ﰡ
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في أوّل سورة «الكهف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ﴾ [ الكهف : ٦ ]، وفي آخر سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [ الحجر : ٨٨ ]، وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ [ الحجر : ٩٧ ].
أشار جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة إلى أن كثرة ما أنبت في الأرض، ﴿ مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ : أي صنف حسن من أصناف النبات، فيه آية دالَّة على كمال قدرته.
وقد أوضحنا في مواضع متعدّدة من هذا الكتاب المبارك أن إحياء الأرض بعد موتها، وإنبات النبات فيها بعد عدمه من البراهين القاطعة على بعث الناس بعد الموت.
وقد أوضحنا دلالة الآيات القرآنية على ذلك في سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢١ ]، إلى قوله :﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢ ]، وفي أوّل سورة «النحل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلّ الثَّمَراتِ ﴾ [ النحل : ١٠-١١ ].
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٥ ].
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٥ ].
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة عن نبيّه موسى عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام :﴿ إِنّي أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ ﴾، أي : بسبب أني قتلت منهم نفسًا، وفررت منهم لما خفت أن يقتلوني بالقتيل الذي قتلته منهم، ويوضح هذا المعنى الترتيب بالفاء في قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [ القصص : ٣٣ ] ؛ لأن من يخاف القتل فهو يتوقع التكذيب.
قوله تعالى :﴿ فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ﴾ [ مريم : ٥٣ ].
لم يبيّن هنا هذا الذنب الذي لهم عليه الذي يخاف منهم أن يقتلوه بسببه، وقد بيَّن في غير هذا الموضع أن الذنب المذكور هو قتله لصاحبهم الغبطي، فقد صرّح تعالى بالقتل المذكور في قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [ القصص : ٣٣ ]، فقوله :﴿ قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً ﴾ مفسّر لقوله :﴿ وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ ﴾، ولذا رتّب بالفاء على كل واحد منهما. قوله :﴿ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾، وقد أوضح تعالى قصّة قتل موسى له بقوله في «القصص » :﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي منْ شيعَتهِ على الذي من عدوهِ فوكزهُ موسى فقضَى عليه ﴾ [ القصص : ١٥ ]، وقوله :﴿ فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾، أي : قتله، وذلك هو الذنب المذكور في آية «الشعراء » هذه.
وقد بيَّن تعالى أنه غفر لنبيّه موسى ذلك الذنب المذكور، وذلك في قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لي فَغَفَرَ لَهُ ﴾ [ القصص : ١٦ ] الآية.
صيغة الجمع في قوله :﴿ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ ﴾، للتعظيم، وما ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية من ردّه على موسى خوفه القتل من فرعون وقومه، بحرف الزجر الذي هو ﴿ كَلاَّ ﴾، وأمره أن يذهب هو وأخوه بآياته مبيّنًا لهما أن اللَّه معهم، أي : وهي معيّة خاصة بالنصر والتأييد، وأنه مستمع لكل ما يقول لهم فرعون، أوضحه أيضًا في غير هذا الموضع ؛ كقوله تعالى :﴿ قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [ طه : ٤٦ ]، وقوله تعالى :﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ [ القصص : ٣٥ ].
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، و «طه »، وبيّنا في سورة «طه »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ ﴾ [ طه : ٤٧ ]، وجه تثنيته الرسول في «طه »، وإفراده هنا في «الشعراء »، مع شواهده العربية.
تربية فرعون لموسى هذه التي ذكرها له هي التي ذكر مبدؤها في قوله تعالى :﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [ القصص : ٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [ طه : ٣٩ ] الآية.
أبهم جلَّ وعلا هذه الفعلة التي فعلها لتعبيره عنها بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله :﴿ الَّتِي فَعَلْتَ ﴾، وقد أوضحها في آيات أُخر، وبيَّن أن الفعلة المذكورة هي قتله نفسًا منهم ؛ كقوله تعالى :﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [ القصص : ١٥ ]، وقوله تعالى :﴿ قَالَ رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً ﴾[ القصص : ٣٣ ] الآية، وقوله عن الإسرائيلي الذي استغاث بموسى مرّتين :﴿ قَالَ يَا آدَمُ مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً في الأرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ منَ الصالحين ﴾ [ القصص : ١٩ ].
وأظهر الأقوال عندي في معنى قوله :﴿ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾، أن المراد به كفر النعمة، يعني أنعمنا عليك بتربيتنا إياك صغيرًا، وإحساننا إليك تتقلب في نعمتنا فكفرت نعمتنا، وقابلت إحساننا بالإساءة لقتلك نفسًا منّا، وباقي الأقوال تركناه ؛ لأن هذا أظهرها عندنا.
وقال بعض أهل العلم : ردّ موسى على فرعون امتنانه عليه بالتربية، بقوله :﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إسرائيل ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ]، يعني : تعبيدك لقومي، وإهانتك لهم لا يعتبر معه إحسانك إليّ لأني رجل واحد منهم، والعلم عند اللَّه تعالى.
أي : قال موسى مجيبًا لفرعون :﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً ﴾، أي : إذ فعلتها ﴿ وَأَنَا ﴾ في ذلك الحين ﴿ مِنَ الضَّالّينَ ﴾، أي : قبل أن يوحي اللَّه إليّ، ويبعثني رسولاً، وهذا هو التحقيق إن شاء اللَّه في معنى الآية.
وقول من قال من أهل العلم :﴿ وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّينَ ﴾، أي : من الجاهلين، راجع إلى ما ذكرنا ؛ لأنه بالنسبة إلى ما علمه اللَّه من الوحي يعتبر قبله جاهلاً، أي : غير عالم بما أوحى اللَّه إليه.
وقد بيَّنا مرارًا في هذا الكتاب المبارك أن لفظ الضلال يطلق في القرءان، وفي اللغة العربية ثلاثة إطلاقات :
الإطلاق الأوّل : يطلق الضلال مرادًا به الذهاب عن حقيقة الشيء، فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شيء ضلّ عنه، وهذا الضلال ذهاب عن علم شيء ما، وليس من الضلال في الدين.
ومن هذا المعنى قوله هنا :﴿ وَأَنَاْ مِنَ الضَّالّينَ ﴾، أي : من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم، والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوحَ إليّ، ومنه على التحقيق :﴿ وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى ﴾ [ الضحى : ٧ ]، أي : ذاهبًا عمّا علمك من العلوم التي لا تدرك إلا بالوحي.
ومن هذا المعنى قوله تعالى :﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى في كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى ﴾ [ طه : ٥٢ ]، فقوله :﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبّي ﴾، أي : لا يذهب عنه علم شيء كائنًا ما كان، وقوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ]، فقوله :﴿ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا ﴾، أي : تذهب عن علم حقيقة المشهود به بدليل قوله بعده :﴿ فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى ﴾، وقوله تعالى عن أولاد يعقوب :﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يوسف : ٨ ]، وقوله :﴿ قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لفي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [ يوسف : ٩٥ ]، على التحقيق في ذلك كلّه. ومن هذا المعنى قول الشاعر :
وتظنّ سلمى أنني أبغي بها | بدلاً أراها في الضلال تهيم |
والإطلاق الثالث : هو إطلاق الضلال على الغيبوبة والاضمحلال، تقول العرب : ضلّ الشيء إذا غاب واضمحلّ، ومنه قولهم : ضلّ السمن في الطعام، إذا غاب فيه واضمحلّ، ولأجل هذا سمّت العرب الدفن في القبر إضلالاً ؛ لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحلّ.
ومن هذا المعنى قوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ أَإذَا ضَلَلْنَا في الأرْضِ ﴾ [ السجدة : ١٠ ] الآية، يعنون : إذا دفنوا وأكلتهم الأرض، فضلوا فيها، أي : غابوا فيها واضمحلّوا.
ومن إطلاقهم الإضلال على الدفن، قول نابغة ذبيان يرثي النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني :
فإن تحيي لا أملك حياتي وإن تمت | فما في حياة بعد موتك طائل |
فآب مضلّوه بعين جلية | وغودر بالجولان حزم ونائل |
أضلّت بنو قيس بن سعد عميدها | وفارسها في الدهر قيس بن عاصم |
أضلّت أي : دفنت، ومن إطلاق الضلال أيضًا على الغيبة والاضمحلال قول الأخطل :
كنت القذى في موج أكدر مزيد | قذف الآتي به فضل ضلالا |
ألم تسأل فتخبرك الديار | عن الحي المضلل أين ساروا |
هذا الضلال أشاب مني المفرقا | والعارضين ولم أكن متحقّقا |
عجبًا لعزة في اختيار قطيعتي | بعد الضلال فحبلها قد أخلقا |
خوفه منهم هذا الذي ذكر هنا أنه سبب لفراره منهم، قد أوضحه تعالى وبيّن سببه في قوله :﴿ وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يا مُوسَى إِنَّ الْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [ القصص : ٢٠-٢١ ]، وبيّن خوفه المذكور بقوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحَ في الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾ [ القصص : ١٨ ].
قوله تعالى :﴿ فَوَهَبَ لي رَبِّى حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ ٢١ ].
قد قدّمنا الآيات الموضحة لابتداء رسالته المذكورة هنا في سورة «مريم » وغيرها.
وقوله :﴿ فَوَهَبَ لِي رَبّى حُكْماً ﴾، قال بعضهم : الحكم هنا هو النبوّة، وممن يروى عنه ذلك السدي.
والأظهر عندي : أن الحكم هو العلم الذي علّمه اللَّه إيّاه بالوحي، والعلم عند اللَّه تعالى.
ظاهر هذه الآية الكريمة أن فرعون لا يعلم شيئًا عن ربّ العالمين، وكذلك قوله تعالى عنه :﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يا مُوسَى ﴾[ طه : ٤٩ ]، وقوله :﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [ القصص : ٣٨ ]، وقوله :﴿ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [ الشعراء : ٢٩ ]، ولكن اللَّه جلَّ وعلا بيَّن أن سؤال فرعون في قوله :﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾، وقوله :﴿ فَمَن رَّبُّكُمَا يا مُوسَى ﴾، تجاهل عارف أنه عبد مربوب لربّ العالمين، بقوله تعالى :﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَصَائِرَ وَإِنّي لأظُنُّكَ يا فِرْعَونُ * فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [ الإسراء : ١٠٢ ]، وقوله تعالى عن فرعون وقومه :﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ﴾ [ النمل : ١٤ ].
وقد أوضحنا هذا في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هي أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ]، وفي سورة «طه »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يا مُوسَى ﴾ [ طه : ٤٩ ].
إلى آخر القصّة.
قد قدّمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة «طه » و«الأعراف ».
إلى آخر القصّة.
قد قدّمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة «طه » و«الأعراف ».
إلى آخر القصّة.
قد قدّمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة «طه » و«الأعراف ».
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «مريم »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إِبْراهِيمُ ﴾ [ مريم : ٤١ ] الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في مواضع من هذا الكتاب المبارك في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوفُورًا ﴾ [ الإسراء : ٦٣ ]، وفي «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ ﴾ [ الحجر : ٤٣-٤٤ ].
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في مواضع من هذا الكتاب المبارك في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوفُورًا ﴾ [ الإسراء : ٦٣ ]، وفي «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ ﴾ [ الحجر : ٤٣-٤٤ ].
ما دلّت عليه هذه الآية الكريمة من أن أهل النار يختصمون، فيها جاء موضحًا في مواضع أُخر من كتاب اللَّه تعالى ؛ كقوله تعالى :﴿ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ ﴾ [ ص : ٥٩-٦٠ ]، إلى قوله تعالى :﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ ص : ٦٤ ].
وقد قدّمنا إيضاح هذا بالآيات القرآنية في سورة «الأعراف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ النَّارِ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ]، وفي سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ ﴾[ البقرة : ١٦٦ ] الآية.
ما دلّت عليه هذه الآية الكريمة من أن أهل النار يختصمون، فيها جاء موضحًا في مواضع أُخر من كتاب اللَّه تعالى ؛ كقوله تعالى :﴿ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ ﴾ [ ص : ٥٩-٦٠ ]، إلى قوله تعالى :﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ ص : ٦٤ ].
وقد قدّمنا إيضاح هذا بالآيات القرآنية في سورة «الأعراف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ النَّارِ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ]، وفي سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ ﴾[ البقرة : ١٦٦ ] الآية.
قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ﴾ [ البقرة : ٤٨ ]الآية، وفي سورة «الأعراف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا ﴾ [ الأعراف : ٣٥ ] الآية.
دلَّت هذه الآية الكريمة على أمرين :
الأول منهما أن الكفّار يوم القيامة، يتمنّون الردّ إلى الدنيا، لأن ﴿ لَوْ ﴾ في قوله هنا :﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا ﴾ للتمنّي، وال ﴿ كَرَّةٌ ﴾ هنا : الرجعة إلى الدنيا، وإنهم زعموا أنهم إن ردّوا إلى الدنيا كانوا من المؤمنين المصدقين للرسل، فيما جاءت به، وهذان الأمران قد قدّمنا الآيات الموضحة لكل واحد منهما.
أمّا تمنّيهم الرجوع إلى الدنيا، فقد أوضحناه بالآيات القرآنية في سورة «الأعراف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [ الأعراف : ٣٥ ]. وأمّا زعمهم أنهم إن ردّوا إلى الدنيا آمنوا، فقد بيّنا الآيات الموضحة له في «الأعراف »، في الكلام على الآية المذكورة، وفي «الأنعام »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ].
قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ ١٠٥ ] الآيات.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة هود في الكلام على قوله تعالى عن قوم نوح :﴿ وما اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ﴾ [ هود : ٢٧ ]
قد قدّمنا ما يدلّ عليه من القرءان في سورة «هود »، في الكلام على قوله تعالى عن نوح :﴿ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُمْ مُّلَاقُوا رَبّهِمْ وَلَكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ﴾ [ هود : ٢٩-٣٠ ] الآية.
وأوضحناه بالآيات القرآنيّة في سورة «الأنعام »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ]، إلى قوله :﴿ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾[ الأنعام : ٥٢ ]، وفي سورة «الكهف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [ الكهف : ٢٨ ].
و ﴿ الْمَشْحُونِ ﴾ المملوء، ومنه قول عبيد بن الأبرص :
شحنا أرضهم بالخيل حتى | تركناهم أذلّ من الصّراط |
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
قال أكثر أهل العلم : إن أصحاب الأيكة هم مدين.
قال ابن كثير : وهو الصحيح، وعليه فتكون هذه الآية بيّنتها الآيات الموضحة قصّة شعيب مع مدين، ومما استدلّ به أهل هذا القول، أنّه قال هنا لأصحاب الأيكة :﴿ أَوْفُواْ الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٨١-١٨٣ ]، وهذا الكلام ذكر اللَّه عنه أنه قاله لمدين في مواضع متعدّدة ؛ كقوله في «هود » :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ هود : ٨٤-٨٦ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدّمنا في سورة «الأعراف »، قولنا : فإن قيل الهلاك الذي أصاب قوم شعيب ذكر اللَّه جلَّ وعلا في «الأعراف » أنه رجفة، وذكر في «هود » أنه صيحة، وذكر في «الشعراء »، أنه عذاب يوم الظلّة.
فالجواب ما قاله ابن كثير رحمه اللَّه في تفسيره، قال : وقد اجتمع عليهم ذلك كلّه، أصابهم عذاب يوم الظلّة، وهي سحابة أظلّتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام، انتهى. وعلى القول بأن شعيبًا أرسل إلى أُمّتين : مدين وأصحاب الأيكة، وأن مدين ليسوا هم أصحاب الأيكة فلا إشكال. وقد جاء ذلك في حديث ضعيف عن عبد اللَّه بن عمرو، وممن روي عنه هذا القول : قتادة، وعكرمة وإسحاق بن بشر.
وقد قدّمنا بعض الآيات الموضحة لهذا في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [ الحجر : ٧٨-٧٩ ]، وأوضحنا هنالك أن نافعًا، وابن عامر، وابن كثير قرأوا ﴿ لَيْكَةَ ﴾ في سورة «الشعراء »، و سورة «ص »، بلام مفتوحة أول الكلمة، وتاء مفتوحة آخرها من غير همز، ولا تعريف على أنه اسم للقرية غير منصرف، وأن الباقين قرأوا : الأيكة بالتعريف والهمز وكسر التاء، وأن الجميع اتّفقوا على ذلك في «ق » و «الحجر »، وأوضحنا هنالك توجيه القراءتين في «الشعراء » و «ص »، ومعنى ﴿ الأَيْكَةِ ﴾ في اللغة مع بعض الشواهد العربية.
