ﰡ
وتسمى معمة اخرج ابن مردوية والخطيب والبيهقي عن ابى بكر «١» الصدّيق عن النبي ﷺ انّه قال يس تدعى معمة تعم صاحبها خير الدارين وتسمّى الدافعة لانها تدفع عن صاحبها كل سوء وتسمّى القاضية لانها تقضى كلّ حاجة مكّيّة وهى ثلاث وثمانون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
يس (١) اخرج ابو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس قال كان رسول الله ﷺ يقرأ فى المسجد فيجهر بالقراءة حتى تاذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه فاذا أيديهم مجموعة الى أعناقهم وإذا هم عمى لا يبصرون فجاءوا الى النبي ﷺ فقالوا ننشدك بالله والرحم يا محمد. ولم يكن بطن من بطون قريش الا وللنبى ﷺ فيهم قرابة فدعا النبي ﷺ حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس الى قوله أم لم تنذرهم لا يؤمنون فلم يؤمن من ذلك النفر أحد- قرأ حمزة وابو بكر «والكسائي وخلف وروح- ابو محمد» بامالة فتح الياء والباقون باخلاصها وورش وابو بكر وابن عامر والكسائي يدغمون نون الهجاء فى الواو ويبقون الغنة وكذلك فى ن والقلم غير ان عامة اهل الأداء من البصريين يأخذون فى مذهب ورش هناك بالبيان والباقون بإظهار النون فى السورتين- ويس كسائر المقطعات فى المعنى والاعراب وقيل معناه يا انسان بلغة طى يعنى به محمدا ﷺ على ان أصله يا انيسين فاقتصر على شطره
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) اى المحكم بعجيب النظم وبديع المعاني الواو للقسم او العطف ان جعل يس مقسما به.
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) جواب قسم فان قيل الغرض من الاخبار اما إفادة الحكم للمخاطب او إفادة لازم الحكم يعنى إفادة ان المتكلم عالم به وهاهنا لا يتصور شىء منهما فاىّ فائدة فى الاخبار قلنا الغرض هاهنا اعلام الكفار ورد انكارهم وإصرارهم حيث قالوا لست مرسلا.
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) متعلق بالمرسلين اى لمن الذين أرسلوا على صراط مستقيم وهو التوحيد والاستقامة فى الأمور او ظرف مستقر خبر ثان لان أو حال من المستكن فى الجار والمجرور وفائدته المدح ووصف الشرع بالاستقامة صريحا وان دلّ عليه لمن المرسلين التزاما-.
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) قرأ حفص وابن عامر وحمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» بنصب تنزيل بإضمار اعنى بيان للصراط او بإضمار فعله تقديره نزّل يعنى القران تنزيل العزيز فى ملكه الرّحيم بخلقه حيث نزل الكتاب وأرسل الرسول فحذف الفعل وأضيف المصدر الى الفاعل وقرأ الباقون بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف اى القران.
لِتُنْذِرَ قَوْماً متعلق بتنزيل او بمعنى قوله لمن المرسلين ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ما نافية والجملة صفة لقوم اى لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم حيث لم يبعث بمكة نبى بعد إسماعيل عليه السلام فهم أشد احتياجا الى الرسالة من غيرهم فَهُمْ غافِلُونَ (٦) اى لم ينذروا فبقوا غافلين وقيل ما موصولة او موصوفة والمعنى لتنذر قوما بالذي او بشئ انذر به آباؤهم الا بعدون فيكون مفعولا ثانيا لتنذر او مصدرية يعنى لتنذر قوما إنذار ابائهم اى مثل إنذارهم وعلى هذه الوجوه قوله فهم غافلون متعلق بقوله انّك لمن المرسلين اى أرسلناك إليهم لتنذرهم فانهم غافلون.
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ
يعنى قوله تعالى لاملانّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين فَهُمْ اى ذلك الأكثر لا يُؤْمِنُونَ (٧) اخرج ابن جرير عن عكرمة قال ابو جهل لان رايت محمدا لافعلن ولافعلن فنزلت.
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الى قوله لا يبصرون فكانوا يقولون هذا محمد فيقول اين هو اين هولا يبصره وقال البغوي نزلت فى ابى جهل وصاحبه المخزوميين وذلك ان أبا جهل كان قد حلف لان راى محمدا يصلى ليرضخن رأسه فراه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه فلمّا رفعه انثنت يده الى عنقه ولزق الحجر بيده فلمّا عاد الى أصحابه وأخبرهم بما راى سقط قال رجل من بنى مخزوم انا اقتله بهذا الحجر فاتاه وهو يصلى ليرميه بالحجر فاعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع الى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال ما رايته ولقد سمعت صوته وحال بينى وبينه شىء كهيئة الفحل يخطر بذنبه ولو دنوت منه لاكلنى فانزل الله تعالى انّا جعلنا فى أعناقهم أغلالا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ اى الاغلال وأصله الى أذقانهم فلا يخليهم يطاطئون وقال البغوي هى كناية عن الأيدي وان لم يجر لها ذكر لان الغل يجمع اليد الى العنق معناه انّا جعلنا فى أيديهم وأعناقهم أغلالا فهى الى الأذقان فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) الفاء للسببية فان الاغلال سبب للاقحام يعنى هم رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم لا يستطيعون النظر الى شىء واخرج البيهقي فى الدلائل من طريق السدّى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس ان ناسا من بنى مخزوم تواصوا بالنبي ﷺ ليقتلوه منهم ابو جهل والوليد بن المغيرة فبينا النبي ﷺ قائم يصلّى يسمعون قراءته أرسلوا اليه الوليد ليقتله فانطلق حتى اتى المكان الذي يصلى فيه فجعل يسمع قرائة ولا يراه فانصرف إليهم فاعلمهم فاتوه فلما انتهوا الى المكان الذي هو يصلى فيه سمعوا قرائة فيذهبون الى الصوت فاذا الصوت من خلفهم فيذهبون اليه فيسمعونه ايضا من خلفهم فانصرفوا ولم يجدوا اليه سبيلا فذلك قوله تعالى.
