبيل تنفيذنا أمر الله بدعوتكم إلى دينه القويم المؤدي إلى جنات النعيم لا إلى شيء يعود علينا بالنفع المادي ونستمد المعونة منه على ما نريده من إرشادكم «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» ١٢ أمثالنا فيما هم سائرون فيه. واعلم أن التوكل في الآية الأولى بقصد إحداثه وفي هذه بقصد التثبت عليه، فلا يعد تكرارا «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ» لما رأوهم مثابرين على دعوتهم إلى دينهم دين الله الواحد وأنهم أقسموا على الصبر فيما يلاقونه من أذى في سبيل دعوتهم «لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا» بلادنا وقرانا «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا» كما كنتم قبل ادعائكم النبوة والرسالة، وذلك أنهم كانوا قبل لم يأمروهم بتركها ولم يخالفوهم في شيء مما هم عليه، وإلا فهم نشأوا على التوحيد من حين فصالهم كسائر الأنبياء، وكانوا قبل أمرهم بالدعوة كأنهم منهم «فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ» ١٣ الذين كذبوكم وأمروكم بالعودة إلى دينهم. ونظير هذه الآية الآية ٨٨ من سورة الأعراف المارة في ج ١، «وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ» التي يريدون إخراجكم منها «مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ» الوعيد بإهلاكهم والوعد بإحلالكم محلّهم حق ثابت «لِمَنْ خافَ مَقامِي» الوقوف بين يدي في الآخرة «وَخافَ وَعِيدِ» ١٤ بالعذاب
276
«وَاسْتَفْتَحُوا» استنصروا أي طلبوا النصر من الله على أعدائهم لما رأوا إصرارهم على الكفر وعلى أذاهم، وقد جرت عادة الله تعالى بنصرة أوليائه عند الضيق بمقتضى عهده المار ذكره في الآية ١٧٢ من الصافات والآية ١١٠ من سورة يوسف المارتين فنصروا حالا «وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» ١٥ لا يميل إلى الحق لتعاظمه في نفسه وخسر، وهذه الآية على حد قوله تعالى (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) الآية ١٩ من الأنفال والآية ٨٨ من سورة التوبة في ج ٣، وقال تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) الآية ١١٠ من سورة يوسف المارة وجزاء هذا المخالف لرسوله «مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ» يعذب فيها في الآخرة لأنه قادم عليها غير العذاب الذي حل به في الدنيا وقال (من ورائه) لأنها تكون بعد موته لا مناص له منها فهو واردها حتما، قال:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
وتأتي وراء بمعنى قدام على أنها من الأضداد والمشتركات اللفظية أو المعنوية، فتكون بمعنى القدام والخلف وعلى هذا قوله:
أليس ورائي ان تراخت منيتي لزوم العصا تحفى عليها الأصابع
وقوله:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقوم تميم والغلاة ورائيا
وقول الآخر:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
«وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ» ١٦ عطف بيان لأن الماء مبهم ففسره بالصديد وهو القيح الذي يسيل من جلود المعذبين فيها «يَتَجَرَّعُهُ» يتكلف بلعه مرة أخرى لشدة العطش واستيلاء الحرارة «وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ» بسهولة بل يغص به لنتنه وكراهيته فيشربه بعد اللّتيا والتي على كره وقسر «وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ» من أطراف جسده حتى من شعره وظفره «وَما هُوَ بِمَيِّتٍ» إذ لا موت فيها «وَمِنْ وَرائِهِ» أي شراب الصديد «عَذابٌ غَلِيظٌ» ١٧ أشد وأزهق للنفس مما كان فيه من أمامه وخلفه، قال تعالى «مَثَلُ الَّذِينَ
277
كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ»
المثل يستعار للصفة التي فيها غرابة راجع الآية ١١٢ من سورة النحل المارة، وبيّن ذلك المثل بقوله عز قوله «أَعْمالُهُمْ» التي عملوها في الدنيا من إقراء ضيف أو إغاثة ملهوف أو صلة رحم أو عتق رقبة أو فك الأسير أو غيرها «كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ» فطيّرته ولم تبق له أثرا، هكذا يمثله الله لهم يوم القيامة لتزداد حسرتهم فتراهم «لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ» منها من الثواب لأنها وقعت منهم حال الكفر إذ يشترط لثواب الأعمال أن تكون مع الإيمان بالله وعدم الشرك به «ذلِكَ» حرمانهم من ثواب أعمالهم الطيبة «هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» ١٨ عن طريق الصواب والخسران الكبير عن حسن المآب، وشبه هذه الآية، الآية ٢٩ من سورة النور في ج ٣، قال تعالى «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ» لأمر عظيم لا عبثا ولا باطلا «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ» أيها الناس من بينهما فيخسف بكم الأرض أو يطيركم بالهواء فيجعلكم هباء «وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ» ١٩ غيركم أطوع منكم إليه وأكثر عبادة «وَما ذلِكَ» إذهابكم والإتيان بغيركم «عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» ٢٠ لا ممتنع ولا متعذر لأن القادر لا يصعب عليه شيء فالذي خلق السموات والأرض لا شك قادر على إبادتهما ومن فيهما وإيجاد غيرهم، وهذه الآية مكررة في سورة فاطر ج ١، والأنعام المارة والنساء ج ٣، وغيرها ولكن لمناسبة أخرى.
