تفسير سورة التحريم

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة التحريم من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ قيل: إنه شرب عسلاً عند زينب بنت جحش؛ فأدرك أمهات المؤمنين - من الغيرة - ما يدرك سائر النساء من البشر: فتواطأت عائشة وحفصة على أن يقولا له: إنا نشم منك ريح المغافير - وهو صمغ كريه الرائحة يغش به العسل - فلما سمع منهما ذلك: حرم العسل على نفسه؛ فنزلت هذه الآية. وقيل: حرم على نفسه مارية أم ولده إبراهيم مرضاة لحفصة
﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ أي شرع لكم ما تتحللون به من أيمانكم؛ وهو الكفارة ﴿وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ﴾ يتولاكم برعايته وتدبيره وإرشاده
﴿وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ حفصة ﴿حَدِيثاً﴾ هو تحريم العسل؛ أو مارية القبطية ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ أي أخبرت بهذا الحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أي أطلعه على هذا الإنباء ﴿عَرَّفَ﴾ النبي حفصة ﴿بَعْضَهُ﴾ عرف بعض الذي أفشته من سره عليه الصلاة والسلام ﴿وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾ فلم يعرفها أنه قد اطلع عليه. وقيل «عرف» بمعنى عاتب، وآخذ
﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ﴾ قيل: المعنى: هلا تتوبا إلى الله ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ أي مالت إلى ما كرهه النبي؛ من اجتناب العسل، أو تحريم مارية ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ أي تتعاونا على إيذائه، وحب ما يكره ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ﴾ أي وليه وناصره ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ أيضاً ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي والصالحون من المؤمنين ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ أي والملائكة - على كثرتهم وقوتهم - بعد نصر الله تعالى له أعواناً
﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ﴾ بسبب ما بدا منكن ﴿أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ﴾
لا يتظاهرن عليه، ولا يتآمرن، ولا يفشين سره لغيره ﴿مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ﴾ مطيعات ﴿سَائِحَاتٍ﴾ صائمات والسائح: الصائم الملازم للمساجد ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ حسبما يريد، وكيفما شاء (انظر آية ١٢٥ من سورة البقرة)
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ
-[٦٩٧]- آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾
أي اعملوا الأعمال الصالحة، وائتمروا بالأوامر، واجتنبوا النواهي، وأمروا أهليكم بها، وألزموهم الطاعة والعبادة؛ لتتقوا بذلك النار؛ التي ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ الكافرون والمخالفون ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾ وذلك لأن جهنم من قوتها وشدتها: تذيب الحجارة ﴿عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ﴾ هم خزنتها عليهم السلام؛ وعدتهم تسعة عشر ﴿غِلاَظٌ﴾ على أهل النار ﴿شِدَادٌ﴾ أقوياء؛ لا يمنعهم مانع، ولا يدفعهم دافع ﴿لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ﴾ به من البطش والتنكيل بالكافرين
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً﴾ أي توبة صادقة خالصة. والتوبة النصوح: أن يتوب عن الذنب؛ فلا يعود إليه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هي الاستغفار باللسان، والندم بالجنان، والإقلاع بالأركان ﴿عَسَى رَبُّكُمْ﴾ إن تبتم ﴿أَن يُكَفِّرَ﴾ يمحو ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أمامهم ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ حواليهم (انظر آية ١٢ من سورة الحديد) ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَآ﴾ بإدخالنا الجنة
﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ﴾ بالسيف والسنان ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ بالحجة والبيان ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ شدد عليهم بالحدود
﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ في الدين والمعاشرة؛ فقد كانت امرأة نوح تقول لقومه: إنه مجنون؛ وكانت امرأة لوط تدعو قومه إلى إذاية أضيافه (انظر آية ٤٦ من سورة هود)
﴿فَلَمْ يُغْنِينَا﴾ أي لم يدفع نوح ولوط ﴿عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ﴾ من عذابه ﴿شَيْئاً﴾ ولم ينفعهما أن كان زوجاهما من الأنبياء، ومن خيرة خلق الله تعالى، وأقربهم لديه
﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حفظته ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾ أي نفخ جبريل في فرجها بأمرنا ﴿مِن رُّوحِنَا﴾ المخلوقة لنا؛ قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ يهبها لمن يشاء إحياءه، أو المراد: نفخنا في فرجها بواسطة روحنا؛ الذي هو جبريل. وقد تأول قوم الفرج هنا: بالخرق، أو الفتق في درع مريم؛ وهو ليس بشيء. وإنما ألجأهم إلى هذا التأويل: خشية أن يقول قائل: إنما كانت ولادتها لعيسى عن الطريق المعهود لسائر من يولد من البشر ﴿وَصَدَّقَتْ﴾ آمنت ﴿بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا﴾ شرائعه، وأحكامه، وأوامره، ونواهيه. أو المراد «بكلمات ربها» عيسى عليه السلام؛ لأنه كلمة الله؛ يؤيده قراءة من قرأ «بكلمة ربها» ﴿وَكُتُبِهِ﴾ أي وآمنت بكتبه. يعني التوراة والإنجيل، وما أنزل من قبل ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ المطيعين العابدين.
697
سورة الملك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

698
Icon