ﰡ
ذُكر زكريا في القرآن الكريم ثمان مرات : في سورة آل عمران، والأنعام، ومريم والأنبياء. ولم يذكر نسب زكريا في القرآن ولا في كتب الأنبياء عند أهل الكتاب. وكل ما هو معروف أنه من وَلَدِ سليمان بن داود، وكان زوجاً لخالة مريم. وذكر في حديث المعراج أن زكريا ويحيى ابن خالةٍ، وعلى هذا يكون ذلك تجوُّزا.
ويحيى بن زكريا عُرف عنه الصلاح وطلبُ العلم منذ صباه، فكان يقضي أكثر أوقاته في البريّة يعيش على العسَل والجراد، حتى حصل على رتبة عالية في الشريعة الموسوية، وأصبح مرجعا مهما لكل من يَستفتي في أحكامها. ﴿ وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً ﴾.
وكان يحيى على أكملِ أوصاف الصلاح والتقوى، وقد نُبّىء قبل الثلاثين، وكان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يُعَمِّدُهم في نهر الأردن للتوبة من الخطايا. وهو الذي عمَّدَ المسيح واسمه عندهم : يوحَنّا المَعْمَدان.
وكان حاكمُ فلسطين في زمنه : هيرودس، وكانت له بنت أخٍ يقال لها : هيروديا، كانت بارعةَ الجمال، فأراد عمُّها أن يتزوجها. وكانت البنت موافقة وكذلك أمها، غير أن يحيى لم يرضَ عن هذا الزواج لأنه محرَّم. فأخذت الأُم ابنتَها إلى مجلس عمِّها وجعلتها ترقص له، وقالت لها : إذا عَرَضَ عليك شيئا فاطلبي رأس يحيى، ففعلتْ. ووفّى لها عمّها الحاكمُ بذلك.. قتل يحيى وأحضر لها رأسه على طبق. وبعد أن قُتل يحيى أخذ المسيحُ يَجْهَرُ بدعوته، وقام في الناس واعظاً.
اشتعل الرأسُ شيبا : صار الشيب كأنه نار، والشَّعر كالحطب، والمقصود أن رأسه شابَ من الكبر.
ولم أكن بدعائك ربِّ شقيا : وكنت بدعائي لك سعيدا غير شقي، فإنك كنتَ تستجيب لي دائما.
فقال : ربِّ إني قد ضعُفت وشابَ رأسي، وإنك يا ربّ تمنُّ عليَّ دائما وتستجيب دعائي لذلك فإني سعيدٌ بدعائي لك ولم أكن به شقيا.
من ورائي : من بعد موتي.
عاقر : لا تلد، ويقال للرجل والمرأة عاقر.
وليّا. وارثا.
لقد خِفتُ بعد موتي ألا يحسن أقاربي القيامَ على أمر الدين، وامرأتي عاقر لا تلد، فارزقْني من رحمتِك وفضلِك غلاماً يخلُفُني في قومي.
اجعله يا ربّ يرثني في العلم والدِين ويرِث من آل يعقوب واجعلْه يا رب بَرّاً تقيا مرضيا عندك وعند خلقك. والمراد بالوراثة هنا وراثةُ العلم والدين لأن الأَنبياء لا يُوَرّثِون مالاً ولا عقارا.
قراءات :
قرأ أبو عمرو والكسائي :﴿ يرثْني ويرثْ من آلِ يعقوبَ ﴾ بجَزْمِ الفِعلين.
لقد أخبر الله تعالى زكريا انه أجاب دعاءه وتولى تسمية الولد بنفسِه، ونادى : زكريا، إنا نبشّرك بهبتِنا لك غلاماً اسمُه يحيى، ولم نسمِّ به أحدا من قبله.
قراءات :
قرأ حمزة :﴿ نُبْشِرك ﴾ بضم النون وإسكان الباء من أبشر، والباقون :﴿ نبشرك ﴾ بفتح الباء وتشديد الشين.
فَسُرَّ زكريا بهذه البشرى وقال متعجباً : يا ربّ كيف يكون لي ولدٌ وزوجتي عاقر وأنا قد ضعفتُ من الكِبَرِ وبلغت سن الشيخوخة !.
القراءات
قرأ حمزة والكسائي وحفص :﴿ عتيا ﴾ بكسر العين، والباقون :﴿ عتيا ﴾ بضم العين.
سوياً : سليما صحيحا.
قال زكريا عندما سمع هذه البشرى وتحقَّق من تمامها : ربِّ اجعل لي علامةً تدلّ على حصول ما بُشرتُ به، قال : علامتك هي أن لا تستطيع الكلامَ مدةَ ثلاثِ ليالٍ وأنت صحيحٌ سليم الحواس.
فأوحى زكريا إليهم : أشار إليهم.
فخرج زكريا على قومه من مصلاَّه وهو منطلق اللسان بذِكر الله ولا يستطيع أن يكلِّم الناس، فأشار إلى قومه أن سبِّحوا اللّهَ صباحاً ومساء.
بقوة : بجد واجتهاد.
الحُكم : الحكمة والمعرفة.
ثم ناداه الله : يا يحيى، خذ التوراةَ واعمل بجّدٍ واجتهاد وعزم، وآتاه الحكمةَ والعلم منذ صباه، ونشأ على التقوى.
وزكاة : طهارة من الذنوب.
وقد جَعَلَه الله ذا حنانٍ وشفقة على الناس، وطهارة نفس، وكان تقيا.
ولم يكن جبارا عصيّا : لم يكن متكبرا متعاليا مخالفا لما أُمر به.
كما جعلّه كثير البِرّ بوالديه والإحسان إليهما وإلى الناس، ولم يجعله متجبّرا عليهم،
ولا عاصياً لله.
﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ.... ﴾ : وتحيةٌ من الله عليه، وأمانٌ له يوم موته ويوم يُبعث يوم القيامة حيا. في هذه المواطن الثلاثة يكون العبدُ أحوجَ ما يكون للرحمة والأمان. ذلك هو يحيى الذي أعطاه الله الحكم صبيا، واستجاب دعاء أبيه زكريّا ووهبه ذلك الغلام الطاهر.
مكاناً شرقيا : شرقي بيتَ لحم، وذلك في الغور لأنه المكان الوحيد في بلادنا الذي يثمر فيه النخل.
بعد أن ذكر الله قصة زكريا واستجابة دعائه، ويحيى الذي أوجده الله من شيخين فانيين، ثنى بقصة عيسى لأنها أغرب من ذلك، وقد فتنت قصة عيسى عليه السلام كثيرا من البشر حتى تصوروه إلهاً، ونسجوا حوله كثيرا من الخرافات والأساطير، فجاء القرآن الكريم يقص كيف وقعت هذه القصة العجيبة، ويبرز دلالتها الحقيقية، وينفي تلك الخرافات والأساطير.
واذكر أيها الرسول، ما في القرآن من قصة مريم حين اعتزلت عن أهلها في مكان شرقيّ بيت لحم والقدس حيث كانوا يقيمون.
بشَرا سويا : رجلا كامل الخلقة.
وضربت بينها وبينهم حجابا. فأرسلنا إليها جبريل في صورة إنسان معتدل الخلق.
تقيا : مطيعا.
فلما رأته مريم فزعت منه.
وقالت : إني أستجير بالرحمن منك إن كنت تتقي الله وتخشاه.
زكيا : طاهرا
فقال جبريل مجيباً لها ومزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها : لا تخافي إني رسول من ربك لأكون سببا في أن يهب الله لك غلاما طاهرا مبرأ من العيوب.
قراءات :
قرأ أبو عمرو ونافع :﴿ ليهب لك ﴾ بالياء، والباقون :﴿ لأهب لك ﴾ كما هو في المصحف.
فعجبت مريم مما سمعت وقالت لجبريل : كيف يكون لي غلام ولست بذات زوج، ولم يقربني إنسان ولست من أهل الفجور ؟.
مقضيّا : محتوما.
فقال لها الروح الأمين : إن الله قد قال : إن هذا الأمر عليه هين، وإن أسباب الولادة
لا تنحصر عند الله بما هو المعتاد من زوجين، فإنه كما أوجد آدم من غير أب وأم، وأوجد هذا الكون من العدم، فإنه يهب لك الغلام من غير أب :﴿ إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٤٧ ]. وقد نفخ جبريل في قميصها فكانت تلك النفخة سببا للحمل، كما في قوله تعالى :﴿ والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾ [ الأنبياء : ٩١ ]. وفي سورة التحريم الآية ١٢ ﴿ وَمَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ﴾، وقد قدرنا ذلك لنجعلَ خلقه برهانا على قدرتنا كما يكون رحمة لمن يهتدي به، وكان خلق عيسى محتوما.
