تفسير سورة مريم

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة مريم من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
مريم سورة مريم سورة مريم عليها السلام مكية وهي ثمان أو تسع وتسعون آية مدني وشامي

كهيعص (١)
﴿كهيعص﴾ قال السدي هو اسم الله الأعظم وقيل هو اسم للسورة وقرأ علي ويحيى بكسر الهاء والياء ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب وأبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء وحمزة بعكسه وغيرهم بفتحهما
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)
﴿ذكر رحمة رَبّكَ﴾ خبر مبتدأ أي هذا ذكر ﴿عَبْدَهِ﴾ مفعول الرحمة ﴿زَكَرِيَّا﴾ بالقصر حمزة وعلي وحفص وهو بدل من عبده
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)
﴿إِذْ﴾ ظرف للرحمة ﴿نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً﴾ دعاه دعاء سرا كما هو المأمور به وهو أبعد عن الرياء وأقرب إلى الصفاء أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في أوان الكبر لأنه كان ابن خمس وسبعين أو ثمانين سنة
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)
﴿قَالَ رَبّ﴾ هذا تفسير الدعاء وأصله يا ربي فحذف حرف النداء والمضاف اليه اختصار ﴿إِنّى وَهَنَ العظم مِنّى﴾ ضعف وخص العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحده لأن الواحد منه الجسد قد أصابه الوهن ﴿واشتعل الرأس شيبا﴾ تمييز أي فشا فى
325
رأسي الشيب واشتعلت النار إذا تفرقت في التهابها وصارت شعلا شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كل ما أخذ باشتعال النار ولا ترى كلاماً أفصح من هذا ألا ترى أن أصل الكلام يا رب قد شخت إذ الشيخوخة تشتمل على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض لها وأقوى منه ضعف بدني وشاب رأسي ففيه مزيد والتقرير للتفصيل وأقوى منه وهنت عظام بدني ففه عدول عن التصريح إلى الكناية فهي أبلغ منه وأقوى منه أنا وهنت عظام بدني وأقوى منه إني وهنت بدني وأقوى منه إني وهنت العظام من بدني ففيه سلوك طريقي الإجمال والتفصيل وأقوى منه إني وهنت العظام مني ففيه ترك توسيط البدن وأقوى منه إني وهن العظم مني لشمول الوهن العظام فرداً فرداً باعتبار ترك جمع العظم إلى الإفراد لصحه حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد ولهذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة فحصل اشتعل شيب رأسي وأبلغ منه اشتعل رأسي شيباً لإسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل
مريم (٨ - ٤)
شيب رأسي واشتعل رأسي شيباً وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي ناراً والفرق نير ولأن فيه الإجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز وأبلغ منه واشتعل الرأس مني شيباً لما مر وأبلغ منه واشتعل الرأس شيباً ففيه اكتفاء بعلم المخاطب إنه رأس زكريا بقرينة العطف على وهن العظم ﴿ولم أكن بدعائك﴾ مصدر ومضاف إلى المفعول أي بدعائي إياك ﴿رَبّ شَقِيّاً﴾ أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم سعيداً به غير شقي فيه يقال سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها ومشقي إذا خاب ولم ينلها وعن بعضهم أن محتاجاً سأله وقال أنا الذي أحسنت إلي وقت كذا فقال مرحباً بمن توسل بنا إلينا وقت حاجته وقضى حاجته
326
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥)
﴿وَإِنّي خِفْتُ الموالى﴾ هم عصبته أخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته فطلب عقباً صالحاً من صلبه يقتدي به في إحياء الدين ﴿مِن وَرَائِى﴾ بعد موتي وبالقصر
326
وفتح الياء كهداي مكي وهذا الظرف لا يتعلق بخفت لأن وجود خوفه بعد موته لا يتصور ولكن بمحذوف أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي ﴿وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا﴾ عقيماً لا تلد ﴿فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ﴾ اختراعا منك بلا سبب لأن امرأتي لا تصلح للولادة ﴿وَلِيّاً﴾ ابنا يلي أمرك بعدي
327
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)
﴿يرثني ويرث﴾ برفعهما صفة لوليا أي هب لي ولداً وارثاً مني العلم ومن آل يعقوب النبوة ومعنى وراثة النبوة أنه يصلح لأن يوحى إليه ولم يرد أن نفس النبوة تورث وبجزمهما أبو عمرو وعلي على أنه جواب للدعاء يقال ورثته وورثت منه ﴿من آل يعقوب﴾ يعقوب بن اسحق ﴿واجعله رَبّ رَضِيّاً﴾ مرضياً ترضاه أو راضياً عنك وبحكمك
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)
فأجاب الله تعالى دعائه وقال ﴿يا زكريا إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى﴾ تولى الله تسميته تشريفاً له نبشرك بالتخفيف حمزة ﴿لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً﴾ لم يسم أحد بيحيى قبله وهذا دليل على أن الاسم الغريب جدير بالأثرة وقيل مثلاً وشبيها ولم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط وأنه ولد بين شيخ وعجوز وأنه كان حصوراً فلما بشرته الملائكة به
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)
﴿قَالَ رَبّ أنّى﴾ كيف ﴿يَكُونُ لِي غلام﴾ وليس هذا باستبعاد بل هو استكشاف أنه بأي طريق يكون أيوهب له وهو وامرأته بتلك الحال أم يحولان شابين ﴿وَكَانَتِ امرأتى عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً﴾ أي بلغت عتيا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام
مريم (١٦ - ٩)
كالعود اليابس من أجل الكبر والطعن في السن العالية عتيا وصليا
327
وجثيا وبكيا بكسر الأوائل حمزة وعلي وحفص إلا في بكيا
328
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩)
﴿قَالَ كذلك﴾ الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديق له ثم ابتدأ ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾ أو نصب بقال وذلك إشارة إلى مبهم يفسره ﴿هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ﴾ أي خلق يحيى من كبيرين سهل ﴿وقد خلقتك من قبل﴾ أوجدتك من قبل يحيى خلقناك حمزة وعلي ﴿وَلَمْ تَكُ شَيْئاً﴾ لأن المعدوم ليس بشيء
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠)
﴿قال رب اجعل لي آية﴾ علامة أعرف بها حبل امرأتي ﴿قال آيتك أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِياً﴾ حال من ضمير تكلم أي حال كونك سوى الأعضاء واللسان يعني علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سليم الجوراح ما بك خرس ولا بكم ودل ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن إذ ذكر الأيام يتناول ما بإزائها من الليالي وكذا ذكر الليالي يتناول ما بإزائها من الأيام عرفاً
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)
﴿فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب﴾ من موضع صلاته وكانوا ينتظرونه ولم يقدر أن يتكلم ﴿فأوحى إِلَيْهِمْ﴾ أشار بإصبعه ﴿أَن سَبّحُواْ﴾ صلوا وان هي المفسرة ﴿بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ صلاة الفجر والعصر
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)
﴿يَا يحيى﴾ أي وهبنا له يحيى وقلنا له بعد ولادته وأوان الخطاب يا يحيى ﴿خُذِ الكتاب﴾ التوراة ﴿بِقُوَّةٍ﴾ حال أي بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد ﴿وَآتَيْنَاهُ الحكم﴾ الحكمة وهو فهم التوراة والفقه في الدين ﴿صَبِيّاً﴾ حال قيل دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي فقال ما للعب خلقنا
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣)
﴿وحنانا﴾ شفقة ورحمة لابويه وغيرهما عطفا عى الحكم ﴿من لدنا﴾ من عندنا ﴿وزكاة﴾ طهارة وصلاحاً فلم يعمد بذنب ﴿وَكَانَ تَقِيّا﴾ مسلما مطيعا
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤)
﴿وَبَرّا بوالديه﴾ وباراً بهما لا يعصيهما ﴿وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً﴾ متكبراً ﴿عَصِيّاً﴾ عاصياً لربه
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
﴿وسلام عَلَيْهِ﴾ أمان من الله له ﴿يَوْمَ وُلِدَ﴾ من أن يناله الشيطان ﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ من فتاني القبر ﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً﴾ من الفزع الأكبر قال ابن عيينة إنها أوحش المواطن
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦)
﴿واذكر﴾ يا محمد ﴿فِى الكتاب﴾ القرآن ﴿مَرْيَمَ﴾ أي اقرأ عليم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها ﴿إِذْ﴾ بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان
مريم (٢١ - ١٦)
مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه ﴿انتبذت مِنْ أَهْلِهَا﴾ أي اعتزلت ﴿مَكَاناً﴾ ظرف ﴿شَرْقِياً﴾ أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أومن دارها معتزلة عن الناس وقيل قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧)
﴿فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً﴾ جعلت بينها وبين أهلها حجاباً يسترها لتغتسل وراءه ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا روحنا﴾ جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف وإنما سمي روحاً لأن الدين يحيا به وبوحيه ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً﴾ أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمي شاب أمرد وضئ الوجه جعد الشعر ﴿سَوِيّاً﴾ مستوى الخلق وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدالها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)
﴿قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً﴾ أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩)
﴿قَالَ﴾ جبريل عليه السلام ﴿إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ﴾ أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به ﴿لأَِهَبَ لَكِ﴾ بإذن الله تعالى أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع ليهب لك أي الله أبو عمرو ونافع ﴿غلاما زكيا﴾ طاهرا من الذنوب أو نامياً على الخير والبركة
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
﴿قَالَتْ أنّى﴾ كيف ﴿يَكُونُ لِي غلام﴾ ابن ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ﴾ زوج بالنكاح ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً﴾ فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين والبغي فعول عند المبرد بغوي فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين إتباعاً ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في امرأة صبور وشكور وعند غيره هي فعيل ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى مفعولة وإن كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل إن رحمة الله قريب
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١)
﴿قَالَ﴾ جبريل ﴿كذلك﴾ أي الأمر كما قلت لم يمسك رجل نكاحاً أو سفاحاً ﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ﴾ أي إعطاء الولد بلا أب علي سهل ﴿ولنجعله آية لّلْنَّاسِ﴾ تعليل معلله محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك أو هو معطوف على تعليل مضمر أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهاناً على قدرتنا ﴿وَرَحْمَةً مّنَّا﴾ لمن أمن به ﴿وَكَانَ﴾ خلق عيسى ﴿أَمْراً مَّقْضِيّاً﴾ مقدراً مسطوراً في اللوح
330
فلما اطمأنت إلى قوله منها فنفخ في جيب درعها
مريم (٢٥ - ٢٢)
فوصلت النفخة إلى بطنها
331
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢)
﴿فحملته﴾ اى الموهوب وكان سنها ثلاث عشرة سنه أو عشر أو عشرين ﴿فانتبذت بِهِ﴾ اعتزلت وهو في بطنها والجار والمجرور في موضع الحال عن ابن عباس رضى الله عنهما كانت مدة الحمل ساعة واحدة كما حملته نبذته وقيل ستة أشهر وقيل سبعة وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى وقيل حملته في ساعة ووضعته في ساعة ﴿مكانا قصيا﴾ بعيدا عن أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللائمة
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣)
﴿فَأَجَاءهَا﴾ جاء بها وقيل ألجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل الى معنى الالجاء ألاتراك لا تقول جئت المكان وأجاء فيه زيد ﴿المخاض﴾ وجع الولادة ﴿إلى جذع النخلة﴾ اصلها وكانت يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخلة معروفة وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه خرسة النفساء أي طعامها ثم ﴿قَالَتْ﴾ جزعاً مما أصابها ﴿يا ليتني مت قبل هذا﴾ اليوم مدني وكوفي غير أبي بكر وغيرهم بالضم يقال مات يموت ومات يمات ﴿وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً﴾ شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر بفتح النون حمزة وحفص بالكسر غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه أن يطرح وينسى لحقارته
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)
﴿فناداها من تحتها﴾ أي الذي تحتها فمن فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنِه كان بمكان منخفض عنها أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها مت تحت ذيلها من تحتها مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل
331
مضمر وهو عيسى عليه السلام أو جبريل والهاء في تحتها للنخلة ولشدة ما لقيت سليت بقوله ﴿أَلاَّ تَحْزَنِى﴾ لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس وان بمعنى أي ﴿قد جعل ربك تحتك﴾ قربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري جري وإن أمرته أن يقف وقف ﴿سَرِيّاً﴾ نهرا صغيرا عند الجمهور وسئل النبي ﷺ عن السري فقال هو الجدول وعن الحسن سيداً كريماً يعني عيسى عليه السلام وروي أن خالد بن صفوان قال له إن العرب تسمي الجدول سرياً فقال الحسن صدقت ورجع إلى قوله وقال ابن عباس رضي الله عنهما ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها
332
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)
﴿وَهْزِّي﴾ حركي ﴿إِلَيْكَ﴾ إلى نفسك ﴿بِجِذْعِ النخلة﴾ قال أبو علي الباء زائدة أي هزي جذع النخلة ﴿تساقط عَلَيْكِ﴾ بإدغام التاء الأولى في الثانية مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر والأصل تتساقط بإظهار التاءين وتساقط بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين حمزة ويساقط بفتح الياء والقاف وتشديد السين يعقوب وسهل وحماد ونصير وتساقط حفص من المفاعلة وتسقط ويسقط
مريم (٣٠ - ٢٥)
وتَسقُطْ ويَسقُطْ التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراآت ﴿رُطَباً﴾ تمييز أو مفعول به على حسب القراءة ﴿جَنِيّاً﴾ طرياً وقالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وقيل ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
﴿فَكُلِى﴾ من الجني ﴿واشربى﴾ من السري ﴿وَقَرّى عينا﴾ بالولد الرضي وعينا تمييز أي طيبي نفساً بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك
332
﴿فَإِمَّا﴾ أصله إن ما فضمت إن الشرطية إلى ما وأدغمت فيها ﴿تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً فَقُولِى إِنّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً﴾ أي فإن رأيت آدمياً يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتاً وإمساكاً عن الكلام وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب وقيل صياماً حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان الزامه الزامه وقد نهى رسول الله ﷺ عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخاً فينا وإنما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قُدعَ سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاماً وقولاً ألا ترى إلى قول الشاعر في وصف القبور... وتكلمت عن أوجه تبلى...
