تفسير سورة الكهف

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

والرجل الطوّاف وقول الله تعالى ويسئلونك عن الرّوح.
قوله تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ اثنى الله على نفسه بانعامه على خلقه بما هو أعظم نعمائه على الناس من إنزال القران على واحد منهم- لانه الهادي الى ما فيه كمال العباد الداعي الى ما به ينتظم لهم صلاح المعاش والمعاد- وفيه تلقين للعباد كيف يثنون عليه وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قرأ حفص عوجا في الوصل بسكتة لطيفة على الالف من غير قطع والباقون يصلون ذلك من غير سكت يعنى شيئا من العوج باختلال في اللفظ أو تناف في المعنى وانحراف من الدعوة الى جناب القدس وخروج شىء منه من الحكمة وهو في المعاني بكسر العين وفتح الواو كالعوج بفتح العين والواو في الأعيان- يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج- وقيل معناه لم يجعله مخلوقا روى عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى قرءانا عربيّا غير ذى عوج اى غير مخلوق.
قَيِّماً قال ابن عباس اى عدلا يعنى مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط وقال الفراء قيما على الكتب كلها يشهد بصحتها وينسخ بعض أحكامها- وقبل اى قيما بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال منصوب بمضمر- قال قتادة تقديره انزل على عبده الكتب ولم يجعل لّه عوجا ولكن جعله قيّما او على الحال من الضمير في له او من الكتاب على ان الواو فى ولم يجعل للحال دون العطف- إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا من المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير يعنى على تقدير كون الواو للعطف تقديره انزل على عبده الكتب قيّما ولم يجعل لّه عوجا- وفائدة الجمع بين نفى العوج واثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الاخر التأييد فربّ مستقيم مشهود له بالاستقامة لا يخلو من ادنى عوج عند التصفح لِيُنْذِرَ العبد بالقران الذين كفروا- حذف المفعول الاول اكتفاء بدلالة القرينة- واقتصارا على الغرض المسوق اليه بَأْساً اى عذابا شديدا في نار جهنم مِنْ لَدُنْهُ اى صادرا من عنده؟؟؟ أبو بكر بإسكان الدال وإشمامها شيئا من الضم بضم الشفتين كقبلة المحبوب وبكسر النون والهاء ويصل الهاء بياء- والباقون بضم الدال واسكان النون وضم الهاء وابن كثير يصلها بواو وَيُبَشِّرَ قرا حمزة والكسائي بالتخفيف من الافعال- والباقون بالتشديد من التفعيل
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ ذكر المفعول الاول هاهنا تعظيما لهم وحثا على الايمان والأعمال أَنَّ لَهُمْ اى بان لهم أَجْراً حَسَناً هو الجنة ورضوان الله تعالى.
ماكِثِينَ فِيهِ اى مقيمين في ذلك الاجر أَبَداً بلا انقطاع.
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً خصصهم بالذكر فكرر الانذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم ولم يذكر المنذر به هاهنا استغناء بتقدم ذكره.
ما لَهُمْ بِهِ اى بالولد او باتخاذه او بالقول مِنْ عِلْمٍ يعنى يقولون ذلك عن جهل مفرط وتوهم باطل او تقليد لما سمعوه من اوائلهم من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به فانهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر والأثر او ما لهم بالله من علم لو علموه لما جوّزوا نسبة اتخاذ الولد اليه- او يقال عدم العلم بالشيء قد يكون لعدم انكشافه مع وجوده- وقد يكون لانعدامه واستحالته والمراد هاهنا ذلك وَلا لِآبائِهِمْ الذين تقوّلوه بمعنى التنبّى كَبُرَتْ كَلِمَةً اى عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيه من التشبيه والتشريك وإيهام احتياجه الى ولد يعينه ويخلفه الى غير ذلك من الزيغ وكلمة منصوب على التميز وفيه معنى التعجب والضمير في كبرت مبهم يفسره كلمة- او راجع الى قولهم اتّخذ الله ولدا- ويطلق الكلمة على الكلام المركب ايضا حيث يسمون القصيدة كلمة وقيل أصله من كلمة وهو في محل الرفع على الفاعلية ومن زائدة- ثم حذف من فانتصب بنزع الخافض تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة لكلمة تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها- وقيل الجملة صفة لمحذوف «١» هو المخصوص بالذم- لان كبر هاهنا بمعنى بئس تقديره قول يخرج إِنْ يَقُولُونَ اى ما يقولون ذلك إِلَّا كَذِباً صفة لمصدر محذوف اى الا قولا كذبا يعنى ليس لهذا القول مصداق بوجه من الوجوه اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال اجتمع عتبة وشيبة ابني ربيعة وابو جهل بن هشام والنضر بن الحارث والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وابو البختري في نفر من قريش- وكان رسول الله ﷺ قد كبر عليه ما راى من خلاف قومه إياه- وانكارهم ما جاء به من النصيحة فاحزنه حزنا شديدا فانزل الله تعالى.
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ اى قاتل نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ اى بعد توليتهم عن الايمان- شبّه النبي ﷺ وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به
(١) وفي الأصل صفة محذوف.
وما تداخله من الأسف على توليتهم عن فارقته احبّته فهو يتحسر على اثارهم وينجع نفسه وجدا عليهم إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ اى القران شرط مستغن عن الجزاء بما مضى أَسَفاً منصوب على العليّة او الحال اى للتاسف عليهم- او متاسفا عليهم لحرصك على ايمانهم والأسف فرط الحزن والغضب.
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان والنبات والمعادن زِينَةً لَها ولاهلها فان قيل اىّ زينة في الحيّات والعقارب والشياطين- قيل فيها زينة من حيث انها تدل على صانعها ووحدته وصفاته الكاملة- وقال ابن عباس أراد بهم الرجال خاصة هم زينة الأرض وقيل أراد بهم العلماء والصلحاء- وقيل الزينة بنيات الأشجار والأنهار كما قال الله تعالى حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت- وقيل المراد بما على الأرض ما يصلح ان يكون زينة لها من نخلوف الدنيا- قلت ويمكن ان يراد بما على الأرض على العموم كما هو الظاهر وكونها زينة من حيث النظام الجملي او من حيث ان لكل شىء مدخل في الزينة- لان حسن الأشياء الحسنة تعرف كما هى عند معرفة قبح أضدادها لِنَبْلُوَهُمْ اى الناس المفهوم في ضمن قوله تعالى ويبشّر المؤمنين وينذر الّذين قالوا اتّخذ الله ولدا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فى تعاطيه وهو من تزهّد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما كفى وصرفه على ما ينبغي- قال رسول الله ﷺ ان الدنيا خضرة حلوة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً «١» جُرُزاً اى ما جعلناها زينة من الحيوان والنبات وغير ذلك من الأشياء جاعلوها ترابا ورفاتا.
أَمْ بل احَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً استفهام تقرير يعنى أعلمت انهم كانوا اية عجبا من آياتنا اى عجيبة- وصفوا بالمصدر مبالغة او على انه بمعنى الفاعل اى معجبا او ذات عجب- وقيل الاستفهام على سبيل الإنكار يعنى انهم ليسوا بأعجب آياتنا فان خلق السموات والأرض وخلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع التي لا تعدّو لا تحصى مخلوقة منها على طبائع متباعدة وهيات مختلفة ثم ردها إليها كما كانت اعجب منهم- والكهف الغار الواسع في الجبل واختلفوا في الرقيم قال سعيد بن جبير هو لوح كتب فيه اسماء اصحاب الكهف وقصتهم دو هذا اظهر الأقاويل ثم وضعوه على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجارة- وعلى هذا
(١) الصعيد يقال لوجه الأرض وقيل للغبار الذي يصعد وارض جون اى لا نبت او أكل نباتها ولم يصبها مطر ١٢ منه ر ح
يكون الرقيم بمعنى المرقوم اى المكتوب والرقم الكتابة- وحكى عن ابن عباس انه اسم للوادى الذي فيه كهفهم فعلى هذا هو من رقمة الوادي وهو جانبه- وقال كعب الأحبار هو اسم للقرية التي خرج منها اصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه الكهف وقيل اصحاب الرقيم قوم آخرون اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن النعمان بن بشير انه سمع رسول الله ﷺ يحدث عن اصحاب الرقيم انهم ثلاثة نفر دخلوا الى الكهف وأخرجه احمد وابن المنذر عن انس عن النبي ﷺ ان ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون «١» لاهلهم فاخذتهم السماء فأووا الى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه- فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته- فقال واحد استعملت اجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل بقيته مثل عملهم فاعطيته مثل أجرهم- فغضب أحدهم وترك اجره فوضعته في جانب البيت ثم مرّبى نفر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله- فرجع الىّ بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه وقال ان لى عندك حقّا وذكره حتى عرفته فدفعتها اليه جميعا- اللهم ان كنت فعلت ذلك لوجهك فاخرج عنا فانصدع الجبل حتى رأووا الضوء- وقال الاخر كانت لى فضيلة وأصاب الناس شدة فجاءتنى امراة فطلبت منى معروفا فقلت ما هو دون نفسك فابت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها- فقال أجيبي له واعينى عيالك فاتت وسلّمت الىّ نفسها- فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت مالك قالت أخاف الله فقلت خفتيه في الشدة ولم اخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها- اللهم ان كنت فعلته لاجلك فافرج عنّا فانصدع حتى تعارفوا- وقال الثالث كان لى أبوان هرمان وكانت لى غنم وكنت أطعمهما «٢» واسقيهما ثم ارجع الى غنمى فحبسنى ذات يوم غنم فلم أرح حتى أمسيت فاتيت أهلي وأخذت محلبى فحلبت فيه ومضيت إليهما فوجدتهما نائمين- فشق علّى ان أوقظهما فتوقفت جالسا ومحلبى على يدىّ حتى ايقظهما الصبح فسقيتهما- اللهم ان فعلته لوجهك فافرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا والله اعلم- ثم ذكر الله قصة اصحاب الكهف فقال.
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ يعني اذكر إذ أوى الفتية اى صاروا إِلَى الْكَهْفِ يقال أوى فلان الى موضع كذا اى اتخذه منزلا- قال البغوي وهو غار في جبل
(١) اى يطلبون لاهلها الكلاء والغيث ١٢ منه رح
(٢) وفي الأصل اطعمتهما واسقيتهما ١٢
8
بيجلوس واسم الكهف جيرم فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً يوجب لنا الهداية فى الدين والمغفرة من الذنوب والرزق والامن من العدوّ وَهَيِّئْ لَنا قال البيضاوي واصل التهية احداث هيئة الشيء مِنْ أَمْرِنا اى من الأمر الذي نحن عليه من الايمان ومفارقة الكفار رَشَداً او المعنى اجعل لنا أمرنا كله رشدا- كقولك رايت منك رشدا اى استقامة على طريق الحق مع تصلب فيه كذا في القاموس وفيه رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى كاسترشد واسترشد طلبه والرشيد في صفات الله تعالى بمعنى الهادي الى سواء الصراط- والذي حسن تقديره فيما قدر- قال البغوي اختلفوا في سبب مصيرهم الى الكهف قال محمد بن إسحاق مرج اهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة الله عزّ وجلّ وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه- وكان ينزل قرى الروم ولا يترك في قرية نزلها أحدا الا فتنة حتى يذبح للطواغيت ويعبد الأصنام او يقتله- حتى نزل مدينة اصحاب الكهف وهى أفسوس كلما نزلها كبر على اهل الايمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه- وكان دقيانوس حين نزلها أمران يتبع اهل الايمان في أماكنهم- فيخرجونهم الى دقيانوس فيخيّرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت- فمنهم من يرغب في الحيوة ومنهم من يأبى ان يعبد غير الله فيقتل- فلما راى ذلك اهل الشدة فى الايمان بالله جعلوا يسلمون للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون- ثم يربط ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها وعلى كل باب من ابوابها- حتى عظمت الفتنة فلمّا راى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلوة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء- وكانوا من اشراف الروم وكانوا ثمانية نفر بكوا وتضرعوا الى الله وجعلوا يقولون ربّنا ربّ السّموات والأرض لن ندعو من دونه الها لّقد قلنا إذا شططا ان عبدنا غيره- اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وارفع عنهم البلاء حتى يعلنوا بعبادتك فبينا هم على ذلك وقد دخلوا في مصلّى لهم أدركهم الشرط «١» فوجدوهم وهم سجود على وجوههم يبكون ويتضرعون الى الله عزّ وجلّ فقالوا لهم ما خلّفكم عن امر الملك انطلقوا اليه ثم خرجوا فرفعوا أمرهم الى دقيانوس فقالوا تجمع الناس للذبح لالهتك وهؤلاء الفتية من اهل بيتك يستهزءون
(١) شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده ١٢ منه
9
بك ويعصون أمرك فلمّا سمع بذلك بعث إليهم فاتى بهم تفيض أعينهم من الدمع «١» معفّرة وجوههم بالتراب فقال ما منعكم ان تشهدوا الذبح لالهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلون أنفسكم أسوة كسرات اهل مدينتكم اختاروا اما ان تذبحوا لالهتنا واما ان أقتلكم- فقال مكسلمينا وهو أكبرهم ان لنا الها ملاء السموات عظمته لن ندعوا من دونه الها إبداله الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا إياه نعبد وإياه نسئل النجاة والخير فاما الطواغيت فلن نعبدها ابدا- فاصنع ما بدا لك وقال اصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال- فلمّا قالوا ذلك امر فنزع عنهم لبوس كانت عليهم من لبوس عظمائهم- ثم قال سافرغ فانجز لكم ما وعدتكم من العقوبة وما يمنعنى ان اعجل ذلك لكم الا انى أراكم شبانا حديثة أسنانكم ولا أحب ان أهلككم حتى اجعل لكم أجلا تذكّرون فيه وتراجعون عقولكم- ثم امر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت ثم امر بهم فاخرجوا عنه- وانطلق دقيانوس الى مدينة سوى مدينتهم قريبا لبعض أموره...... فلمّا راى الفتية خروجه بادروا قدومه وخافوا إذا قدم مدينتهم ان يذكرهم فأتمروا بينهم ان يأخذ كل منهم نفقته من بيت أبيه فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا الى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له بيجلوس فيمكثون فيه ويعبدون الله- حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما يشاء فلمّا قال ذلك بعضهم لبعض عمد كل فتى منهم الى بيت أبيه فاخذ نفقته فتصدق منها ثم انطلقوا بما بقي معهم واتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف فلبثوا فيه- قال كعب الأحبار ومرّوا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا- فقال لهم الكلب يا قوم ما تريدون منى لا تخشون جانبى انا أحب احبّاء الله عز وجل فنموا «٢» حتى أحرسكم وقال ابن عباس هربوا ليلا من دقيانوس وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعهم كلبه فخرجوا من البلد الى الكهف وهو قريب من البلد قال ابن عباس فلبثوا فيه ليس لهم عمل الا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد ابتغاء وجه الله- وجعلوا نفقتهم الى فتى منهم يقال له تمليخا وكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرّا وكان من أجملهم واجلدهم- وكان إذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها- ثم يأخذ ورقة فينطلق الى المدينة فيشترى طعاما وشرابا ويتجسس لهم الخبر هل ذكر هو وأصحابه بشيء ثم يرجع الى أصحابه فلبثوا بذلك ما لبثوا- ثم قدم دقيانوس المدينة فامر
(١) العفرة الغبرة ولون التراب ١٢ منه رح
(٢) وفي الأصل فناموا ١٢ منه رح
10
عظماء أهلها فذبحوا للطواغيت ففزع اهل الايمان وكان تمليخا بالمدينة يشترى لاصحابه طعامهم فرجع الى أصحابه وهو يبكى ومعه طعام قليل وأخبرهم ان الجبار قد دخل المدينة وقد ذكروا والتمسوا مع عظماء المدينة ففزعوا ووقعوا سجودا يدعون الى الله ويتضرعون ويتعوّذون من الفتنة- ثم ان تمليخا قال يا إخوتاه ارفعوا رءوسكم وأطعموا وتوّكلوا على ربكم- فرفعوا رءوسهم وأعينهم تفيض من الدمع فطعموا وذلك من غروب الشمس ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ويذكّر بعضهم بعضا فبيناهم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فاصابه ما أصابهم وهم مؤمنون وموقنون ونفقتهم عند رءوسهم- فلما كان من الغد فقدهم دقيانوس فلم يجدهم فقال لبعضهم قد ساءنى شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا لقد كانوا ظنوا ان لى غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من امرى ما كنت لاحمل عليهم ان هو تابوا وعبدوا الهتى- فقال عظماء المدينة ما أنت بحقيق ان ترحم قوما فجرة مردة عصاة لقد كنت اجّلت لهم أجلا ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الاجل ولكنهم لم يتوبوا- فلمّا قالوا ذلك غضب غضبا شديدا ثم أرسل الى ابائهم فاتى بهم فسالهم عنهم فقال أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصونى- فقالوا له اما نحن فلم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا باموالنا فاهلكوها في أسواق المدينة ثم انطلقوا وأرسلوا الى جيل يدعى بيجلوس- فلمّا قالوا له ذلك خلّى سبيلهم وجعل لا يدرى ما يصنع بالفتية فالقى الله عز وجل في نفسه ان يأمر بالكهف فيسد عليهم- أراد الله ان يكرمهم ويجعلهم اية لامة تستخلف من بعدهم وان يبين لهم انّ السّاعة لا ريب فيها وانّ الله يبعث من في القبور- فامر دقيانوس بالكهف ان يسدّ عليهم وقال دعوهم في الكهف الذي اختاروا كما هم يموتون جوعا وعطشا ويكون كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم وهو يظن انهم إيقاظ يعلمون ما يصنع بهم وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم ينقلبون ذات اليمين وذات الشمال ثم ان رجلين مؤمنين من بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما اسم أحدهما يندروس والاخر راياش ائتمروا ان يكتبا شان الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوحين من رصاص ويجعلا هما في تابوت من نحاس ويجعلا التابوت في البنيان- وقالا لعل الله ان يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عنهم حين يقرأ هذا لكتاب خبرهم ففعلا فبنيا عليه فبقى دقيانوس ما بقي ثم مات هو وقومه وقرون بعده كثيرة وخلفت الملوك بعد الملوك- وقال عبيد بن عمير كان اصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوى ذوائب وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم
11
فى ذىّ وموكب واخرجوا معهم الهتهم التي يعبدونها وقد قذف الله في قلوب الفتية الايمان وكان أحدهم وزير الملك فامنوا وأخفى كل واحد إيمانه- فقالوا في أنفسهم نخرج من بين اظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب يجرهم- فخرج شابّ منهم حتى انتهى الى ظل شجرة فجلس فيه- ثم خرج اخر فراه جالسا وحده فرجا ان يكون على مثل امره من غير ان يظهر ذلك- ثم خرج اخر فاجتمعوا الى مكان فقال بعضهم لبعض ما جمعكم وكل واحد يكتم صاحبه إيمانه مخافة على نفسه- ثم قالوا ليخرج كل فئتين فيخلو بصاحبه ثم يغشى كل واحد منكم سره الى صاحبه فاذاهم جميعا على الايمان وإذا كهف في الجبل قريبا منهم فقال بعضهم لبعض فاوآ الى الكهف ينشر لكم ربّكم من رّحمته- فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم فناموا ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا وفقدهم قومهم وطلبوهم فعمى الله عليهم اثارهم وكهفهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح ان فلان بن فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في ملكة فلان بن فلان- ووضعوا اللوح في خزانة الملك فقالوا ليكونن لهذا شأن- ومات ذلك الملك وجاء قرن بعد قرن وقال وهب بن منبه جاء حوارى عيسى ﷺ الى مدينة اصحاب الكهف فاراد ان يدخلها فقيل له ان على بابها صنما لا يدخلها أحد الا سجد له فكره ان يدخلها- فاتى حماما قريبا من المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي ويعمل فيه وراى صاحب الحمام في حمامه البركة
وعلقه فتية من اهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض حتى أمنوا وصدقوه وكان شرط على صاحب الحمام ان الليل لى لا يحول بينى وبينه ولا بين الصلاة أحد وكان على ذلك حتى اتى ابن الملك بامراة فدخل بها الحمام فعيّره الحمامي وقال أنت ابن الملك وتدخل مع هذه فاستحيى وذهب فرجع مرة اخرى فقال له مثل ذلك فسبّه وانتهره ولم يلتفت الى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام واتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام وابنك فالتمس فلم يقدر عليه وهرب فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل ايمانهم فانطلق ومعه كلب حتى اواهم الليل الى الكهف فدخلوه وقالوا نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح ان شاء الله فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم دخوله رعب فلم يطق أحد ان يدخله- فقال قائل أليس لو قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتون جوعا ففعل قال وهب فعبروا بعد ما سدوا عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان- ثم ان راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف وادخلت غنمى اليه فاكنّهم من المطر فلم
12
يزل يعالجه حتى فتح- ورد الله أرواحهم من الغد حين أصبحوا- وقال محمد بن إسحاق ثم ملك اهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدوسيس فلمّا بقي في ملكه ثمانية وستين سنة فتحزّب الناس في ملكه وكانوا أحزابا منهم من يؤمن بالله ويعلم ان الساعة حق ومنهم من يكذّب بها- فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى وتضرع الى الله وحزن حزنا شديدا لما راى اهل الباطل يزيدون ويظهرون على اهل الحق ويقولون لا حيوة الا الحيوة الدنيا وانما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد- فجعل بيدوسيس يرسل الى من يظن فيه خيرا وانهم ائمة في الحق- فجعلوا يكذّبون بالساعة حتى كادوا ان يحوّلوا الناس عن الحق وملة الحواريين- فلمّا راى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا وجعل تحته رمادا فجلس عليه- فداب ليله ونهاره زمانا يتضرع الى الله ويبكى ويقول اى ربّ قد ترى اختلاف هؤلاء- فابعث إليهم اية تبين لهم بطلان ما هو عليه ثم ان الرحمان الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد ان يظهر على الفتية اصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعل اية وحجة عليهم ليعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها ويستجيب لعبده الصالح بيدوسيس ليتم نعمته عليه- وان يجمع من كان تبدد من المؤمنين- فألقى الله في نفس رجل من اهل ذلك البلد الذي فيه الكهف كان اسم ذلك الرجل اولياس ان يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف- فيبنى به حضيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعل ينزعان تلك الحجارة ويبنيان على تلك الحضيرة حتى نزعاما على فم الكهف وفتحا باب الكهف وحجبهم الله عن أعين الناس بالرعب- فلمّا فتحا باب الكهف اذن الله عزّ وجلّ ذو القوة والسلطان محيى الموتى الفتية ان يجلسوا بين ظهرى الكهف فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم يسلّم بعضهم على بعض كانما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليلتهم- ثم قاموا الى الصلاة فصلوا كالذى كانوا يفعلون- لا يرى في وجوههم وألوانهم شىء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون ان ملكهم دقيانوس في طلبهم- فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم نبئنا بالذي قالوا للناس عنا عشية أمس عند هذا الجبار وهم يظنون انهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون- وقد تخيل إليهم انهم ناموا أطول مما كانوا ينامون حتى يتساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياما قالوا لبثنا يوما او بعض يوم ثم قالوا ربّكم اعلم بما لبثتم- وكل ذلك في أنفسهم يسير- فقال لهم تمليخا ألستم في المدينة وهو
13
يريد ان يوتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت او يقتلكم- فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا يا إخوتاه اعلموا امّكم مّلاقوا الله فلا تكفروا بعد ايمانكم إذا دعاكم عدو الله ثم قالوا لتمليخا انطلق الى المدينة فتسمع ما يقال لنابها وما الذي يذكر عند دقيانوس وتلطّف ولا يشعر بك أحد وابتغ لنا طعاما فأتنا به وزدنا على الطعام الذي جئتنا به فقد أصبحنا جياعا- ففعل تمليخا كما كان
يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب الذي كان ينتكر فيها- وأخذ ورقا عن نفقتهم التي كانت معهم الذي ضربت بطابع دقيانوس وكانت كخفاف الربع- فانطلق تمليخا خارجا فلمّا مرّ بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مرّ ولم يبال بها حتى اتى باب المدينة مستخفيا يصدعن الطريق تخوّفا ان يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر ان دقيانوس واهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مائة سنة- فلما اتى تمليخا باب المدينة وقع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لاهل الايمان إذا كان امر الايمان ظاهرا فلمّا راها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا وينظر يمينا وشمالا- ثم ترك ذلك الباب فتحول الى باب اخر من ابوابها فراى مثل ذلك فجعل يخيّل اليه ان المدينة ليست بالتي كان يعرف- وراى ناسا كثيرا محدثين لم يكونوا هم قبل ذلك فجعل يمشى ويتعجب ويخيل اليه انه حيران- ثم رجع الى الباب الذي اتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول يا ليت شعرى ما هذا- اما عشية أمس فكان المسلمون يحبون هذه العلامة ويستخفون بها واما اليوم فانها ظاهرة لعلّى نائم ثم يرى انه ليس بنائم- فاخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشى بين ظهرى سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقا وراى انه حيران- فقام مسندا ظهره الى جداد من جدد المدينة وقال في نفسه والله ما أدرى اما عشية أمس فليس على وجه الأرض من يذكر عيسى بن مريم الا قليل واما الغداة فاسمعهم وكل انسان يذكر عيسى ولا يخاف- ثم قال في نفسه لعل هذا ليست بالمدينة التي اعرف والله ما اعرف مدينة قرب مدنيتنا فقام كالحيران ثم لقى فتى فقال ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أفسوس فقال في نفسه لعل شيئا او امرا اذهب عقلى والله يحق لى ان اسرع الخروج منها قبل ان اخزى فيها او يصيبنى شر فاهلك ثم انه أفاق فقال والله لو عجّلت الخروج من المدينة قبل ان يفطن بي كان أليس بي- فدنا من الذين يبيعون الطعام فاخرج الورق التي كان معه فاعطاها رجلا منهم فقال بعنى بهذه الورق طعاما
14
فاخذها الرجل فنظر الى ضرب الورق ونقشها فتعجب منها ثم طرحها الى رجل من أصحابه- فنظر إليها فجعلوا يتطارحون بينهم ويقول بعضهم لبعض ان هذا أصاب كنزا خبيّبا في الأرض منذ زمان ودهر طويل- فلما راهم تمليخا يتشاورون من اجله فرق فرقا شديدا وجعل يرتعد ويظن انهم قد فطنوا به وعرفوه وانهم انما يريدون ان يذهبوا به الى ملكهم دقيانوس وجعل أناس اخر يأتونه فيتعرفونه فلا يعرفونه- فقال لهم وهو شديد الفرق منهم افضلوا علىّ قد أخذتم ورقى فامسكوها واما طعامكم فلا حاجة لى به- فقالوا من أنت يا فتى وما شأنك والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين وأنت تريد ان تخفيه منا فانطلق معنا وأرنا وشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت- فانك ان لم تفعل نأت بك الى السلطان فنسلّمك اليه فيقتلك- فلما سمع قولهم قال قد وقعت وفي كل شىء كنت احذر منه- فقالوا يا فتى انك والله لن تسطيع ان تكتم ما وجدت- فجعل تمليخا لا يدرى ما يقول لهم وما يرجع إليهم وفرق حتى ما يحير إليهم شيئا- فلما رأوه انه لا يتكلّم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه ثم جعلوا يقودونه في سلك المدينة حتى سمع به من فيها فسألوه ما الخبر فقيل لهم أخذ رجل عنده كنز فاجتمع اليه اهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون اليه ويقولون والله ما هذا الفتى من اهل هذه المدينة وما رايناه فيها قط- فجعل تمليخا لا يعرف ما يقول لهم فلما اجتمع اليه فرق فسكت ولم يتكلم- وكان مستيقنا ان أباه واخوته بالمدينة وان حسبه بالمدينة من عظماء أهلها وانهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينا هو قائم كالحيران ينتظر حتى يأتيه بعض اهله فيخلصه من بين أيديهم- إذا اختطفوه وانطلقوا به الى رءوس المدينة ومدبريها الذين يدبر ان أمرها- وهما رجلان صالحان اسم أحدهما اريوس والاخر اشطيوس- فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا انه ينطلق به الى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يمينا وشمالا- وجعل الناس ليسخرون منه كما يسخر من المجنون- وجعل تمليخا يبكى ثم رفع رأسه الى
السماء فقال اللهم اله السماء والأرض افرغ اليوم علىّ صبرا وادلج معى روحا منك يؤيدني عند هذا الجبار وجعل يبكى- ويقول في نفسه فرّق بينى وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت ولو انهم يعلمون فيأتونى فنقوم جميعا بين يدى الجبار فانّا كنا توافقنا ان لا نفترق فى حيوة ولا موت ابدا- يحدث تمليخا نفسه فيما اخبر أصحابه حين رجع إليهم حتى انتهى الى الرجلين الصالحين اريوس واشطيوس فلما راى تمليخا انه لا يذهب به الى دقيانوس أفاق وذهب عنه البكاء- فاخذ اريوس واشطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها ثم قال له أحدهما اين الكنز الذي وجدت
15
يا فتى- فقال تمليخا ما وجدت كنزا ولكن هذا ورق ابائى ونقش هذه المدينة وضربها- ولكنى والله ما أدرى ما شأنى وما أقول لكم فقال أحدهما فمن أنت- فقال تلميخا اما انا فكنت من اهل هذه المدينة- فقالوا ومن أبوك ومن يعرفك بها- فانباهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه- فقال له أحدهما أنت رجل كذّاب لا تنبئنا بالحق- فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير انه نكس بصره الى الأرض- فقال بعض من حوله هذا رجل مجنون وقال بعضهم ليس بمجنون ولكنه يمحّق نفسه عمدا لكى ينفلت منكم فقال له أحدهما دو نظر اليه نظرا شديدا تظن ان نرسلك ونصدقك بان هذا الورق مال أبيك- ونقش هذا الورق وضربها اكثر من ثلاث مائة سنة- وانما أنت غلام شاب أتظن انك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شمط كما ترى وحولك سراة اهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بايدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار انى لاظن سامر بك فتعذب عذابا شديدا- ثم اوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدته فلمّا قال ذلك فقال لهم تمليخا انبئونى عن شىء اسئلكم عنه فان فعلتم صدقتكم عمّا عندى قالوا سل لانكتمك شيئا- قال ما فعل الملك دقيانوس قالا ليس نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس ولم يكن الا ملك هلك من زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة فقال تمليخا انى إذا لحيران وما هو بمصدقى أحد من الناس لقد كنافئة على دين واحد وهو الإسلام وان الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس- فلمّا انتبهنا خرجت لاشترى لهم طعاما وأتجسس الاخبار فانا كنا كما ترون- فانطلقوا معى الى الكهف الذي في جبل بيجلوس أراكم أصحابي فلما سمع اريوس ما يقول تمليخا قال يا قوم لعل هذه اية من آيات الله جعلها الله لكم على يدى هذا الفتى فانطلقوا بنا معه يرينا أصحابه- فانطلق معه اريوس واشطيوس وانطلق معهم اهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو اصحاب الكهف لينظروا إليهم- ولمّا راى الفتية اصحاب الكهفان تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتى به فيه ظنوا انه قد أخذ فذهب به الى ملكهم دقيانوس- فبينما هم يظنون ذلك ويتخوّفونه إذ سمعوا الأصوات وجبلة الخيل مصعدة نحوهم- فظنوا انهم رسل الجبار دقيانوس بعث إليهم ليؤتى بهم فقاموا الى الصلاة وسلّم بعضهم على بعض واوصى بعضهم بعضا- وقالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا- فانه الان بين يدى الجبار ينتظر متى نأتيه فبينما هو يقولون ذلك وهو جلوس بين ظهرانى الكهف لم يروا الا اريوس وأصحابه وقوفا على
16
باب الكهف فسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكى- فلمّا رأوه يبكى بكوا معه ثم سألوه عن شأنه فاخبرهم وقص عليهم النبأ كله فعرفوا عند ذلك انهم كانوا قياما بامر الله ذلك الزمان كله- وانما أوقظوا ليكونوا اية للناس وتصديقا للبعث- ويعلموا انّ السّاعة اتية لا ريب فيها- ثم دخل على اثر تمليخا اريوس فراى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة- فقام بباب الكهف ثم دعا رجلا من عظماء اهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجد فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما ان مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومرطونس وبشرطونس- وبيربوس ودينومس ويطنومونس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة ان يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلمّا اخبر بمكانهم امر بالكهف فسد عليهم بالحجارة وانا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم ان عثر عليهم- فلما قرءووه عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم اية البعث فيهم ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه- ثم دخلوا
على الفتية الى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهريه سفرة وجوههم لم تبل ثيابهم فخرّ اريوس وأصحابه سجودا وحمدوا لله الذي أراهم اية من آياته ثم كلم بعضهم بعضا وانبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقيانوس- ثم ان اريوس وأصحابه بعثوا بريدا الى ملكهم الصالح بيدوسيس ان اعجل لعلك تنظر الى آية من آيات الله جعلها الله على ملكك وجعلها اية للعالمين لتكون لهم نورا وضياء وتصديقا للبعث- فاعجل الى فتية بعثهم الله عزّ وجل وقد كان توفّاهم اكثر من ثلاث مائة سنين- فلما اتى الملك الخبر قام فرجع اليه عقله وذهب همه فقال أحمدك رب السموات والأرض وأعبدك واسبح لك تطولت علىّ ورحمتنى ولم تطف النور الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك فلمّا نبّابه اهل المدينة كبوا اليه وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف- فلمّا راى الفتية بيدوسيس فرحوا به وخرّوا سجدا على وجوههم- وقام بيدوسيس قدامهم ثم اعتنقهم وركا وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون ويحمدونه- ثم قال الفتية لبيدوسيس نستودعك الله والسّلام عليك ورحمة الله وحفظك الله وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شر الجن والانس- فبينما الملك قائم إذ رجعوا الى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أنفسهم- وقام الملك إليهم وجعل ثيابهم عليهم وامر ان يّجعل كل رجل منهم فى تابوت من ذهب فلمّا امسى ونام أتوه فقالوا له انا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكن خلقنا من تراب والى التراب
17
نصير فاتركنا كما كنا فى الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه فامر الملك حينئذ بتابوت من ساج وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم- وامر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه وجعل لهم عيدا عظيما وأمران يؤتى كل سنة- وقيل ان تمليخا لمّا حمل الى الملك الصّالح قال الملك من أنت- قال انا رجل من اهل هذه المدينة وذكر انه خرج أمس او منذ ايام وذكر منزله وأقواما لم يعرفهم أحد- وكان الملك قد سمع ان فتية فقدوا فى الزمان الاول وان اسماء هم مكتوبة على اللوح فى الخزانة فدعا اللوح ونظر فى اسمائهم فاذا هو من أولئك القوم- وذكر اسماء الآخرين فقال تمليخا هم أصحابي- فلما سمع الملك ذلك ركب هو ومن معه من القوم فلمّا أتوا باب الكهف قال تمليخا دعونى حتى ادخل على أصحابي فابشّر هو فانّ هم ان رايكم معى دعبتموهم- فدخل فبشّرهم فقبض الله أرواحهم وأعمى عليهم اثرهم- فلم يهتدوا إليهم وذلك قوله عز وجل إذ أوى الفتية الى الكهف الى قوله.
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ اى ضربنا حجابا على مسامعهم يمنع نفوذ الأصوات فيها وهو النوم اى أنمناهم نوما لا ينبههم الأصوات- فحذف المفعول كما حذف فى قوله بنى على امرأته فِي الْكَهْفِ سِنِينَ ظرفان لضربنا عَدَداً اى ذوات عدد وصف به السنين ليدل على الكثرة فان القليل لا يعد عادة.......
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ اى أيقظناهم لِنَعْلَمَ اى ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه اولا تعلقا استقباليا...... أَيُّ الْحِزْبَيْنِ اى الطائفتين أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) اى غاية- اىّ مبتدأ واحصى خبره وهو فعل ماض وأمدا مفعوله ولما لبثوا حال منه وما مصدرية وما فى اىّ من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم والمعنى ايّهم ضبط أمدا كائنا لزمان لبثهم- وقيل اللام زائدة وما لبثوا مفعول لاحصى وهو فعل ماض وما موصولة وأمدا تميز- وقيل احصى اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزوائد كقولهم حصى للمال وأفلس من ابن المدلف- وأمدا نصب لفعل دل عليه كقوله واضرب بالسيوف القوانسا-.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ اى خبر اصحاب الكهف بِالْحَقِّ متلبسا بالصدق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ اى شبّان جمع فتى كصبى وصبية..... آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) ايمانا وبصيرة يعنى أعطيناهم ايمانا حقيقيّا يحصل بعد فناء النفس فوق الايمان المجازى الذي هو الإقرار باللسان والتصديق بالقلب مع طغيان النفس وكفرانه.
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ
بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال والجرأة على اظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار- وذلك بفناء القلب حتى تمكن فيه حب الله وهيبة وخشيته وتخلى عن ملاحظة غيره من الخلائق فصار الناس عنده كالاباعر إِذْ قامُوا بين يدى دقيانوس حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام فَقالُوا مفتخرين رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً اى إذا أشركنا بالله الها اخر شَطَطاً (١٤) اى قولا ذا شطط اى تجاوز عن القدر والحد وتباعد عن الحق مفرط فى الظلم من شط يشط إذا بعد.
هؤُلاءِ مبتدأ قَوْمُنَا عطف بيان له اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون الله آلِهَةً يعنى الأصنام يعبدونها والجملة خبر للمبتدا اخبار فى معنى الإنكار لَوْلا هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ اى على عبادتهم فحذف المضاف بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ اى ببرهان ظاهر فان الدين لا يؤخذ الا بالبرهان والظن والتقليد لا يجوز اتباعه فى العقائد- وفيه تبكيت فان اقامة البرهان على عبادة الأوثان محال فَمَنْ اى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) وزعم ان له شريكا وولدا فان الافتراء على كل أحد ظلم فكيف على الله تعالى- ثم قال بعضهم لبعض حين تصمموا على الفرار بدينهم.
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ يعنى قومكم وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ عطف على الضمير المنصوب اى إذ اعتزلتم القوم ومعبوديهم الا الله فانهم كانوا يعبدون الله والأصنام كسائر المشركين ويجوز ان يكون ما مصدرية يعنى وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم الا عبادة الله ويجوز ان يكون نافية على انه اخبار من الله عن الفتية بالتوحيد معترض بين إذا وجوابه لتحقيق اعتزالهم فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ اى صيروا اليه واتخذوه مسكنا كيلا يجاوركم الكفار يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ اى ليبسط لكم الرزق ويوسع عليكم فى الدارين مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) بكسر الميم وفتح الفاء اسم فمعز الدولة- اى ما يرتفق اى ينتفع به جزموا بذلك لقوة وثوقهم بفضل الله- وقرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر من الأوزان الشاذة كالمرجع والمحيض وقياسه فتح العين.
وَتَرَى الشَّمْسَ لو رايتهم الخطاب لرسول الله ﷺ او لكل أحد إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ قرأ ابن عامر ويعقوب تزورّ بإسكان الزاء المنقوطة وتشديد
الراء المهملة على وزن تحمرّ من الافعلال- والكوفيون بفتح التاء والزاء مخففا والف بعدها والباقون بالزاء المنقوطة المشددة والف بعدها واصله تتزاور من التفاعل فحذف الكوفيون احدى التاءين والباقون ادغموها فى الزاء- وكلها من الزور بمعنى الميل يعنى تميل عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ اى جهة اليمنى تقديرة الجهة ذات اسم اليمين فلا يقع عليهم شعاعها وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ اى تقطعهم يعنى تتركهم وتعدل عنهم ذاتَ الشِّمالِ يعنى يمين الكهف وشماله وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ اى متسع من الكهف يعنى فى وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس- قال ابن قتيبة كان كهفهم مستقبل بنات النعش فاقرب المشارق والمغارب الى محاذاته مشرق راس السرطان ومغربه- والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مقابله بجانب اليمين وهو الذي يلى المغرب وتغرب محاذيه بجانب الأيسر فيقع شعاعها على جنبتيه ويقلل عفونته ويعدل هواه ولا يقع عليهم شعاعها فيوذى أجسادهم ويبلى ثيابهم- وقال بعض العلماء هذا القول خطأ وهو ان كان الكهف مستقبل بنات النعش ولاجل ذلك كان كما ذكر- ولكن الله صرف الشمس عنهم يقدرته وحال بينها وبينهم بدليل قوله تعالى ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ اى من عجائب صنعه ودلالات قدرته التي يعتبر بها- ويمكن ان يقال ان ذلك يعنى شأنهم وايواءهم الى كهف كذلك واخبارك قصتهم من آيات الله مَنْ يَهْدِ اللَّهُ بالتوفيق فَهُوَ الْمُهْتَدِ قرأ نافع وابو عمرو بالياء وصلا والباقون يحذفونها فى الحالين يعنى فهو الذي أصاب الفلاح والمراد به اما الثناء عليهم او التنبيه على ان أمثال هذه الآيات كثيرة لكن المنتفع بها من وفقه الله تعالى للتامل فيها والاستبصار بها وَمَنْ يُضْلِلْ اى من يخذله ولم يرشده فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) اى من يليه ويرشده.
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً جمع يقظ لانفتاح عيونهم او لكثرة تقلبهم وَهُمْ رُقُودٌ نيام جمع راقد كقاعد وقعود وَنُقَلِّبُهُمْ فى رقدتهم من غير إرادتهم ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ اى مرة للجنبة ذات اسم اليمين ومرة للجنبة ذات اسم الشمال- قال ابن عباس كانوا يتقلبون فى السنة مرة من جانب الى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم «١» - قيل كان يوم عاشوراء يوم تقلبهم- وقال ابو هريرة كان لهم كل سنة لقليبا وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل
(١) وفى الأصل لحومها ١٢
وأجاز الكوفيون اعمال اسم الفاعل مطلقا قال مجاهد والضحاك الوصيد فناء الكهف وقال عطاء الوصيد عتبة الباب وقال السدى الوصيد الباب وهى رواية عكرمة عن ابن عباس قال اكثر اهل التفسير انه كان من جنس الكلاب- وروى عن ابن جريج انه كان أسدا ويسمى الأسد كلبا- فان النبي ﷺ دعا على عتبة بن ابى لهب فقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد والاول المعروف قال ابن عباس كان كلبا انمر ويروى عنه فوق العلطى ودون الكردي وقال مقاتل كان أصغر وقال القرطبي كانت شدة صفرته تضرب الى الحمرة وقال الكلبي لونه كالخليج وقيل لون الحجر- قال ابن عباس اسمه قطمير وعن على عليه السّلام اسمه زبان وقال الأوزاعي اسمه تقور وقال السدى ثور وقال كعب صهبا- قال خالد بن معدان ليس فى الجنة شىء من الدواب سوى كلب اصحاب الكهف وحمار بلغام- قال السدى كان اصحاب الكهف إذا انقلبوا انقلب الكلب معهم فاذا انقلبوا الى اليمين كسر الكلب اذنه اليمنى ورقد عليها- وإذا انقلبوا الى الشمال كسر اذنه اليسرى ورقد عليها لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ فنظرت إليهم يا محمد لَوَلَّيْتَ اى لهربت منهم فِراراً منصوب على المصدرية لانه نوع من التولية او على العليّة او على الحال اى فارا وَلَمُلِئْتَ قرأ نافع وابن كثير بتشديد اللام والباقون بتخفيفها مِنْهُمْ رُعْباً اى خوفا برعب اى يملا صدرك قيل من وحشة المكان وقال الكلبي لان أعينهم كانت مفتحة كالمستيقظ الذي يريد ان يتكلم- وقيل لكثرة شعورهم وطول اظفارهم وتقلبهم من غير حس ولا اشعار- وقيل ان الله منعهم بالرعب لئلا يدخل عليهم أحد وهو الصحيح المختار- يدل عليه ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال غزونا مع معاوية رضي الله عنه غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه اصحاب الكهف- فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس قد منع ذلك من هو خير منك فقال لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارا- فلم يسمع معاوية وبعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا- فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فاحرقتهم- أخرجه ابن ابى شيبة وابن المنذر وابن ابى حاتم-.
وَكَذلِكَ اى كما أنمناهم فى الكهف وحفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان بَعَثْناهُمْ من تلك النومة الطويلة المشبهة بالموت اية على كمال قدرتنا لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ اى ليتساءل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم
فيزدادوا يقينا على كمال قدرة الله تعالى- ويستبصروا به امر البعث ويشكروا ما الغم به عليهم فعلى هذا اللام لام العلة وقال البغوي اللام لام العاقبة لانهم لم يبعثوا للسوال قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ وهو رئيسهم مكسلمينا كَمْ لَبِثْتُمْ فى نومكم وذلك انهم استكثروا طول نومهم- ويقال انهم راعهم ما فاتهم من الصلوات فقالوا ذلك قالُوا لَبِثْنا يَوْماً وذلك انهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا عشيّة فقالوا لبثنا يوما- ثم نظروا وقد بقيت من الشمس بقية فقالوا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وهذا الجواب مبنى على غالب الظن وفيه دليل على ان القول بغالب الظن جائز- فلما نظروا الى شعورهم واظفارهم علموا انهم لبثوا دهرا قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ وقيل ان رئيسهم مكسلمينا لما سمع الاختلاف قال دعوا الاختلاف فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ يعنى تمليخا..... بِوَرِقِكُمْ قرأ ابو عمرو وحمزة وأبو بكر ساكنة الراء والباقون بكسرها ومعناهما واحد وهى الفضة مضروبة كانت او غير مضروبة هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قيل هى طرطوس وكان اسمها في الجاهلية أفسوس فسموها فى الإسلام طرطوس- وفى حملهم الورق معهم دليل على ان التزود رأى المتوكلين فَلْيَنْظُرْ أَيُّها اى اىّ أهلها بحذف المضاف أَزْكى طَعاماً اى احلّ طعاما حتى لا يكون من غصب او سبب حرام وقيل أمروه ان يطلب ذبيحة من يذبح لله وكان فيهم مؤمنون يخفون ايمانهم- وقال الضحاك أطيب طعاما وقال مقاتل بن حبان أجود وقال عكرمة اكثر واصل الزكوة الزيادة وقيل أرخص طعاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ اى ليتكلف فى اللطف فى المعاملة حتى لا يغبن او فى التخفّي حتى لا يعرف وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) من الناس اى لا يفعلن ما يؤدى الى الشعور بنا من غير قصد منه فسمى ذلك اشعارا منه بهم لانه سبب فيه والضمير فى إِنَّهُمْ راجع الى الأهل المقدر فى ايّها.
إِنْ يَظْهَرُوا اى يطلعوا عَلَيْكُمْ او يظفروا بكم يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم بالرجم أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ اى يصيّروكم إليها كرها فالعود بمعنى الصيرورة وقيل هو بمعناه وكانوا اولا فى دينهم فامنوا وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً اى إذا دخلتم فى ملتهم أَبَداً (٢٠).
وَكَذلِكَ اى كما أنمناهم وبعثناهم ليزداد وبصيرة أَعْثَرْنا اى اطلعنا الناس يقال عثرن على الشيء إذا اطلعت عليه واعثرت غيرى اى اطلعته عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا اى ليعلم الذين
22
اطلعنا هو على حالهم أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث بعد الموت حَقٌّ لان نومهم وانتباهم كحال من يموت ثم يبعث وَأَنَّ السَّاعَةَ اى القيامة الموعودة لا رَيْبَ فِيها اى فى إمكانها فان من توفّى نفوسهم وأمسكها ثلاث مائة سنين حافظا أبدانها من التحلل والتفتت ثم أرسلها إليها قادر على ان يتوفّى نفوس جميع الناس ممسكا إياها الى ان يحشر أبدانها فيرد عليها إِذْ يَتَنازَعُونَ ظرف لاعثرنا اى أعثرنا عليهم حين كان الناس يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ اى بين امر دينهم قال عكرمة تنازعوا فى البعث فقال قوم للارواح دون الأجساد- وقال المسلمون البعث للارواح والأجساد جميعا- فبعثهم الله وأراهم ان البعث للارواح والأجساد جميعا- او فى امر الفتية حين أماتهم ثانيا بالموت فقال بعضهم ماتوا وقال بعضهم ناموا نومهم أول مرة- وقال ابن عباس تنازعوا فى البنيان قال المسلمون نبنى عندهم مسجدا لانهم كانوا على ديننا وقد ماتوا مسلمين وقال المشركون نبنى عليهم بنيانا يسكنه الناس ويتخذونه قرية- او على باب كهفهم بنيانا يمنع الناس عن التطرق إليهم ضنّا بتربتهم لانهم من اهل نسبنا كما قال الله تعالى فَقالُوا اى المشركون من اهل القرية ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ اى المسلمون بيدوسيس وأصحابه فانهم كانوا اصحاب ملك وثروة وحكومة حينئذ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) يصلى فيه المسلمون ويتبركون بهم- وقوله ربّهم اعلم بهم الظاهر انه اعتراض من الله تعالى ردّا على الخائضين فى أمرهم فان كلّا من الفريقين انتسبوا أنفسهم إليهم وهم براء من الكفر وأربابها ولم يكونوا من عوام المؤمنين ايضا وان كانوا منهم فان الصوفي كائن بائن قال الفاضل الرومي
هر كسى در ظن خود شد يار من واز درون من نجست اسرار من
وقيل انه من كلام المتنازعين كانهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام فى أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم- فلمّا لم يهتدوا الى حقيقة ذلك قالوا ربّهم اعلم بهم- (مسئلة) هذه الاية تدل على جواز بناء المسجد ليصلى فيه عند مقابر اولياء الله قصدا للتبرك بهم وقد كان الشيخ الأستاذ محمد فاخر المحدث رحمه الله يكره ذلك مستدلا بما رواه مسلم عن ابن الهياج الأسدي قال قال لى علىّ الا أبعثك على ما بعثني رسول الله ﷺ وان لا تدع تمثالا الا طمسته ولا
23
قبرا مشرفا الا سوّيته- وما روى مسلم عن جابر قال نهى رسول الله ﷺ ان يجصص القبر وان يبنى عليه وان يقعد عليه- وما روى الشيخان عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم قالا لما نزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه ويقول وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد- قالت يحذّر مثل ما صنعوا قلت هذه الأحاديث تدل على كراهة تجصيص القبور والبناء عليها وجعل القبور مشرفة- ولا دلالة لها على كراهة بناء المسجد بقرب منها- ومعنى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد انهم يسجدون الى القبور- كما هو صريح فى حديث ابى مرثد الغنوي قال قال رسول الله ﷺ ولا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها- رواه مسلم.
