تفسير سورة فصّلت

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة فصلت
سورة فصلت مكية، نزلت بعد الإسراء وقبيل الهجرة، وآياتها ( ٥٤ ) أية، نزلت بعد سورة غافر.
أسماؤها : تسمى سورة فصلت لقوله تعالى في أوائلها :﴿ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ﴾ ( فصلت : ٣ ).
وتسمى سورة حم السجدة لاشتمالها على السجدة، وسورة المصابيح لقوله تعالى :﴿ وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ﴾. ( فصلت : ١٢ ).
روح السورة
الروح السارية بين آيات سورة فصلت هي عرض أهداف الدعوة الجديدة وأركانها وحقائقها الأساسية، وهذه الحقائق هي :
الإيمان بالله وحده، وبالحياة الآخرة، وبالوحي والرسالة، ويضاف إلى ذلك طريقة الدعوة إلى الله وخلق الداعية.
وكل ما في السورة هو شرح لهذه الحقائق، واستدلال عليها، وعرض لآيات الله في الأنفس والآفاق، وتحذير من التكذيب بها، وتذكير بمصارع المكذبين في الأجيال السابقة، وعرض لمشاهد المكذبين يوم القيامة، وبيان أن المكذبين من الجن والإنس هم وحدهم الذين لا يسلمون بهذه الحقائق، ولا يستسلمون لله وحده، بينما السماء والأرض والشمس والقمر والملائكة... كلهم يسجدون لله ويخضعون لأمره ويسلمون ويستسلمون له.
موضوعات السورة
تنقسم سورة فصلت إلى موضوعين اثنين :
الموضوع الأول :
يشمل نصف السورة الأول، الآيات من ( ١-٣٦ )، ويبدأ بالآيات التي تتحدث عن تنزيل الكتاب وطبيعته، وموقف المشركين منه، وتليها قصة خلق السماء والأرض، فقصة عاد وثمود، فمشهدهم في الآخرة حيث تشهد عليهم الأسماع والأبصار والجلود، ومن هنا يرتد إلى الحديث عنهم في الدنيا وكيف ضلوا هذا الضلال، فيذكر أن الله قيض لهم قرناء سوء من الجن والإنس، يزينون لهم ما بين أيديهم وما خلفهم، ومن آثار هذا قولهم :﴿ لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾. ( فصلت : ٢٦ ).
ثم موقفهم يوم القيامة حانقين على هؤلاء الذين خدعوهم من قرناء الجن والإنس، وفي الجهة الأخرى نجد الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وهؤلاء تتنزل عليهم الملائكة – لا قرناء السوء – يطمئنونهم ويبشرونهم ويعلنون ولا يتهم لهم في الدنيا والآخرة، ويلي هذا ما جاء في الدعوة والداعية، وبذلك ينتهي الموضوع الأول.
الموضوع الثاني :
تتحدث الآيات من ( ٣٧-٥٤ ) عن آيات الله من الليل والنهار، والشمس والقمر، والملائكة العابدة، والأرض خاشعة، والحياة التي تهتز فيها وتربو بعد الموت، ويلي هذا الحديث عن الذين يلحدون في آيات الله وفي كتابه، وهنا يجيء ذلك الحديث عن هذا الكتاب، ويشار إلى كتاب موسى واختلاف قومه فيه، وأنه لولا سبق حكمه بإمهالهم لعجل بقضائه بينهم.
وهنا يرد حديث الساعة واختصاص علم الله بها، وعلمه بما تكنه الأكمام من ثمرات، وما تكنه الأرحام من أنسال، ويعرض مشهد الكافرين وهم يسألون عن الشركاء، يلي هذا الحديث عن النفس البشرية عارية من أستارها، ومع حرص الإنسان على نفسه هكذا فإنه لا يحتاط لها، فيكذب ويكفر، غير محتاط لما يعقب هذا التكذيب من دمار وعذاب.
وتختم السورة بوعد من الله أن يكشف للناس عن آياته في الآفاق وفي أنفسهم.
وقد صدق الله وعده فكشف لهم عن آياته في الآفاق خلال الأربعة عشر قرنا التي تلت هذا الوعد، فعرفوا كثيرا عن مادة هذا الكون، وعرفوا أن أساس بناء هذا الكون هو الذرة، وعرفوا أن الذرة تتحول إلى إشعاع، وعرفوا أن الكون كله من إشعاع.
وعرفوا الكثير عن كروية الأرض وحركتها حول نفسها وحول الشمس، وعرفوا الكثير عن المحيطات والأنهار والمخبوء في جوف الأرض من الأرزاق.
وفي آفاق النفس اهتدى الإنسان إلى معرفة الكثير من خصائص الجسم البشري وأسراره، ووظائفه وأمراضه، وغذائه وتمثيله، وأسرار عمله وحركته، ثم عن تطور المعرفة حول ذكاء الإنسان ونفسية الأفراد والجماعات وقياس السلوك، ولا يزال الإنسان في الطريق إلى اكتشاف نفسه، واكتشاف الكون من حوله، حتى يحق وعد الله بأن كلماته حق، وآياته صدق، وكتابه منزل، وهو على كل شيء شهيد.
قال تعالى :﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد، ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط ﴾. ( فصلت : ٥٣، ٥٤ ).
***
تمهيد عن صدر سورة فصلت.
أخرج الإمام عبد بن حميد في مسنده، وأبو يعلى، والبغوي، وغيرهم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : اجتمعت قريش يوما، فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب آلهتنا، فليكلّمه، ولننظر ماذا يردّ عليه، فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا : ائته يا أبا الوليد، فأتاه عتبة، فقال : يا محمد، إن كان إنّما بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريشا رجلا، وإن كان إنما بك الباءة ١ فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوّجك عشرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرغت " ؟ قال : نعم، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم صدرا من سورة فصّلت، حتى قال عتبة : حسبك وعاد إلى قومه، فقالوا ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولا، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها لي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال : هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم ٢.
١ الميل إلى النساء..
٢ وقارن بسيرة ابن هشام، وانظر تفسيري القرطبي والمراغي..

***
كتاب فصّلت آياته

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ حم ١ تنزيل من الرحمان الرحيم ٢ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ٣ بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ٤ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون ٥ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين ٦ الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ٧ إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات لهم أجر غير ممنون ٨ * ﴾
١-﴿ حم ﴾.
افتتاح قُصد به لفت الأنظار، وإثارة الانتباه إلى أن هذا القرآن مؤلف من حروف عربية تنطقون بها، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله، فدلّ ذلك على أنه من عند الله وحده، وقيل : هي أدوات للتنبيه، كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة، وقيل : هي حروف تشير إلى أسماء الله تعالى أو صفاته.
وقد مر ذكر هذه الآراء بالتفصيل في صدر سورة البقرة.
٢- ﴿ تنزيل من الرحمان الرحيم ﴾.
هذا القرآن منزّل من عند الله الذي اتّصف بالرحمة، فالرحمة صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى، وهو أيضا رحيم تنتقل الرحمة منه إلى عباده، وخص صفة الرحمة بالذكر لبيان أن القرآن في تشريعه وأخباره وقصصه، وأوامره ونواهيه وسائر ما اشتمل عليه، رحمة من عند الله بخلقه.
المفردات :
المفردات :

فصلت آياته : بُيّنت ومُيّزت أتمّ بيان، وأوضح تفصيل للأحكام والقصص والمواعظ.


