تفسير سورة المدّثر

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المدثر
وهي مكية وذكر جابر بن عبد الله أنها أول سورة أنزلت من القرآن. وروى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" جاورت بحراء شهرا، فلما نزلت واستبطنت الوادي نوديت يا محمد، فنظرت من قدامي وخلفي ويميني وشمالي فلم أر أحدا، فنوديت ثم نوديت ثم نوديت، فرفعت رأسي فإذا هو في العرش في الهواء. يعني جبريل عليه السلام، فجئثت منه فرقا، فرجعت إلى البيت وقلت : زملوني دثروني ".
وفي رواية :" صبوا علي ماء باردا، ثم جاءني جبريل فقال :( يا أيها المدثر قم فأنذر )١. ومن المعروف أن أول ما نزل من القرآن سورة اقرأ، ونبين من بعد ويمكن الجمع بين الروايتين فيقال : إن سورة اقرأ أول ما نزل من القرآن حين بدئ بالوحي، وسورة المدثر أول ما نزل بعد فتور الوحي، والله أعلم.
١ - متفق عليه بنحوه عن جابر، رواه البخاري (١ /٣٧ رقم ٤، وأطرافه : ٣٢٣٨-٤٩٢٢-٤٩٢٦-٤٩٥٤-٦٢١٤)، و مسلم ( ٢ /٢٦٩- ٢٧٣ رقم ١٦١)..

قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا المدثر﴾ مَعْنَاهُ: يَا أَيهَا المتدثر، مثل قَوْله: ﴿يَا أَيهَا المزمل﴾ أَي: المتزمل.
وَالْفرق بَين الشعار والدثار، أَن الشعار هُوَ الثَّوْب الَّذِي يَلِي جلد الْإِنْسَان، والدثار هُوَ الثَّوْب الَّذِي فَوق ذَلِك.
وَقد روى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سَمِعت رَسُول الله يحدث عَن فَتْرَة الْوَحْي، فَقَالَ فِي حَدِيثه: " بَيْنَمَا أَنا أَمْشِي سَمِعت صَوتا من السَّمَاء، فَرفعت رَأْسِي، فَإِذا الْملك الَّذِي جَاءَنِي بحراء [جَالِسا] على كرْسِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، فجئثت مِنْهُ رعْبًا، فَرَجَعت وَقلت: زَمِّلُونِي دَثرُونِي، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا المدثر﴾، وَهَذَا خبر مُتَّفق على صِحَّته.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهِ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد، أخبرنَا أَبُو سهل عبد الصَّمد بن عبد الرَّحْمَن الْبَزَّار، أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا [العذافري]، أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الدبرِي أخبرنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر... الْخَبَر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قُم فَأَنْذر﴾ قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس: الْقيام فِي لُغَة الْعَرَب على وَجْهَيْن: قيام جد وعزم، وَقيام انتصاب، فقيام الانتصاب مَعْلُوم، وَقيام الْجد والعزم فَهُوَ مثل قَول الشَّاعِر:
(قد رضيناه فَقُمْ فسمه... )
قَالَه لبَعض الْخُلَفَاء فِي بعض وُلَاة الْعَهْد.
وَقَالَ الضَّحَّاك: كَانَ النَّبِي قَائِما فَنزل
88
﴿وَرَبك فَكبر (٣) وثيابك فطهر (٤) ﴾. ﴿يَا أَيهَا المدثر﴾ أَي: النَّائِم.
﴿قُم فَأَنْذر﴾ أَي: قُم من النّوم وأنذر النَّاس.
89
وَقَوله: ﴿وَرَبك فَكبر﴾ أَي: عظمه، وَدخلت الْفَاء بِمَعْنى جَوَاب الْجَزَاء.
وَقيل: رَبك فَكبر، أَي قل: الله أكبر.
وَقَوله: ﴿وثيابك فطهر﴾ قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة مَعْنَاهُ: لَا تلبسها على غدر وفجور.
وَقَالَ السّديّ: وعملك فَأصْلح.
وَقَالَ الشَّاعِر فِي القَوْل الأول:
(وَإِنِّي بِحَمْد الله لَا ثوب فَاجر لبست وَلَا من غدرة أتقنع)
وَقَالَ السّديّ: تَقول الْعَرَب فلَان نقي الثِّيَاب إِذا كَانَت أَعماله صَالِحَة، وَفُلَان دنس الثِّيَاب إِذا كَانَت أَعماله خبيثة.