وقيل كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق ﴿فَلَنْ أُكَلّمَ اليوم إِنسِيّاً﴾ آدميا
333
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧)
﴿فَأَتَتْ بِهِ﴾ بعيسى ﴿قَوْمَهَا﴾ بعد ما طهرت من نفاسها ﴿تَحْمِلُهُ﴾ حال منها أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها ﴿قَالُواْ يا مريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً﴾ بديعاً عجيباً والفري القطع كأنه يقطع العادة
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)
﴿يا أخت هارون﴾ وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحدا منهم أو رجل صال أو صالح في زمانها شبهوها به في الصلاح أو شتموها به ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ﴾ عمران ﴿امرأ سَوْء﴾ زانياً ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ﴾ حنة ﴿بَغِيّاً﴾ زانية
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)
﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ إلى عيسى أن يجيبهم وذلك أن عيسى عليه السلام قال لها لا تحزني وأحيلي بالجواب علي وقيل أمرها جبريل بذلك ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا و ﴿قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ﴾ حدث ووجد ﴿فِى المهد﴾ المعهود ﴿صَبِيّاً﴾ حال
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)
﴿قَالَ إِنّى عَبْدُ الله﴾ ولما أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله اللسان الساكت حتى اعترف
مريم (٣٦ - ٣٠)
بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم روي أنه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع إني عبد الله وفيه رد لقول النصارى ﴿آتاني الكتاب﴾ الإنجيل ﴿وَجَعَلَنِى نَبِيّاً﴾ روي عن الحسن أنه كان في المهد نبياً وكلامه معجزته وقيل معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١)
﴿وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ نفاعاً حيث كنت أو معلماً للخير ﴿وَأَوْصَانِى﴾ وأمرني ﴿بالصلاة والزكاة﴾ إن ملكت مالاً وقيل صدقة الفطر أو تطهير البدن ويحتمل وأوصاني بأن آمركم بالصلاة والزكاة ﴿مَا دُمْتُ حَياً﴾ نصب على الظرف أي مدة حياتي
وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢)
﴿وَبَرّاً بِوَالِدَتِى﴾ عطفاً على مباركاً أي باراً بها أكرمها وأعظمها ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً﴾ متكبراً ﴿شقيا﴾ عاقا
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
﴿والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ﴾ يوم ظرف والعامل فيه الخبر وهو علي ﴿وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ أي ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلي إن كان حرف التعريف للعهد وإن كان للجنس فالمعنى وجنس السلام علي وفيه تعريض باللعنة على أعداء مريم وابنها لأنه إذا قال وجنس السلام عليّ فقد عرض بأن ضده عليكم إذ المقام مقام مناكرة وعناد فكان مئنة لمثل هذا التعريض
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤)
﴿ذلك﴾ مبتدأ ﴿عِيسَى﴾ خبره ﴿ابن مَرْيَمَ﴾ نعته أو خبر ثان أي ذلك الذي قال أني كذا وكذا عيسى بن مريم لا كما قالت النصارى إنه إله أو ابن الله ﴿قَوْلَ الحق﴾ كلمة الله فالقول الكلمة والحق الله وقيل له كلمة الله لأنه ولد بقوله كن بلا واسطة أب وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من عيسى ونصبه شامي وعاصم على المدح أو على المصدر أي أقول قول الحق هو ابن مريم وليس بإله كما يدعونه ﴿الذى فِيهِ يَمْتُرُونَ﴾ يشكون من المرية الشك أو يختلفون من المراء فقالت اليهود ساحر كذاب وقالت النصارى ابن الله وثالث ثلاثة
مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)
﴿مَا كَانَ للَّهِ﴾ ما ينبغي له ﴿أَن يتخذ من ولد﴾ جيء بمن لتأكيد النفي ﴿سبحانه﴾ نزه ذاته عن اتخاذ الولد ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ بالنصب شامي أي كما قال لعيسى كن فكان من غير أب ومن كان متصفاً بهذا كان منزها أن يشبه الحيوان الوالد
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)
﴿وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه﴾ بالكسر شامي وكوفي على الابتداء وهو من كلام عيسى يعني كما أنا عبده فأنتم عبيده علي وعليكم أن نعبده ومن فتح عطف على بالصلاة أي وأوصاني بالصلاة
مريم (٤٠ - ٣٦)
وبالزكاة وبأن الله ربي وربكم أو علقه بما بعده أي ولأن الله ربي وربكم فاعبدوه ﴿هذا﴾ الذي ذكرت ﴿صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧)
﴿فاختلف الأحزاب﴾ الحزب الفرقة المنفردة برأيها عن غيرها وهم ثلاث فرق نسطورية ويعقوبية وملكانية ﴿مِن بَيْنِهِمْ﴾ من بين أصحابه أو من بين قومه أو من بين الناس وذلك أن النصارى اختلفوا في عيسى حين رفع ثم اتفقوا على أن يرجعوا إلى قول ثلاثة كانوا عندهم
335
أعلم أهل زمانهم وهو يعقوب ونسطور وملكان فقال يعقوب هو الله هبط إِلى الأرض ثم صعد إلى السماء وقال نسطور كان ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه وقال الثالث كذبوا كان عبداً مخلوقاً نبياً فتبع كل واحد منهم قوم ﴿فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ من الأحزاب إذ الواحد منهم على الحق ﴿مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ هو يوم القيامة أو من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء جوارحهم بالكفر أو من مكان الشهادة أو وقتها أو المراد يوم اجتماعهم للتشاور فيه وجعله عظيماً لفظاعة ما شهدوا به في عيسى
336
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٨)
﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ الجمهور على أن لفظه أمر ومعناه التعجب والله تعالى لا يوصف بالتعجب ولكن المراد أن إسماعهم وإبصارهم جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما وعمياً في الدنيا قال قتادة إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدى يوم لا ينفعهم وبهم مرفوع المحل على الفاعلية كأكرم بزيد فمعناه كرم زيد جداً ﴿لكن الظالمون اليوم﴾ أقيم الظاهر مقام المضمر أي لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ووضعوا العبادة في غير موضعها ﴿فِى ضلال﴾ عن الحق ﴿مُّبِينٌ﴾ ظاهر وهو اعتقادهم عيسى إلها معبوداً مع ظهور آثار الحدث فيه شعار بأن لا ظلم أشد من ظلمهم
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩)
﴿وَأَنذِرْهُمْ﴾ خوفهم ﴿يَوْمَ الحسرة﴾ يوم القيامة لأنه يقع فيه الندم على ما فات وفي الحديث إذا رأوا منازلهم في الجنة أن لو آمنوا ﴿إِذْ﴾ بدل من يوم الحسرة أو ظرف للحسرة وهو مصدر ﴿قُضِىَ الأمر﴾ فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار ﴿وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ﴾ هنا عن الاهتمام