سَيَقُولُونَ اى المتنازعون فى عدد الفتية فى زمن النبي ﷺ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ اى جاعلهم اربعة بانضمامه إليهم وثلاثة خبر مبتدأ محذوف اى هم ثلاثة وجملة رابعهم كلبهم صفة لثلاثة وكذا ما بعده وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه قال البغوي روى ان السيد والعاقب وأصحابها من نصارى نجران كانوا عند النبي ﷺ فجرى ذكر اصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيّا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم- وقال العاقب وكان نسطوريّا كانوا خمسة سادسهم كلبهم فرد الله عليهم قولهم بقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ منصوب على المصدريّة بفعل مقدر يعنى يرجمون رجما ويرمون رميا بالخبر الغائب عنهم يعنى ليس فى خزانة علمهم ذلك- او على العلية متعلق بقوله يقولون ومعنى رجما ظنّا وضع الرجم موضع الظن لانهم يقولون كثيرا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق بينهم فرق بين العبارتين كذا قال فى المدارك يعنى ليس اخبار الفريقين مستندا الى علم مطابقا للواقع وَيَقُولُونَ يعنى المسلمين بأخبار الرسول ﷺ وعن جبرئيل سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ادخل الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالواقعة حالا من المعرفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على ان اتصافه ثابت- وقيل هذه واو الثمان وذلك ان العرب يعدّ فيقول واحد اثنان ثلاثة اربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لان العقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة ومنه قوله تعالى التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ- وقوله تعالى فى ازواج النبي ﷺ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً-
قال الله تعالى قُلْ رَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ اى بعددهم ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ٥ منهم اى من النصارى- او الا قليل من الناس وهم المسلمون قال ابن عباس انا من ذلك القليل كانوا سبعة- رواه ابن جرير والفرياني وغيرهما عنه- وكذا روى ابن ابى حاتم عن ابن مسعود انهم سبعة ثامنهم كلبهم- قال البيضاوي ان الله تعالى اثبت العلم بهم لطائفة بعد ما حصر اقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة- فان عدم إيراد القول الرابع في نحو هذا المحمل دليل على العدم مع ان الأصل نفيه- وبعد ما رد القولين الأولين ظهر ان الحق هو القول الثالث وقال البغوي روى عن ابن عباس انه قال هم مكسلمينا وتمليخا ومرطونس وسنونس وسارينونس وذو نواس وكعسططيونس وهو الراعي- رواه الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد صحيح عنه قال ابن حجر في شرح البخاري في النطق بها اختلاف كثير ولا يقع الوثوق من ضبطها بشيء فَلا تُمارِ فِيهِمْ اى لا تجادل في شأن الفتية وعددهم إِلَّا مِراءً ظاهِراً اى جدالا بظاهر ما قصصنا عليك من غير تجهيل لهم ولا تعمق فيه إذ لا فائدة في ذلك الجدال وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ اى في شان اصحاب الكهف وعددهم مِنْهُمْ اى من اهل الكتاب أَحَداً (٢٢) اى لا تسئل عن قصتهم سوال مستعلم فان فيما اوحى إليك لمندوحة عن غيره مع انهم لا علم لهم بها- وايضا لا فائدة لك في زيادة العلم بأحوالهم- ولا سوال متعنت تريد تفضيح المسئول عنه وتزئيف ما عنده- فانه مخل لمكارم الأخلاق والله اعلم- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال حلف النبي ﷺ على يمين فمضى له أربعون ليلة فانزل الله تعالى.
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ واخرج ابن المنذر عن مجاهد انه قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن اصحاب الكهف وذى القرنين- فسالوه فقال ايتوني غدا أخبركم ولم يستثن فابطا عنه الوحى بضعة عشر يوما- حتى شق عليه وكذّبته قريش فانزل الله هذه الاية- وقد ذكر في أوائل السورة ما اخرج ابن جرير نحوه- وكذا ذكرنا في سورة بنى إسرائيل في تفسير قوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ والاستثناء استثناء من النهى- اى لا تقولنّ لاجل شيء تعزم عليه انّى فاعل ذلك الشيء فيما يستقبل من الزمان الّا ان يشاء الله- يعنى لا تقولنّ في حال من الأحوال الا متلبسا بمشيته اى الّا قائلا ان شاء الله: او في وقت من الأوقات الا وقت مشيّته ان تقوله بمعنى الا وقت ان يأذن لك
25
فيه- وذلك الوقت انما هو وقت قولك ان شاء الله معه- وليس الاستثناء متعلقا بقوله انّى فاعل لانه لو قال انى فاعل كذا الا ان يشاء الله- كان معناه الا ان يعترض مشية الله دون فعلى وذلك لا مدخل فيه للنهى- وهذا نهى تأديب من الله لنبيه ﷺ وَاذْكُرْ رَبَّكَ بالتسبيح والاستغفار إِذا نَسِيتَ الاستثناء فيه حثّ وتأكيد على الاهتمام في إتيان الاستثناء على كل عزم- او المعنى واذكر ربّك وعقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليعينك على التدارك- او المعنى إذا نسيت شيئا فاذكره ليذكّرك المنسى- وقال عكرمة معنى الاية واذكر ربّك إذا غضبت قال وهب مكتوب في الإنجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين اغضب وقال الضحاك والسدىّ هذا في الصلاة عن انس قال قال رسول الله ﷺ من نسى صلوة فليصلّها إذا ذكرها- رواه البغوي وفي الصحيحين وعند احمد والترمذي والنسائي بلفظ من نسى صلوة او نام عنها فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها- وعن ابى سعيد قال قال رسول الله ﷺ من نام عن وتره او نسيه فليصله إذا ذكره- رواه احمد والحاكم وصححه وقال ابن عباس ومجاهد والحسن معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن- ومن هاهنا جوزوا تأخير الاستثناء ولو بعد سنة ما لم يحنث أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني والحاكم عن ابن عباس ويؤيد قولهم ما اخرج ابن مردوية عن ابن عباس انه قال لما نزل هذه الاية قال عليه السلام ان شاء الله وعامة الفقهاء على خلافه فان الكلام الغير المستقل إذا كان مغيرا لمعنى كلام اخر كالشرط والاستثناء والغاية والبدل بدل البعض لا بد ان يكون متصلا به- إذ لو صح الاستثناء ونحو ذلك منفصلا لم يتقرر اقرار ولاطلاق ولا اعتاق ولا يعلم صدق ولا كذب- حكى انه بلغ المنصور ان أبا حنيفة خالف ابن عباس رضي الله عنه في الاستثناء المنفصل- فاستحضره لينكر عليه فقال ابو حنيفة هذا يرجع عليك انك تأخذ البيعة بالطاعة أفترضى ان يخرجوا من عندك فليستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه وامر الطاعن فيه بإخراجه من عنده- وما روى من قوله صلّى الله عليه وسلم ان شاء الله عند نزول هذه الاية ليس استثناء متعلقا بقوله ﷺ وايتوني غدا أخبركم يعنى عن اصحاب الكهف والروح وذى القرنين- بل هو استثناء متعلق بمقدر تقديره لا اترك الاستثناء ان شاء الله تعالى فيما أقول في ثانى الحال انى فاعل ذلك غدا والله اعلم-
26
وقالت الصوفية العلية ان معنى الاية واذكر ربّك إذا نسيت ما عداه- قالوا ذكر الله سبحانه دائما لا يتصوما لم يحصل لقلبه نسيان عما سواه لان قلب الإنسان يشغله شأن عن شأن وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه- فالذكر الدائم الّذي لا يقع فيه فتور لا يتصور ما لم يحصل لقلبه نسيان دائمى عما سواه وهذه الحالة يعبّر عندهم بفناء القلب واما الذكر الّذي يعقبه غفلة فلا يعتدون به- والقلب يذكر تارة ويغفل عنه ويذكر غيره اخرى لا يسمى عندهم موحدا- وهذا التأويل انسب بمنطوق الكتاب وأوفق للعربية وابعد من التجوز لان قوله إذا نسيت ظرف لا ذكر والظرفية الحقيقية ان يكون الذكر في وقت النسيان- ولا شك ان وقت الذكر مغائر لوقت النسيان على سائر التأويلات السابقة
- فلا يكون الظرفية على تلك التأويلات الا مجازا والحمل على الحقيقة اولى- وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ قرأ نافع وابو عمرو بالياء وصلا فقط وابن كثير بالياء في الحالين والباقون يحذفوها فيهما أي يهدنى رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا المنسى رَشَداً (٢٤) اى خيرا وصلاحا عطف على اذكر- يعنى إذا نسيت الاستثناء او شيئا مما أمرك الله بإتيانه فاذكر الله بالتسبيح والاستغفار واستعنه وقل عسى ان يهدين ربّى لشيء اخر أفضل من هذا المنسى واقرب منه رشدا- او ذلك الندم والتوبة والاستغفار مع القضاء وقيل ان القوم لمّا سالوه عن قصة اصحاب الكهف على وجه العناد امره الله عزّ وجلّ ان يخبرهم بان الله سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو ادلّ من قصة اصحاب الكهف- وقد فعل حيث أتاه علم غيب المرسلين وعلم ما كان وما يكون ما هو أوضح في الحجة واقرب الى الرشد من خبر اصحاب الكهف- وقال بعضهم هذا شيء امر الله رسوله ان يقوله مع قوله ان شاء الله لا اترك الاستثناء ابدا إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان- يعنى إذا ترك الإنسان ان شاء الله ناسيا ثم ذكره فتوبته من ذلك ان يقول عسى ان يهدين ربّى لاقرب من هذا رشدا- وعلى تأويل الصوفية فمعنى الاية واذكر ربّك إذا نسيت غيره وقل عسى ان يهدين ربّى اى يوصلنى لشيء هو اقرب من هذا الذكر رشدا وهو ذات الله سبحانه الّذي هو اقرب من حبل الوريد.
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ يعنى لبثوا اصحاب الكهف احياء مضروبا على آذانهم- وهذا بيان من الله تعالى لما أجمله من قبل حيث قال فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا- وقيل هذا خبر عن اهل الكتاب انهم قالوا ذلك- ولو كان خبرا من الله تعالى عن قدر لبثهم لم يكن لقوله قل الله اعلم بما لبثوا وجه وهذا قول قتادة- و
يدل عليه قراءة ابن مسعود- وقالوا لبثوا في كهفهم- ثم رد الله عليهم بقوله قل الله اعلم بما لبثوا- والاول أصح واما قوله قل الله اعلم بما لبثوا معناه ان الأمر في مدة لبثهم كما ذكرنا فان نازعوا في فيها فاجبهم قل الله اعلم منكم بما لبثوا وقد اخبر بمدة لبثهم- وقيل ان اهل الكتاب قالوا ان المدة من وقت دخولهم الكهف الى زمن النبي ﷺ وهذه- فرد الله عليهم وقال قل الله اعلم بما لبثوا يعنى بعد قبض أرواحهم الى يومنا هذا مضى زمان الله اعلم به ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ قرأ حمزة والكسائي بالاضافة بغير تنوين على مائة- على وضع الجمع في التميز موضع المفرد كما في قوله الأخسرين أعمالا- قال الفراء من العرب من يضع سنين موضع سنة- وقرأ الباقون ثلاثمائة بالتنوين فسنين على هذا بدل من ثلاثمائة او عطف بيان- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس وابن جرير عن الضحاك قالا نزلت ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة فقيل يا رسول الله سنين أم شهورا فانزل الله تعالى سنين وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قال الكلبي قالت نصارى نجران اما ثلاث مائة فقد عرفنا واما التسع فلا علم لنا به فنزلت.
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وقال البغوي روى عن علّى عليه السّلام انه قال عند اهل الكتاب انهم لبثوا ثلاث مائة سنة شمسية والله تعالى ذكر ثلاث مائة قمرية والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة سنة ثلاث سنين فيكون في ثلاث مائة تسع سنين فلذلك قال وازدادوا تسعا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى مختص به تعالى ما غاب من غيره في السموات والأرض أَبْصِرْ بِهِ اى بالله تعالى وَأَسْمِعْ ذكر كماله تعالى في الابصار والسمع بصيغة التعجب للدلالة على ان امره تعالى في الإدراك خارج عما عليه ادراك السامعين والمبصرين إذ لا يحجبه شيء- ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفى وجلى ما لَهُمْ ما لاهل السموات والأرض مِنْ دُونِهِ اى من دون الله مِنْ وَلِيٍّ ينصرهم ويتولى أمرهم وَلا يُشْرِكُ قال البغوي قرأ ابن عامر لا تشرك بالتاء على الخطاب والنهى ولم يذكر الداني في التيسير خلاف ابن عامر- وقرأ الجمهور بالياء اى لا يشرك الله فِي حُكْمِهِ اى في قضائه او في امره ونهيه أَحَداً (٢٦) منهم ولا يجعل لاحد فيه مدخلا- وقيل الحكم هاهنا بمعنى علم الغيب اى لا يشرك في علم غيبه أحدا- ثم لمّا دل اشتمال القران على قصة اصحاب الكهف من حيث انها من المغيبات بالاضافة الى الرسول ﷺ على انه وحي معجز- امره بان يداوم درسه ويلازم أصحابه فقال.
وَاتْلُ ما
أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ
اى القران واتبع ما فيه ولا تلتفت الى قولهم ايت بقرآن غير هذا او بدّله فانه لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعنى لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره- وقيل معناه لا مغير لما أوعد بكلماته اهل معصية وَلَنْ تَجِدَ أنت يا محمد مِنْ دُونِهِ ان لم تتبع القران مُلْتَحَداً (٢٧) قال ابن عباس حرزا وقال الحسن مدخلا وقيل مهربا وأصله من الميل-.
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ يا محمد اى احبسها وثبتها- قال البغوي هذه الاية نزلت في عيينة بن حصير الفزاري اتى النبي ﷺ قبل ان يسلم- وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان وعليه شملة قد عرق فيها ويبده خرصة يشقها ثم ينسجها- قال عيينة للنبى ﷺ اما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر واشرافها فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك او اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا- فانزل الله تعالى واصبر نفسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ قرأ ابن عامر بضم الغين وسكون الدال وواو مفتوحة- والباقون بفتح الغين والدال والف بعدها وَالْعَشِيِّ اى في جميع أوقاتهم او في طرفى النهار يُرِيدُونَ بعبادتهم إياه وَجْهَهُ لفظ الوجه مقحم كما في قوله تعالى ويبقى وجه ربّك- والمعنى يريدون الله لا شيئا اخر من الدنيا والاخرة- قال قتادة نزلت في اصحاب الصفة وكانوا سبع مائة رجل فقراء في مسجد رسول الله ﷺ لا يرجعون الى زرع ولا ضرع ولا تجارة- يصلون صلوة وينتظرون اخرى- فلما نزلت لهذه الاية قال النبي ﷺ الحمد لله الّذي جعل في أمتي من امر ربّى ان اصبر معهم- وقد ذكرنا بعض ما ورد في سبب نزول هذه الاية في سورة الانعام في تفسير قوله تعالى ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم الاية وَلا تَعْدُ اى لا تصرف عَيْناكَ عَنْهُمْ الى غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من الكاف اى تصرف عيناك حال كونك تطلب مجالسة الأغنياء ومصاحبة اهل الزينة من الدنيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قال البغوي يعنى عيينة بن حصين- وقيل امية بن خلف اخرج ابن مردوية من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الاية قال نزلت في امية بن خلف الجمحي- وذلك انه دعا النبي ﷺ الى امر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد اهل مكة فنزلت- واخرج ابن ابى حاتم عن الربيع قال حدثنا ان النبي ﷺ تصدّى لامية بن خلف وهوساه غافل
عما يقال له فنزلت- واخرج ابن بريدة قال دخل عيينة بن حصين على النبي ﷺ وعنده سلمان فقال عيينة إذا نحن اتيناك فاخرج هذا فنزلت ولا تطع من أغفلنا قلبه اى جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا وَاتَّبَعَ هَواهُ فى دعائك الى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش- وفيه تنبيه على ان الداعي له الى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن ذكر الله سبحانه- وانهما له في لذات الدنيا- حتى خفى عليه ان الشرف بتزكية النفس عن الرذائل وتصفية القلب وتنويرها بنور المعرفة لا بزينة الجسد وانه من أطاعه كان مثله في الغفلة والغباوة- والمعتزلة لما لم يجوّزوا نسبة الاغفال الى الله تعالى قالوا معنى أغفلنا وجدناه غافلا او نسبناه الى الغفلة او هو من قبيل اغفل ابله اى تركها بغير سمة- واهل السنة السنية جعلوا مجموع النسبتين في قوله تعالى أغفلنا وقوله واتّبع هويه دليلا على الأمر بين الامرين لاجبر ولا تفويض وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) قال البغوي قال قتادة ومجاهد اى ضياعا- وقيل معناه ضيع امره وعطل أيامه- وقيل ندما وقال مقاتل بن حبان سرفا- وقال الفراء منزوكا- وقيل باطلا- وقيل مخالفا للحق- وقال الأخفش مجاوزا للحد- وقال البيضاوي متقدما على الحق تاركا له وراء ظهره- يقال فرس فرط اى متقدما للخيل ومنه الفرط.
وَقُلِ يا محمد الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ مبتدأ وخبر يعنى الحق ما حقه الله لا ما يقتضيه الهوى ويجوز ان يكون الحق خبر مبتدأ محذوف ومن ربكم حالا يعنى الإسلام او القران هو الحق كائنا من ربكم فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ صيغة تخيير استعمل للتهديد والوعيد كانه جواب لما قال عيينة للنبى ﷺ اما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر واشرافها فان اسلمنا اسلم الناس وما يمنعنا عن اتباعك الا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك ومعناه الحق كائن من ربك والله يأمر بصبر النفس والمجالسة مع هؤلاء وينهى عن طردهم فان شئتم أمنوا وان شئتم فاكفروا لا أبالي بايمان من أمن منكم ولا بكفر من كفر منكم- فان نفع الايمان ومضرة الكفر انما يعود إليكم إِنَّا أَعْتَدْنا هيّئنا لِلظَّالِمِينَ اى الكافرين ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها السرادق الحجرة يطيف بالفساطيط قال في النهاية هو كل ما أحاط بشيء من حائط او مضرب او خباء- قالوا هو لفظ مفرد معرب إذ ليس في كلامهم اسم مفرد ثالثه الف وبعده حرفان وجاز ان يكون جمع سردق- روى احمد والترمذي والحاكم وصححه عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال سرادق النار اربعة جدر كثف كل جدار أربعين سنة- قال البغوي قال ابن عباس هو حائط من نار- وقال الكلبي هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحضيرة- وقيل دخان يحيط بالكفار وهو الّذي ذكره الله انطلقوا الى ظلّ ذى ثلث شعب وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا بشدة العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ اخرج احمد والترمذي وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ في قوله تعالى بماء كالمهل قال كعكر الزيت فاذا قرب اليه سقطت فروة وجهه فيه- وروى احمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن جرير وابن ابى حاتم وابن المنذر وابن ابى الدنيا في صفة النار والبيهقي عن ابى امامة عن النبي ﷺ في قوله تعالى ويسقى من ماء صديد يتجرّعه قال يقرب فيستكرهه فاذ ادنى منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه فاذا شربه قطّع امعاءه حتى يخرج من دبره- فيقول وسقوا ماء حميما فقطّع أمعاءهم- وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه- واخرج ابن ابى حاتم من طريق ابى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى بماء كالمهل قال اسود كعكر الزيت- وقال البغوي قال ابن عباس هو ماء غليظ مثل دردى الزيت وقال مجاهد هو القيح والدم- وسئل ابن مسعود عن المهل فدعا بذهب وفضة وأوقد عليهما النار حتى ذابا ثم قال هذا أشبه شيء بالمهل يَشْوِي الْوُجُوهَ اى إذا قدم يشويها من فرط حرازته- وهو صفة ثانية لماء او حال من المهل او من الضمير في كاف التشبيه بِئْسَ الشَّرابُ المهل وَساءَتْ النار مُرْتَفَقاً (٢٩) قال ابن عباس منزلا- وقال مجاهد مجتمعا- وقال عطاء مقرّا وقال القتيبى مجلسا واصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد فالمعنى متكئا ومستراحا وجئ به لمقابلة قوله حسنت مرتفقا والا فاى ارتفاق لاهل النار-.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) خبر ان الاولى هى الثانية بما في حيزها- والراجع محذوف تقديره من احسن عملا منهم- او مستغنى عنه لعموم من احسن عملا- كما هو مستغنى عنه في قولك نعم الرجل زيد- او واقع موقعه الظاهر فان من احسن عملا لا يحسن إطلاقه الا على الذين أمنوا وعملوا الصّالحات.
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ اى اقامة يقال عدن الماء بالمكان إذا اقام به سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ
الْأَنْهارُ
جملة أولئك استيناف لبيان الاجر- ويحتمل ان يكون هذا خبرا لانّ الاولى ويكون ان الثانية مع ما في حيزها اعتراضا- او يكون هذا خبرا ثانيا يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ جمع اسورة او أسوار في جمع سوار ومن للابتداء مِنْ ذَهَبٍ صفة لاساور ومن للبيان- والتنكير في أساور وذهب لتعظيم حسنها من الإحاطة به- اخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لو ان ادنى اهل الجنة حلية عدلت بحلية اهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله تعالى به في الاخرة أفضل من حلية اهل الدنيا جميعا واخرج ابو الشيخ في العظمة عن كعب الأحبار قال ان لله ملكا يصوغ حلى اهل الجنة من أول خلفه الى ان تقوم الساعة- ولو ان حليّا اخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً اخرج ابن السنى وابو نعيم كلاهما في طب النبي ﷺ عن انس قال كان أحب الألوان الى رسول الله ﷺ الخضرة مِنْ سُنْدُسٍ وهو مارق من الديباج وَإِسْتَبْرَقٍ وهو ما غلظ منه- قال البغوي معنى الغلظ في ثياب الجنة أحكامه- وعن عمر الحربي قال السندس هو الديباج المنسوج بالذهب- اخرج النسائي والطيالسي والبزار والبيهقي بسند حسن عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول الله أخبرنا عن ثياب اهل الجنة.... اخلق يخلق أم سيج يسج- فضحك بعض القوم فقال رسول الله ﷺ ممّ نضحكون من جاهل يسئل عالما- ثم قال بل ينشق عنها ثم الجنة مرتين- واخرج البزار وابو يعلى والطبراني من حديث جابر بسند صحيح عن ابى الخير مرثد بن عبد الله قال في الجنة شجرة ينبت السندس يكون ثياب اهل الجنة مُتَّكِئِينَ فِيها اى في الجنة خص بالذكر هيئة الاتكاء لكونها هيئة المتنبعين والمملوك على الاسرة عَلَى الْأَرائِكِ وهى السر في الحجال واحدتها اريكة- اخرج البيهقي عن ابن عباس في هذه الاية قال لا يكون الأرائك حتى يكون السرير في الحجلة- فان كان سرير بغير حجلة لا تكون اريكة وان كان حجلة بغير سرير لا تكون اريكة فاذا اجتمعا كانت اريكة واخرج البيهقي عن مجاهد قال الأرائك من لؤلؤ وياقوت نِعْمَ الثَّوابُ اى نعم الجزاء الجنة ونعيمها وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) اى حسنت الجنات مجلسا ومقرّا- او حسنت الأرائك متكا.
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ الاية- قال البغوي قيل نزلت في أخوين من اهل مكة من بنى مخزوم أحدهما مؤمن وهو ابو سلمة
32
عبد الله بن عبد الأسود بن عبد يا ليل روكان زوج أم سلمة قبل النبي ﷺ والاخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسود بن عبد يا ليل وقيل هذا مثل لعيينة بن حصين وأصحابه مع سلمان وأصحابه- وشبّههما برجلين من بنى إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهودا في قول ابن عباس وقال مقاتل تمليخا- والاخر كافر واسمه قطروس وقال وهب قطفر- وهما اللذان وصفهما الله في سورة والصافات وكان قصتهما على ما حكى عبد الله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراسانى قال كان رجلان مشريكين لهما ثمانية آلاف دينار- وقيل كانا أخوين ورثا أباهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فعمد أحدهما فاشترى أرضا بألف دينار فقال صاحبه اللهم ان فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار فانى اشتريت منك في الجنة أرضا بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم ان صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال اللهم ان فلانا بنى دارا بألف دينار فانى اشترى منك دارا بألف دينار في الجنة فتصدق بألف دينار ثم تزوج صاحبه امرأة فانفق عليها الف دينار فقال هذا المؤمن اللهم انى اخطب إليك من نساء اهل الجنة بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم اشترى صاحبه خدما ومتاعا بألف دينار فقال هذا اللهم انى اشترى منك خدما ومتاعا بألف دينار فتصدق بألف دينار- ثم انه «١» أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبى لعله ينالنى منه بمعروف فجلس على طريقه حتى مرّ به في حشمه فقام اليه فنظر اليه الاخر فعرفه فقال فلان قال نعم قال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فاتيت لتصيبنى بخير- فقال ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالا وأخذت شطره فقص «٢» عليه القصة فقال انك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئا فطرده- فقضى لهما ان توفيا فنزل فيهما فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم انّى كان لى قرين يقول أإنّك لمن المصدّقين «٣».
وروى انه لما اتى فاخذ بيده وجعل يطوف به ويريه اموال نفسه فنزل فيهما واضرب لهم اى للكافرين والمؤمنين مثلا رّجلين اى مثل رجلين يعنى حال رجلين مقدرين او موجودين في زمن النبي ﷺ او في الزمان السابق- فرجلين بحذف المضاف بدل من مثل وما بعده تفسير للمثل جَعَلْنا لِأَحَدِهِما اى للكافر منهما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ اى بستانين من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل او صفة لرجلين وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ اى جعلنا الجنتين محفوفتين اى محاطتين بنخل يعنى جعلنا النحلة محيطة بها- يقال حفه القوم إذا احاطوا به-
(١) وفي الأصل ثم ان صاحبة أصابته ١٢
(٢) وفي الأصل فقصه عليه قصة ١٢
(٣) وفي الأصل انك لمصدقين ١٢
33
حففته بهم اى جعلتهم حافين حوله محيطين به- فيزيد الباء كقولك غشيته وغشيت به وَجَعَلْنا بَيْنَهُما اى وسط الجنتين زَرْعاً (٣٢) يعنى لم يكن بين الجنتين موضع خراب وكانت الجنتان جامعتين للاقوات والفواله على الشكل والترتيب الأنيق.