التفسير :
٣- ﴿ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ﴾.
كتاب وُضّحت آياته، وبُينت ومُيّزت سوره ومقاصده، ففيه القصص والأحكام، والأخبار والتشريع، وأخبار القيامة، وصفات الله وكمالاته وقدرته، وفيه وصف الكون وما اشتمل عليه، وفيه بدء الخليقة، وأخبار الرسل مع أقوامهم، وفيه المواعظ وألوان الهداية، كل ذلك قد وُضّح توضيحا، وبُيّن تبيينا، وعرض في أسلوب مؤثر يؤدي إلى خشوع القلوب وتأثر الأفئدة، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، يقدّم ألوان المعرفة والعلم لمن أراد أن يتعلم.
المفردات :
فهم لا يسمعون : سماع تأمل وطاعة وقبول، أي : لا يقبلون ولا يطيعون.
التفسير :
٤- ﴿ بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ﴾.
هذا القرآن نزل مشتملا على ألوان البيان، فهو يبشر المؤمنين بالهدى والرضوان في الدنيا، وبالجنة ونعيمها في الآخرة، وهو ينذر الكافرين ببطش الله وعقوبته في الدنيا، وبعذاب جهنم في الآخرة، لكن الكفار لم يستجيبوا لدعوة القرآن لهم إلى الإيمان، وأعرض أكثر الكافرين عن القرآن، وانصرفوا عن هدايته والإصغاء إليه.
﴿ فهم لا يسمعون ﴾.
سماع تدبر وإمعان، وإن سمعت آذانهم القرآن إلا أنهم أعرضوا عنه بقلوبهم، فكأنهم لم يسمعوه، تقول : ذهبت إلى فلان لأعرض عليه الموضوع فلم يسمعني، أي لم يستجب لما رجوته منه.
قال تعالى :﴿ ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ﴾. ( محمد : ١٦ ).
وقال سبحانه :﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ﴾. ( الأنفال : ٢١ ).
وقال عز شأنه :﴿ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ﴾. ( الإسراء : ٤٥، ٤٦ ).
المفردات :
أكنة : أغطية سميكة متكاثفة، والأكنة جمع كنان، كأغطية وغطاء وزنا ومعنى.
وقر : صمم، وأصله الثقل في السمع.
حجاب : ساتر مانع من الإجابة، والمراد : خلاف في الدّين.
التفسير :
٥-﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون ﴾.
جهر الكفار هنا بترك دعوة الإسلام، وعدم الإصغاء إليها بقلوبهم، أو الاستماع إليها بآذانهم، أو النظر فيها بعقولهم، مع استهزائهم بالوعيد وتحدّيهم للرسول صلى الله عليه وسلم.
والمعنى :
إن قلوبنا في أغطية وحجاب سميك من دعوتك، فلا تتفتح لها ولا تفقهها، ولما كان القلب أداة الفهم، والسمع والبصر وسائل التأمل، أعلنوا أنهم معرضون بقلوبهم، كما أن آذانهم صماء لا تسمع دعوة القرآن، ولا تستجيب له، وهناك حجاب معنوي حاجز بين دعوة الإسلام وبينهم، فهم في واد والإسلام في واد آخر، فاتركنا يا محمد في ديانتنا وعبادة أصنامنا، واعمل أنت على منهج دينك، إنا مستمرون وعاملون على طريقة ديننا، في التزام عبادة الأصنام والأوثان، وفي قولهم هذا مبارزة بالخلاف والتحدّي.
المفردات :
فاستقيموا إليه : توجهوا إليه بالإيمان والطاعة.
ويل : هلاك.
التفسير :
٦- ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين ﴾.
قل لهم يا محمد : أنا رجل منكم، تعرفون نسبي ونسب آبائي، فلست بملاك ولا جني، إنما أنا بشر مثلكم، اختصني الله تعالى بالوحي والرسالة ودعوة الناس إلى توحيد الله تعالى، والإخلاص له في العبادة، فاسلكوا إلى الله الطريق القويم، واستقيموا في طاعته، واستغفروه من ذنوبكم، ومن الشرك وعبادة الأصنام، فإن الويل والعذاب الشديد في جهنم للمشركين الذين عبدوا غير الله، وأشركوا به عبادة الأوثان والأصنام.
المفردات :
لا يؤتون الزكاة : لا يتصدقون بجزء من مالهم للسائل والمحروم.
التفسير :
٧- ﴿ الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ﴾.
لقد جمعوا طائفة من الرذائل هي :
١-الإشراك بالله.
٢-منع الزكاة عن الفقراء والمساكين.
٣- جحود الإيمان باليوم الآخر.
وجمهور المفسرين على أن المراد بالزكاة هنا زكاة المال، وهو اختيار ابن جرير الطبري، ونُسب لابن عباس أن المراد بالزكاة هنا طهارة النفس والقلب، بعبادة الله وحده لا شريك له، واستدل أصحاب هذا الرأي بأنّ السورة مكية، وزكاة المال لم تفرض بمكة، لكن الراجح أن المراد بالزكاة هنا إخراج جانب من المال، فأصل الزكاة قد فرض بمكة، بمعنى مطلق النفقة، لكنّ بيان أنواع الزكاة ومقدار الأنصبة قد شرع في المدينة، لقد كانت مكة على جانب كبير من الغنى والجاه والسلطان، وكان لأهل مكة تجارة رابحة، تسير إلى الشام وإلى اليمن، وهذا الغنى والجاه والثروة جعلهم يترددون طويلا تجاه الإسلام، لأنه سيحرمهم من شهواتهم والاستمتاع بأموالهم ولذائذهم، ولأنه ينزل بهم من ارتفاع الغنى والجاه والسلطان والتميُّز إلى الجلوس مع الفقراء والعبيد.
وكان كفار مكة يُقسّمون الناس إلى قسمين : طائفة الأغنياء والكبراء والأمراء، وهؤلاء من حقهم الأمر والنهي والتفكير، وطائفة الفقراء والعبيد، وهؤلاء يجب عليهم اتباع الكبراء، ولا يجوز لهم التفكير أو اختيار الدّين الذي يرتضونه، ثم جاء الإسلام دعوة عالمية، تبين أن الناس جميعا قد خلقوا من أب واحد وأم واحدة، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم، وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، واحتاج أهل مكة إلى وقت طويل لاستيعاب هذه الأفكار الإسلامية، ثم فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، وظل فضل السبق للمؤمنين الأوّلين كما قال سبحانه :﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ﴾. ( الحديد : ١٠ ).
المفردات :
غير ممنون : غير مقطوع ولا يمنّ به عليهم، من المنّ، ومنه قول ذي الإصبع :
إني لعمرك ما بابي بذي غلق على الصديق، ولا خيري بممنون
التفسير :
٨- ﴿ إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات لهم أجر غير ممنون ﴾.
الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعملوا الأعمال الصالحة كالصلاة والزكاة والصيام والحج، ورحمة اليتيم والمسكين، وإكرام الجار وصلة الرحم، ونشر دعوة الإسلام، والجهاد في سبيل الله وغير ذلك، لهم أجر دائم في الجنة، لا ينقص أجرهم، ولا أحد يمنّ عليهم، بل يزيدهم الله من فضله ويرفعهم درجات، ويمنّ عليهم بالرضا والعطاء وزيادة الإحسان.
دلائل القدرة
﴿ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ٩ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ١٠ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ١١ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ١٢ ﴾
المفردات :
في يومين : في مقدار يومين، أو نوبتين.
أندادا : شركاء، جمع نِدّ وهو الكفء والنظير.
العالمين : جمع عالم، وهو ما سوى الله، وجُمع لاختلاف أنواعه تغليبا للعقلاء.
تمهيد :
خلق الله تعالى الكون كرة ملتهبة، مرّت بها بلايين السنين حتى انفصلت الأرض وهدأت قشرتها الخارجية، وارتفعت السماء وصارت صالحة لأن تمطر، وتكوّن الهواء والفضاء بين الأرض والسماء، وقد مرّ خلق السماء والأرض والجبال والبحار والفضاء بست مراحل، عبّر عنها القرآن الكريم بستة أيام، لقد كانت السماء رتْقاء لا تمطر، والأرض رتْقاء لا تنبت، وبعد ٦ بلايين سنة كمل خلق الكون، وصار صالحا لوجود الإنسان على ظهره.
قال تعالى :﴿ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾. ( الأنبياء : ٣٠ )
وفي التفسير : الرتق ضدّ الفتق، أي : كانتا ملتصقتين، فرفع الله السماء وبسط الأرض، وجعل الماء ونزوله من السماء سببا في حياة الإنسان والحيوان والنبات، وخلال العقد الأخير من القرن العشرين عقد في أمريكا مؤتمر للبحث عن عمر الكون، ورأى أن عمر الكون ١٣ بليون سنة، وأن وجود الإنسان على ظهر الكون عمره سبعة بلايين سنة، أي أن المدة التي تم فيها خلق الكون وتهيئته لحياة الإنسان عليه هي ستة بلايين سنة، ولعلها هي ما عبّر عنه القرآن بستة أيام، والله أعلم.
التفسير :
٩- ﴿ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ﴾.
ليس المراد باليومين أيام الدنيا، فلم يكن في ذلك الوقت شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، والعرب تعبّر باليوم عن سنين كثيرة مثل يوم البسوس، ويوم ذي قار، وحرب البسوس امتدت أربعين سنة.
قال تعالى :﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ ( الحج : ٤٧ ).
وقال سبحانه :﴿ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ﴾. ( المعارج : ٤ ).
فالمراد باليومين نوبتان علّهما نوبة الخلق، ثم نوبة الدّحي والاستدارة.
أي : إنكم تشاهدون قدرته وجلاله، وتعلمون أن هذا الكون البديع لا يخلقه إلا إله قادر، ومع هذا فأنتم تكفرون بهذا الإله، وتجعلون له شركاء لم تخْلق، مثل الأصنام والأوثان والملائكة وعزير وعيسى. وقد بُدئت الآية بالاستفهام الإنكاري للتوبيخ والتعجيب.
والمعنى :
كيف تكفرون بالله وهو الإله العلي الشأن، الكامل القدرة، الفعال لما يريد، الذي خلق الأرض في يومين ؟ وكيف تلحدون في ذاته وصفاته، حيث جعلتم له أندادا وشركاء عبدتموهم معه تعالى، مع أنهم لا شأن لهم في الخلق، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ؟
والمراد بالأرض الأرضون السبع.
قال تعالى :﴿ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن... ﴾ ( الطلاق : ١٢ ).
وقد وردت السماوات جمعا ومفردة في القرآن الكريم، ووردت الأرض مفردة فقط، وليس في القرآن ما يشير إلى سبع أرضين إلا الآية السابقة وهي الآية ١٢ من سورة الطلاق.
﴿ ذلك رب العالمين ﴾. أي : ذلك الإله الخالق المبدع هو رب العالمين كلّهم، أي العالم العلوي والسفلي، فكيف تجعلون له شريكا ؟
تمهيد :
خلق الله تعالى الكون كرة ملتهبة، مرّت بها بلايين السنين حتى انفصلت الأرض وهدأت قشرتها الخارجية، وارتفعت السماء وصارت صالحة لأن تمطر، وتكوّن الهواء والفضاء بين الأرض والسماء، وقد مرّ خلق السماء والأرض والجبال والبحار والفضاء بست مراحل، عبّر عنها القرآن الكريم بستة أيام، لقد كانت السماء رتْقاء لا تمطر، والأرض رتْقاء لا تنبت، وبعد ٦ بلايين سنة كمل خلق الكون، وصار صالحا لوجود الإنسان على ظهره.
قال تعالى :﴿ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾. ( الأنبياء : ٣٠ )
وفي التفسير : الرتق ضدّ الفتق، أي : كانتا ملتصقتين، فرفع الله السماء وبسط الأرض، وجعل الماء ونزوله من السماء سببا في حياة الإنسان والحيوان والنبات، وخلال العقد الأخير من القرن العشرين عقد في أمريكا مؤتمر للبحث عن عمر الكون، ورأى أن عمر الكون ١٣ بليون سنة، وأن وجود الإنسان على ظهر الكون عمره سبعة بلايين سنة، أي أن المدة التي تم فيها خلق الكون وتهيئته لحياة الإنسان عليه هي ستة بلايين سنة، ولعلها هي ما عبّر عنه القرآن بستة أيام، والله أعلم.
المفردات :
رواسي : جبالا ثوابت.
وبارك فيها : أكثر خيرها بأن خلق فيها جميع أنواع النبات والحيوانات والمياه.
وقدّر فيها أقواتها : قسم فيها أقواتها للناس والبهائم.
في أربعة أيام : أي : في تتمة أربعة أيام باليومين المتقدمين.
للسائلين : قدّر فيها الأقوات للطالبين لها.
التفسير :
١٠- ﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ﴾.
أي : جعل في الأرض جبالا رواسي، نراها ظاهرة فوق الأرض لتثبيت الأرض وحفظ توازنها، وللجبال أهمية كبرى في عمران الأرض وثباتها، فالمياه تتجمع في قللها، والثلوج تتجمع فوقها، وهي ملجأ الهارب، وهي وسيلة للتعبّد، وكثيرا ما تذكر الجبال ويذكر بعدها المياه والنبات والأشجار، ولأمر ما كانت الرسالات السماوية مرتبطة بالجبال.
فابن نوح يقول :﴿ سآوي إلى جبل يعصمني من الماء... ﴾ ( هود : ٤٣ ).
وداود عليه السلام كان إذا سبح سبحت معه الجبال.
قال تعالى :﴿ ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوّبي معه والطير وألنا له الحديد ﴾. ( سبأ : ١٠ ).
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي في غار حراء فوق جبل مرتفع، وكان غار ثور مكان الاختباء في رحلة الهجرة، وعندما طلب موسى رؤية ربّه سبحانه وتعالى أخبره الله أنّه لا يطيق هذه الرؤية، وضرب له مثالا بالجبل، فقد ظهر الله تعالى للجبل فاندك في الأرض، وصعق موسى من هول ما رأى، وتاب إلى الله من السؤال السابق، فقال تعالى :﴿ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربّه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ﴾. ( الأعراف : ١٤٣ ).
فالجبال وسيلة من وسائل تثبيت الأرض وحفظ توازنها وإتمام معايشها.
﴿ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ﴾.
إي : إن الله جعل الأرض وسيلة للنبات والزرع والثمار والضروع، ورقّى الصناعات، ووسائل المواصلات، وجعل التجارة وسيلة لنقل الخيرات من بلد إلى آخر، كما أن الله تعالى هيّأ الأرض لتكون وسيلة للطعام والأقوات والكساء، وأودع همة بعض الناس في التجارة لنقل البضائع من بلد إلى آخر، وقد تم كل ذلك في أربعة أيام كاملة لمن سأل عن المدة التي تم فيها خلق الأرض، ثم خلق الجبال والبحار والأنهار والأرزاق، والمراد ب ﴿ أربعة أيام ﴾. مجموع أربعة أيام، لأن الخلق كان في يومين، ثم خلق الجبال والبحار والأنهار وتقدير الأرزاق في يومين، فيكون مجموع أيام خلق الأرض وما فيها أربعة أيام، ولقد أشار القرآن إلى أن خلق الأرض وما عليها وخلق السماوات كان في ستة أيام.
قال تعالى :{ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة
أيام وما مسنا من لغوب }( ق : ٣٨ ).
تمهيد :
خلق الله تعالى الكون كرة ملتهبة، مرّت بها بلايين السنين حتى انفصلت الأرض وهدأت قشرتها الخارجية، وارتفعت السماء وصارت صالحة لأن تمطر، وتكوّن الهواء والفضاء بين الأرض والسماء، وقد مرّ خلق السماء والأرض والجبال والبحار والفضاء بست مراحل، عبّر عنها القرآن الكريم بستة أيام، لقد كانت السماء رتْقاء لا تمطر، والأرض رتْقاء لا تنبت، وبعد ٦ بلايين سنة كمل خلق الكون، وصار صالحا لوجود الإنسان على ظهره.
قال تعالى :﴿ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾. ( الأنبياء : ٣٠ )
وفي التفسير : الرتق ضدّ الفتق، أي : كانتا ملتصقتين، فرفع الله السماء وبسط الأرض، وجعل الماء ونزوله من السماء سببا في حياة الإنسان والحيوان والنبات، وخلال العقد الأخير من القرن العشرين عقد في أمريكا مؤتمر للبحث عن عمر الكون، ورأى أن عمر الكون ١٣ بليون سنة، وأن وجود الإنسان على ظهر الكون عمره سبعة بلايين سنة، أي أن المدة التي تم فيها خلق الكون وتهيئته لحياة الإنسان عليه هي ستة بلايين سنة، ولعلها هي ما عبّر عنه القرآن بستة أيام، والله أعلم.
المفردات :
ثم استوى إلى السماء : قصد وعمد نحوها، أي تعلقت إرادته بها.
وهي دخان : مادة عازية مظلمة، تشبه الدخان في رأى العين.
ائتيا طوعا أو كرها : اخضعا لمرادي طائعتين أو مكرهتين.
قالتا آتينا طائعين : هذه كناية عن الطاعة والإذعان والامتثال.
التفسير :
١١- ﴿ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين ﴾.
أي : قصد سبحانه وعمد إلى خلق السماء، وهي في حالة غازية تشبه الدخان، فقال للسماء : أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك، وأجري رياحك وسحابك، وقال للأرض : شُقّي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك.
وقد قال سبحانه وتعالى للسماء والأرض : انقادا لأمري طائعتين أو مكرهتين، فأظهرتا من الطاعة والامتثال والاستجابة والطواعية ما دل على أنهما طائعتان لأمره، بحيث لو نطقتا لقالتا : أتينا طائعتين.
قال الفخر الرازي :
والمقصود من هذا القول إظهار كمال القدرة، أي ائتيا شئتما ذلك أو أبيتما، كما يقول الجبار لمن تحت يده، لتفعلنّ هذا شئت أو لم تشأ، ولتفعلنه طوعا أو كرها، وانتصابهما على الحال بمعنى طائعين أو مكرهين... ا ه.
وقد ذكر العلماء هنا إشكالا، مؤداه أن مفهوم الآيات هنا في سورة فصّلت يُفيد أن الأرض خلقت أولا، ثم خلقت السماء بعد خلق الأرض، لكن في سورة النازعات يقول القرآن الكريم :﴿ أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها ﴾. ( النازعات : ٢٧-٣٠ ).
وقد ذكر الإمام الرازي :
أن الله تعالى خلق الأرض في يومين أولا، ثم خلق بعدها السماء، ثم بعد خلق السماء دحا الأرض، أي بسطها، وبهذا يزول التناقض.
وعند التأمل نجد أن الكون كله كان في حالة غازية، عُبّر عنها بنظرية السديم، أي أن الكون كان في حالة ملتهبة، احتاج إلى بلايين السنين ليهدأ ويتم خلقه، وأن الأيام الستة تعني ست مراحل مر بها خلق الكون حتى اكتمل وصار صالحا للحياة.
تمهيد :
خلق الله تعالى الكون كرة ملتهبة، مرّت بها بلايين السنين حتى انفصلت الأرض وهدأت قشرتها الخارجية، وارتفعت السماء وصارت صالحة لأن تمطر، وتكوّن الهواء والفضاء بين الأرض والسماء، وقد مرّ خلق السماء والأرض والجبال والبحار والفضاء بست مراحل، عبّر عنها القرآن الكريم بستة أيام، لقد كانت السماء رتْقاء لا تمطر، والأرض رتْقاء لا تنبت، وبعد ٦ بلايين سنة كمل خلق الكون، وصار صالحا لوجود الإنسان على ظهره.
قال تعالى :﴿ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾. ( الأنبياء : ٣٠ )
وفي التفسير : الرتق ضدّ الفتق، أي : كانتا ملتصقتين، فرفع الله السماء وبسط الأرض، وجعل الماء ونزوله من السماء سببا في حياة الإنسان والحيوان والنبات، وخلال العقد الأخير من القرن العشرين عقد في أمريكا مؤتمر للبحث عن عمر الكون، ورأى أن عمر الكون ١٣ بليون سنة، وأن وجود الإنسان على ظهر الكون عمره سبعة بلايين سنة، أي أن المدة التي تم فيها خلق الكون وتهيئته لحياة الإنسان عليه هي ستة بلايين سنة، ولعلها هي ما عبّر عنه القرآن بستة أيام، والله أعلم.
المفردات :
فقضاهنّ : خلقهنّ وصيّرهن وأكملهن وفرغ منهنّ.
في يومين : في تمام يومين.
وأوحى في كل سماء أمرها : وخلق في كل منها ما أعدّ لها.
بمصابيح : بنجوم.
وحفظا : حفظناها من استراق الشياطين السمع.
تقدير العزيز العليم : تقدير البالغ التامّ في القدرة والعلم.
التفسير :
١٢- ﴿ فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ﴾.
فأتم خلق السماوات السبع في مقدار يومين أو نوبتين.
﴿ وأوحى في كل سماء أمرها... ﴾
أي : جعل فيها النظام الذي تجري عليه الأمور فيها.
قال قتادة : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها.
﴿ وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ﴾.
السماء القريبة من الأرض جعلنا فيها النجوم زينة للسماء كالمصابيح، وهذه النجوم لحفظ السماء من الشياطين التي تحاول استراق السمع، وهي أيضا هداية للسائرين في البر والبحر، يعرفون منها اتجاه القبلة، ويعرفون منها الجهات الأربع الأصلية، ذلك النظام البديع هو تقدير الله القوي الغالب، العليم بمصالح عباده وحاجاتهم.
وتفيد الآيات جلال القدرة الإلهية المبدعة التي خلقت الأرض مكانا فسيحا، ومائدة عامرة يأكل منها الإنسان والحيوان والطير، وخلقت السماء سقفا مرفوعا مزينا بالنجوم، محفوظا بالشهب من الشياطين المتمردين، مزودا بأسباب هداية السائرين في المحيطات وفي الصحراء، مثل النجم القطبي، ومجموعة من النجوم على شكل مغرفة، تسمى مجموعة كاثيوبيا، نعرف منها جهة الجنوب، وبالتالي نعرف جهة الشمال ثم الشرق والغرب.
وتفيد الآيات أن لهذا الكون إلها خالقا رازقا، يحفظ الكون ويمسك بزمامه، وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند النوم :" اللهم رب السماء وما أظلت، والأرضين وما أقلّت، والشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شرار خلقك، عزّ جارك ". ١
وقال تعالى :﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ﴾. ( فاطر : ٤١ ).
١ اللهم رب السماوات السبع:
رواه الترمذي في الدعوات (٣٥٢٢) من حديث بريدة قال: شكا خالد بن الوليد المخزومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأرضيين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط على أحد منهم أو أن يبغى عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك لا إله إلا أنت". قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بالقوي، والحكم بن ظهير قد ترك حديثه بعض أهل الحديث، ويروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا من غير هذا الوجه..

تهديد المشركين بأن يكون مصيرهم مثل مصير عاد وثمود
﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ١٣ إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون ١٤ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ١٥ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ١٦ وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ١٧ ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ١٨ ﴾
المفردات :
أعرضوا : ولّوا وانصرفوا
صاعقة : عذابا مهلكا.
تمهيد :
كانت عاد تسكن بالأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وسلطنة عمان في منطقة صلالة، وقد أنذرهم رسولهم عذاب الله، فاستكبروا واستحقّوا العذاب، وأظهروا استعدادهم لصدّ أيِّ عذاب نظرا لقوتهم وبأسهم وقوة أجسامهم، وإعجابهم بقدرتهم وقوّتهم، ولما جاء العذاب إليهم كانوا يحفرون لأنفسهم حفرا، ويربطون أنفسهم بالسلاسل، ويتركون رءوسهم في أعلى الحفرة فكانت الريح تأتي فتقطع رقابهم وتتركهم هلكى، مثل عجز النخلة التي قُطعت ساقها.
وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة، وأرسل الله إليهم صالحا ومعه ناقة معجزة، تحلب لهم لبنا يكفيهم أجمعين، وطلب منهم أن يشربوا من الماء في يوم، ويتركوا الماء للناقة في اليوم التالي، لكنهم عقَرُوا الناقة واستخفّوا بالعذاب، بل طلبوا من صالح أن يأتيهم به، فأرسل الله عليهم عذابا مدمّرا مهلكا مذلاّ مهينا، وهذا العذاب يمكن أن يصيب أهل مكة مثله إذا لم يؤمنوا بمحمد صلى اله عليه وسلم.
التفسير :
١٣- ﴿ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ﴾.
أي : إن أعرض أهل مكة عن دعوتك يا محمد ولم يؤمنوا بها، واستمروا في عنادهم واستكبارهم، فقل لهم : إني أحذّركم من العذاب الماحق المهلك الذي أهلك الكافرين قبلكم، فعاد كانت تسكن بالأحقاف في جنوب الجزيرة، وقد أهلكها الله ودمّرها وطمس معالمها، وكذلك ثمود التي كانت تقطن بالحِجر في شمال الجزيرة، وتمرّون على دورها في طريقكم إلى الشام وفي عودتكم منها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب الآيات
( أ‌ ) العبرة من رواية هذا القصص تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به، وتهديد المشركين في مكة بأن يصبيهم مثل ذلك العذاب، وقد أكرم الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حفظ أمته من مثل ذلك العذاب المهلك المخزي، حيث قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ )
( ب‌ ) ذكر بعضهم أن الأيام النحسات التي نزل فيها العذاب على قوم عاد كانت في أواخر شوال، وأن أوّلها كان في يوم الأربعاء، وآخرها أيضا كان في يوم الأربعاء، ولذا صار بعض الناس يتشاءم من هذا اليوم، والحق أن ما ذكروه في هذا الشأن لا دليل عليه ولا يلتفت إليه، وأن ما أصاب قوم عاد إنما كان بشؤم كفرهم ومعاصيهم.
قال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء، على من لم يكفر بالله ولم يعصه، لأن أغلبها ضعيف، وما صح معناه منها فالمراد بالنحس : شؤمه على أولئك الكفرة العصاة، الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم. ا هـ.
( جـ ) كثيرا ما يقرن القرآن بين ذكر عاد وثمود، كما في سور :" براءة " و " إبراهيم " و " الفرقان " و " ص " و " ق " و " الذاريات و " النجم " و " الفجر ".
( د ) ورد في مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقرى ثمود وهو في طريقه إلى تبوك، فأسرع براحلته، وقنع رأسه، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن نكون باكين، فإن لم نبك فلنتباك، خشية أن يصيبنا مثل ما أصابهم.