﴿ الْجِبِلَّةَ ﴾ : الخلق، ومنه قوله تعالى :﴿ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً ﴾ [ يس : ٦٢ ]، وقد استدلّ بآية «يس »، المذكورة على آية «الشعراء » هذه ابن زيد نقله عنه ابن كثير، ومن ذلك قول الشاعر :
والموت أعظم حادث *** مما يمرّ على الجبلة
أكَّد جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن هذا القرءان العظيم تنزيل ربّ العالمين، وأنه نزل به الروح الأمين الذي هو جبريل على قلب نبيّنا صلى اللَّه عليهما وسلم ليكون من المنذرين به، وأنه نزل عليه بلسان عربي مبين، وما ذكره جلَّ وعلا هنا أوضحه في غير هذا الموضع. أمّا كون هذا القرءان تنزيل رب العالمين، فقد أوضحه جلّ وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * في كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الواقعة : ٧٧-٨٠ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤١-٤٣ ]، وقوله تعالى :﴿ طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَى * تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَق الأرْضَ * وَالسَّمَاواتِ الْعُلَى ﴾ [ طه : ١-٤ ]، وقوله تعالى :﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾[ الزمر : ١ ]، وقوله :﴿ حم * تَنزِيلٌ مّنَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً ﴾ [ فصلت : ١-٣ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ يس * وَالْقُرْءانِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ [ يس : ١-٦ ]، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
أكَّد جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن هذا القرءان العظيم تنزيل ربّ العالمين، وأنه نزل به الروح الأمين الذي هو جبريل على قلب نبيّنا صلى اللَّه عليهما وسلم ليكون من المنذرين به، وأنه نزل عليه بلسان عربي مبين، وما ذكره جلَّ وعلا هنا أوضحه في غير هذا الموضع. أمّا كون هذا القرءان تنزيل رب العالمين، فقد أوضحه جلّ وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * في كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الواقعة : ٧٧-٨٠ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤١-٤٣ ]، وقوله تعالى :﴿ طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَى * تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَق الأرْضَ * وَالسَّمَاواتِ الْعُلَى ﴾ [ طه : ١-٤ ]، وقوله تعالى :﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾[ الزمر : ١ ]، وقوله :﴿ حم * تَنزِيلٌ مّنَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً ﴾ [ فصلت : ١-٣ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ يس * وَالْقُرْءانِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ [ يس : ١-٦ ]، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وقوله :﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ﴾، بيّنه أيضًا في غير هذا الموضع كقوله :﴿ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [ البقرة : ٩٧ ] الآية،
أكَّد جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن هذا القرءان العظيم تنزيل ربّ العالمين، وأنه نزل به الروح الأمين الذي هو جبريل على قلب نبيّنا صلى اللَّه عليهما وسلم ليكون من المنذرين به، وأنه نزل عليه بلسان عربي مبين، وما ذكره جلَّ وعلا هنا أوضحه في غير هذا الموضع. أمّا كون هذا القرءان تنزيل رب العالمين، فقد أوضحه جلّ وعلا في آيات من كتابه كقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * في كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الواقعة : ٧٧-٨٠ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رَّبّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤١-٤٣ ]، وقوله تعالى :﴿ طه * مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَى * تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَق الأرْضَ * وَالسَّمَاواتِ الْعُلَى ﴾ [ طه : ١-٤ ]، وقوله تعالى :﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾[ الزمر : ١ ]، وقوله :﴿ حم * تَنزِيلٌ مّنَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً ﴾ [ فصلت : ١-٣ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ يس * وَالْقُرْءانِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ [ يس : ١-٦ ]، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وقوله :﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾، أي : نزل به عليك لأجل أن تكون من المنذرين به، جاء مبيّنًا في آيات أُخر كقوله تعالى :﴿ المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن في صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ ﴾ [ الأعراف : ١-٢ ] الآية، أي : أنزل إليك لتنذر به، وقوله تعالى :﴿ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ ﴾ [ يس : ٥-٦ ] الآية.
وقد بيَّنا معنى اللسان العربي بشواهده في سورة «النحل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ ﴾، وقد أوضحنا معنى إنزال جبريل القرءان على قلبه صلى الله عليه وسلم بالآيات القرآنية في سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [ البقرة : ٩٧ ].
واعلم أن كل صوت غير عربيّ تسميه العرب أعجم، ولو من غير عاقل، ومنه قول حميد بن ثور يذكر صوت حمامة :
فلم أرَ مثلي شاقه صوت مثلها | ولا عربيًّا شاقه صوت أعجما |
واعلم أن كل صوت غير عربيّ تسميه العرب أعجم، ولو من غير عاقل، ومنه قول حميد بن ثور يذكر صوت حمامة :
فلم أرَ مثلي شاقه صوت مثلها | ولا عربيًّا شاقه صوت أعجما |
قوله :﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾، أي : أدخلناه، كما قدّمنا إيضاحه بالآيات القرآنيّة والشواهد العربية في سورة «هود »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [ هود : ٤٠ ] الآية، والضمير في ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾، قيل : للقرآن، وهو الأظهر. وقيل : للتكذيب والكفر، المذكور في قوله :﴿ مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٩٩ ]، وهؤلاء الكفار الذين ذكر اللَّه جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، هم الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وسبق في علم اللَّه أنهم أشقياء ؛ كما يدلّ لذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ * كَلِمَتُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ ﴾ [ يونس : ٩٦-٩٧ ]، وقد أوضحنا شدّة تعنّت هؤلاء، وأنهم لا يؤمنون بالآيات في سورة «الفرقان »، وفي سورة «بني إسرائيل » وغيرهما. وقوله :﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ ﴾ نعت لمصدر محذوف، أي : كذلك السلك، أي : الإدخال، ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾، أي : أدخلناه في قلوب المجرمين، وإيضاحه على أنه القرآن : أن اللَّه أنزله على رجل عربي فصيح بلسان عربي مبين، فسمعوه وفهموه لأنه بلغتهم، ودخلت معانيه في قلوبهم، ولكنهم لم يؤمنوا به ؛ لأن كلمة العذاب حقّت عليهم، وعلى أن الضمير في ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾ للكفر والتكذيب، فقوله عنهم :﴿ مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾، يدلّ على إدخال الكفر والتكذيب في قلوبهم، أي : كذلك السلك سكناه، الخ.