336
لذلك المقام ﴿وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ لا يصدقون به وهم وهم حالان أي وأنذرهم على هذا الحال غافلين غير مؤمنين
337
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (٤٠)
﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا﴾ أي نتفرد بالملك والبقاء عند تعميم الهلك والفناء وذكر من لتغليب العقلاء ﴿وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ بضم الياء وفتح الجيم وفتح الياء يعقوب أي يردون فيجازون جزاء وفاقا
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١)
﴿واذكر﴾
مريم (٤٥ - ٤١)
لقومك ﴿فِى الكتاب﴾ القرآن ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ قصته مع أبيه ﴿إنه كان صديقا نبيا﴾ بغير همزه وهمزة نافع قيل الصادق المستقيم في الأفعال والصديق المستقيم في الأحوال فالصديق من أبنية المبالغة ونظيرة الضحيك والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله أي كان مصدقاً لجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبياً في نفسه وهذه الجملة وقعت اعتراضاً بين إبراهيم وبين ما هو بدل منه وهو
﴿ واذكر ﴾ لقومك ﴿ فِى الكتاب ﴾ القرآن ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ قصته مع أبيه ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً نَّبِيّاً ﴾ بغير همز وهمزة نافع. قيل : الصادق المستقيم في الأفعال والصديق المستقيم في الأحوال، فالصديق من أبنية المبالغة ونظيرة الضحيك والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله أي كان مصدقاً لجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبياً في نفسه، وهذه الجملة وقعت اعتراضاً بين إبراهيم وبين ما هو بدل منه وهو.
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢)
﴿إذ قال﴾ وجاز ان يتعلق إذ بكان او بصديقا نبياً أي كان جامعاً لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فالله عزوعلا هو ذاكره ومورده فى تنزيله ﴿لأبيه يا أبت﴾ بكسر التاء وفتحها ابن عامر والتاء عوض من ياء الإضافة ولا يقال يا أبتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ﴾ المفعول فيهما منسي غير منوي ويجوز أن يقدر أي لا يسمع شيئاً ولا يبصر شيئاً ﴿وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً﴾ يحتمل أن يكون شيئاً في موضع المصدر أي شيئاً من الاعناء وأن يكون مفعولاً به من قولك أغن عنى وجهك اى بعد
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣)
﴿يا أبت إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ العلم﴾ الوحي أو معرفة الرب ﴿مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ ما في ما لا يسمع وما لم يأتك يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة ﴿فاتبعنى أَهْدِكَ﴾ أرشدك ﴿صِرَاطاً سَوِيّاً﴾ مستقيماً
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤)
﴿يا أبت لا تعبد الشيطان﴾ لاتطعه فيما سوَّل من عبادة الصنم ﴿إِنَّ الشيطان كان للرحمن عصيا﴾ عاصيا
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥)
﴿يا أبت إِنّى أَخَافُ﴾ قيل أَعلم ﴿أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرحمن فَتَكُونَ للشيطان وَلِيّاً﴾ قرينا في النار تليه ويليك فانظر في نصيحته كيف راعى المجاملة والرفق والخلق الحسن كما أمر نفى الحديث أوحي إلى إبراهيم إنك خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فطلب منه أولاً العلة في خطئه طلب منبه على تماديه موقظ لإفراطه وتناهيه لأن من يعبد أشرف الخلق منزلة وهم الأنبياء كان محكوما عليه بالعى المبين فكيف بمن يعبد حجراً أو شجراً لا يسمع ذكر عابده ولا يرى هيأت عبادته ولا يدفع عنه بلاء ولا يقضي له حاجة ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقاً به متلطفاً فلم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال إن معي شيئاً من العلم ليس معك وذلك علم الدلالة على الطريق السوي فهب أني وإياك في مسير وعندي معرفة بالهداية دونك فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه ثم ثلث بنهيه عما كان عليه بأن الشيطان
مريم (٥١ - ٤٦)
الذي عصى الرحمن الذي جميع النعم منه أوقعك في عبادة الصنم وزينها لك فأنت عابده في الحقيقة ثم ربَّع بتخويفه سوء العاقبة وما يجره ما هو فيه من التبعة
338
والوبال مع مراعاة الأدب حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق به وأن العذاب لاصق به بل قال أخاف أن يمسك عذاب بالتنكير المشعر بالتقليل كأنه قال إني أخاف أن يصيبك نَفَيان من عذاب الرحمن وجعل ولابه الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب في نفسه وصدر كل نصيحة بقوله ياأبت توسلاً إليه واستعطافاً وإشعاراً بوجوب احترام الأب وان كان كافرا ثم
339
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)
﴿قَالَ﴾ آزر توبيخاً ﴿أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى يا إبراهيم﴾ أي أترغب عن عبادتها فناداه باسمه ولم يقابل يا أبت بيا ابنى وقدم الخبر على المبتدء لأنه كان أهم عنده ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ﴾ عن شتم الأصنام ﴿لأرجمنك﴾ لأقتلنك بالرجام أولأضربنك بها حتى تتباعد أو لأشتمنك ﴿واهجرنى﴾ عطف على محذوف يدل عليه لأرجمنك تقديره فاحذرني واهجرني ﴿مَلِيّاً﴾ ظرف أي زماناً طويلاً من الملاوة
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)
﴿قَالَ سلام عَلَيْكَ﴾ سلام توديع ومتاركة أو تقريب وملاطفة ولذا وعد بالاستغفار بقوله ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي﴾ سأسأل الله أن يجعلك من أهل المغفرة بأن يهديك للإسلام ﴿إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً﴾ ملطفاً بعموم النعم أو رحيماً أو مكرماً والحفاوة الرأفة والرحمة والكرامة
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨)
﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ﴾ أراد بالاعتزال المهاجرة من أرض بابل إلى الشام ﴿وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي ما تعبدون من أصنامكم ﴿وادعوا﴾ وأعبد ﴿رَبّى﴾ ثم قال تواضعاً وهضماً للنفس ومعرضاً بشقاوتهم بدعاء آلهتهم ﴿عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا﴾ أي كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩)
﴿فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ ولما اعتزل الكفار ومعبودهم ﴿وَهَبْنَا لَهُ إسحاق﴾ ولداً ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ نافلة ليستأنس بهما ﴿وَكُلاًّ﴾ كل واحد منهما ﴿جَعَلْنَا نَبِيّاً﴾ أي لما ترك الكفار الفجار لوجهه عوضه أولاداً مؤمنين أنبياء
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