وتحققت إرادة الله تعالى، وحملت مريم بعيسى، وذهبت بحملها إلى المكان البعيد عن الناس.. إلى غور الأردن، لأنه هو المكان الذي يوجد فيه النخل وهو المكان الشرقي البعيد وكان مأهولا من بعض المتعبدين. وكون الوقت فيه رطب يعني أن يكون وقت الولادة في الصيف لا في الشتاء كما يقرر النصارى الذين يوقتون الميلاد في الشتاء.
نسيا منسيّا : نسياً بفتح النون وكسرِها، الشيء الذي لا قيمة له فيظلّ منسيا لا يذكر.
فاجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة لتستند إليه وتستتر به، وتمنت لو أنها كانت ماتت قبل هذا الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت، حياء من الناس وخوفا من لومهم، وكان شيئا منسيا. لأن الناس لا يعرفون الحقائق ولا يعذرون.
قراءات :
قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر :﴿ يا ليتني مت ﴾ بضم الميم، والباقون :﴿ مت ﴾ بكسر الميم، فهما لغتان.
قرأ حمزة وحفص :﴿ نسيا ﴾ بفتح النون، والباقون :﴿ نسيا ﴾ بكسر النون، وهما لغتان.
فناداها عيسى من تحتها حيث أنطقه الله، وتلك أيضا من المعجزات : لا تحزني بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومن الألم ومما يقوله الناس، فقد جعل ربك تحتك إنسانا شريفا رفيع القدر والشأن.
يفسر بعض المفسرين : سريا بمعنى الجدول أو النهر، وأن المنادي جبريل، فكيف يكون جبريل تحتها ؟..
قراءات
قرأ حفص وحمزة والكسائي ونافع :﴿ مِن تحتها ﴾ من حرف جر وكسر تحتها، كما هو في المصحف، والباقون :﴿ من تحتها ﴾ بفتح ميم من، وتحتها بفتح التاء.
جنيا : صالحا للقطف.
وهزي النخلة يتساقط عليك الرطب الطيب، والرطب فيه الغذاء الكافي، ويعيش عليه خلق كثير.
ويقول بعض المفسرين إن الوقت لم يكن صيفاً، واللهُ أحيا تلك النخلة وجعل فيها الرطب.. وهذا كلام ليس عليه دليل.
قراءات :
قرأ حفص :﴿ تساقط ﴾ بضم التاء وكسر القاف، وقرأ حمزة :﴿ تساقط ﴾ بفتح التاء والسين بدون تشديد. وقرأ ابو عمر وابن عامر والكسائي وأبو بكر :﴿ تساقط ﴾ بفتح التاء والسين المشددة. وقرأ يعقوب :﴿ يساقط ﴾ بضم الياء والجميع بإسكان الطاء جواب الأمر.
فكلي من ذلك الرطب، واشربي من الماء عندك وطيبي نفسا، فان رأيتِ أحدا من البشر ينكر عليك أمرك، فأفهميه بأنك نذرت لله الصوم عن الكلام وأنك لا تكلمين اليوم أحدا.
بعد أن وضعتْ مريم وليدها أقبلت على أهلِها تحمل عيسى، فقالوا لها مستنكرين :
يا مريم، لقد جئتِ أمراً عظيماً منكَرا ! !.
يا أخت هارون، يا من أنت شبيهةٌ بهارونَ النبيّ في التقوى والصلاح، كيف يصدر عنكِ هذا العمل المنكر، وما كان أبوك بالفاجر، ولم تكن أُمك من البغايا ! فمِن أين لك هذا الولد ؟
روى أحمدُ ومسلم والترمذي والنَّسائي وعبد بن حميد وغيرُهم عن المغيرة بن شعبة قال :« بعثني رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجرانَ فقالوا : أرأيتَ ما تقرأون : ﴿ يا أخت هَارُونَ ﴾ وموسى وهارون قبل عيسى بزمنٍ بعيد. قال فرجعتُ، فذكرت ذلك لرسول الله فقال : ألا أخبركم أنهم كانوا يُسَمَّون بالأنبياء والصالحين قبلهم ! يعني يُشَبَّهون بهم »
وفي دائرة المعارف البريطانية : أن القرآن غَلطَ تاريخياً حين قال :﴿ يا أخت هَارُونَ ﴾ في سورة مريم مع أن بينَ مريمَ وهارونَ أخِ موسى مئاتِ السنين.
وهذا طبعا من الافتراءات المبنيّة على الجهل الفاضح، والحديثُ المذكور يفسّر ذلك.
فأشارت إلى ولدها عيسى ليكلموه، فقالوا : كيف نكلم طفلا لا يزال في المهد، وهم يظنون أنها تزدري بهم.
فلما سمع عيسى كلامهم أنطقه الله :﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾.
يعني أنه سيؤتيه الإنجيل ويجعله نبيّا،
قراءات :
قرأ الكسائي :﴿ آتاني ﴾ بالإمالة.
قراءات :
قرأ الكسائي :﴿ أوصاني ﴾ بالإمالة.
ذلك الذي ذُكرت مناقبه وأوصافه هو عيسى بن مريم، وهذا هو القول الحق في شأنه الذي يجادل فيه المبطلون، ويشك في أمر نبوته الشاكّون، لا ما يقوله الذين ألّهوهُ أو المتهمون لأمه في مولده.
جاء ذكر عيسى بلفظ المسيح تارةً وبلفظ عيسى بن مريم في القرآن في ثلاثَ عشرةَ سورة وفي ثلاثٍ وثلاثين آية منه.
قراءات
قرأ عاصم وابن عامر ويعقوب :﴿ قول الحق ﴾ بنصب قول على أنه مصدر،
والباقون :﴿ قولُ الحق ﴾ على أنه خبر المبتدأ.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع ويعقوب :﴿ وأَن الله ربي وربكم ﴾ بفتح الهمزة، والباقون ﴿ وإنّ... ﴾ بكسر الهمزة.
ويل : خِزي وهوان.
من مشهد يوم عظيم : من حضور يوم القيامة.
ثم أشار الله إلى أنه مع وضوح الأمر في شأن عيسى، وأنه عبدُ الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، اختلفوا فيه كما قال :﴿ فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ.... ﴾
ومع ما تقدم من قول الحق في عيسى، فقد اختلف أهل الكتاب فيه وذهبوا مذاهبَ شتى، والعذاب الشديد للكافرين منهم يوم القيامة، يوم يَحضُرون موقف الحساب ويلقَون سوء الجزاء.
أبصر بهم : ما أبصرهم.
ما أشدّ سمعَهم وأقوى بصرهم يوم يلقَون الله، والظالمون في ذلك اليوم يتحققون أنهم كانوا في ضلالٍ مبين لا يخفى.
ثم أمر الله سبحانه نبيه أن ينذر قومه المشركين جميعا فقال :﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة.. ﴾
أنذرْ أيها الرسول هؤلاء الظالمين يوم يتحسّرون ويندمون على ما فرّطوا في الدنيا في حقِّ اللهِ وحق أنفُسِهم.. وسُمِّي يوم الحَسرْة لأن المجرمين يندمون ويقولون :﴿ يا حسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين ﴾ [ الزمر : ٥٦ ].
وقُضي الأمر وفرغ من حسابهم ونالوا جزاءهم وقد كانوا في غفلةٍ عن ذلك اليومِ وحسَراته وأهواله، وهم لا يصدّقون بالبعث ولا بالجزاء.
لا يُحزنك أيها الرسول تكذيبُ المشركين لك فيما أتيتَهم به من الحق، فإن إلينا مرجعَهم ونحن الوارثون، والكلّ عائد إلينا عودةَ الميراث إلى الوارث الوحيد، فنُجازي المحسنَ بإحسانه والمسيء بإساءته، ولا ظلمَ في ذلك اليوم.
صدّيقا : من يكون صادقاً ومخلصا في أفعاله وأقواله أو صحبته.
انتهت قصةُ المسيح، وقد بيّنها القرآن بوضوح خاليةً من كل شائبة من الأساطير والخرافات. وهنا تأتي حلقة من قصة إبراهيم حيث ذُكِرَ في خمسٍ وعشرين سورة من القرآن. وهنا في هذه الحلقة يتبين ما في عقيدة الشِرك من كذب وضلال. وإبراهيمُ هو الذي ينتسب إليه العرب، وهو الذي بنى البيتَ الحرام مع ابنه إسماعيل. وتبدو في هذه الآيات شخصيةُ إبراهيم الأوّاب الحليم ووداعتُه وحِلْمُه في ألفاظه وتعبيره.
واذكُر أيها الرسول لقومك وللناس ما في القرآن من قصة إبراهيم الصدّيق ( والصدقُ من أكملِ الصفات وأصدقها ) حين نهى قومه عن عبادة الأصنام،
يا أبتِ، لقد جاءني من العِلم الإلهيّ ما لم تطّلع عليه، فاتّبعني فيما أدعوك إليه من الإيمان بالله أدلّك على الطريق القويم الموصِل إلى الله.