وَقيل: " وثيابك فطهر " أَي: قَلْبك فَأصْلح.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
(فَإِن يَك قد ساءتك مني خَلِيقَة فسلي ثِيَابِي من ثِيَابك تنسل)
وَقَالَ طَاوس: وثيابك فطهر، أَي: قصر، فَإِن الثَّوْب إِذا طَال انجر على الأَرْض فَيُصِيبهُ مَا يُنجسهُ.
وَقَالَ عمر فِي رجل يجر ثِيَابه: قصر من ثِيَابك فَإِنَّهُ أنقى وَأبقى وَأتقى.
وَعَن ابْن سِيرِين فِي قَوْله: ﴿وثيابك فطهر﴾ أَي: [اغسلها]، من النَّجَاسَات.
وَهُوَ قَول مُخْتَار عِنْد الْفُقَهَاء.
وَذكر الزّجاج أَن التَّطْهِير هُوَ التَّقْصِير على مَا ذكرنَا عَن طَاوس.
وَقيل: ونساءك فَأصْلح، أَي: تزوج الْمُؤْمِنَات العفيفات.
وَقد بَينا أَن اللبَاس يكنى
89
﴿وَالرجز فاهجر (٥) وَلَا تمنن تستكثر (٦) ولربك فاصبر (٧) فَإِذا نقر فِي الناقور (٨) فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير (٩) على الْكَافرين غير يسير (١٠) ﴾. بِهِ عَن النِّسَاء، فَكَذَلِك يجوز فِي الثِّيَاب.
90
وَقَوله: ﴿وَالرجز فاهجر﴾ قَالَ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم مَعْنَاهُ: فاهجر، أَي: ابعد، وَالْقَوْل الثَّانِي: فِي الْأَوْثَان فاهجر، وَهُوَ قَول مَعْرُوف.
وَقد قرئَ: " وَالرجز فاهجر " لهَذَا الْمَعْنى.
وَقَالَ الْفراء: الرجز وَالرجز بِمَعْنى وَاحِد.
وَقيل: الرجز هُوَ الرجس، يَعْنِي: اجْتنب الرجاسات والنجاسات.
وعَلى هَذَا القَوْل أبدلت السِّين بالزاي.
وَيُقَال: الرجز هُوَ الْعَذَاب، وَالْمعْنَى: اجْتنب مَا يُؤَدِّي إِلَى الْعَذَاب.
وَقَوله ﴿وَلَا تمنن تستكثر﴾ وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " وَلَا تمنن أَن تستكثر ".
قَالَ الْكسَائي: سَقَطت " أَن " فارتفع.
وَقَالَ الْحسن مَعْنَاهُ: لَا تمن بِعَطَائِك على أحد.
وَذكر الاستكثار لِأَنَّهُ إِنَّمَا يمن إِذا رَآهُ كثيرا.
وَالْقَوْل الْمَعْرُوف: لَا تعط أحدا لتعطي أَكثر مِمَّا تُعْطِي.
قَالَ إِبْرَاهِيم: وَهَذَا فِي حق النَّبِي خَاصَّة؛ لِأَن الله تَعَالَى أمره بأشرف الْآدَاب وَأجل الْأَخْلَاق، فَأَما فِي حق غَيره فَلَا بَأْس بِهِ.
رَوَاهُ الْمُغيرَة بن مقسم الضَّبِّيّ عَن إِبْرَاهِيم.
وَقد حكى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ عَن غير إِبْرَاهِيم.
وَقَوله: ﴿ولربك فاصبر﴾ قَالَ مُجَاهِد: على مَا أوذيت.
وَقيل: على الْحق وإبلاغ الرسَالَة.
وَعَن إِبْرَاهِيم قَالَ: ولربك فاصبر حَتَّى تثاب على عَمَلك.
أوردهُ النّحاس عَنهُ.
قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِذا نقر فِي الناقور﴾ أَي: الصُّور.
وَيُقَال: هُوَ النفخة الأولى.
وَيُقَال: هُوَ الثَّانِيَة.
وَقد روى أَن زُرَارَة بن أبي أوفى كَانَ يُصَلِّي بِقوم فَقَرَأَ: ﴿فَإِذا نقر فِي الناقور﴾ فَخر مغشيا [عَلَيْهِ].
وَقيل: إِنَّه شبه البوق.
وَقَوله: ﴿فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير﴾ أَي: شَدِيد
﴿على الْكَافرين غير يسير﴾ أَي:
90
﴿ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا (١١) وَجعلت لَهُ مَالا ممدودا (١٢) وبنين شُهُودًا (١٣) ﴾. غير هَين وَلَا لين.
