ﰡ
الفرقان : القرآن، وسمي الفرقان لأنه فرق بين الحق والباطل.
على عبده : على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
تعالى الله عما سواه، صاحب البركة العظيمة، نزّل القرآنَ الذي يَفْرُق بين الحق والباطل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، لينذرَ به الناس جميعا، ويبلّغه للعالم كله، ليجعلوه منهاج حياتهم في جميع أمورهم.
١ – ﴿ الذي له مُلكُ السمواتِ والأرض ﴾ : له السلطانُ القاهر عليهما، وهو وحدَه المالك المتصرف في هذا الكون، وله السيطرة المطلقة فيه.
٢ – ﴿ ولم يتّخذ ولداً ﴾ : وهو منزَّه عن اتخاذ الولد، والتناسلُ من نواميس الخلق لامتداد الحياة، والله تعالى باقٍ لا يفنى، قادر لا يحتاج.
٣ – ﴿ ولم يكن له شريكٌ في المُلك ﴾ : والدليل على ذلك وَحدة هذا الكوْن، ووحدة نظامه ووحدة التصريف، ولو كان له شريكٌ لاختلّ النظام وتعدد.
٤ – ﴿ وخلقَ كل شيء فقدّره تقديرا ﴾ : وهذه هي الصفةُ الرابعة التي انفرد بها سبحانه. فقد خلق كل شيء في هذا الوجود وقدَّره تقديراً دقيقا منظَّما بنواميس تكفل له أداء مهمته بنظام. وقد أثبت العلمُ الحديث أن كل الموجودات تسير بحكم تكوينها وما يجري عليها من تطورات مختلفة وَفْقَ نظامٍ دقيق ثابت لا يقدِر عليه إلا خالق قدير مبدع. ويُظهر تقدُّمُ العلم للناس إعجاز القرآن الكريم ومعنى قوله تعالى ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾.
ولا جلْبَ الخير لها. وكذلك لا يستطيعون إماتة أحدٍ ولا إحياءه، ولا بعثاً من القبور. فهل يستحق هؤلاء أن يُعبَدوا ؟
افتراه : اختلقه.
فقد جاؤوا ظلما : قالوا باطلا.
زورا : كذبا.
وزعم الجاحدون أن هذا القرآن ليس من عند الله، وأن النبيّ عليه الصلاة والسلام جاء به من عنده ونَسَبه إلى الله، أعانه على وضعه جماعةٌ من أهل الكتاب ممن أسلموا، فردّ الله عليهم بقوله :﴿ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً ﴾ : لقد كذبوا في مقالهم، وظلموا وزوّروا الحقيقة ولو أنه من عند محمدٍ نفسه لاستطاع كثير من الفصحاء أن يأتوا بمثله ! ! وقد تحدّاهم أكثر من مرة أن يأتوا بسورةٍ من مثله فلم يستطيعوا.... ولا يزال التحدي قائما.
اكتتبها : نقلها غن غيره.
تُملى عليه : تلقى عليه ليحفظها.
بُكرةً وأصيلاً : صباحا ومساء.
ثم أمعنوا في الكذِب والافتراء بأن قوماً آخرين أعانوه عليه، كما قال تعالى :﴿ وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ : وقالوا أيضا : إن القرآن ليس إلا خرافاتِ الأولين الماضين نَقَلَها محمّد، قُرئت عليه صباحاً ومساء حتى يحفظها ويقولها للناس.
أو يُنزّل الله عليه كنزاً يُنفِق منه، أو يكون له بستان يأكل منه. ثم زادوا في تعنُّتِهِم فقال الجاحدون : إنكم تتبعون رَجلا سُحِرَ فاختلّ عقلُه فهو لا يعي ما يقول.
فضلّوا : فبقوا متحيرين في ضلالهم.
انظر أيها النبي كيف ضربوا لك الأمثال وقالوا عنك إنك مخدوعٌ بما يتراءى لك، بذلك ضلّوا عن طريق الهدى، وصاروا حائرين لا يدرون ماذا يقولون.
قراءات :
قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر :﴿ ويجعلُ لك قصورا ﴾ برفع لام يجعل، والباقون :﴿ يجعلْ ﴾ بالجزم.
سعيرا : ناراَ شديدة اللهب، يعني جهنم.
ثم انتقلَ من ذلك إلى كلامهم في البعث وإنكار أمر الساعة وما ينتظرهم فقال :﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً ﴾ : ولقد أتَوا بأعجبَ من هذا كله، وهو تكذيبُهم بيوم القيامة. وهم يتعلّلون بهذه المطالب ليصرِفوا الناس إلى باطلهم، وقد أعدَدْنا لمن كذّب بيوم القيامة ناراً مستعرة شديدة الحرارة واللهب.