يا أبتِ، إني أخشى إنْ أصررتَ على الكفر أن يصيبك عذابٌ شديد من الله، فتكون قرينا للشيطان في النار.
لأرجمنّك : لأَضربنّك بالحجارة.
واهجُرني مليّا : اتركني دهراً طويلا.
فأجابه أبوه بعد كل هذا الكلام اللطيف والعبارات الرقيقة بكلّ جفاء وغلظة فقال :﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم ؟.... ﴾.
أتكره آلهتي ولا ترغب في عبادتها يا إبراهيم ؟ لئن لم تنتِه عما أنت فيه من النَّهي عن عبادتها والدعوةِ إلى ما دعوتني إليه، لأرجمنَّك بالحجارة، فاحذَرْني وأبعد عني وفارِقني دهراً طويلا.
ولما سمع إبراهيم عليه السلام كلام أبيه أجابه بأمرين :
١ - ﴿ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ ﴾ : سلمتَ مني لا أصيبك. وهذا جوابُ الحليم للسفيه، وفيه مقابلةٌ للسيئة بالحسنة.
وزاد على ذلك فقال :
٢ - ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾ : سأدعو لك ربي أن يهديك ويغفر لك. وقد عوّدني ربي أن يكون رحيماً بي مجيباً لدعائي.
وقد حقق إبراهيم ما عزم عليه، فحقق الله رجاءه وأجاب دعاءه فلم يتركه وحيداً، بل وهب له ذريةً وعوّضه خيرا.
وأعطيناهم فوق منزلة النبوّة كثيراً من خير الدنيا والآخرة برحمتنا.
اتلُ أيها الرسول على الناس ما في القرآن من قصة موسى وما اتصف به من صفاتٍ حميدة، واذكُر أن الله أخلَصَه واصطفاه للنبوة والرسالة.
قراءات :
قرأ الكوفيون إلا أبا بكر :﴿ مخلصا ﴾ بفتح اللام بمعنى أخلصه الله للنبوة، والباقون :﴿ مخلصا ﴾ بكسر اللام بمعنى أخلص هو العبادة لله.
وقرّبناه نجيّا : قربناه تقريب تشريف وتكريم، ونجيّاً : مناجيا ومكلِّما بلا واسطة.
وكرّمناه فناديناه من الجانب الأيمن للطور في سيناء، وقرّبناه تقريب تشريف وتكريم حين مناجاته لنا. فَقَرُب من ربّه وارتقت نفسُه حتى بلغت أقصى مناها.
وقد جاء في سورة طه ﴿ واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي ﴾، وقد استجاب له ربه فقال :﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا موسى ﴾.
وقد نُسجت حول إدريس خرافات وأساطير، ونُسب إليه أنه مصدر لجميع العلوم، وأول من خطَّ بالقلم، وأولُ من بنى الهياكل ومجّد الله فيها، وأول من نظر في علم الطب، وألَّف لأهلِ زمانه قصائد موزونة في الأشياءِ الأرضية والسماوية، وغير ذلك كثير جدا. وكلّها أخبار لم تؤيد بنقل صحيح ولم يسنِدها نصٌّ قاطع، ومن أراد الاطّلاع عليها فعليه الرجوعُ إلى كتاب : قصص الأنبياء للمرحوم عبد الوهاب النجار.
وبعد أن ذكَر الله تعالى هؤلاء الرسلَ الكرام وهم عَشَرة، وأثنى عليهم بما هو جديرٌ بهم، أردفَه بذِكر بعض ما جزاهم به من النعم. فقد هداهم إلى سُبل الخير واصطفاهم من سائر خلقه.
﴿ أولئك الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين.... ﴾ : بنعم الدنيا والآخرة من ذريّة آدم وذرية من نجّاه الله مع نوح في السفينة، ومن ذرية إبراهيمَ ويعقوب، وممَّن هديناهم إلى الحق، واخترناهم لإعلاء كلمةِ الله. وإذا تتلى عليهم آياتُنا خَرُّوا لله سجَّدا، وهم باكون خشية منه وحَذَرا من عقابه. وهنا موضع سجدة عند قوله : خروا سجّدا وبُكِياً.
أضاعوا الصلاة : تركوها.
غيا : ضلالا.
