ﰡ
في هذه الآية الكريمة والآيات التي بعدها صورةٌ للمؤمن الحقيقي، وهو الذي يجمع هذه الخصالَ السبع الحميدة.
لقد فاز المؤمنون.
الّذين هم خاضعون في صلاتهم مقبلين عليها بقلوبهم.
والذين هم معرِضون عما لا يفيد من الكلام.
والذين يؤدون الزكاة، ذلك الركن الاسلامي العظيم الذي يؤدي الى توثيق الروابط الاجتماعية بين المسلمين، وإشعار كل فرد منهم بأنه مسؤول عن أخيه ومجتمعه، والزكاة من أكبر الأهداف الاقتصادية التي تقضي على الفقر أينما حل.
لا يشك فيها عاقل، وما له من عواقب وخيمة من الناحية الصحية لما ينقله من الأمراض، وما يؤدي إليه من اختلاط الانساب.
والله تعالى أباح لنا الزواج أو مِلْكَ اليمين من الإماء فقال :
﴿ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾.
العادون : الذين يتجاوزون الحدود.
فمن طلب ما بعد ذلك مما حرّم الله فهو متعدٍّ للحدود المشروعة، وبذلك يكون مؤاخَذاً ومذنباً يستحق العقاب.
من صفات المؤمن مراعاةُ الأمانة وحفظُها وأداؤها، وحفظُ العهود التي بينه وبين الله، أو بينه وبين الناس، فالمؤمنون لا يخونون الأماناتِ، ولا ينقضون العهود.
قراءات :
قرأ ابن كثير وحده : لأمانتهم، والباقون : لأماناتهم بالجمع.
وقد افتتح الله هذه الصفاتِ الحميدةَ بالصلاة واختتمها بالصلاة، دلالةً على عظيم فضلها، وكبير مناقبها. وقد ورد في الحديث « اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوءِ إلا مؤمن ».
وقراءات :
قرأ حمزة والكسائي : على صلاتهم، ولاباقون : على صلواتهم بالجمع.
إن من تحلّى بهذه الصفات يجازيه الله بالجنة.
ولقد حلَفْنا أصلَ هذا النوع الانساني من خلاصة الطين.
قرار مكين : محل استقرار حصين.
ثم جعلنا نسله في أصلاب الآباء، ثم قُذفت في الأرحام نُطفة فصارت في حِرز حصين من وقتِ الحمل الى حين الولادة.
مضغة : قطعة لحم بقدر ما يمضغ الانسان.
ثم حوّلنا النطفةَ من صفتِها الثانية الى صفةِ العَلَقة وهي الدم الجامد. ثم جعلنا ذلك الدم الجامد مضغةً، أي قطعة من اللحم بمقدار ما يُمضغ. ثم صيرناها هيكلاً عظيماً، ثم كسونا العظام باللحم.
ثم أتممنا خلْقه فصار في النهاية بعد نفخِ الروح فيه خَلْقاً مغايراً لمبدأ تكوينه، ﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾.
قراءات :
قرأ ابن عامر وابو بكر : فخلقْنا المضغةَ عظما، فكسونا العظم لحما، بالافراد،
والباقون : عظاما بالجمع.
لفظُ العدد في القرآن لا يدلّ على الحصر، فقد يكون هناك مليون سماء. وقد ثبتَ الآن في علم الفلك أن هناك عدداً من المجموعات من السُّدُوم والنجوم في هذا الكون الواسع
لا نستطيع الوصولَ إليها حتى رؤيتَها على كل ما لدينا من وسائل. فقد يكون المعنيُّ هو المجموعاتِ السماويةَ التي لا حصر لها، وقد يكشف العِلم عنها في المستقبل.
وقد خلقنا هذا الخلقَ كله، ونحن لا نغفل عن جميع المخلوقات، بل نحفظها كلَّها من الاختلال، وندّبر كلّ أمورها بالحكمة.
فأسكناه في الأرض : جعلناه ثابتا فيها.
على ذهاب به : على إزالته وإعدامه.
وأنزلنا من السماء ماءً موزَّعا بتقديرٍ لائق حكيم، لاستجلاب المنافع ودفعِ المضارَ، وتكفي لسقي الزروع وللشرب، ولحدوث التوازن الحراري المناسب في هذا الكوكب. كما أن المياه أنزلت على الأرض بقَدَرٍ معلوم، لا يزيد فيغطي كلَّ سطحِها، ولا يقلّ فيقصّرُ دون ريّ الجزء البريّ منها.