91
﴿قَوْله تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا﴾ قَوْله: ﴿ذَرْنِي﴾ مَعْنَاهُ: دَعْنِي.
وَقد بَينا وَجه ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وحيدا﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: خلقته وَحده لَا مَال لَهُ وَلَا ولد.
وَالثَّانِي: خلقته وحدي لم يشركني فِي خلقه غَيْرِي، وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة على قَول أَكثر الْمُفَسّرين.
وَقَوله: ﴿وَجعلت لَهُ مَالا ممدودا﴾ فِيهِ أَقْوَال كَثِيرَة: أَحدهَا: أَنه ألف دِينَار، قَالَه ابْن عَبَّاس
وَعَن سُفْيَان: أَرْبَعَة آلَاف دِينَار، وَقَالَ قَتَادَة: سِتَّة آلَاف دِينَار.
وَعَن مُجَاهِد فِي بعض الرِّوَايَات: مائَة ألف دِينَار.
وَالْقَوْل الأول مَعْرُوف؛ لِأَن الْحساب يَمْتَد إِلَيْهِ فَيقطع.
وَعَن عمر بن الْخطاب: غلَّة شهر بِشَهْر.
وَقد ورد أَنه كَانَ لَهُ بُسْتَان بِالطَّائِف لَا يَنْقَطِع دخله شتاء وَلَا صيفا.
وَيُقَال: هُوَ المَال الَّذِي يستوعب جَمِيع وُجُوه المكاسب من التِّجَارَة وَالزَّرْع والضرع وَغير ذَلِك.
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي بعض الرِّوَايَات: كَانَت لَهُ الْإِبِل المؤبلة وَالْخَيْل المسومة والأنعام من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَغير ذَلِك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وبنين شُهُودًا﴾ فِي التَّفْسِير: أَنه كَانَ لَهُ [عشرَة] بَنِينَ، وَقيل: ثَلَاثَة عشر.
وَقيل: غير ذَلِك.
وَقَوله: ﴿شُهُودًا﴾ أَي: حُضُور لَا يغيبون عَنهُ لحَاجَة أَو لخوف.
(رَوَاهُ مُسلم).
91
﴿ومهدت لَهُ تمهيدا (١٤) ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد (١٥) كلا إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيدا (١٦) سَأُرْهِقُهُ صعُودًا (١٧) ﴾.
[و] من بنيه أسلم اثْنَان: خَالِد بن الْوَلِيد، وَهِشَام بن الْوَلِيد، وَالْبَاقُونَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة.
92
وَقَوله: ﴿ومهدت لَهُ تمهيدا﴾ التَّمْهِيد هُوَ التهيئة والتوطئة.
وَقيل: وسعت عَلَيْهِ الْأَمر توسيعا.
(وَيُقَال) : بسطت لَهُ مَا بَين الْيمن وَالشَّام.
أَي: فِي التِّجَارَة.
وَقيل: التَّمْهِيد هُوَ تيسير أَسبَاب الْمَعيشَة، كَأَنَّهُ كَانَ يَتَيَسَّر عَلَيْهِ كل مَا كَانَ يَطْلُبهُ ويريده من أَسبَابهَا.
وَقَوله: ﴿ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد﴾ وروى أَن النَّبِي لما ذكر مَا أعد الله تَعَالَى للْمُسلمين من نعيم الْجنَّة، قَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: أَنا أيسركم وأكثركم بَنِينَ، فَأَنا أَحَق بِالْجنَّةِ مِنْكُم، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد كلا﴾ أَي: لَا أَزِيد.
وَقيل هَذَا فِي الدُّنْيَا، وَقد أعْسر من بعد وَاحْتَاجَ.
وَقَوله: ﴿إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيدا﴾ أَي: معاندا.
وَقيل: جاحدا.
وقوله :( إنه كان لآياتنا عنيدا ) أي : معاندا. وقيل : جاحدا.
وَقَوله: ﴿سَأُرْهِقُهُ صعُودًا﴾ الإرهاق فِي اللُّغَة: هُوَ حمل الرجل على (الشَّيْء).
وَقَوله: ﴿صعُودًا﴾ روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي قَالَ: " هُوَ جبل من نَار يتَصَعَّد فِيهِ سبعين خَرِيفًا ثمَّ يهوى بِهِ كَذَلِك فِيهِ أبدا ".
ذكره أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه، وروى أَنه صَخْرَة من نَار إِذا وضع يَده عَلَيْهَا ذَابَتْ، وَإِذا رَفعهَا عَادَتْ.