بعد أن استعرض اللهُ أولئك الأنبياءَ السعداء ومن تَبِعَهم بإحسان، جاء هنا يوازي بين أولئك المؤمنين الأتقياء، وبين الذين خلفوهم. فإذا المسافةُ شاسعة والفارقُ بعيد. فلقد جاءَ من بعد هؤلاء الأنبياء الأخيارِ خَلْفُ سوء كانوا على غيرِ هديهم، تركوا الصلاة وانهمكوا في المعاصي وآثروا شهواتِهم على طاعة الله.
ثم ذكر عاقبة أعمالهم، وسوء مآلهم فقال :﴿ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً ﴾ : وسيلقى هؤلاء جزاء غيِّهم وضلالهم في الدنيا والآخرة.
مأتيا : آتيا.
ثم أوضح الله جنة الخلد ومن فيها فقال :﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ﴾.
هذه الجنات هي جنات إقامةٍ دائمة قد وعد الرحمنُ عباده بها فآمنوا بها بالغيب قبل أن يروها، ووعدُ الله واقع لا محالة.
ثم يوضح تلك الصورة الجميلة وما فيها من عيشة راضية ونعيم مقيم، فيقول :﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً.... ﴾.
لا يسمعون فيها فُضولا في الحديث ولا ضجةً ولا جِدالا وإنما صوت السّلام والأمان، والرزقُ في هذه الجنات مكفولٌ دائم.
بعد أن ذَكر اللهُ قَصص الأنبياء عليهم السلام وأعقبه بذِكر ما أحدثه الخَلْفُ بعدهم وَذكَر جزاءَ الفريقين، أعقب ذلك بقصص تأخر جبريلَ على النبي صلى الله عليه وسلم ردّاً لما زعمه المشركون من أنه كان يتأخر عليه وبياناً لهم أن الأمر على غير ما زعموا.
وما تنزِلُ الملائكةُ بالوحي إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمتُه، وتدعو إليه مصلحة عباده والكلام على لسانِ جبريل : إن أمْرَنا موكولٌ إلى الله تعالى يتصرّف فينا حسب مشيئته، فهو سبحانه المالكُ المدبّر العالِمُ بمستقبلنا وماضينا وما بين ذلك. ولإحاطة عِلمه بملكه فإنه لا يطرأ عليه غَفْلة ولا نسيان.
فهو سبحانه الخالقُ المالكُ لهذا الكون كلّه والمدبر لشؤونه والمستحقّ وحده للعبادة، فاعبُده أيها الرسول ومن معك واصطبرْ وثابر على عبادته، هل تعلم له شبيها ؟ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير ﴾ ( الشورى )
﴿ وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً.... ﴾ : ويقول الجاحد الذي لا يصدّق بالبعث بعد الموت متعجّباً ومستبعِداً : كيف أُبعث حياً بعد الموت والفناء ! !.
كيف يستغرِب هذا الإنسان قدرة الله على البعث في الآخرة، ولا يتذكّر أنه تعالى خلَقَه في الدنيا من عدم ولم يكُ شيئا !
قراءات :
قرأ نافع وابن عامر وعاصم :﴿ أولا يذكُر ﴾ بإسكان الذال وضم الكاف، وقرأ الباقون :﴿ أولا يذكر ﴾ بتشديد الذال المفتوحة وفتح الكاف.
ثم يعقب الله على هذا الإنكار بقسَمٍ فيه تهديد كبير، إذ يقسم بنفسه أنهم سيحشَرون بعد البعث.
جثيا : جمع جاثٍ وهو البارك على ركبتيه.
فوربّك الذي خلقك يا محمّد لنجمعنَّ الكافرين يوم القيامة مع الشياطين الذين زيّنوا لهم الكفر، وسنُحضِرهم حول جهنّم جاثِين على رُكَبهم في ذِلّة وفزع.
عتيا : تكبراً، ويقال عُتُوّا أيضا.
ثم لنأخذَنَّ من كل جماعة أشدَّهم كفراً بالله وتمردا عليه، فيُدفع بهم قبلَ غيرِهم إلى أشد العذاب.
ونحن أعلمُ بالذين هم أحقُّ بسبقهم إلى دخول جهنم والاصطلاءِ بنارها وأنهم جميعاً يستحقّون العذاب، لكنّا ندخِلهم في جهنم بحسب عِتِيِّهم وتجبُّرهم في كفرهم.
حتما : واجبا.
مقضيّا : جرى به قضاءُ الله.