سمعوا لها تَغيظاً : غلياناً وهيجانا عظيما.
وزفيرا : وتنفسا شديدا.
إذا قربوا منها ورأتهم من مكان بعيد سَمِعوا غليانها وأصواتَ زفراتها التي تملؤهم بالرعب.
ثبورا : هلاكا.
وإذا أُلقوا في مكانٍ ضَيّق منها مقرونةً أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل نادَوا هنالك طالبي هلاكهم ليستريحوا من العذاب.
قل أيها النبي للكافرين : هل هذا العذابُ خير من جنة الخلد التي أعدّها الله للمتقين، ثواباً لهم، يجدون فيها جزاء ما قدموه ! ؟
بعد أن ذكر الله ما أعدّ للمكذّبين الجاحدين يوم القيامة من العذاب الأليم، وما أعدّ للمتقين من النعيم في جنات الخلد، بيّن هنا أحوال الكافرين مع من عبدوهم من دون الله، وأن هذه المعبودات تكذّبهم فيما نسبوه إليها. فيوم القيامة يحشُر الله المشركين مع من عبدوهم من دون الله مثل عيسى بن مريم وعُزير والملائكة فيسألهم ويقول لهم : أأنتم أضللتم عبادي فأمرتموهم أن يعبدوكم، أم هم الذين ضلّوا باختيارهم ؟
قراءات :
قرأ ابن كثير ويعقوب وحفص :﴿ ويوم يحشرهم ﴾ بالياء، والباقون :﴿ يوم نحشرهم ﴾ بالنون وقرأ ابن عامر :﴿ فنقول ﴾ بالنون، والباقون :﴿ فيقول ﴾ بالياء.
بورا : هالكين، يقال رجل بور وامرأة بور، وجماعة بور.
فيقولون : سبحانك، ما كان يحقّ لنا أن نطلب من أحدٍ أن يتخذ إلهاً غيرك، لكن هؤلاء الذين أنعمتَ عليهم بالرزق الكثير ( هم وآباؤهم ) أطغاهم ذلك، ونسوا شكرك والتوجّه إليك وحدك، وبذلك كانوا قوماً خاسرين.
فاليوم لا تستطيعون دفع العذاب عن أنفسكم، ولا تجدون من ينصركم ويخلّصكم منه، ولْيعلمِ الناسُ جميعا أن من يَظْلِم بالكفر والطغيان نعذبه عذابا شديدا.
قراءات :
قرأ حفص :﴿ فما تستطيعون ﴾ بالتاء، والباقون :﴿ فما يستطيعون ﴾ بالياء.
ثم يّرد الله تعالى على الذين اعترضوا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بكونه بشَرا وأنهم يريدون ملائكة تأتي بالرسالة، فيقول :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ :
إذا كان المشركون لا يعجبهم أن تكون رسولاً لأنك تأكل الطعامَ وتمشي في الأسواق، فإن تلك سُنّةُ الله في المرسَلين من قبلك.... كلّهم كانوا رجالاً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. كما قال تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى ﴾ [ يوسف : ١٠٩ ].
﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ﴾ : وامتحنّا بعضَكم ببعض. وهذا صراعٌ طويل طويل منذ بدءِ العالم ولا يزال مستمر. اصبروا إنَّ الله مطّلع على كل شيء، ويجازي كلاً بما عمل. وهو البصير بحال الصابرين وحال الجزعين.
اللهم اجعلنا من الصابرين على أذى السفهاء، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واعفُ عنا وارحمنا وثبتنا على الإيمان.
واستكبروا في أنفسِهم : تكبروا، تمكّن الكبر من نفوسهم.
وعتَوا عتوّاً كبيرا : تمرّدوا، وتجاوزا حدا كبيرا في الظلم.
وقال الذين ينكرون البعث، ولا يتوقّعون لقاءنا : لماذا لا تُنَزَّلُ علينا الملائكةُ فيخبرونا بأن محمداً صادقٌ فيما يدّعي ؟ ولماذا لا نرى الله فيخبرنا بأنه أرسلك ؟ لقد استكبروا ووضعوا أنفسَهم في مكانٍ لا يستحقونه، وتجاوزوا الحد في الظلم والطغيان.
حِجراً محجورا : تعبير تقوله العرب عندما ينزل بهم مكروه، ومعناه نسأل الله أن يمنع ذلك منعا، ويحجره حجرا.