﴿وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا﴾ هي المال والولد ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ﴾ ثناء حسناً وهو الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم في الصلوات وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهي العطية ﴿عَلِيّاً﴾ رفيعا مشهورا
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥١)
﴿واذكر فِى الكتاب موسى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً﴾ كوفي غير المفضل أي أخلصه الله واصطفاه ومخلصا بالكسر غيرهم أي
مريم (٥٧ - ٥١)
أخلص هو العبادة لله تعالى فهو مخلص بماله من السعادة بأصل الفطرة ومخلص فيما عليه من العبادة بصدق الهمة ﴿وَكَانَ رَسُولاً نبيا﴾ الرسول الذي معه كتاب الأنبياء والنبي الذي ينبيء عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب كيوشع
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢)
﴿وناديناه﴾ دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة ﴿مِن جَانِبِ الطور﴾ هو جبل بين مصر ومدين ﴿الأيمن﴾ من اليمين أي من ناحية اليمين والجمهور على أن المراد أيمن موسى عليه السلام لأن الجبل لا يمين له والمعنى أنه حين أقبل من مدين يريد مصر نودي من الشجرة وكانت في جانب الجبل على يمين موسى عليه السلام ﴿وَقَرَّبْنَاهُ﴾ تقريب منزلة ومكانة لا منزل ومكان ﴿نَجِيّاً﴾ حال أي مناجياً كنديم بمعنى منادم
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا﴾ من أجل رحمتنا وترؤفنا عليه ﴿أَخَاهُ﴾ مفعول ﴿هارون﴾ بدل منه ﴿نَبِيّاً﴾ حال أي وهبنا له نبوة أخيه والا فهرون كان أكبر سناً منه
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤)
﴿واذكر فِى الكتاب إسماعيل﴾ هو ابن إبراهيم في الأصح ﴿إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد﴾ وافيه وعد رجلاً أن يقيم مكانه حتى يعود اليه فانتظر سنة في مكانه حتى عادو ناهيك انه وعد من نسفه الصبر على الذبح فوفى وقيل لم يعدر به موعداً إلا أنجزه وإنما خصه بصدق الوعد وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً له ولأنه المشهور من خصاله ﴿وَكَانَ رَسُولاً﴾ إلى جرهم ﴿نَبِيّاً﴾ مخبراً منذراً
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥)
﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ﴾ أمته لأن النبي أبو أمته وأهل بيته وفيه دليل على أنه لم يداهن غيره ﴿بالصلاة والزكاة﴾ يحتمل أنه إنما خصت هاتان العبادتان لأنهما أما العبادات البدنية والمالية ﴿وكان عند ربه مرضيا﴾ قريء مرضوا على الأصل
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦)
﴿واذكر فِى الكتاب إِدْرِيسَ﴾ هو أخنوخ أول مرسل بعد آدم عليه السلام وأول من خط بالقلم وخاط اللباس ونظر في علم النجوم والحساب واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل وقولهم سمي به لكثرة دراسته كتب الله لا يصح لأنه لو كان أفعيلاً من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفاً فامتناعه من الصرف دليل العجمة ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً نَّبِيّاً﴾ أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧)
﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ هو شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة وقد رآه النبي ﷺ ليلة المعراج فيها وعن الحسن إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة وذلك أنه حبب لكثرة عبادته إلى الملائكة فقال لملك الموت أذقني الموت بهن عليّ ففعل ذلك بإذن الله فحيى وقال أدخلني النار أزدد رهبة ففعل ثم قال أدخلني الجنة أزدد رغبة ثم قال له اخرج فقال قد ذقت الموت ووردت النار فما أنا بخارج من الجنة فقال الله عز وجل بإذني فعل وبإذني دخل فدعه
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (٥٨)
﴿أَوْلَئِكَ﴾ إشارة إلى المذكورين في السورة من زكرياء
مريم (٦٠ - ٥٨)
إلى إدريس ﴿الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين﴾ من للبيان لأن جميع الأنبياء منعم عليهم ﴿من ذرية آدم﴾ من للتبعيض وكان إدريس من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبي نوح ﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه ولد سام بن نوح ﴿ومن ذرية إبراهيم﴾ واسمعيل واسحق ويعقوب ﴿وإسرائيل﴾ أي ومن ذرية إسرائيل أي يعقوب وهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى لأن مريم من ذريته ﴿وَمِمَّن﴾ يحتمل العطف على من الأولى والثانية ﴿هَدَيْنَا﴾ لمحاسن الإسلام ﴿واجتبينا﴾ من الأنام أو لشرح الشريعة وكشف الحقيقة ﴿إذا تتلى عليهم آيات الرحمن﴾ أي إذا تليت عليهم كتب الله المنزلة وهو كلام مستأنف إن جعلت الذين خبرا لأولئك وإن جعلته صفة له كان خبراً يتلى بالياء قتيبه لوجود الفاصل مع أن قتيبة لوجود الفاصل مع أن التأنيث غير حقيقي ﴿خروا سجدا﴾ سقطوا على وجوههم ساجدين رغبةً ﴿وَبُكِيّاً﴾ باكين رهبة جمع باكٍ كسجود وقعود في جمع ساجد وقاعد في الحديث اتلوا القرآن وابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا وعن صالح المري قرأت القرآن على رسول الله ﷺ في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ويقول في سجود التلاوة سبحان ربي الأعلى ثلاثاً
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ فجاء من بعد هؤلاء المفضلين ﴿خَلْفٌ﴾ أولاد سوء وبفتح اللام العقب الخير عن ابن عباس هم اليهود ﴿أَضاعُوا الصلاة﴾ تركوا الصلاة المفروضة ﴿واتبعوا الشهوات﴾ ملاذ النفوس وعن علي رضي الله عنه من بنى الشديد وركب المنظور ولبس
342
المشهور وعن قتادة رضي الله عنه هو في هذه الأمة ﴿فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً﴾ جزاء غي وكل شر عند العرب غي وكل خير رشاد وعن ابن عباس وابن مسعود هو وادٍ في جهنم أعدّ للمصرين على الزن وشارب الخمر وآكل الربا والعاق وشاهد الزور
343
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (٦٠)
﴿إِلاَّ مَن تَابَ﴾ رجع عن كفره ﴿وَآمَنَ﴾ بشرطه ﴿وَعَمِلَ صالحا﴾ بعد إيمانه ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة﴾ بضم الياء وفتح الخاء مكي وبصري وأبو بكر ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً﴾ أي لا ينقصون شيئاً من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم أو لا يظلمون شيئاً من الظلم
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)
﴿جنات﴾ بدل من الجنة لأن الجنة تشتمل على جنات عدن لأنها جنس أو نصب عل المدح ﴿عدن﴾ معرفة لأنه علم لمعنى العدن وهو الإقامة أو علم لأرض الجنة لكونها
مريم (٦٥ - ٦١)
مكان إقامة ﴿التى وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ﴾ أي عباده التائبين المؤمنين الذين يعلمون الصالحات كما سبق ذكرهم ولأنه أضافهم إليه وهو للاختصاص وهؤلاء أهل الاختصاص ﴿بالغيب﴾ أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها ﴿إِنَّهُ﴾ ضمير الشأن أو ضمير الرحمن ﴿كَانَ وَعْدُهُ﴾ أي موعوده وهو الجنة ﴿مَأْتِيّاً﴾ أي هم يأتونها