تمهيد :
كانت عاد تسكن بالأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وسلطنة عمان في منطقة صلالة، وقد أنذرهم رسولهم عذاب الله، فاستكبروا واستحقّوا العذاب، وأظهروا استعدادهم لصدّ أيِّ عذاب نظرا لقوتهم وبأسهم وقوة أجسامهم، وإعجابهم بقدرتهم وقوّتهم، ولما جاء العذاب إليهم كانوا يحفرون لأنفسهم حفرا، ويربطون أنفسهم بالسلاسل، ويتركون رءوسهم في أعلى الحفرة فكانت الريح تأتي فتقطع رقابهم وتتركهم هلكى، مثل عجز النخلة التي قُطعت ساقها.
وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة، وأرسل الله إليهم صالحا ومعه ناقة معجزة، تحلب لهم لبنا يكفيهم أجمعين، وطلب منهم أن يشربوا من الماء في يوم، ويتركوا الماء للناقة في اليوم التالي، لكنهم عقَرُوا الناقة واستخفّوا بالعذاب، بل طلبوا من صالح أن يأتيهم به، فأرسل الله عليهم عذابا مدمّرا مهلكا مذلاّ مهينا، وهذا العذاب يمكن أن يصيب أهل مكة مثله إذا لم يؤمنوا بمحمد صلى اله عليه وسلم.
المفردات :
لو شاء ربنا لأنزل ملائكة : لو أراد الله إرسال رسل إلينا لأنزل لنا ملائكة تدعونا إلى عبادته.
التفسير :
١٤-﴿ إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون ﴾.
لقد تقدمت الرسل إليهم بالدعوة والحجة والدليل والبرهان، وأعملوا فيهم كل حيلة، وسلكوا كل سبيل، ومن ذلك أنهم قصّوا عليهم قصص الأمم السابقة وما أصاب المكذبين من الهلاك، ولفتوا أنظارهم إلى دلائل القدرة الإلهية في خلق السماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والنبات والزروع والثمار، والبحار والأنهار، ومن كانت هذه آثار قدرته فينبغي أن نخصّه بالعبادة، وأن نعبده وحده لا شريك له، فهو سبحانه الخالق الرازق المتفرد بالبقاء، وهو النافع الضار، فينبغي أن نتجه إليه وحده بعبادتنا، وألاّ نعبد أحدا سواه.
﴿ قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة... ﴾.
قال الذين كفروا لرسلهم : أنتم بشر مثلنا، ولو أراد الله أن يرسل إلينا رسولا لاختاره ملكا متميزا علينا حتى نؤمن به.
﴿ فإنا بما أرسلتم به كافرون ﴾.
لقد كفرنا برسالتكم وكذّبنا دعوتكم، ونسي هؤلاء أنّهم لا يطيقون رؤية الملاك في صورته الحقيقية، وأن الله لو أرسل ملكا لأرسله في صورة بشر.
قال تعالى :﴿ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ﴾. ( الأنعام : ٩ )
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب الآيات
( أ‌ ) العبرة من رواية هذا القصص تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به، وتهديد المشركين في مكة بأن يصبيهم مثل ذلك العذاب، وقد أكرم الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حفظ أمته من مثل ذلك العذاب المهلك المخزي، حيث قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ )
( ب‌ ) ذكر بعضهم أن الأيام النحسات التي نزل فيها العذاب على قوم عاد كانت في أواخر شوال، وأن أوّلها كان في يوم الأربعاء، وآخرها أيضا كان في يوم الأربعاء، ولذا صار بعض الناس يتشاءم من هذا اليوم، والحق أن ما ذكروه في هذا الشأن لا دليل عليه ولا يلتفت إليه، وأن ما أصاب قوم عاد إنما كان بشؤم كفرهم ومعاصيهم.
قال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء، على من لم يكفر بالله ولم يعصه، لأن أغلبها ضعيف، وما صح معناه منها فالمراد بالنحس : شؤمه على أولئك الكفرة العصاة، الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم. ا هـ.
( جـ ) كثيرا ما يقرن القرآن بين ذكر عاد وثمود، كما في سور :" براءة " و " إبراهيم " و " الفرقان " و " ص " و " ق " و " الذاريات و " النجم " و " الفجر ".
( د ) ورد في مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقرى ثمود وهو في طريقه إلى تبوك، فأسرع براحلته، وقنع رأسه، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن نكون باكين، فإن لم نبك فلنتباك، خشية أن يصيبنا مثل ما أصابهم.

تمهيد :
كانت عاد تسكن بالأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وسلطنة عمان في منطقة صلالة، وقد أنذرهم رسولهم عذاب الله، فاستكبروا واستحقّوا العذاب، وأظهروا استعدادهم لصدّ أيِّ عذاب نظرا لقوتهم وبأسهم وقوة أجسامهم، وإعجابهم بقدرتهم وقوّتهم، ولما جاء العذاب إليهم كانوا يحفرون لأنفسهم حفرا، ويربطون أنفسهم بالسلاسل، ويتركون رءوسهم في أعلى الحفرة فكانت الريح تأتي فتقطع رقابهم وتتركهم هلكى، مثل عجز النخلة التي قُطعت ساقها.
وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة، وأرسل الله إليهم صالحا ومعه ناقة معجزة، تحلب لهم لبنا يكفيهم أجمعين، وطلب منهم أن يشربوا من الماء في يوم، ويتركوا الماء للناقة في اليوم التالي، لكنهم عقَرُوا الناقة واستخفّوا بالعذاب، بل طلبوا من صالح أن يأتيهم به، فأرسل الله عليهم عذابا مدمّرا مهلكا مذلاّ مهينا، وهذا العذاب يمكن أن يصيب أهل مكة مثله إذا لم يؤمنوا بمحمد صلى اله عليه وسلم.
المفردات :
فاستكبروا : تعظموا وتعالوا، وقالوا : من أشدّ منّا قوة ؟
بغير الحق : ادعوا أنهم أقوياء، قادرون على صدّ أي عذاب يأتيهم مهما كان مصدره.
يجحدون : ينكرون مع علمهم أنه الحق.
التفسير :
١٥-﴿ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ﴾.
كانت عاد في نعمة وعافية، أجسامهم قوية، وأَنْعُم الله عليهم متوالية، وجاء إليهم هود عليه السلام يقدّم إليهم نصيحته، ويدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى والاستقامة على منهجه، فرفضوا الإيمان، واستهزأوا بالإنذار والوعيد، وطغوا وبغوا وتمرّدوا على هدى السماء، وقالوا لرسولهم : لا أحد أقوى منّا حتى يقهرنا، ونحن قادرون على دفع ما ينزل بنا من عذاب.
﴿ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ﴾.
أو لم ينظروا إلى قدرة الإله القادر، الذي خلق السماء والأرض وما بينهما في ستة أيام، وهو على كل شيء قدير، أمره بين الكاف والنون، وهو فعال لما يريد، لا ملجأ ولا مهرب منه إلاّ إليه.
قال تعالى :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾. ( يس : ٨٢ ).
لقد قاسوا قوتهم إلى قوة الخالق، وشتان بين قوة المخلوق وقوة الخالق، قوة المخلوق محدودة وقوة الخالق لا حدود لها، ولا شيء يعجزه سبحانه، ومع ذلك فهو عادل في عقابه.
قال تعالى :﴿ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ﴾. ( يونس : ٤٤ ).
وقوله عز شأنه :﴿ وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال ﴾. ( الرعد : ١١ ).
لقد كانوا يعرفون صدق الرسالة، وصدق الرسول، وصدق المعجزات، ولكنهم جحدوا الرسالة كما يجحد المودَع إليه الوديعة.
﴿ وكانوا بآياتنا يجحدون ﴾. أي : ينكرون المعجزات والأدلة الدامغة التي هي حجة عليهم، ويعصون الرسول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب الآيات
( أ‌ ) العبرة من رواية هذا القصص تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به، وتهديد المشركين في مكة بأن يصبيهم مثل ذلك العذاب، وقد أكرم الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حفظ أمته من مثل ذلك العذاب المهلك المخزي، حيث قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ )
( ب‌ ) ذكر بعضهم أن الأيام النحسات التي نزل فيها العذاب على قوم عاد كانت في أواخر شوال، وأن أوّلها كان في يوم الأربعاء، وآخرها أيضا كان في يوم الأربعاء، ولذا صار بعض الناس يتشاءم من هذا اليوم، والحق أن ما ذكروه في هذا الشأن لا دليل عليه ولا يلتفت إليه، وأن ما أصاب قوم عاد إنما كان بشؤم كفرهم ومعاصيهم.
قال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء، على من لم يكفر بالله ولم يعصه، لأن أغلبها ضعيف، وما صح معناه منها فالمراد بالنحس : شؤمه على أولئك الكفرة العصاة، الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم. ا هـ.
( جـ ) كثيرا ما يقرن القرآن بين ذكر عاد وثمود، كما في سور :" براءة " و " إبراهيم " و " الفرقان " و " ص " و " ق " و " الذاريات و " النجم " و " الفجر ".
( د ) ورد في مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقرى ثمود وهو في طريقه إلى تبوك، فأسرع براحلته، وقنع رأسه، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن نكون باكين، فإن لم نبك فلنتباك، خشية أن يصيبنا مثل ما أصابهم.

تمهيد :
كانت عاد تسكن بالأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وسلطنة عمان في منطقة صلالة، وقد أنذرهم رسولهم عذاب الله، فاستكبروا واستحقّوا العذاب، وأظهروا استعدادهم لصدّ أيِّ عذاب نظرا لقوتهم وبأسهم وقوة أجسامهم، وإعجابهم بقدرتهم وقوّتهم، ولما جاء العذاب إليهم كانوا يحفرون لأنفسهم حفرا، ويربطون أنفسهم بالسلاسل، ويتركون رءوسهم في أعلى الحفرة فكانت الريح تأتي فتقطع رقابهم وتتركهم هلكى، مثل عجز النخلة التي قُطعت ساقها.
وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة، وأرسل الله إليهم صالحا ومعه ناقة معجزة، تحلب لهم لبنا يكفيهم أجمعين، وطلب منهم أن يشربوا من الماء في يوم، ويتركوا الماء للناقة في اليوم التالي، لكنهم عقَرُوا الناقة واستخفّوا بالعذاب، بل طلبوا من صالح أن يأتيهم به، فأرسل الله عليهم عذابا مدمّرا مهلكا مذلاّ مهينا، وهذا العذاب يمكن أن يصيب أهل مكة مثله إذا لم يؤمنوا بمحمد صلى اله عليه وسلم.
المفردات :
ريحا صرصرا : شديد الحرارة مع صوت مزعج.
نحسات : مشئومات عليهم لأنهم عذبوا فيها.
التفسير :
١٦-﴿ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ﴾.
أرسلنا عليهم ريحا مدوّية مهلكة شديدة الحرارة، أو شديدة البرودة، في أيام مشئومات لأنهم عذبوا فيها، فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصه، فيقال له يوم سعد بالنسبة لمن تناله النعماء، ويقال له يوم نحس بالنظر لمن تصيبه الضرّاء.
قال السدى :﴿ ريحا صرصرا ﴾. مصوّتة، من صرّ يصرُّ، إذا صوت، وروى أنها كانت تحمل العير بأثقالها وأحمالها فترميها بالبحر.
﴿ لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا... ﴾.
أردنا أن نذلّهم ونخزيهم بعذاب أليم لأجسامهم، وهوان شديد لنفوسهم، حيث قطعت الريح رءوسهم، وتركتهم صرعى وهلكى، كالنخلة التي قُطعت ساقها، وترك جذرها عديم الفائدة.
قال تعالى :﴿ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية* فهل ترى لهم من باقية ﴾. ( الحاقة : ٦-٨ ).
﴿ ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ﴾.
وهناك عذاب في الآخرة أشد خزيا وهوانا، حيث لا يجدون أحدا ينصرهم من دون الله، وذلك بسبب تجبّرهم وتكبّرهم بالباطل، وعتوّهم وأنَفَتهم من سماع نصيحة رسولهم.
قال تعالى على لسان رسولهم هود عليه السلام :﴿ أتبنون بكل ريع آية تعبثون* وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون ﴾. ( الشعراء : ١٢٨-١٣١ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب الآيات
( أ‌ ) العبرة من رواية هذا القصص تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به، وتهديد المشركين في مكة بأن يصبيهم مثل ذلك العذاب، وقد أكرم الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حفظ أمته من مثل ذلك العذاب المهلك المخزي، حيث قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ )
( ب‌ ) ذكر بعضهم أن الأيام النحسات التي نزل فيها العذاب على قوم عاد كانت في أواخر شوال، وأن أوّلها كان في يوم الأربعاء، وآخرها أيضا كان في يوم الأربعاء، ولذا صار بعض الناس يتشاءم من هذا اليوم، والحق أن ما ذكروه في هذا الشأن لا دليل عليه ولا يلتفت إليه، وأن ما أصاب قوم عاد إنما كان بشؤم كفرهم ومعاصيهم.
قال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء، على من لم يكفر بالله ولم يعصه، لأن أغلبها ضعيف، وما صح معناه منها فالمراد بالنحس : شؤمه على أولئك الكفرة العصاة، الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم. ا هـ.
( جـ ) كثيرا ما يقرن القرآن بين ذكر عاد وثمود، كما في سور :" براءة " و " إبراهيم " و " الفرقان " و " ص " و " ق " و " الذاريات و " النجم " و " الفجر ".
( د ) ورد في مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقرى ثمود وهو في طريقه إلى تبوك، فأسرع براحلته، وقنع رأسه، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن نكون باكين، فإن لم نبك فلنتباك، خشية أن يصيبنا مثل ما أصابهم.

تمهيد :
كانت عاد تسكن بالأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وسلطنة عمان في منطقة صلالة، وقد أنذرهم رسولهم عذاب الله، فاستكبروا واستحقّوا العذاب، وأظهروا استعدادهم لصدّ أيِّ عذاب نظرا لقوتهم وبأسهم وقوة أجسامهم، وإعجابهم بقدرتهم وقوّتهم، ولما جاء العذاب إليهم كانوا يحفرون لأنفسهم حفرا، ويربطون أنفسهم بالسلاسل، ويتركون رءوسهم في أعلى الحفرة فكانت الريح تأتي فتقطع رقابهم وتتركهم هلكى، مثل عجز النخلة التي قُطعت ساقها.
وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة، وأرسل الله إليهم صالحا ومعه ناقة معجزة، تحلب لهم لبنا يكفيهم أجمعين، وطلب منهم أن يشربوا من الماء في يوم، ويتركوا الماء للناقة في اليوم التالي، لكنهم عقَرُوا الناقة واستخفّوا بالعذاب، بل طلبوا من صالح أن يأتيهم به، فأرسل الله عليهم عذابا مدمّرا مهلكا مذلاّ مهينا، وهذا العذاب يمكن أن يصيب أهل مكة مثله إذا لم يؤمنوا بمحمد صلى اله عليه وسلم.
المفردات :
فهديناهم : بيّنا لهم طريق الهدى والحق بإرسال الرسل وبيان الحجج والأدلة.
فاستحبوا العمى على الهدى : فاختاروا الضلالة وتركوا الطريق المستقيم.
صاعقة : نار تنزل من السماء في رعد شديد، ولا تصيب شيئا إلا أحرقته.
الهون : المخزي المذلّ المهين.
التفسير :
١٧- ﴿ وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ﴾.
أعطينا قبيلة ثمود العقول والإرادة والاختيار، وأرسلنا إليهم رسول الله صالحا، ومعه ناقة تسقيهم، ومعها عدد من الآيات الدالة على صدق صالح، فعقروا الناقة، واختاروا الضلال والكفر، والبعد عن رسولهم، وعن هدايته، فأرسل الله عليهم قارعة صاعقة مدمرة محرقة، هي الصيحة والرجفة والذلّ والهوان بسبب تكذيبهم صالحا عليه السلام، وعقْرهم للناقة، ولقد كان العذاب مهلكا لأجسامهم ومذِلّا لنفوسهم، بسبب عقر الناقة وتكذيب صالح وجحود الحقّ.
قال تعالى :﴿ كذبت ثمود بطغواها * إذ انبعث أشقاها* فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها * فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها* ولا يخاف عقباها ﴾. ( الشمس : ١١-١٥ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب الآيات
( أ‌ ) العبرة من رواية هذا القصص تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به، وتهديد المشركين في مكة بأن يصبيهم مثل ذلك العذاب، وقد أكرم الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حفظ أمته من مثل ذلك العذاب المهلك المخزي، حيث قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ )
( ب‌ ) ذكر بعضهم أن الأيام النحسات التي نزل فيها العذاب على قوم عاد كانت في أواخر شوال، وأن أوّلها كان في يوم الأربعاء، وآخرها أيضا كان في يوم الأربعاء، ولذا صار بعض الناس يتشاءم من هذا اليوم، والحق أن ما ذكروه في هذا الشأن لا دليل عليه ولا يلتفت إليه، وأن ما أصاب قوم عاد إنما كان بشؤم كفرهم ومعاصيهم.
قال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء، على من لم يكفر بالله ولم يعصه، لأن أغلبها ضعيف، وما صح معناه منها فالمراد بالنحس : شؤمه على أولئك الكفرة العصاة، الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم. ا هـ.
( جـ ) كثيرا ما يقرن القرآن بين ذكر عاد وثمود، كما في سور :" براءة " و " إبراهيم " و " الفرقان " و " ص " و " ق " و " الذاريات و " النجم " و " الفجر ".
( د ) ورد في مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقرى ثمود وهو في طريقه إلى تبوك، فأسرع براحلته، وقنع رأسه، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن نكون باكين، فإن لم نبك فلنتباك، خشية أن يصيبنا مثل ما أصابهم.