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ
قرأ حمزة والكسائي وحفص «وخلف- ابو محمد» بفتح السين والباقون بفتحها وهما لغتان فَأَغْشَيْناهُمْ اى فاعميناهم من التغشية وهى التغطية فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) الفاء للسببية قال اهل المعاني هذا على طريق التمثيل ولم يكن هناك غل ولا سد أراد الله سبحانه انا منعناهم عن الايمان بموانع فجعل الاغلال والسد مثلا لذلك فهو تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا يغنى عنهم الآيات والنذر مثلهم بالذين غلّت أعناقهم فهى الى الأذقان فهم مقمحون وبالذين جعل بينهم السد وبين ما يريدون رؤيته فى انهم لا يلتفتون الى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطاطئون رءوسهم له ولو طاطئوا رءوسهم فرضا يمنعهم السد عن الابصار فهم لا يبصرون سبيل الهدى او أراد انا منعناهم عن إيذاء الرسول بحفظنا إياه وجاز ان يكون جعلنا بمعنى نجعل أورد صيغة الماضي لتحقق الوقوع يعنى نجعل فى جهنم فى أعناقهم أغلالا ونجعل بين أيديهم سدّا وذلك بجعلهم الله تعالى فى توابيت من نار.
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) سبق تفسيره فى سورة البقرة-.
إِنَّما تُنْذِرُ انذارا يترتب عليه الفائدة مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ اى القرآن بالتأمل فيه والعمل به وَخَشِيَ الرَّحْمنَ اى خاف عقابه او المعنى انما ينفع إنذارك لمن كان صالحا لاتباع الذكر والخشية مستعدا لذلك لم يقل وخشى القهار المنتقم للدلالة على ان الخشية مع ملاحظة صفة الرحمة كمال الخشية وعين الايمان وان الايمان بين الخوف والرجاء بِالْغَيْبِ حال من فاعل خشى يعنى غائبا عن عذابه قبل ان يعاينه او غائبا عن الناس فى خلوته فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ لذنوبهم وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) حسن وهو الجنة.
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى عند البعث او المراد انا نعطى العلم والهداية بعد الجهل والضلال وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ الحسنة كعلم علموه وحبس وقفوه وسنة حسنة سنوه والسيئة كاشاعة باطل وتأسيس ظلم وتائيد كفر وبدعة ابتدعوها قال النبي ﷺ من سن فى الإسلام سنة حسنة يعمل بها من بعده فله أجرها ومثل اجر من عمل بها من غير ان ينقص من أجورهم شىء ومن
وَاضْرِبْ لَهُمْ اى مثّل لكفار مكة من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد اى مثال واحد وهو يتعدى الى مفعولين لتضمنه معنى الجعل كانه قيل واجعل لهم مَثَلًا مفعول أول أَصْحابَ الْقَرْيَةِ مفعول ثان بحذف المضاف تقديره اجعل مثلهم اصحاب القرية وهى انطاكية أخرجه الفريابي عن ابن عباس وابن ابى حاتم عن بريدة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة يعنى قل حال اهل مكة مثل حال اهل انطاكية إِذْ جاءَهَا اى تلك القرية بدل اشتمال من اصحاب القرية الْمُرْسَلُونَ (١٣) يعنى رسل عيسى عليه السلام قال البغوي قال العلماء بأخبار القدماء بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين الى مدينة انطاكية فلما قربا من المدينة فاتيا شيخا يرعى غنمات له وهو حبيب صاحب عيسى عليه السلام فلمّا سلما عليه قال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسول الله يدعوكم من عبادة الأصنام الى عبادة الرحمان فقال معكما اية قال نعم نشفى المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله فقال الشيخ ان لى ابنا مريضا منذ سنتين قالا فانطلق بنا نطلع حاله فاتى بهما الى منزله فسحا ابنه
الى مكانها فذرا ترابا على رأسها وعادت الى قبرها كما كانت وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب بل كفر الملك واجمع هو وقوعه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم الى طاعة المرسلين فذلك قوله عزّ وجلّ.
إِذْ أَرْسَلْنا بدل من إذ السابقة إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ قال وهب اسمهما يحيى ويونس فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا قرأ أبو بكر بالتخفيف والباقون بالتشديد ومعناهما واحد اى فقوينا بِثالِثٍ اى برسول ثالث وهو شمعون كذا اخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ترك ذكر المفعول به لان المقصود ذكر المعزز به وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وزهق الباطل وإذا كان الكلام لغرض يجعل سياقه له ويرفض ما سواه- واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة قال بلغني ان عيسى بعث الى اهل القرية رجلين من الحواريين وقال كعب الرسولان صادق وصدوق والثالث شلوم وانما أضاف الله الإرسال الى نفسه لان عيسى بعتهم بامره عزّ وجلّ فَقالُوا كلهم لاهل انطاكية إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا اى اهل انطاكية ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا مزية لكم علينا يقتضى اختصاصكم بالرسالة من الله وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ من وحي إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) فى دعوى الرسالة.
قالُوا اى الرسل
وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته كابراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى يعنون ان انكاركم لا يضرنا بعد ما كان علينا من أداء التبليغ وانما هو يعود عليكم بالمضرة.
ولمّا حبس الله عنهم المطر بتكذيبهم الرسل قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ يعنون ان ما نزل بنا انما هو بشومكم وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه فان عادة الجهال ان يتمنّوا كل شىء مالت اليه طباعهم وتشاموا ما كرهوه.
لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عما تقولون لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة ونقتلنّكم وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨).
قالُوا طائِرُكُمْ اى سبب شومكم مَعَكُمْ وهو كفركم وقال ابن عباس حظكم من الخير والشر معكم لا ينفك عنكم أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ وعظّم به وجواب الشرط محذوف والاستفهام للانكار يعنى أإن وعظتم تطيرتم بنا وتوعدتمونا بالرجم لا ينبغى ذلك بل كان ينبغى الاتعاظ والامتنان- قرأ ابو جعفر بفتح الهمزة الثانية وذكرتم بالتخفيف تقديره أتطيرتم وتوعدتم لان ذكرتم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) اى قوم عادتكم الإسراف فى العصيان ومنها التشاوم برسل الله والواجب التبرك بهم.
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى وهو حبيب النجار أخرجه عبد الرزاق وابن ابى حاتم عن قتادة وقال السدىّ كان قصارا وقال وهب كان حبيب رجلا يعمل الحرير وكان سقيما وقد اسرغ فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا امسى فقسم نصفين فيطعم نصفا على عياله ويتصدق نصفه فلمّا بلغه ان قومه قصدوا قتل الرسل جاءهم وقالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على تبلغ الرسالة الجملة تأكيد للاول او بدل يشتمل فائدة زائدة.
وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) الى خير الدارين.