قال تعالى «وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً» من قبورهم بعد النفخة الثانية وسيقوا إلى المحشر وبعد إجراء الحساب ومقابلة العابدين لمعبوديهم من البشر وغيره وعند إجراء المحاورة بينهم «فَقالَ الضُّعَفاءُ» العابدون والأتباع الذين غلبوا على أمرهم في الدنيا لما رأو العذاب «لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» عليهم في الدنيا من الرؤساء والأغنياء الذين ساقوهم لعبادة غير الله «إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً» في الدنيا مسيرين في خدمتكم وأمركم «فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا» اليوم فتكفونا وتدفعوا عنا وتمنعونا «مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ» فترفعونه عنا كما كنتم تعدونا بذلك في الدنيا «قالُوا» لهم لا لأنه «لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ» إلى الإيمان الذي كنا نؤمر به ولا نسمعه، ولكن ضللنا فأضللناكم «سَواءٌ عَلَيْنا» نحن وأنتم في
278
في العذاب سواسية «أَجَزِعْنا» منه «أَمْ صَبَرْنا» عليه «ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ» ٢١ عنه فلا نجاء ولا مهرب ولا محيد ولا مخلص، من خاص إذا عدل لجهة الفرار، راجع الآية ١٠ من سورة القيامة المارة في ج ١، ثم ان الفريقين ألقوا اللوم على الشيطان فاستحضره الحق جل وعلا وذكر لنا ما جابههم به وهو «وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ» بين الناس وعرف كل مصيره وصار أهل الجنة للجنة يحمدون الله تعالى على ما صاروا إليه بسبب اتباعهم أوامر ربهم وأهل النار للنار يلومون إبليس ويوبخونه على إغرائه لهم في الدنيا، فيقول لهم «إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ» الناجز فلم تصدقوه «وَوَعَدْتُكُمْ» خداعا بكم وإغواء لكم وعدا كذبا «فَأَخْلَفْتُكُمْ» لأنه لا حقيقة له ولا قدرة لي على إنجازه «وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ» أقهركم به على اتباعي «إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ» دعوة عادية بما أوقعته في قلوبكم من الوسوسة لا بسيفي ولا برمحي ولا بأية معجزة «فَاسْتَجَبْتُمْ لِي» طوعا ورغبة واختيارا عفوا من أنفسكم وتبعا لشهواتكم الخسيسة التي منبتكم بها قولا. والأماني كالآمال لا وثوق بها ولا بوقوعها «فَلا تَلُومُونِي» الآن على ما كنتم به راضين قبلا «وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» على عدم إصغائكم لدعوة الرسل المؤيدة بالبراهين والآيات وعدم اتعاظكم بمعجزاتهم وركونكم لنصحهم وإرشادهم الحق، فاقطعوا أملكم «ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ» ولا مغيثكم ومنقذكم من العذاب الآن وإن ما وعدتكم به في الدنيا كله زور وبهت لا صحة لشيء منه وإني عاجز الآن عن كل شيء مثلكم «وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ» مما أنا فيه من العذاب «إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ» في عبادة الله حال الدنيا إذ لا يعبد غيره إلا ظالم «إِنَّ الظَّالِمِينَ» أمثالنا في الدنيا «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ٢٢ في الآخرة وها قد وقعنا به.
هذا آخر قول المغوي للغوات فاعتبروا يا أولي الأبصار واتعظوا يا أولي الألباب من الآن قبل أن يحلّ بكم ما قصه الله علينا، وقد تكررت بين العابدين والمعبودين المحاورة في القرآن كثيرا لمناسبات، ومعان أخرى لا تغني عن بعضها، راجع سورة سبأ المارة وفاطر والأعراف في ج ١ والبقرة والأنفال في ج ٣ وغيرها، قال تعالى
279
«وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ» ٢٣ فيما بينهم أنفسهم، وبينهم وبين الملائكة، وبينهم وبين ربهم «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا» وصفه بكونه «كَلِمَةً طَيِّبَةً» هي كلمة الإيمان «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» هي النخلة «أَصْلُها ثابِتٌ» في الأرض «وَفَرْعُها» أغصانها المتفرعة من رأسها صاعدة «فِي السَّماءِ ٢٤ تُؤْتِي أُكُلَها» ثمرها «كُلَّ حِينٍ» ووقت وقته الله تعالى لنضجه والثمر ما يدخر ليؤكل إبان نضجه وغيره في كل زمان «بِإِذْنِ رَبِّها» وتيسيره وتكوينه «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» اعتبارا وعظة «لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ٢٥ المعاني المضروبة من أجلها فيتعظوا بها. زوى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال أخبروني عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها وتؤتي أكلها كل حين. قال، قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولا شيئا قال ﷺ هي النخلة، قال فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال ما منعك أن تتكلم؟ فقلت لم أركم تتكلمون فكرهت أن أتكلم وأقول شيئا، فقال عمر لأن تكون قلتها أحبّ إلي من كذا كذا. قال تعالى «وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ» هي كلمة الكفر إذ لا أخبث منها أبدا «كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ» هي الحنظل على أصح ما جاء فيها إذا لا أخبث منها عندنا في الدنيا أما في الآخرة فالزقوم والضريع والغسلين أجارنا الله منها «اجْتُثَّتْ» استؤصلت وقطعت ورفعت جئّتها المفروشة «مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ» لأنها «ما لَها مِنْ قَرارٍ» ٢٦ ثابت فيها ولا فرع صاعد في السماء، لأن كل شجرة عادة بقدر ما تتغلغل في الأرض ترتفع في السماء، وهذا هو الذي يثبتها ويقيها من تأثير الهواء وغيره «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» وهو كلمة التوحيد الحاصل أجرها «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» للذين يتمسكون بها لا يزيغون عن الحق فيمن زاغ ممن سلف كأصحاب الأخدود المتقدم ذكرهم في الآية ٤ من سورة البروج في ج ١، ومن رسخ كسلمان ورفقائه المتقدم ذكرهم
280
وكعمار ورفقائه المار ذكرهم في الآيتين ١٠٩/ ١١٠ من سورة النحل وفي الآية ٢٤ من سورة الكهف المارتين، الثابتين على الإيمان مع تعذيبهم من أجله وأمثال هؤلاء كما أن الله تعالى ثبتهم في الدنيا «وَفِي الْآخِرَةِ» يثبتهم أيضا وفي أول برزخ من برازخها وهو القبر، وعند سؤال الملكين، وفي المحشر والحساب إلى مواقف القيامة، حتى يدخلهم الجنة التي وعدها لهم. روى البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: إن العبد إذا وضع في تبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد، فأما المؤمن فيقول اشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له أنظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا في الجنة، قال النبي ﷺ فيراهما جميعا، قال قتادة ذكر لنا أنه يفسح له في قبره، ثم يرجع إلى حديث أنس قال:
وأما المنافق وفي رواية وأما الكافر فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه من الثقلين، لفظ البخاري، ولمسلم بمعناه زاد في رواية: أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون. وأخرج أبو زيد عن أنس والنسائي عن أبي هريرة ما بمعناه، وأخرج الترمذي عن البراء بن عازب، وأبو داود عن عثمان بن عفان بزيادة في ذلك. الحكم الشرعي: سؤال الملكين في القبر لكل إنسان وإنسانة حق ثابت واجب الاعتقاد به، وهو معتقد أهل السنة والجماعة بالإتفاق، قال في بدء الأمالي:
وفي الأجداث عن توحيد ربي سيبلى كل شخص بالسؤال
ومثله في الجوهرة، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا فاسق زنديق، راجع ما يتعلق فيه في الآية ٢٦ من سورة المؤمن المارة وله صلة في الآية ٥٣ من سورة الروم الآتية، «وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ» فيزلهم في ذلك كله ويحرمهم مما أعده للمؤمنين «وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ» ٢٧ من الهداية والإضلال فيمن يريده وفاقا لما في أزله لا اعتراض عليه فيما يفعل وهو لا يسأل، وهذا أول الآيتين المدنيتين. قال تعالى «أَلَمْ تَرَ» يا سيد الرسل «إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً» جحودا بدلا من الاعتراف
281
بها والقيام بشكرها «وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ» الذين تابعوهم على ذلك وسببوا لهم ولأنفسهم «دارَ الْبَوارِ» ٢٨ الهلاك والدمار، روى البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ) إلخ قال هم كفّار قريش. وفي رواية كفار مكة أنعم الله عليهم بمحمد ﷺ وبالقرآن المنزل عليه ليخرجهم من الظلمات إلى النور فاختاروا الكفر على الإيمان، ولهذا أحلّوا قومهم دار البوار «جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ» ٢٩ هي لهم على اختيارهم ذلك. أخرج البخاري في ناسخه عن الحبر أن هذه السورة مكيّة إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بالمدينة وهما (ألم تر) إلخ نزلتا في قتلى بدر من المشركين، والآية عامة لفظا ومعنى، وما خصه بعض المفسرين بكفار قريش بأن الله تعالى أسكنهم حرمه ووسع عليهم بإيلاف الرحلتين وجعلهم قوام بيته فأبدلوا هذه النعمة كفرا به وجحودا بربوبيته، أو أنه من عليهم بالقرآن العظيم فكفروا به وهو لا نعمة تضاهيه ولا خير يوازيه، أو أنهم من عليهم بمحمد ﷺ الذي هو أكبر نعمة وأجل منة وأعظم منحة فلم يؤمنوا به وبدلوه بالكفر لا يخصصها، وكذلك لا يقيدها الحديث الذي أخرجه الحاكم وصححه وابن جرير والطبراني وغيرهم من طرق، عن علي كرم الله وجهه، أنه قال في هؤلاء المبدلين هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة بقطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين. لأن هذا القول صدر منه بعد نزولها في زمن خلافته كما يدل عليه لفظه، وكذلك ما أخرجه البخاري في تاريخه وابن المنذر وغيرهما عن عمر رضي الله عنه في هذا المعنى، ويدل على عمومها ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم، لأن هذه الحادثة وقعت زمن عمر فلا علاقة لها بسبب نزولها، بل تشمل كل من بدّل النعمة كفرا، وهذا هو الأولى والأوفق، قال تعالى «وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً» أمثالا وأشباها يعبدونها من دونه «لِيُضِلُّوا» أنفسهم وغيرهم «عَنْ سَبِيلِهِ» الحق الذي لا مئيل له ولا شبيه «قُلْ» لأمثال هؤلاء يا سيد الرسل «تَمَتَّعُوا» في هذه الدنيا بشهواتكم الخبيثة أياما قليلة «فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ» ٣٠ في الآخرة وبئس المصير النار،