وإنا لقادرون على إزالته ونفي إمكانكم الانتفاعَ به، ولكنّنا لن نفعل رحمةً بكم. وهذا من فضلِ الله على الناس ونعمته.
الصبغ : ما يؤتدم به الأكل، وهو الزيت يؤكل مع الخبز، ويستعمل في كثير من الطعام. وكان في الزمن الماضي يستعمل للإنارة، وكان زيت الزيتون هو بترول العالم في الزمن القديم، ولا يزال محتفظا بقيمته.
ثم يبين أن الحياة تنشأ من الماء فيقول :
فأخرجْنا لكم بما أنزلنا من الماء بساتينَ وحدائقَ فيها نخيلٌ وأعناب وفواكهُ كثيرة تتمتعون بها زيادة على ثمرات النخيل والأعناب. ومن زروع هذه الجنّات وثمارِها تأكلون، وتحصِّلون معايشكم.
﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ ﴾
وخلقنا لكم شجرة الزيتون التي تنبت في منطقة طورِ سيناء، وهي من أكثر الشجَر فائدةً بزيتها وزيتونها وخشَبها، وفيها طعامٌ للناس.
والزيتونة تعمر طويلاً، لا تحتاج إلى خدمة كثيرة، وهي دائمة الخضرة. ويعتبر الزيتون مادة غذائية جيدة، فيه نسبةٌ كبيرة من البروتين، بالإضافة الى عدة موادّ هامة وأساسية في غذاء الانسان. وزيتُ الزيتون من أهم أنواع الدهون، وهو يُستعمل في كثير من أنواع الطعام، لأنه يفيدُ الجهاز الهضمي عامة، والكبدَ خاصة. وهو يفضُل جميع أنواع الدهون النباتية والحيوانية، ويُستعمل في كثير من الأدوية والمنظِّفات مثل الصابون والصناعات الغذائية.
وفي الحديث الشريف :« كلوا الزيتَ وادّهنوا به فإنه من شجرةٍ مباركة » رواه احمد والترمذي وابن ماجه عن سدينا عمر بن الخطاب، والحاكمُ عن أبي هريرة.
وبعد أن بَين لنا فوائد النبات انتقل الى عالم الحيوان، وكل هذه المخلوقات إنّما نشأت من الماء.
قراءات :
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : سيناء بكسر السين، والباقون : سيناء بفتح السين وهما لغتان. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو :« تنبت » بضم التاء وكسر الباء. والباقون : تنبت بفتح التاء وضم الباء.
فهذه الإبلُ والبقر والغنم نسقيكم لبناً منها خالصاً سائغاً للشاربين، ولكم فيها منافعُ في أصوافها وأوبارِها وأشعارها.
ثم يخصِّص منها منفعتين كبيرتين مهمّتين فيقول :
﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ ﴾
فكما أنكم تنتفعون بألبانها وأوبارها وأشعارِها، كذلك تأكلون من لُحومها.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو : نسقيكم بفتح النون، والباقون : نسقيكم بضمها. وهما لغتان سَقى وأسقى.
وكل هذه من دلائل الإيمان الكونية، لمن يتدبرها تدبُّرَ الفهم والإدراك.
وقد مرّت قصةُ نوح في سورة هود بتفصيلٍ أوسعَ في الآيات ٢٥ الى ٤٩ ومر شرحها فلا داعي لتكرار ذلك، وإنما أذكر موجَزا لبحثِ قيّم أورده الدكتور موريس بوكاي في كتابه « التوراة والإنجيل والقرآن والعلم » إذ يقول ما ملخصه :
« الاصحاحات ٦، ٧، ٨، من سفر التكوين مكرسةٌ لرواية الطوفان، ويشكل أدقّ روايتين غير موضوعيتين جنبا الى جنب.... والحقيقة أن في هذه الاصحاحات الثلاثة تناقضاتٍ صارخة. وتقول الرواية : إن الارض تغطّت حتى قمم الجبال وأعلى منها بالماء، وتدمَّرت الحياة كلها، وبعد سنةٍ خرجَ نوح من السفينة التي رست على جبلِ أراراط بعد الانحسار.
وتقول الرواية اليهودية إن مدة الطوفان أربعون يوما، وتقول الرواية الكهنوتية إن المدة مئةً وخمسون يوماً.
ومعنى هذا أن البشريَّة قد أعادت تكوينها ابتداءً من أولاد نوح وزوجاتهم....
إن المعطيات التاريخية تثبت استحالَة اتفاق هذه الرواية مع المعارفِ الحديثة. فإذا كان الطوفان قد حدث قبل ثلاثة قرون من زمن إبراهيم، كما يوحي بذلك نصُّ سِفر التكوين في الأنساب، فإن الطوفان يكون قد وقع في القرن ٢١ أو ٢٢ قبل الميلاد.
وفي العصر الحديث لا يمكن تصديق هذا التاريخ، إذ من المعلوم بأن حضاراتٍ متقدمةً بقيت آثارها خالدة قد نمت في هذه الفترة في بلاد ما بين النهرين وفي مصر. فكيف يكون الطوفان قد عمّ الأرضَ جميعها ! ! فالنصوص التوراتية إذنْ في تعارضٍ صريح مع المعارف الحديث.
وإن وجود روايتين لنفس الحدَث، هذا بالاضافة الى التضارب الذي تحويانه، يوضح بصورةٍ قطعية أن ايدي البشَر قد حوّرت الكتب التوراتية.
أما القرآن الكريم فإن رواية الطوفان فيه كما يبسطها تختلف تماماً عن رواية التوراة، ولا تثير أيّ نقدٍ من وجهة النظر التاريخية. وذلك لأسباب بسيطة جداً، فالقرآن لا يحدد الطوفان بزمان، ولا يذكر كارثةً حلّت بالأرض قاطبة، ولكنه يذكر عقاباً سُلِّط على قومِ نوح دون سواهم، وهذا يدل دلالةً قاطعة على أن القرأن أُنزل بوحي من عند الله ».
يتفضل عليكم : يدعي الفضل والسيادة.
فتربصوا : فانتظِروا.
فار التنور : نبع منه الماء بقوة، والتنور : فرن خاص يخبز فيه.
فاسلك : فادخل.
قراءات :
قرأ حفص عن عاصم : من كلِ زوجين اثنين بتنوين كل. والباقون : من كل زوجين بالاضافة.
لمبتلين : لمختبرين.
قرأ أبو بكر : منزلا بفتح الميم وكسر الزاي، والباقون : منزلا بضم الميم وفتح الزاي.
ثم أوجدنا من بعد مَهْلَكِ قوم نوحٍ قوماً آخرين هم قومُ عاد.
فقال زعماء قومه من الذين كفروا وكذّبوا بالحياة الآخرة، وقد وسَّعنا عليهم الرزقَ في هذه الحياة : ما هذا إلا بشر مثلكم.
ولئن أطعتُم بشَرا مثلكم إذنْ أنتم خاسرون.
وذلك غير معقول، هيهاتَ هيهاتَ لِما توعَدون.
قال الله له مؤكدا وعده : سيندمون بعد قليلٍ على ما فعلوا عندما يحلُّ بهم العذاب.
غثاء : هو ما يحمله السيل من الأشياء التافهة التي لا يُنتفع بها.
بعدا : هلاكا.
فأخذتْهم صيحةٌ شديدة أهلكتهم، وجعلناهم كالغُثاء الذي يجرُفُه السيِّل، فبُعداً للقوم الظالمين.
وجعلناهم أحاديث : يتحدث الناس بما جرى عليهم.
ثم أرسلْنا رسُلَنا متتابعين، كلاَّ الى قومه، وكلّما جاء رسول قومَه كذّبوه في دعوته، فأهلكناهم متتابعين، وجعلنا أخبارَهم أحاديثَ يردّدها الناس ويعجبون منها. ومثلُ هذه الآية قوله تعالى :﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ [ سبأ : ١٩ ]. فبعداً لهم عن الرحمة، وهلاكاً لقومٍ لا يؤمنون.
وسلطان مبين : حجة واضحة.
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بعد الرسُل الذين تقدّم ذِكرُهم.
الى فرعون وقومِه، فامتنعوا وتكبروا ولم يؤمنوا.
وجعلنا عيسى بنَ مريم وأُمّه : في حملها به من غير أن يمسها بشر، وفي ولادته من غير أبٍ، دلالةً قاطعةٌ على قدرتنا البالغة، وأنزلناهما في أرضٍ طيبة مرتفعة يجدان فيها الرعاية والإيواء.