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)
﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا﴾ في الجنة ﴿لَغْواً﴾ فحشاً أو كذبا أو مالا طائل تحته من الكلام وهو المطروح منه وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه داره التي لا تكليف فيها ﴿إِلاَّ سلاما﴾ أي لكن يسمعون سلام من الملائكة أو من بعضهم على بعض أو لا يسمعون فيها إلا قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة فهو استثناء منقطع عند الجمهور وقيل
343
معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ولما كان أهل دار السلام أغنياء عن الدعاء بالسلامة كان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ أي يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار ثم لأنهم في النور أبداً وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك وقيل أراد دوام الرزق كما تقول أنا عند فلان بكرة وعشياً تريد الدوام
344
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (٦٣)
﴿تِلْكَ الجنة التى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ أي نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها وقيل يرثون المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا لأن الكفر موت حكماً ﴿مَن كَانَ تقيا﴾ عن الشرك
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزل ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ﴾ والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الإطلاق والأول أليق هنا يعني أن نزولنا في الأحايين وقتاً غب وقت ليس إلا بأمر الله ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الله ومشيئته وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث من الأحوال لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)
﴿رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ بدل من ربك أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات
مريم (٦٨ - ٦٥)
والأرض ثم قال لرسوله لما عرفت أنه
344
متصف بهذه الصفات ﴿فاعبده﴾ فاثبت على عبادته ﴿واصطبر لِعِبَادَتِهِ﴾ أي اصبر على مكافأة الحسود لعبادة المعبود واصر على المشاق لأجل عبادة الخلاق أي لتتمكن من الإتيان بها ( ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ شبيها ومثلاً أو هل يسمى أحد باسم الله غيره لأن مخصوص بالمعبود بالحق أي صح أن لا معبود يوجه إليه العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها
345
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦)
فتهافت أبيَّ بن خلف عظماً وقال أنبعث بعد ما صرا كذا فنزل ﴿ويقول الإنسان أئذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً﴾ والعامل في إذا ما دل عليه الكلام وهو أبعث أي إذا ما مت أبعث وانتصابه باخرج ممتنع لأن ما بد لام الابتداء لا يعمل فيها قبلها فلا تقول اليوم لزيد قائم ولام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال وتؤكد مضمون الجملة فلما جامعت حرف الاستقبال خلصت للتوكيد واضمحل معنى الحال وما في إذا ما للتوكيد أيضاً فكأنه قال أحقًّا إنا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك على وجه الاستنكار والاستبعاد وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة ومنه جاء إنكارهم
أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧)
﴿أَوْ لاَ يَذْكُرُ إلإنسان﴾ خفيف شامي ونافع وعاصم من الذكر والسائر بتشديد الذال والكاف وأصله يتذكر كقراءة أبيّ فأدغمت التاء في الذال أي أولا يتدبر والواو عطفت لا يذكر على يقول ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذلك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى فإن تلك أدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود وأما الثانية
345
فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردها إلى ما كَانتَ عليه مجموعة بعد التفريق ﴿أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ﴾ من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه ﴿ولم يك شيئا﴾ هو دليل على ما بينا وعلى أن المعدوم ليس بشيء خلافاً للمعتزلة
346
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)
﴿فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ﴾ أي الكفار المنكرين للبعث ﴿والشياطين﴾ الواو للعطف وبمعنى مع أوقع أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة وفي إقسام الله باسمه مضافا إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حول جهنم جثيا﴾ حال جمع حاث أي بارك على الركب ووزنه فعول لأن أصله جثوو كسجود وساجد أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم غير مشاة على اقدامهم
مريم (٧٢ - ٦٩)
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩)
﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ﴾ طائفة شاعت أي تبعت غاوياً من الغواة ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً﴾ جرأة أو فجوراً أي لنخرجن من كل طائفة من طوائف الغي أعتاهم فأعتاهم فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم وقيل المراد بأشدهم عتياً الرؤساء لتضاعف جرمهم لكونهم ضلالاً ومضلين قال سيبويه أيهم مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته وهو هو من هو أشد حتى لو جئ به لأعرب بالنصب وقيل أيهم هو أشد وهذا لأن الصلة توضح الموصول وتبينه كما أن المضاف إليه يوضح المضاف ويخصصه فكما أن حذف المضاف إليه في من قبلُ يوجب بناء المضاف وجب أن يكون حذف الصلة أو شيء منها موجبا للبناء وموضعها نصب بننزع وقال الخليل هي معربة وهي مبتدأ وأشد خبره وهو رفع على الحكاية تقديره لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد على الرحمن عتياً ويجوز أن يكون النزع واقعاً على من كل شيعة كقوله ووهبنا لهم من رحمتنا أي لننزعن بعض كل شيعة فكأن قائلاً قال من هم فقيل
346
أيهم أشد عتيا وعلى يتعلق بأفعل أي عتوهم أشد على الرحمن
347
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (٧٠)
﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا﴾ أحق بالنار ﴿صليا﴾ تمييز أي دخولا والباء تتعلق بأولى
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١)