ويا أكرم الرسل
282
«قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ» المفروضة عليهم «وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ» ما تيسر منه وتسمح به نفوسهم مما خولناهم من النعم في وجوه البر والخير «سِرًّا وَعَلانِيَةً» وليبادروا فيه «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ» عليهم وقد نكّره لهول ما يقع فيه يوم «لا بَيْعٌ فِيهِ» ليبتاع المقصر ويتلافى تقصيره ولا فداء فيه ليفتدي نفسه، يوم لا دية فيه، ولا خلاص من العذاب، وعدم إمكان شراء النفس مما حق عليها بخلاف الدنيا الممكن فيها ذلك «وَلا خِلالٌ» ٣١ جمع خلة إذ لا ينفع الصاحب صاحبه، ولا قريب قريبه، يوم تنقطع فيه المودة والقرابة:
مطلب في الخلة ونفعها وضرها وعدم إحصاء نعم الله على عباده، وظلم الإنسان نفسه:
هذا وقد نفى الله تعالى في هذه الآية وآية البقرة عدد ٢٥٦ في ج ٣ نفع الخلة، ويراد بها الحاصلة بميل الطبيعة ورعونة النفس، وأثبتها في الآية ٦٦ من الزخرف المارة، لأن المراد بها الخلة الحاصلة بمحبة الله وطاعته، لأنه أثبتها للمتقين وجعل الأولى محض عداء بين المتخالدين لغير الله وعلى سخطه، إذ تكون بلاء خالصا عليهم يوم القيامة، راجع تفسيرها فقيه بحث نفيس جامع مانع نعلم منه أن كل صحبة لغير الله تكون محنة يوم القيامة، قال هرم بن جبان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم. وقال كعب: مكتوب في التوراة لا صحبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤهما من الله عز وجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض، وتصديق ذلك في القرآن قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) الآية ٩٩ من سورة مريم في ج ١ فراجعها أيضا ففيها ما تقرّ به الأعين «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ» أيها الناس ولدوابكم «وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ» فتحملكم وأثقالكم إلى مقاصدكم بأقل زمن وأقل كلفة من البر «وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ» ٣٢ تجرونها حيث شئتم للشفة والسقي والنّضارة وغيرها «وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ» مستمرين على عادتهما من الطلوع والغياب بصورة مطّردة وحالة
283
دائمة لمنافعكم أيضا، إذ أودع الله فيهما ما أودع من التأثيرات من نضج الثمار وطعمها ولونها وإخراج النبات وأشياء أخرى مما علمه البشر وما لم يعلمه بعد «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ» ٣٣ لتنتفعوا بكل منهما، راجع الآية ١٢ من الإسراء في ج ١ تقف على فوائدها التي اطلع عليها البشر، ولهما فوائد أخرى تعلم فيما بعد، لأن الدنيا لم تكمل بعد، لأنها. لا تخرب إلا بعد كمالها، راجع الآية ٤٤ من سورة يونس المارة «وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» وما لم تسألوه لأنكم لا تعرفون كل النعم التي أنعمها عليكم إلا بعد حدوثها، ومن أين لنا أن نعرف الكثرى والموز والبرتقال والخوخ وغيرها قبل أن نراها، وحتى الآن يوجد ثمار لا نعرفها «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» لأنها كثيرة جدا فلا تطيقوا عدها إجمالا فضلا عن التفصيل «إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» ٣٤ أنعم الله ظلام لنفسه ولغيره، وبعد أن ذكر الله تعالى أحوال الكافرين بنعمه وأمر المؤمنين بإقامة مراسم الطاعة شكرا لها لما فيها من تفضيلهم وتكريمهم على الخلق كافة، وبين لهم أن الشكر والطاعة من النعم العظام والمنن الجسام لمن ثابو عليها، حثا للمؤمنين على المداومة عليها، وتقريعا للكافرين والعصاة المخلّين بهما، ختم الآية بقوله (ظلوم كفار) يريد أن جنس الإنسان مجبول على هاتين الخصلتين، على أن الآية ١٨ من سورة النحل المارة ختمت بقوله (إن الله لغفور رحيم) ليتعظ هذا الظلوم الكفار بهذه النعم ويرتدع عن غيه ويجنح إلى مغفرة ربه ويتوب من كفره. فانظروا رعاكم الله أيجوز عصيان هذا الإله الخالق لهذه الأشياء ومذللها لكم وجاعل منافعها العظيمة لتأمين راحتكم والتوسع عليكم، فاحمدوا هذا الرب الذي يمهل من عصاه وكفر نعمه ليتوب إليه ويرجع عن غيه رحمة به، ويثيب من أطاعه كرامة له وفضلا ليزيد في طاعته، فبعد هذا كله أيجوز عصيانه؟ كلا ثم كلا. وهذه الآية عامة أيضا لأن المراد بالإنسان جنسه لا خصوص أبي جهل وأضرابه كما ذكر بعض المفسرين، على أنه وأمثاله داخلون في معناها دخولا أوليا «وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ» أي اذكر يا محمد لقومك قول جدك الكريم «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً» صيّره وما حوله من الخوف إلى الأمن، وآية البقرة ١٤٧ في ج ٣ (اللهم اجعل هذا بلدا آمنا)