ففي كل هذه الآيات إجمالٌ وتلخيص لتاريخ الدعوة، يقرر سُنة الله الجارية، في أمدها الطويل بين نوح وهود وموسى وعيسى، كل قرن يستوفي أجَله ويمضي.
وهذا النداء، وإن كان موجَّهاً الى الرسُل والأنبياء فإنه أيضاً لأممهم جميعاً. فهو نداء لجميع الناس في جميع الأقطار أن يأكلوا من الحلال الطيب، وأن يعمروا هذه الأرض، بالأعمال الصالحة. ثم قال في ختام الآية :﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ لا يخفى عليَّ شيء منها. وأنا مجازيكم على ما تعملون.
يقرر الله تعالى في هذه الآية وَحدةَ الأديان، وأنها كلّها من عنده، غايتها واحدة، هي الدعوةُ إلى عبادة الله وحده لا شريكَ له، والعملُ على إحياء هذه الأرض. والجدّ والكدّ في سبيل الأمة وتماسكها ووحدتها.
قراءات :
قرأ اهل الكوفة : وإِنَّ أمتكم بكسر الهمزة. وقرأ ابن عامر : وإن بكسر الهمزة وسكون النون. والباقون : وأن بفتح الهمزة وتشديد النون.
زُبُرا : قطعا وجماعات واحدها زُبْرة.
وفي هذا دليل كبير على وَحدة الدين، وأن الأديان جميعَها من عند الله، لكن الأمم اختلفت وخالف الناسُ رسُلَهم واتبعوا اهواءهم فبدّلوا وغيّروا وتفرقوا شِيعاً واحزاباً، كما قال :﴿ فتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾.
فتفرّق أتباع الرسُل والأنبياء فِرقاً وأحزابا، وأصبح كلّ فريقٍ معجَباً بنفسه، فرِحاً بما عنده، معتقدا أنه على الحق وحده. فبعد أن كان الرسل أمةً واحدة ذاتَ كلمة واحدة وعبادة واحدة تفَرّق الناس من بعدِهم شيعاً وأحزابا لا تلتقي على منهج ولا طريق.
في غمرتهم : في جهلهم، وأصل الغمرة الماءُ الذي يغمر القامة ويسترها.
حتى حين : الى ان يموتوا فيستحقوا العذاب.
الخطابُ للنبيّ الكريم عليه صلواتُ الله وسلامه، فاترك الكافرين يا محمد، في جَهالتهم وغفلتِهم ما دمتَ قد أدَّيتَ رسالتك، حتى يقضيَ الله فيهم فيفاجئهم المصيرُ حينَ يجيء موعده المحتوم.
﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾.
أيظن هؤلاء المغرورون أن المقصود مما نعطيهم من الأموال والأولاد والرزقِ الواسع هو المسارعةُ بالخيرات لهم ! إنما هي فتنةٌ لهم وابتلاء.
مشفقون : خائفون، يقال أشفق منه خاف منه، وأشفق عليه عطف عليه.
في هذه الآيات يُبرز الله تعالى الصورةَ الحسَنةَ للمؤمنين، بعد أن بين صورةَ الغَفلة والغمرة في القلوب الضالّة.
إن هؤلاء المؤمنين يُشفِقون من ربّهم خشيةً وتقوى.
والذين يعطون مِمَّا أُعطوا، ويتصدقون بما تصدَّقوا، وقلوبُهم خائفة ألا يُتَقَبَّل ذلك منهم، لأنهم راجعون الى ربهم ومحاسَبون.
أولئك الذين جمعوا هذه المحاسنَ يرغبون في الطاعاتِ أشدَّ الرغبة، وهم الذين يسبقون لها فينالون الخيرات.
كتاب : هو صحائف الأعمال.
هنا يتكرّم الله علينا بأنّ ما كلَّفنا به سهلٌ يسيرٌ لا يخرجُ عن حدِّ القدرة والطاقة، وأنه مهما قلَّ محفوظٌ عنده في كتاب يَنطقُ بالحق، ولا يَظلم الله أحداً من خلقه بزيادة عقاب
أو نقص ثواب.
من دون ذلك : من غير ذلك.