قوله :﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾، أي : أدخلناه، كما قدّمنا إيضاحه بالآيات القرآنيّة والشواهد العربية في سورة «هود »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [ هود : ٤٠ ] الآية، والضمير في ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾، قيل : للقرآن، وهو الأظهر. وقيل : للتكذيب والكفر، المذكور في قوله :﴿ مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٩٩ ]، وهؤلاء الكفار الذين ذكر اللَّه جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، هم الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وسبق في علم اللَّه أنهم أشقياء ؛ كما يدلّ لذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ * كَلِمَتُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ ﴾ [ يونس : ٩٦-٩٧ ]، وقد أوضحنا شدّة تعنّت هؤلاء، وأنهم لا يؤمنون بالآيات في سورة «الفرقان »، وفي سورة «بني إسرائيل » وغيرهما. وقوله :﴿ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ ﴾ نعت لمصدر محذوف، أي : كذلك السلك، أي : الإدخال، ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾، أي : أدخلناه في قلوب المجرمين، وإيضاحه على أنه القرآن : أن اللَّه أنزله على رجل عربي فصيح بلسان عربي مبين، فسمعوه وفهموه لأنه بلغتهم، ودخلت معانيه في قلوبهم، ولكنهم لم يؤمنوا به ؛ لأن كلمة العذاب حقّت عليهم، وعلى أن الضمير في ﴿ سَلَكْنَاهُ ﴾ للكفر والتكذيب، فقوله عنهم :﴿ مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾، يدلّ على إدخال الكفر والتكذيب في قلوبهم، أي : كذلك السلك سكناه، الخ.
لفظة :﴿ هَلُ ﴾ هنا يراد بها التمنّي، والآية تدلّ على أنهم تمنّوا التأخير والإنظار، أي : الإمهال، وقد دلّت آيات أُخر على طلبهم ذلك صريحًا، وأنهم لم يجابوا إلى ما طلبوا ؛ كقوله تعالى :﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أقسمتمْ من قبلُ ما لكم من زوال ﴾ [ إبراهيم : ٤٤ ]، وأوضح أنهم لا ينظرون في آيات من كتابه ؛ كقوله تعالى :﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٤٠ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ ﴾ [ الحجر : ٨ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الرعد »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾ [ الرعد : ٦ ] الآية، وذكرنا طرفًا منه في سورة «يونس »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [ يونس : ٥٠-٥١ ].
قد قدَّمنا إيضاحه في سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ﴾ [ البقرة : ٩٦ ].
قد قدَّمنا إيضاحه في سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ﴾ [ البقرة : ٩٦ ].
قد قدَّمنا إيضاحه في سورة «البقرة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ﴾ [ البقرة : ٩٦ ].
قد قدّمنا إيضاحه بالآيات القرآنية في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾.
قد قدّمنا الآيات الدالّة عليه ؛ كقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [ يونس : ٤٤ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ٤٠ ]، إلى غير ذلك من الآيات. وقوله :﴿ ذِكْرِى ﴾، أعربه بعضهم مرفوعًا، على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي : هذه ذكرى، وأعربه بعضهم منصوبًا، وفي إعرابه على أنه منصوب أوجه :
منها أنه ما ناب عن المطلق، من قوله :﴿ مُنذِرُونَ ﴾، لأن أنذر وذكر متقاربان.
ومنها أنه مفعول من أجله، أي : منذرون من أجل الذكرى بمعنى التذكرة.
ومنها أنها حال من الضمير في ﴿ مُنذِرُونَ ﴾، أي : ينذرونهم في حال كونهم ذوي تذكرة.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا ﴾ [ الحجر : ١٦-١٧ ] الآية.
قد أوضحنا في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً ﴾ [ الإسراء : ٢٢ ]، بالدليل القرآني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يخاطب بمثل هذا الخطاب، والمراد التشريع لأُمّته مع بعض الشواهد العربيّة، وقوله هنا :﴿ فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ ﴾ الآية. جاء معناه في آيات كثيرة ؛ كقوله :﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً ﴾. وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى في جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ﴾[ الإسراء : ٣٩ ]، وقوله تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾[ الزمر : ٦٥ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
هذا الأمر في هذه الآية الكريمة بإنذاره خصوص عشيرته الأقربين، لا ينافي الأمر بالإنذار العام، كما دلّت على ذلك الآيات القرآنية كقوله تعالى :﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ [ الفرقان : ١ ]، وقوله تعالى :﴿ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [ مريم : ٩٧ ]، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «المائدة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [ المائدة : ٤٥ ]، وفي «الحجر »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الحجر : ٨٨ ]، وقد وعدنا في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ]، بأنا نوضح معنى خفض الجناح، وإضافته إلى الذل في سورة «الشعراء »، في هذا الموضع، وهذا وفاؤنا بذلك الوعد، ويكفينا في الوفاء به أن ننقل كلامنا في رسالتنا المسمّاة :«منع جواز المجاز في المنزل للتعبّد والإعجاز ».
فقد قلنا فيها، ما نصّه : والجواب عن قوله تعالى :﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]، أن الجناح هنا مستعمل في حقيقته ؛ لأن الجناح يطلق لغة حقيقة على يدّ الإنسان وعضده وإبطه. قال تعالى :﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ [ القصص : ٣٢ ]، والخفض مستعمل في معناه الحقيقي، الذي هو ضدّ الرفع ؛ لأن مريد البطش يرفع جناحيه، ومظهر الذل والتواضع يخفض جناحيه، فالأمر بخفض الجناح للوالدين كناية عن لين الجانب لهما، والتواضع لهما ؛ كما قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم :﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، وإطلاق العرب خفض الجناح كناية عن التواضع، ولين الجانب أسلوب معروف، ومنه قول الشاعر
وأنت الشهير بخفض الجنا | ح فلا تكُ في رفعه أجدلا |
فيكون المعنى : واخفض لهما الجناح الذليل من الرحمة، أو الذلول على قراءة الذل بالكسر، وما يذكر عن أبي تمام من أنه لما قال :
لا تسقني ماء الملام فإنني | صب قد استعذبت ماء بكائي |
وقال ابن القيّم في «الصواعق » : إن معنى إضافة الجناح إلى الذلّ أن للذلّ جناحًا معنويًّا يناسبه لا جناح ريش، واللَّه تعالى أعلم، انتهى. وفيه إيضاح معنى خفض الجناح.
والتحقيق أن إضافة الجناح إلى الذل من إضافة الموصوف إلى صفته ؛ كما أوضحنا، والعلم عند اللَّه تعالى. وقال الزمخشري في «الكشاف »، في تفسير قوله تعالى :﴿ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، فإن قلت : المتبعون للرسول هم المؤمنون، والمؤمنون هم المتّبعون للرسول، فما قوله :﴿ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ؟
قلت : فيه وجهان، أن يسميهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين، لمشارفتهم ذلك. وأن يريد بالمؤمنين المصدقين بألسنتهم، وهم صنفان : صنف صدق واتّبع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وصنف لم يوجد منهم إلا التصديق فحسب، ثم إما أن يكونوا منافقين أو فاسقين، والمنافق والفاسق، لا يخفض لهما الجناح.
والمعنى : المؤمنين من عشريتك وغيرهم، أي : أنذر قومك فإن اتّبعوك وأطاعوك، فاخفض لهم جناحك، وإن عصوك ولم يتّبعوك فتبرّأ منهم ومن أعمالهم من الشرك باللَّه وغيره، انتهى منه.
والأظهر عندي في قوله :﴿ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، أنه نوع من التوكيد يكثر مثله في القرءان العظيم ؛ كقوله :﴿ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم ﴾ [ آل عمران : ١٦٧ ] الآية، ومعلوم أنهم إنما يقولون بأفواههم. وقوله تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ﴾ [ البقرة : ٧٩ ]، ومعلوم أنهم إنما يكتبونه بأيديهم، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ]، وقوله تعالى :﴿ حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [ البقرة : ١٠٩ ]، إلى غير ذلك من الآيات.
قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في الآية قرينة، تدلّ على عدم صحته، وذكرنا أمثلة متعدّدة لذلك في الترجمة، وفيما مضى من الكتاب. وإذا علمت ذلك، فاعلم أن قوله هنا :﴿ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ﴾، قال فيه بعض أهل العلم المعنى : وتقلبك في أصلاب آبائك الساجدين، أي : المؤمنين باللَّه كآدم ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل.
واستدلّ بعضهم لهذا القول فيمن بعد إبراهيم من آبائه، بقوله تعالى عن إبراهيم :﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً في عَقِبِهِ ﴾ [ الزخرف : ٢٨ ]، وممّن روي عنه هذا القول ابن عباس نقله عنه القرطبي، وفي الآية قرينة تدلّ على عدم صحة هذا القول، وهي قوله تعالى قبله مقترنًا به :﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾، فإنه لم يقصد به أن يقوم في أصلاب الآباء إجماعًا، وأوّل الآية مرتبط بآخرها، أي : الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك، وحين تقوم من فراشك ومجلسك، ويرى ﴿ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ﴾، أي : المُصلِّين، على أظهر الأقوال ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يتقلب في المصلّين قائمًا، وساجدًا وراكعًا، وقال بعضهم :﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾، أي : إلى الصلاة وحدك، و ﴿ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ﴾، أي : المصلّين إذا صلُّيت بالناس.
وقوله هنا :﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ الآية، يدلّ على الاعتناء به صلى الله عليه وسلم، ويوضح ذلك قوله تعالى :﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [ الطور : ٤٨ ] الآية.
وقوله :﴿ وَتَوَكَّلْ ﴾ قرأه عامّة السبع غير نافع وابن عامر :﴿ وَتَوَكَّلْ ﴾ بالواو، وقرأه نافع وابن عامر :﴿ فَتَوَكَّلْ ﴾ بالفاء، وبعض نسخ المصحف العثماني فيها الواو وبعضها فيها الفاء، وقوله هنا :﴿ وَتَوكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾، قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الفاتحة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : ٥ ]، وبسطنا إيضاحه بالآيات القرآنية مع بيان معنى التوكّل في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَءاتَيْنَآ مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِى إِسْراءيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾[ الإسراء : ٢ ].
قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في الآية قرينة، تدلّ على عدم صحته، وذكرنا أمثلة متعدّدة لذلك في الترجمة، وفيما مضى من الكتاب. وإذا علمت ذلك، فاعلم أن قوله هنا :﴿ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ﴾، قال فيه بعض أهل العلم المعنى : وتقلبك في أصلاب آبائك الساجدين، أي : المؤمنين باللَّه كآدم ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل.
واستدلّ بعضهم لهذا القول فيمن بعد إبراهيم من آبائه، بقوله تعالى عن إبراهيم :﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً في عَقِبِهِ ﴾ [ الزخرف : ٢٨ ]، وممّن روي عنه هذا القول ابن عباس نقله عنه القرطبي، وفي الآية قرينة تدلّ على عدم صحة هذا القول، وهي قوله تعالى قبله مقترنًا به :﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾، فإنه لم يقصد به أن يقوم في أصلاب الآباء إجماعًا، وأوّل الآية مرتبط بآخرها، أي : الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك، وحين تقوم من فراشك ومجلسك، ويرى ﴿ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ﴾، أي : المُصلِّين، على أظهر الأقوال ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يتقلب في المصلّين قائمًا، وساجدًا وراكعًا، وقال بعضهم :﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾، أي : إلى الصلاة وحدك، و ﴿ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ﴾، أي : المصلّين إذا صلُّيت بالناس.
وقوله هنا :﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ الآية، يدلّ على الاعتناء به صلى الله عليه وسلم، ويوضح ذلك قوله تعالى :﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [ الطور : ٤٨ ] الآية.
وقوله :﴿ وَتَوَكَّلْ ﴾ قرأه عامّة السبع غير نافع وابن عامر :﴿ وَتَوَكَّلْ ﴾ بالواو، وقرأه نافع وابن عامر :﴿ فَتَوَكَّلْ ﴾ بالفاء، وبعض نسخ المصحف العثماني فيها الواو وبعضها فيها الفاء، وقوله هنا :﴿ وَتَوكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾، قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة «الفاتحة »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : ٥ ]، وبسطنا إيضاحه بالآيات القرآنية مع بيان معنى التوكّل في سورة «بني إسرائيل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَءاتَيْنَآ مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِى إِسْراءيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾[ الإسراء : ٢ ].
﴿ الْشُّعَرَاءُ ﴾ : جمع شاعر، كجاهل وجهلاء، وعالم وعلماء. و﴿ الْغَاوُونَ ﴾ : جمع غاو وهو الضالّ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ يدلّ على أن اتّباع الشعراء من اتِّباع الشيطان، بدليل قوله تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ]، وقرأ هذا الحرف نافع وحده :﴿ يَتْبعُهُمُ ﴾ بسكون التاء المثناة، وفتح الباء الموحدة، وقرأه الباقون ﴿ يَتَّبِعُهُمُ ﴾ بتشديد المثناة، وكسر الموحدة، ومعناهما واحد.
وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة، في قوله :﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾، يدلّ على تكذيب الكفار في دعواهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر ؛ لأن الذين يتبعهم الغاوون، لا يمكن أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم.
ويوضح هذا المعنى ما جاء من الآيات، مبيّنًا أنهم ادّعوا عليه صلى الله عليه وسلم أنه شاعر وتكذيب اللَّه لهم في ذلك، أما دعواهم أنه صلى الله عليه وسلم شاعر، فقد ذكره تعالى في قوله عنهم :﴿ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ [ الأنبياء : ٥ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ أئنّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾ [ الصافات : ٣٦ ]، وقوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [ الطور : ٣٠ ]. وأمّا تكذيب اللَّه لهم في ذلك، فقد ذكره في قوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ ﴾ [ الحاقة : ٤١ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يس : ٦٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ أَئنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ الصافات : ٣٦-٣٧ ] ؛ لأن قوله تعالى :﴿ بَلْ جَاء بِالْحَقّ ﴾ الآية، تكذيب لهم في قولهم إنه شاعر مجنون.
مسألتان تتعلقان بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى : اعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال :«لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا »، رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وقوله في الحديث :«يريه » بفتح المثناة التحتية وكسر الراء بعدها ياء، مضارع ورى القيح جوفه، يريه، وريا إذا أكله وأفسده، والأظهر أن أصل وراه أصاب رئته بالإفساد.
واعلم أن التحقيق لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
ومن الأدلّة القرآنيّة على ذلك أنه تعالى لمّا ذمّ الشعراء، بقوله :﴿ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢٤-٢٢٦ ]، استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، في قوله :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [ الشعراء : ٢٢٧ ] الآية.
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرّح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر، محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذكر، وتلاوة القرآن، وطاعة اللَّه تعالى، وعلى الشعر القبيح المتضمّن للكذب، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيّات، ونحو ذلك.
المسألة الثانية : اعلم أن العلماء اختلفوا في الشاعر إذا اعترف في شعره بما يستوجب حدًا، هل يقام عليه الحدّ ؟ على قولين :
أحدهما : أنه يقام عليه لأنه أقرّ به، والإقرار تثبت به الحدود.
والثاني : أنه لا يحد بإقراره في الشعر ؛ لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد، واقع لا نزاع فيه.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : أظهر القولين عندي : أن الشاعر إذا أقرّ في شعره بما يستوجب الحدّ، لا يقام عليه الحدّ ؛ لأن اللَّه جلَّ وعلا صرّح هنا بكذبهم في شعرهم في قوله :﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾، فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحدّ، ولكن الأظهر أنه إن أقرّ بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحدّ به، كما ذكره جماعة من أهل الأخبار في قصّة عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه المشهورة مع النعمان بن عدي بن نضلة.
قال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية الكريمة : وقد ذكر بن محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد في «الطبقات »، والزبير بن بكّار في كتاب الفكاهة : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه استعمل النعمان بن عديّ بن نضلة على ميسان من أرض البصرة، وكان يقول الشعر، فقال :
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها | بميسان يسقى في زجاج وحنتم |
إذا شئت غنتني دهاقين قرية | ورقاصة تجذو على كل منسم |
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني | ولا تسقني بالأصغر المتثلم |
لعلّ أمير المؤمنين يسوءه | تنادمنا بالجوسق المتهدم |
لعل أمير المؤمنين يسوءه | تنادمنا بالجوسق المتهدم |
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن سليمان بن عبد الملك، لما سمع قول الفرزدق :
فبتن بجانبي مصرعات | وبتّ أفض أغلاق الختام |
﴿ الْشُّعَرَاءُ ﴾ : جمع شاعر، كجاهل وجهلاء، وعالم وعلماء. و﴿ الْغَاوُونَ ﴾ : جمع غاو وهو الضالّ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ يدلّ على أن اتّباع الشعراء من اتِّباع الشيطان، بدليل قوله تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ]، وقرأ هذا الحرف نافع وحده :﴿ يَتْبعُهُمُ ﴾ بسكون التاء المثناة، وفتح الباء الموحدة، وقرأه الباقون ﴿ يَتَّبِعُهُمُ ﴾ بتشديد المثناة، وكسر الموحدة، ومعناهما واحد.
وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة، في قوله :﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾، يدلّ على تكذيب الكفار في دعواهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر ؛ لأن الذين يتبعهم الغاوون، لا يمكن أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم.
ويوضح هذا المعنى ما جاء من الآيات، مبيّنًا أنهم ادّعوا عليه صلى الله عليه وسلم أنه شاعر وتكذيب اللَّه لهم في ذلك، أما دعواهم أنه صلى الله عليه وسلم شاعر، فقد ذكره تعالى في قوله عنهم :﴿ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ [ الأنبياء : ٥ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ أئنّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾ [ الصافات : ٣٦ ]، وقوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [ الطور : ٣٠ ]. وأمّا تكذيب اللَّه لهم في ذلك، فقد ذكره في قوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ ﴾ [ الحاقة : ٤١ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ ﴾ [ يس : ٦٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ أَئنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [ الصافات : ٣٦-٣٧ ] ؛ لأن قوله تعالى :﴿ بَلْ جَاء بِالْحَقّ ﴾ الآية، تكذيب لهم في قولهم إنه شاعر مجنون.