284
أي اجعل مكة شرفها الله من جملة البلاد الآمنة التي يأمن أهلها فيها على أنفسهم وأموالهم «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ» ٣٥ أدخل نفسه عليه السلام مع أنه معصوم من عبادتها لزيادة التثبت وإظهار عجزه لربه وإعلاما بأنه لا يقدر أحد علي حفظ نفسه إلا يحفظ الله تعالى، وفيه تعليم للغير بالتبرّي من الاعتماد على النفس، وقد أجاب الله دعاءه لبنيه من صلبه إذ ثبت أن أحدا منهم لم يعبد صنما ما، وكذلك أولادهم الموجودون في زمانهم. واعلم أن عجز هذه الآية يفيد أن من
لم يتبعه على دينه فليس منه، وهو كذلك، ولكن ينفي ما يرد عليه من أن أهل مكة من نسل إسماعيل عليه السلام ابنه قد عبدوا الأوثان وهذا مردود، لأنهم ليسوا في زمن إسماعيل ولا أولاد إسماعيل أيضا، فلا محل لهذا الإيراد، ولا يرد أيضا ما جاء في الحديث الصحيح (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة) لأن المراد بالأمن الذي طلبه إبراهيم أمن أهلها وقد كان، قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الآية ٦٨ من سورة العنكبوت الآتية أي وهم آمنون، على أنه لو أريد بالأمن عدم خرابها لا يتجه أيضا، لأن الله تعالى قد حفظها من كل من أراد خرابها، أبرهة فمن قبله وحتى الآن محفوظة بحفظ الله، وستبقى كذلك بإذن الله إلى الوقت المقدر لخرابها، إذ لا يبقى لها أهل ولا من يقول الله، وهو من علامات الساعة، فلا تنافي بين الحديث والآية على هذا المعنى أيضا، والأول أولى وأوجه «رَبِّ إِنَّهُنَّ» الأصنام «أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ» وهو يعلم أن المضل في الحقيقة هو الله كما ذكرناه في الآية ١١٢ من الأنعام المارة، لأن هذه الأصنام وإبليس وشياطين الإنس والجن لا تقدر أن تضل من هداه الله، قال تعالى (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) الآية ١٧ من سورة الكهف، ولا سيما الأصنام لأنها جماد لا تعقل حتى تضل غيرها، إلا أنه لما حصل الإضلال بعبادتها أضيف إليها كما أضيف الغرور والفتنة إلى الدنيا، والنزغ والإغواء والتزيين إلى الشيطان، راجع الآية ٣٩ من سورة الحجر المارة وما ترشدك إليه تقف على ما تريده من هذا البحث مفصلا، ثم خصّص عليه السلام دعاءه العام في صدر هذه الآية بقوله «فَمَنْ تَبِعَنِي
285
فَإِنَّهُ مِنِّي»
على ديني وعقيدتي «وَمَنْ عَصانِي» فيها «فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ٣٦ به تقدر على هدايته إذا شئت، وليس في هذه الآية جواز الدعاء للكافرين بالمغفرة والرحمة، لأنها جارية مجرى الخبر، أي أن الكافر إذا تاب وأناب فإنك غفور لأمثاله، رحيم بهم، أو أنها على حد استغفاره لأبيه قبل أن يعلمه الله عدم غفران الشرك، لعلمه أنه قادر على أن ينقله من الكفر إلى الإيمان، وعلى هذا قول عيسى بن مريم عليه السلام في الآية ١١٨ من المائدة في ج ٣ (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) إلا أن عيسى ختم كلامه بما لا يدل على المغفرة والرحمة، لأن لفظ العزيز يدل على العظمة والغلبة، ولفظ الحكيم يدل على أن ما يفعله الله موافق للواقع، لأن الحكمة تعذيب العاصي وتكريم الطائع، فبين حتام الآيتين بون شاسع في المعنى، وإن استغفار إبراهيم لأبيه وقع منه بعد أن وعده بالإيمان به، راجع الآية ١١٤ من سورة التوبة في ج ٣، لهذا فإن من استدل بهذه الآية على جواز مغفرة الشرك فقد مال، إذ لا دليل له لمخالفته صراحة قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية ٤٨ من النساء في ج ٣، وهي مكررة فيها راجع الآية ٨ من الشعراء في ج ١ فيما يتعلق في هذا البحث، ومنها تعلم أن عدم غفران الشرك قديم لا خاص بأمة محمد ﷺ «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي» يريد إسماعيل عليه السلام «بِوادٍ» بين جبلين جبل أبي قبيس وجبل جياد ويسمى وادي مكة «غَيْرِ ذِي زَرْعٍ» لأنه رمال لا تنبت «عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» التعرض له ولما فيه والتهاون به «رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ» أي لم أسكنهم فيه إلا ليعبدوك ويوحدوك لأن القصد إظهار ركون الإسكان مع فقدان لوازمه لمحض التقرب والالتجاء إلى جواره، لأنه بلقع خال من كل ما تقتضيه الحياة، ولهذا قال جل قوله «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» تميل حنانا وشوقا إليه ورغبة فيه «وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ» الموجودة في بلادك الأخرى بأن سخّر لهم الناس بجلبها إليهم من بلادهم، وقد أجاب الله دعاءه، فترى في مكة جميع أصناف اللباس والمأكول والمشروب بكثرة كما قال تعالى (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) الآية ٥٧ من سورة