بعد أن ذكَر الله تعالىسماحةَ هذا الدين، وأنه لا يكلِّف أحداً إلا بما يُطيق، وأن كل عملٍ يعمله الإنسانُ مسجّل عليه في كتاب محفوظ، ثم بين صفات المؤمنين من الإيمان بالله، والمسارعة الى الخيرات، وما ينتظرهم من الجزاء يوم القيامة، بيّن هنا أن المشرِكين بسبب عنادِهم وغيِّهم في غفلةٍ عن كل هذا، ولهم أعمالُ سوءٍ أخرى من فنون الكفر أو الطعن في القرآن والرسول الكريم.
يجأرون : يصيحون.
فإذا حلّ بهم بأسُنا وأوقعنا العذابَ بالأغنياء المترفين يومَ القيامة صاحوا واستغاثوا.
إن هذا الصراخَ لن يفيدكم لأنكم فَرَّطتم في الدنيا، وقد جاءتكم الآياتُ والنذُر على لسان رسُلي فلم تستمعوا لها، وكنتم تُعرِضون عنها ولا تسمعون لها.
كنتم في إعراضِكم وتولّيكم عن آياتي متكبرين، وتسمرون حول الحَرَم وتتناولون القرآنَ والرسولَ الكريم بهُجْرِ القولِ وقبيح الألفاظِ والطعن في الدين.
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأولين ﴾
١ - أجهِلَ هؤلاء المعرِضون فلم يتدبروا القرآنَ ليعلموا أنه حق، وما يحتوي عليه من تشريع وتهذيب للنفوس، وما فيه من فضائلَ وآدابٍ وأخلاق.
٢ - أم كانت دعوةُ محمد صلى الله عليه وسلم غريبةً عن الدعوات التي جاءت بها الرسلُ الكرام الى الأقوام السابقين.
الحق : من الالفاظ المشتركة لها عدة معان. فالحق هو الله، والحق : هو القرآن، والحق : الدين كله بما فيه القرآن، والمراد به هنا : الله.
أم يقولون : إنه مجنون ؟ فلايدري ما يقول، وهم أعلم الناس به !
وبعد أن عدّد سبحانه هذه الوجوه، ونبه الى فسادها، بين وجه الحقّ في عدم إيمانهم فقال :﴿ بَلْ جَآءَهُمْ بالحق وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾.
كلا : إنه جاءهم بالدين الحق، لكن أكثرهم كارهون للحق، لأنه يخالف شهواتِهم وأهواءهم فهم لا يؤمنون به، وذلك لأنه يسلبُهم زعاماتهم والقيم الباطلةَ التي يعيشون بها فالدفاع عن مصالحهم هو الذي يتستّرون فيه. ومثل هؤلاء كثيرون في الوقت الحاضر يتخذون الدين ستاراً لزعاماتهم ومنافعهم.
فهم عن ذكرهم معرضون : فهم معرضون عن فخرجهم.
ثم بين الله أن اتّباع الهوى يؤدي الى الفساد الكبير فقال :
﴿ وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ ﴾
ولو أن الله تعالى سايَرَ هؤلاءِ فيما يشتهونه ويقترحونه، لفسَدَ هذا النظامُ العظيم الذي نراه في السموات والأرض، واختلّ نظام الكون، وساد الظلمُ والفساد في الخلائق، ولكنّ الله ذو حكمةٍ عالية، وقدرة نافذة.
وبعد أن أنْبهم على كراهتهم للحق، ذكر أنهم أعرضوا عن أعظم خيرٍ جاءهم فقال :
﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾.
بل جئناهم بالقرآن الذي فيه فخرُهم وشرفُهم، وهم مع ذلك معرِضون عن هذا الخيرِ العميم، والشرف العظيم، وكان قال تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ].
وهذا هو القول الحقّ، فإن العربَ قبل الإسلام لم تكن أمة متحدة، ولم يكن لها ذكر في التاريخ حتى جاءها الاسلام، فأصبحتْ بفضله تُذكر في الشرق والغرب، وظل ذِكرُها يدوّي في العالم قرونا طويلة. ولما تركت وحدتها ودينها وأعرضت عنه تضاءل ذِكرها وخبا نورها، ولن يقوم لها ذكر إلا برجوعها الى الاسلام، والأخذ بالعلم، ووحدة الصف.