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ اى اعطت أُكُلَها اى ثمرها أفرد الضمير لافراد لفظ كلتا وَلَمْ تَظْلِمْ اى لم تنقص مِنْهُ اى من أكلها شَيْئاً يعهد في سائر البساتين فان الثمار يتم في عام وينقص في عام غالبا وَفَجَّرْنا قرأ يعقوب «١» بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها- اى شققنا وأخرجنا خِلالَهُما اى وسطها نَهَراً (٣٣) ليدوم شربها ويبقى زهرتها.
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قرأ عاصم بفتح الثاء والميم وابو عمرو بضم الثاء واسكان الميم- والباقون بضمهما وكذلك في قوله وأحبط بثمره- قال الأزهري الثمرة تجمع على ثمر يعنى بفتح الثاء والميم- ويجمع الثمر على ثمار ثم يجمع الثمار على ثمر بالضمتين- وفي القاموس الثمرة محركة حمل الشجر وانواع المال- الواحدة ثمره وثمرة وجمعه ثمار وجمع الجمع ثمر وجمع جمع الجمع اثمار والذهب والفضة والنسل والولد- قيل المراد انه كان لصاحب البساتين ثمر اى انواع من المال سوى الجنتين كثيرة مثمرة من ثمر ماله إذا كثر- وقال مجاهد يعنى ذهب وفضة وقال البغوي من قرأ بفتح الثاء فهى جمع ثمرة وما يخرجه الشجر من الثمار الماكولة ومن قرأ بالضم فهى الأموال الكثيرة المثمرة فَقالَ صاحب البستانين لِصاحِبِهِ الفقير المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ اى يراجعه في الكلام من حاور إذا راجع أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) اى حشما وأعوانا وقيل أولادا ذكورا- لانهم الذين ينفرون معه يدل عليه قوله ان ترن انا أقلّ منك مالا وولدا.
وَدَخَلَ الكافر جَنَّتَهُ بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها- وافراد الجنة لان الدخول يكون في واحدة واحدة- او لاتصال كل واحدة من جنتيه بالأخرى- او سماهما جنة لاتحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما- أو لأن المراد ما هو جنته الّتي منعته من جنة الخلد الّتي وعد المتقون وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ اى ضار لها لعجبه وكفره قالَ ما أَظُنُّ ان تَبِيدَ اى تفنى هذِهِ الجنة أَبَداً (٣٥) لطول أمله وتمادى غفلته واغتراره بمهلته- لعل المراد انه زعم انه لا يزال له الغنى والمال والجنتان ما دام حيّا- والا فليس من عاقل مومنا كان او كافرا يعلم انه لا يموت ويبقى حيا ابدا- او المراد انه قال ذلك بلسان الحال فان الغافلين المنهمكين في الدنيا
(١) هذا ليس بشيء لان يعقوب قرا بالتشديد كالجمهور- والتخفيف مذهب الأعمش- ابو محمد عفا الله عنه
ولذاتها يأملون آمالا ويعملون أعمالا كانهم لا يموتون ابدا. فكانّهم يقولون ذلك بلسان الحال.
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى كائنة قاله ذلك لكونه كافرا منكرا للبعث- ثم قال على تقدير التنزل وفرض البعث وَلَئِنْ رُدِدْتُ بعد الموت والبعث إِلى رَبِّي كما زعمت لَأَجِدَنَّ فى الاخرة خَيْراً مِنْها قرأ اهل البصرة والكوفة بافراد الضمير اى من الجنة الّتي دخلها وقرأ الحجازيان والشامي منهما بتثنية الضمير وكذلك هو في مصاحفهم يعنى خيرا من الجنتين مُنْقَلَباً (٣٦) اى مرجعا وعاقبة- انما قال ذلك لاعتقاده ان الله تعالى انما أعطاه ما أعطاه في الدنيا لكرامته على الله واستحقاقه ذلك-.
قالَ لَهُ اى للكافر صاحِبُهُ المسلم وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ لانه اصل مادتك او مادة أصلك آدم عليه السّلام ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ فانها مادتك القريبة ثُمَّ سَوَّاكَ عدلك وكملك إنسانا رَجُلًا (٣٧) ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفرا بالله تعالى لان انكار البعث منشأه الشك في كمال قدرة الله ولذلك؟؟؟ رتب الإنكار على خلقه إياه من تراب- فانه من قدر على بدء خلقه من التراب قادر على ان يعيده منه.
لكِنَّا قرأ الجمهور بالألف وقفا تبعا للخط وبلا الف وصلا- لان أصله لكن انا فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان وادغمتا وبقي الالف في الخط فيقرأ الالف وقفا كما يقرأ وقفا في انا- ولا يقرأ وصلا كما لا يقرأ في انا وصلا- وقرأ ابن عامر ويعقوب بالألف في الوصل ايضا لتعويضها من الهمزة او لاجراء الوصل مجرى الوقف هُوَ اللَّهُ رَبِّي هو ضمير الشان والجملة خبره- وجاز ان يكون هو ضمير الله والله بدله وربّى خبره وجملة هو الله ربّى مفعول لفعل محذوف تقديره أقول هو الله ربّى- وجملة أقول خبرانا والراجع ضمير أقول والدليل على تقدير أقول عطف قوله وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَحَداً (٣٨) والاستدراك من اكفرت كانه قال أنت كافر بالله لكنى مؤمن موحد كما يقال زيد غائب لكن عمروا حاضر- قال البغوي قال الكسائي فيه تقديم وتأخير مجازه لكن الله هو ربّى وعلى هذا الالف في لكنّا زائد في رسم الخط على خلاف القياس-.
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ يعنى هلّا قلت عند دخولها ما شاءَ اللَّهُ اى الأمر ما شاء الله او ما شاء الله كائن على ان ما موصولة- او اى شيء شاء الله كان على انها شرطية والجواب محذوف اقرار بانها وما فيها
بمشية الله ان شاء أبقاها وان شاء أتلفها لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ يعنى هلّا قلت اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله يعنى لا اقدر على حفظها الا بمعونته الله- وان ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونته وأقداره- روى البيهقي في شعب الايمان من حديث انس عن النبي ﷺ قال من رأى شيئا فاعجبه قال ما شاء الله لا قوّة الّا بالله لم يضره- وكذا روى ابن السنّى عنه بلفظ لم يضره العين وقال البغوي روى عن هشام بن عروة عن أبيه انه كان إذا راى من ماله شيئا يعجبه او دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوّة الّا بالله- ثم قال المؤمن إِنْ تَرَنِ اثبت الياء في الوصل فقط قالون وابو عمرو وفي الحالين ابن كثير- والباقون يحذفونها في الحالين أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً
(٣٩) انا ضمير فصل- او تأكيد للمفعول الاول- وقرئ أقلّ بالرفع على انه خبر انا والجملة مفعول ثان لترن.
فَعَسى رَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَنْ يُؤْتِيَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والباقون يحذفونها في الحالين اى يعطنى في الدنيا والاخرة خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وهو جواب الشرط وَيُرْسِلَ عَلَيْها اى على جنتك لاجل كفرك حُسْباناً مِنَ السَّماءِ قال قتادة عذابا- وقال ابن عباس نارا- وقال القتيبي مرامى- وقال البيضاوي وجمع حسبانة وهى الصواعق قيل هو مصدر بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها او عذاب الأعمال السيئة بحسابها فَتُصْبِحَ الجنة صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) اى أرضا ملسا تزلق عليها الاقدام باستيصال بناتها وأشجارها- وقال مجاهد رملا هائلا.
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً اى غائرا ذاهبا في الأرض- مصدر يوصف به كالزلق فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ اى للماء الغائر الذاهب في الأرض طَلَباً (٤١) اى ترددا في رده فضلا من رده-.
وَأُحِيطَ اى أحاط العذاب بِثَمَرِهِ اى ثمر جنته او أمواله اى أهلكها من حيث لم يتوقعه صاحبه- وهو مأخوذ من احاطته العدو- فانه إذا أحاط به غلبه وأهلكه فَأَصْبَحَ صاحبها الكافر يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ اى يصفق بيده على الاخرى- او يقلّب كفّيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا عَلى ما أَنْفَقَ من المال فِيها اى في عملوة الجنة- وهو متعلق بيقلب لان تقليب الكف كناية عن الندم- فكانه قال فاصبح يندم على ما أنفق- او حال اى متحسرا على ما أنفق فيها وَهِيَ اى الجنة خاوِيَةٌ ساقطة عَلى عُرُوشِها بان سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم على العروش وَيَقُولُ
ذلك الكافر عطف على يقلّب- والظاهر عندى ان معنى الاية وأصبح الكافر يقلب كفيه في الدنيا حين راى بستانها خاوية- ويقول يوم القيامة او في القبر حين يرى منزله من الجنة أبدلت بمنزله من النار يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَحَداً (٤٢) فى الدنيا.
وَلَمْ تَكُنْ قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية- لان تأنيث الفاعل غير حقيقى لَهُ فِئَةٌ اى جماعة يَنْصُرُونَهُ يقدرون على نصره بدفع العذاب يوم القيامة أورد المهلك والإتيان بمثله في الدنيا مِنْ دُونِ اللَّهِ فانه القادر على ذلك وحده لكنه لم ينصره لكفره وَما كانَ ذلك الكافر مُنْتَصِراً (٤٣) بقوته عن انتقام الله منه.
هُنالِكَ اى في ذلك المقام والحال يعنى حين يبعث يوم القيامة الْوَلايَةُ قرأ الحمزة والكسائي بكسر الواو يعنى السلطان والباقون بفتح الواو بمعنى الموالاة والنصرة كقوله تعالى الله ولىّ الّذين أمنوا- وقيل بالفتح الربوبية وبالكسر الامارة لِلَّهِ الْحَقِّ قرأ ابو عمرو والكسائي الحقّ بالرفع على انه صفة للولاية ويؤيده قراءة أبيّ هنا لك الولاية الحقّ لله- او خبر مبتدأ محذوف اى هو الحق- والباقون بالجر على انه صفة لله كقوله تعالى ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وجاز ان يكون قوله يليتنى لم أشرك بربّى أحدا صادرا من الكافر في الدنيا ندما وتوبة من الشرك- او اضطرارا وجزعا حين تذكّر موعظة أخيه وزعم ان ما أصابه أصابه لاجل الشرك فامن او لم يؤمن- ويكون هذا القول منه كقولهم فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- ومعنى قوله هنا لك اى في ذلك المقام والحال اى حال الجزع زعم ان الولاية لله الْحَقِّ هُوَ اى الله سبحانه خَيْرٌ ثَواباً اى أفضل جزاء لاهل طاعته من غيره فانه تعالى يثيبهم في الدنيا على حسب حكمته وفي الاخرة ثوابا قويّا مؤيدا بخلاف غيره فانهم يثيبون في الدنيا ان شاء الله تعالى اثابة حقيرة فانية فحسب وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤) قرأ عاصم وحمزة بسكون القاف والباقون بضمها والعقبى هو الجزاء فانه يعقب الطاعة-.
وَاضْرِبْ يا محمد لَهُمْ اى لقومك مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا اى اذكر لهم صفة الحيوة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها او صفتها الغريبة كَماءٍ اى هو كماء ويجوز ان يكون مفعولا ثانيا لا ضرب على انه بمعنى صير أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ اى فالتفت بسبب ذلك الماء نبات الأرض وخالط بعضه بعضا لكثرته وتكاثفه- او اثر في النبات الماء فاختلط النبات بالماء حتى روى وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض- لكن لما كان كل من
المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته فَأَصْبَحَ اى صار النبات عن قريب هَشِيماً وهو ما يبلس وتفتت من النبات تَذْرُوهُ الرِّياحُ قال ابو عبيدة تفرقه- والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة وهى حال النبات المتبت بالماء يكون وارفا ثم هشيما تطيّره الرياح فيصير كان لم يكن وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإنشاء والافناء وغير ذلك مُقْتَدِراً (٤٥).
الْمالُ وَالْبَنُونَ الّذي يفتخر بها عيينة وأشباهه الأغنياء... زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يتزين بها الإنسان في دنياه ويفني عن قريب- وليست هى من زاد الاخرة وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ يعنى الأعمال الصالحة الّتي يبقى ثمرها ابد الآبدين خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ من المال والبنين ثَواباً عائدة وَخَيْرٌ أَمَلًا (٤٦) اى ما يأمله الإنسان- قال البغوي قال على بن ابى طالب رضي الله عنه المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الاخرة- وقد يجمعها الله لا قوام- قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر- وعن ابى سعيد الخدري ان رسول الله ﷺ وقال استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هى يا رسول الله قال التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ولا حول ولا قوة الا بالله- رواه احمد وابن حبان والحاكم وصححه- وعن جابر قال استكثروا من لا حول ولا قوة الا بالله فانها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضرّ أدناها الهم- رواه العقيلي واخرج من حديث النعمان بن بشير مرفوعا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبرهن الباقيات الصالحات واخرج الطبراني مثله من حديث سعد بن عبادة- وكذا اخرج ابن جرير عن ابى هريرة مرفوعا وعن رجل من الصحابة قال قال رسول الله ﷺ وأفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر- رواه احمد وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لان أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس رواه مسلم والترمذي- وقال سعيد بن جبير ومسروق وابراهيم الباقيات الصالحات هى الصلاة الخمس ويروى هذا عن ابن عباس- وعنه رواية اخرى انها الأعمال الصالحة وهو قول قتادة.
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ قرأ الكوفيون ونافع بالنون على التكلم وكسر الياء بناء للفاعل ونصب الجبال- والباقون بالتاء وفتح الياء على صيغة التأنيث والبناء للمفعول ورفع الجبال يعنى نقلعها ونذهب بها فنجعلها هباء منبثا ويوم منصوب باذكر او عطفا على عند ربّك اى الباقيات الصّالحات خير عند ربّك ويوم القيامة
وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً اى ظاهرة ليس عليها ما يسترها من شجر او جبل او بناء كذا اخرج ابن ابى حاتم عن قتادة وقال عطاء وهو بروز ما في بطونها من الموتى وغيرها- فيرى باطن الأرض ظاهرا وَحَشَرْناهُمْ اى الناس من القبور أورد بصيغة الماضي بعد نسيّر وترى لتحقيق الحشر- او للدلالة على ان الحشر يكون قبل التسيير والواو حينئذ للحال بتقدير قد فَلَمْ نُغادِرْ يقال غادره وغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء يعنى لم نترك مِنْهُمْ اى من الناس أَحَداً (٤٧) غير محشور.
عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ
تشبيه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم فًّا
اى مصطفّين لا يحجب أحد أحداقَدْ جِئْتُمُونا
يعنى مقولا في حقهم لقد جئتمونا فهو حال من واو عرضوا- وجاز ان يكون لقد جئتمونا عاملا في يوم يوم نسيّرما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
يعنى حفاة عراة غرلا ليس معكم شيء ممّا خوّلناكم في الدنيا اخرج الشيخان في الصحيحين والترمذي في سننه عن ابن عباس قال قام رسول الله ﷺ وقال يا ايها الناس انكم تحشرون الى الله حفاة مشاة عراة غرلا ثم قرا كما بدانا اوّل خلق نعيده- وأول من يكسى في الخلائق ابراهيم عليه السّلام- واخرج الشيخان عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا-.............. الرجال والنساء ينظر بعضهم الى بعض- قال يا عائشة الأمر يومئذ أشد من ذلك- واخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أم سلمة نحوه- وفيه قالت وواسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- فقال شغل الناس قالت ما شغلهم قال نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل- والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا نحوه وفيه قالت زوجته ينظر بعضنا الى عورة بعض- قال يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- والطبراني عن سهل بن سعد نحوه- وعن الحسن بن على عليهما السلام مرفوعا نحوه وفيه قالت زوجته يا رسول الله فكيف يرى بعضنا بعضا- قال ان الابصار شاخصة فرفع بصرة- واخرج الطبراني والبيهقي عن سورة بنت زمعة قالت قال رسول الله ﷺ يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلا قد الجمهم العرق وبلغ شحوم الاذان- قلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا الى بعض- قال شغل الناس عن ذلك لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه- قال القرطبي لا ينافى قوله عراة ما ورد ان الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم- لان ذلك يكون في البرزخ فاذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة- لكن يعارض هذه الأحاديث ما رواه ابو داؤد والحاكم وصححه وابن حبان والبيهقي عن ابى سعيد الخدري انه لما اختصر دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ان الميت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها- وما اخرج ابن ابى الدنيا بسند حسن عن معاذ بن جبل انه دفن امه فامر بها فكفنت في ثياب جدد وقال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يحشرون فيها- وما اخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أحسنوا أكفان موتاكم فانهم يبعثون فيها يوم القيامة- قال القرطبي فبعضهم قال بظاهر هذه الأحاديث- والأكثر حملوا هذه على الشهيد الّذي امر ان يدفن بثيابه الّتي قتل فيها وبها الدم- وان أبا سعيد سمع الحديث في الشهيد فحمله على العموم وقال البيهقي يجمع بان بعضهم يبعث عاريا وبعضهم بثيابه قلت وهذا الجمع حسن وهذه الاية في حق الكفار بدليل قوله تعالى لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
(٤٨) اى وقتا لانجاز الوعد بالبعث والنشور وان الأنبياء عليهم السّلام كذبوكم وكلمة بل هاهنا للخروج من قصة الى اخرى وايضا يدل على ان الحشر عراة مختص بغير الصلحاء قوله ﷺ الابصار شاخصة وقوله لكل امره منهم يومئذ شان يغنيه فانها في حق الكفار وشخص الابصار ايضا من صفتهم وشانهم لاجل الهول دون شان الصلحاء لكن يشكل على هذا قوله ﷺ وأول من يكسى من الخلائق ابراهيم عليه السّلام فانه يدل على كون الأنبياء ايضا عراة في أول الأمر اللهم الا ان يقال يكسى الصلحاء في قبورهم قبل الخروج منها بحلل الكرامة وأول من يكسى منهم ابراهيم وحمل بعضهم حديث ان الميت يبعث في ثيابه على العمل الصالح لقوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير.
وَوُضِعَ الْكِتابُ اللام للجنس والمراد بالكتاب كتب اعمال العباد فانها توضع في أيدي الناس في ايمانهم وشمائلهم او في الميزان او بين يدى الرحمن فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ الذين يعطون كتبهم في شمائلهم مُشْفِقِينَ خائفين مِمَّا فِيهِ اى مما هو مكتوب فيه من الذنوب وَيَقُولُونَ إذا راوها يا وَيْلَتَنا الويل الهلكة ينادون هلكتهم الّتي هلكوا بها من بين المهلكات ومعنى النداء اظهار الجزع وتنبيه المخاطبين على ما نزل بهم مالِ هذَا الْكِتابِ استفهام تعجيب لشانه لا يُغادِرُ اى لا يترك صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً قال ابن عباس الصغيرة التبسم يعنى إذا كان في غير محله والكبيرة القهقهة وقال سعيد بن جبير الصغيرة اللهم والمسيس والقبلة والكبيرة الزنا وانما قالا ذلك على سبيل التمثيل وقد ذكرنا الكبائر في سورة النساء في تفسير قوله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم إِلَّا أَحْصاها اى إلا عدها وأحاط بها المستثنى في محل النصب على انه مفعول ثان للايغادر اى لا يترك
صغيرة ولا كبيرة غير محصاة- عن سهل بن سعد قال قال رسول الله ﷺ إياكم ومحقرات للذنوب فانما مثل مخفرات الذنوب مثل قوم نزلوا بيطن واو فجاء هذا بعود وجاء لهذا بعود فانضجوا خبزتهم وان محقرات الذنوب لموبقات رواه البغوي وروى الطبراني عن سعد بن جنادة قال لمّا فرغ النبي ﷺ من حنين نزلنا فقرأ من الأرض ليس فيها شيء- فقال النبي ﷺ اجمعوا من وجد شيئا فليأت به او من وجد عظما او شيئا فليأت به- قال فما كان الا ساعة حتى جعلناه ركابا فقال النبي ﷺ أترون هذا فكذلك يجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله عزّ وجلّ فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه- وروى النسائي واللفظ له وابن ماجة وصححه ابن حبان عن عائشة ان رسول الله ﷺ قال يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا وروى البخاري عن انس قال انكم لتعملون أعمالا هى ادقّ في أعينكم من الشعر كنا نعدّها على عهد رسول الله ﷺ من الموبقات- وروى احمد مثله بسند صحيح عن ابى سعيد وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً مكتوبا في الصحف او وجد واجزاء ما عملوا حاضرا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) يعنى لا يكتب على العبد من السيئات ما لم يعمل- ولا يزيد في عقابه الملائم لعمله قال رسول الله ﷺ يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضان فجدال ومعاديره واما الثالثة فتطائر الصحف بالأيدي فاخذ بيمينه وأخذ بشماله- أخرجه ابن ماجة عن ابى موسى الأشعري واخرج الترمذي عن ابى هريرة نحوه- واخرج البيهقي عن ابن مسعود موقوفا- قال الحكيم الترمذي الجدال للاعداء يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون انهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر الى آدم والى أنبيائه ويقيم حجته عندهم على الأعداء ثم يبعثهم الى النار- واما العرضة الثالثة للمؤمنين- وهو العرض للمغفرة «١» الا ان يخلوهم فيعاتب مزيد عتابه في تلك الخلوة حتى يذوق وبال الحياء والخجل ثم بغفرانهم ويرضى عنهم- واخرج انس عن النبي ﷺ قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله ريحا فتطيرها بالايمان والشمائل أول خط فيها اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا- واخرج ابن جرير عن قتادة انه قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قاديا في الدنيا- واذكر.
إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كرده في مواضع لكونه مقدمة للامور المقصودة بيانها في تلك المحال- وهاهنا لمّا شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرّر ذلك بانه من سنن إبليس- او لمّا بيّن حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار
(١) وفي الأصل وهو الغرض الا ان يخلوهم-[.....]
41
بها حب الشهوات وتسويل الشيطان- زهّدهم اولا في زخارف الدنيا بانها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها- ثم نفرهم من الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة- وهذا وجه كل تكرير في القران كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار قد او استيناف للتعليل كانه قيل ماله لم يسجد فقيل لانه كان من الجن فَفَسَقَ اى فخرج عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ اى عن امتثال امره وطاعته فيه دليل على انه كان مامورا بالسجود مع الملائكة- والفاء للتسبيب وفيه دليل على ان الملائكة لا يعصون الله ابدا وانما عصى إبليس لانه كان جنيّا في أصله. قال البغوي قال ابن عباس كان إبليس من حى من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم فالاستثنا ومتصل- وقال الحسن كان من الجن ولم يكن من الملائكة فهو اصل الجن كما ان آدم اصل الانس فالاستثناء منقطع وقد مر الكلام في الباب في سورة البقرة- وقول الحسن ان إبليس كان أصلا للجن كما ان آدم اصل للانس بعيد جدا- قال الله تعالى ما خلقت الجنّ والإنس الّا ليعبدون فان هذه الاية وآيات سورة الرحمان وسورة الجن تدل على ان من الجن رجالا مومنين صالحين ومنهم قاسطون كانوا لجهنم حطبا- واما إبليس فهو وذريته أجمعون «١» اعداء الله واعداء أوليائه حيث قال الله تعالى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ هذه الجملة حال والاستفهام للانكار على اتخاذهم اولياء عقيب ظهور العداوة منهم- يعنى تستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتى بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠) يعنى إبليس وذريته بئس البدل عن الله في الولاية للظالمين- قال البغوي روى مجاهد عن الشعبي قال انى قاعد يوما إذا قبل حمال فقال أخبرني هل لابليس زوجة قلت ان ذلك لغير بين ما شهدته ثم ذكرت قول الله عزّ وجلّ افتتّخذونه وذرّيّته اولياء فعلمت انه لا تكون ذرّية الا من زوجة فقلت نعم- قلت قول الشعبي لا تكون ذرية الّا من زوجة مستفاد من قوله تعالى أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ- قال قتادة الشياطين يتوالدون كما يتوالد ابن آدم- وقيل انه يدخل ذنبه في دبره فليبيض فينفلق البيضة عن جماعة من الشياطين- قال مجاهد من ذرية إبليس لاقين وولهان دو هو صاحب الطهارة والصلاة والهفاف ومرة روبه يكنى وزلنبور (وهو صاحب الأسواق يزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلعة) والأعور (وهو صاحب الزنى ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة) ومطوس (وهو صاحب الاخبار الكاذبة يلقيها في أقواه للناس لا يجدون لها أصلا) ويثور (وهو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب) وو اسم وهو الّذي إذا دخل في بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع مالم يرفع او
(١) وفي الأصل أجمعين- ابو محمد عفى عنه-
42
يحسن موضعه- فاذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه) قال الأعمش ربنا دخلت البيت ولم اذكر اسم الله ولم اسلم فرايت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم- ثم اذكر فاقول داسم داسم- وروى عن ابى وابن كعب عن النبي ﷺ انه قال للوضوء شيطان يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء- رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي هذا حديث غريب وليس اسناده بالقوى عند اهل الحديث لاجد خارجة بن مصعب وعن ابى سعيد الخدري ان عثمان بن ابى العاص اتى النبي ﷺ فقال يا رسول الله ان الشيطان قد حال بينى وبين صلاتى وقراءتى يلبسها علىّ فقال رسول الله ﷺ ذلك شيطان يقال لذنوب فاذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا- قال ففعلت ذلك فاذهبه الله عنى رواه مسلم وعن جابر قال قال رسول الله ﷺ ان إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فادناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجئى أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت- وقال الأعمش أراه قال فيلتزمه رواه مسلم-.