ثم خاطب الناس جميعاً ليذكُروا ويعتبروا :﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ﴾ : وما أحدٌ منكم أيها الناس إلا يدنُو من جهنّم، يراها المؤمن ويمرّ بها والكافرُ يدخلها.. هكذا قضى ربك وجعلَه أمراً محتوما.
قراءات :
قرأ الكسائي ويعقوب :﴿ ثم نُنْجي ﴾ بضم النون الأولى وإسكان الثانية، والباقون بضم
النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم.
مقاما : مكانا، منزلا.
نديا : مجلسا، النديّ والنادي والمنتدَى بمعنى، وكذلك الندوة.
بعد أن أقام الله تعالى الحجة على مشركي قريش المنكِرين للبعث بعد الفناء، أتبعه هنا بذكر شبهةٍ أخرى، حيث قال بعض زعمائهم ( وهم النضر بن الحارث وأبو جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم ) عندما كانت تتلى عليهم آيات الله واضحةَ الدلالة :﴿ أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾...
أعرضوا عنها وقالوا للمؤمنين : لستم مثلَنا حظّاً في الدنيا، فنحنُ خيرٌ منكم منزلاً ومجلسا، فكذلك سيكون حظّنا في الآخرة.
انظروا إلى المؤمنين الذين حول محمد، مثل بِلال وعمّار وخَبَّاب وغيرِهم من الفقراء المعدِمين، فأيُّ الفريقَين منا ومنكم أوسعُ عيشاً وأنعم بالا ! ؟.
قراءات
قرأ ابن كثير :﴿ مُقاما ﴾ بضم الميم الأولى والباقون :﴿ مَقاما ﴾ بفتح الميم.
الأثاث : متاع البيت وفرشه وكل ما يحتاج إليه، لا واحد له.
رئِيا : منظرا، ونضارة وحسنا.
فردّ الله عليهم شُبْهَتَهم بقوله :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئيا ﴾.
كان على هؤلاء المتكبّرين الجاحدين أن يتَعِظوا بمن سبقَهم، وكانوا أحسنَ منهم حظاً في الدنيا وأكثر متاعا، فأهلكناهم بكفرهم ولم ينفعْهم أثاثهم ورياشهم، ولم يعصِمهم شيءٌ من الله حين كتب عليهم الهلاك.
جندا : أنصارا.
ثم أمَرَ سبحانه نبيّه الكريم أن يُجيب هؤلاء المفتخِرين بما عندهم بقوله :﴿ قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً.... ﴾.
قل أيها الرسول لهؤلاء المدّعين أنهم على الحق وأنكم على الباطل : من كان في الضلالة والكفر أمهلَهُ اللهُ وأملى له العُمُر ليزدادَ طغياناً وضلالا ثم يأخذُه أخْذَ عزيز مقتدر إما بعذاب الدنيا وإما بعذاب الآخرة، سيعلمون أنهم شّرٌّ مكاناً وأضعفُ جُنْدا وأقلُّ ناصراً من المؤمنين، وعند ذلك يظهر من هو خيرٌ مقاما وأحسن نَدِيّا.
أما المؤمنون بآيات الله إن الله تعالى يزيدهم هدى وتوفيقا، ذلك أن الطاعاتِ التي يبقى ثوابها لأهلها خير عند ربهم جزاءً وأبقى عند الله ثواباً وعاقبة.
في صحيح البخاري ومسلم عن خباب بن الأرتّ قال : كنتُ حدّادا وكان لي على العاص بن وائل والد عمرو بن العاص دَين، فأتيتُه أتقاضاه منه فقال : لا واللهِ، لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت : لا واللهِ لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموتَ ثم تُبعث. قال : فإني إذا متّ ثم بعثت جئتني ولي مال وولد فأعطيك. فأنزل الله تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتَ.. ﴾الآية.
وقولُ العاص هذا نموذجٌ من تهكُّم الكفار واستخفافِهم بالبعث، فالقرآنُ هنا يعجب من هذه الجُرأة والاستخفاف.
انظُر أيها الرسول إلى حالِ هذا الجاحد المتكبر واعجبْ من مقاله الشنيع وجُرأته على الله إذ قال : سيكون لي مالٌ وولد في الآخرة.
هل اطّلعَ هذا الكافر على الغيب حتى يتجرأ ويقول ما قال، أم أخذ من الله عهداً بذلك ! !
ونمدّ له من العذاب : ونزيد له من العذاب.