286
القصص في ج ١، «لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» ٣٧ نعمك ويقولون إن الإتيان بها من جملة آياتك ونعمك عليهم، قال سعيد بن جبير: لو قال الله أفئدة الناس لحجت النصارى واليهود والمجوس، ولكنه قال من الناس يريد المسلمين فقط، لأنه سبق في علمه حرماتهم من زيارته لقوله جل قوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) الآية
٢٥ من التوبة في ج ٣، «رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ» في كل أمورنا وأحوالنا وأفعالنا ونيّاتنا، لا تفاوت عندك بين السر والعلانية، قال تعالى «وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ» ٣٨ تصديقا لقولهم ذلك، وقد جمع الضمير لأن الدعاء منه ومن ابنه إسماعيل بدليل ما جاء في الآية ١٣٨ من البقرة في ج ٣، وهو قوله تعالى حكاية عنهم كما هنا (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) وفي تكرير هذا النداء دلالة على أن كثرة التضرع إلى الله تعالى واللجوء إليه وحصر القصد فيه مطلوب. ثم قال إبراهيم وحده «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ» ٣٩ إشارة إلى قوله قبلا (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) الآية ١٠٠ من سورة الصافات المارة، فأجاب الله دعاءه فوهب له إسماعيل من هاجر وهو ابن تسع وتسعين سنة، وإسحق من سارة وهو ابن مئة وسبع عشرة سنة، قال تعالى على لسان خليله أيضا «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» اجعل من يقيمها، وذلك أنه علم بإعلام الله إياه أن أناسا يكونون من ذريته لا يقيمونها «رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ» ٤٠ بإثبات الياء ودونها، وقد أجاب الله دعاءه إذ جعل النسوة في ذريته وهم أهل الصلاة
«رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ» إذا تابا وأنابا وأسلما لك، وهذا قبل أن يتبين له أنهما من أصحاب الجحيم، ولأنهما وعداه أن يؤمنا به وبربه. أما استغفاره لنفسه مع علمه أنه معصوم من الذنب فهو بقصد الالتجاء إلى ربه والاتكال عليه، ولما يظن أن ما قاله في جملة (بل فعله كبيرهم) في الآية ٦٣ من الأنبياء الآتية، والآية ٨٩ من سورة الصافّات المارة وهي (إني سقيم) وقوله للجبار عن زوجته هذه أختي يريد بالخلقة والدين- تستوجب الاستغفار، لأنه من الأبرار، وإن حسنات
287
الأبرار سيئات المقرّبين «وَلِلْمُؤْمِنِينَ» جميعهم اغفر يا رب، وهذا تعميم بعد تخصيص لأنه داخل فيهم دخولا أوليا، وفي هذه الآية بشارة عظيمة لجميع المؤمنين لأن الله تعالى أكرم من أن يردّ دعاء خليله، وستظهر ثمرة هذا الغفران «يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ» ٤١ أسند القيام إليه مجازا على حدّ قوله (واسأل القرية) أي أهل الحساب، لأن القيام منهم وهذا مما لا يخالف الظاهر، لأن من المعلوم أن القرية لا تسأل والحساب لا يقوم، لأنه معنى، والقيام للأجسام لا للمعاني، قال تعالى «وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» حاشا، بل هو مطلع عليهم ومحص أعمالهم، ولكنه تعالى «إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ» للتقاصّ منهم «لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ» ٤٢ لجهة العلو لما يرون من الهول الذي يدهشهم ويحيرهم، وشخوصها بقاؤها مفتوحة لا تطرف حال كونهم «مُهْطِعِينَ» مسرعين بمشيهم إلى جهة الداعي مهرولين وراءه، لا يعرفون ما هو مصيرهم كالنعم حين يسوقها الجزار إلى المذبح، بخلاف حال الدنيا فإن من يشخص منهم بصره يقف مبهوتا لا يقدر على الحركة، وأهل الآخرة على العكس، فإنهم يمشون مسرعين، وهذا من جملة عجائب أحوال أهل ذلك اليوم «مُقْنِعِي» رافعي «رُؤُسِهِمْ» إلى السماء، وهذا أيضا على خلاف عادة أهل الدنيا، لأن من يتوقع منهم شيئا يخافه يطرق رأسه إلى الأرض «لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ» للنظر على أنفسهم بل يبقى شاخصا من شدة الفزع، وسبب رفعها إلى السماء توقع نزول شيء منها عليهم، إذ ينزل العرش الإلهي محمولا على الملائكة ويوضع في الموقف لفصل القضاء بين الناس، وأما الذين يعتريهم الخوف فيكونون هم «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ» ٤٣ أي قلوبهم خالية فارغة لا تفكر بشيء، ولا تعقل شيئا، أجارنا الله من هول ذلك اليوم. والفؤاد هو الجؤجؤ، قال زهير:
كأن الرحل منها فوق صعل من الظلمات جؤجؤه هواء
يريد قلبه. وقول حسان:
288
مطلب في الغفلة والقلب والشكوى وفتح لام كي وكسرها والقراءة الواردة فيها وعدم صحة الحكايتين في هذه الآية:
واعلم أن الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور، وسهو يعتريه من قلة التحفظ والتيقظ وهو في حق الله تعالى محال، والمقصود منها عدم معاملة الظالم معاملة الغافل، بل ينتقم منه للمظلوم ويعامله معاملة الرقيب الحفيظ الحسيب العالم بجزئيات ما وقع منه فضلا عن كلياتها، ففي الآية تهديد للظالم وتعزية للمظلوم.
والمراد من توجيه الخطاب لحضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم مع أنه يعلم أن ربه ليس بغافل ولا يتصور منه الغفلة فيما يتعلق بربه التثبت على ما كان عليه، كقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) الآية ١٣٥ من سورة النساء في ج ٣، أي اثبتوا على الإيمان الذي أنتم عليه، وقد يراد به خطاب أمته الغير عارفين بصفات الله، ويكون على حد قوله (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الآية ٨٧ من سورة النمل المارة في ج ١ (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) الآية ٨٩ منها أيضا، ولا يخفى أن حضرة الرسول عالم بذلك، وظهور الحال على ما قيل يغني عن السؤال، وقيل في هذا المعنى مما هو منسوب للشيخ عمر السهروردي دفين بغداد قدّس سره ونور ضريحه:
ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوّف نخب هواء
ويمنعني الشكوى إلى الناس أنني عليل ومن أشكو إليه عليل
ويمنعني الشكوى إلى الله أنه عليم بما أشكوه قبل أقول
وسنأتي على بحث إسكان إسماعيل في مكة في الآية المذكورة من سورة البقرة إن شاء الله «وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ» ويحيط بهم «فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم إذ ذاك «رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» أي ردنا إلى الدنيا وأمهلنا فيها مدة قليلة «نُجِبْ دَعْوَتَكَ» التي أمرت بها «وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ» الذين أرسلتهم فأجابهم ربهم «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ» حينما كنتم في الدنيا وقلتم فيما بينكم فيها «ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ» ٤٤ من مصيركم الذي دفنتم فيه إذا متم أي تبقون ميتين وأنكرتم النشور والحساب «وَسَكَنْتُمْ» فيها «فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» من الكفرة
289
أمثالكم «وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ» من الإهلاك والتدمير بسبب إنكارهم البعث «وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ» ٤٥ بأفعالهم وبما فعل بهم لتتعظوا وترجعوا عن غيكم، فأبيتم ولم ينجع بكم إرسال الرسل ولا نصحهم وإرشادهم «وَقَدْ مَكَرُوا» الذين سكنوا مساكن الظالمين «مَكْرَهُمْ» مثل الظالمين المذكورين «وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ» ثابت بعلمه الأزلي قبل إحداثه منهم وقبل خلقهم «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» ٤٦ إن هنا وصلية أي وإن كان مكرهم في غاية الشدة ونهاية المتابة، فإنه مبطله في الدنيا ومجازيهم عليه في الآخرة. وتكون إن هنا بمعنى ما، أي ما كان مكرهم لإزالة الجبال، لأن اللام فيه مفتوحة وهي لام كي، ولذلك صارت اللام الأخيرة مفتوحة لنصبها بها، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، واللام في لتزول لام التأكيد، أي مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال في الثبوت. وقرأ بعضهم بفتح اللام الأولى وضم الثانية على الفاعلية، وتكون فيها إن مخففة من الثقيلة ايضا، واللام للتوكيد. وقرىء بفتح اللامين على لغة من فتح لام كي وهي شاذة. هذا، وما حكي عن علي كرم الله وجهه بأن هذه الآية نزلت في النمروذ لأنه اتخذ أربعة أنسر وشدّ عليهن تابوتا وطرن به إلى السماء ليرى إله إبراهيم عليه السلام، وجعل لحما في خشبات بأعلى التابوت لتراها النسور فتطير إليه لتأكله فتحمل التابوت بسبب ذلك وترتفع به نحو العلو، وبهذه الصورة تمكن من الطيران مع صاحب له، وصار كلما ارتفع سأل صاحبه فيخبره أن السماء كهيأتها والأرض كذلك، ولا زال حتى خبره أن الأرض صارت عبارة عن ظلمة، وصارت الريح بينه وبين الارتفاع، والسماء كهيئتها لم يحس بقرب ما منها، قالوا ونودي أيها الطاغي إلى أين تريد، ثم صار يرمي بقوسه إلى السماء حتى افتتن ورجعت النبل ملطخة بالدم، فلما رأى ذلك قال كفيت رب السماء، فحول الخشبات التي عليها اللحم ونكسها لجهة الأرض، فهبطت النسور لتناوله، ولا زالت تهبط به حتى وصل الأرض بسلامة. قالوا فسمعت الجبال خفيق التابوت والنسور فظنت حدوث أمر في السماء، ففزعت وخافت وكادت تزول عن أماكنها من شدة الهلع فهو حكاية مستبعدة، لا يكاد يصدقها العقل ولا يسلم لها
290
الضمير، ولو قيل إنها نقلت عن ابن جبير والسدّي ومجاهد وأبي عبيدة وغيرهم، كما لا يرتاح الوجدان بتسليم نقلها عن علي كرم الله وجهه، ولا مناسبة بينها وبين هذه الآية، وما هو بالخبر الذي يعتمد عليه، وقال بعضهم إن الفاعل لهذا هو بختنصر. وكذلك ما قيل إن امرأة اتهمها زوجها وكلفها أن تحلف على جبل مشهور لديهم أن من حلف عليه كاذبا مات، وأنها بعد أن اتفقت مع صاحبها بأن ينتظرها بمكان على الطريق وأفقت زوجها على الحلف وذهبت معه، حتى إذا وصلت إلى المحل الذي فيه صاحبها رمت نفسها وأظهرت سوءتها له، فأركها زوجها وذلك الرجل حتى إذا وصلت إلى الجبل حلفت بأنه لم يمسها أحد إلا زوجها وذلك الرجل، مكرا منها، ونزلت من الجبل سالمة، لأن كلمة مسّها أرادت بها الفعل وأظهرت لزوجها أنه اللمس بسبب إركابه لها واطلاعه على سوءتها حين رمت نفسها، قالوا ومنذ ذلك اليوم اندك الجبل بسبب مكرها الذي مكرته على زوجها الذي لا يعلم ما دبرت له، قالوا وإن المرأة من عدنان، فهذه وأمثالها قصص لا عبرة بها، ولا وثوق بصحتها، لهذا فإن الأخذ بها لا يجوز، والأجدر حمل الآية على ما ذكرناه في تفسيرها بصورة عامة يندمج فيها كل كافر ما كر مجترئ على مناوأة الله تعالى ومبارزته، فتكون
الآية من قبيل قوله تعالى (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) الآية ٩٠ من سورة مريم في ج ١.
قال تعالى «فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ» بإعلاء كلمتهم ونصرتهم وإهلاك عدوهم «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ» غالب مكر الماكرين «ذُو انتِقامٍ» ٤٧ عظيم من أعدائه المكذبين لأوليائه، واذكر يا سيد الرسل لقومك وغيرهم «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» المعهودة ذات الجبال والوديان والبحار والأشجار.