ما أَشْهَدْتُهُمْ اى ما أحضرت إبليس وذرّيته- قرأ أبو جعفر ما أشهدنهم بالنون والالف على التعظيم خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ يعنى ما أشهدت بعضهم خلق بعض اى لم نعتضد بهم في خلق الأشياء حتى يستحقوا العبادة والطاعة- فان استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيها يستلزم الاشتراك فيها- ذكر الله سبحانه نفى الاعتضاد اوّلا كناية ثم صرح به فقال وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ اى الشياطين عَضُداً (٥١) اى أنصارا وأعوانا وضع المظهر اى المضلين موضع الضمير ذامّا لهم واستبعادا للاعضاء بهم- وقيل الضمير للمشركين يعنى ما اشهدتهم خلق الأشياء وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو أمنوا تبعهم الناس كما يزعمون- فلا تلتفت الى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فانه لا ينبغى لى ان اعتضد بالمضلين لدينى- وتعضده قراءة من قرأ وما كنت بفتح التاء على الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال الكلبي الضمير في اشهدتهم للملائكة يعنى ما أشهدت الملائكة خلق شيء حتى يعبدوا ويقال الهم بنات الله- وعلى هذا يكون قوله وما كنت متّخذ المضلّين كلام مستأنف ليس فيه وضع المظهر موضع الضمير يعنى ما اعتضدت بالملائكة ولا بالشياطين-.
وَيَوْمَ يَقُولُ قرأ حمزة بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة يعنى يقول الله للكافرين نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انهم شركائى او شفعاؤكم ليمنعوكم من عذابى
واضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ وقيل إبليس وفديته فَدَعَوْهُمْ فنادوهم للاغاثة فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ اى بين الكفار والهتهم مَوْبِقاً (٥٢) اسم مكان يعنى مهلكا يقال أوبقه أي أهلكه كذا قال عطاء والضحاك وقال ابن عباس هو واد في النار وقال مجاهد واد من حميم وقال عكرمة نهر من نار يسيل نارا على حافته حيّات مثل البغال الدّهم وقال ابن الاعرابى كل حاجز بين شيئين فهو موبق وقيل مصدر- وقال الفراء البين الوصل والمعنى وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة نظيره قوله تعالى لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ على قراءة من قرأ بالرفع.
ورئوا المجرمون اى المشركون النَّارَ فَظَنُّوا أيقنوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها مخالطوها واقعون فيها- اخرج احمد عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ في قوله تعالى فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها قال ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة كما لم يعمل في الدنيا وان الكافر ليرى جهنم ويظن انها مواقعه من مسيرة أربعين سنة وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) اى انصرافا او مكانا ينصرفون إليها-.
وَلَقَدْ صَرَّفْنا اى بيّنا بوجوه البيان فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ اى من كل عبارة هى كالمثل في الغرابة ليتذكروا او يتعظوا- وقيل من كل مثل صفة لمحذوف مفعول لصرفنا اى مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٣) قال ابن عباس أراد به النضر بن الحارث وجداله في القرآن وقال الكلبي أراد به ابى بن خلف الجمى وقيل المراد الكفار مطلقا قال الله تعالى ويجادل الّذين كفروا بالباطل- وقيل هو على العموم روى البخاري عن على بن ابى طالب عليه السلام ان رسول الله ﷺ طرقه وفاطمة بنت رسول الله ﷺ ليلة فقال الا تصليان من الليل فقلت يا رسول الله ان أنفسنا بيد الله فاذا شاء ان يبعتنا بعثنا- فاكصرف رسول الله ﷺ حين قلت ذلك ولم يرجع الىّ شيئا- ثم سمعته وهو مولى يضرب فخذه وهو يقول وكان الإنسان اكثر شيء جدلا- وقوله جدلا منصوب على التميز من النسبة والمعنى كان جدل الإنسان اكثر الأشياء-.
وَما مَنَعَ النَّاسَ من أَنْ يُؤْمِنُوا اى من الايمان إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى القران والإسلام والبيان من الله عزّ وجل وقيل انه الرسول ﷺ يعنى بعد وضوح الحق وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ اى ومن الاستغفار مما صدر عنهم فيما سلف من الكفر والمعاصي إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ حذف المضاف وأقيم مضاف اليه مقامه تقديره الّا تقدير
ان تأتيهم سنّة الاوّلين اى سنتنا في الأولين من العذاب المستأصل وقيل تقديره الّا طلب ان تأتيهم سنّة الاوّلين من معائعة العذاب وانتظارهم ذلك- حيث قالوا اللهمّ ان كان هذا هو الحقّ من عندك فامطر علينا حجارة من السّماء أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ اى العذاب في الاخرة قُبُلًا (٥٥) قال ابن عباس اى عيانا من المقابلة وقال مجاهد فجاءة- قرأ اهل الكوفة وابو جعفر بالضمتين والباقون بكسر القاف وفتح الباء وهما لفتان معناهما واحد- وقيل بالضمتين جمع قبيلة اى اصناف العذاب نوعا نوعا وانتصابه على الحال من الضمير او العذاب-.
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ بالثواب والجنة للمؤمنين وَمُنْذِرِينَ بالعذاب والحجيم للكافرين- يعنى ما بعثناهم قادرين على ان يأتوا بما اقترح الكفار من الآيات او قادرين على هداية الخلق كلهم مصيطرين عليهم وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ حيث يقولون ابعث الله بشرا رسولا- ما أنتم الّا بشر مثلنا- لو شاء الله لا نزل ملئكة- لولا نزّل هذا القران على رجل من القريتين عظيم- أيكون ما ذبحتم حلالا وما أماته الله وذبحه بشمشاره خراما ونحو ذلك لِيُدْحِضُوا بِهِ اصل الدحض الزلق والمعنى ليزيلوا بالجدال الباطل الْحَقَّ عن مقره وَاتَّخَذُوا آياتِي المنزلة في القرآن وَما أُنْذِرُوا اى وإنذارهم او الّذي انذروا به من العقاب هُزُواً (٥٦) اى هزوا به قالوا في القرآن لو «١» نشاء لقلنا مثل هذا- يعلّمه بشر- ان هذا الّا أساطير الاوّلين- وقالوا في العذاب لولا يعذّبنا الله بما نقول- وقالوا لذقوم التمر والزبد ونحو ذلك-.
وَمَنْ اى لا أحدا أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ اى وعظ بِآياتِ رَبِّهِ اى آيات القران الّتي اتضح أمرها باعجازها لفظا ومعنا فَأَعْرَضَ عَنْها فلم يتدبر فيها ولم يتذكر بها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ من الأعمال الخبيثة الناشئة من الكفر والعقائد الباطلة فلم يتفكر في عاقبتها إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تعليل لاعراضهم ونسيانهم فان قلوبهم مكنونة مغطاة بظلمات الكفر مطبوع عليها أَنْ يَفْقَهُوهُ اى لئلا يفقهوه واللام المقدرة هاهنا للعاقبة- وافراد الضمير المنصوب وتذكيره معه كونه راجعة الى آيات ربه نظرا الى المعنى فان الآيات هى القرآن يعنى لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذانِهِمْ عطف على قلوبهم يعنى جعلنا في آذانهم وَقْراً اى ثقلا يعنى لم نودع فيها صلاحية استماع الآيات حق استماعها وَإِنْ تَدْعُهُمْ يا محمد إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً اى
(١) وفي الأصل لو شئنا ١٢
إذا كان على قلوبهم اكنة وفي آذانهم وقر أَبَداً (٥٧) لقوات استعداد الاهتداء وهذا في أقوام علم الله فيهم انهم لا يومنون-.
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ البليغ في المغفرة ذُو الرَّحْمَةِ الموصوف بالرحمة لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ استشهاد على مغفرته ورحمته بامهال قريش مع افراطهم في عداوة النبي ﷺ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ اى يوم القيامة ويوم بدر لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ اى لن يجدوا إذا جاء الموعد من دون الله مَوْئِلًا (٥٨) اى منجا وملجا يقال وال إذا نجا ووال اليه إذا نجا اليه.
وَتِلْكَ الْقُرى يعنى قرى الأمم الهالكة من الكفا وقوم نوح وعاد وثمود وأشباههم الموصوف مع الصفة مبتدأ- وخبره أَهْلَكْناهُمْ او مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده ولا بد من تقدير المضاف في الوصف او الصفة حتى يكون مرجعا للضمائر يعنى اصحب تلك القرى او تلك اصحاب القرى أهلكناهم لَمَّا ظَلَمُوا بالكفر وانواع المعاصي كما ظلم كفار قريش وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ قرأ أبو بكر هاهنا وفي الفل بفتح الميم واللام وحفص بفتح الميم وكسر اللام حملا على ما شذّ من مصادر مفعل كالمرجع والمحيض- والباقون بضم الميم وفتح اللام من أهلكه يعنى لهلاكهم او لاهلاكهم مَوْعِداً (٥٩) اى وقتا معلوما لم يستقدموه ولم يستاخروه فكذلك كفار قريش لا يسبقون موعدهم ولا يستاخرون-.
وَاذكر إِذْ قالَ مُوسى بن عمران كما يدل عليه الحديث الصحيح لِفَتاهُ يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف عليه السلام قلت لعل نوثا «١» أبا يوشع يكون من ال إفرائيم لبعد الزمان بينهما لا أَبْرَحُ اى لا أزال أسير فحذف الخير لدلالة حاله عليه وهو السفر ودلالة قوله حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ فانها يقتضى تقدير خبر يكون بلوغ مجمع البحرين غاية له ويجوز ان يكون أصله لا ببرح ميبرى حتى ابلغ فيكون الاسم محذوفا أقيم المضاف اليه مقامه فانقلب الضمير والفعل والخبر حينئذ حتّى ابلغ وان يكون لا أبرح تامة بمعنى لا أزال عما انا عليه من السير والطلب ولا أفارقه فلا يستدعى الخبر- ومجمع البحرين ملتقى بحر الفارس والروم مما يلى المشرق كذا قال قتادة وقال محمد بن كعب طنجه «٢» وقال ابى بن كعب افريقيّة أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) او أسير زمانا طويلا في القاموس الحقبة بالضمتين ثمانون سنة او اكثر والدهر والسنة والسنون وإخراج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس الحقب الدهر- وقال البغوي
(١) وفي الأصل نون بلا تنوين ١٢ الفقير الدهلوي.
(٢) بفتح مهملة وسكون نون فجيم فتهاء بلد بشاطئ مجر المغرب مجمع البحار ١٢ الفقير الدهلوي.
46
قال عبد الله بن عمر الحقب ثمانون سنة وقيل سبعون- أخرجه ابن ابى شيبة وابن المنذر وابن ابى حاتم- يعنى يقع أحد الامرين اما البلوغ مجمع البحرين او مضى الحقب وجاز ان يكون او بمعنى الا ان والمعنى لا أبرح أسير حتى ابلغ الا ان امضى زمانا أتيقن معه فوات المجمع- روى البخاري ومسلم عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ان نوف البكالي يزعم ان موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بنى إسرائيل- فقال ابن عباس- كذب عدو الله حدثنا ابى بن كعب انه سمع رسول الله ﷺ يقول ان موسى قام خطيبا في بنى إسرائيل فسئل اى الناس اعلم قال انا- فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم اليه فاوحى الله اليه ان لى عبدا بمجمع البحرين هو اعلم منك- قال موسى يا رب فكيف لى به قال خذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمة- فاخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخة وو؟؟؟ نا رؤسهما فناما- واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سرابا وامسك الله عنه جرية الماء فصار عليه مثل الطاق- فلمّا استيقظا نسى صاحبه ان يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى اتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا- قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الّذي امره الله به فقال له قتاه ارايت إذ اوينا الى الصّخرة فانّى نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان وان اذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا- قال وكان الحوت لفتاه سربا ولموسى عجبا- فقال موسى ذلك ما كنّا نبغ فارتدّ على اثارهما قصصا قال رجعا يقصان اثارهما حتى انتهيا الى الصخرة- فاذا رجل مسجىّ ثوبا فسلّم عليه موسى فقال الخضر انّى بأرضك السلام قال انا موسى قال موسى بنى إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمن ممّا علّمت رشدا- قال انّك لن تستطيع معى صبرا يا موسى انى على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علّمك الله لا اعلمه- فقال ستجدنى ان شاء الله صابرا ولا اعصى لك امرا قال الخضر فان اتّبعتنى فلا تسئلنى عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا- فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول- فلما ركبا في السفينة لم يفجا الا والخضر قد قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم- فقال موسى قد حملونا بغير نول عمدت الى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرا- قال الم اقل انّك لن تستطيع معى صبرا قال لا تواخذنى بما نسيت هو لا ترهقنى من امرى عسرا- قال وقال رسول الله ﷺ كانت الاولى من موسى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا-
47
قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة- فقال له الخضر ما علمى وعلمك في علم الله لا مثل ما تفص هذا العصفور من هذا البحر- ثم خرجا يمشيان على الساحل إذا بصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فاخذ الخضر برأسه فاقتله بيده فقتله فقال له موسى أقتلت نفسا زكيّة بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا- قال الم اقل لك انّك لن تستطيع معى صبرا- قال وهذه أشد من الاولى- قال ان سالتك عن شيء بعدها فلا تصحبنى قد بلغت من لّدنّى عذرا- فانطلقا حتّى إذ أتيا اهل قرية استطعما أهلها فابوا ان يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقضّ فاقامه الخضر بيده- فقال موسى قوم اتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لتّخذت عليه اجرا- قال هذا فراق بينى وبينك الى قوله ذلك «١» تأويل ما لم تسطع عليه صبرا- قال قال رسول الله ﷺ وددنا ان موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم في تفاسيرهم عن ابن عباس ان موسى سال ربه اى عبادك أحب إليك قال الّذي يذكرنى ولا ينسانى- قال فاىّ عبادك أقضي قال الّذي يقضى بالحق ولا يتبع الهوى. قال فاىّ عبادك اعلم قال الّذي يبتغى علم الناس الى علمه عسى ان يصيب كلمة تدله على هدى وترده عن روى قال ان كان في عبادك اعلم منى فادللنى عليه- قال اعلم منك الخضر قال اين اطلبه قال على ساحل البحر
عند الصخرة- قال كيف لى به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فاخبرنى فذهبا يمشيان.
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما بينهما ظرف أضيف اليه على الاتساع او بمعنى الوصل- وحاصل المعنى فلما بلغا مجموهما يعنى انتهيا الى الصخرة الّتي عند مجمع البحرين كما مرّ في الصحيح وقد موسى فاضطرب الحوت المشوى وعاش وذهب في البحر كما مر في الصحيح ليكون ذلك معجزة لموسى او الخضر وفي الصحيحين وقال سفيان يزعم ناس ان تلك الصخرة عندها عين الحيوة لا يصيب ماؤها شيئا الا عاش ووثب في البحر وقال الكلبي توضّا يوشع بن نون من عين الحيوة فانتضح على الحوت المالح في المكثل من ذلك الماء فعاش ثم وثب في ذلك الماء- فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بشى من الماء وهو ذاهب إلا يبس- فلما استيقظ موسى نَسِيا حُوتَهُما اى نسيا موسى ان يطلبه ويتعرف حاله ويوشع ان يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر وقال البغوي انما كان الحوت مع يوشع وهو الّذي نسيه وأضاف النسيان إليهما لانهما جميعا تزوداه للسفر كما يقال خرج القوم الى موضع كذا وحملوا من الزاد كذا وانما حمله واحد منهم فَاتَّخَذَ اى جعل الحوت يجعل الله تعالى سَبِيلَهُ طريقه
(١) وفي الأصل ذلك ما لم تسطع- ابو محمد عفى عنه-
فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) اى مسلكا ومنه قوله سارب بالنهار وقيل السرب الشق الطويل وقد مر في رواية الصحيح امسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه او من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ-.
فَلَمَّا جاوَزا مجمع البحرين بالسير الى وقت الغداء من اليوم الثاني قالَ موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا اى طعامنا والغداء ما يعد للاكل غدوة والعشاء ما يعد للاكل عشية لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) اى تعبا وشدة وذلك انه القى على موسى الجوع بعد مجاوزة الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع الى مطلبه وقد مرّ في حديث الصحيحين ان موسى لم يجد نصبا حتى جاوز الموعد.
قالَ له قتاة وتذكرّ أَرَأَيْتَ يعنى أخبرني ما انسانى الحوت إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ الّتي رقدنا عندها قال البغوي قال هقل بن زياد هى الصخرة الّتي دون نهر الزيت فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ اى تركته وفقدته وقيل في الاية إضمار تقديره نسيت ان اذكر لك امر الحوت وما رايت منه- قال البغوي وذلك ان يوشع حين راى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى فيخبره فنسى ان يخبره فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد ثم اعتذر وقال وَما أَنْسانِيهُ قرأ حفص بضم الهاء في الوصل وكذا في سورة الفتح في قوله تعالى عليه الله والباقون يكرونها فيهما في الحالين- اى ما انسانى ان اذكر لك امر الحوت إِلَّا الشَّيْطانُ يعنى شغلنى الشيطان بوساوسه ان اذكره لك- قال البيضاوي ولعله نسى لاستغرابه في الاستبصار وانجذاب شراشره الى جناب القدس بما عراه عن مشاهدة الآيات الباهرة وانما نسب الى الشيطان هضما لنفسه- او لان عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الاخر عدّ من نقصان نفسه أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ الحوت سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) سبيلا عجبا فهو صفة لمفعول ثان أقيم مقامه والظرف ظرف لغوا واتخاذا عجيا فهو صفة لمصدر والمفعول الثاني هو الظرف- وقيل هو مصدر فعله المضمر كانه قال في اخر كلامه عجبت عجبا وقيل هذا من قول موسى لما قال له يوشع واتخذ سبيله في البحر قال موسى عجبا اى عجبت عجبا- وقيل ضمير اتخذ راجع الى موسى اى اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا اى يعجب عجبا فهو حال- قال موسى.
ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والكسائي والباقون يحذفونها في الحالين يعنى كنا نطلب ذلك لكونه امارة لمكان الخضر فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما اى رجعا في الطريق الّذي جاءا فيه قَصَصاً (٦٤) يقصان قصصا اى يتبعان
اثارهما اتباعا- او مقتصين حتى أتيا الصخرة.
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على انه الخضر كما ورد في الصحيح واسمه بليا بن ملكان وقيل اليسع وقيل الياس والخضر لقب له- لما روى البغوي بسنده عن همام ابن منبه قال قال رسول الله ﷺ انما سمى الخضر خضرا لانه إذا جلس على فروة «١» بيضاء فاذا هى تهتزّ خضرا وقال مجاهد سمى خضرا لانه إذا صلى اخضرّ ما حوله قال البغوي قيل كان من نسل بنى إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهّدوا في الدنيا- والمختار عندى انه لم يكن من بنى إسرائيل لان موسى كان مبعوثا الى بنى إسرائيل أجمعين فلو كان الخضر منهم لكان من اتباع موسى والظاهر خلافه- وقد مرّ في الحديث الصحيح ان موسى راى الخضر مسيحى بثوب فسلم عليه فقال له الخضر وانّى بأرضك السلام قال انا موسى قال موسى بنى إسرائيل- قال نعم أتيتك لتعلمنى عمّا علّمت رشدا وفي رواية اخرى لقيه مسيحى بثوب مستلقيا على قفاه بعض ثوبه تحت راسه وبعضه تحت رجليه- وفي رواية لقيه وهو يصلى ويروى لقيه على طنفسه «٢» خضراء على كيد «٣» البحر آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هى الوحى والنبوة وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) اى مما يختص بنا ولا يمكن تحصيله الا من لدنا بتوفيقنا وهو علم الذات والصفات قال البغوي لم يكن الخضر نبيّا عند اكثر اهل العلم قلت وهذا عندى محل نظر لان العلم- الحاصل للاولياء بالإلهام وغير ذلك علم ظنى يحتمل الخطاء ولذلك ترى تعارض علومهم الملهمة فلو لم يكن الخضر نبيّا لما جاز له قتل نفس زكية بالهام انه لو عاش لارهق أبويه طغيانا وكفرا.
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ كان حق الكلام جئتك لاتبعك وأصحبك لكن غيّر الأسلوب استيذانا منه في الاتباع والمصاحبة عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ اثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل فقط نافع وابو عمرو والباقون يحذفونها في الحالين يعنى على شرط ان تعلمنى وهو في موضع الحال من الضمير المرفوع او المنصوب من اتبعك مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قرأ ابو عمرو بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء واسكان الشين وهما لغتان كالبخل والبخل ومعناه إصابة الخير وهو مفعول تعلمنى ومفعول علمت العائد محذوف وكلاهما من علم الّذي له مفعول واحد بمعنى عرف ويجوز ان يكون علة لاتبعك او مصدره أبا ضمار فعله وهذه الاية دليل على ان المفضول قد يكون له فضل
(١) الفروة الأرض اليابسة وقيل الهشيم اليابس من النبات ١٢ نهايه سنه رحمه الله.
(٢) طنفسة بكسر الطاء والفاء وبضمها وبكسر الطّاء وفتح الفاء انبساط الّذي له خمل دقيق وجمعه طنافس ١٢ نهايه منه رحمه الله-
(٣) على كبد البحر اى على اوسط موضع من شاطئه اى من جانبه وطرفه ١٢ نهايه منه رحمه الله-
جزئى على من هو أفضل منه وعلى ان الفاضل ينبغى ان يطلب هذه الحصة من الفضل من المفضول ولا يستنكف عنه لما مرّ في تفسير هذه الاية ان موسى سال ربّه اىّ عبادك اعلم قال الّذي ينبغى علم الناس الى علمه عسى ان يصيب كلمة تدله على هدى ويروه عن ردى- وقال رسول الله ﷺ الكلمة»
الحكمة ضالّة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها- رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن ابى هريرة وابن عساكر عن على رضي الله عنهما- ومن هذا الباب الصلاة المأثورة عن النبي ﷺ اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم- قال البغوي في بعض الاخبار انه لمّا قال له موسى ذلك قال له الخضر كفى بالتورية علما وبنى إسرائيل شغلا فقال له موسى ان الله أمرني بهذا وقد راى موسى عليه السلام في هذا الكلام غاية التواضع والأدب واستجهل نفسه واستأذن ان يكون تابعا له وساله ان يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه فحينئذ.
قالَ له الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها صَبْراً (٦٧) نفى الخضر عن موسى استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كانها مما لا يصح ولا يستقيم- وعلّل ذلك واعتذر عنه بقوله.
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) اى علما وخبرا تميزا ومصدر لان لم تحط به معناه لم تخبره وجه ذلك النفي ان الخضر علم انه يرى منه أمورا منكرة ظاهرا ولا يجوز للانبياء ان يصبروا على المنكرات مالم يظهر عليهم وجه جوازها- قلت والسر في ذلك ان شرائع الأنبياء المرسلين الى الأمم مبنية على قواعد كلية موجبة للصلاح الغالب بالنسبة الى العامة- فينبغى ان يكون وجوه صلاحها ظاهرة بالنسبة الى العامة- واما الاحكام الّتي يوحى بها افراد الأنبياء الذين لم يبعثوا الى الأمم بل اوحى إليهم لصلاح أنفسهم او امتثال امور بينهم وبين الله تعالى فان تلك الاحكام تكون غالبا مبنية على حكمات لا يظهر وجه صلاحها على العامة- وذلك وجه انكار موسى على ما اتى به الخضر وبناء على مخالفة المشرب (وكون اتحاد المشرب والانقياد وترك الاعتراض من شرائط الاستفادة) جعل الخضر عدم استطاعته على الصبر علة لعدم إفادة صحبة الخضر إياه- ووضع العلة موضعه كانّه قال صحبتى لا ينفعك فانّك لن تستطيع معى صبرا.
ومن هاهنا قالت الصوفية العالية انه يجب على المريد ترك الاعتراض على الشيخ وان ظهر على يديه منكر ظاهرا بعد ما ثبت عنده انه من اهل الكمال والتكميل فان كان المريد لا يستطيع ذلك لاجل اختلاف المشرب يجب عليه
(١) الكلمة الحكمة هو من باب وجل عدل وروى الكلمة الحكيمة وكلمة الحكمة بالاضافة ١٢ الفقيه الدهلوي.
ترك مصاحبته غير منكر كماله- فان قيل كيف يتصور ذلك في الشريعة الحمدية العامة الشاملة المؤبدة الّتي لا يحتمل النسخ والتبديل قلنا هب الأمر كذلك لا يتصور ان يكون شيء محرما في الدين ليستبيحه «١» أحد فلا يتصور من أحد يدعى الولاية ان يأتى بقتل غلام أبواه مومنان قائلا بان الله تعالى الهمنى انه يرهقهما طغيانا وكفرا- لكن قد يكون شيء مما اختلف فيه اقوال العلماء وكان لصحته وجها مستند الى دليل شرعى كالسماع والجهر بالذكر فمن اتى به من اولياء الله تعالى لا يجوز عليه الإنكار لانه من تقلد عالما لقى الله سالما- وقد يكون شى منكرا ظاهرا وليس هو في الحقيقة كذلك كمن شرب من قارورة ماء مرائيا للناس انه خمر حتى يقل هجوم الخلق عليه ولا يخل؟؟؟؟
وقدر يظهر على يدى رجل من اهل الله سيئة صغيرة وهو يعترف بكونها سيئة- وقد اجمع العلماء على ان العصمة من خواص النبوة- لا يخل صدور معصية بالولاية فحينئذ ايضا لا ينبغى للمريد ان يعترض على شيخه بل ينكر الفعل فلا يأتى به ولا ينكر كمال فاعله بارتكاب وعامة مواد الإنكار على اولياء الله تعالى مقالاتهم المبنية على الكشوف والمشاهدات فتلك المقالات مهما أمكن حملها على محمل صحيح يجب حملها على ذلك قال الله تعالى لولا إذ سمعقوه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا- وان لم يمكن ذلك يحمل تلك المقالات اما على سكر القائل وقد افتى الفقهاء ان السكر إذا حصل بشيء مباح يكون عذر الا يقع طلاقه ونحو ذلك فكيف إذا حصل بغلبة حب الله الّذي هو رأس العبادات واما على عدم فهم السامع مراد القائل وعلى ان القائل أراد من كلامه معنى غير ما يفهم منه ظاهرا فان العبارات مقتصرة على بيان معان محسوسة او معقولة مستنبطة من امور محسوسة فاما ما لا نظير له ولا شبيه من حقائق الذات والصفات إذا تجلت على قلب من له قلب سليم وأراد بيانها ولم يوضع بإزائها ألفاظ- اضطر القائل الى استعارات وتجوزات وتشبيهات غير تامة فلا يجوز للسامع حينئذ ان يحملها على معانيه الظاهرة المخالفة لعقائد اهل السنة حتى ينكر عليه بل يعمل به ما يعمل بالمتشابهات الواردة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- ومن لم يسلك هذا المسلك لا يزيده الا خسارا كما ان القران لا يزيد الظّالمين الّا خسارا- الا ترى انه من سمع الرّحمن على العرش استوى- ويد الله فوق أيديهم فان أنكر كونها قرآنا كفر- وان اعتقد بكونه تعالى جسما كاد يكون كافرا- فكذلك كلام اولياء الله تعالى إذا كان ظاهره مخالفا للشرع لا ينكر عليه ولا يعتقد بظاهره والله اعلم- ولمّا كان موسى عليه السلام شاكا في المصابرة غير واثق من نفسه عليها لم يقطع بذلك واستثنى و.
قالَ
(١) وفي الأصل يستباحه وليس يصحيح ١٢ الفقير الدهلوي-
سَتَجِدُنِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) الجملة معطوفة على صابرا منصوب محلا يعنى صابرا غير عاص او على ستجدنى ولا محل له من الاعراب عاهد موسى عليه السلام على المصابرة لكونها شرطا لافادة الصحبة وقد امره الله تعالى بمصاحبته وشك في إتيانه منه لان الاعتراض والمخالفة كان من لوازم مخالفة المشرب ناشيا منها من غير اختيار منه ولاجل ذلك.
قالَ له الخضر فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي حذف الياء في الحالين ابن ذكون بخلاف عن الأخفش وأثبتها الباقون في الحالين وكذا رسمها وقرأ نافع وابن عامر وابو جعفر بفتح اللام وتشديد النون والآخرون بسكون اللام وتخفيف النون- اتى بالشرط والجزاء للشك والاستبعاد في وقوعه ولم يقل لا تسئلنى عَنْ شَيْءٍ أعمله ممّا تنكره الان لان السؤال مظنة الاعتراض المانع للاستفادة حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) يعنى حتى ابتدئ لك ببيان..
فَانْطَلَقا على الساحل يطلبان السفينة يركبانها فوجدا سفينة فركباها- قال البغوي فقال اهل السفينة هؤلاء لصوص فامروهم بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص ولكنى ارى وجوه الأنبياء- وقد مر في حديث الصحيحين عن ابى بن كعب عن النبي ﷺ انه مرت بهم سفينة فكلموهم ان يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها الخضر قد مر في الصحيحين ان الخضر قلع لوحا من الواح السفينة بالقدوم قالَ له موسى أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها وقد حملونا بغير نول فان خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضى الى غرق أهلها- قرأ حمزة والكسائي ليغرق بفتح الياء التحتانية والراء على صيغة الغائب من المجرد ورفع أهلها بالفاعلية- والباقون بضم التاء الفوقانية وكسر الراء على صيغة المخاطب من الافعال ونصب أهلها على المفعولية لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) اى عظيما من امر الأمر إذ أعظم- وقال البغوي الأمر في كلام العرب الداهية واصل كل شيء شديد كبير- وقال القتيبي اى عجبا- قال البغوي روى ان الخضر أخذ قدحا من زجاج ودقع به محوق السفينة- وقال جلال الدين المحل روى ان الماء لم يدخلها يعنى معجزة للخضر عليه السلام-.
قالَ الخضر أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها- صَبْراً (٧٢) تذكير لما ذكره قبل فلما راى موسى ان الماء لا يدخل من الخرق وانه لم يضر باهل السفينة وتذكر ما عاهد.
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ اى بالذي نسبته او بشيء نسيته
يعنى المعاهدة على ترك الاعتراض او بنسياني إياها- اعتذر بالنسيان- وقيل أراد بالنسيان الترك اى لا تواخذنى بما تركت ووصيتك الاول وفي الحديث الصحيح المذكور عن ابى بن كعب عن النبي ﷺ قال كان الاولى من موسى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا- وقال البغوي قال ابن عباس انه لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكانه نسى شيئا اخر وَلا تُرْهِقْنِي اى لا تكلفنى مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) مشقة بالمضايقة والمؤاخذة يعنى ان ذلك يعسر علّى متابعتك- وعسرا مفعول ثان ليرهق يقال رهقه إذا غشيه وارهقه إياه- وقيل معناه لا تكلفنى مشقة وعاملنى باليسر ولا تعاملنى بالعسر-.
فَانْطَلَقا بعد ما خرجا من السفينة حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً بين غلمان يلعبون قال المفسرون فاخذ الخضر غلاما «١» ظريفا وضيء «٢» الوجه- قال السدىّ كان أحسنهم وجها كان وجهه يتوقد حسنا فَقَتَلَهُ قيل أضجعه ثم ذبحه بالسكين وفي الحديث الصحيح المذكور انه أخذ برأسه فاقتلعه بيده- وروى عبد الرزاق هذا الخبر وأشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه وروى انه رضخ رأسه بالحجارة وقيل ضرب راسه بالجدار- قال ابن عباس كان غلاما لم يبلغ الحلم وهو قول اكثر المفسرين والمستفاد من القران لان الغلام لا يطلق بعد البلوغ- قال ابن عباس لم يكن نبى الله يقول أقتلت نفسا زاكية الا وهو صبى لم يبلغ الحلم- وقال الحسن كان رجلا وقال الكلبي كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجا الى أبويه وقال الضحاك لكان غلاما يعمل بالفساد وتاذّى منه أبواه وفي حديث ابى بن كعب عند مسلم قال قال رسول الله ﷺ ان الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لارهق أبويه طغيانا وكفرا- والفاء في قوله فقتله للتعقيب والدلالة على انه كما لقيه قتله من غير مهلة واستكشاف حال- ولذلك قالَ موسى أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً قرأ الكوفيون وابن عامر بتشديد الياء من غير الف والباقون زاكية بالألف وتخفيف الياء وقال البغوي قال الكسائي والفراء معناهما واحد مثل القاسية والقسيّة وقال ابو عمرو ابن العلاء الزّاكية الّتي لم تذنب قط والزّكيّة الّتي أذنبت ثم تابت بِغَيْرِ نَفْسٍ- اى لم يقتل نفسا وجب عليه القتل بالقصاص يعنى ان القتل لا يجوز الا في حد او قصاص ولم يوجد شيء منها- جعل الله سبحانه في الاولى خرقها جزاء واعتراض موسى عليه السلام مستأنفا وفي الثانية جعل اعتراض موسى جزاء لما قبله من الشرط- لان القتل أقبح والاعتراض عليه ادخل وكان جديرا بان يجعل عمدة الكلام ولذلك عقبه بقوله لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) اى منكرا في الشرع- قرأ نافع ويعقوب وأبو بكر وابن ذكوان نكرا في الموضعين هاهنا وفي الطلاق بضم الكاف والباقون
(١) وصى الوجه اى حسن الوجه والوضاءة الحسن ١٢ منه رح-
(٢) الظريف البليغ جيد الكلام- والظرف في اللسان البلاغة وفي الوجه الحسن وفي القلب الزكاء ١٢ نهاية منه رح
بأسكانها- قال قتادة النّكر أعظم من الأمر لانه حقيقة الهلاك وفي خرق السفينة كان خوف الهلاك وقيل الأمر أعظم لانه كان فيه تغريق جمع كثير-.
قالَ الخضر أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بإسكانها صَبْراً (٧٥) زاد فيه لك مكافحة بالعتاب على رفض العهد مرتين.
قالَ له موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها اى بعد هذه المرة فَلا تُصاحِبْنِي اى فارقنى- قرأ يعقوب «١» فلا تصحبنى بغير الف من الصحبة قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي قرأ نافع وابو جعفر بضم الدال وتخفيف النون وأبو بكر «٢» بإسكان الدال وإشمامها الضم وتخفيف النون والباقون بضم الدال وتشديد النون يعنى من عندى عُذْراً (٧٦) خالفتك ثلاث مرات روى مسلم عن ابى بن كعب قال قال رسول الله ﷺ رحمة الله علينا وعلى موسى (وكذا إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه) لولا انه عجل لرأى العجب ولكنه اخذه من صاحبه «٣» ذمامة فقال ان سالتك عن شيء بعدها فلا تصحبنى قد بلغت «٤» منّى عذرا- وروى ابن مردوية بلفظ رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لا بصرا عجب الا عاجيب.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس يعنى انطاكية وقال ابن سيرين هى الايكة «٥» وهى ابعد الأرض من السماء وقيل برقة وقال البغوي عن ابى هريرة بلدة بالأندلس- اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال البغوي قال ابى بن كعب عن النبي ﷺ حتى أتيا اهل قرية لئام فطافا في المجالس فاستطعماهم فلم يطعموها واستضافاهم ولم يضيفوهما قال قتادة شر القرى الّتي لا تضيف الضيف- قال البغوي وروى عن ابى هريرة قال اطعمتهما امراة من اهل بربر بعد ان طلبا من الرجال فلم يطعموهما- فدعا لنسائهم ولعناد جالهم فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ اى يسقط وهذا من مجاز الكلام لان الجدار لا ارادة له وانما معناه قرب ودنا من السقوط كما يقول العرب دارى تنظر دار فلان إذا كانت تقابلها فَأَقامَهُ قال البغوي روينا عن ابى بن كعب عن النبي صلى الله
(١) والصحيح الثابت المقرو من يعقوب باتفاق الطرق كالجمهور بإثبات الالف بعد الصاد وكسر الحاء الا ما انفرد به هبة الله عن المعدل عن روح بفتح التاء واسكان الصاد وفتح الحاء من غير الف وهو غير ماخوذ لردح واما رويس فلم يذكر عنه خلاف بوجه من الوجوه ابو محمد عفا عنه.
(٢) قرا أبو بكر هاهنا بالوجهين الاول بإسكان الدال مع الإشمام وتخفيف النون كاول السورة وهو الّذي في التيسير والشاطبيه والكافي والتذكرة وجمع الكتب- والثاني باختلاس ضمة الدال مع تخفيف النون والوجهان في جامع البيان وغيره وبالوجهين قرانا وبهما تأخذ- ابو محمد. [.....]
(٣) اخذه من صاحبه عامة اى حياء واشفاق من الذم واللوم ١٢ منه رح.
(٤) وفي القران من لدنّى- ابو محمد عفى عنه.
(٥) هكذا في الأصل وقال ابن كثير والبغوي إنها الايلة وقال في مجمع البحار بضم الهمزة وباء وشده لام بلد قرب البصرة ١٢ الفقير الدهلوي-
عليه وسلم انه قال فقال الخضر بيده فاقامه وقال سعيد بن جبير مسح الجدار بيده فاستقام وروى عن ابن عباس هدمه ثم قعد يبنيه قال السدى بلّ طينا وجعل يبنى الحائط قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ قرأ ابن كثير ويعقوب وابو عمرو لتّخذت بتخفيف التاء وكسر الخاء من المجرد على وزن تبعت يقال تخذ يتخذ على وزن سمع يسمع والباقون بتشديد التاء وفتح الخاء من الافتعال على وزن اتبعت أدغمت تاء الكلمة في تاء الافتعال ومعناهما واحد مثل تبع واتّبع معناه لاخذت وليس من الاخذ عند البصريين كذا قال البيضاوي لان فاءها همزة والهمزة لا تدغم في التاء. وقال الجوهري الاتخاذ افتعال من الاخذ الا انه أدغمت بعد تليين الهمزة وابدال التاء يعنى أبدلت الهمزة بالياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت الياء بالتاء لوقوعها فاء الافتعال نحو السر من اليسر- ثم لما كثر استعماله بلفظ الافتعال توهموا ان التاء اصلية فبنوا منه فعل يفعل قالوا تخذ يتخذ- واهل العربية على خلاف ما قال الجوهري كذا قال الجزري في النهاية عَلَيْهِ اى على بنائه أَجْراً (٧٧) فيه تحريض على أخذ الجعل «١» ليعيشابه وتعريض بان فعله اشتغال بمالا يعنيه- فيه دليل انه اقام الجدار يعنى بناه بمشقة حيث يجوز عليه أخذ الاجر ولو اقامه بالمعجزة لما جاز له أخذ الاجر-.
قالَ الخضر هذا الاعتراض الثالث فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ اى سبب الفراق بيننا لان في هذا الاعتراض مدخلا لهوى «٢» النفس بخلاف الاعتراضين السابقين- فان بناء هما كان على الديانة الصرفة او المعنى هذا الوقت وقت الفراق بيننا لوجود اعتراض منك فيه مدخل لهوى النفس وجاز ان يكون هذا اشارة الى الفراق الوعود بقوله فلا تصحبنى- واضافة الفراق الى البين اضافة المظروف الى الظرف على الاتساع والتجوز- قلت هذه اضافة بمعنى في سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) اى بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا في الظاهر- وكان ماله على الخير والصواب- قال البغوي وفي بعض التفاسير ان موسى أخذ ثبوبه فقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل ان تفارقنى فقال.
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ قال كعب كانت السفينة لعشرة اخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر وفيه دليل على ان المسكين يجوز إطلاقه على من له مال لا يبلغ نصابا ولا يكفيه اولا يكون فاضلا عن حاجته الاصلية يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ اى يواجرون ويكتسبون بها فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها اى ان اجعلها ذات عيب وَكانَ وَراءَهُمْ اى امامهم
(١) هكذا في الأصل وفي التفسير البيضاوي لينتعشا من الافتعال ١٢ الفقير الدهلوي-
(٢) هكذا ما قاله بعض غلاة الصوفية واتبعهم المفسر رحمه الله تعالى ولم يعلموا ان هذا جراة عظيمة على أفضل أنبياء بنى إسرائيل وكليم الله تعالى وصاحب التوراة وقد تفقوه؟؟؟ به من قبل بعض المفسرين ورده في الكشاف بانه لا يليق بجلالتهما وقال في الروح ان الأثر اطروى فيه عن خبر الامة لغلة ليس بصحيح والله تعالى اعلم ١٢ الفقير الدهلوي-
كقوله تعالى من ورائهم جهنّم وقيل ورائهم خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والاول أصح يدل عليه قراؤة ابن عباس وكان امامهم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً (٧٩) قال البغوي كان ابن عباس يقرأ كذلك- فخرقها وعيّبها الخضر حتى لا يأخذها الملك الغاصب وكان اسمه جليدى بن كركر وقال محمد بن إسحاق سولة بن جليد الأزدي وقال شعيب الجبائي اسمه هدد بن بدد- قال البغوي «١» وكان حق النظم ان يتاخر قوله فاردتّ ان أعيبها من قوله وكان ودائهم ملك لان ارادة التعييب مسبب عن خوف الغصب وانما قدم للغاية او لان السبب كان مجموع الامرين خوف الغصب ومسكنة الملاك فرتبه على أقوى الجزئين وادعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتعميم- قال البغوي روى ان الخضر عليه السلام اعتذر الى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون- بخبره- وقال أردت إذا هى مرّت به ان يدعها لعيبها فاذا جاوز اصلحوها فانتفعوا بها قيل سردوها بقارورة وقيل بالقار- قلت لكن رواية الاعتذار يأبى عنه نظم القرآن فانه صريح في ان الخضر بيّن هذه الحكمة لموسى بعد مجاوزته وبعد قتل الغلام وإصلاح الجدار عند الفراق ولو اعتذر الخضر في أول الأمر لاصحاب السفينة لما خفى على موسى لكونه معه ولما احتاج الخضر الى بيان ذلك لموسى والله اعلم-.
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما اى يغشاهما طُغْياناً عليهما وَكُفْراً (٨٠) بعقوقه وسوء صنيعه ويلحقهما شرا وبلاء او يقرن بايمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر- او يعذبهما بغلبته فيرتدا بإضلاله او بممالاته على طغيانه وكفره حبّا- قال سعيد بن جبير خشينا ان يحملهما حبه على ان يتّبعاه على دينه وانما خشى ذلك خضر باعلام من الله بالوحى- اخرج ابن ابى شيبة عن زيد بن هرمز عن ابن عباس ان نجدة الحرودى كتب اليه كيف قتله رقد نهى النبي ﷺ من قتل الولدان فكتب اليه ان علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك ان تقتل يعنى انما نهى النبي ﷺ لعامة المسلمين الذين لا يوحى إليهم حتى يحصل لهم علم من حال الولدان والوحى قد انقطع بعد النبي ﷺ فليس نهى النبي صلى الله.
عليه وسلم متوجها الى خضر وأمثاله- فان قيل مقتضى هذا الكلام ان الله تعالى كان يعلم ان ذلك الغلام ان عاش يكون كافرا طاغيا والمفروض المتحقق ان الغلام لم يعش ولم يكفر ولم يطغ حيث قتله الخضر والعلم يكون
(١) وقد راجعت تفسير البغوي فلم أجد هذا ليه في تفسير هذه الاية «الفقير الدهلوي».
تابعا للمعلوم فلا بد ان يكون للعلم في الخارج مصداق- فكيف يتصور صحة هذا العلم- لا يقال في جوابه ان وجود الأشياء تابع لعلم الله تعالى بخلاف علوم العباد فان العلم هناك تابع للمعلوم مستفاد منه لانا نقول هذا القول لا يجديك نفعا فان العلم سواء كان تابعا للمعلوم او متبوعا له لا بد من مطابقتهما وعدم تخلف أحدهما عن الآخر- فاذا لم يعش الغلام ولم يكفر ظهر عدم تحقق القضية في الواقع فلا يجوز تعلق علم الله بالقضية حتى لا يلزم عدم مطابقة العلم بالواقع والجواب الصحيح الّذي يحسم مادة الشبهة ان صدق الشرطية وتعلق العلم به يقتضى لزوم التالي للمقدم في الواقع- ولا يقتضى وجوده طرفيها فيه الا ترى ان قوله تعالى لو كان فيهما الهة الّا الله لفسدتا صادق والعلم به متحقق مع امتناع المقدم- فمقتضى هذا العلم لزوم كفر الغلام لبقائه بحيث لا يحتمل تخلفه- كما ان صدق قولنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود يقتضى لزوم وجود النهار لطلوع الشمس لا طلوعها ولا وجوده- فان قيل لزوم أحد الشيئين للاخر يقتضى ان يكون أحد الشيئين علة تامة للشيء الاخر- او يكونان كلاهما معلولين لعلة واحدة تامة- فما وجه لزوم كفر الغلام لبقائه- قلنا وجه هذا اللزوم على ما قالت الصوفية العلية رضي الله عنهم ان وجودات الأشياء كلها في الخارج ظلال للاعيان الثابتة الّتي هى ظلال لصفات الله تعالى ولما كانت الأعيان الثابتة كائنة في مرتبة العلم فلذلك قالوا المعلوم تابع للعلم ثم صفات الله تعالى منها راجعة الى كونه تعالى هاديا ومنها راجعة الى كونه تعالى مضلا فالاشياء الّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الهداية ظهور الاهتداء لازم لوجودها لا يمكن ختمها الا على السعادة- والّتي مبادى تعيناتها راجعة الى الضلالة ظهور الشقاوة وختمها عليها لازم لوجودها لا يتصور منها الاهتداء وهذا معنى قوله ﷺ كلّ ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فتسييسر لعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسييسر لعمل اهل الشقاوة- متفق عليه من حديث علىّ رضي الله عنه فمعنى قوله طبع الغلام على الكفر ان مبدء تعينه كان ضلال اسم المضل فموته صغيرا قبل ظهور اثر الضلالة فيه كان أصلح له ولوالديه وكان هذا تفضلا من الله تعالى على والديه لا على ما قالت المعتزلة بوجوب الأصلح على الله سبحانه إذ لو كان كذلك لم يوجد كافر حيث يجب على الله أمانته صغيرا والله اعلم.
فَأَرَدْنا لعل معناه اشتهينا ودعونا الله سبحانه- لان ارادة العبد لا يمكن تعلقه يفعل
الله سبحانه أسند الخضر هاهنا الارادة الى نفسه وايضا الى الله تعالى حيث قال بصيغة الجمع أردنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما لان التبديل باهلاك الغلام وإيجاد الله بدله- والإهلاك وجد بكسب الخضر والإيجاد بخالص صنعه تعالى افصح الإسنادان قرأ ابو جعفر ونافع وابو عمرو بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال ومعناهما واحد- قال البغوي وفرق بعضهم بان التبديل تغيير شيء او تغيير حاله وعين الشيء قائم والابدال دفع شيء ووضع شيء اخر مكانه. قلت وهذا الفرق ليس بشيء إذ لو كان كذلك لما يتصور الجمع بين القرائتين مع كونهما متواترتين بل المراد ان يرزقها ربهما بدله ولدا خَيْراً مِنْهُ زَكاةً اى طهارة من الذنوب والأخلاق الردية وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) قرأ ابن عامر وابو جعفر ويعقوب بضم الحاء الباقون بإسكانها- اى اقرب رحمة وعطفا على والديه وقيل هو من الرحم والقرابة قال قتادة اى أوصل للرحم وابو بوالديه وانتصاب زكوة ورحما على التمييز والعامل اسم التفضيل وهو خير وأقرب- قال البغوي قال الكلبي أبدلهما الله به جارية فتزوجها نبى من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله على يديه امة من الأمم وعن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال أبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا وقال ابن جريج أبدلهما بغلام مسلم- واخرج ابن ابى شبية وابن المنذر وابن ابى حاتم عن عطيّة بلفظ فابدلا جارية ولدت نبيا- واخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله واخرج ابن المنذر من طريق بسطلم بن جميل عن يوسف بن عمر قال أبدلهما الله مكان الغلام جارية ولدت نبيين- وأخرجه «١» البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابى الدرداء عن النبي ﷺ قال مطرف فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتلى ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله تعالى فان قضاء الله المؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب قلت بل فيما يحب العبد او يكره لا بد له ان يخاف مكر الله ويستعيذ منه ويرجو رحمة الله ويطلبه منه ويرضى بقضاء الله ولا يعترض عليه-.