أَأَتَّخِذُ الاية واخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم عن قتادة قال كان حبيب فى الغار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم يعنى قومه فاظهر دينه وقال يا قوم اتّبعوا المرسلين اتّبعوا من لا يسئلكم اجرا وهم مهتدون فلما قال ذلك قالوا له وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل فقال وما لى لا اعبد الّذى فطرنى اى خلقنى واليه ترجعون- قرأ حمزة ويعقوب «وخلف- ابو محمد» ما لى بسكون الياء والباقون بفتحها قيل أضاف الفطرة الى نفسه والرجوع إليهم لان الفطرة اثر النعمة وكان عليه إظهاره وفى الرجوع معنى الزجر فكان أليق بهم قيل انه لمّا قال اتّبعوا المرسلين أخذوه فرفعوه الى الملك فقال له الملك أفأنت تتبعهم فقال وما لى لا اعبد الّذى فطرنى يعنى اىّ شىء لى إذا لم اعبد خالقى واليه ترجعون عند البعث فيجازيكم ءاتّخذ استفهام انكار اى لا اتخذ مِنْ دُونِهِ اى دون الذي فطرنى آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي اى لا تنفعنى شَفاعَتُهُمْ التي تزعمونها شَيْئاً من الإغناء وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) قرأ ورش «ويعقوب فى الحالين- ابو محمد» بإثبات الياء فى الوصل والباقون بالحذف فى الحالين اى لا ينقذونى من عذاب الله ان عذبنى وفى نفى الإغناء عن الشفاعة فى دفع الضرر والانقاذ من العذاب مبالغة فى نفى النفع عن شفاعتهم مطلقا فان قبول الشفاعة لدفع الضرّ اقرب من قبولها لنيل الرحمة والجملة الشرطية صفة لالهة.
إِنِّي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها إِذاً اى إذا اتخذ ما لا ينفع ولا يضر بوجه ما الهة من دون من فطرنى وهو يقدر على النفع والضر لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) ظاهر لا يخفى على من له ادنى تميز كونه ضلالا- والجملة تعليل للانكار على اتخاذ الالهة.
إِنِّي قرأ نافع «وأبو عمرو وأبو جعفر وأبو محمد» وابن
قال البغوي فلمّا قال ذلك وثب القوم وثبة رجل واحد فقتلوه «١» قال ابن مسعود وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقال السدىّ كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومى حتى قطعوه وقتلوه وقال الحسن خرقوا خرقا فى حلقه فعلقوه من سور المدينة وقبره بانطاكية فادخله الله الجنة وهو حى فيها يرزق يعنى حيوة الشهداء وقيل الخطاب للرسل فانه لمّا راى انه يقتل استشهد الرسل على إيمانه قبل ان يموت والتقدير فقال للرسل انّى امنت.
قِيلَ يعنى قال الله تعالى لحبيب النجار رضى الله عنه لمّا استشهد إكراما واذنا فى دخول الجنة كسائر الشهداء ادْخُلِ الْجَنَّةَ وقيل قال الله تعالى ذلك له قبل موته يعنى ادخل قبرك الذي هو روضة من رياض الجنة وانما لم يقل وقيل له لان الغرض بيان المقول دون المقول له فانه معلوم والكلام فيه والجملة مستانفة فى حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه فى نصر دينه والله اعلم ولما افضى حبيب الى الجنة قالَ يا رب لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) ما موصولة او مصدرية والباء متعلق بيعلمون اى يعلمون بالذي غفر لى ربى به او بغفران ربى إياي او استفهامية والباء متعلق بغفر اى باىّ شىء غفر لى يريد به الايمان والمصابرة على إيذاء الكافرين.
قال البغوي فلما قتل حبيب غضب الله عليهم وعجل لهم النقمة فامر جبرئيل فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم وذلك قوله تعالى.
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ اى قوم حبيب مِنْ بَعْدِهِ من زائدة اى بعد إهلاكه مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ من الاولى زائدة لتأكيد النفي والثانية للابتداء يعنى ما أنزلنا لاهلاكهم جندا من الملائكة كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك وفيه استحقار لإهلاكهم وايماء بتعظيم الرسول عليه السلام وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) ما نافية اى ما كان شأننا فى إهلاك قوم إنزال جند فان الأمر أيسر من ذلك وانما أنزلنا الأجناد لنصرك بشارة وإكراما لك وتسكينا لقلبك قال الله تعالى وما جعله الله إلّا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر الّا من عند الله- وقيل موصولة معطوفة على جند يعنى ما أنزلنا على قومه ما كنّا منزلين على من قبلهم من حجارة او ريح او امطار شديدة.
إِنْ كانَتْ اى ما كانت الاخذة او العقوبة إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبرئيل قرأ الجمهور بالنصب على انه خبر كان وابو جعفر بالرفع جعل الكون تامة بمعنى الوقوع- قال البغوي قال المفسرون أخذ جبرئيل بعضاوتي باب المدينة ثم صاح صيحة واحدة فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) اى ميتون شبّهوا بالنار لان الحيوة يتعلق بالحرارة الغريزية فاذا خمدت الحرارة الغريزية مات وجملة ما أنزلنا عطف على قوله وجاء من اقصا المدينة رجل «١» يسعى وجملة ما كنّا منزلين معترضة وجملة ان كانت الّا صيحة تعليل والفاء للسببية يعنى فاجئت الصيحة وقت خمودهم.
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ الظرف صفة للحسرة وجعلت الحسرة منادى تنبيها للمخاطبين على وجوب الحسرة عليهم وتنكيرها للتعظيم كانّه قيل يا حسرة اى حسرة تعالى فهذه من الأحوال التي من حقها ان تحضرى فيها وهى ما دل عليه ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) استثناء مفرغ حال من الضمير المنصوب او من رسول او منهما
أَلَمْ يَرَوْا الم يعلموا وهو معلق عن قوله كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ لان كم لا يعمل فيما قبلها وان كانت خبرية لان أصلها الاستفهام فهو يستدعى صدر الكلام والضمير فى لم يروا لاهل مكة أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) بدل اشتمال من كم على المعنى اى الم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم الم يروا انهم غير راجعين إليهم- ولمّا كان فى قوله انّهم إليهم لا يرجعون إيهاما الى ان الموتى لا يرجع ابدا ندفع ذلك الوهم قال.
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) يوم القيامة قرأ عاصم وحمزة «ابو محمد وابن جمار» لما بالتشديد هاهنا وفى الزخرف والطارق وأخفها ابن عامر الا فى الزخرف فى رواية ابن ذكوان ووافق ابو جعفر فى الطارق والباقون بالتخفيف فمن فرأ بالتشديد فان نافية ولمّا بمعنى الا ومن قرأ بالتخفيف فان مخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة وما مزيدة للتأكيد وجميع فعيل بمعنى مفعول ولدينا ظرف له او لمحضرون..
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ قرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» بالتشديد أَحْيَيْناها بالمطر خير للارض والجملة خير اية او صفة للارض إذ لم يرد بها معينة فهو كقوله ولقد امرّ على اللئيم يسبنى والأرض مبتدا خبرها اية او خبر لكونها نكرة والاية مبتدا والجملة معطوفة على قوله وان كلّ لّما- وجاز ان يكون أحييناها استئنافا لبيان كونها اية وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا
وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ اى من انواع النخيل والعنب ولذلك جمعهما دون الحب فان الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك وذكر النخيل دون التمر ليطابق الحب والأعناب لاختصاص النخيل بمزيد النفع واثار الصنع وَفَجَّرْنا فِيها فى الأرض مِنَ الْعُيُونِ اى شيئا من العيون فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه عند الأخفش من زائدة.
لِيَأْكُلُوا متعلق بفجّرنا مِنْ ثَمَرِهِ اى ثمر ما ذكر وهو الجنات وقيل الضمير لله على طريقة الالتفات والاضافة اليه لإن الثمر بخلقه قرأ حمزة والكسائي «وخلف ابو محمد» ثمره بضمتين وهو لغة فيه او جمع ثمار وَما عَمِلَتْهُ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر «وخلف- ابو محمد» عملت بغير هاء أيديهم عطف على ثمره وما موصولة والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما وقيل ما نافية والمراد ان الثمر بخلق الله تعالى لا بفعلهم ويؤيد الاول قراءة الكوفيين بلا هاء فان حذفه من الصلة احسن عن غيرها أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أينكرون انعام الله فلا يشكرون وحيث كان إنكارا على ترك فهو امر بالشكر.
سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ اى الأنواع والأصناف كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من النبات والشجر وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ اى الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) اى ما خلق الله فى البحر والبر ولم يطلع عليها أحدا-.
وَآيَةٌ لَهُمُ على قدرتنا اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ اى ننزع ونكشط وذلك ان الأصل هى الظلمة والنهار داخل عليها بطلوع الشمس فاذا غربت فكانّه سلخ النهار من الليل وظهرت الظلمة فانسلخ هاهنا مستعار من سلخ الجلد- والكلام فى إعرابه مثل ما سبق فى قوله تعالى اية لّهم الأرض الميتة فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) عطف على نسلخ منه النّهار فغاصوا وقت كونهم داخلين فى الظلمة يعنى يذهب بالنهار ويجئ بالليل.
وَالشَّمْسُ عطف على الليل تَجْرِي فى فلكها مثل جرى الحوت فى الماء صفة للشمس بناء على تنكيره او مبتدا وخبر والجملة معترضة لبيان سبب وجود الليل والنهار
وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ اى قدرنا مسيره مَنازِلَ او قدرنا سيره فى منازله قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو «وروع- ابو محمد» والقمر بالرفع على انه معطوف على الشمس يعنى اية لهم الليل واية لهم الشمس واية لهم القمر والجملة الواقعة بعدها كالجملة الواقعة بعد الشمس وقرأ الباقون بالنصب بإضمار فعل فسره بقوله قدّرناه منازل- وهى ثمانية وعشرون منزلا- ينزل كل ليلة فى واحدة منها لا يتخطئه ولا يتقاصر عنه فاذا كان فى اخر منازله دقّ واستقوس حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ اى الشمراخ المعوج فعلون من الانعراج بمعنى الاعوجاج الْقَدِيمِ (٣) العتيق قيل ما مر عليه حول فصاعدا ثم يكون القمر تحت شعاع الشمس فى المحاق.
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها اى يصح لها ويتيسر أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ قال البيضاوي اى فى سرعة سيره وهذا مبنى على ما قالت الفلاسفة ان القمر اسرع سيرا من الشمس فان دورها يتم فى شهر ودور الشمس يتم فى سنة وعندى الأمر بالعكس كما سنبين ان شاء الله تعالى فالاولى ان لا يقيد السير بالسرعة بل يقال الشمس لا تدرك القمر فى سيره المخصوص حتى يتحد سيدهما فان ذلك يخل بتكون النباتات وتعيش الحيوانات او فى اثاره ومنافعه او مكانه بالنزول الى محله او سلطانه فتطمس نوره قلت وجاز ان يكون المراد بالشمس النهار وبالقمر الليل وهذا يستقيم المقابلة يعنى لا ينبغى للنهار ان يدرك الليل اى يسبقها وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ اى هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجئ أحدهما قبل وقته كذا تستفاد من كلام البغوي وَكُلٌّ التنوين عوض المضاف
وهذا صريح فى ان الشمس والقمر والكواكب سائرة فى الفلك بقسر قاسر من الملائكة او بالارادة لا انها مرتكزة فى السماء كالمسامير لا تتحرك الا بتحرك السماء حركة وضعية كما يقول به الفلاسفة بناء على ان السباحة يستلزم الخرق والالتيام وزعموا انه محال فاستدلوا بتعدد الحركات للكواكب على تعدد السماوات على حسب تعدد الحركات فقالوا السماوات تسعة كلها منطبقة بعضها على بعض مثل قشور البصل وقالوا السماء التاسع الذي هو حاد للجميع يتحرك من المشرق الى المغرب على منطقة وقطبين بحيث يتم دائرة سيره فى كل يوم وليلة مرة تقريبا وسائر.... السماوات تسير بسيره قسرا ولكل منها حركة بالطبع من المغرب الى المشرق على منطقة اخرى وقطبين آخرين ويحصل التقاطع بين الاقطاب الاربعة قطبى فلك الثوابت وقطبى فلك الافلاك والشمس يلازم لمنطقة فلك الثوابت وينقسم منطقة فلك الثوابت الى اثنى عشر حصة يسمون كل حصة منها برجا ويسمون ذلك الفلك فلك البروج قالوا ذلك لمّا راوا ان الكوكب لا يتم دائرة سيرها فى يوم وليلة- ولما راوا ان الكواكب كلها غير السبعة التي يسمونها سيارات لا يختلف نسبة بعضها مع بعض قط وان سيرها ينقص من الدائرة فى اليوم والليلة قليلا غاية القلة جدا حكموا بان كلها مرتكزة فى فلك واحد وهى السماء الثامنة فلك البروج وان سيرها كان لا سير ولذا سموها ثوابت وفلكها فلك الثوابت ولمّا راوا السبعة ينقص سيرها فى اليوم والليلة من الدائرة نقصانا ظاهرا بحيث يرون القمر يسير فى ثلاثين يوما او تسعة وعشرين دائرة والشمس تسير فى ثلاث مائة وخمس وستين يوما ثلاث مائة وأربعا وستين دائرة وهكذا ان أفلاكها سبعة كلها سائرة من المغرب الى المشرق ولاجل ذلك يرى سيرها فى اليوم والليلة ناقصة من الدائرة وكلما راوا
وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ اى مثل الفلك مطلقا او مثل فلك نوح ما يَرْكَبُونَ (٤٢) من الإبل فانها سفائن البر او من الفلك والسفن والرواق على هيئة سفينة نوح.
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ مع اتخاذ السفائن فَلا صَرِيخَ لَهُمْ جزاء لشرط محذوف تقديره وان نغرقهم فلا صريخ اى لا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق او فلا استغاثة كقولهم أتاهم الصريخ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) عطف على لا صريخ لهم اى لا ينجون من الغرق قال ابن عباس ولا أحد ينقذهم من عذابى.
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً استثناء مفرغ منصوب على العلية اى لا ينقذون لشئ الا لرحمة منا ولتمتيع إِلى حِينٍ (٤٤) اى زمان قدّر لاجالهم..
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ قال ابن عباس ما بين ايديكم يعنى الاخرة فاعملوا لها وما خلفكم يعنى الدنيا فاحذروها ولا تغتروا وقيل ما بين ايديكم يعنى وقائع الله فيما قبلكم من الأمم وما خلفكم عذاب الاخرة وهو قول قتادة وقيل المراد به نوازل السماء ونوائب الأرض كقوله تعالى او لم يروا الى ما بين أيديهم وما خلفهم من السّماء والأرض وقيل المراد به عذاب الدنيا وعذاب الاخرة وقيل عكسه وقيل ما تقدم من الذنوب وما تأخر
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ من الاولى زائدة لتأكيد النفي والثانية للتبعيض إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) استثناء مفرغ مثل قوله الّا كانوا به يستهزءون هذه الاية فى مقام التعليل لما سبق يعنى إذا قيل لهم اتّقوا اعرضوا لانهم اعتادوه وتمرنوه والجملة الشرطية اعنى قوله وإذا قيل لهم مع ما عطف عليه اعنى وما تأتيهم من اية عطف على قوله وما يأتيهم من رّسول.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ عطف على الشرطية السابقة يعنى كان المؤمنون يقولون لكفار مكة أَنْفِقُوا على المساكين مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من الأموال قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا فيه وضع المظهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بكفرهم لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ يعنى ان الله لم يرزقهم مع قدرته عليه فنحن نوافق مشية الله فلا نطعمهم (قيل قاله مشركوا قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين أخرجه ابن ابى حاتم عن الحسن وعبد بن حميد وابن المنذر عن إسماعيل بن خالد) وهذا قول باطل فان الله تعالى اغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا وامر الغنىّ بالإنفاق لا حاجة الى ما لهم ولكن ليبلو الغنى بالفقير فيما فرض له فى مال الغنى ولا اعتراض لاحد على مشية الله وحكمه فى خلقه ولا يدرك العقول كل حكمة فى أفعاله إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) حيث أمرتمونا ما يخالف مشية الله ويجوز ان يكون جوابا لهم من الله تعالى او حكاية لجواب المؤمنين لهم..
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ اى القيامة والبعث عطف على الشرطية السابقة استفهام استبطاء إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) فى الاخبار بإتيانه جواب الشرط محذوف يعنى فانبئونا عن وقت إتيانه خطاب للرسول صلّى الله عليه وسلم وللمؤمنين.
ما يَنْظُرُونَ حال من فاعل يقولون يعنى يقولون ذلك فى حال ما ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً استثناء مفرغ منصوب على المفعولية قال ابن عباس يريد به النفخة الاولى فان قيل ان الكفار لم يكونوا يعتقدون النفخة فكيف ينتظرونها قلنا هذه الاية كناية عن عدم تركهم المعاصي
فَلا يَسْتَطِيعُونَ عطف على تأخذهم ورابط الموصوف محذوف تقديره فلا يستطيعون بعدها والفاء للسببية تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥١) واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد الزهد عن الزبير بن العوام قال ان الساعة تقوم والرجل يذرع الثوب والرجل يحلب الناقة ثم قرا فلا يستطيعون توصية ولا الى أهلهم يرجعون يعنى لا يقدرون على ان يوصوا فى شىء من أمورهم ولا ان يرجعوا الى أهلهم فيروا حالهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة-.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ اى ينفخ ذكر صيغة الماضي لتيقن وقوعه عطف على مضمون فلا يستطيعون يعنى يموتون من ساعتهم وينفخ فى الصور مرة ثانية وبين النفختين أربعون سنة كذا روى ابن ابى حاتم عن ابن عباس وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون عاما قال أبيت الحديث. وروى ابن ابى داود
قالُوا يعنى يقول الكفار حين يبعثهم أورد لفظ الماضي لتيقن وقوعه يا وَيْلَنا؟؟؟ دون الويل يعنى يا ويل احضر فان هذا أوانك او يقال ان المنادى محذوف تقديره يا ايها المخاطب ويلنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه منصوب بفعل مقدر فى معناه قال فى القاموس معناه حلول الشر وقال بعض المحققين لم يرد فى اللغة ان ويلا وضع لهذا المعنى بل هو اسم لواد فى جهنم لما روى احمد والترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وابن ابى الدنيا وهناد عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه قال ويل واد فى جهنم يهوى به الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره- وروى سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال الويل واد فى جهنم يسيل من صديد اهل النار جعل للمكذبين- واخرج ابن جرير عن عثمان بن عفان عن رسول الله ﷺ الويل جبل فى النار- واخرج البزار بسند ضعيف عن سعد بن ابى وقاص قال قال رسول الله ﷺ ان فى النار حجرا يقال له ويل يصعد عليه العرفاء وينزلون مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا سكت حفص هاهنا سكتة لطيفة والوقف عليها عند غيره احسن قال ابن عباس وقتادة انما يقولون هذا لان الله يرفع العذاب عنهم بين النفختين فيوقدون فاذا بعثوا بعد النفخة الاخرة عاينوا القيامة ودعوا بالويل وقول ابن عباس هذا دفع لما قالت المعتزلة ان هذه الاية تدل على نفى عذاب القبر فانها تدل على انهم كانوا كالنيام وقال اهل المعاني ان الكفار إذا عاينوا جهنم بانواع عذابها صارت عذاب القبر فى جنبها كالنوم فقالوا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) مبتدا وخبر وما مصدرية بمعنى المفعول او موصولة والرابط محذوف يعنى هذا ما وعد به
إِنْ كانَتْ اى ما كانت الفعلة فى بعثهم إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هى النفخة الاخيرة فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ اى مجموعون لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) خبر بعد خبر وفى ذلك تهوين لامر البعث والحشر واستغنائهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه.
فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) حكاية لما يقال لهم تصويرا للموعود وتمكينا له فى النفوس وكذا قوله-.
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو بسكون الغين والباقون بضمها وهما لغتان مثل السّحت والسّحت- واختلفوا فى معنى الشغل قال ابن عباس فى افتضاض الابكار وقال وكيع بن الجراح فى السّماع وقال الكلبي فى شغل عن اهل النار وعمّا هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم وقال الحسن شغلوا بما فى الجنة من النعيم عمّا فيه اهل النار من العذاب وقال ابن كيسان فى زيارة بعضهم بعضا وفى ضيافة الله تعالى والاولى ان يقال فى شغل ما يشتهونه؟؟؟
العلية الذين لا مقصود لهم الا الله تعالى شغلهم الانهماك والاستغراق فى التجليات الذاتية على حسب مدارجهم وغيرهم كان شغلهم بالسماع والرياح والاكل والشرب والجماع على حسب شهواتهم ورغباتهم- اخرج ابو نعيم عن شيخ طريقتنا ابى يزيد البسطامي انه قال ان لله خواصا من عباده لو حجبهم فى الجنة عن رؤيته لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار
هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ قرأ حمزة والكسائي «وخلف- ابو محمد» ظلل بغير الف جمع ظلّة والباقون ظلال بالألف وكسر الظاء جمع ظلّ وهو موضع الذي لا يقع عليه الشمس كشعاب او ظلة وهو ما يسترك عن الشمس كقباب عَلَى الْأَرائِكِ يعنى السرر فى الحجال واحدتها اريكة قال البغوي قال ثعلب لا يكون اريكة حتى يكون عليها حجلة واخرج البيهقي عن ابن عباس قال لا يكون اريكة حتى يكون السرير فى الحجلة فان كان السرير بغير حجلة لا يكون اريكة وان كان حجلة بغير سرير لا يكون اريكة فاذا اجتمعا كانت اريكة واخرج البيهقي عن مجاهد قال الأرائك من لؤلؤ وياقوت الجار والمجرور متعلق بقوله مُتَّكِؤُنَ (٥٦) هم مبتدا خبره فى ظلل وعلى الأرائك جملة مستأنفة او خبر ثان او الخبر متّكؤن والجار ان صلة له او هم تأكيد للضمير فى شغل او فاكهون وعلى الأرائك متّكؤن خبر آخر لانّ- وأزواجهم عطف على هم للمشاركة فى الاحكام او فى ظلال حال من المعطوف والمعطوف عليه-.
لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) اى ما يطلبون لانفسهم يفتعنون من الدّعاء او يتمنون من قولهم ادّع علىّ ما شئت بمعنى منّه علىّ او ما يدّعون في الدنيا من الجنة ودرجاتها وما موصولة او موصوفة مبتدا وخبرها لهم.
سَلامٌ بدل منها ويجوز ان يكون خبرا لهم او اخبر المحذوف اى هم سلام او مبتدا محذوف الخبر اى لهم سلام قَوْلًا يعنى يقول الله قولا او يقال لهم قولا كائنا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) والمعنى ان الله يسلّم عليهم بواسطة الملائكة او بغير واسطة تعظيما لهم وذلك مطلوبهم ومقناهم ويحتمل نصبه على الاختصاص اخرج ابن ماجة
وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) قال مقاتل والسديّ والزجاج يعنى اعتزلوا من الصالحين يعنى يساق المؤمنون الى الجنة والمجرمون الى النار عطف على مضمون ما سبق. وقال الضحاك ان لكل كافر فى النار بيتا يدخل ذلك البيت ويردم بابه بالنار فيكون فيه ابد الآبدين لا يرى ولا يرى- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن مسعود قال إذا القى فى النار من هو مخلد فيها جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل الجحيم فما يرى أحدهم انه يعذب غيره- واخرج ابو نعيم والبيهقي عن سويد بن عفلة نحوه.
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ الم آمركم على لسان المرسلين استفهام للانكار وانكار النفي اثبات يعنى قد عهدتّ إليكم والجملة فى مقام التعليل لتميزهم من المؤمنين يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ اى لا تطيعوه فى معصية الله ان مفسرة للعهد فانه فى معنى القول إِنَّهُ اى الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) ظاهر العداوة تعليل للمنع عن طاعته فيما يحملهم عليه.
وَأَنِ اعْبُدُونِي عطف على او لا تعبدوا هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) اشارة الى ما عهد إليهم او الى عبادته تعالى والجملة استيناف لبيان المقتضى للعهد بشقيه او بالشق الأخير والتنكير للمبالغة والتعظيم او للتبعيض فان التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم.
وَلَقَدْ أَضَلَّ الشيطان مِنْكُمْ جِبِلًّا قرأ أهل المدينة وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ويعقوب بضم الجيم والباء وتشديد اللام
هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا ادخلوها وذوقوا حرها الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) اى بكفركم فى الدنيا.
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) جملة فيها التفات من الخطاب الى الغيبة اخرج مسلم عن انس قال كنا مع رسول الله ﷺ فضحك فقال هل تدرون فيما اضحك قلنا الله ورسوله اعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب الم تجرنى من الظلم فيقول بلى فيقول فانى لا أجيز على نفسى الا بشاهد منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقى فينطق بأعماله ثم يخلّى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ اناصل «أجادل منه». واخرج مسلم عن ابى هريرة قال قالوا يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة قال هل تضارّون فى روية الشمس فى الظهيرة ليست فى سحابة قالوا لا قال فهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر ليست فى سحابة قالوا لا قال فو الذي نفسى بيده لا تضارّون فى رؤية ربكم الا كما تضارّون فى رؤية اجرهما فياتى العبد فيقول اى فلان الم أكرمك الم اسودك «اى جعلتك سيدا- منه ره» الم أزوجك الم أسخر لك الخيل والإبل وأتركك تتراس «اى تكون راسا على قومك- منه ره» وتربغ «١» قال بلى يا رب فيقول أظننت انك ملاقى فيقول لا فيقول انى أنساك كما نسيتنى ثم يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك ويقول هو مثل ذلك ثم يلقى الثالث
وَلَوْ نَشاءُ يعنى ولو شئنا طمس أعينهم لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ اى أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق وهو معنى الطمس فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ عطف على طمسنا اى الى الطريق اعتادوا سلوكهم وانتصابه بنزع الخافض او بتضمين الاستباق معنى الابتداء او جعل المسبوق اليه مسبوقا على الاتساع او على الظرفية فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) الفاء للسببية والاستفهام للانكار يعنى فكيف يبصرون
وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ قرأ ابو بكر مكاناتهم بصيغة الجمع والباقون بالإفراد يعنى ولو شئنا لجعلناهم قردة وخنازير فى منازلهم وقيل يعنى لو شئنا لجعلناهم حجارة وهم قعود فى منازلهم لا أرواح لهم فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا اى ذهابا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) اى ولا رجوعا وضع الفعل موضعه للفواصل- وقيل ولا يرجعون عن تكذيبهم الى التصديق ومعنى هذه الاية والاية السابقة على تأويل الحسن انهم لكفرهم ونقضهم العهد أحقاء ان يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم فى الدنيا واقتضاء الحكمة إمهالهم-.
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ اى من نطل عمره نُنَكِّسْهُ قرأ عاصم وحمزة بضم النون الاولى وفتح الثانية وكسر الكاف والتشديد من التنكيس والباقون بفتح النون الاولى وسكون الثانية وضم الكاف مخففا من المجرد والتنكيس ابلغ والنكس أشهر ومعناه نقلبه فِي الْخَلْقِ يعنى كان فى بدو الأمر لا يزال يتزايد قوة ونجعله فى الاخر بحيث لا يزال يتزايد ضعفا حتى يموت أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) عطف على مضمون الشرطية السابقة والاستفهام للانكار يعنى ينبغى ان يعقلوا ويعلموا ان من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فانه مشتمل عليهما وزيادة غير انه على تدرج قرأ نافع «ابو جعفر ويعقوب وابو محمد» وابن ذكوان بالتاء على الخطاب لجرى الخطاب قبله فى قوله الم اعهد إليكم والباقون بالياء على الغيبة جريا على قوله لو نشآء لمسخناهم- قال البغوي قال الكلبي ان كفار مكة قالوا ان محمدا شاعر وما تقوله شعر فانزل الله تعالى.
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ عطف على قوله انّك لمن المرسلين وفيه التفات من الخطاب الى الغيبة يعنى ما علّمناه الشّعر بتعليم القرآن فانه غير مقفى ولا موزون وليس معناه مثل معنى الاشعار من التخيلات المرغبة والمنفرة والأقوال الكاذبة
لِيُنْذِرَ قرأ نافع وابن عامر ويعقوب «وابو جعفر- ابو محمد» بالتاء للخطاب اى لتنذر يا محمد بالقران وكذلك فى الأحقاف ووافق ابن كثير فى الأحقاف والباقون بالياء للغيبة متعلق بمضمون ما سبق يعنى أنزلنا القران وأرسلنا محمدا لينذر القران او الرسول مَنْ كانَ حَيًّا اى مؤمنا فانه حى القلب يعقل الأشياء على ما هى عليه وايضا الحيوة الابدية بالايمان وتخصيص الابدية لانه هو المنتفع به دون الكافر فانه كالميت لا ينتفع به ولا يدرك الحسن من القبيح يحسب عبادة الأحجار واتباع الشيطان حسنا وعبادة الخالق واتباع الرسول الناصح المؤيد بالمعجزات قبيحا فيكون فى الاخرة بحيث لا يموت ولا يحيى وللاشعار بانهم أموات فى الحقيقة جعلهم فى مقابلة من كان حيّا وقال وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عطف على لينذر اى ليجب كلمة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠).
أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة لاستفهام الإنكار والواو للعطف على محذوف تقديره اينكرون البعث او اينكرون خلق الله ولم يروا يعنى قد راو وأقروا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ اى تولينا احداثه دون غيرنا لانتفاعهم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا اسناد العمل الى الأيدي استعارة تفيد مبالغة فى الاختصاص والتفرد بالأحداث أَنْعاماً خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) متملكون بتمليكنا إياهم او متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم.
وَذَلَّلْناها اى سخرناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ اى مركوبهم يعنى الإبل وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) اى ما يأكلون لحمه.
وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ من الجلود والاصواف والأدبار والنسق له واستعمالها فى الحرث وغير ذلك وَمَشارِبُ من ألبانها جمع مشربة بمعنى الموضع او المصدر أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره اينكرون فلا يشكرون لابل يعترفونه ويكفرون كما يدل عليه قوله.
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً أشركوها به فى العبادة بعد ما راوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة وعلموا انه المتفرد بها- عطف على مضمون خلقنا لهم يعنى أنعمنا عليهم وهم اتخذوا الهة غيرنا روى البيهقي والحكيم عن ابى الدرداء انه قال قال رسول الله ﷺ قال الله عزّ وجلّ انى والجن
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ اى ان يمنعوهم من العذاب وَهُمْ اى الكفار لَهُمْ اى لالهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) معدون لحفظهم والذب عنهم فى الدنيا وهى لا يسوق إليهم خيرا ولا يدفنون عنهم شرّا وقيل معناه يؤتى يوم القيامة بكل معبود من دون الله ومعه أشياعه الذين عبدوهم كانهم جند محضرون فى النار- الجملة حال من فاعل لا يستطيعون.
فَلا يَحْزُنْكَ الفاء للسببية يعنى إذا سمعت الوعيد للكافرين فلا يحزنك قَوْلُهُمْ فى الله بالإلحاد وفيك بالتكذيب والتهجين إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من عداوتك والعقائد الباطلة وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) من الأعمال والأقوال الشنيعة فيجازيهم عليه وكفى ذلك ان تتلى به وجملة انا نعلم تعليل للنهى على الاستئناف- اخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال جاء العاص بن وائل الى رسول الله ﷺ بعظم حامل محتة فقال يا محمد أيبعث هذا بعد ما ارى قال نعم يبعث الله هذا يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت.