والعيون والنبات حتى تظنها أيها الرائي لها غير أرضك التي تعرفها ونشأت عليها في الدنيا لخلوها من جميع ذلك، كما قال تعالى (قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) الآية ١٠٧ من سورة طه في ج ١ «وَالسَّماواتُ» ذات الكواكب والشموس والأقمار المعهودة التي عشت تحت ظلها تبدل أيضا بما يبدعه الله تعالى حتى لا تشك بأنها غير السموات الأولى لخلوها مما كان فيها من الثريا والميزان والمجرة وغيرها،
291
روي عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة (هو الطلمه أي الرغيف الثخين العظيم الذي يعملونه فيخبزونه على الملّة وكانت العرب قديما تعمله، ويوجد الآن من عشائر الجبور في الجزيرة آل محمد آمين يعملونه، وان الرغيف منه يكفي الجماعة ويضعون عليه السمن والسكر، ومنه ما يكفي الأربعين وأكثر بارك الله في الكرام) يوم القيامة يتكفأها الجبار بيده، (أي يميلها من يد إلى يد كالرقاقة) كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة.
- أخرجاه في الصحيحين-. وروي عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) إلخ فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟
فقال على الصراط- أخرجه مسلم-. ولا تنافي بين هذه الآية وآية (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) من سورة الزلزلة في ج ١ لإمكان الجمع بينهما، وهو أن الأرض تتبدل صفتها مع بقاء ذاتها، فيضع الله تعالى بها قوة النطق، فتحدث بإذنه تعالى بكل ما وقع عليها، ثم تبدل ذاتها بغيرها، وما ذلك على الله بعزيز، وأنشد بالمعنى:
اما الديار فإنها كديارهم وأرى نساء الحي غير نسائها
ومن هذا القبيل قوله:
وما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت أعلم
«وَبَرَزُوا» الموتى من قبورهم متوجهين «لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» ٤٨ ليتمثلوا أمامه بالموقف للحساب «وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ» بعضهم ببعض «فِي الْأَصْفادِ» ٤٩ القيود والسلاسل والأغلال «سَرابِيلُهُمْ» لباسهم «مِنْ قَطِرانٍ» هو ما تدهن به الإبل الجربة مستخرج من شجر مخصوص بإشعال النار تحت وسطه، فيسيل من طرفيه، وأكثر ما يكون شمالي حلب بمنطقة الا كبس وغيرها.
وهذه الكلمة لم تكرر في القرآن إلا في سورة ص الآية ٣٨ في ج ١، وكلمة سرابيل كذلك لم تكرر إلا في سورة النحل المارة في الآية ٨٠، والقطران يشبه الزفت ورائحته كالنفط، وقد يستخرج من شجر الأبهل والعرعر والتوت أيضا، وقد حذرهم الله تعالى مما يعرفون مبالغة في الاشتعال، وإلا فعنده أشياء لمبالغة
292
الاحتراق أعظم وأعظم من هذه لا نعرفها أجارنا الله منها. وإذا نظرتم أيها الناس الى هذه المتفجرات التي أحدثت في الحروب واستعملت لإهلاك الناس فدمرت الحرث النسل وهي من عمل البشر فما بالكم بما هو من خلق الله الذي أتقن كل شيء؟
علموا أن هؤلاء الكفرة بعد أن يلبسوا ثياب القطران يزجّون في جهنم «وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ» ٥٠ خص الوجه لأنه أعزّ موضع في ظاهر البدن كالقلب في عنه، ولذلك قال تعالى في سورة الهمزة في ج ١ (تطلع على الأفئدة) وإلا تعلو الرأس برماح كثيرة، وكل ما ذكره الله تعالى إنما هو على قدر ما يعقله سر، وإلّا أفظع وأعظم، وإنما ذكرها كالمثل بالنسبة لما تعرفه كما مثل بالمشكاة، وأين المشكاة من نوره المقدس، وكذلك ما ذكره لنا من وصف؟؟ ونعيمها فهو لا يقاس بما عندنا
«لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ» الدنيا لا يظلمها وينقصها «إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» ٥١ يحاسب الخلق كلهم، واحد محاسبة رجل واحد بالنسبة لنا، وإلا فهو أقل من ذلك «هذا» ؟؟ لما ذكر من قوله فلا تحسبنّ إلى هنا «بَلاغٌ» إخطار وإنذار من الله؟؟ إلى خلقه ليتعظوا به ويتدبروا عاقبة أمرهم فيقلعوا عما هم عليه مما لا يرضاه الله يزيدوا مما يرضاه، وهو كاف للتذكير وللتحذير والتيقظ «لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ» بعدهم ومن معهم فيخوفوهم ويهددوهم «وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ» الإله المعبود، القادر على ذلك كله المحيي الميت هو «إِلهٌ واحِدٌ» لا شريك له ولا شبيه مثيل ولا ند ولا ضد ولا معاون ولا وزير، المنفرد بالأمر بلا ممانع ولا الأرض «وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ» ٥٢ الصحيحة والعقول السليمة في هذا؟؟ الإلهي الذي هو عبر وعظات وذكرى ما وراءها وراء ليعظوا بها ويتعظوا، يرشدوا ويرشدوا. واعلم أن هذه الجملة لم تختم بها غير هذه السورة، بما يدل أنها أكبر عظة لمن يتذكر. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه أن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
Icon