﴿ كلاّ ﴾ وهي لفظة نفيٍِ وزجر، ليس الأمرُ كذلك، إنه لم يطّلع على الغيب ولم يأخذ عند الله عهداً عليه كلَّ أقواله ونزيدُه من العذاب ونُطيله عليه في جهنم.
ونسلبُه ما عنده من المال والولَد وكلَّ ما يعتز به في الدنيا ويأتي في الآخرة وحيداً منفردا لا مالَ معه ولا ولد ولا نصير.
كلا : فسيكفر بهم الملائكةُ والجنّ وكلّ المعبودات، ويبرؤون إلى الله منهم ويكونون لهم أعداء وخصوما.
ألم تعلم أيها الرسول أنا سلَّطنا الشياطينَ على الكافرين واستحوذوا عليهم، يُغْرونَهم بالمعاصي ويدفعونهم إلى التمرُّدِ والوقوع فيها.
ثم يبين الله ما يكون في ذلك اليوم وكيف يستقبل المتقين بالتكريم ويسوق المجرمين كالدواب.
اذكر أيها الرسول ذلك اليوم الذي نجمع المؤمنين فيه إلى جنة الخلد وفودا مكرمين،
كما نسوق المجرمين إلى جهنم وندفعهم عِطاشاً كالدوابّ الواردين إلى الماء.
إدّا : منكرا عظيما.
بيّن أن مقولة نسبة الولد إلى الله منكَرة يهتزّ لها الكون بأجمعه.
تخرُّ : تسقط.
وقال المشركون إن الله اتخذ من الملائكة بناتٍ، وقال اليهود والنصارى إن الله اتخذ ولداً سبحانه وتعالى عن ذلك، لقد جئتم أيها القائلون بمقالِكم هذا أمراً منكَرا تنكره العقول المستنيرة. إن السمواتِ تكاد تتشقق من هذا القول لشدّة هوله وتُخْسف الأرض وتسقط الجبال لمجرّدِ سماعه.
قراءات :
قرأ نافع والكسائي :﴿ يكاد ﴾ بالياء، والباقون :﴿ تكاد ﴾ بالتاء. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وحفص :﴿ يتفطرن ﴾ بالتاء، والباقون :﴿ ينفطرن ﴾ بالنون.
إنها لكلمةٌ شنيعة لو صورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام العظام ولتفتت وتفرقت أجزاؤها من شدتها.
ثم بين علّة ذلك بقوله :
﴿ أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ : من أجلِ أنهم نسبوا إلى الله اتخاذ الولد.
وقد تكرر لفظ ﴿ الرحمن ﴾ في هذه السورة ستَّ عشرة مرة، لأن المشركين كانوا ينكرون هذه الكلمة وكانوا يقولون ما هو الرحمن :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن ﴾ [ الفرقان : ٦٠ ].
والرحمن وصفٌ يدل على عموم الرحمة فهي شاملة لكل موجودٍ. إن الله مع كل ما يأتيه المنكِرون رحمنٌ رحيم سبقت رحمته غضبه.
إن الذين آمنوا بالله وصدّقوا برسُله وعملوا الأعمال الطيبة الصالحة سيجعل الله لهم محبةً في قلوب الناس ويكونون في رحاب الله وتكريمه يوم القيامة.
روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إذا أحبَّ الله عبداً يقول لجبريل : إني أحببت فلانا فأحِبَّه، فينادي في السماء ثم تنزل له المحبّة في الأرض »، فذلك قول الله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات.. الآية ﴾ وللحديث روايات متعددة..
وبعد، فان هذه لَبشرى للمؤمنين، ومعها إنذار للجاحدين، وقد يسّر الله فهمَ كتابه على العرب، فأنزله بلسانهم ولسان رسوله الأمين.
لقد يسّرنا القرآن بلغتك لتبشّر برضى الله ونعيمه من اتبعَ أوامره واجتنب نواهيَه، وتنذِرَ بسخط الله وعذابه من كفر واشتد في خصامه.
فلا يحزنك أيها الرسول عنادُهم لك، فقد أهلك اللهُ قبلهم كثيرا من الأمم والأجيال... ولقد اندثروا فلا ترى منهم أحدا ولا تسمع لهم صوتا، إنهم بادوا وهلكوا وخلتْ منهم دورهم وأوحشت منازلُهم، وكذلك هؤلاء فهم صائرون إلى ما صار إليه أولئك إن لم يتداركوا أنفسَهم بالتوبة.