تمهيد :
كانت عاد تسكن بالأحقاف في جنوب الجزيرة بين اليمن وسلطنة عمان في منطقة صلالة، وقد أنذرهم رسولهم عذاب الله، فاستكبروا واستحقّوا العذاب، وأظهروا استعدادهم لصدّ أيِّ عذاب نظرا لقوتهم وبأسهم وقوة أجسامهم، وإعجابهم بقدرتهم وقوّتهم، ولما جاء العذاب إليهم كانوا يحفرون لأنفسهم حفرا، ويربطون أنفسهم بالسلاسل، ويتركون رءوسهم في أعلى الحفرة فكانت الريح تأتي فتقطع رقابهم وتتركهم هلكى، مثل عجز النخلة التي قُطعت ساقها.
وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة، وأرسل الله إليهم صالحا ومعه ناقة معجزة، تحلب لهم لبنا يكفيهم أجمعين، وطلب منهم أن يشربوا من الماء في يوم، ويتركوا الماء للناقة في اليوم التالي، لكنهم عقَرُوا الناقة واستخفّوا بالعذاب، بل طلبوا من صالح أن يأتيهم به، فأرسل الله عليهم عذابا مدمّرا مهلكا مذلاّ مهينا، وهذا العذاب يمكن أن يصيب أهل مكة مثله إذا لم يؤمنوا بمحمد صلى اله عليه وسلم.
١٨- ﴿ ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾.
لقد نجى الله صالحا ومن آمن به، وجعلهم في نجوة ومكانة رفيعة لا ينالهم فيها هوان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في أعقاب الآيات
( أ‌ ) العبرة من رواية هذا القصص تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به، وتهديد المشركين في مكة بأن يصبيهم مثل ذلك العذاب، وقد أكرم الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حفظ أمته من مثل ذلك العذاب المهلك المخزي، حيث قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾. ( الأنفال : ٣٣ )
( ب‌ ) ذكر بعضهم أن الأيام النحسات التي نزل فيها العذاب على قوم عاد كانت في أواخر شوال، وأن أوّلها كان في يوم الأربعاء، وآخرها أيضا كان في يوم الأربعاء، ولذا صار بعض الناس يتشاءم من هذا اليوم، والحق أن ما ذكروه في هذا الشأن لا دليل عليه ولا يلتفت إليه، وأن ما أصاب قوم عاد إنما كان بشؤم كفرهم ومعاصيهم.
قال الشيخ الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء، على من لم يكفر بالله ولم يعصه، لأن أغلبها ضعيف، وما صح معناه منها فالمراد بالنحس : شؤمه على أولئك الكفرة العصاة، الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم. ا هـ.
( جـ ) كثيرا ما يقرن القرآن بين ذكر عاد وثمود، كما في سور :" براءة " و " إبراهيم " و " الفرقان " و " ص " و " ق " و " الذاريات و " النجم " و " الفجر ".
( د ) ورد في مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقرى ثمود وهو في طريقه إلى تبوك، فأسرع براحلته، وقنع رأسه، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن نكون باكين، فإن لم نبك فلنتباك، خشية أن يصيبنا مثل ما أصابهم.

كيفية عقوبة الكفار في الآخرة، وشهادة الجلود.
﴿ ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ١٩ حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ٢٠ وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ٢١ وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون٢٢ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ٢٣ فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ٢٤* ﴾
المفردات :
يوزعون : يحبس أوّلهم ليلحق آخرهم لكثرتهم.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عقوبة قوم عاد وقوم ثمود في الدنيا، وكيف أصابهم الهلاك المدمّر، وهنا تتحدث الآيات عن عقوبتهم في الآخرة، وتعرض مشهدا من مشاهد القيامة، حيث يختم الله على أفواه الجناة، وتشهد عليهم جوارحهم بما اكتسبوا من سيئات، وإنه لمشهد مخيف، أن يكون جزّء من الإنسان شاهدا عليه معترفا بجنايته، وهنا يقول الإنسان لأجزاء جسمه : كيف تشهدون عليّ ؟ فتنطق الجوارح وتقول : أنطقنا الله الذين أنطق كل شيء، وبيد الله كل أمر من أمور الخلق والبعث، فقد خلقكم في الدنيا عند ولادتكم، وإليه ترجعون عند الحساب والجزاء.
التفسير :
١٩-﴿ ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ﴾.
أي : اذكر أيها العاقل يوم الحساب والجزاء، حين يُحشر الكافرون والظالمون الذين أعلنوا عداءهم لربهم وخالقهم، فلم يطيعوا أمره ولم يجتنبوا نواهيه، وهم جماعات كثيرة من أهل جهنم، ولذلك يُحبس أولهم عن الحركة حتى يجتمع أولهم وآخرهم في عرصات القيامة قبل دخول النار.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عقوبة قوم عاد وقوم ثمود في الدنيا، وكيف أصابهم الهلاك المدمّر، وهنا تتحدث الآيات عن عقوبتهم في الآخرة، وتعرض مشهدا من مشاهد القيامة، حيث يختم الله على أفواه الجناة، وتشهد عليهم جوارحهم بما اكتسبوا من سيئات، وإنه لمشهد مخيف، أن يكون جزّء من الإنسان شاهدا عليه معترفا بجنايته، وهنا يقول الإنسان لأجزاء جسمه : كيف تشهدون عليّ ؟ فتنطق الجوارح وتقول : أنطقنا الله الذين أنطق كل شيء، وبيد الله كل أمر من أمور الخلق والبعث، فقد خلقكم في الدنيا عند ولادتكم، وإليه ترجعون عند الحساب والجزاء.
المفردات :
جلودهم : جوارحهم، أو شهادة الجلود بالملامسة للحرام، وقيل : هو كناية عن الفروج.
التفسير :
٢٠- ﴿ حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ﴾.
حتى إذا وصل الكفار إلى جهنم أنكروا معاصيهم، وأقسموا بالله أنهم لم يكونوا مشركين، وهنا يختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم جوارحهم بارتكاب المعاصي والموبقات، فتقول العين : أنا للحرام نظرت، وتقول الأذن : أنا لما لا يحل سمعت، ويقول الفرج : أنا فعلت، وتنطق الجلود بأنها لامست جلودا لا تحل لها، وتنطق كل جارحة بما عملت.
قال تعالى :﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾. ( يس : ٦٥ ).
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عقوبة قوم عاد وقوم ثمود في الدنيا، وكيف أصابهم الهلاك المدمّر، وهنا تتحدث الآيات عن عقوبتهم في الآخرة، وتعرض مشهدا من مشاهد القيامة، حيث يختم الله على أفواه الجناة، وتشهد عليهم جوارحهم بما اكتسبوا من سيئات، وإنه لمشهد مخيف، أن يكون جزّء من الإنسان شاهدا عليه معترفا بجنايته، وهنا يقول الإنسان لأجزاء جسمه : كيف تشهدون عليّ ؟ فتنطق الجوارح وتقول : أنطقنا الله الذين أنطق كل شيء، وبيد الله كل أمر من أمور الخلق والبعث، فقد خلقكم في الدنيا عند ولادتكم، وإليه ترجعون عند الحساب والجزاء.
٢١-﴿ وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾.
عند شهود الجوارح، ونطق الأعضاء على الإنسان، يحس بالخجل من نفسه ويتوقع العذاب في جهنم، فيقول للجوارح التي شهدت عليه : كيف تشهدون عليّ، وأنا كنت أناضل عنكم في الدنيا وأدافع عنكم ؟ وهنا تجيب الجوارح : نحن خاضِعُون لقدرة الله اليوم، فلا مهرب من عقاب، ولا مفر من جزاء، لقد خلقكم الله من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، ثم أوجدكم في الدنيا أول مرة، بعد أن نفخ الروح في أجسامكم، وصرتم خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم أنشأ الله الإنسان طفلا، ثم فتى ثم يافعا ثم شابا ثم شيخا، وخلال حياته أرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، ويسّر له أسباب الهداية، ثم كفر الإنسان واستكبر، ثم يرجع إلى ربه للحساب والجزاء. ﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٧، ٨ ).
وفي صحيح مسلم، عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال : " هل تدرون ممّ أضحك " ؟ قلنا الله ورسوله أعلم، قال : " من مخاطبة العبد ربّه، يقول : ألم تُجرْني من الظُّلم ؟ قال : يقول : بلى، قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا منّي، قال : يقول : كفى بنفسك اليوم شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال : فيختم على فيه، فيقال لأركانه : انطقي، فتنطق بأعماله، قال : ثم يخلّى بينه وبين الكلام، قال : فيقول : بعدا لكُنّ وسحقا، فعنكنّ كنت أناضل " ١
١ بعدا لكنّ وسحقا فعنكن كنت أناضل:
رواه مسلم في الزهد (٢٩٦٩) من حديث أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: " هل تدرون مم أضحك "؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم قال: " من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم، قال: يقول: بلى، قال: فيقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل"..

تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عقوبة قوم عاد وقوم ثمود في الدنيا، وكيف أصابهم الهلاك المدمّر، وهنا تتحدث الآيات عن عقوبتهم في الآخرة، وتعرض مشهدا من مشاهد القيامة، حيث يختم الله على أفواه الجناة، وتشهد عليهم جوارحهم بما اكتسبوا من سيئات، وإنه لمشهد مخيف، أن يكون جزّء من الإنسان شاهدا عليه معترفا بجنايته، وهنا يقول الإنسان لأجزاء جسمه : كيف تشهدون عليّ ؟ فتنطق الجوارح وتقول : أنطقنا الله الذين أنطق كل شيء، وبيد الله كل أمر من أمور الخلق والبعث، فقد خلقكم في الدنيا عند ولادتكم، وإليه ترجعون عند الحساب والجزاء.
المفردات :
تستترون : تستخفون.
أن يشهد عليكم سمعكم : عندما كنتم تتخفون حال المعصية لم يكن ذلك خوفا من أن تشهد عليكم جوارحكم.
ولكن ظننتم أن الله لا يعلم : ولكنكم تخفيتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيرا من خطاياكم، مع أنه بكل شيء محيط.
التفسير :
٢٢-﴿ وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ﴾.
هذه الآية من كلام الجوارح للكافرين والظالمين، أو هي من كلام الله تعالى لهم.
ومعناها :
عندما كنتم تختفون عن الناس ما كان يخطر ببالكم أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، وما كنتم بمستطيعين أن تستتروا منها لو أردتم.
﴿ ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ﴾.
أي : اعتقدتم أنكم إذا اختفيتم واستترتم لا يطلّع الله على ذنوبكم، أو لا يعلم الكثير منها مادامت مختفية.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عقوبة قوم عاد وقوم ثمود في الدنيا، وكيف أصابهم الهلاك المدمّر، وهنا تتحدث الآيات عن عقوبتهم في الآخرة، وتعرض مشهدا من مشاهد القيامة، حيث يختم الله على أفواه الجناة، وتشهد عليهم جوارحهم بما اكتسبوا من سيئات، وإنه لمشهد مخيف، أن يكون جزّء من الإنسان شاهدا عليه معترفا بجنايته، وهنا يقول الإنسان لأجزاء جسمه : كيف تشهدون عليّ ؟ فتنطق الجوارح وتقول : أنطقنا الله الذين أنطق كل شيء، وبيد الله كل أمر من أمور الخلق والبعث، فقد خلقكم في الدنيا عند ولادتكم، وإليه ترجعون عند الحساب والجزاء.
المفردات :
أرداكم : أهلككم.
التفسير :
٢٣-﴿ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ﴾.
خدعكم هذا الظن الجاهل الأثيم، فوقعتم في الردى والهلاك، وقادكم هذا الظن إلى الخسران في الدنيا والجحيم في الآخرة.
فالله تعالى :﴿ بكل شيء عليم ﴾. وهو سبحانه مطلع على كل شيء، ورقيب على كل شيء.
قال تعالى :﴿ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ﴾. ( المجادلة : ٧ ).
وقال عز شأنه على لسان لقمان :﴿ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ﴾. ( لقمان ١٦ ).
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر عليّ : ثقفيان وقرشي، فقال أحدهم : أترون الله يسمع ما تقولون ؟ فقال الرجلان : إذا سمعنا أصواتنا سمع، وإلاّ لم يسمع، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل :﴿ وما كنتم تستترون... ﴾ إلى آخر الآيتين ١.
قيل : والظن قسمان : ظن حسن بالله تعالى، وظن فاسد، أما الظن الحسن فهو أن يظن به سبحانه الرحمة والفضل، قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل : " أنا عند ظنّ عبدي بي " ٢وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يموتنّ إلا وهو يحسن الظنّ بالله تعالى " ٣.
والظن الفاسد هو أن يظن بالله أنه يعزُبُ ويغيب عن علمه بعض هذه الأحوال.
١ تفسير ابن كثير..
٢ أنا عند ظن عبدي بي:
رواه البخاري (٧٤٠٥، ٧٥٠٥) ومسلم (٢٦٧٥) والترمذي (٢٣٨٨، ٣٦٠٣) وابن ماجة (٣٨٢٢) وأحمد (١٠٣٠٦، ١٠٣٢٦، ١٠٤٠٣، ١٠٥٢٦، ٢٧٢٨٣، ٢٧٣٩٥، ٨٨٣٣، ٩٠٨٧، ٩٤٥٧)..

٣ لا يموتن أحدكم:
رواه مسلم في الجنة (٢٨٧٧) وابن ماجة في الزهد (٤١٦٧) وأحمد في مسنده (١٣٧١١) من حديث جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن"..

تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عقوبة قوم عاد وقوم ثمود في الدنيا، وكيف أصابهم الهلاك المدمّر، وهنا تتحدث الآيات عن عقوبتهم في الآخرة، وتعرض مشهدا من مشاهد القيامة، حيث يختم الله على أفواه الجناة، وتشهد عليهم جوارحهم بما اكتسبوا من سيئات، وإنه لمشهد مخيف، أن يكون جزّء من الإنسان شاهدا عليه معترفا بجنايته، وهنا يقول الإنسان لأجزاء جسمه : كيف تشهدون عليّ ؟ فتنطق الجوارح وتقول : أنطقنا الله الذين أنطق كل شيء، وبيد الله كل أمر من أمور الخلق والبعث، فقد خلقكم في الدنيا عند ولادتكم، وإليه ترجعون عند الحساب والجزاء.
المفردات :
مثوى : إقامة دائمة.
وإن يستعتبوا : وإن يطلبوا الرضا عنهم، أو قبول عذرهم.
فما هم من المعتبين : فما هم من المجابين إلى ما يسألون.
التفسير :
٢٤- ﴿ فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ﴾.
أي : لا أمل في الخلاص، فقد أوصدت عليهم جهنم، والصبر وعدم الصبر سواء، فإن امتنعوا عن الشكوى، ولاذُوا بالصبر والصمت فالنار مقرهم الدائم، ودار الثواء والإقامة الأبدية، وإن طلبوا العتبى والرجاء في الصفح والعفو وقبول أعذارهم، لم يجدوا من يستجيب لهم.
وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم على لسانهم :﴿ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾. ( إبراهيم : ٢١ ).
قال ابن جرير :
ومعنى قوله تعالى :﴿ وإن يستعتبوا ﴾. أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا، فلا جواب لهم، قال : وهذا كقوله تعالى إخبارا عنهم :﴿ قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون *قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ﴾. ( المؤمنون : ١٠٦-١٠٨ ).
ألوان من عناد الكافرين وسوء مصيرهم.
﴿ وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ٢٥ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ٢٦ فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ٢٧ ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ٢٨ وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين ٢٩ ﴾
المفردات :
قيضنا : يسرنا وبعثنا وهيأنا.
قرناء : رفقاء وأصدقاء وأصحاب، من قرن الشيء بالشيء، أي : وصلَه به، وأصحبه إياه.
فزينوا لهم : فحسّنوا لهم.
ما بين أيديهم : من قبائح أعمال الدنيا.
وما خلفهم : من أمور الآخرة، مثل إنكار البعث والحشر، حيث حسّنوا لهم التكذيب بالآخرة.
وحق عليهم القول : وجب عليهم الوعيد بالعذاب.
خلت : مضت، أي : في جملة أمم كافرة قد مضت من قبلهم.
خاسرين : حين باعوا نعيم الآخرة، واشتروا عذابها.
تمهيد :
يعرض القرآن جانبا من أفعال الكافرين، فهم لسوء جبلّتهم آثروا أصدقاء السوء، الذين يزينون لهم القبائح والمعاصي، ويزهّدونهم في الآخرة، ويهونون شأنها، وبذلك يصبحون مع أمم سابقة كعاد وثمود وأشباههم، إنهم خسروا نعيم الآخرة، واستحقوا عذابها.
ومن رذائلهم الإعراض عن سماع القرآن، وعدم الاستجابة لهديه، بل والانشغال بالصّفير والتصفيق، حتى يصبح القرآن لغوّا غير واضح ولا مفهوم، لقد استحقوا العذاب الشديد في جهنم، والعقوبة على أعمالهم السيئة، والأسوأ من السيئة أنهم يقيمون في جهنم خالدين فيها أبدا، جزاء جحودهم وكفرهم، وعند نهاية الدنيا، وظهور الجزاء والحساب، ودخول الكافرين النار، تظهر عداوتهم لقرنائهم، وأصدقائهم من الجن والإنس الذين زينوا لهم الكفر، وزهّدوهم في الإيمان، ويتمنون أن يجعلوهم تحت أقدامهم، ليكونوا من الأسفلين مكانة ومكانا.
التفسير :
٢٥-﴿ وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ﴾.
إذا أراد الله بعبد خيرا رزقه رفيقا صالحا يذكّره إذا غفل، ويأمره بالخير ويحذّره من الشر، وإذا أراد الله بعبد شرا يسر له رفيق سوء، لا يذكّره إذا غفل، ولا يأمره بالخير ولا ينهاه عن الشرّ.
قال تعالى :﴿ ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ﴾. ( الزخرف : ٣٦، ٣٧ )
ومعنى الآية :
من سوء أعمالهم يسرنا لهم رفقاء سوء، يحثّونهم على الشرّ، ويزيّنون لهم المعاصي والكفر والفسوق في الدنيا، ونكران البعث والحشر والجزاء في الآخرة، فاستحقوا لعنة الله وعذاب النار مع أمم سابقة، مثل قوم نوح وعاد وثمود، وأشقياء من الجن والإنس باعوا ضمائرهم وآثروا العاجلة، فخسروا نعيم الآخرة واستحقوا عذابها.
وفي أمثالهم يقول القرآن الكريم :﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا* الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا * ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ﴾. ( الكهف : ١٠٣-١٠٦ ).
تمهيد :
يعرض القرآن جانبا من أفعال الكافرين، فهم لسوء جبلّتهم آثروا أصدقاء السوء، الذين يزينون لهم القبائح والمعاصي، ويزهّدونهم في الآخرة، ويهونون شأنها، وبذلك يصبحون مع أمم سابقة كعاد وثمود وأشباههم، إنهم خسروا نعيم الآخرة، واستحقوا عذابها.
ومن رذائلهم الإعراض عن سماع القرآن، وعدم الاستجابة لهديه، بل والانشغال بالصّفير والتصفيق، حتى يصبح القرآن لغوّا غير واضح ولا مفهوم، لقد استحقوا العذاب الشديد في جهنم، والعقوبة على أعمالهم السيئة، والأسوأ من السيئة أنهم يقيمون في جهنم خالدين فيها أبدا، جزاء جحودهم وكفرهم، وعند نهاية الدنيا، وظهور الجزاء والحساب، ودخول الكافرين النار، تظهر عداوتهم لقرنائهم، وأصدقائهم من الجن والإنس الذين زينوا لهم الكفر، وزهّدوهم في الإيمان، ويتمنون أن يجعلوهم تحت أقدامهم، ليكونوا من الأسفلين مكانة ومكانا.
المفردات :
الذين كفروا : مشركو مكة.
لا تسمعوا : لا تأخذوا بهذا القرآن.
والغوا فيه : شوّشوا عليه بالصفير والتصفيق، حتى يصير لغوا، ولا يستفيد به أحد.
التفسير :
٢٦-﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾.
كان القرآن يأخذ سبيله إلى القلوب والعقول، ونطق بعض الكفار بأن للقرآن حلاوة، وله طلاوة، وأعلاه مثمر، وهو فوق طاقة البشر، كل ذلك أرجف قلوب المشركين، وجعلهم يتواصون بعدم الاستماع إلى القرآن، وصَرْف الأتباع والصغار عن الاستماع إليه، بل والانشغال بما يشوّش على القرآن، كالصفير والتصفيق، وبذلك يتحوّل القرآن من أصوات مسموعة وجُمل مفهومة إلى لغو غير مفهوم، كل ذلك رغبة منهم في غلبة القرآن وقهر الإسلام.
حتى قال أبو جهل : إذا قرأ محمد فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول، كل ذلك يدل على خوف قريش من القرآن، ومن الرسول الأمين، ولكن الله تعالى أتمّ دينه، ونصر رسوله، ويسر له الهجرة إلى المدينة، والعودة إلى مكة فاتحا منتصرا، ﴿ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾. ( يوسف : ٢١ ).
تمهيد :
يعرض القرآن جانبا من أفعال الكافرين، فهم لسوء جبلّتهم آثروا أصدقاء السوء، الذين يزينون لهم القبائح والمعاصي، ويزهّدونهم في الآخرة، ويهونون شأنها، وبذلك يصبحون مع أمم سابقة كعاد وثمود وأشباههم، إنهم خسروا نعيم الآخرة، واستحقوا عذابها.
ومن رذائلهم الإعراض عن سماع القرآن، وعدم الاستجابة لهديه، بل والانشغال بالصّفير والتصفيق، حتى يصبح القرآن لغوّا غير واضح ولا مفهوم، لقد استحقوا العذاب الشديد في جهنم، والعقوبة على أعمالهم السيئة، والأسوأ من السيئة أنهم يقيمون في جهنم خالدين فيها أبدا، جزاء جحودهم وكفرهم، وعند نهاية الدنيا، وظهور الجزاء والحساب، ودخول الكافرين النار، تظهر عداوتهم لقرنائهم، وأصدقائهم من الجن والإنس الذين زينوا لهم الكفر، وزهّدوهم في الإيمان، ويتمنون أن يجعلوهم تحت أقدامهم، ليكونوا من الأسفلين مكانة ومكانا.
٢٧- ﴿ فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ﴾.
فوالله لنذيقن هؤلاء الكفار المستهزئين بالقرآن عذابا شديدا لا يخفّ ولا ينقطع، ولنجزينهم بشرّ أعمالهم وسيء فعالهم أسوأ وأقبح الجزاء.
قال الجمل في حاشيته :
وفي هذا تعريض بمن لا يكون عند سماعه لكلام الله خاضعا خاشعا متفكرا متدبرا، وتهديد ووعيد شديد لمن يصدر عنه عند سماعه ما يشوش على القارئ، ويخلط عليه القراءة، فانظر إلى عظة القرآن المجيد، وتأمّل في هذا التغليظ والتشديد، واشهد لمن عظّمه وأجلّ قدره، وألقى إليه السمع وهو شهيد - بالفوز العظيم ا ه.
وفي المقابل نجد أن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بالاستماع للقرآن والإنصات له.
قال تعالى :﴿ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له، وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾. ( الأعراف : ٢٠٤ ).
تمهيد :
يعرض القرآن جانبا من أفعال الكافرين، فهم لسوء جبلّتهم آثروا أصدقاء السوء، الذين يزينون لهم القبائح والمعاصي، ويزهّدونهم في الآخرة، ويهونون شأنها، وبذلك يصبحون مع أمم سابقة كعاد وثمود وأشباههم، إنهم خسروا نعيم الآخرة، واستحقوا عذابها.
ومن رذائلهم الإعراض عن سماع القرآن، وعدم الاستجابة لهديه، بل والانشغال بالصّفير والتصفيق، حتى يصبح القرآن لغوّا غير واضح ولا مفهوم، لقد استحقوا العذاب الشديد في جهنم، والعقوبة على أعمالهم السيئة، والأسوأ من السيئة أنهم يقيمون في جهنم خالدين فيها أبدا، جزاء جحودهم وكفرهم، وعند نهاية الدنيا، وظهور الجزاء والحساب، ودخول الكافرين النار، تظهر عداوتهم لقرنائهم، وأصدقائهم من الجن والإنس الذين زينوا لهم الكفر، وزهّدوهم في الإيمان، ويتمنون أن يجعلوهم تحت أقدامهم، ليكونوا من الأسفلين مكانة ومكانا.
المفردات :
يجحدون : يكفرون وينكرون.
٢٨-﴿ ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ﴾.
أي : ذلك الجزاء لأقبح أعمال الكفار – وهو دخول النار – هو جزاء أعداء الله، الذين كذبوا رسله واستكبروا عن عبادته.
﴿ لهم فيها دار الخلد... ﴾ لهم في جهنم دار الإقامة، لا يخرجون منها أبدا، جزاء وفاقا على كفرهم بالقرآن، واستهزائهم بآيات الله البينات.
قال الفخر الرازي :
وسمّى لغوهم بالقرآن جحودا، لأنهم لما علموا أن القرآن بالغ إلى حدّ الإعجاز، خافوا إن سمعه الناس أن يؤمنوا به، فاخترعوا تلك الطريقة الفاسدة، وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزا، إلا أنهم جحدوه حسدا.
تمهيد :
يعرض القرآن جانبا من أفعال الكافرين، فهم لسوء جبلّتهم آثروا أصدقاء السوء، الذين يزينون لهم القبائح والمعاصي، ويزهّدونهم في الآخرة، ويهونون شأنها، وبذلك يصبحون مع أمم سابقة كعاد وثمود وأشباههم، إنهم خسروا نعيم الآخرة، واستحقوا عذابها.
ومن رذائلهم الإعراض عن سماع القرآن، وعدم الاستجابة لهديه، بل والانشغال بالصّفير والتصفيق، حتى يصبح القرآن لغوّا غير واضح ولا مفهوم، لقد استحقوا العذاب الشديد في جهنم، والعقوبة على أعمالهم السيئة، والأسوأ من السيئة أنهم يقيمون في جهنم خالدين فيها أبدا، جزاء جحودهم وكفرهم، وعند نهاية الدنيا، وظهور الجزاء والحساب، ودخول الكافرين النار، تظهر عداوتهم لقرنائهم، وأصدقائهم من الجن والإنس الذين زينوا لهم الكفر، وزهّدوهم في الإيمان، ويتمنون أن يجعلوهم تحت أقدامهم، ليكونوا من الأسفلين مكانة ومكانا.
٢٩- ﴿ وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكون من الأسفلين ﴾.
رغب الكفار في الانتقام ممن زين لهم الكفر والمعصية، فقالوا : ربنا أرنا من أضلنا من فريقي شياطين الجن والإنس، لكي ندوسهم بأقدامنا، تشفّيا وانتقاما منهم، وليكون الفريقان من الأذلين المهانين في الدرك الأسفل من النار، وهي أشد عذاب جهنم لأنها درك المنافقين.
وقد أفاد القرآن الكريم في موضع آخر أن العذاب يضاعف للجميع :﴿ لكل ضعف ولكن لا تعلمون ﴾. ( الأعراف : ٣٨ ).
وقال سبحانه :﴿ الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس ﴾. ( الناس : ٥، ٦ ).
ما وعد الله به أهل الاستقامة والحكمة
﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ٣٠ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ٣١ نزلا من غفور رحيم ٣٢ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ٣٣ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ٣٤ وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ٣٥ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ٣٦ ﴾
المفردات :
استقاموا : ثبتوا على الإيمان والصراط المستقيم.
تتنزل عليهم الملائكة : بالبشارة والإلهام في حياتهم، وعند موتهم وبعثهم بما يسرّهم.
تمهيد :
من شأن القرآن أن يوازن ويقارن بين حال الكافرين وحال المؤمنين، والآيات تعرض لوحة للمؤمنين الذين استقاموا على الإيمان والعمل الصالح، فالملائكة تنزل عليهم في الدنيا بالتوفيق والهداية والمعونة، وتنزل عليهم عند الموت تبشرهم بالجنة وتطمئنهم على أولادهم وأهلهم، وتذكر لهم أن الملائكة تتولى معونتهم في الدنيا وبشارتهم في الآخرة، ولهم في الجنة كلّ ما تشتهيه أنفسهم وكل ما يطلبونه، وهذا كرم وفضل من الله الغفور الرحيم، ثم تُبيّن فضل الدعوة إلى الله مع العمل الصالح، والانتساب بالقول والعمل لأمة الإسلام، ثم تُبيّن أن الحسنة والسيئة متفاوتتان، فعلينا ألا نقابل السيئة بالسيئة، بل نقابل الإساءة بالإحسان، فيتحول العدوّ إلى صديق مخلص، ولا يتحمّل ذلك إلا الصابر الموفق، وإذا رغب الشيطان في إغرائك بالشر أو حملك على المعصية، فتحصّن بالله والجأ إليه لحمايتك من وسوسة الشيطان، إنه سبحانه سميع لكل دعاء، عليم بجميع عباده.
التفسير :
٣٠-﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ﴾.
تصف الآيات منزلة المؤمنين الذين أعلنوا إيمانهم بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا، واستقاموا على ذلك فلم يروغوا روغان الثعالب، بل ثبتوا على الإيمان وعملوا بمقتضاه.
قال رجل : يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا، وأقلل فيه لعلي أعيه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " قل أمنت بالله ثم استقم " فقال الرجل : يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف عليّ ؟ فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال : " هذا " أي : أخاف عليك لسانك ١. ( رواه الإمام أحمد، ومسلم في صحيحه، والنسائي ).
فالمؤمن المستقيم على فعل الصالحات وترك المعاصي، الثابت على الخير، البعيد عن الشر، الذي وطن نفسه على الهوى، وفطمها عن الردى، تنزل عليه الملائكة في الدنيا – وإن لم يرها- تشرح صدره، وتيسّر أمره، وتمنحه المعونة والهدى والتوفيق، وتنزل عليه عند الموت تبشّره برضوان الله، وتنزل عليه في القبر تؤنسه وتبشره بمنزلته في الجنة، وتنزل عليه عند البعث حيث ينزل عليه الملكان اللذان كانا يكتبان عليه الحسنات والسيئات ليصحباه إلى عرصات القيامة، ونعيم الجنة، ولا يمرّ المؤمن المستقيم بأي كرب من كروب الآخرة إلا بشّرته بما أُعدّ له، ويسرت له الحفظ من كل كرب، وبشرته بالجنة التي كان يوعد بها في الدنيا على ألسنة الرسل.
١ قل آمنت بالله ثم استقم:
رواه مسلم في الإيمان (٣٨) والترمذي في الزهد (٢٤١٠) وابن ماجة في الفتن (٣٩٧٢) وأحمد في مسنده (١٤٩٩١، ١٤٩٩٢، ١٤٩٩٣، ١٨٩٣٨) والدارمي في الرقائق (٢٧١٠، ٢٧١١) من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي. وقال الترمذي: حسن صحيح..

تمهيد :
من شأن القرآن أن يوازن ويقارن بين حال الكافرين وحال المؤمنين، والآيات تعرض لوحة للمؤمنين الذين استقاموا على الإيمان والعمل الصالح، فالملائكة تنزل عليهم في الدنيا بالتوفيق والهداية والمعونة، وتنزل عليهم عند الموت تبشرهم بالجنة وتطمئنهم على أولادهم وأهلهم، وتذكر لهم أن الملائكة تتولى معونتهم في الدنيا وبشارتهم في الآخرة، ولهم في الجنة كلّ ما تشتهيه أنفسهم وكل ما يطلبونه، وهذا كرم وفضل من الله الغفور الرحيم، ثم تُبيّن فضل الدعوة إلى الله مع العمل الصالح، والانتساب بالقول والعمل لأمة الإسلام، ثم تُبيّن أن الحسنة والسيئة متفاوتتان، فعلينا ألا نقابل السيئة بالسيئة، بل نقابل الإساءة بالإحسان، فيتحول العدوّ إلى صديق مخلص، ولا يتحمّل ذلك إلا الصابر الموفق، وإذا رغب الشيطان في إغرائك بالشر أو حملك على المعصية، فتحصّن بالله والجأ إليه لحمايتك من وسوسة الشيطان، إنه سبحانه سميع لكل دعاء، عليم بجميع عباده.
المفردات :
أولياؤكم : نصراؤكم على الخير، وأعوانكم على الطاعة.
ولكم فيها : في الدار الآخرة.
ما تدعون : ما تطلبونه وتتمنونه، وهو افتعال من الدعاء بمعنى الطلب.
التفسيثر :
٣١- ﴿ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ﴾.
نحن نُصراؤكم على الخير، وأعوانكم على الاستقامة في الحياة الدنيا، إذ نثبتكم على الطاعة ونمنحكم التوفيق والهداية، ونحن نبشركم قرب رحيلكم إلى الآخرة بالجنة ونعيمها، ولكم في الجنة، ﴿ ما تشتهي أنفسكم... ﴾ ما تطلبه نفوسكم.
قال صلى الله عليه وسلم : " فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " ١. انظر سنن الترمذي، وصحيح مسلم عن أبي هريرة، كتاب الجنة، وصفة نعيمها، ولكم في الجنة ما تطلبونه، وما تدّعون، وتقولونه إنه لكم فهو لكم بحكم ربكم.
١ فيها ما لا عين رأت.
سبق تخريجه، انظر هامش (٦)..