ثم بين الله أنهم سيَلْقَون الملائكة يوم القيامة، ولكن ذلك اليوم لن يسرَّهم ولن يكون لهم فيه بشارة، وسوف يقولون لهم : لا بشرى لكم اليوم.
ويومئذٍ يقولون ﴿ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ : حراماً محرَّماً، وهي جملة تقال اتقاءً للشر والأعداء، وذلك لا يعصمهم من العذاب.
هباء منثورا : غبارا متفرقا لا قيمة له.
ويوم القيامة نأتي إلى ما عملوه من الخير فنحرِمُهم ثوابه ونجعلُه كالغبار المتطاير في الهواء، لا قيمةَ له ولا وزن.
وأحسن مقيلا : وأحسن مكان للراحة والقيلولة.
وفي المقابل ستكون منازلُ أهل الجنة في ذلك اليوم خيراً من منازل المشركين، فهي أحسن الأماكن للاستقرار الدائم، وأعظمها راحةً وسعادة.
لنثّبت به فؤادك : لنقوّي به قلبك.
ورتّلناه ترتيلا : نزلناه على مهل، بعضُه إثر بعض.
وقال الكافرون : لو كان القرآن من عند الله حقاً لأنزله جملةً واحدة. فردّ الله عليهم مقالتهم، وبيّن لهم فوائدَ إنزاله منجَّماً، ومنها تثبيتُ قلب النبي صلى الله عليه وسلم بتيسير الحفظ، وفهم المعنى، وضبط الألفاظ.
﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾ وفرّقناه آية آية : على مهل وتؤدة.
تفسيرا : إيضاحا.
ثم وعده بأنهم كلما جاؤوا بشبهة أبطلَها بالجواب الحق، والقول الفصل الذي يكشِف وجه الصواب.
ثم بين الله حال المشركين الذين يحشَرون يوم القيامة وهم في غاية الذل ويُسحبون على وجوههم إلى جهنم في أسوإ حال، وأضيق مكان.
ثم أردف بعد ذلك بقصص بعض الأنبياء مع أممهم الذين كذّبوا فحلّ بهم النَّكالُ والوبال ليكون في ذلك عبرة للمكذبين. فذكر : قصة موسى مع فرعون وقومه.
ت ٣٥
أصحاب الرس : طائفة من ثمود.
وقرونا : جماعات.
وقصة هود مع قومه عاد، وقصة صالح مع قومه ثمود، وأصحاب الرسّ. وأوردَ كيف أهلكهم جميعاً كما أهلكَ بين ذلك أمماً كثيرة.
لقد أنذرْنا هؤلاء كلهم وذكرنا لهم العظاتِ والأمثال، لكنّهم لم يتعظوا، فأخذناهم بالعذاب ودمّرناهم تدميرا.
لا يرجون : لا يتوقعون.
نشورا : بعثنا للحساب والجزاء.
وهؤلاء قريشُ، يمرّون في أسفارهم إلى الشام على قرية قوم لوطٍ التي أمطرنا عليها شرَّ مطر وأسوأه، أفلم يروْها فيتّعظون بما حل بأهلها ؟
﴿ بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً ﴾ : إنهم لم يتعظوا بها لأنهم لا يؤمنون بالبعث والجزاء ولا يتوقعون أنهم سيُنْشَرون من قبورهم يوم القيامة.
سيعلم هؤلاء حين ينزل بهم العذابُ من هو الضالّ ومن هو المهتدي.
وكيلا : موكَّلا به.
انظر يا محمد، في حال الذي اتّبع شهواتِه حتى جعلها إلها له، انك لا تستطيع أن تدعوه إلى الهدى، ولا أن تكون عليه حفيظاً ووكيلا.
إلى ربك : إلى صنع ربك.
مد : بسط.
الظل : الخيال.
ساكنا : ثابتا على حاله لا يزول.
دليلا : علامة.
انظر إلى صنع ربك كيف بسَط الظلَّ، وجعل الشمس سبباً لوجوده، كما جعله مرافقاً لنور الشمس، فإن مالت طال، وان ارتفعت في السماء قصُر.
ثم يقبضه تدريجا.
نشورا : بعثا وحركة.
وهو الذي جعل الليلَ ساتراً ومظلِما، والنومَ راحة وهدوءاً، كما جعل النهار مجالاً للسعي والعمل.
بين يدي رحمته : الرحمة هنا المطر، يعني أن الرياح تأتي مبشرة بالمطر.