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ يعنى العاص ابن وائل أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ الى اخر السورة واخرج ابن ابى حاتم من طرق عن مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدىّ والبيهقىّ فى شعب الايمان عن ابى مالك وكذا ذكر البغوي انها نزلت فى ابى بن خلف الجمحي خاصم النبي ﷺ فى انكار البعث وأتاه بعظم قد بلى ففتته بيده وقال اترى يحيى الله هذا بعد مادم فقال النبي ﷺ نعم ويبعثك فيدخلك النار فانزل الله تعالى هذه الاية الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره أينكر الإنسان قدرتنا على الاعادة ولم ير يعنى قد علم انّا خلقناه من نطفة فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ الفاء للعطف وإذا للمفاجاة يعنى خلقناه من نطفة ففاجا وقت خصامه مُبِينٌ (٧٧) ظاهر انه مجادل بالباطل لا يريد تحقيق الحق لظهوره حيث يعلم ويعترف ببدو خلقه وينكر ما هو أهون منه وهو الاعادة وفيه تسلّية ثانية بتهوين ما يقول له بالنسبة الى انكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ حيث اتى الكفر فى مقابلة
وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا امرا عجيبا وهو نفى القدرة على احياء الموتى وتشبيهه بخلقه موصوفا بالعجز عمّا عجزوا عنه وَنَسِيَ خَلْقَهُ اى خلقنا إياه من منى وهو اغرب من احياء العظم قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) حال من العظام استئناف بيان للمثل والرميم ما بلى من العظام فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسما بالغلبة فلذلك لم يؤنث او بمعنى مفعول من رممته- قال البيضاوي فيه دليل على ان العظم ذو حيوة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء يعنى بذلك ان عظم الميتة نجس وبه قال الشافعي وكذا ذكر ابن الجوزي مذهب احمد فى التحقيق وذكر صاحب رحمة الامة ان الصحيح من مذهب احمد طهارة السنّ والريش والعظم احتج القائلون بنجاسة عظم الميتة بهذه الاية وبقوله ﷺ لا ينتفع من الميتة بشئ- رواه ابو بكر الشامي بإسناده عن ابى الزبير عن جابر قال صاحب المغني وصاحب تنقيح التحقيق اسناده حسن ورواه ابن وهب فى مسنده عن زمعة بن صالح عن ابى الزبير عن جابر ولفظه لا تنتفعوا من الميتة بشئ ولا تنتفعوا بالميت قال صاحب التنقيح زمعة فيه كلام وللحديث علة ذكرها ابن معور وغيره قال صاحب الهداية شعر الميتة وعظمها لا حيوة فيهما يعنى فلا يحلهما الموت فلا يشتملهما الحديث الوارد فى النهى عن الانتفاع بالميتة ويرد على هذا القول هذه الاية فانها تدل على كون الحيوة فى العظم فالاولى ان يقال ان المنجس انما هو الدم المسفوح ولادم فى العظم والعصب والشعر وان كانت فيها حيوة ولهذا موت ما لا دم له سائلا من الحيوانات فى الماء لا يفسده عن سلمان قال قال رسول الله ﷺ كل طعام او شراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوؤه. رواه الدار قطنى
عصب وسوارين من عاج- قال ابن الجوزي الحديث لا يصح حميد و
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ فان قدرته كما كان لامتناع التغير فيه والمادة على حالها فى القابلية اللازمة لذاتها جملة مستأنفة وقوله وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ اى مخلوق عَلِيمٌ (٧٩) حال من فاعل يحيى اى يعلم تفاصيل المخلوقات وكيفية خلقها فيعلم اجزاء الاشخاص المتغيبة المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها وطرق تميزها وضم بعضها الى بعض على النمط السابق وإعادة الاعراض والقوى التي كانت فيها او احداث مثلها.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً بدل من الّذى أنشأها او خبر مبتدا محذوف اى هو او منصوب على المدح بتقدير اعنى قال ابن عباس شجرتان يقال لاحداهما المرخ وللاخرى العفار فمن قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضروان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار يخرج منها النار يقول العرب فى كل شجر نار و؟؟؟ المرخ والعفار وقال العلماء فى كل شجر نار الا العناب
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الاستفهام للانكار والعطف على محذوف تقديره اخلق السماوات والأرض كما تعترفون به وليس الذي خلقهما مع كبر جرمهما وعظم شأنهما بِقادِرٍ قرأ يعقوب «اى رويس ابو محمد» يقدر على صيغة المضارع عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فى الصغر والحقارة بالاضافة إليهما او مثلهم فى اصول الذات وصفاتها وهو المعاد بَلى جواب من الله لتقرير ما بعد النفي اى هو قادر على ان يخلق مثلهم وَهُوَ الْخَلَّاقُ يخلق خلقا بعد خلق الْعَلِيمُ (٨١) بجميع الممكنات عطف على مضمون بلى.
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً ان يوجد أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) اى فهو يكون نصبه ابن عامر والكسائي عطفا على يقول- قال البيضاوي هو تمثيل لتأثير قدرته فى مراده تعالى بامر المطاع للمطيع فى حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار الى مزاولة عمل واستعمال فمعز الدولة قطعا لمادة الشبهة وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق..
فَسُبْحانَ مصدر فعل محذوف والفاء للسببية يعنى إذا علمتم انه تعالى خلق الإنسان من نطفة وهو قادر على ان يحيى العظام وانه إذا أراد شيئا انما يقول له كن فيكون فسبحوا سبحان الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ اى الملك بمعنى القدرة زيدت الواو والتاء للمبالغة كُلِّ شَيْءٍ اى تنزيه له عما ضربوا وتعجيب عمّا قالوا فيه معللا بكونه مالكا للملك كله قادرا على كل شىء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣) عطف على قوله بيده وفيه وعد للمقرين ووعيد للمنكرين.
عن معقل بن يسار قال قال رسول الله ﷺ اقرءوا على موتاكم يس- رواه احمد وابو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم وفى لفظ يس قلب القران لا يقرأها رجل يريد الله والدار الاخرة الا غفر له اقرءوها على موتاكم- وذكره الجزري فى الحصن
وعن انس قال قال رسول الله ﷺ ان لكل شىء قلبا وقلب القران يس من قرأ يس «١» كتب الله له بقراءتها قراءة القران عشر مرات- سنده ضعيف رواه الترمذي
تمّت تفسير سورة يس من التفسير المظهرى (ويتلوه سورة الصافات ان شاء الله تعالى) سلخ ربيع الاول سنة سبع بعد المائتين سنة ١٢٠٧ هـ والف وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.