تفسير سورة الحديد

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ سبّح لله ما في السموات والأرض... ﴾ [ الحديد : ١ ] عبّر هنا وفي الحشر والصفّ بالماضي( ١ )، وفي الجمعة( ٢ ) والتغابن بالمضارع، وفي الأعلى بالأمر( ٣ )، وفي الإسراء بالمصدر( ٤ )، استيعاباً للجهات المشهورة لهذه الكلمة، وبدأ بالمصدر في الإسراء ﴿ سبحان الذي أسرى ﴾ لأنه الأصل، ثم بالماضي لسَبْقِ زمنه، ثم بالمضارع لشموله الحال والمستقبل، ثم بالأمر لخصوصه بالحال، مع تأخره في النطق به، في قولهم : فَعَلَ، يَفْعَلِ، افعَلْ، وقوله :﴿ خلق السموات والأرض ﴾ [ الحديد : ٤ ] و﴿ لله ملك السموات والأرض ﴾ [ الحديد : ٥ ] وقاله في الحشر :﴿ سبّح لله ما في السموات وما في الأرض ﴾ والصفّ، والجمعة، والتغابن بإثباتها( ٥ )، عملا بالأصل.
١ - قال تعالى في الحشر: ﴿سبّح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم﴾..
٢ - وقال في الجمعة: ﴿يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض.. ﴾ الآية..
٣ - وقال في الأعلى: ﴿سبح اسم ربّك الأعلى﴾..
٤ - وقال في الإسراء: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا... ﴾ الآية. وكلّ ذلك لينبهنا تعالى، على أنه تعالى ينزّهه كلّ ما في الكون، في الماضي، والحاضر، والمستقبل، بجميع صيغ التسبيح، وبشتى صور التسبيح والتنزيه..
٥ - أي بإثبات ﴿ما في﴾ في هذه السور الكريمة، وأما في سورة الحديد، فجاءت بدونها ﴿سبح لله ما في السموات والأرض﴾ ولم يذكر "ما في"..
قوله تعالى :﴿ له ملك السموات والأرض... ﴾ الآية [ الحديد : ٥ ].
ذكره مرتين وليس بتكرار، لأن الأول في الدنيا، لقوله عَقِبه ﴿ يحيي ويميت ﴾ [ الحديد : ٢ ].
والثاني في العُقبى لقوله عَقِبَه :﴿ وإلى الله ترجع الأمور ﴾ [ الحديد : ٥ ].
قوله تعالى :﴿ لا يستوي منكم من أنفق من قبلِ الفتح وقاتل... ﴾ [ الحديد : ١٠ ] تقديره : من أنفق وقاتل قبل الفتح، ومن أنفق وقاتل بعده، لأن الاستواء إنما يكون بين اثنين فأكثر، وإنما حذفه لدلالة ما بعده عليه.
قوله تعالى :﴿ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصدّيقون والشهداء ﴾ [ الحديد : ١٩ ] سمّاهم شهداء تغليبا، أو المراد لهم أجر الشّهداء، وإلا فبعضُهم لم يُقتل، حتى يكون شهيدا.
قوله تعالى :﴿ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم... ﴾ الآية [ الحديد : ٢٢ ].
قاله هنا، وقال في التغابن :﴿ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ﴾ [ التغابن : ١١ ] فصّل هنا، وأجمل ثَمّ( ١ )، موافقة لما قبلهما، لأنه فصّل هنا بقوله :﴿ اعلموا أنما الحياة الدنيا ﴾ الآية [ الحديد : ٢٠ ]، بخلافه ثَمَّ.
١ - أي اقتصر على قوله: ﴿بإذن الله﴾ ولم يذكر قوله: ﴿في الأرض ولا في أنفسكم﴾ لأنه في سورة الحديد جاء الحديث مفصّلا في قوله تعالى: ﴿إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم... ﴾ الآية..
قوله تعالى :﴿ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم.... ﴾ [ الحديد : ٢٣ ] ليس المراد به الانتهاء عن الحزن والفرح، اللذين لا ينفكّ عنهما الإنسان بطبعه، بل المراد الحزن المُخْرِجُ لصاحبه إلى الذّهول، عن الصبر والتسليم لأمر الله تعالى، والفرح المُلْهي عن الشكر، نعوذ بالله منهما.
قوله تعالى :﴿ لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان... ﴾ [ الحديد : ٢٥ ].
المراد بالميزان : العدل، أو العقل، وقيل : هو الميزان المعروف، أنزله جبريل عليه السلام، فدفعه إلى نوح عليه السلام، وقال له : مرّ قومك يزنوا به.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله... ﴾ [ الحديد : ٢٨ ].
إن قلتَ : كيف قال ذلك مع أن المؤمنين مؤمنون برسوله ؟   !
قلتُ : معناه يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى، آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيكون خطابا لأهل الكتاب خاصة، أو معناه : يا أيها الذين آمنوا يوم الميثاق، آمنوا بالله ورسوله اليوم، أو يا أيها الذين آمنوا في العلانية باللسان، اتقوا الله وآمنوا برسوله في السِّر بتصديق القلب( ١ ).
١ - الأرجح أن المراد: أثبتوا على الإيمان، وواظبوا عليه، باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله... ﴾ الآية. أي أثبتوا على إيمانكم ودينكم، ولا تتركوا دينكم فتهلكوا..
Icon