92
﴿إِنَّه فكر وَقدر (١٨) فَقتل كَيفَ قدر (١٩) ثمَّ قتل كَيفَ قدر (٢٠) ثمَّ نظر (٢١) ثمَّ عبس وَبسر (٢٢) ﴾.
قَالَ الْكَلْبِيّ: يجر من قدامه بالسلاسل وَيضْرب من خَلفه بالمقامع فَإِذا صعد عَلَيْهَا هوى هَكَذَا أبدا.
وَيُقَال الصعُود: الْعقبَة الشاقة.
وَهَذَا القَوْل قريب مِمَّا ذكرنَا.
93
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّه فكر﴾ أَي: تدبر.
وَقَوله: ﴿وَقدر﴾ هُوَ بِمَعْنى التفكر أَيْضا.
وَقَوله: ﴿فَقتل كَيفَ قدر﴾ أَي: لعن كَيفَ قدر.
قَالَ صَاحب النّظم مَعْنَاهُ: لعن على أَي حَال قدر مَا قدر.
وَقَوله: ﴿ثمَّ قتل كَيفَ قدر﴾ على وَجه التَّأْكِيد، وَمَعْنَاهُ مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿ثمَّ نظر﴾ أَي: بِرَأْيهِ وعقله فِي أَمر النَّبِي.
وروى إِسْحَاق [بن] إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي فِي كِتَابه بِإِسْنَادِهِ عَن مُجَاهِد أَن الْمُشْركين اجْتَمعُوا عِنْد الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَقَالُوا: هَذَا الْمَوْسِم يَأْتِي وَيقدم فِيهِ النَّاس، ويسألوننا عَن هَذَا الرجل، فَإِن سألونا نقُول: إِنَّه شَاعِر.
فَقَالَ الْوَلِيد: إِنَّهُم يسمعُونَ كَلَامه ويعلمون أَنه لَيْسَ بشاعر.
فَقَالُوا: نقُول: إِنَّه مَجْنُون: فَقَالَ: إِنَّهُم يسمعُونَ حَدِيثه فيعلمون أَنه عَاقل.
فَقَالُوا: نقُول إِنَّه كَاهِن.
فَقَالَ: إِنَّهُم قد رَأَوْا الكهنة فيعلمون أَنه لَيْسَ بكاهن.
قَالُوا: فَمَاذَا نقُول؟ فَحِينَئِذٍ فكر وَقدر وَنظر.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ثمَّ عبس وَبسر﴾ أَي: قطب وَجهه.
يُقَال للقاطب: وَجهه باسر.
وَقيل: العبوس بعد المحاورة، والبسور قبل المحاورة.
وَالأَصَح أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك؛ لِأَن الْإِنْسَان إِذا أهمه الْأَمر، وَجعل يتفكر فِيهِ، وَيُؤْتى بعبس وَجهه كالمتكاره بِشَيْء.
ثمَّ إِن الْوَلِيد لما فعل جَمِيع مَا فعل للْقَوْم [قَالَ] : قُولُوا: إِنَّه سَاحر؛ فَإِن السَّاحر يبغض بَين المتحابين، ويحبب بَين
93
﴿ثمَّ أدبر واستكبر (٢٣) فَقَالَ إِن هَذَا إِلَّا سحر يُؤثر (٢٤) إِن هَذَا إِلَّا قَول الْبشر (٢٥) سأصليه سقر (٢٦) وَمَا أَدْرَاك مَا سقر (٢٧) لَا تبقي وَلَا تذر (٢٨) ﴾.
المتباغضين، وَإِن مُحَمَّدًا كَذَلِك، فَخَرجُوا واجتمعوا على هَذَا القَوْل، وَجعلُوا يَقُولُونَ لكل من يلقاهم: إِنَّه سَاحر، فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿فَقَالَ إِن هَذَا إِلَّا سحر يُؤثر﴾ أَي: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿يُؤثر﴾ أَي: يأثره عَن غَيره.
كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّه يتَعَلَّم من غُلَام ابْن الْحَضْرَمِيّ، وَقيل غَيره.
وَقَوله: ﴿ثمَّ أدبر واستكبر﴾ أَي: تولى وتكبر.
94
وقوله :( ثم أدبر واستكبر ) أي : تولى وتكبر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:وقوله :( ثم أدبر واستكبر ) أي : تولى وتكبر.
قَوْله: ﴿إِن هَذَا إِلَّا قَول الْبشر﴾ أَي: الْقُرْآن قَول الْبشر، لَيْسَ بقول الله تَعَالَى.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿سأصليه سقر﴾ سأدخله، وسقر اسْم من أَسمَاء جَهَنَّم.
قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الدَّرك الْخَامِس، والدركات سبع كلهَا فِي الْقُرْآن: جَهَنَّم لظى، والجحيم، وسقر، وسعير، والهاوية، والحطمة.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا سقر﴾ قَالَه تَعْظِيمًا لأمر السقر.
وَقَوله: ﴿لَا تبقي وَلَا تذر﴾ قَالَ مُجَاهِد: لَا تبقى حَيا فيستريح، وَلَا مَيتا فيتخلص، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى﴾.
وَيُقَال: ﴿لَا تبقى وَلَا تذر﴾ أَي لَا تبقى لَحْمًا وَلَا عظما (وَلَا تذر) أَي: إِذا أحرقت الْكل لم تذر؛ لِأَنَّهُ يعود خلقا جَدِيدا.
وَقيل: لَا تبقى أحدا من الْكَافرين، أَي: تَأْخُذ جَمِيع الْكَافرين وَلَا تذرهم من الْعَذَاب وقتا مَا، أَي: تحرقهم أبدا.
وَفِي بعض التفاسير: أَن كل شَيْء يسأم ويمل سوى جَهَنَّم.
وَقَوله: ﴿لواحة للبشر﴾ أَي محرقة.
قَالَ أَبُو رزين: تحرقهم حَتَّى يصيروا سُودًا
94
﴿لواحة للبشر (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَة عشر (٣٠) وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار إِلَى مَلَائِكَة كالليل المظلم.
وَقيل: لواحة للبشر أَي: تحرق اللَّحْم حَتَّى تلوح الْعظم.
وَيُقَال مَعْنَاهُ: أَن بشرة أَجْسَادهم تلوح على النَّار، حكى هَذَا عَن مُجَاهِد.
وَقيل: لواحة للبشر، أَي: معطشة للبشر، قَالَ الشَّاعِر:
95
وَقَوله: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَة عشر﴾ أَي: من الزَّبَانِيَة وخزنة النَّار.
وَفِي التَّفْسِير: أَن من منْكب أحدهم إِلَى الْمنْكب الآخر مسيرَة سنة، وَيَأْخُذ بكفه مثل عدد ربيعَة وَمُضر، وَيدْفَع فِي النَّار بدفعة وَاحِدَة سبعين ألفا.
وَقيل: تسعين ألفا، وأعينهم كالبرق الخاطف، وأسنانهم كصياص الْبَقر.
وَذكر الْكَلْبِيّ أَن لَهُم من الأعوان والجند مَا لَا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله تَعَالَى.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار إِلَى مَلَائِكَة﴾ سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة أَن النَّبِي لما أخبر بِعَدَد الزَّبَانِيَة، وَقَالَ أَبُو جهل: أرى مُحَمَّدًا يوعدكم بِتِسْعَة عشر وَأَنْتُم الدهم، أَفلا تقرنون مَعَهم ليعمد كل عشرَة مِنْكُم إِلَى وَاحِد فيدفعه.
وَقَالَ أَبُو الْأسد بن كلدة - وَكَانَ رجلا من بني جمح -: أَنا أتقدمكم على الصِّرَاط، فأدفع عشرَة بمنكبي الْأَيْمن، وَتِسْعَة بمنكبي الْأَيْسَر، ونمر إِلَى الْجنَّة.
وَقَالَ: كلدة بن أسيد: أَنا أكفيكم سَبْعَة عشر، فاكفوني أَنْتُم اثْنَيْنِ؛ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار إِلَّا مَلَائِكَة﴾ أَي: هَؤُلَاءِ التِّسْعَة عشر من الْمَلَائِكَة، وَكَيف تطيقونهم؟ وروى أَن الْمُسلمين لما سمعُوا مِنْهُم هَذَا قَالُوا: تقيسون الْمَلَائِكَة بالحدادين؟ أَي: (السجانين).
95
﴿وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا ليستقين الَّذين أُوتُوا الْكتاب ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا وَلَا يرتاب الَّذين أُوتُوا الْكتاب والمؤمنون وليقول الَّذين فِي قُلُوبهم مرض والكافرون مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مثلا كَذَلِك يضل الله من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ﴾
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا﴾ أَي: منحة وبلية حَتَّى قَالُوا مَا قَالُوا.
وَقَوله: ﴿ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب﴾ أَي: ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب أَن مُحَمَّدًا قَالَ مَا قَالَ من الله تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ وَافق هَذَا الْعدَد الَّذين (وعدوا) فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل.
وَقَوله: ﴿ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا﴾ أَي: يزْدَاد الَّذين آمنُوا من أهل الْكتاب إِيمَانًا.
وَقيل: يزْدَاد جَمِيع الْمُؤْمِنُونَ إِيمَانًا إِذا رَأَوْا مَا قَالَه النَّبِي مُوَافقا لما حَكَاهُ أهل الْكتاب.
وَقَوله: ﴿وَلَا يرتاب الَّذين أُوتُوا الْكتاب والمؤمنون﴾ أَي: لَا يشكوا فِي الْعدَد إِذا وجدوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن متفقة على هَذَا الْعدَد.
وَقَوله: ﴿وليقول الَّذين فِي قُلُوبهم مرض والكافرون مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مثلا﴾ أَي: كَيفَ ذكر الله هَذَا الْعدَد وَخص الزَّبَانِيَة بِهِ؟ وَهُوَ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا﴾.
وَقَوله: ﴿كَذَلِك يضل الله من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء﴾ يَعْنِي: كَمَا أضلّ الْكفَّار بِهَذَا الْعدَد، وَهدى الْمُؤمنِينَ لقبوله، كَذَلِك يضل الله من يَشَاء، وَيهْدِي من يَشَاء بِمَا ينزل من الْقُرْآن.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ﴾ روى أَن الْكفَّار لما سمعُوا هَذَا الْعدَد
96
﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى للبشر (٣١) كلا وَالْقَمَر (٣٢) وَاللَّيْل إِذا أدبر (٣٣) وَالصُّبْح إِذا أَسْفر (٣٤) إِنَّهَا لإحدى الْكبر (٣٥) نذيرا للبشر (٣٦) ﴾. قَالُوا: مَا أقل هَذَا الْعدَد؛ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ﴾ أَي: لَهُ من الْجنُود سوى هَذَا الْعدَد مَا لَا يعلم عَددهَا إِلَّا هُوَ.
وَقَوله: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى للبشر﴾ أَي: هَذِه الْآيَة عظة وعبرة للبشر.
97
قَوْله تَعَالَى: ﴿كلا وَالْقَمَر﴾ كلا: هُوَ رد لما قَالُوا.
وَقَوله: ﴿وَالْقَمَر﴾ ابْتِدَاء قسم.
وَقَوله: ﴿وَاللَّيْل إِذا أدبر﴾ وَقُرِئَ: ﴿إِذا أدبر﴾ أَي: تولى وَذهب.
وَقَوله: ﴿إِذا أدبر﴾ أَي: إِذا جَاءَ خلف النَّهَار.
وروى أَن عبد الله بن عَبَّاس سُئِلَ عَن قَوْله: ﴿وَاللَّيْل إِذا أدبر﴾ فَقَالَ للسَّائِل: امْكُث.
فَلَمَّا أذن الْمُؤَذّن للصبح قَالَ: هَذَا حِين دبر اللَّيْل.
وَقد أنكر بَعضهم هَذِه الْقِرَاءَة.
وَقَالُوا: إِذا دبر، إِنَّمَا يُقَال فِي ظهر الْبَعِير.
وَالصَّحِيح مَا بَينا، وهما قراءتان معروفتان.
وَقَالَ الْكسَائي وَالْفراء: دبر وَأدبر بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَوله: ﴿وَالصُّبْح إِذا أَسْفر﴾ أَي: تبين وأضاء.
يُقَال: سفرت الْمَرْأَة عَن وَجههَا، (وسفر) الرجل بَيته إِذا كنسه حَتَّى كشف عَن تُرَاب الْبَيْت.
وَقَوله: ﴿إِنَّهَا لإحدى الْكبر﴾ أَي: الْقِيَامَة لإحدى العظائم.
وَيُقَال: الْكبر دركات جَهَنَّم.
وَقَوله: ﴿إِنَّهَا لإحدى الْكبر﴾ أَي: سقر إِحْدَى دركات جَهَنَّم، فَيَنْصَرِف (إِلَى مَا) ذكرنَا.
وَقَوله: ﴿نذيرا للبشر﴾ أَي: إنذارا للبشر.
وَذكر النّحاس أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْله:
97
﴿لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر (٣٧) كل نفس بِمَا كسبت رهينة (٣٨) إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين (٣٩) فِي جنَّات يتساءلون (٤٠) عَن الْمُجْرمين (٤١) مَا سلككم فِي سقر (٤٢) قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين (٤٣) وَلم نك نطعم الْمِسْكِين (٤٤) وَكُنَّا نَخُوض مَعَ الخائضين (٤٥) وَكُنَّا نكذب بِيَوْم الدّين (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين (٤٧) فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين (٤٨) ﴾.