مسألتان تتعلقان بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى : اعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال :«لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا »، رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وقوله في الحديث :«يريه » بفتح المثناة التحتية وكسر الراء بعدها ياء، مضارع ورى القيح جوفه، يريه، وريا إذا أكله وأفسده، والأظهر أن أصل وراه أصاب رئته بالإفساد.
واعلم أن التحقيق لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
ومن الأدلّة القرآنيّة على ذلك أنه تعالى لمّا ذمّ الشعراء، بقوله :﴿ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢٤-٢٢٦ ]، استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، في قوله :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [ الشعراء : ٢٢٧ ] الآية.
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرّح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر، محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذكر، وتلاوة القرآن، وطاعة اللَّه تعالى، وعلى الشعر القبيح المتضمّن للكذب، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيّات، ونحو ذلك.
المسألة الثانية : اعلم أن العلماء اختلفوا في الشاعر إذا اعترف في شعره بما يستوجب حدًا، هل يقام عليه الحدّ ؟ على قولين :
أحدهما : أنه يقام عليه لأنه أقرّ به، والإقرار تثبت به الحدود.
والثاني : أنه لا يحد بإقراره في الشعر ؛ لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد، واقع لا نزاع فيه.
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : أظهر القولين عندي : أن الشاعر إذا أقرّ في شعره بما يستوجب الحدّ، لا يقام عليه الحدّ ؛ لأن اللَّه جلَّ وعلا صرّح هنا بكذبهم في شعرهم في قوله :﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾، فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحدّ، ولكن الأظهر أنه إن أقرّ بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحدّ به، كما ذكره جماعة من أهل الأخبار في قصّة عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه المشهورة مع النعمان بن عدي بن نضلة.
قال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية الكريمة : وقد ذكر بن محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد في «الطبقات »، والزبير بن بكّار في كتاب الفكاهة : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه استعمل النعمان بن عديّ بن نضلة على ميسان من أرض البصرة، وكان يقول الشعر، فقال :
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها | بميسان يسقى في زجاج وحنتم |
إذا شئت غنتني دهاقين قرية | ورقاصة تجذو على كل منسم |
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني | ولا تسقني بالأصغر المتثلم |
لعلّ أمير المؤمنين يسوءه | تنادمنا بالجوسق المتهدم |
لعل أمير المؤمنين يسوءه | تنادمنا بالجوسق المتهدم |
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن سليمان بن عبد الملك، لما سمع قول الفرزدق :
فبتن بجانبي مصرعات | وبتّ أفض أغلاق الختام |
﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ﴾ [ ٢٢٦ ].
هذا الذي ذكره هنا عن «الشعراء » من أنهم يقولون ما لا يفعلون، بيّن في آية أخرى أنه من أسباب المقت عنده جلَّ وعلا، وذلك في قوله تعالى :﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾[ الصف : ٢-٣ ]، والمقت في لغة العرب : البغض الشديد، فقول الإنسان ما لا يفعل، كما ذكر عن الشعر يبغضه اللَّه، وإن كان قوله ما لا يفعل فيه تفاوت، والعلم عند اللَّه تعالى.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في أوّل سورة «الكهف »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَيُبَشّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ [ الكهف : ٢ ] الآية، مع شواهده العربية.
﴿ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ﴾[ ٢٢٧ ].
أثنى اللَّه تعالى في هذه الآية الكريمة على الذين آمنوا وعملوا الصالحات بذكرهم اللَّه كثيرًا، وهذا الذي أثنى عليهم به هنا من كثرة ذكر اللَّه، أمر به في آيات أُخر، وبيَّن جزاءه ؛ قال تعالى :﴿ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ الجمعة : ١٠ ]، وقال تعالى :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾[ الحزاب : ٤١-٤٢ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأوْلِى الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٩٠-١٩١ ] الآية، وقال تعالى :﴿ وَالذكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ].
قوله تعالى :﴿ وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ﴾[ ٢٢٧ ].
قد قدّمنا الآيات الموضحة له ؛ كقوله تعالى :﴿ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ﴾ [ الشورى : ٤١-٤٢ ]، في آخر سورة «النحل »، في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّابِرينَ ﴾[ النحل : ١٢٦ ].
قوله تعالى :﴿ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾[ ٢٢٧ ].
المنقلب هنا المرجع والمصير، والأظهر أنه هنا مصدر ميمي، وقد تقرّر في فن الصرف أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف كان كل من مصدره الميمي، واسم مكانه، واسم زمانه على صيغة اسم المفعول.
والمعنى :﴿ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أيّ مرجع يرجعون، وأيّ مصير يصيرون، وما دلّت عليه هذه الآية الكريمة، من أن الظالمين سيعلمون يوم القيامة المرجع الذي يرجعون، أي : يعلمون العاقبة السيّئة التي هي مآلهم، ومصيرهم ومرجعهم، جاء في آيات كثيرة ؛ كقوله تعالى :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ [ التكاثر : ٣-٨ ]، وقوله تعالى :﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾[ الفرقان : ٤٢ ]، وقوله تعالى :﴿ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾[ الرعد : ٤٢ ]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا.
وقوله :﴿ أَىَّ مُنقَلَبٍ ﴾، ما ناب عن المطلق من قوله :﴿ يَنقَلِبُونَ ﴾، وليس مفعولاً به، لقوله :﴿ وَسَيَعْلَمْ ﴾، قال القرطبي : و ﴿ أَيُّ ﴾ منصوب ب﴿ يَنقَلِبُونَ ﴾، وهو بمعنى المصدر، ولا يجوز أن يكون منصوبًا ب ﴿ سَيَعْلَمُ ﴾، لأن أيًا وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها فيما ذكره النحويون، قال النحاس : وحقيقة القول في ذلك أن الاستفهام معنى وما قبله معنى آخر، فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض، انتهى منه. والعلم عند اللَّه تعالى.