﴿وَإِن مّنكُمْ﴾ أحد ﴿إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ داخلها والمراد النار والورود الدخول عند علي وابن عباس رضي الله عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى فأوردهم النار ولقوله تعالى لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ولقوله ثم ننجي الذين اتقوا إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول ولقوله عليه السلام الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم وتقول النار للمؤمنين جزيا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي وقيل الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس وان منهم تحمل القراءة المشهورة على الإلتفات وعن عبد الله الورود الحضور لقوله تعالى ولما ورد ماء مدين وقوله أولئك عنها مبعدون وأجيب عنه بأن المراد عن عذابها وعن الحسن وقتادة الورود المرور على الصراط لأن الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار وعن مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لقوله عليه السلام الحمى حظ كل مؤمن من النار وقال رجل من الصحابة لآخر أيقنت بالورود قال نعم قال وأيقنت بالصدر قال لا قال ففيم الضحك وفيم التثاقل ﴿كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً﴾ أي كان ورودهم واجباً
347
كائناً محتوماً والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم ضرب الأمير
348
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)
﴿ثُمَّ نُنَجّى﴾ وعلي بالتخفيف ﴿الذين اتقوا﴾ عن الشرك وهم المؤمنون ﴿وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً﴾ فيه دليل على دخول الكل لأنه قال ونذر ولم يقل وندخل والمذهب ان
مريم (٧٥ - ٧٣)
صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محاله وقالت المرجئة الخبيثة لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم وقالت المعتزلة يخلد
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ أي القرآن ﴿بينات﴾ ظاهرات الإعجاز أو حججاً وبراهين حال مؤكدة كقوله وهو الحق مصدقاً إذ آيات الله لا تكون إلا واضحة وحججاً ﴿قَالَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي مشركو قريش وقد رجلوا شعورهم وتكلفوا في زيهم ﴿لِلَّذِينَ آمنوا﴾ للفقراء ورءوسهم شعثة وثيابهم خشنة ﴿أَىُّ الفريقين﴾ نحن أم أنتم ﴿خَيْرٌ مَّقَاماً﴾ بالفتح وهو موضع القيام والمراد المكان والمسكن وبالضم مكي وهو موضع الإقامة والمنزل ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ مجلسا يجتمع القوم فيه للمشاورة ومعنى الآية أن الله تعالى يقول إذا أنزلنا آية فيها دلائل وبراهين أعرضوا عن التدبر فيها إلى الافتخار بالثروة والمال وحسن المنزل والحال فقال تعالى
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)
﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن﴾ كم مفعول أهلكنا ومن تبيين لإبهامها أي كثيراً من القرون أهلكنا وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم ﴿من قرن﴾ في محل النصب صفة لكم ألا ترى أنك لو تركتهم كان أحسن نصباً على الوصفية ﴿أَثَاثاً﴾ هو متاع البيت أو ماجد من الفرش ﴿وَرِئياً﴾ منظراً وهيئة فعل بمعنى مفعول من رأيت وريا بغير همز مشدداً نافع وابن عامر على قلب الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم الإدغام أو من الري الذي هو النعمة
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (٧٥)
﴿قُلْ مَن كَانَ فِى الضلالة﴾ الكفر ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً﴾ جواب من لأنها شرطية وهذا الأمر بمعنى الخبر أي من كفر مد له الرحمن يعني أمهله وأملى له في العمر ليزداد طغياناً وضلالاً كقوله تعالى إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وإنا أخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضلال ﴿حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾ هي متصلة بقوله خير مقاماً وأحسن ندياً وما بينهما اعتراض أي لا يزالون يقولون هذا القول إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين ﴿إِمَّا العذاب﴾ في الدنيا وهو تعذيب المسلمين إياهم بالقتل والأسر ﴿وَإِمَّا الساعة﴾ أي القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فهما بدلان مما يوعدون ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ منزلاً ﴿وَأَضْعَفُ جُنداً﴾ أعواناً وأنصاراً أي فحينئذٍ يعلمون أن الأمر على عكس ما قدروه وأنهم شر مكاناً وأضعف جنداً لا خير مقاماً وأحسن ندياً وأن المؤمنين على خلاف صفتهم وجاز أن تتصل بما يليها والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم لا ينفكون
مريم (٨٠ - ٧٦)
عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين أو يشاهدوا الساعة وحتى هي التي يحكي بعدها الجمل ألا ترى أن الجملة الشرطية واقعة بعدها وهي قوله إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)
﴿وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى﴾ معطوف على موضع فليمدد لوقوعه موضع الخبر تقديره من كان في الضلالة مد أو يمد له الرحمن ويريد أي يزيد في ضلال الضال بخدلانه ويزيد المهتدين أي المؤمنين هدى ثباتاً على الاهتداء أو يقينا وبصيرة بتوفيقه ﴿والباقيات الصالحات﴾ أعمال الآخرة كلها أو الصلوات الخمس أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ﴿خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا﴾ مما يفتخر به الكفار ﴿وَخَيْرٌ مَّرَدّاً﴾ أي مرجعاً وعاقبة تهكم بالكفار لأنهم قالوا للمؤمنين
349
أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً
350
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)
﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً﴾ ثم وبضم الواو وسكون اللام في أربعة مواضع ههنا وفي الزخرف ونوح حمزة وعلي جمع ولد كأسد في أسد أو بمعنى الولد كالعرب في العرب ولما كانت رؤية الأشياء طريقاً إلى العلم بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء أفادت التعقيب كأنه قال أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديث أولئك وقوله لأولين جواب قسم مضمر
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨)
﴿أَطَّلَعَ الغيب﴾ من قولهم اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه الهمزه للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة أي انظر في اللوح المحفوظ فرأى منيته ﴿أم اتخذ عند الرحمن عهدا﴾ موثقا أن يؤتيه ذلك أو العهد كلمة الشهادة وعن الحس نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها في العاص بن وائل فقد رُوي أن خباب بن الأرت صاغ للعاص بن وائل حلياً فاقتضاه الأجر فقال إنكم تزعمون أنكم تبعثون وأن في الجنة ذهباً وفضة فأنا أقضيك ثُم فإني أوتي مالاً وولداً حينئذ
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (٧٩)
﴿كَلاَّ﴾ ردع وتنبيه على الخطأ أي هو مخطئ فيما تصوره لنفسه فليرتدع عنه ﴿سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ أي قوله والمراد سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله لأنه كما قال كتب من غير تأخير قال الله تعالى مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وهو كقوله... إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة...