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قال البغوي كان اسمهما اصرم وصويم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من مال كذا قال عكرمة واخرج البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه من حديث ابى الدرداء عن النبي ﷺ انه قال كان ذهبا وفضة واخرج الطبراني عن ابى الدرداء في هذه الاية قال أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغمائم وحرمت علينا الكنوز- قلت لعل معنى حرمت علينا الكنوز ان نكنز الذهب والفضة ولا نؤدى زكوتها فذلك حرام علينا لقوله تعالى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ
(١) وفي الأصل وأخرجه في تاريخه «ابو محمد عفى عنه» -
59
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ- قال ابن عبّاس وابن عمر كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز وان كان مدفونا وكل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز وان لم يكن مدفونا فلعل الزكوة لم تكن واجبة على اهل تلك القرية حينئذ حتى قيل أحلت لهم الكنوز والله اعلم- وقال البغوي روى عن سعيد بن جبير قال كان الكنز صحفا فيها علم واخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما كان ذهبا ولا فضة ولكن صحف علم- واخرج ابن ابى حاتم عن الربيع بن انس نحوه وقال البغوي وروى عن ابن عباس انه قال كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن يوقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا كيف يطمئن إليها لا اله الا الله محمد رسول الله- وفي الجانب الاخر مكتوب انا الله لا اله الا انا وحدي لا شريك لى خلقت الخير والشر فطوبى لمن محلقته وللخير وأجريته على يديه وويل لن خلقته للشر وأجريته على يديه كذا اخرج البزار بسند ضعيف عن ابى ذر مرفوعا اخضر منه وأخرجه الخرائطي في قمع الحرص عن ابن عباس موقوفا وكذا اخرج ابن مردوية من حديث على مرفوعا وأخرجه البزار عن ابى ذر رفعة وقال الزجاج الكنز إذا اطلق يتصرف الى كنز المال وعند التقييد يجوز ان يقال عنده كنز علم وهذا اللوح كان جامعا لهما- وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً قيل كان اسمه كاشح وكان من الأتقياء قال البغوي قال ابن عباس حفظا بصلاح أبيهما يعنى امر الله الخضر لا صلاح الجدار لاجل حفظ الغلامين بصلاح أبيهما قال محمد ابن المنكدر ان الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته واهل دويرات حوله في حفظ الله ما دام فيهم- قال سعيد بن مسيب انى أصلي فاذكر ولدي فازيد في صلاتى- وقيل كان بين الغلامين وبين الأب الصالح سبعة اباء واخرج ابن ابى حاتم من طريق بقية عن سليمان بن سليم ابى سلمة قال مكتوب في التوراة ان الله ليحفظ القرن الى القرن الى سبعة قرون وان الله يهلك القرن الى القرن الى سبعة قرون- وفي الاية دليل على انه حق على المؤمنين السعى والرعاية لذريّات الصلحاء مالم يصدر منهم طغيان وكفر فحينئذ يستحقون زيادة الإيذاء كما يدل عليه اية السابقة امّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما اى يبلغا الحلم وكمال الرشد والقوة قيل ثمانية عشر سنة وعندى انه أربعين سنة لقوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً- والظاهر من مذهب ابى حنيفة رحمه الله انه خمسة وعشرون سنة فانه إذا بلغ السفيه خمسة وعشرين سنة دفع عنده اليه ماله وقد قال الله تعالى
60
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ... وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ منصوب على الحال من فاعل يبلغا اى يبلغا مرحومين من ربّك او على المصدرية او العلية فان ارادة الخير رحمة وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربّك- قال البيضاوي لعل اسناد الارادة اولا الى نفسه يعنى في قوله أردت ان أعيبها لانه هو المباشرة للتعييب وثانيا الى الله والى نفسه يعنى في قوله أردنا ان يّبدلهما ربّهما خير منه زكوة لان التبديل باهلاك الغلام وإيجاد الله بدله- وثالثا الى الله وحده يعنى في هذه الاية لانه لا مدخل له في بلوغ الغلامين- او لان الاول في نفسه شر والثالث خير والثاني ممتزج- او لاختلاف حال العارف في الالتفات الى الوسائط وَما فَعَلْتُهُ اى ما رأيت منى من خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار عَنْ أَمْرِي اى عن رأى انما فعلته بامر الله عزّ وجلّ وعلا ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ حذفت تاء الاستفعال تخفيفا والمعنى مالم تطق عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢) قال البغوي روى ان موسى لما أراد ان يفارقه قال له أوصني- قال لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه لتعمل به- قال البيضاوي ومن فوائد هذه القصة ان لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر الى انكار مالا يستحسنه فلعل فيه سرّا لا يعرفه- قلت لا سيما إذا كان الرجل الّذي راى منه ما لا يستحسنه ذا علم وديانة وانقاء فبالحرى
اى لا ينكر عليه كما ذكرنا آنفا- وان يداوم على التعلّم ويتذلل للمعلم ويراعى الأدب في المقال وان ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه قال البغوي اختلف الناس في ان الخضر عليه السّلام حىّ أم ميت- قيل ان الخضر والياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وكان سبب حياته فيما يحكى به انه شرب من عين الحيوة وذلك ان ذا القرنين دخل الظلمه لطلب عين الحيوة وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل فاغتسل وشرب وصلى شكر الله تعالى واخطأ ذو القرنين الطريق فعاد وذهب الآخرون الى انه مات لقول الله تعالى وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ- وقال النبي ﷺ بعد ما صلى العشاء ليلة اريتكم ليلتكم هذه فان على راس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم حى على ظهر الأرض أحد قلت ذكر صاحب الحصين في التعزية ما روى الحاكم في المستدرك عن انس انه لما توفى رسول الله ﷺ دخل رجل اشهب اللحية جسم صبيح فتخطار قابهم فبكى ثم التفت الى الصحابة رضي الله عنهم فقال ان لله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فالى الله فانيبوا واليه فارغبوا ونظره إليكم في البلاء فانظروا فانما المصاب من لم يجبر. وانصرف فقال أبو بكر وعلىّ هذا الخضر عليه السلام- وقد اشتهر عن اولياء الله ملاقاتهم واستفاداتهم عن الخضر عليه السلام فهذا
61
دليل على حياته- والظاهر ان الخضر عليه السلام لو كان حيّا في زمن النبي ﷺ ما اعتزل عن صحبته فانه كان مبعوثا الى الناس كافة- ولهذا قال عليه السّلام لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعى- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان في حديث جابر وسينزل عيسى بن مريم ويقتدى برجل من المسلمين- كذا روى مسلم في حديث عن ابى هريرة عن جابر ولا يمكن حل هذا الاشكال الّا بكلام المجد للالف الثاني رضي الله عنه فانه حين سئل عن حيوة الخضر عليه السلام ووفاته توجه الى الله سبحانه مستعلما من جنابه عن هذا الأمر- فراى الخضر عليه السلام حاضرا عنده فساله عن حاله فقال انا والياس لسنا من الاحياء لكن الله سبحانه اعطى لارواحنا قوة نتجسد بها ونفعل بها افعال الاحياء من ارشاد الضال واغاثة الملهوف إذا شاء الله وتعليم العلم اللدني وإعطاء النسبة لمن شاء الله تعالى- وجعلنا الله تعالى معينا للقطب المدار من اولياء الله تعالى الّذي جعله الله تعالى مدارا للعالم جعل بقاء العالم ببركة وجوده وإفاضته- وقال الخضران القطب في هذا الزمان في ديار اليمن متبع للشافعى في الفقه- قال فنحن نصلى مع القطب صلوة على مذهب الشافعي فبهذا الكشف الصحيح اجتمع الأقوال وذهب الاشكال والحمد لله الكبير المتعال-.
وَيَسْئَلُونَكَ يعنى اليهود او «١» مشركى مكة امتحانا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قال البغوي اختلفوا في اسمه قيل اسمه مرزبان بن مرزية اليوناني من ولد يافث بن نوح عليه السلام وقيل اسمه إسكندر ابن قبيس بن فيلقوس الرومي قلت وهو الأصح لما اخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن ابى حاتم والشيرازي في الألقاب وابو الشيخ عن وهب بن منبه اليماني وكان له علم بالأحاديث الاولى انه كان يقول كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه الإسكندر- واخرج ابن المنذر عن قتادة قال الإسكندر هو ذو القرنين- قال البغوي واختلفوا في نبوته فقال بعضهم كان نبيا وقال ابو الطفيل سئل علىّ عن ذى القرنين اكان نبيا أم كان ملكا قال لم يكن نبيّا ولا ملكا ولكن كان عبدا احبّ الله فاحبّه الله وناصح الله فناصحه- قلت وكذا اخرج ابن مردوية عن سالم بن ابى الجعد قال سئل على عن ذى القرنين أنبي هو قال سمعت نبيكم ﷺ يقول هو عبد ناصح الله فنصحه «٢» قال البغوي وروى ان عمر سمع رجلا يقول لاخر يا ذو القرنين فقال تسميتم بأسماء الأنبياء فلم ترضوا حتى تسموا بأسماء الملائكة قال والأكثرون على انه كان ملكا عادلا صالحا قال البغوي واختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين قال الزهري لانه بلغ قرنى الشمس مشرقها ومغربها وقيل لانه ملك الروم والفارس وقيل لانه دخل النور والظلمة وقيل لانه رأى في المنام
(١) وفي الأصل مشركوا مكة ١٢ ابو محمد عفى عنه-
(٢) خالد بن سعد ان النبي ﷺ سئل عن ذى القرنين فقال ملك يمسح الأرض من سمحتها بالأسباب ١٢ ازالة الخفا- منه رح.
كانه أخذ بقرني الشمس- وقيل لانه كان له ذوابتان حسنتان وقيل لانه كان له قرنان تواديهما العمامة قلت وكذا اخرج ابن عبد الحكم عن يونس بن عبيد ونحوه الشيرازي في الألقاب عن قتادة وروى ابو الطفيل عن علىّ عليه السلام انه قال سمى ذا القرنين لانه امر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه الايمن فمات فبعثه الله يعنى أحياه ثم أمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأحياه الله- انتهى كلام البغوي- واخرج احمد في الزهد وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ في العظمة عن ابى الورقاء قال قلت لعلى بن ابى طالب رضى الله عنه ذو القرنين ما كان قرنا لا قال لعلك تحسب ان قرنيه ذهب او فضة كان نبيّا فبعثه الله الى ناس فدعاهم الى الله تعالى فقام رجل فضرب قرنه الأيسر فمات ثم بعثه الله يعنى أحياه ثم بعثه الله الى ناس فقام رجل فضرب قرنه الايمن فمات فسماه ذا القرنين قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ خطاب للسائلين مِنْهُ اى من حال ذى القرنين وقيل من الله تعالى ذِكْراً (٨٣) اى خبرا.
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ اى مكنا امره من التصرف فيها كيف شاء- قال البغوي قال على عليه السلام سخر له السحاب فحمله عليها ومد له الأسباب وبسط له النور كان الليل والنهار عليه سواء فهذا معنى تمكينه في الأرض وهو انه سهل عليه السير فيها وذلل له طرقها- وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ اراده وتوجه اليه وقيل معناه أعطيناه من كلّ شيء يحتاج اليه الخلق وقيل من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحادبة الأعداء سَبَباً (٨٤) يوصل اليه من العلم والقدرة والآلات- قال البغوي قال الحسن اى بلاغا الى حيث أراد- وقيل معناه قرّبنا اليه أقطار الأرض.
فَأَتْبَعَ قرأ اهل الحجاز والبصرة فاتّبع ثمّ اتّبع في الثلاثة بهمزة الوصل والتشديد من الافتعال والباقون بقطع الالف وسكون التاء من الافعال- قال البغوي قيل معناهما واحد والصحيح الفرق بينهما فمن قطع بالهمزة فمعناه أدرك وو لحق ومن قرء بالتشديد فمعناه سار يقال ما زلت اتّبعته حتى اتبعته اى ما ذلت سرت خلفه حتّى لحقته وكذا روى عن الأصمعي سَبَباً (٨٥) يعنى طريقا نحو المغرب وقال ابن عباس منزلا-.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ اى منتهى الأرض المسكونة نحو المغرب- وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرأ ابو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر حمية بالألف غير مهمود على وزن رامية اى حارة- والباقون مهموزا بغير الف على وزن ملئة من جسئت للبرّ إذا صارت ذات حماة وهى الطينة السوداء- ولا تنافي بين القرائتين لجواز كون العين جامعة
للوصفين وجاز ان يكون ياء حامية مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها فحينئذ يتخذ القراءتين اى ذات حماة- قال البغوي سال معاوية كعبا كيف تجد في التوراة اين تغرب الشمس قال نجدها تغرب في ماء وطين- قال البيضاوي لعله بلغ ساحل لمحيط فراها كذلك إذا لم يكن في مطمح نظره غير الماء والطين ولذلك قال الله سبحانه وجدها تغرب ولم يقل كانت تغرب كذا قال القيتبى وَوَجَدَ عِنْدَها اى عند العين قَوْماً قال البيضاوي قيل كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظه البحر وكانوا كفارا قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ ذلك القوم بالقتل على كفرهم ان أصروا على كفرهم بعد ما دعوتهم الى الإسلام وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ فعلة حُسْناً (٨٦) يعنى الإكرام والإرشاد وتعليم الشرائع ان تابوا واسلموا- فكلمة امّا هاهنا للتقسيم مثل او في قوله تعالى انّما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا او يصلّبوا او تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض وقيل كلمة امّا هاهنا للتخيير بين ان يعذبهم بالقتل لكفرهم وبين ان يدعوهم الى الإسلام وهو المراد بقوله ان يتّخذ فيهم حسنا وقيل خيره بين القتل والاسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل ويؤيد الأولين قوله تعالى-.
قالَ ذو القرنين امتثالا لامره تعالى او اختيارا لدعوتهم الى الإسلام بعد التخيير أَمَّا مَنْ ظَلَمَ نفسه بالإصرار على الكفر بعد ما دعوته الى الإسلام واستمر على ظلمه الّذي هو الشرك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ انا ومن معى في الدنيا بالقتل ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ ربه في الاخرة عَذاباً نُكْراً (٨٧) اى منكر الم يعهد مثله في نار جهنم.
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً على ما يقتضيه الايمان فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص جزاء منونا منصوبا على الحال اى فله الحسنى يعنى الجنة جزاء يجزى بها او فله في الدارين المثوبة الحسنى جزاء وجاز ان يكون منصوبا على المصدرية لفعل مقدر والجملة خال اى يجزى بها جزاء او على التمييز والباقون بالرفع بغير تنوين على الاضافة والحسنى على هذه القراءة الأعمال الحسنة اى له جزاء الأعمال الحسنى او يقال الحسنى هو الجنة او المثوبة الحسنة واضافة الجزاء إليها من قبيل مسجد الجامع وجانب الغربي وَسَنَقُولُ لَهُ اى لمن أمن وعمل صالحا مِنْ أَمْرِنا اى مما نامر به يُسْراً (٨٨) اى سهلا غير شاق تقديره ذا يسر وقال مجاهد يسرا اى معروفا ويستدل بهذا الخطاب من الله تعالى
لذى القرنين على كونه نبيا يوحى اليه وقال البغوي الأصح انه لم يكن نبيا والمراد به الإلهام- قلت ويمكن ان يكون هذا الأمر من الله تعالى على لسان نبى من الأنبياء يكون معه يسدد امره كما كان في بنى إسرائيل أنبياء مع الملوك يسددون أمورهم-.
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) اى سلك طرقا ومنازل يوصله الى المشرق.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ يعنى الموضع الّذي تطلع الشمس عليه اولا من معمورة الأرض وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) من اللباس او البناء فان ارضهم لا تحمل بناء وانهم اتخذوا الأسراب بدل الابنية.
كَذلِكَ اى امر ذى القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك أو أمره في اهل المشرق كامره في اهل المغرب من التخير والاختيار او هو صفة لمصدر محذوف لوجدها اى وجدها تطلع كما وجدها تغرب او لمصدر لم نجعل اى لم نجعل لهم من دونها سترا كما لم نجعل لاهل المغرب او صفة لقوم يعنى وجدها تطلع على قوم مثل ذلك القوم الذين كانت تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات والعدد والأسباب خُبْراً (٩١) اى علما تعلق بظواهره وبواطنه منصوب على المصدرية لان في احطنا معنى خبرنا- والمراد كثرة ذلك يعنى بلغ مالديه مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير-.
ثُمَّ أَتْبَعَ ذو القرنين سَبَباً (٩٢) اى طريقا ثالثا معترضا بين المغرب والمشرق أخذا من الجنوب الى الشمال.
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ قرأ ابن كثير وابو عمرو وحفص بفتح السين والباقون بضم السين قيل هما لغتان معناهما واحد وقال عكرمة ما كان من صنعة بنى آدم فهو بالفتح وما كان من صنع الله فهو بالضم وكذا قال ابو عمرو وقيل السّد بالفتح مصدر وبالضم اسم والمراد بالسّدين هاهنا جبلان سدّ ذو القرنين ما بينهما حاجزا بين يأجوج وماجوج ومن ورائهم وهما جبلا ارمينية واذربايجان أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس رضى الله عنهما قيل جبلان في اواخر الشمال في منقطع ارض الترك منيعان من ورائهما يأجوج وماجوج أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم في تفاسيرهم وبين هاهنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة وَجَدَ مِنْ دُونِهِما اى امام الجبلين قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣) قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف من الافعال يعنى لا يفقهون غيرهم قولهم- وقرأ الآخرون بفتح الياء والقاف يعنى لا يفهمون كلام غيرهم قال ابن عباس لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم.
قالُوا بتوسط مترجم لهم- وفي قراءة ابن مسعود قال الّذين من دونهم يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قرأ هما عاصم هاهنا وفي الأنبياء مهموزين والآخرون بغير همزوهما اسمان عجميان بدليل منع الصرف وقيل عربيان من اج الظلم إذا اسرع قال البغوي من اجيج النار وهو ضؤها وشهرها شبهوا به لكثرتهم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث قال البغوي هم من أولاد يافث بن نوح وقال قال الضحاك هم جيل من الترك وقال قال السدى الترك سرية من يأجوج خرجت فضرب ذو القرنين السد فبقيت خارجة فجميع الترك منهم وعن قتادة انهم اثنان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على احدى وعشرين قبيلة وبقيت قبيلة واحدة فهم الترك وسموا الترك لانهم تركوا خارجين وقال اهل التاريخ أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث سام ابو العرب والعجم والروم- وحام ابو الحبشة والزنج والنوبة- ويافث ابو الترك والخزر والصعالية ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس في رواية عطاءهم عشرة اجزاء وولد آدم كلهم جزء وروى عن حذيفة مرفوعا ان يأجوج امة ومأجوج امة كل امة اربعة مائة «١» الف لا يموت الرجل منهم حتى ينظر الى الف من صلبه كلهم حملوا السلاح وهم من ولد آدم يسيرون الى خراب الدنيا قلت لعل معنى الحديث ان كل امة بلغت عددهم اربع مائة الف حين سد عليهم ذو القرنين فاما بعد ذلك فاذا ولد كل رجل منهم الفا مسلحا يبلغ عددهم الى مالا يعلم عدتهم الا الله تعالى ومعنى يسيرون الى خراب الدنيا انهم إذا خرجوا من السد عند قرب القيامة يسيرون الى خراب الدنيا والله اعلم- وقال البغوي وقيل هم ثلاثة اصناف صنف منهم أمثال الأرزة شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء- وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد- وصنف منهم يفترش أحدهم اذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بخيل ولا وحش ولا خنزير الا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون انهار المشرق وبحيرة طبرية- قلت هذا ايضا حين يخرجون من السد- قال البغوي وعن على رضى الله عنه انه قال منهم من طوله شبر وعرضه ذراع ومنهم من هو مفرط في الطول- وقال قال كعب هم نادرة من ولد آدم وذلك ان آدم «٢» احتلم ذات يوم فامتزجت نطفة بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الام-
(١) وفي تفسير البغوي اربعة آلاف امة وهو الصحيح ولعل ما في الأصل من غلط الناسخ والله تعالى اعلم ١٢ الفقير الدهلوي.
(٢) هذا مردود فان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الشيطان والاحتلام من الشيطان هكذا في الحاشية الّتي على تفسير البغوي ١٢ الفقير الدهلوي-
66
وقال البغوي ذكر وهب بن منبه ان ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله انى باعثك الى امم مختلفة ألسنتهم- منهم امتان بينهما طول الأرض أحدهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والاخر عند مطلعها يقال لها منسك- وامتان بينهما عرض الأرض أحدهما في قطر الايمن يقال لها هاويل والاخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها قاويل- وامم في وسط الأرض منهم الجن والانس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين باىّ قوم أكابرهم وباىّ جمع أكاثرهم وباىّ لسان اناطقهم قال انى ساطوتك وابسط لك لسانك وأشد عضدك فلا تهولك شيء والبسك الهيبة فلا يردعك شيء وأسخر لك النور والظلمة واجعلهما من جنودك يهديك النور من امامك ويحوطك الظلمة من ورائك فانطلق حتى اتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعد والا يحصيه الا الله فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد فدعاهم الى الله وعبادته فمنهم من أمن ومنهم من صدّ عنه- فعمد الى الذين تولوا عنهم فادخل عليهم الظلمة فدخلت في أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته- فجند من اهل المغرب جندا عظيما فانطلق يقودهم والظلمة يسوقهم حتى اتى هاويل فعمل فيهم كفعله في ناسك- ثم معنى حتى اتى الى منسك عند مطلع الشمس فعل وجند فيها كفعله في الامتين- ثم أخذ ناحية الأرض اليسرى فاتى قاويل فعل فيها كعلمه فيما «١» قبلها ثم عمد الى الأمم الّتي في وسط الأرض فلما دناهما يلى منقطع الترك نحو المشرق قالت له امة صالحة من الانس يا ذا القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا أمثال البهائم يفترسون الدواب والوحوش لهم أنياب واضراس كالسباع يأكلون الحيّات والعقارب وكل ذى روح خلق الله في الأرض وليس يزداد خلق كزيادتهم ولا شك انهم يملكون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدّا- قال ما مكنّى فيه ربّى خير- وقال أعدو الى الصخور والحديد والنحاس حتى اعلم علمهم- فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقداد واحد يبلغ طول الوجل منهم مثل نصف الرجل المربوع منا- لهم مخاليب كالاظفار في أيدينا وأنياب واضراس كالسباع ولهم هلب «٢» من الشعر في أجسادهم ما يواريهم ويتقون به من الحر والبرد- لكل أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى يصيف في إحداهما ويشتوفى الاخرى- «٣» يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا «٤» - فلما عاين ذلك ذو القرنين انصرف الى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما فحفر له الأساس حتى بلغ الماء وجعل حشوه الصخر وطينه النحاس المذاب
(١) وفي الأصل فيما قبله.
(٢) الهلب الشعر وقيل ما غلظ من شعر الذنب بنهاية- قلت لعل المراد بالهلب هاهنا الشعر الغليظ ١٢؟؟؟
(٣) يتساقدون من سقد؟؟؟ الذكر على الأنثى سفادا بالكسر نزا اى جامع ١٢ قاموس- منه رح [.....]
(٤) هذا الأثر الطيل العجيب من مز؟؟؟ حزتان اهل الكتاب لا يصح سنده كما في البيضاوي ١٢ الفقير الدهلوي-
67
فيصب عليه فصار كانه عرق من جبل تحت الأرض وذلك قوله عزّ وجلّ انّ يأجوج ومأجوج مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ اى في ارضنا بالقتل والتخريب وإتلاف المزرع- قال الكلبي كانوا يخرجون ايام الربيع الى ارضهم فلا يدعون شيئا اخضر الا أكلوه ولا شيئا يابسا الا حملوه وأدخلوه ارضهم- وقد لقوا منهم أذى شديدا او قيل انهم كانوا يأكلون الناس فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً قرا حمزة والكسائي هنا وفي المؤمنين خرجا بالألف والباقون بغير الالف وهما لغتان بمعنى واحد اى جعلا واجرا نخرجه من أموالنا- وقال ابو عمرو الخرج ما تترغب به والخراج مالزمك أداؤه وقيل الخراج على الأرض والخرج على الرقاب يقال إذ خرج راسك وخراج مدينتك- وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) يحجز دون خروجهم قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بضم السين والباقون بفتحها-.
قالَ ذو القرنين ما مَكَّنِّي قرأ ابن كثير بنونين مخففتين الاولى مفتوحة والثانية مكسورة على الأصل من غير ادغام. والباقون بنون مشددة مكسورة بالإدغام فِيهِ رَبِّي اى ما جعله الله لى فيه من المكنة بالمال والملك خَيْرٌ مما تجعلون لى عليه بإعطاء الجعل فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ اى فعلة او به أتقوى به من الآلات أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ تبرعا رَدْماً (٩٥) حاجزا حصينا وهو اكبر من السدين قولهم نوب مردّم إذا كان رقاع فوق رقاع.
آتُونِي قرأ الجمهور بقطع الهمزة ومدة بعدها من الإيتاء بمعنى المناولة فلا منافاة بينها وبين رد الخراج والاقتصار على المعونة بالأبدان- لان إعطاء الآلة من الاعانة دون الخراج على العمل- فودش على أصله يلقى حركة الهمزة على التنوين قبلها وقرأ أبو بكر ردما ائتوني بكسر التنوين وهمزة ساكنة بعده جنى جيئونى- وعند الابتداء يكسر همزة الوصل ويبدل الهمزة ياء لاجتماع الهمزتين او لهما مكسورة والثانية ساكنة زُبَرَ الْحَدِيدِ اى قطعه والزبرة القطعة الكبيرة- وأصله على قراءة ابى بكر بزبر الحديد لكون الآيتان لازما حذفت الباء كما في قولك امرتك الخير فاتوا بها وبالحطب والفحم فجعل بعضها على بعض ولم يزل يجعل قطع الحديد على الحطب والفحم والحطب والفحم على قطع الحديد حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ اى بين جانبى الجبل- قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بضم الصاد والدال وأبو بكر بضم الصاد واسكان الدال والباقون بالفتحتين وكلها لغات من الصدف بمعنى الميل- لان كلا منهما مائل منعدل من الاخر ومنه التصادف بمعنى التقابل قالَ ذو القرنين للعلمة انْفُخُوا يعنى اجعلوا فيها نارا فانفخوا في النار حَتَّى إِذا جَعَلَهُ اى الحديد
ناراً بالاجماع- أسند الجعل الى ذى القرنين مع انه فعل العلمة لكونه بامره قالَ ذو القرنين آتُونِي قرأ حمزة وأبو بكر بخلاف عنه بهمزة ساكنة بعد اللام بمعنى المجيء وإذا ابتدا «١» كسر بهمزة الوصل وأبدل الهمزة الساكنة ياء والباقون بقطع الهمزة ومدة بعدها في الحالين بمعنى الإعطاء يعنى أعطوني قطرا أُفْرِغْ عَلَيْهِ الإفراغ الصب يعنى أصب عليه قِطْراً (٩٦) نحاسا مذابا فاتوا بالنحاس وافرغ النحاس المذاب على الحديد فأكلت النار الحطب الفحم- وصار النحاس المذاب مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس فصار الحديد الاجر والنحاس بمنزلة الطين فصار جبلا صلدا- قال البغوي وفي القصة ان عرضه كان خمسون ذراعا- وارتفاعه مائتا ذراع وطوله فرسخ- فقطرا اسم تنازع فيه الفعلان أتوني وافرغ فاعمل البصريون الثاني وقالوا بالحذف في الاول لدلالة الثاني عليه وقالوا اعمال الثاني اولى لقربه- ولو كان مفعول أتوني لزم إتيان ضمير المفعول لا فرغ حذرا من الالتباس- وقال الكوفيون بأعمال الاول لتقدم اقتضائه وحذف المفعول من الثاني ولا التباس في الحالين-.
فَمَا اسْطاعُوا أصله استطاعوا قرأ الجمهور بحذف التاء «٢» حذرا من تلاقى المتقاربين وقرأ حمزة مشددا بإدغام التاء في الطاء جامعا بين الساكنين على غير حده أَنْ يَظْهَرُوهُ ان يعلوه من فوقه لطوله وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) من أسفله لشدته وصلابته.
قالَ ذو القرنين هذا اى السد او الإقدار على تسويته رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي على عباده فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي اى وقت وعده لخروج يأجوج ومأجوج- او لقيام الساعة بان شارف يوم القيامة جَعَلَهُ دَكَّاءَ قرأ الكوفيون بالمد والهمز بغير تنوين اى أرضا ملساء مستوية- وقرأ الباقون بالتنوين من غير همز ومد وهو مصدر بمعنى المفعول اى مدكوكا مبسوطا مساويا للارض وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) كائنا لا محالة انتهى قصة ذى القرنين- قال البغوي وفي القصة ان ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفى بشهرزور وذكر بعضهم ان عمره كان نيفا وثلاثين سنة.