تمهيد :
من شأن القرآن أن يوازن ويقارن بين حال الكافرين وحال المؤمنين، والآيات تعرض لوحة للمؤمنين الذين استقاموا على الإيمان والعمل الصالح، فالملائكة تنزل عليهم في الدنيا بالتوفيق والهداية والمعونة، وتنزل عليهم عند الموت تبشرهم بالجنة وتطمئنهم على أولادهم وأهلهم، وتذكر لهم أن الملائكة تتولى معونتهم في الدنيا وبشارتهم في الآخرة، ولهم في الجنة كلّ ما تشتهيه أنفسهم وكل ما يطلبونه، وهذا كرم وفضل من الله الغفور الرحيم، ثم تُبيّن فضل الدعوة إلى الله مع العمل الصالح، والانتساب بالقول والعمل لأمة الإسلام، ثم تُبيّن أن الحسنة والسيئة متفاوتتان، فعلينا ألا نقابل السيئة بالسيئة، بل نقابل الإساءة بالإحسان، فيتحول العدوّ إلى صديق مخلص، ولا يتحمّل ذلك إلا الصابر الموفق، وإذا رغب الشيطان في إغرائك بالشر أو حملك على المعصية، فتحصّن بالله والجأ إليه لحمايتك من وسوسة الشيطان، إنه سبحانه سميع لكل دعاء، عليم بجميع عباده.
المفردات :
نُزلا : النُّزل ما يقدم للضيف عند نزوله على المضيف، والمراد : رزق وضيافة مهيأة لكم.
التفسير :
٣٢-﴿ نزلا من غفور رحيم ﴾.
النُّزُل هو ما يُهيأ للضيف ليأكله حين نزوله.
والمعنى : إن هذا النعيم في الجنة جعله الله ثوابا ونعيما لكم، من غفور سابغ المغفرة، رحيم واسع الرحمة.
وقد وردت في القرآن الكريم آيات متعددة في وصف نعيم الجنة، وحورها وولدانها، وثمارها وأشجارها، وفاكهتها، وأنهارها، وعسلها، ولبنها، وظلالها، ومن أمثلة ذلك ما ورد في سورة الواقعة :
﴿ والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين * على سرر موضونة * متكئين عليها متقابلين * يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون * جزاء بما كانوا يعملون * لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما * وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين* في سدر مخضود * وطلح منضود* وظل ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة * وفرش مرفوعة * إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا * لأصحاب اليمين * ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين ﴾. ( الواقعة : ١٠-٤٠ ).
تمهيد :
من شأن القرآن أن يوازن ويقارن بين حال الكافرين وحال المؤمنين، والآيات تعرض لوحة للمؤمنين الذين استقاموا على الإيمان والعمل الصالح، فالملائكة تنزل عليهم في الدنيا بالتوفيق والهداية والمعونة، وتنزل عليهم عند الموت تبشرهم بالجنة وتطمئنهم على أولادهم وأهلهم، وتذكر لهم أن الملائكة تتولى معونتهم في الدنيا وبشارتهم في الآخرة، ولهم في الجنة كلّ ما تشتهيه أنفسهم وكل ما يطلبونه، وهذا كرم وفضل من الله الغفور الرحيم، ثم تُبيّن فضل الدعوة إلى الله مع العمل الصالح، والانتساب بالقول والعمل لأمة الإسلام، ثم تُبيّن أن الحسنة والسيئة متفاوتتان، فعلينا ألا نقابل السيئة بالسيئة، بل نقابل الإساءة بالإحسان، فيتحول العدوّ إلى صديق مخلص، ولا يتحمّل ذلك إلا الصابر الموفق، وإذا رغب الشيطان في إغرائك بالشر أو حملك على المعصية، فتحصّن بالله والجأ إليه لحمايتك من وسوسة الشيطان، إنه سبحانه سميع لكل دعاء، عليم بجميع عباده.
المفردات :
ومن أحسن قولا : لا يوجد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله.
التفسير :
٣٣-﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ﴾.
لا أحد أحسن قولا وأعظم منزلة ممن دعا غيره إلى طاعة الله تعالى، وإلى المحافظة على أداء ما كلّفه به، وهو في نفس الوقت يعلن عن إسلامه، ويوافق ظاهره باطنه، فلا يقول ذلك تباهيا ولا رياء، بل يقوله تعريفا بنفسه وبفضل الله عليه حين هداه إلى الإسلام.
وقيل : إن الآية نزلت في المؤذّنين، والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم، كما ورد في تفسير ابن كثير.
تمهيد :
من شأن القرآن أن يوازن ويقارن بين حال الكافرين وحال المؤمنين، والآيات تعرض لوحة للمؤمنين الذين استقاموا على الإيمان والعمل الصالح، فالملائكة تنزل عليهم في الدنيا بالتوفيق والهداية والمعونة، وتنزل عليهم عند الموت تبشرهم بالجنة وتطمئنهم على أولادهم وأهلهم، وتذكر لهم أن الملائكة تتولى معونتهم في الدنيا وبشارتهم في الآخرة، ولهم في الجنة كلّ ما تشتهيه أنفسهم وكل ما يطلبونه، وهذا كرم وفضل من الله الغفور الرحيم، ثم تُبيّن فضل الدعوة إلى الله مع العمل الصالح، والانتساب بالقول والعمل لأمة الإسلام، ثم تُبيّن أن الحسنة والسيئة متفاوتتان، فعلينا ألا نقابل السيئة بالسيئة، بل نقابل الإساءة بالإحسان، فيتحول العدوّ إلى صديق مخلص، ولا يتحمّل ذلك إلا الصابر الموفق، وإذا رغب الشيطان في إغرائك بالشر أو حملك على المعصية، فتحصّن بالله والجأ إليه لحمايتك من وسوسة الشيطان، إنه سبحانه سميع لكل دعاء، عليم بجميع عباده.
المفردات :
ولا تستوي الحسنة : في الجزاء مع السيئة.
ادفع بالتي هي أحسن : قابل السيئة بالتي هي أحسن في دفعها.
وليّ حميم : صديق مشفق.
التفسير :
٣٤-﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾.
الحسنة والسيئة متفاوتتان، فحاول أن تردّ على الإساءة بالإحسان، وعلى الغلظة بالملاينة، وعلى الفحش بالعلم والصبر، أو تقول له : إن كنت صادقا غفر الله لي، وإن كنت كاذبا غفر الله لك، إلى غير ذلك من الحكمة في مقابلة الناس ومعاملتهم، فإذا فعلت ذلك تحوّل العدوّ المشاقّ إلى صديق مشفق.
قال الشاعر :
إن العداوة تستحيل مودة بتدارك الهفوات بالحسنات.
وقيل : إن الآية نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان عدوّا مبينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسقط في الأسر قبيل الفتح، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم معاملته، وقال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " فتحول إلى صديق معين.
وينبغي أن نبحث عن الحكمة في تصرّفاتنا وأعمالنا، فمن الناس من لا تصلح معهم الملاينة، ولا يصلح معهم إلا المخاشنة، وفي مثل هؤلاء قال القرآن الكريم :﴿ وجزاء سيئةٍ سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله... ﴾. ( الشورى : ٤٠ ).
وقال تعالى :﴿ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق... ﴾. ( الشورى : ٤١، ٤٢ ).
تمهيد :
من شأن القرآن أن يوازن ويقارن بين حال الكافرين وحال المؤمنين، والآيات تعرض لوحة للمؤمنين الذين استقاموا على الإيمان والعمل الصالح، فالملائكة تنزل عليهم في الدنيا بالتوفيق والهداية والمعونة، وتنزل عليهم عند الموت تبشرهم بالجنة وتطمئنهم على أولادهم وأهلهم، وتذكر لهم أن الملائكة تتولى معونتهم في الدنيا وبشارتهم في الآخرة، ولهم في الجنة كلّ ما تشتهيه أنفسهم وكل ما يطلبونه، وهذا كرم وفضل من الله الغفور الرحيم، ثم تُبيّن فضل الدعوة إلى الله مع العمل الصالح، والانتساب بالقول والعمل لأمة الإسلام، ثم تُبيّن أن الحسنة والسيئة متفاوتتان، فعلينا ألا نقابل السيئة بالسيئة، بل نقابل الإساءة بالإحسان، فيتحول العدوّ إلى صديق مخلص، ولا يتحمّل ذلك إلا الصابر الموفق، وإذا رغب الشيطان في إغرائك بالشر أو حملك على المعصية، فتحصّن بالله والجأ إليه لحمايتك من وسوسة الشيطان، إنه سبحانه سميع لكل دعاء، عليم بجميع عباده.
المفردات :
وما يلقّاها : وما يتخلق بها.
التفسير :
٣٥- ﴿ وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ﴾.
وما يستطيع التخلّق بالأخلاق الكريمة، والصبر والمصابرة، واستخدام الحكمة والملاينة، إلا الذين صبروا وتمتعوا بالصبر والحلم وكظم الغيظ، وضبط النفس، والانتصار على الغضب، واعتبار الدنيا قليلة بالنسبة إلى ثواب الآخرة.
﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ﴾.
وما يؤتاها إلا ذو حظ عظيم من خصال الخير، وذو حظ عظيم من الثواب، حيث فوّت الفرصة على خصمه واستطاع أن ينزع فتيل الشرّ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان، حتى قيل :( عجبنا لما يشتري العبيد بماله، لم لا يشتري الأحرار بحسن فعاله ).
وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تواضع أحد لله إلا رفعه، وما نقص مال عبد من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، فاعفوا يعزكم الله " ١
١ ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو:
رواه مسلم في البر والصلة (٢٥٨٨)، والترمذي في البر والصلة (٢٠٢٩)، وأحمد (٧١٦٥، ٨٧٨٢)، والدارمي في الزكاة (١٦٧٦) من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح..

تمهيد :
من شأن القرآن أن يوازن ويقارن بين حال الكافرين وحال المؤمنين، والآيات تعرض لوحة للمؤمنين الذين استقاموا على الإيمان والعمل الصالح، فالملائكة تنزل عليهم في الدنيا بالتوفيق والهداية والمعونة، وتنزل عليهم عند الموت تبشرهم بالجنة وتطمئنهم على أولادهم وأهلهم، وتذكر لهم أن الملائكة تتولى معونتهم في الدنيا وبشارتهم في الآخرة، ولهم في الجنة كلّ ما تشتهيه أنفسهم وكل ما يطلبونه، وهذا كرم وفضل من الله الغفور الرحيم، ثم تُبيّن فضل الدعوة إلى الله مع العمل الصالح، والانتساب بالقول والعمل لأمة الإسلام، ثم تُبيّن أن الحسنة والسيئة متفاوتتان، فعلينا ألا نقابل السيئة بالسيئة، بل نقابل الإساءة بالإحسان، فيتحول العدوّ إلى صديق مخلص، ولا يتحمّل ذلك إلا الصابر الموفق، وإذا رغب الشيطان في إغرائك بالشر أو حملك على المعصية، فتحصّن بالله والجأ إليه لحمايتك من وسوسة الشيطان، إنه سبحانه سميع لكل دعاء، عليم بجميع عباده.
المفردات :
وإما ينزغنك : النزغ والنخس والغرز واحد، وهو إدخال الإبرة في الجلد، والمراد بها هنا : وسوسة الشيطان وكيده للإنسان.
فاستعذ بالله : فالتجئ إلى حماه، واستجر به من كيد الشيطان.
التفسير :
٣٦- ﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ﴾.
إذا حاول الشيطان استثارتك وهيّجك لتنتقم لنفسك، أو حاول تحريك الغضب والحميّة فيك لتقابل الإساءة بمثلها، ولتردّ على السيئة بالانتقام والكيد، فالجأ إلى الله وتحصن به، فهو سميع لدعائك، عليم بالنفس البشرية وخفاياها وشئونها، وهو سبحانه يجعلك عبدا ربانيّا، ترى بنور الله وهدايته وبصيرته ومعونته، ويجعل لك في الظلام نورا، وفي الشدة فرجا.
قال تعالى :﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ﴾. ( الطلاق : ٣، ٢ ).
من دلائل القدرة الإلهية.
﴿ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ٣٧ فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون ٣٨ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير٣٩ ﴾
المفردات :
ومن آياته : ومن البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته.
الذي خلقهن : خلق الآيات الأربع وما سواها.
تمهيد :
بعد بيان أحسن الأعمال والأقوال وهو الدعوة إلى الله تعالى، تحدث عن دلائل القدرة الإلهية وآياتها في الليل والنهار والشمس والقمر، وخشوع الأرض ثم اهتزازها وانتفاخها بالنبات، ومن أحيا الأرض بالمطر قادر على إحياء الإنسان بعد الموت.
التفسير :
٣٧-﴿ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ﴾.
ومن دلائل قدرة الله تعالى هذه المخلوقات، فالليل ظلام وراحة وهدوء ونوم، والنهار حركة ونشاط وعمل وسعي، والشمس في حركتها وسعيها من الشروق إلى الغروب، ولها منازل متعددة يترتب عليها الفصول الأربعة : الشتاء، والربيع، والصيف، والخريف. والقمر وأنواره الخافتة وتدرجه من الصغر إلى الكبر، ثم يعود صغيرا في آخر الشهر، ليعرف الناس عدد الشهور والحساب، وقد عبد الناس الشمس والقمر تقربا لله الخالق، فبيّن القرآن أن العبادة لا تكون إلا لله وحده، لأنه هو الخالق القاهر الباسط الرافع، ولا يجوز أن يسجد الإنسان للمخلوق ويترك الخالق المستحق وحده للعبادة.
وفي سورة ( النمل ) نجد جانبا من قصة سليمان، وعرضا لقصة الهدهد الذي أحاط بمملكة سبأ، ورأى بلقيس ملكة سبأ تسجد هي وقومها للشمس من دون الله، واعترض الهدهد على ذلك وتمنّى أن يسجد هؤلاء جميعا لله الذي خلق الشمس، وهو سبحانه الذي ينبت النبات، ويعلم كل شيء في هذا الكون.
قال تعالى على لسان الهدهد :﴿ إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ﴾ ( النمل : ٢٣-٢٦ ).
كما تحدث القرآن عن حركة الشمس والقمر في سورة ( يس )، وأنّهما يتحركان بتقدير الله، ولكل منهما مجال لا يتعداه.
قال تعالى :﴿ والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾ ( يس : ٣٨-٤٠ ).
من أجل بيان ذلك رأينا القرآن هنا يقول :﴿ لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ﴾.
وفيه رد على الصابئة الذين عبدوا الكواكب، ورد على عبدة الشمس الذين زعموا أنهم يقصدون بالسجود للشمس أو القمر السجود لله فنُهوا عن ذلك ؛ أي : لا تسجدوا لهذه الأسباب الظاهرة مثل الشمس والقمر، واسجدوا لله الخالق الذي خلق الشمس والقمر والليل والنهار، وبيده وحده الخلق والأمر، إن كنتم تريدون العبادة الحق فاتجهوا بها إلى الله وحده لا شريك له.
وهذه الآية موضع سجدة، لكن بعض الفقهاء أوجب السجدة عند نهاية الآية في كلمة :﴿ تعبدون ﴾. وبعضهم أوجب السجدة عند نهاية الآية التي تليها في قوله :﴿ وهم لا يسئمون ﴾. لأن الكلام يتم عندها، واختلف النقل عند الصحابة على هذا النحو، وقال ابن العربي : والأمر قريب.
تمهيد :
بعد بيان أحسن الأعمال والأقوال وهو الدعوة إلى الله تعالى، تحدث عن دلائل القدرة الإلهية وآياتها في الليل والنهار والشمس والقمر، وخشوع الأرض ثم اهتزازها وانتفاخها بالنبات، ومن أحيا الأرض بالمطر قادر على إحياء الإنسان بعد الموت.
المفردات :
فالذين عند ربك : الملائكة.
بالليل والنهار : المقصود بهما الدوام، أي : يصلّون له دائما.
وهم لا يسأمون : لا يملّون.
التفسير :
٣٨- ﴿ فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون ﴾.
أي : إن استكبر المشركون عن عبادة الله وحده، أو تكبّر عبدة الكواكب والشمس والقمر عن طاعتك أيها الرسول ؛ فلا تأبه بهم فالله غني عنهم، فالملائكة المكرمون خاضعون لقدرة الله، ملازمون لعبادته بالليل والنهار، ولا يملّون ولا يسأمون من عبادة الله تعالى.
كما قال سبحانه وتعالى :﴿ فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ﴾. ( الأنعام : ٨٩ ).
تمهيد :
بعد بيان أحسن الأعمال والأقوال وهو الدعوة إلى الله تعالى، تحدث عن دلائل القدرة الإلهية وآياتها في الليل والنهار والشمس والقمر، وخشوع الأرض ثم اهتزازها وانتفاخها بالنبات، ومن أحيا الأرض بالمطر قادر على إحياء الإنسان بعد الموت.
المفردات :
خاشعة : جامدة يابسة لا نبات فيها، وأصل الخشوع التذلل، استعير لحال الأرض الجدبة اليابسة.
اهتزت : تحركت بالنبات.
ربت : انتفخت وعلت بالنّبات.
إنه على كل شيء قدير : من الإحياء والإماتة.
التفسير :
٣٩-﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾.
ومن دلائل قدرة الله تعالى أنك أيها المخاطب ترى الأرض هامدة خاشعة لا نبات بها ولا زرع ولا ماء، فإذا ساق الله إليها الماء وبثّ الزّارع فيها الزرع، واختلط الزرع بالتراب والماء، نبت الزرع ونما واهتزت به الأرض وتحركت، وزادت وربت، ودبت فيها الحياة، وكما أحيا الله الأرض بعد موتها، كذلك يبعث الموتى يوم القيامة بقدرته.
﴿ إنه على كل شيء قدير ﴾. فهو سبحانه قادر على البعث والنشر والحشر، والحساب والجزاء.
قال تعالى :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده... ﴾ ( الأنبياء : ١٠٤ ).
وقال سبحانه وتعالى :﴿ وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾. ( الروم : ٢٧ ).
القرآن هدى وشفاء
﴿ إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ٤٠ إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز ٤١ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ٤٢ ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ٤٣ ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى وأولئك ينادون من مكان بعيد ٤٤ ولقد آيتنا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ٤٥ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ٤٦* ﴾
المفردات :
يلحدون في آياتنا : يميلون عن الحق فيها، والإلحاد : الميل والعدول، ومنه اللحد في القبر لأنه أميل إلى ناحية منه دون الأخرى.
آياتنا : القرآن.
لا يخفون علينا : نحن نراهم، ونعد لهم الجزاء المناسب.
اعملوا ما شئتم : جملة للتهديد والوعيد، أي : اكفروا وألحدوا واتبعوا أهواءكم فأنا مطلع محاسب، وسوف ترون عقوبة عملكم.
التفسير :
٤٠-﴿ إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ﴾.
وقف الكفّار موقف المعارضة من القرآن والإسلام، وقابلوا تلاوة القرآن بالصفير والتصفيق، والقرآن هنا يتهددهم ويتوعدهم، فهم تحت المجهر.
إنهم ملحدون يميلون بالقرآن عن ظاهره، ويؤوِّلون القرآن تأويلا يناسب عقيدتهم الفاسدة، وهم تحت عين الله وبصره معلومون، وستكون عاقبتهم في جهنم، وشتان بين كافر يلقى في النار مثل أبي جهل، ومسلم يدخل الجنة مع الأمن والأمان، مثل عمّار بن ياسر، وأبيه وأمّه، ذلك الرجل الذي اشتد به العذاب، فقال كلمة أرضى بها كفار مكة ؛ فقال المؤمنون : صبأ عمار، فقال صلى الله عليه وسلم : " إن عمار ملئ إيمانا " ١.
أخرج ابن المنذر، عن بشير بن فتح قال : نزلت هذه الآية في أبي جهل وعمار بن ياسر :﴿ أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة... ﴾
ثم توعد القرآن وتهدد الملحدين الطاعنين في القرآن، فقال :﴿ اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ﴾.
أي : قاوموا القرآن، أو افعلوا أي سبيل يروق لكم في معارضة القرآن، فأنتم تحت سمعي وبصري، وستلقون جزاءكم عندما تُردُّون إليّ، وما أهول أن يكون العبد تحت سمع الله وبصره، ثم هو يعارض القرآن ويصفّق ويصفّر عند تلاوته.
فكأن القرآن يقول : افعلوا ما بدا لكم، فالله مطلع على أعمالكم وسيوفيكم جزاءكم.
١ ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه:
رواه ابن ماجة في المقدمة (١٤٧) من حديث علي، ورواه النسائي في الإيمان (٥٠٠٧) من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال المناوي في " الفيض " وفيه أحمد بن المقدام أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: ثقة صاحب مزاح، ورواه عنه أيضا أبو يعلى، والديلمي، وفي الباب عن عائشة..