إنك أيها الرسول لا تسألهم أجراً على أداء رسالتك، إن أجرَ ربك لك خيرٌ مما عندَهم، وهو خير الرازقين.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم :« أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير » كما هو في المصحف، وقرأ حمزة والكسائي :« أم تسألهم خراجا فخراج ربك » وقرأ ابن عامر « أم تسأهلم خرجا فخرج ربك خير ».
إن الذين لا يصدّقون بك، ولا يؤمنون بالبعثِ بعد الموت، وبقيام الساعة، لَزائغون عن الحق، ومائلون عن النّهج القويم، وضالّون عن الطريق المستقيم.
يعمهون : يتحيرون، يترددون في الضلال.
لقد بلغوا في التمرّد والعناد حداً لا يُرجى معه صلاحهم، فلو رحمناهم وأزلنا عنهم
ما نزل بهم من ضرر في أبدانهم وقحطٍ في أموالهم، لزادوا كفراً في طغيانهم يتردَّون في الضلال.
ولقد عذّبناهم بأنواع كثيرة من العذاب منها قتلُ زعمائهم يوم بدر، والقحطُ الذي أصابهم وغير ذلك، فما خضعوا لربهم وما تضرعوا، بل أقاموا على عُتُوّهم واستكبارهم.... لم ينفع معهم الإنذارُ ولا التحذير.
ثم بين الله عاقبة أمرِهم وما يكون من حالهم إذا جاءت الساعة فقال :
﴿ حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾
حتى إذا جاء أمر الله، وجاءتهم الساعةُ ووقفوا بين يدي الله، وأخذَهم من العذاب ما لم يكونوا يحتسبون، أيِسوا من كل خير وانقطعت آمالهم وخاب رجاؤهم.
ثم يبين الله تعالى بعض ما أنعمَ على خلقه لعلّهم يتذكرون : كيف تكفرون بالله وهو الذي أنشأ لكم السمعَ لتسمعوا الحق ! والأبصارَ لتروا الكون وما فيه من عجائب ! والعقولَ لتدركوا عظمته فتؤمنوا به ! ومع كل هذه النعم فإنكم لم تشكروها ولم تؤدوا واجبها.
وهو الذي خلقكم وبثّكم في هذه الأرض تستثمِرون خيراتِها، وإليه وحدَه تُحشرون يوم القيامة.
لقد وُعِدْنا هذا الوعد، ووُعد آباؤنا من قبلنا بذلك، وما هذا الكلام إلا من أساطير الأمم السابقة، ليس له أصلٌ من الصحة.
قل أيها الرسول : من الذي يملك الأرضَ ومن عليها من الناس وسائر المخلوقات، إن كنتم تعلمون ؟
قراءات :
قرأ أبو عمرو : سيقولون الله. والباقون : سيقولون لله.
ثم قل لهم أيضا : من هو ربُّ السموات السبع ورب العرش العظيم ؟
قراءات :
قرأ أبو عمرو : سيقولون الله. والباقون : سيقولون لله.
يُجير : يغيث. ولا يجار عليه : لا يعين أحدٌ منه أحدا.
في هذه الآية يجادل اللهُ المنكرين للبعث ويبين أخطاءهم :
بعد أن أقرّوا بأن هذا الكون جميعه مِلك له تعالى بيَّن لهم جلّ جلاله أن تدبير هذا الملك الواسع بيده، وأنه مالك كل شيء، فهو المدّبر لنظام العالم بأجمعه، له الحكم المطلق في كل شيء، وهو يحمي بقدَره من يشاء، ولا يمكن لأحد أن يجير أحداً من عذابه.
ثم أجاب عن هذا السؤال قبل أن يجيبوا فقال :
﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ ﴾.
إنهم سيقرون بالحقيقة ويقولون كل شيء لله، فقل لهم : إذنْ كيف تُخدعون وتُصْرَفون عن هذه الحقائق الثابتة، وتنصرفون عن طاعة الله ! !
قراءات :
قرأ أبو عمرو : سيقولون الله. والباقون : سيقولون لله.
﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بالحق وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ لقد أتيناهم بالدين الحقّ على لسان رسولنا، وهم كاذبون في إنكار ذلك، وفي كل ما يخالف هذا الحق.
١ - إذا لذهبَ كل إلهٍ بما خلق. يستقل كل إله بما خلقه، يصرّفُه حسب ما يريد، فيصبح لكلّ جزءٍ من الكون، أو لكل فريقٍ من المخلوقات، قانون خاص، ويحصل التباين في نظام هذا الكون... وهذا غير واقعٍ، فنظام الكون منسَّق منتظم ﴿ مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتِ ﴾ [ الملك : ٣ ].