إنه الله.. هو الّذي جعل الرياح تسوق الغيوم مبشِّرة برحمتِه من المطر.
أناس : الناس.
وبهذا الماء الطهور يحيي الأراضيَ التي لا نبات فيها، ومنه تشرب الأنعام والناس.
لقد كررنا هذا القولَ ( وهو ذِكر إنشاء السحاب وإنزال المطر ) على الناس ليعتبروا، ولكن أكثر الناس أبَوا إلا الكفر والعناد. وهناك رأيٌ ثانٍ في تفسير هذه الآية ومعناه : وهذا القرآن قد بيّنَا آياته وصرّفناها ليتذكر الناس ربهم، وليتعظوا ويعملوا بموجبه.
عذْب فرات : حلو سائغ للشرب.
ومِلح أُجاج : مالح شديد الملوحة.
برزخا : حاجزا.
حِجرا محجورا : لا يبغي أحدهما على الآخر، ولا يفسد المالح العذب.
ومن آثار نعمة الله على خلْقه أن خَلَقَ البحارَ نوعين، منها عذبٌ سائغ للشراب، ومنها مالح شديد الملوحة، وجعل البَحْرَين متجاورين، لكنّ بينهما حاجزاً بحيث لا يطغى المالح على العذب فيفسده.
وصهرا : إناثا يصاهَر بهن.
وهو الذي جعلَ الماءَ جزءاً من مادة الإنسان، وخلقه من النطفة ثم جعل الناس ذكورا وإناثا، ذوي قرابات بالنسبَ أو المصاهرة، والله قديرٌ فعال لما يريد.
تقدم في الآية ١٨ من سورة يونس.
﴿ وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً ﴾ : يُعين أهلَ الباطل على أهلِ الحق.
﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ : في هذه الآية الكريمة توجيه علميّ من الله إلى ضرورة البحث والتنقيب فيما يمكن بحثه من مظاهر الكون ونظُمه المختلفة للوقوف على أسرار قدرة الله في إبداع الكون.
تعالى الله وتزايد فضله، إذ جعل في السماء نظاماً من النجوم تمر أمامها الشمس، وهي كأنها منازل لها في دورانها أثناء السنة. وكل ثلاثة منها تؤلف فصلاً من فصول السنة، فبرجُ الحمَل والثور والجوزاء لفصل الربيع، والسرطان والأسد والسنبلة للصيف، والميزان والعقرب والقوس لفصل الخريف، والجدي والدلو والحوت لفصل الشتاء.
والشمس هي النجم الوحيد في عالمنا الذي نعيش فيه، أما بقية الكواكب التي تدور حولها مثل الأرض وعطارد والزهرة والمريخ وزحل والمشتري وأورانوس ونبتون وبلوتون، فكلّها كواكب غير مضيئة تستمد نورها من الشمس، وكذلك القمر. فالشمس سِراج والقمر منير يتلألأ بالنور من ضياء ذلك السراج.
ونحن نوجد في النظام الشمسي : الشمس وما يدور حولها من الكواكب المذكورة، من اتباع المجرّة التي يسميّها العوام « دَرْبَ التبّانة ». وهي سَديم لولبي عدسي الشكل قُطره أكثر من مأتي ألف سنة ضوئية، وسماكته نحو عشرين ألف سنة ضوئية. وهذا كلام كالخيال. وتشتمل هذه المجرّةُ على ملايين النجوم المختلفة الحجم والحرارة والسرعة والضوء.
والواقع أن شمسنا بحجمها وعظمتها لهي متوسطة الحجم والسرعة والنور بالنسبة إلى النجوم التي في هذه المجرة، فهناك نجوم اكبر بكثير من شمسنا، ولكنها تظهر صغيرة لبعدها.
والنجمُ تستصغر الأبصارُ صورته... والذنْب للطَّرفِ لا للنّجم في الصِغَر،
وأقرب نجم إلينا نجم اسمه :« حَضارِ » بفتح الحاء والضاد وكسر الراء، يبعد عن شمسنا أربع سنوات وربع سنة ضوئية. ولا أريد الإطالة فالموضوع واسع كُتبت فيه مجلداتٌ وتجري فيه أبحاث يوميا.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :﴿ سُرُجا ﴾ بالجمع والباقون :﴿ سراجا ﴾.
قراءات :
قرأ حمزة :﴿ أن يذْكُر ﴾ بإسكان الذال وضم الكاف، والباقون :﴿ أن يذّكّر ﴾ بفتح الذال المشددة والكاف المفتوحة المشددة.