المفردات :
كفروا بالذكر : كفروا بالقرآن، والقرآن فيه ذكر لله، وفيه ذكر للتشريع والأخبار السابقة واللاحقة، وهو شرف ورفعة للعرب.
كتاب عزيز : كريم على الله، لا تتأتى معارضته.
لا يأتيه الباطل من بين يديه : لا يأتيه الباطل من جميع جهاته.
حكيم : يضع الشيء في موضعه.
حميد : محمود على أفضاله وأفعاله.
٤١-٤٢ –﴿ إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ﴾.
ما أعجب هذا القرآن، اشتمل على الوحي والهداية وألوان البيان، وأخبار الأمم السابقة، وأخبار الرسل والأنبياء، وأخبار القيامة والحساب والجزاء، والجنة والنار، ومع اشتماله على هذه المعاني الجميلة فقد كفر به كفار مكة، وقابلوه بالإعراض والكنود والرفض، وقد جاء إليهم وهم مرتاحون في بيوتهم، يقدم لهم أفضل الطرق وأقومها.
قال تعالى :﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ﴾. ( الإسراء : ٩ ).
وخبر إن محذوف تقديره : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم خاسرون، أو هالكون، حيث قابلوا هداية القرآن بالكفر والتكذيب.
﴿ وإنه لكتاب عزيز ﴾.
مشتمل على أسباب العزة والمنعة، لا تتأتّى معارضته، ولا يأتيه الباطل من جميع جهاته : لغة، وعقيدة، وتشريعا، قصصا، وانسجاما، وترتيلا، فهو في هذا قمة لا ترام ولا تنال.
﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه... ﴾.
لا يتطرق إليه الباطل، أو ليس لأحد من أي جهة من جهاته، أو جانب من جوانبه، ولا يكذبه كتاب سابق قبله، ولا لاحق بعده.
قال ابن كثير : أي : ليس للبطلان إليه سبيل، لأنه منزل من رب العالمين. ا ه.
لقد تكفل الله بحفظه من الزيادة والنقصان، ومن كل باطل أو بهتان.
قال تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾. ( الحجر : ٩ ).
﴿ تنزيل من حكيم حميد ﴾.
أنزله إله بالغ الحكمة في أقواله وأفعاله، سابغ النعم والفضل على عباده، حيث أنزل عليهم آخر كتبه مشتملا على التشريع والهداية، وألوان الأدب والقصص والتاريخ، وسنن الله في الكون، ومشاهد القيامة وما يتصل بها من بعث وحشر، وحساب وجنة ونار، وثواب وعقاب، فلله الفضل والمنة، والحمد والشكر، فهو الحكيم حكمة مطلقة، والمحمود على سائر نعمه، وإنزال كتبه وهداية خلقه، ولله تعالى الفضل والمنة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:
المفردات :

كفروا بالذكر : كفروا بالقرآن، والقرآن فيه ذكر لله، وفيه ذكر للتشريع والأخبار السابقة واللاحقة، وهو شرف ورفعة للعرب.
كتاب عزيز : كريم على الله، لا تتأتى معارضته.
لا يأتيه الباطل من بين يديه : لا يأتيه الباطل من جميع جهاته.
حكيم : يضع الشيء في موضعه.
حميد : محمود على أفضاله وأفعاله.

٤١-
٤٢ –﴿ إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ﴾.
ما أعجب هذا القرآن، اشتمل على الوحي والهداية وألوان البيان، وأخبار الأمم السابقة، وأخبار الرسل والأنبياء، وأخبار القيامة والحساب والجزاء، والجنة والنار، ومع اشتماله على هذه المعاني الجميلة فقد كفر به كفار مكة، وقابلوه بالإعراض والكنود والرفض، وقد جاء إليهم وهم مرتاحون في بيوتهم، يقدم لهم أفضل الطرق وأقومها.
قال تعالى :﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ﴾. ( الإسراء : ٩ ).
وخبر إن محذوف تقديره : إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم خاسرون، أو هالكون، حيث قابلوا هداية القرآن بالكفر والتكذيب.
﴿ وإنه لكتاب عزيز ﴾.
مشتمل على أسباب العزة والمنعة، لا تتأتّى معارضته، ولا يأتيه الباطل من جميع جهاته : لغة، وعقيدة، وتشريعا، قصصا، وانسجاما، وترتيلا، فهو في هذا قمة لا ترام ولا تنال.
﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه... ﴾.
لا يتطرق إليه الباطل، أو ليس لأحد من أي جهة من جهاته، أو جانب من جوانبه، ولا يكذبه كتاب سابق قبله، ولا لاحق بعده.
قال ابن كثير : أي : ليس للبطلان إليه سبيل، لأنه منزل من رب العالمين. ا ه.
لقد تكفل الله بحفظه من الزيادة والنقصان، ومن كل باطل أو بهتان.
قال تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾. ( الحجر : ٩ ).
﴿ تنزيل من حكيم حميد ﴾.
أنزله إله بالغ الحكمة في أقواله وأفعاله، سابغ النعم والفضل على عباده، حيث أنزل عليهم آخر كتبه مشتملا على التشريع والهداية، وألوان الأدب والقصص والتاريخ، وسنن الله في الكون، ومشاهد القيامة وما يتصل بها من بعث وحشر، وحساب وجنة ونار، وثواب وعقاب، فلله الفضل والمنة، والحمد والشكر، فهو الحكيم حكمة مطلقة، والمحمود على سائر نعمه، وإنزال كتبه وهداية خلقه، ولله تعالى الفضل والمنة.

٤٣- ﴿ ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ﴾.
تأتي هذه الآية في مواساة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتسليته ليصبر على أذى قومه، لقد قال قومك عنك : إنك ساحر، وقالوا : شاعر، وقالوا : أساطير الأولين اكتتبها، وغير ذلك، ومن قبلك قال الكافرون للرسل :﴿ لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا... ﴾ ( إبراهيم : ١٣ ).
ووقف الكفار موقفا مشابها في تكذيب الرّسل ورفض دعوتهم، وقذفهم بالتهم المختلفة المختَلَقَة، فاصبر، والله ذو مغفرة واسعة للمؤمنين، وذو عقاب للكافرين، فبيده سبحانه وتعالى الجزاء العادل، والفضل الواسع لمن آمن، والعقوبة الرادعة لمن كفر.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ﴾. ( الذاريات : ٥٢ ).
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيب قال : لما نزلت هذه الآية :﴿ إن ربك لذو مغفرة... ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا عفو الله وتجاوزه ما هنّأ أحدا العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد ".
المفردات :
أعجميا : بلغة العجم.
لولا فصلت آياته : هلا بُينت بلسان نفقهه.
أأعجمي وعربي : أيصح أن يأتينا كتاب أعجمي والمخاطب به عربي، والعرب يقولون عمن يخالف لغتهم : أعجمي.
في آذانهم وقر : صم فلا يسمعونه.
وهو عليهم عمى : فلا يبصرون هداه.
أولئك ينادون من مكان بعيد : هؤلاء كأنما ينادون من مكان بعيد فلا يسمعون لبعده، فاختلف فيه بالتصديق والتكذيب.
التفسير :
٤٤-﴿ ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى وأولئك ينادون من مكان بعيد ﴾.
دخل القرآن على المشركين من كل باب، وحاكمهم إلى الحسّ، وقص عليهم القصص، ولفت أنظارهم إلى الكون وجماله، وشخّص القيامة وأهوالها كأنها حاضرة أمامهم، ومع ذلك قالوا :﴿ قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب... ﴾ ( فصلت : ٥ ). فنحن لا نفقه القرآن ولا نسمع إليه، ولا ننظر في أدلته.
وهنا يقول لهم القرآن : لو كان القرآن بلغة العجم – أي : ليس بلغة العرب – لقلتم : هلا فُسّرت آياته، ووُضّحت كلماته بلغة عربية، أيجوز أن ينزل قرآن أعجمي على رسول عربي، والمرسل إليهم عرب ؟
والمقصود : لو كان أعجميا لجاز أن تقولوا :﴿ قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب... ﴾ ( فصلت : ٥ )، أما والقرآن عربي مبين، فالحجاب سببه انشغال قلوبكم بالدنيا، وإعراضكم عن الهدى، وانصرافكم عن الرسالة النافعة.
﴿ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء... ﴾.
قل للمؤمنين مصدر هداية لأنفسهم، وشفاء لأسقامهم، حيث يأخذ بأيديهم إلى الإيمان ويزيدهم إيمانا إلى إيمانهم، ويقينا بالله إلى يقينهم، ويعلمهم ما ينفعهم، ويزيدهم علما ومعرفة.
﴿ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى... ﴾.
أما الكافر الذي أصمّ أذنه عن سماع آيات الله، فهو لذلك لا يسمع، وإذا سمع لا ينصت، وإذا أنصت ظاهرا انصرف بقلبه باطنا، فكأنه سمع بأذنه ولم يهتد بقلبه، لقد عميت قلوبهم عن هداية القرآن، لذلك لم تبصر عيونهم جمال أسلوبه، ولا فصاحة كلماته، ولا رونقه وبيانه وهدايته، كأنّ القرآن يناديهم من مكان بعيد، لا يسمعونه ولا يفقهونه ولا يتبينون مراده.
قال القرطبي :
قوله تعالى :﴿ أولئك ينادون من مكان بعيد ﴾.
يقال ذلك لمن لا يفهم من التمثيل، وحكى اهل اللغة أنه يقال للذي يفهم : أنت تسمع من قريب، ويقال للذي لا يفهم : أنت تنادَى من بعيد، أي كأنه ينادَى بعيد منه، فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه.
وقال الضحاك :
ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم، من مكان بعيد، فيكون ذلك أشدّ لتوبيخهم وفضيحتهم. ا ه.
ومن يتدبّر هذه الآية الكريمة يشاهد مصداقها في كل زمان ومكان، فهناك من ينتفع بهذا القرآن قراءة وسماعا وتطبيقا، وهناك من يستمع إلى هذا القرآن فلا يزيده السماع إلا إعراضا وبعدا وصمما وتشاغلا.
قال تعالى :﴿ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ﴾. ( التوبة : ١٢٥ ).
المفردات :
لفي شك منه مريب : لفي شك يقضي الإضطراب والقلق.
التفسير :
٤٥-﴿ ولقد آيتنا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ﴾.
تأتي هذه الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم على تكذيب قومه له، كما قال سبحانه :﴿ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل... ﴾( الأحقاف : ٣٥ ).
والمعنى :
أعطينا موسى التوراة فآمن فريق بها وكذّبها فريق، كما فعل قومك مع القرآن، ولولا أن الله جلّت حكمته قد قضى بأن يمهل الناس ويعطيهم فرصة كافية لاستخدام عقولهم، وتسخير مواهبهم، واستعادة تفكيرهم، لعلّهم أن يتوبوا ويراجعوا ضمائرهم، فيستغفروا ويتوبوا ويرجعوا إلى ربهم، وإلى الإيمان بكتبه المنزّلة، لولا ذلك لقضي بينهم في الدنيا بعذاب الاستئصال.
قال تعالى :﴿ وربك الغفور ذو الرحمة لم يؤاخذكم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ﴾. ( الكهف : ٥٨ ).
وقال سبحانه :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى... ﴾. ( فاطر : ٤٥ ).
﴿ وإنهم لفي شك منه مريب ﴾.
أي : إن قومك من كفار مكة في شك وتوجُّس وخوف من هذا القرآن، مُوقع لهم في أشد الريبة والاضطراب، حيث كان أغنياء مكة يستمتعون بالمال والخمر والغناء والقيان، ويرون أنهم من جنس أفضل قدرا، وأعلى منزلة من الفقراء والعبيد.
وكان القرآن يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر، ويبيّن أن الناس جميعا من آدم، وهم يتفاضلون عند الله بالتقوى والأعمال الصالحة، كم حرّم القرآن الخمر والميسر والزنا والفواحش، وحثّ على الصدقة والإحسان وإكرام اليتيم ومساعدة الضُّعفاء والمحتاجين.
ومن أجل ذلك توجَّس الكفار شرّا من هذا القرآن، وخافوا من بلاغته وصولته، وحاولوا أن يكتموا صوته، وهذا الشك أوقعهم في اتهام القرآن والخوف منه، لذلك سمّاه الله شكا مريبا، أي : شكا مركبا بالغ الاتهام.
جاء في التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي :
﴿ وإنهم لفي شك منه مريب ﴾. أي : وإن كفار قومك لفي شك من القرآن، موقع في الريبة والقلق، فما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا، بل كانوا شاكّين فيما قالوه، غير متحققين لشيء كانوا فيه. ١
١ التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، الجزء ٢٤ ص ٢٤٩..
٤٦- ﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ﴾.
من عمل عملا صالحا في هذه الدنيا فنفع ذلك يعود على نفسه، حيث سيستوفى الجزاء في الدنيا والآخرة، فمن آمن بكتاب الله وأحسن تلاوته والانتفاع به، هداه ذلك إلى أحسن السلوك، وفعل الخير، وجنى الثواب النافع في الدنيا والآخرة.
﴿ ومن أساء فعليها... ﴾ ومن كفر بالله ولم يستمع لكتاب الله، ولا لرسالات السماء، وجحد الحق، فقد جنى على نفسه، وعرّض نفسه لغضب الله في الدنيا وعذاب النار في الآخرة.
﴿ وما ربك بظلام للعبيد ﴾.
﴿ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ﴾. ( يونس : ٤٤ ).
فالله تعالى عادل تمام العدل في حكمه، يكافئ على الحسنة بعشر أمثالها أو يزيد، ويكافئ على السيئة بمثلها أو يغفر لصاحبها إذا تاب، وقد ورد في القرآن والسنة تكريرا هذا المعنى، فالله عادل وكريم.
قال تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة ٧، ٨ ).
وقال تعالى :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى ﴾. ( النجم : ٣٩-٤١ ).
والآية – كما ترى – ميزان عادل، ودعوة للخير، وتحذير من الشرّ، فالجزاء من جنس العمل، فالمحسن يحسن إلى نفسه، والمسيء يسئ إلى نفسه، ولا يُعذِّبُ الله أحدا بعد بيان الحجة له، وإرسال الرسل لهدايته، وإنزال الكتب لشرح الرسالة وتوضيح الحقائق والبينات، وتوضيح ألوان الهداية وسبل الرشاد، فمن اهتدى وعمل صالحا فسيجنى ثوابا لنفسه، ومن ضل وغوي فسيحصد عقابا عادلا بذنبه.
﴿ وما ربك بظلام للعبيد ﴾.
فحشاه أن يظلم أحدا.
ذكر المفسرون هنا ما يأتي :
لفظة :﴿ ظلّام ﴾ صيغة مبالغة، ومعلوم أن نفي المبالغة لا يستلزم نفي أصل الفعل، فقولك : زيد ليس بقتّال للرجال، معناها : أنه ليس بكثير القتل للرجال، أي أنه ربما قتل بعض الرجال، ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة – وهي لفظ :﴿ ظلاّم ﴾ – في هذه الآية وأمثالها، المراد به نفى الظلم من أصله، وقد أجابوا عن هذا الإشكال بإجابات منها :
أن نفي صيغة المبالغة هنا قد جاء في آيات كثيرة ما يدل على أن المراد به نفى الظلم من أصله، ومن ذلك قوله تعالى :﴿ ولا يظلم ربك أحدا... ﴾ ( الكهف : ٤٩ ).
وقوله تعالى :﴿ إن الله لا يظلم الناس شيئا... ﴾ ( يونس : ٤٤ ).
وقوله تعالى :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة... ﴾ ( النساء : ٤٠ ).
ومنها أن المراد بالنفي في الآية نفى نسبة الظلم إليه ؛ لأن صيغة ( فعّال ) تستعمل مرادا بها النسبة، فتغنى عن ياء النسب، مثل قولهم ( لبّان ) أي : ذو لبن، ( تمّار ) أي صاحب تمر، ومثل ( عطّار ) و ( بخّار ).
وفي الحديث القدسي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ".
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
***
سعة علم الله، وختام سورة فصلت