٢ - ولَعلا بعضُهم على بعض. ولحصَلَ خلافٌ كبير بين الإلهين، وقهر أحدُهم الآخر، وكل هذه الامور غير موجودة. على العكس فإن وحدةَ الكون ظاهرةٌ تشهد بوحدة مكوّنه، بوحدة خالقه، وكل شيء في هذا الكون يبدو متناسقاً منتظماً بلا تصادم ولا نزاع.
وبعد أن وضَح الحقّ وصار كفَلَقِ الصبح جاء بما هو كالنتيجة لذلك فقال :
﴿ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ﴾، تنزه الله عما يقوله المشركون مما يخالف الحق.
الشهادة : الحاضر الآن. ثم وصف نفسه بصفات الكمال فقال :
﴿ عَالِمِ الغيب والشهادة فتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
هو العالم بما غاب عن خلقه من الشاء فلا يرونه ولا يشاهدونه، وبما يرونه ويعملونه، فليس لغيره من خلْقٍ يستقلّ به، فتنزه الله عما ينسبُه الكافرون إليه من وجود الشريك. قراءات :
قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحفص : عالمِ الغيب بالجر. والباقون : عالمُ الغيب بالرفع، على تقدير هو عالم الغيب.
قل : يا رب، إنْ عاقبتَهم وأنا أشاهدُ ذلك فإني أسألك أن لا تجعلني مع القوم الكافرين. والرسولُ عليه الصلاة والسلام في منجاةٍ من أن يجعلَه الله مع القوم الظالمين حين يحلُّ بهم العذاب، ولكن هذا تعليمٌ له وللمؤمنين أن لا يأمنوا مكر الظالمين، وأن يظلّوا أبداً أيقاظا، يلوذون بحمى الله.
روى الإمام أحمد والترمذي « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول :
« واذا أردتَ بقومٍ فتنةً فتوفَّني غيرَ مفتون ».
قل : يا رب، إنْ عاقبتَهم وأنا أشاهدُ ذلك فإني أسألك أن لا تجعلني مع القوم الكافرين. والرسولُ عليه الصلاة والسلام في منجاةٍ من أن يجعلَه الله مع القوم الظالمين حين يحلُّ بهم العذاب، ولكن هذا تعليمٌ له وللمؤمنين أن لا يأمنوا مكر الظالمين، وأن يظلّوا أبداً أيقاظا، يلوذون بحمى الله.
روى الإمام أحمد والترمذي « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول :
« واذا أردتَ بقومٍ فتنةً فتوفَّني غيرَ مفتون ».
﴿ ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾
استمر يا محمد، في دعوتك، وقابلْ إساءتهم بالتي هي أحسن، ومن العفو والصبر والتجاوز عن جهلهم... نحن أعلمُ بما يصفوننا به، وبما يصفون دعوتك من سوء وافتراء، وسنجازيهم عليه.
رُوي عن أنس رضي الله عنه :« يقول الرجل لأخيه ما ليس فيه، فيقول له : إن كنتَ كاذباً فإني أسأل الله أن يغفر لك، وإن كنتَ صادقاً فإني أسأل الله أن يغفر لي ».
ولمّا أدّب الله رسولَه الكريم بأن يدفع بالحسنى أرشده إلى ما يقوى به على ذلك من الاستعاذة من هَمزات الشياطين.
وقل أيها الرسول : يا رب، إني ألتجيء اليك من أثر وساوسِ الشياطين،
وأن يبعثوا إليَّ أعداءك لإيذائي، وأن يكونوا بعيدين عني في جميع أعمالي، ليكون عملي خالصاً لوجهك الكريم.
أخرج الامام أحمد وأبو داود والترمذي عن عمور بن شعيب عن ابيه عن جده قال :
« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا كلماتٍ نقولها عند العزم خوف الفزع : بسم الله، أعوذ بكلماتِ الله التامة من غضبه وعقابه وشرِّ عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ».
ولمّا أدّب الله رسولَه الكريم بأن يدفع بالحسنى أرشده إلى ما يقوى به على ذلك من الاستعاذة من هَمزات الشياطين.