أي علم وتبين بالانتساب أني لست بابن لئيمة ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب﴾ نزيده من العذاب كما يزيد في الافتراء والاجتراء من المدد يقال مده وأمده
350
بمعنى ﴿مَدّاً﴾ أكد بالمصدر لفرط غضبه تعالى
351
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (٨٠)
﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ أي نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة والمعنى مسمى ما يقول
مريم (٨٧ - ٨٠)
وهو المال والولد ﴿وَيَأْتِينَا فَرْداً﴾ حال أي بلا مال ولا ولد كقوله ولقد جئتمونا فرادى فما يجدي عليه تمنيه وتأليه
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١)
﴿واتخذوا من دون الله آلهة﴾ أي اتخذ هؤلاء المشركون أصناماً يعبدونها ﴿لّيَكُونُواْ لهم عزا﴾ أي ليعتزوا بآلهتهم ويكونوا له شفعاء وأنصاراً ينقذونهم من العذاب
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)
﴿كَلاَّ﴾ ردع لهم عما ظنوا ﴿سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم﴾ الضمير للآلهة أي سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون أو للمشركين أي ينكرون أن يكونوا قد عبدوها كقوله والله ربنا ما كنا مشركين ﴿وَيَكُونُونَ﴾ أي المعبودون ﴿عَلَيْهِمْ﴾ على المشركين ﴿ضِدّاً﴾ خصما لأن الله تعالى ينطقهم فتقول يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك والضد يقع على الواحد والجمع وهو في مقابلة لهم عزاً والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أي يكونون عليهم ضداً لما قصدوه اي يكونون عليهم ذلا لالهم عزاً وإن رجع الضمير في سيكفرون ويكونون إلى المشركين فالمعنى ويكونون عليهم أي أعداؤهم ضد أي كفرة بهم بعد أن كانوا يعبدونها ثم عجب نبيه عليه السلام بقوله
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين﴾ أي خليناهم وإياهم من أرسلت البعير أطلقته أو سلطناهم عليهم بالإغواء ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾ تغريهم على المعاصي اغراء وااز والهز اخوان ومعناهما التهيج وشدة الازعاج
فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)
﴿فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ﴾ بالعذاب ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ أي
351
أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء وقرأها ابن السماك عند المأمون فقال إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد
352
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥)
﴿يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً﴾ ركبانا على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (٨٦)
﴿وَنَسُوقُ المجرمين﴾ الكافرين سوق الأنعام لأنهم كانوا أضل من الأنعام ﴿إلى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ عطاشاً لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورود المسير إلى الماء فيسمى به الواردون فالورد جمع وارد كركب وراكب ونصب يوم بمضمر أي يوم نحشر ونسوق نفعل بالفريقين مالا يوصف أو اذكر يوم نحشر ذكر المتقون بأنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفود على الملوك تبجيلاً لهم والكافرون بأنهم مساقون إلى النار كانهم نعم عطش مساق إلى الماء استخفافاً بهم
لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧)
﴿لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة﴾ حال والواو إن جعل ضميرا فهو للعباد
مريم (٩٢ - ٨٧)
ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة ويجوز أن يكون علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث والفاعل من اتخذ لأنه في معنى الجمع ومحل من اتخذ رفع على البدل من واو يملكون أو على الفاعلية أو نصب على تقدير حذف المضاف أي الأشفاعة من اتخذ والمراد لا يملكون أن يشفع لهم ﴿إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً﴾ بأن آمن في الحديث من قال لاإله إلا الله كان له عند الله عهد وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي ﷺ قال لأصحابه ذات يوم أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهد قالوا وكيف ذلك قال يقول
352
كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك وإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فإذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كان لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة أو يكون من عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها
353
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨)
﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً﴾ أي النصارى واليهود ومن زعم أن الملائكة بنات الله
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩)
﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً﴾ خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدّني الأمر اثقلتي وعظم عليّ أدًّا
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠)
﴿تَكَادُ السماوات﴾ تقرب وبالياء نافع وعليّ ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ وبالنون بصري وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر الانفطار من فطره إذا شقه والتقطر من فطره إذا شققه ﴿مِنْهُ﴾ من عظم هذا القول ﴿وتنشق الأرض﴾ تنخسف وتنصل أجزاؤها ﴿وَتَخِرُّ الجبال﴾ تسقط ﴿هَدّاً﴾ كسراً أو قطعاً أو هدماً والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدّا من سماع قولهم أو مفعول له حال أي مهدودة
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)
﴿أَن دَعَوْا﴾ لأن سموا ومحله جر بدل من الهاء في منه أو نصب مفعول له علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد للرحمن أو رفع فاعل هداًّ أي هدها دعاؤهم ﴿للرحمن وَلَداً﴾
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)
﴿وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً﴾ انبغى مطاوع بغى إذا طلب أي ما يتأتي له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلاً لأنه محال غير داخل تحت الصحة وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجانسة وهو منزه عنهما وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه فانت وجميع ما عندك عطاؤه فمن أضاف إليه ولداً فقد جعله كبعض خلقه واخرجه بذلك عن
مريم (٩٨ - ٩٣)
استحقاق اسم الرحمن
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)
﴿إِن كُلُّ مَن﴾ نكرة موصوفة صفتها ﴿فِى السماوات والأرض﴾ وخبر كل ﴿إلا آتي الرحمن﴾ ووحد آتي وآتيه حملاً على لفظ كل وهو اسم فاعل من أى وهو مستقبل أي يأتيه ﴿عَبْداً﴾ حال أي خاضعاً ذليلاً منقاداً والمعنى ما كل من في السموات والأرض من الملائكة والناس إلا هو يأتي الله يوم القيامة مقراً بالعبودية والعبودية والبنوة تتنافيان حتى لوم ملك الأب ابنه يعتق عليه ونسبة الجميع إليه نسبة العبد إلى المولى فكيف يكون البعض ولداً والبعض عبداً وقرأ ابن مسعود آت الرحمن على أصله قبل الإضافة
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤)
﴿لَّقَدْ أحصاهم وَعَدَّهُمْ عَدّاً﴾ أي حصرهم بعلمه وأحاط بهم
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥)
﴿وكلهم آتيه يَوْمَ القيامة فَرْداً﴾ أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفرداً بلا مال ولا ولد أو بلا معين ولا ناصر
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)
﴿إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً﴾ مودة في قلوب العباد قال الربيع يحبهم ويحببهم إلى الناس وفي الحديث يعطى المؤمن مِقَةً في قلوب الأبرار ومهابة في قلوب الفجار وعن قتادة وهرم
354
ما أقبل العبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه وعن كعب ما يستقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر له في السماء
355
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧)
﴿فإنما يسرناه﴾ سهلنا القرآن ﴿بلسانك﴾ لغتك حال ﴿لِتُبَشّرَ بِهِ المتقين﴾ المؤمنين ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً﴾ شداداً في الخصومة بالباطل أي الذين يأخذون في كل لديد أي شق من المراء والجدال جمع ألد يريد به أهل مكْة
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨)
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ﴾ تخويف لهم وإنذار ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ﴾ أي هل تجد أو ترى أو تعلم والإحساس الإدراك بالحاسة ﴿أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً﴾ صوتاً خفياً ومنه الركاز أي لما أتاهم عذابنا لم يبق شخص يرى ولا صوت يسمع يعني هلكوا كلهم فكذا هؤلاء إن أعرضوا عن تدبر ما أنزل عليك فعاقبتهم الهلاك فليهن عليك أمرهم والله أعلم
355
طه (٧ - ١)
سورة طه
سورة طه ﷺ مكية وهي مائة وخمس وثلاثون آية كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

356
Icon