وقال البغوي روى قتادة عن ابى رافع عن ابى هريرة يرفعه ان يأجوج ومأجوج يحفرونه يعنى السد كل يوم- حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيد الله عزّ وجلّ كما كان حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الّذي عليهم ارجعوا فستحفرونه إنشاء الله غدا واستثنى فيعودون اليه وهو كهيئته حين تركوه فيحقرونه فيخرجون على الناس
(١) وفي الأصل إذا ابتداء كسر همزة الوصل وابدال الهمزة الساكنة- ابو محمد عفى عنه.
(٢) وجه مخترع لا يكاد يتم في اللفظ الثاني ١٢ الفقير الدهلوي.
69
فيتبعون المياه وبتحصن الناس في حصونهم منهم- فيرمون سهامهم الى السماء فيرجع فيها كهيئة الدم فيقولون قهرنا اهل الأرض وعلونا اهل السماء فيبعث الله عزّ وجلّ نغفا «١» فى أقفائهم فيهلكون وان دواب الأرض ليسمن ويشكر من لحومهم شكرا وروى مسلم عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله ﷺ الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما دخلنا اليه عرف ذلك فينا فقال ما شانكم فقلنا يا رسول الله ذكرت الدجال فخفضت فيه ورفعت حتى ظنتاه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوف عليكم ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه- والله خليفتى على كل مسلم- انه شاب قطط عينه طافية أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرء عليه فواتح سورة الكهف انه خارج بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا- يا عباد الله فاثبتوا- قلنا يا رسول الله؟؟؟ لبنه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر يوم كجمعة وسائر أيامه كايامكم- قلنا فذلك اليوم الّذي كسنة أيكفينا فيه صلوة يوم قال لا اقدر واله قدره قلنا يا رسول الله وما سراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فياتى على القوم فيدعوهم فيومنون به ويستجيبون له. فيأمر السماء فيمطر عليهم والأرض فينبت ويروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وامده خواص- ثم يأتى القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله- قال فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بايديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها اخرجى كنوزك فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل- ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك- فبينما هو كذلك إذ بعث الله عيسى بن مريم عليه السلام فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على اجنحة ملكين إذا طأطا راسه قطر وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ- فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه الا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه- فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله- ثم يأتى عيسى قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ اوحى الله الى عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لا يدان لاحد بقتالهم فحرز عبادى الى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون- فيمر اوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء- ويحصر نبى الله وأصحابه حتى يكون راس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينا ولاحدكم اليوم- فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه الى الله- فيرسل الله عليهم
(١) نفضاء ود؟؟؟ يكون في الفاف الإبل والغنم منه رحمه الله تعالى-
70
النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحده ثم يهبط نبى الله عيسى وأصحابه الى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبى الله عيسى وأصحابه الى الله- فيرسل الله طيرا كاهناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله- ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى تزكها كالزلفة ثم يقال للارض أنبتي ثمرتك وروى بركتك. فيومئذ يأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بعجفها ويبارك في الرسل حتى ان اللقحة من الإبل لتكفى الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينماهم كذلك إذا بعث الله ريحا طيبة فياخذهم تحت اباطهم فيفيض روح كل مؤمن وكل مسلم- ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة- وفي رواية اخرى لمسلم نحو ما ذكرنا وزاد بعد قوله لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس- فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون نشابهم الى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبا دما وروى الترمذي نحوه وفيه فيرسل الله طيرا كاعناق البخث فتحملهم فتطرحهم بالمهبل «١» - ويستوقد المسلمون من تسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين- ثم يرسل الله مطرا الى اخر الحديث- ذكر البغوي هذا الحديث ثم قال قال وهب ثم يأتون يعنى يأجوج ومأجوج البحر فيشربون مائه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الخشب والشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون ان يأتوا مكة ولا المدينة ولا بيت المقدس- وروى البخاري عن ابى سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال ليحجن البيت وليعتمرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج- قوله تعالى.
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ قيل هذا عند فتح السد يقول تركنا بعض يأجوج ومأجوج يموج اى يدخل بعضهم في بعض كموج الماء ويختلط بعضهم ببعض لكثرتهم وتسابقهم في السير- وقيل هذا عند قيام الساعة يدخل الخلق بعضهم في بعض ويختلط انسهم بجنهم حيارى- ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام الساعة يعنى نفخة البعث فَجَمَعْناهُمْ اى الخلق جَمْعاً (٩٩) للحساب والجزاء في صعيد واحد.
وَعَرَضْنا اى ابرزنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) حتى شاهدوها عيانا.
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ اى في غشاء والغطاء ما يستر الشيء عَنْ ذِكْرِي اى عن رؤية الآيات والدلائل على وجودى وصفاتى فاذكر بالتوحيد والتعظيم وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) اسماعا لذكرى وكلاعى وما يرشدهم الى الحق من القول. وذلك لما كتب الله عليهم
(١) المرهبل هو الهوة الذاهبة في الأرض. مجمع البحار-
من الشقاء وما القى في قلوبهم من العناد والعداوة لرسول الله ﷺ ومن يقوم مقامه لكون مبادى تعيناتهم الاسم المضل-.
أَفَحَسِبَ يعنى أفظن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي يعنى الملئكة والمسيح وعزيرا وقال ابن عباس يعنى الشياطين الذين أطاعوهم من دون الله وقال مقاتل الأصنام سميت عبادا كما قال انّ الّذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم مِنْ دُونِي قرأ نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها وقوله من دونى حال من قوله أَوْلِياءَ يعنى أربابا او شفعاء قوله عبادى واولياء مفعولان ليتّخذوا وان مع صلتها سد مسد المفعولين لحسب والاستفهام للانكار يعنى ليس الأمر كذلك بل هم لهم اعداء يتبرءون منهم فان العباد الصالحين اعداء للكافرين والشياطين والأصنام- إذا كان يوم القيمة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ويتبرءون عمن عبدهم- او المفعول الثاني لحسب محذوف حذف كما يحذف الخبر للقرينة يعنى أفحسبوا اتخاذهم عبادى اولياء نافعا لهم- وقال ابن عباس يريد افظن الذين كفروا ان يتخذوا غيرى اولياء انى لا اغضب لنفسى ولا أعاقبهم. فعلى هذا التأويل كلا المفعولين لحسب «١» محذوفان اعنى انى لا اغضب فان ان مع اسمها وخبرها سد مسدهما- وقوله ان يتخذوا مقدر بحرف الجر متعلق بكفروا يعنى باتخاذهم اى بسبب اتخاذهم غيرى اولياء- وجاز ان يقال تقدير الكلام على قول ابن عبّاس أظنوا ان الاتخاذ المذكور لا يغضبنى ولا أعاقبهم كلا فعلى هذا المفعول الثاني محذوف فحسب إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (١٠٢) اى منزلا او ما يعد الضيف قبل نزوله- وفيه تهكم وتنبيه على ان لهم وراءها من العذاب ما يستحقر دونه ما سبق منه.
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ «٢» بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (١٠٣) نصب على التمييز وجمع لانه من اسماء الفاعلين او لتنوع أعمالهم.
الَّذِينَ ضَلَّ اى ضاع سَعْيُهُمْ اجتهادهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بسعيهم وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) اى عملا محل الموصول الرفع على الخبر لمحذوف اى هم الّذين ضلّ سعيهم فهو جواب السؤال والجر على البدل من الأخسرين او النصب على الذم- قال ابن عبّاس وسعد بن ابى وقاص هم اليهود والنصارى حسبوا أنفسهم على الحق وهم على الدين المنسوخ- وقيل هم الرهبان الذين في الصوامع حسبوا أنفسهم انهم تركوا الذّات الدنيا طمعا في الآخرة وقد ضلّ سعيهم لكونهم على الكفر- وقال على بن ابى طالب رضى الله عنه
(١) وفي الأصل محذوف
(٢) وفي الأصل قل هل انبّئكم-
هم أهلي حرورا يعنى الخوارج فانهم أول فرقة بغوا على اهل السنة والجماعة من الصحابة ومن معهم وزعموا الهم على الحق- فالمراد بقول علىّ رضى الله عنه انهم اهل الأهواء الذين خالفوا اهل السنة فدخل فيهم الروافض والمعتزلة وسائر اهل الأهواء- قلت والظاهر ان المراد بهم الكفار الذين لا يرون البعث والنشور فيعلمون ويتبعون فيما يرونه نافعا لهم في الحيوة الدنيا ولا يرون وراء الدنيا شيئا ويزعمون انه من يعمل عملا يضره في الدنيا من اعمال الاخرة فهو مجنون سفيه- يدل على ذلك قوله تعالى.
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ المنزلة وَلِقائِهِ يعنى بالبعث بعد الموت ويشعر هذه الاية بالتشنيع فيمن يعتقد البعث لكنه يقدم اعمال الدنيا على اعمال الاخرة ويتعب لاجل الدنيا ويترك امر الاخرة الى مغفرة الله وفضله- قال رسول الله ﷺ الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح عن انس والله اعلم- وان كان المراد بالآية اليهود والنصارى فالمعنى انهم لا يعتقدون البعث على ما هو عليه او المراد بلقائه لقاء عذابه فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الّتي عملوها لاكتساب الدنيا او الّتي عملوها طمعا في الثواب ولا يثابون عليها لاجل كفرهم فان الايمان شرط لقبول الحسنات كلها فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) يعنى لا يكون لهم عند الله قدر واعتبار- عن ابى هريرة عن رسول الله ﷺ انّه به قال ليأتى الرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرءوا فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- متفق عليه واخرج ابو نعيم والآجري في هذه الاية عن ابى هريرة انه قال القوى الشديد الأكول يوضع في الميزان فلا يزن شعيرا يدفع الملك من أولئك سبعين الفا دفعة واحدة- او المعنى لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لا؟؟؟ نحباطها بل يلقون في النار بلا وزن او المعنى لا يكون لاعمالهم الّتي يرونها حسنات وزنا في الميزان- قال البغوي قال ابو سعيد الخدري يأتى الناس باعمال يوم القيامة عندهم في العظم كجبال تهامة فاذا وزنوها لم تزن شيئا فذلك قوله عزّ وجلّ فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا- قال السيوطي اختلف اهل العلم هل يختص الميزان بالمؤمنين او يوزن اعمال الكفار ايضا واستدل للاول بقوله تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- وأجاب القائلون بالثاني بانه مجاز عن عدم الاعتداء بهم لقوله تعالى وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ الاية الى قوله أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- وقال القرطبي الميزان
لا يكون لى حق كل واحد وان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان وكذلك من يعجل به الى النار بغير حساب وهم المذكورون في قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ الاية- وهذا الّذي قاله القرطبي يجمع بين القولين والآيتين- والفريق الذين فيعجل هم الّذين لا يقام لهم وزن وبقية الكفار ينصب لهم الميزان كذا قال السيوطي- قلت ويحتمل تخصيص الكفار المذكورين بالمنافقين (لانهم الذين يبقون في المسلمين) واهل الكتاب الذين لا يبدلون بعد لحوق كل امة بما كانت تعبد.
ذلِكَ يعنى الأمر ذلك وقوله جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ جملة مستأنفة مبيّنة له ويجوز ان يكون ذلك مقيد؟؟؟ الجملة خبره والعائد محذوف اى جزاؤهم به او جزاؤهم بدله وجَهَنَّمُ خبره او جزاؤهم خبره وجهنّم عطف بيان للخبر بِما كَفَرُوا اى بسبب كفرهم وَاتَّخَذُوا واتخاذهم آياتي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) اى سخرية وهزوا بهم..
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ فيما سبق في حكم الله ووعده جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧) عن ابى هريرة عن رسول الله ﷺ قال إذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس فانه اوسط «١» الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجّر انهار الجنة متفق عليه واخرج الترمذي والحاكم عن عبادة بن الصامت والبيهقي «٢» عن معاذ بن جبل نحوه ان النبي ﷺ قال ان الجنة مائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومن فوقها يكون العرش ومنها تفجّر النهار الجنة الاربعة فاذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس واخرج البزار عن العرباض بن سارية والطبراني عن ابى امامة نحوه قال قال رسول الله ﷺ إذا سالتم الله فاسئلوه الفردوس فانه أعلى الجنة- وزاد في حديث ابى امامة ان اهل الفردوس يسمعون أطيط العرش- قال البغوي قال كعب ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس فيها الا ترون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال مقاتل الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأنعمها- واخرج احمد والطيالسي والبيهقي عن ابى موسى قال قال رسول الله ﷺ جنات الفردوس اربع جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيها وجنتان من فضة الحديث- قلت هذا الحديث يدل على ان كل جنة يسمى بالفردوس والصحيح هو الاول فاما في هذا الحديث سهو من الراوي او المراد بالفردوس معناه اللغوي- قال كعب الفردوس البستان فيه الأعناب وقال مجاهد هو البستان بالرومية وقال عكرمة
(١) قال السيوطي المراد بوسط الجنة خيارها- ١٢ منه رح.
(٢) وفي الأصل عن عبادة بن الصامت والبيهقي نحوه عن معاذ بن جبل نحوه- ابو محمد عفى عنه.
هى الجنة بلسان الحبشة وقال الزجاج لفظ بالرومية منقول الى لفظ العربية وقال الضحاك هى الجنة الملتفة بالأشجار وقيل هى الروضة المستحسنة وقيل هى روضة تنبت ضروبا من النبات وجمعه فراديس فهذا الإطلاق في الحديث من حيث معناه اللغوي- واما بالمعنى العلمي فهوا على الجنات- فان كان المراد في لاية المعنى اللغوي فالموصول على عمومه وإن كان المعنى العلى فالمراد بالذين أمنوا الذين أمنوا حقيقة الايمان- اخرج البيهقي عن انس عن رسول الله ﷺ قال ان الله تبارك وتعالى خلق الفردوس بيده ونظرها على مشرك ومدمن خمر- واخرج ابن ابى الدنيا في صفة الجنة عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل قال قال رسول الله ﷺ خلق الله تبارك وتعالى ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التورية بيده وغرس الفردوس بيده وقال وعزتى وجلالى لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث- قالوا يا رسول الله وما الديوث قال الّذي يقرّ السوء في اهله وقد مر تفسير قوله نزلا.
خالِدِينَ فِيها حال مقدرة لا يَبْغُونَ اى لا يطلبون عَنْها حِوَلًا (١٠٨) تحولا إذ ليس شى أطيب منها حتى ترغب أنفسهم اليه- ويجوز ان يراد به تأكيد الخلود والله اعلم- اخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسئل عنه هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت ويسئلونك عن الرّوح قل الرّوح من امر ربّى وما أوتيتم من العلم الّا قليلا- فقالت اليهود أوتينا علما كثيرا أوتينا التورية ومن اوتى التوراة فقد اوتى خيرا كثيرا فنزلت.
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ يعنى ماء البحر مِداداً يكتب به والمداد اسم لما يمد به الشيء كالحبر الدوات والسليط للسراج- وأصله من الزيادة ومجىء شيء بعد شيء قال مجاهد لو كان البحر مدادا للقلم والمقلم يكتب لِكَلِماتِ رَبِّي اى كلمات علمه وحكمته لَنَفِدَ الْبَحْرُ اى جنس ماء البحر باسره لان كل جسم متناد؟؟؟
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي فانها غير متناهية لا تنفد- قراء حمزة والكسائي تنفد بالياء لتقدم الفعل وإسناده الى مونث غير حقيقى وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ اى بمثل البحر الموجود مَدَداً (١٠٩) زيادة ومعونة لان مجموع المتناهي متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون الا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهى الابعاد والمتناهي ينفد قبل غير المتناهي لا محالة- قلت لو فرضنا البحر او الأبحر السبعة وما زاد مدادا يكتب بها كلمات علمه تعالى فلا شك ان كل جزء منها يقوم بالقلم لا يمكن ان يكتب به ما معنى على ذلك الجزء من الأحوال الطارية عليه- وان كانت ذلك الأحوال متناهية فكيف ما عداها من الممكنات
المعلومة لله تعالى- فهيهات هيهات احاطة المتناهي لغير المتناهي وقال البغوي قال ابن عباس قالت اليهود أتزعم انا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا ثم تقول وما أوتيتم من العلم الّا قليلا- فانزل الله هذه الاية يعنى ان ذلك العلم الّذي في الكتب خير كثير في نفسه لكونه متكفلا لصلاح معاشكم ومعادكم لكنه فطرة من بحار كلمات الله والباء للتعدية ومثله مفعول لجئنا ومددا تمييز نحو على التمرة مثلها زيدا ولى مثله رجلا.
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ قال ابن عبّاس علّم الله عزّ وجلّ رسوله، ﷺ التواضع لئلا يزعى على خلقه فامره ان يقرّ فيقول انى آدمي مثلكم الا انى خصصت بالوحى وأكرمني به يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له قلت فيه سد لباب الفتنة افتتن بها النصارى حين راؤا؟؟؟ عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى وقد اعطى الله تعالى لنبيّنا ﷺ من المعجزات أضعاف ما اعطى عيسى عليه السلام فامره بإقرار العبوديّة وتوحيد الباري لا شريك وله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ اى يخاف المصير اليه ويأمل رويته وحسن ثوابه- قال البغوي الرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعا قال الشاعر فلاكل ما ترجو من الخير كائن ولاكل ما ترجو من الشر واقع- فجمع بين المعنيين فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً يرتضيه وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) اى لا يراى بعمله ولا يطلب على عمله اجرا من أحد غيره تعالى جزاء ولا ثناء اخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا في كتاب الإخلاص عن طاؤس قال قال رجل يا رسول الله انى اقف الموقف أريد وجه الله وأحب ان يرى موطنى فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الاية فمن كان يرجوا الآية مرسل وأخرجه الحاكم في المستدرك موصولا عن طاوس عن ابن عباس وصححه على شرط الشيخين واخرج ابن ابى حاتم عن مجاهد قال كان رجل من المسلمين يقاتل وهو يحب ان يرى مكاله فانزل الله من كان يرجوا لقاء ربّه الاية- واخرج ابو نعيم وابن عساكر في تاريخه من طريق السدى الصغير من الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام او تصدق مر؟؟؟ كز بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس له فنزلت في ذلك فمن كان يرجو لقاء ربّه الاية- فان قيل روى الترمذي عن ابى هريرة قال قلت يا رسول الله اما في بيتي؟؟؟ في مصلاى إذ دخل علىّ رجل فاعجبنى الحال الّتي رانى عليها فقال رسول الله ﷺ ورحمك الله
76
أبا هريرة لك اجر ان اجر السر واجر العلانية- وروى مسلم عن ابى ذر قال قيل لرسول الله ﷺ أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده «١» الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن- فان قيل هذان الحديثان «٢» ينافيان ما ذكر في شأن نزول الاية- قلنا لا منافاة أصلا فان ما ذكر في شأن نزول الاية- مراده ان من عمل لله ويريد ان يراه الناس ويحمده على عمله- او يزيد في عمله إذا راه الناس فهو من الرياء والشرك الخفي- واما من عمل لله وراه الناس و؟؟؟ حمدوه فلستبشر به وهو لا يريد حمد الناس عليه ولاجراء منهم ولا يزيد في عمله لاجلهم فذلك بشره العاجل وله اجر السر والعلانية والله اعلم- وعن جندب قال قال رسول الله ﷺ من سمّع سمّع الله به ومن يرائى يرائ الله به متفق عليه وعن محمود بن لبيد ان النبي ﷺ قال ان أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصفر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصفر قال الرياء- رواه احمد وزاد البيهقي في شعب الايمان يقول الله لهم حين يجازى للعباد بأعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءا وخيرا وعن ابى هريرة اتقوا الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر قال الرياء أخرجه ابن مردوية في التفسير والاصبهانى في الترغيب والترهيب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ قال الله تعالى امّا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركة وفي رواية فلنا منه برى هو الّذي عمله- رواه مسلم وعن ابى سعيد بن ابى فضالة عن رسول الله ﷺ قال إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله قال الله اغنى الشركاء عن الشرك- رواه احمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وعن عبد الله بن عمرو انه جمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول من سمع الناس بعلمه سمّع الله به مسامع خلقه وحقره وصغره- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان وعن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله ﷺ يقول من صلى يرائى فقد أشرك ومن صام يرائى فقد أشرك ومن تصدق يرائى فقد أشرك رواه احمد عن انس قال قال رسول الله ﷺ يؤتى يوم القيمة بصحف مختمة فتنصب؟؟؟ بين يدى الله فيقول القول هذه واقبلوا هذه فيقول الملائكة وعزتك ما كتبتا الا ما عمل- فيقول هذا كان لغير وجهى وانى لا اقبل اليوم الا ما ابتغى به وجهى وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط والدار قطنى والاصبهانى في الترغيب وعن شهر بن عطة قال يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات فيقول رب العزة تبارك وتعالى صليت يوم كذا ليقال صلى فلان انا الله لا اله الا انا لى الدين الخالص وصمت يوم كذا ليقال صام فلان انا الله لا اله الا انا لى الدين الخالص-
(١) وفي الأصل يحمد الناس. ابو محمد عفا عنه.
(٢) وفي الأصل هذين الحديثين- ابو محمد عفا الله عنه.
77
فما يزال يمحى شيء بعد شيء فيقول ملكاه لغير الله كنت تعمل وعن شداد بن أوس قال قال رسول الله ﷺ ان الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين ببقيع واحد منفذ البصر يسمعهم الداعي فيقول انا خير شريك فكل عمل لى في دار الدنيا كان فيه شريك فانا ادعه اليوم لشريكى ولا اقبل اليوم الا خالصا- رواه الاصبهانى وعن ابن عباس من رايا بشى من عمله وكّله الله اليه يوم القيامة وقال النظر هل يغنى عنك شيئا- وتأويل الاية على طريقة الصوفية فمن يرجوا لقاء الله يعنى وصله بلا كيف بالدنو والتدلّى حتى يكون قاب قوسين او ادنى فليعمل عملا صالحا بعد فناء النفس وازالة رذائلها فان رذائل النفس تفسد العمل ولا تصلح العمل الا بعد فناء النفس- ولا يشرك بعبادة ربّه أحدا يعنى لا يكون لقلبه تعلق علمى ولا حبى لغير الله تعالى- فان التعلق العلمي بالقلب هو الذكر والذكر هو العبادة- والحب يقتضى العبادة والمحبوب هو المعبود- فان العبادة هى غاية الذل والتواضع والمرء بذل نفسه ويتواضع فايته عند محبوبه وإنما يحصل ذلك بعد فناء القلب فان قيل العلم بغير الله لا ينفك عن اولياء الله بل عن الأنبياء ايضا- قلنا العلم بعد فناء القلب لا يكون محله القلب بل يكون قلبه مهبط لتجليات الرحمن- لكنه يتعلق بوراء ذلك المحل لبقاء ماده التكليف على مقتضى الحكمة- والله اعلم- فصل عن ابى الدرداء يرويه عن النبي ﷺ قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال رواه مسلم واحمد وابو داؤد والنسائي وروى الترمذي عنه بلفظ من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال وقال هذا حديث حسن صحيح وروى احمد ومسلم والنسائي عنه بلفظ من قرا العشر الأواخر «١» من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال وعن سهل بن معاذ عن انس عن النبي ﷺ قال من قرا أول سورة الكهف وآخرها كانت له نور من قدمه الى رأسه- ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض الى السماء رواه البغوي وأخرجه ابن السنى في عمل اليوم والليلة واحمد في مسنده- عن النبي ﷺ من قرأ سورة الكهف عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلالا الى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم- فان كان مضجعه بمكة كان نورا يتلألأ من مضجعه الى بيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ أخرجه ابن مردوية وعن ابى سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(١) وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ﷺ من قرا. في ليلة فمن كان يرجوا لقاء ربّه الاية كان له نورا من عدن الى مكة حشوه الملائكة ١٢- ازالة الحنفاء- منه رحمه الله-
78
قال من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له النور ما بين الجمعتين- رواه الحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات الكبير ورواه البيهقي في شعب الايمان بلفظ من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق- وعن البراء بن عازب قال كان رجل يقرأ سورة الكهف والى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشه سحابة فجعلت تدور وتدنر- وجعل فرسه ينفر فلمّا أصبح اتى النبي ﷺ فذكر ذلك له فقال تلك السكينة تنزلت بالقران متفق عليه تم تفسير سورة الكهف بعون الله تعالى (ويتلوه سورة مريم إنشاء الله تعالى) يوم الأربعاء خامس عشر من شهر ذى الحجة من السنة الثانية بعد المائتين والف (سنة ١٢٠٢) من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
79
فهرس سورة مريم عليها السّلام من التفسير المظهرى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحه مسئله ما ورد في ان الأنبياء لا يورثون المال ٨٣ بيان درجة الصديق ٩٨ قصة إدريس ودخوله الجنة ١٠٣ حديث اتلوا القران وابكوا فان لم تبكوا فتباكوا ١٠٤ ما ورد في الغىّ انه نهرا وواد في جهنم ١٠٥ ما ورد في ورود الناس كلهم في النار ثم ينجى الله المتقين- وفي تحقيق الورود ١١١ ما ورد في حشر المتقين ركبانا وحشر الكفار عطاشا مشاة على وجوههم ١١٨ حديث من كنت مولاه فعلىّ مولاه ١٢٢ حديث ذكر علىّ عبادة وحبّ علىّ عبادة ١٢٢ حديث إذا أحب الله عبدا قال لجبرئيل قد أحببت فلانا فاحبه الحديث ١٢٢.
80
Icon