وقل أيها الرسول : يا رب، إني ألتجيء اليك من أثر وساوسِ الشياطين،
وأن يبعثوا إليَّ أعداءك لإيذائي، وأن يكونوا بعيدين عني في جميع أعمالي، ليكون عملي خالصاً لوجهك الكريم.
أخرج الامام أحمد وأبو داود والترمذي عن عمور بن شعيب عن ابيه عن جده قال :
« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا كلماتٍ نقولها عند العزم خوف الفزع : بسم الله، أعوذ بكلماتِ الله التامة من غضبه وعقابه وشرِّ عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ».
﴿ حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ رَبِّ ارجعون ﴾
سوف يستمر هؤلاء المعاندون على كفرهم، حتى إذا حلّ موعد موتِ أحدهم، ورأى مصيره ندم وقال : يا رب، ردَّني إلى الدنيا،
برزخ : حاجز.
لأعملَ عملاً صالحا فيما قصرّت فيه من عبادتك، وما تركت من مالي. ولكن هيهات، فقد فات الأوان، ولن يجاب الى طلبه، وإنما هو كلام يقوله دون فائدة. إن أمامهم حاجزاً بينهم وبين الرجوع الى الدنيا.
لا يتساءلون : لا يسأل بعضهم بعضا، كل واحد مشغول بنفسه.
اذا جاء موعد البعث دعوناهم الى الخروج من قبورهم بالنفخ في الصور فيقومون مذهولين، لا تنفع أحداً منهم يومئذ قرابة ولا نسب، ولا يسأل بعضهم بعضا.... كل امرىء مشغولٌ بنفسه ﴿ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [ عبس : ٣٧
المفلحون : الفائزون.
وفي ذلك اليوم يكون العمل هو ميزان التقدير، فمن جاء بعملٍ صالح رجَح ميزانُه وفاز فوزاً عظيما.
كالحون : مكشرّون عابسون.
يومئذ تحرق النار وجوه الذين خسروا، وهم فيها معبِسون مكشّرون. نعوذُ بالله منهم، ومن سوء المصير.
فيقولون مقرّين بخطئهم :
﴿ قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ ﴾
إننا نعترف إليك يا ربنا، بكثرة معاصينا التي أورثتنا الشقاءَ، وكنا بذلك ضالّين عن طرق الهدى.
قراءات :
قرأ اهل الكوفة : غلب علينا شقاوتنا. والباقون : شقوتنا بكسر الشين كما هو في المصحف.
فيأتيهم الجوابُ القاطع.
﴿ قَالَ اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ﴾
اخرسوا واسكتوا أذلاّء مهانين، ولا تكلّموني مطلقا.
ليس من العدالة في شيء أن تكونوا مثلهم في هذا اليوم فلم يكن جُرمكم أنكم لم تؤمنوا فحسب، بل إنكم تماديتم في السخرية منهم.
لقد بلغ بكم السَفَهُ والوقاحة أن تسخَروا من الذين آمنوا وتضحكوا منهم حتى شَغَلَكُم ذلك عن ذكري وطاعتي.
﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صبروا أَنَّهُمْ هُمُ الفآئزون ﴾
لقد صبروا فكان جزاؤهم الجنةَ وفازوا بنعيمها خالدين فيها أبدا.
الله تعالى يعلم كل شيء لكنه يسألهم هنا للتقريع : كما كانت إقامتكم في الدنيا ؟
فيقولون لبثنا يوما او بعض يومن فاسأل الحفَظَةَ العارفين لأعمال العباد.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾
أظننتم أننا خلقناكم بغير حكمة، وظننتم أنكم لا تُبعثون لمجازاتكم ! ؟
﴿ فَتَعَالَى الله الملك الحق لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش الكريم ﴾
العظمةُ لله وحده، هو مالك الملك كله، لا معبودَ بحقٍّ سواه، وهو رب العرش الكريم.
وبعد أن ذكر أنه الملِكُ الحق، أتبعه ببيان أن من ادّعى أن في الكون إلهاً سواه فقد ادعى باطلا لا دليل عليه فقال :
﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون ﴾
افتُتحت السورة بفلاح المؤمنين، وختمت بخيبة الكافرين... ومن يعبد مع الله آلها آخر لا دليل على صحة ألوهيته، يعاقبْه الله على شِركه، وإن الكافرين لا يفلحون. وهنا يتناسق مطلع السورة مع ختامها، نسأل الله تعالى حسن الختام.