﴿قُم﴾ أَي: قُم نذيرا للبشر.
98
وَقَوله: ﴿لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر﴾ أَي: يتَقَدَّم إِلَى الْإِيمَان أَو يتَأَخَّر عَنهُ.
وَقَوله: ﴿كل نفس بِمَا كسبت رهينة﴾ أَي: مرتهنة.
وَقَوله: ﴿إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين﴾ فليسوا بمرتهنين؛ لِأَنَّهُ لَيست لَهُم ذنُوب.
قَالَ زَاذَان عَن عَليّ: هم ولدان الْمُسلمين.
وَقيل: هم الْأَنْبِيَاء.
وَقيل: هم الَّذين يُعْطون الْكتاب بأيمانهم.
وَقيل: هم الَّذين أخذُوا من صلب آدم من الْجَانِب الْأَيْمن، وَقَالَ الله تَعَالَى لَهُم: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي.
وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنهم الْمَلَائِكَة.
وَقَوله: ﴿فِي جنَّات﴾ أَي: بساتين.
وَقَوله: ﴿يتساءلون عَن الْمُجْرمين مَا سلككم فِي سقر﴾ أَي: مَا أدخلكم فِي سقر، وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَن ذَلِك؛ لأَنهم لم يعرفوا الذُّنُوب، وَهَذَا يَصح إِذا حملنَا على الْمَلَائِكَة وولدان الْمُسلمين، وَأما إِذا حملنَا على غَيرهم، فَهُوَ سُؤال مَعَ الْمعرفَة، وَيجوز أَن يسْأَل الْإِنْسَان عَن غَيره مَعَ معرفَة حَاله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:وقوله :( في جنات ) أي : بساتين. وقوله :( يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر ) أي : ما أدخلكم في سقر، وإنما سألوا عن ذلك ؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، وهذا يصح إذا حملنا على الملائكة وولدان المسلمين، وأما إذا حملنا على غيرهم، فهو سؤال مع المعرفة، ويجوز أن يسأل الإنسان عن غيره مع معرفة حاله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٠:وقوله :( في جنات ) أي : بساتين. وقوله :( يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر ) أي : ما أدخلكم في سقر، وإنما سألوا عن ذلك ؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب، وهذا يصح إذا حملنا على الملائكة وولدان المسلمين، وأما إذا حملنا على غيرهم، فهو سؤال مع المعرفة، ويجوز أن يسأل الإنسان عن غيره مع معرفة حاله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين وَلم نك نطعم الْمِسْكِين وَكُنَّا نَخُوض مَعَ الخائضين﴾ قَالَ قَتَادَة: كلما غوى قوم غوينا مَعَهم.
وَقيل: كُنَّا نَخُوض مَعَ الخائضين فِي أَمر مُحَمَّد، وننسبه إِلَى السحر وَالشعر وَغير ذَلِك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:قوله تعالى :( قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين ) قال قتادة : كلما غوى قوم غوينا معهم. وقيل : كنا نخوض مع الخائضين في أمر محمد، وننسبه إلى السحر والشعر وغير ذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:قوله تعالى :( قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين ) قال قتادة : كلما غوى قوم غوينا معهم. وقيل : كنا نخوض مع الخائضين في أمر محمد، وننسبه إلى السحر والشعر وغير ذلك.
وَقَوله: ﴿وَكُنَّا نكذب بِيَوْم الدّين حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين﴾ أَي: الْمَوْت.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٦:وقوله :( وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) أي : الموت.
وَقَوله: ﴿فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين﴾ لأَنهم كفرة، فَلَا يكون لَهُم شَفِيع وَلَو
98
﴿فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين (٤٩) كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة (٥٠) فرت من قسورة (٥١) بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفا منشرة (٥٢) كلا بل لَا يخَافُونَ الْآخِرَة (٥٣) كلا إِنَّه تذكرة (٥٤) فَمن شَاءَ ذكره (٥٥) ﴾. كَانَ لم يَنْفَعهُمْ.
وَفِي التَّفْسِير: أَن هَذَا حِين يخرج قوم من الْمُؤمنِينَ من النَّار بشفاعة الْأَنْبِيَاء وَالرسل وَالْمَلَائِكَة وَالْعُلَمَاء وَالصديقين، وكل هَذَا مَرْوِيّ [فِي] الْأَخْبَار، وَيبقى الْكفَّار فِي النَّار على الْخُصُوص.