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ ( ٤٧ ) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٤٨ ) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ( ٤٩ ) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ( ٥٠ ) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ( ٥١ ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( ٥٢ ) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ٥٣ ) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ( ٥٤ ) ﴾
المفردات :
أكمامها : جمع كم- بكسر الكاف- وهو الوعاء الذي تكون الثمرة بداخله.
آذناك : أعلمناك وأسمعناك.
ما منا من شهيد : ليس منا من يشهد بأن لك شريكا.
التفسير :
٤٧- ﴿ إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد ﴾.
أخفى الله علم يوم القيامة عن خلقه، وقال تعالى :﴿ إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ﴾. ( طه : ١٥ ).
وقال سبحانه :﴿ يسألونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها * إنما أنت منذر من يخشاها * كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ﴾. ( النازعات : ٤٢-٤٦ ).
والآية في مجملها تشير إلى علم الله الواسع الممتد، الذي يحيط علما بكل شيء، فهو سبحانه العليم بوقت مجيء القيامة، وعلمه ممتد شامل لجميع الثمرات داخل أوعيتها، وعلمه ممتد شامل لكل أنثى يستقر في بطنها حمل، ولكل والدة تضع ولدها، إن هذا العلم الشامل المحيط الكبير الممتد الذي يحيط بالدنيا والآخرة، والمبدأ والميعاد، والحاضر والغائب، والخفي والظاهر، والغيب والشهادة، كل ذلك خاص بالله وحده مشتمل على معرفة ما يأتي : ١- وقت مجيء يوم القيامة.
٢- معرفة الثمار المختبئة في أوعيتها قبل أن تنشق عنها.
٣- حمل كل أنثى، ومعرفة كل جنين ومستقبله.
٤- ولادة كل والدة.
فهو المحيط بما خفي من شئون الدنيا والآخرة، لأنه سبحانه أحاط بكل شيء علما، وفي يوم القيامة ينادي المشركين ويسألهم سؤال توبيخ وتقريع : أين الشركاء الذين عبدتموهم من دوني ؟ أين صولتهم ودولتهم وملكهم في يوم لا مالك فيه إلا الله ؟
فيقول الكفار : أعلمناك وأخبرناك، وشهدنا شهادة جهيرة عالية الصوت، ليس منا من أحد يشهد بأن لك شريكا، لقد أيقن الجميع بالحق، وشهدوا لله بالوحدانية، وأيقنوا بأن الملك لله وحده، وليس بينهم من أحد يشهد بأن لله سبحانه شريكا أو نظيرا أو مثيلا.
قال المفسرون :
لما عاينوا القيامة تبرأوا من الأصنام، وتبرأت الأصنام منهم، وأعلنوا إيمانهم وتوحيدهم في وقت لا ينفع فيه إيمان.
المفردات :
ظنوا : أيقنوا.
محيص : مهرب.
التفسير :
٤٨- ﴿ وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص ﴾.
لم يجد المشركون أثرا ولا نفعا ولا وجودا نافعا للأصنام والأوثان التي عبدوها في دنياهم، وظنوا أنها تقربهم إلى الله، لقد غاب عنهم نفع الأصنام، وتيقنوا ألا نفع لها، كما أيقنوا أنهم داخلون في عذاب جهنم، وليس لهم ملجأ ولا مهرب من عذاب الله ونكاله.
المفردات :
لا يسأم : لا يمل.
الخير : النعيم، كالمال والصحة والولد.
الشر : كل ضيق، كالفقر والمرض وعدم الإنجاب.
اليأس : فقد الرجاء في الظفر بالشيء.
القنوط : يأس مفرط يظهر أثره على المرء، فينكسر ويتضاءل.
التفسير :
٤٩- ﴿ لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ﴾.
الكافر يرى أن الدنيا كل همه، فهو حريص جدا على الخير، بمعنى المال والجاه والسلطة، وكل ما يتصل بذلك من ألوان النعيم التي يحرص عليها، ولا يمل من طلبها، وإذا أظلمت الدنيا وقل المال أو الجاه، أو أصابه المرض أو الشر أو العسر ؛ أصابه اليأس والقنوط والانكسار، وظهر ذلك في وجهه لأنه لا يعرف معنى اليقين والأمل في الله، والصبر على البلاء، والرضا بأحكام القضاء.
قال المفسرون :
نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة، وقيل : في عتبة بن ربيعة، وعموما فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ملحوظة :
في الآية ٤٩ من سورة فصلت :
﴿ لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ﴾.
وفي الآية ٥١ من نفس السورة :
﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ﴾.
ولا منافاة بين قوله تعالى :﴿ فيئوس قنوط ﴾.
وبين قوله تعالى :﴿ فذو دعاء عريض ﴾.
مع أن كلا القولين عند مس الشر، لأن الأول في قوم، والثاني في قوم آخرين، أو يئوس قنوط بالقلب، وذو دعاء عريض باللسان، إن حالة الكافر أو العاصي تتلخص في حب المال، واليأس والقنوط من ذهاب النعمة، ولذلك فهو يتشبث بالدعاء العريض الكثير لترد عليه النعمة، أما المؤمن فعنده يقين بالله، إذا جاءت النعمة شكر الله وأنفق النعمة في وجوه الخير، وإذا جاءت الشدة صبر واحتسب ثوابه عند الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته نعماء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )١.
المفردات :
الحسنى : الجنة.
عذاب غليظ : بالغ الغاية في الشدة والإحاطة بهم من كل جانب، فهو كالوثاق الغليظ الذي لا يمكن للإنسان أن يخرج منه.
التفسير :
٥٠- ﴿ ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ ﴾.
إذا جاءت للإنسان النعمة والمال والجاه، وغير ذلك من آثار رحمة الله، بأن فرج الله عنه الضر أو الفقر أو المرض، وكساه ثوب الغنى أو العافية ؛ لم يشكر صاحب الرحمة والفضل، بل نسب النعمة إلى نفسه، أي أنه خبير بأسباب النعمة، جدير بأن تأتي إليه، كما قال قارون :﴿ إنما أوتيته على علم عندي... ﴾ ( القصص : ٧٨ ).
فهذا الإنسان الكافر الجاحد يرى أن النعمة من كده، ومن عمل يمينه، ثم ينكر البعث والحشر والجزاء والعقاب في الآخرة، فيقول :
﴿ وما أظن الساعة قائمة... ﴾
لا أعتقد بمجيء القيامة، وإنما هي أرحام تدفع وقبور تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر، وليس هناك حساب ولا جزاء، ولا حياة سوى الحياة الدنيا، ولو سلمنا جدلا أن القيامة ستقوم -كما يذكر أتباع محمد- فسأكون في الآخرة أحسن حظا، وأفضل حالا لاستحقاقي للخير في الدنيا وفي الآخرة، فإذا بعثت في الآخرة فسيكون مآلي الجنة ونعيمها.
﴿ فلننبئن الذين كفروا بما عملوا... ﴾
فوالله لنخبرنهم بحقيقة أعمالهم، ولنخبرنهم بجحودهم وكنودهم وكفرهم، واستحقاقهم للعذاب والعقاب.
﴿ ولنذيقنهم من عذاب غليظ ﴾.
ولنحرقنهم بنار جهنم في عذاب غليظ لا يمكنهم تركه ولا الفكاك منه، لإحاطته بهم من كل جانب، فهو كالوثاق الغليظ الذي لا يمكن للإنسان أن يخرج منه.
المفردات :
ونأى بجانبه : تباعد عن دعاء الله وذكره، كناية عن الانحراف والتكبر والصلف.
ذو دعاء عريض : كثير مستمر، مستعار مما له عرض متسع، إشارة إلى كثرته.
التفسير :
٥١- ﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ﴾.
من طبيعة الإنسان أنه إذا كثرت عليه النعمة والرخاء، والمال والجاه والسلطان ؛ استمتع بالنعمة، وأغراه الجاه والسلطان، واستغنى عن دعاء الله والتضرع إليه، وأعرض عن الله مسرفا على نفسه بالمعاصي.
قال تعالى :﴿ كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ﴾. ( العلق : ٦، ٧ ).
وإذا تغير الحال وافتقر بعد الغنى، أو مرض بعد الصحة، أو ذل بعد الرفعة : اجتهد في الدعاء، وأكثر من الرجاء، فلا يعرف الله في حال النعمة بالشكر والحمد، بل يقابل النعمة بالإعراض عن الله، والانحراف عن الجادة، فإذا أصابه الشر والفقر والمرض والذل ؛ عرف باب الله في دعاء عريض كثير.
قال الرازي في تفسيره الكبير :
استعير العرض لكثرة الدعاء، كما استعير الغلظ لشدة العذاب.
ملحوظة :
في الآية ٤٩ من سورة فصلت :
﴿ لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ﴾.
وفي الآية ٥١ من نفس السورة :
﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ﴾.
ولا منافاة بين قوله تعالى :﴿ فيئوس قنوط ﴾.
وبين قوله تعالى :﴿ فذو دعاء عريض ﴾.
مع أن كلا القولين عند مس الشر، لأن الأول في قوم، والثاني في قوم آخرين، أو يئوس قنوط بالقلب، وذو دعاء عريض باللسان، إن حالة الكافر أو العاصي تتلخص في حب المال، واليأس والقنوط من ذهاب النعمة، ولذلك فهو يتشبث بالدعاء العريض الكثير لترد عليه النعمة، أما المؤمن فعنده يقين بالله، إذا جاءت النعمة شكر الله وأنفق النعمة في وجوه الخير، وإذا جاءت الشدة صبر واحتسب ثوابه عند الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته نعماء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )٢.
المفردات :
شقاق بعيد : خلاف بعيد عن الحق كل البعد.
التفسير :
٥٢- ﴿ قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد ﴾.
أي : أخبروني يا معشر كفار مكة، إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به مع ظهور الأدلة والبراهين على صدقه ونقائه وبيانه، وعجز البشر عن الإتيان بمثله، واشتماله على أخبار السابقين، وتشريع المؤمنين، وحجاج الكافرين، وتقديم الأدلة المتعددة على وحدانية الله وصدق المرسلين، أي كيف يكون حالكم إذا كفرتم بكتاب الله شقاقا وبعدا، وكبرا وعتوا ؟
﴿ من أضل ممن هو في شقاق بعيد ﴾.
أي : لا أحد أكثر ضلالا منكم أيها الكافرون بسبب معاداتكم للحق، وابتعادكم عنه، ونفوركم منه نفورا شديدا، ووصف سبحانه وتعالى شقاقهم بالبعد للإشعار بأنهم قد بلغوا في هذا الضلال مبلغا كبيرا، و شوطا بعيدا.
قال أبو السعود في تفسيره :
وضع الموصول :﴿ من أضل ﴾. موضع الضمير ( منكم ) شرحا لحالهم، وتعليلا لمزيد ضلالهم.
المفردات :
الآفاق : النواحي عموما من مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها.
على كل شيء شهيد : هو شاهد سبحانه ومطلع على أعمالهم، وفي شهادته ما يغنيك عن كل شيء سواه.
التفسير :
٥٣- ﴿ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾.
وعد الله تعالى أن يطلع الناس على عجائب الكون في آفاق السماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والنبات والأشجار، وغير ذلك من العجائب العلوية والسفلية التي اكتشفها الإنسان، وسيستمر العلم في هذا الكشف.
﴿ وفي أنفسهم... ﴾
ما في بديع صنع الله تعالى، من خلق الإنسان وتكوينه، واشتمال هذا المخلوق العجيب على أجهزة متعددة، مثل : الجهاز العصبي، والجهاز الهضمي، والجهاز اللمفاوي.
قال القرطبي :
المراد ما في أنفسهم من لطيف الصنعة، وبديع الحكمة، حتى سبيل الغائط والبول، فإن الرجل يأكل ويشرب من مكان واحد، ويتميز ذلك من مكانين، ومن بديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء، ينظر بهما من الأرض إلى السماء مسيرة خمسمائة عام، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة، من بديع حكمة الله تعالى فيه. اه.
وقيل : المراد بالآية ما أظهره الله على يد رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، من النصر والفتح من غزوة بدر الكبرى إلى فتح مكة، حيث نصر الله دينه وأيد رسوله، ومكن للإسلام من أهل مكة أنفسهم، وجاء نصر الله والفتح، وسيستمر تأييد الله لهذا الدين حتى لا يبقى أهل مدر أو وبر، أو أهل مدينة أو أهل بادية، إلا ويسمعون عن هذا الدين وأن الله يعز به من يشاء، ويذل به من يشاء، فيعز المؤمنين، ويذل الكافرين المكذبين.
﴿ حتى يتبين لهم أنه الحق... ﴾.
حتى يعرفوا جليا أن هذا الكتاب منزل من عند الله حقا وصدقا، أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفل الله بحفظ كتابه، وحفظ رسوله، وحفظ دينه، والله تعالى مطلع وشاهد، يرى من رسوله تبليغ الدعوة، ومن الكفار الجحود والكنود.
﴿ أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾.
أي : أيها الرسول حسبك الله، وكافيك أنه سبحانه لا تخفى عليه خافية، فهو لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، وفي الآية توبيخ لهؤلاء الكافرين على تأخر إيمانهم، أي : ألم يغن هؤلاء الجاحدين عن الآيات الموعودة الدالة على صحة هذا الدين، أن ربك أيها الرسول الكريم شهيد على كل شيء، وعلى أنك صادق فيما تبلغ عنه ؟ بلى إن في شهادة ربك، وعلمه بكل شيء ما يغني عن كل شيء سواه.
قال تعالى :﴿ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ﴾. ( النساء : ١٦٦ ).
المفردات :
مرية : شك وريبة من القيامة والبعث.
بكل شيء محيط : إحاطة تامة، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
التفسير :
٥٤- ﴿ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط ﴾.
وتختم السورة بهذا الختام القوي، الجامع لشبهات الكافرين، وإحاطة علم الله رب العالمين.
ومعنى الآية :
إن هؤلاء الكافرين في شك شديد من لقاء ربهم، حيث إنهم يستبعدون البعث والحشر والحساب والجزاء، ويرون أن هذه الأجسام تتفتت وتبلى، وبعيد أن تحيا مرة أخرى.
﴿ ألا إنه بكل شيء محيط ﴾.
فالله مطلع عليهم، وسيجازيهم على أعمالهم، والله يحيط علمه بكل ذرات الأجسام، وهو قادر على إحيائها مرة أخرى كما أوجدها من العدم.
قال تعالى :﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾. ( يس : ٧٨، ٧٩ ).
وقال تعالى :﴿ كما بدأكم تعودون ﴾. ( الأعراف : ٢٩ ).
رأيان لعلماء التوحيد
علماء التوحيد على رأيين :
أحدهما : أن الله يحيي الموتى، ويبعثهم بعد جمع ما تفرق من أجزائهم الأصلية.
الثاني : أن الله تعالى يعيد الخلائق بخلق جديد، لأن أجزاءهم دخلت بعد تحللها في تكوين خلائق أخرى، جيلا بعد جيل.
ويقولون : إن النعيم والعذاب للروح، أما الجسد فهو وعاؤها، والكسب إنما هو بها لا بوعائها، فلولا الروح لما استطاع الجسد أن يعمل شيئا، وفي منظومة فنية في علم التوحيد يقول صاحب الجوهرة :
وقل : يعاد الجسم بالتحقيق *** عن عدم، وقيل : عن تفريق
Icon