الجاهلون : السفهاء.
سلاما : مسالمة ومسامحة.
ختم الله تعالى هذه السورةَ الكريمة بصفاتِ عباده المؤمنين، وبيّن فيها ما لهم من فاضِل الصفات وكامل الأخلاق التي تميّزوا بها، وكانوا قدوة للعالم حين أعطوا المَثَلَ الأعلى في العدل والمساواة والتسامح. وقد عدّد في هذه الأية والآيات العشرة التي بعدها صفة مما تَشْرئبّ إليها أعناق العاملين، وتتطلع إليها نفوس الصالحين، الذين يبتغون المثوبة. وهي :
- فعباد الرحمن هم المتواضعون لله، يمشُون في سَكينة ووقار غيرَ متكبرين. وليس معنى هذا أنهم يمشون متماوتين منكّسي الرؤوس كما يفهم بعضُ الناس ممن يريدون إظهار التقوى والصلاح، كلا فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعَ الناس مِشيئةً وأحسَنَها وأسكنها.
- وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما : إذا اعترضهم السفهاءُ وسبّوهم وآذوهم بالقول السيئ لم يقابلوهم بمثله، بل يعفون ويصفحون، فهم حُلماء لا يجهلون، وإذا جُهِلَ عليهم حَلِموا ولم يسفهوا.
- والذين يقولون ربَّنا اصرفْ عنا عذابَ جهنم.... وهم يغلِّبون الخوف على الرجاء فيسألون الله تعالى أن يبعد عنهم عذاب جهنم وشديد آلامها.
ولم يقتُروا : لم يضيّقوا على عيالهم بالبخل والشح.
قَواما : وسطاً مَتابعاً : مرجعا حسنا.
- والذين إذا أنفقوا لم يُسرِفوا ولم يَقْتُروا.... ومن صفاتهم العالية الاعتدال في إنفاقهم المال، فهم ليسوا بالمبذرين في إنفاقهم، ولا ببخلاء على أنفسهم وأهليهم، وهم أجواد في مصالح الناس والوطن وعمل الخير.
- ولا يقتلون النفسَ التي حرَّم الله إلا بالحقّ. لا يُقْدِمون على هذه الجريمة الكبرى بغير حق، ﴿ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾ [ المائدة : ٣٢ ].
- ولا يزْنُونَ، ومن يفعلْ ذلك يَلْقَ آثاما. ولا يقدمون على هذه الجريمة القبيحة التي كانت متفشية في الجاهلية. فقد كرمهم الله تعالى بنفي هذه الصفات السيئة عنهم وبذلك كانوا عباد الرحمن حقا.
- والذين لا يشهدون الزورَ، وإذا مرّوا باللغو مَرُّوا كراما. وهذه الصفات من أخلاق عباد الرحمن، فإنهم لا يشهدون الشهادة الكاذبة، ويكرمون أنفسهم عن سماع اللغو من القول الباطل، ولا يخوضون مع الخائضين.
- والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربّهم لم يَخِرَّوا عليها صُمّاً وعُميانا. والذين إذا ذكّروا بآيات الله وأحكامه تلقَّوها بالفهم والوعي الصحيح، ثم نفّذوها وعملوا بها.
واجعلْنا للمتقين إماما : الإمام يُستعمل للمفرد والجمع.
- والذين يقولون : ربَّنا هبْ لنا من أزواجنِا وذريّاتنا قُرَّةَ أعينٍ واجعلنا للمتقين إماما ويسألون الله تعالى أن يرزقهم الزوجات الصالحات والذرية الطاهرة التي تسر نفوسهم وتقر بها أعينهم، وأن يجعلهم أئمة في الخير يقتدي بهم الصالحون، وقد كانوا كذلك.
فعباد الرحمن الذين اتصفوا بهذه الصفات الكريمة الفاضلة لهم الجناتُ وأرفعُ الدرجات لقاءَ صبرهم وجهادهم وستتلقاهم الملائكة في الجنّة بالتحيّات الزاكيات والتسليم.
دعاؤكم : عبادتكم.
لزاما : لازما.
إن الله تعالى غنيّ عن العالمين، ولولا هذه الصفوةُ من الناس الذين يعبدونه حقَّ عبادته، وهم أهلُ هذه الصفات السامية لما كان اللهُ يَعْبَأ بالبشريَّة جميعها. إن الله لا يُبالي بكم إذا لم تؤمنوا، فقد كذَّبتم بدينه، فسوف يعذّبكم عذاباً لازماً لا ينفكُّ عنكم ولا يزول.