99
وَقَوله: ﴿فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين﴾ أَي: العظة وَالْعبْرَة.
وَقَوله: ﴿كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة﴾ وَقُرِئَ: ﴿مستنفَرة﴾ بِفَتْح الْفَاء.
وَقَوله: ﴿مستنفرة﴾ نافرة.
وَقَوله: ﴿مستنفَرة﴾ أَي: مَذْعُورَة.
وَقَوله: ﴿فرت من قسورة﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة: هُوَ الْأسد.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يُقَال بِالْعَرَبِيَّةِ الْأسد، وبالحبشية القسورة، وبالفارسية شير، وبالنبطية أريا.
وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فرت من قسورة: هم النقابون.
وَقيل: هم رُمَاة النبل.
وَقَوله: ﴿بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفا منشرة﴾ روى أَن الْكفَّار قَالُوا: لَا نؤمن بك يَا مُحَمَّد حَتَّى تَأتي كل وَاحِد منا كتابا من الله أَن آمن بِمُحَمد فَإِنَّهُ رَسُولي.
وَقَوله: ﴿كلا﴾ أَي: لَا يُؤْتونَ هَذِه الصُّحُف.
وَقيل: كلا أَي: لَو أُوتُوا هَذِه الصُّحُف لم يُؤمنُوا.
وَقَوله: ﴿بل لَا يخَافُونَ الْآخِرَة﴾ أَي: لَو خَافُوا لم يطلبوا هَذِه الْأَشْيَاء.
وَقَوله: ﴿كلا إِنَّه تذكرة﴾ أَي: الْقُرْآن عظة وعبرة.
وَقَوله: ﴿فَمن شَاءَ ذكره﴾ أَي: اتعظ بِهِ وَاعْتبر بِهِ، ثمَّ رد الْمَشِيئَة إِلَى نَفسه فَقَالَ:
99
﴿وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة (٥٦) ﴾.
100
﴿وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله﴾ أَي: لَا يعتبرون وَلَا يتعظون إِلَّا بمشيئتي.
وَقَوله: ﴿هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة﴾ أَي: أهل أَن أبقى خَالِدا فِي الْجنَّة من اتَّقى، وَلم يَجْعَل معي إِلَهًا.
﴿وَأهل الْمَغْفِرَة﴾ أَي: من اتَّقى وَلم يَجْعَل معي إِلَهًا فَأَنا أهل أَن أَغفر لَهُ.
وَفِي هَذَا خبر مُسْند بِرِوَايَة أنس عَن النَّبِي على نَحْو هَذَا الْمَعْنى ذكره أَبُو عِيسَى فِي كِتَابه.
وَعَن مُحَمَّد بن النَّضر بن الْحَارِث فِي هَذِه الْآيَة أَن قَوْله: ﴿هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة﴾ الْمَعْنى: أَنا أهل أَن أتقي بترك الذُّنُوب ﴿وَأهل الْمَغْفِرَة﴾ أَي: وَأَنا أهل أَن أَغفر للمذنبين إِن لم يتقوا.
وَذكر الْأَزْهَرِي فِي قَوْله ﴿بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفا منشرة﴾ قولا آخر: هُوَ أَن الْمُشْركين قَالُوا: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا أذْنب الْوَاحِد مِنْهُم ذَنبا ظهر ذَنبه مَكْتُوبًا على بَاب دَاره، فَمَا بالنا لَا يكون لنا ذَلِك إِن كُنَّا مذنبين؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَأخْبر على هَذَا الْمَعْنى، وَأخْبر أَنه لَا يفعل ذَلِك لهَذِهِ الْأمة، وَأَن ذَلِك كَانَ مَخْصُوصًا ببني إِسْرَائِيل.
وَالله أعلم.
100

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

{لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة (١).
تَفْسِير سُورَة الْقِيَامَة
وَهِي مَكِّيَّة
وَعَن عمر - رَضِي الله - عَنهُ أَنه قَالَ: من أَرَادَ أَن يُشَاهد الْقِيَامَة فليقرأ سُورَة الْقِيَامَة.
وَعَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنه قَالَ: يَقُولُونَ الْقِيَامَة وَمن مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته.
أورد هذَيْن الأثرين النقاش فِي تَفْسِير.
101
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(سقتني على لوح من المَاء شربة سَقَاهَا بِهِ الله الربَاب والغواديا﴾