ﰡ
مكية وآيها خمس وخمسون آية
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣)اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
روي أن الكفار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم آية فانشق القمر.
وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ «وقد انشق القمر» أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر، وقوله:
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا عن تأملها والإِيمان بها. وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ مطرد وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخر مترادفة ومعجزات متتابعة حتى قالوا ذلك، أو محكم من المرة يقال أمررته فاستمر إذا أحكمته فاستحكم، أو مستبشع من استمر الشيء إذا اشتدت مرارته أو مار ذاهب لا يبقى.
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره، وذكرهما بلفظ الماضي للإِشعار بأنهما من عادتهم القديمة. وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاوة، أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر، وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر، وكل معطوف على الساعة.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤ الى ٥]
وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥)
وَلَقَدْ جاءَهُمْ في القرآن مِنَ الْأَنْباءِ أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة. مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ازدجار من تعذيب أو وعيد، وتاء الافتعال تقلب دالاً مع الذال والدال والزاي للتناسب، وقرئ «مزجر» بقلبها زايا وإدغامها.
حِكْمَةٌ بالِغَةٌ غايتها لا خلل فيها وهي بدل من ما أو خبر لمحذوف، وقرئ بالنصب حالاً من ما فإنها موصولة أو مخصوصة بالصفة نصب الحال عنها. فَما تُغْنِ النُّذُرُ نفي أو استفهام إنكار، أي فأي غناء تغني النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر، أو المنذر منه أو مصدر بمعنى الإنذار.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٦ الى ٨]
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ لعلمك بأن الإِنذار لا يغني فيهم. يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إسرافيل، ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله: كُنْ فَيَكُونُ وإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب يَوْمَ ب يَخْرُجُونَ أو بإضمار اذكر. إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة، وقرأ ابن كثير بالتخفيف، وقرئ «نكر» بمعنى أنكر.
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ مسرعين مادي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه. يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ صعب.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٩ الى ١٠]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ قبل قومك. فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحاً عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال، وقيل معناه كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب، أو كذبوه بعد ما كذبوا الرسل. وَقالُوا مَجْنُونٌ هو مجنون. وَازْدُجِرَ وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية، وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته.
فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي بأني وقرئ بالكسر على إرادة القول. مَغْلُوبٌ غَلبني قومي. فَانْتَصِرْ فانتقم لي منهم وذلك بعد يأسه منهم.
فقد روي أن الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشياً عليه فيفيق ويقول: «اللَّهُم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١١ الى ١٢]
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ منصب، وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها، وقرأ ابن عامر ويعقوب ففتحنا بالتشديد لكثرة الأبواب.
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة، وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة. فَالْتَقَى الْماءُ ماء السماء وماء الأرض، وقرئ «الماءان» لاختلاف النوعين «الماوان» بقلب الهزة واواً. عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ على حال قدرها الله تعالى في الأزل من غير تفاوت، أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج، أو على أمر قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤)
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ ذات أخشاب عريضة. وَدُسُرٍ ومسامير جمع دسار من الدسر، وهو الدفع الشديد وهي صفة للسفينة أقيمت مقامها من حيث أنها كالشرح لها تؤدي مؤداها.
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا. جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ أي فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنه نعمة كفروها، فإن كل نبي نعمة من الله تعالى ورحمة على أمته، ويجوز أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير، وقرئ «لِمَنْ كُفِرَ» أي للكافرين.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١٥ الى ١٧]
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)
وَلَقَدْ تَرَكْناها أي السفينة أو الفعلة. آيَةً يعتبر بها إذ شاع خبرها واشتهر. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ استفهام تعظيم ووعيد، والنذر يحتمل المصدر والجمع.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ سهلناه أو هيأناه من يسر ناقته للسفر إذا رحلها. لِلذِّكْرِ للادكار والاتعاظ بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر، أو للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متعظ.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١٨ الى ٢١]
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١)
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ وإنذاري أتى لهم بالعذاب قبل نزوله، أو لمن بعدهم في تعذيبهم.
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً بارداً أو شديد الصوت. فِي يَوْمِ نَحْسٍ شؤم. مُسْتَمِرٍّ أي استمر شؤمه، أو استمر عليهم حتى أهلكهم، أو على جميعهم كبيرهم وصغيرهم فلم يبق منهم أحداً، أو اشتد مرارته وكان يوم الاربعاء آخر الشهر.
تَنْزِعُ النَّاسَ تقلعهم، روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى. كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض. وقيل شبهوا بالاعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم، وتذكير مُنْقَعِرٍ للحمل على اللفظ، والتأنيث في قوله أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ للمعنى.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ كرره للتهويل. وقيل الأول لما حاق بهم في الدنيا، والثاني لما يحيق بهم في الآخرة كما قال أيضاً في قصتهم لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٥]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ بالإِنذارات والمواعظ، أو الرسل.
فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا من جنسنا أو من جملتنا لا فضل له علينا، وانتصابه بفعل يفسره وما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء والأول أوجه للاستفهام. واحِداً منفرداً لاتبع له أو من آحادهم دون أشرافهم. نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ جمع سعير كأنه عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له، وقيل السعر الجنون ومنه ناقة مسعورة.
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ الكتاب أو الوحي. عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا وفينا من هو أحق منه بذلك. بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ حمله بطره على الترفع علينا بادعائه إياه.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)
سَيَعْلَمُونَ غَداً عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة. مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل أصالح عليه السلام أم من كذبه؟ وقرأ ابن عامر وحمزة ورويس ستعلمون على الالتفات أو حكاية ما أجابهم به صالح، وقرئ «الأشر» كقولهم حذر في حذر و «الأشر» أي الأبلغ في الشرارة وهو أصل مرفوض كالأخير.
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ مقسوم لها يوم ولهم يوم، وبَيْنَهُمْ لتغليب العقلاء. كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ يحضره صاحبه في نوبته أو يحضره عنه غيره.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ قدار بن سالف أحيمر ثمود فَتَعاطى فَعَقَرَ فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها أو فتعاطى السيف فقتلها والتعاطي تناول الشيء بتكلف.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً صيحة جبريل عليه السلام. فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة لأجلها أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء، وقرئ بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ. إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً ريحاً تحصبهم بالحجارة أي ترميهم. إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ في سحر وهو آخر الليل أو مسحرين.
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا إنعاماً منا وهو علة لنجينا. كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ نعمتنا بالإِيمان والطاعة.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ لوط. بَطْشَتَنا أخذتنا بالعذاب. فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ فكذبوا بالنذر متشاكين.
وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ قصدوا الفجور بهم. فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فمسحناها وسويناها بسائر الوجه.
روي أنهم لما دخلوا داره عنوة صفقهم جبريل عليه السلام صفقة فأعماهم.
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ فقلنا لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة أو ظاهر الحال.
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً وقرئ «بُكْرَةً» غير مصروفة على أن المراد بها أول نهار معين. عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار.
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كرر ذلك في كل قصة إشعاراً بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب واستماع كل قصة مستدع للادكار والاتعاظ، واستئنافاً للتنبيه والاتعاظ لئلا يغلبهم السهو والغفلة، وهكذا تكرير قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ونحوهما.
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ اكتفى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك منهم.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٣ الى ٤٥]
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)
أَكُفَّارُكُمْ يا معشر العرب. خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ الكفار المعدودين قوة وعدة أو مكانة وديناً عند الله تعالى. أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ أم نزل لكم في الكتب السماوية أن من كفر منكم فهو في أمان من العذاب.
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ جماعة أمرنا مجتمع مُنْتَصِرٌ ممتنع لا نرام أو منتصر من الأعداء لا نغلب، أو متناصر ينصر بعضنا بعضاً والتوحيد على لفظ الجميع.
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ أي الأدبار وإفراده لإِرادة الجنس، أو لأن كل واحد يولي دبره وقد وقع ذلك يوم بدر وهو من دلائل النبوة.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه «أنه لما نزلت قال لم أعلم ما هو فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلبس الدرع ويقول. سيهزم الجمع، فعلمته».
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ موعد عذابهم الأصلي وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه. وَالسَّاعَةُ أَدْهى أشد، والداهية أمر فظيع لا يهتدي لدوائه. وَأَمَرُّ مذاقاً من عذاب الدنيا.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ عن الحق في الدنيا. وَسُعُرٍ ونيران في الآخرة.
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ يجرون عليها. ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي يقال لهم ذوقوا حر النار وألمها فإن مسها سبب التألم بها، وسقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف من سقرته النار وصقرته إذا لوحته.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ أي إنا خلقنا كل شيء مقدراً مرتباً على مقتضى الحكمة، أو مقدراً مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، وكل شيء منصوب بفعل يفسره ما بعده، وقرئ بالرفع على الابتداء وعلى هذا فالأولى أن يجعل خلقناه خبراً لا نعتاً ليطابق المشهورة في الدلالة على أن كل شيء مخلوق بقدر، ولعل اختيار النصب ها هنا مع الإِضمار لما فيه من النصوصية على المقصود.
وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ إلا فعلة واحدة وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة، أو إِلَّا كلمة واحدة وهو قوله كن. كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ في اليسر والسرعة، وقيل معناه معنى قوله تعالى: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ أشباهكم في الكفر ممن قبلكم. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متعظ.
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ مكتوب في كتب الحفظة.
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ من الأعمال. مُسْتَطَرٌ مسطور في اللوح.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ أنهار واكتفى باسم الجنس، أو سعة أو ضياء من النهار. وقرئ «نهر» وبضم الهاء جمع نهر كأسد وأسد.
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ في مكان مرضي، وقرئ «مقاعد صدق». عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ مقربين عند من تعالى أمره في الملك، والاقتدار بحيث أبهمه ذوو الأفهام.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة القمر في كل غب بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر».