تفسير سورة فصّلت

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة حم السجدة
وهي مكية

قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿حم﴾ قد ذكرنَا مَعْنَاهُ.
وَقَوله: ﴿تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ مِنْهُم من قَالَ: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير كَأَنَّهُ: تَنْزِيل كتاب من الرَّحْمَن الرَّحِيم فصلت آيَاته. وَقَالَ بَعضهم: فِي الْآيَة مُضْمر مَحْذُوف، والمحذوف هُوَ الْقُرْآن، وَكَأَنَّهُ قَالَ: تَنْزِيل الْقُرْآن من الرَّحْمَن الرَّحِيم. قَالَ الزّجاج: وَقَوله: ﴿تَنْزِيل﴾ مُبْتَدأ، قَوْله: ﴿كتاب﴾ خَبره.
وَقَوله: ﴿فصلت آيَاته﴾ قَالَ مُجَاهِد: فسرت، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: فصلت بالوعد والوعيد، وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب. وَيُقَال: فصلت بالحلال وَالْحرَام.
وَقَوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبيا﴾ أَي: بِلِسَان الْعَرَب.
وَقَوله: ﴿لقوم يعلمُونَ﴾ أَي: يتدبرون مَا فِيهِ عَن علم.
قَوْله: ﴿بشيرا وَنَذِيرا﴾ مَعْنَاهُ: قُرْآنًا بشيرا وَنَذِيرا. فالقرآن بشير للْمُؤْمِنين، نَذِير للْكَافِرِينَ.
وَقَوله: ﴿فَأَعْرض أَكْثَرهم فهم لَا يسمعُونَ﴾ أَي: لَا يَسْتَمِعُون إِلَى الْقُرْآن.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ﴾ أَي: فِي أغطية. قَالَ مُجَاهِد: كالجعبة للنبل.
وَقَوله: ﴿وَفِي آذاننا وقر﴾ أَي: صمم.
36
﴿وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب فاعمل إننا عاملون (٥) قل إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ يُوحى إِلَيّ أَنما إِلَهكُم إِلَه وَاحِد فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه وويل للْمُشْرِكين (٦) الَّذين لَا يُؤْتونَ﴾
وَقَوله: ﴿وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب﴾ أَي: حاجز. وَقَالَ بَعضهم: (تفرق فِي النحلة حاجز فِي الطَّرِيقَة). وروى بَعضهم: أَن أَبَا جهل استغشى بِثَوْب ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد، بَيْننَا وَبَيْنك حجاب. استهزاء، وَمعنى الْآيَة: أَنهم لما لم يستمعوا إِلَى الْقُرْآن اسْتِمَاع من يقبله كَانُوا كَأَن قُلُوبهم فِي أغطية، وَفِي آذانهم وقر وصمم، وَبَينه وَبينهمْ حجاب.
وَقَوله: ﴿فاعمل إننا عاملون﴾ مَعْنَاهُ: [فاعمل] بِمَا [تعلم] من دينك إننا عاملون بِمَا نعلم من ديننَا، قَالَه الْفراء. وَقَالَ بَعضهم: فاعمل فِي هلاكنا فَإنَّا نعمل فِي هلاكك. وَقَالَ بَعضهم: فاعمل لمعبودك فَإنَّا نعمل لمعبودنا.
37
قَوْله: ﴿إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ يُوحى إِلَيّ إِنَّمَا إِلَهكُم إِلَه وَاحِد فاستقيموا إِلَيْهِ﴾ أَي: توجهوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَة.
وَقَوله: ﴿واستغفروه﴾ أَي: من الشّرك الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة﴾ أَي: لَا يرَوْنَ الزَّكَاة وَاجِبَة عَلَيْهِم كَمَا يرَاهُ الْمُسلمُونَ. وَيُقَال: معنى الإيتاء هُوَ على ظَاهره، وَالْكَافِر يُعَاقب فِي الْآخِرَة بترك إيتَاء الزَّكَاة؛ لأَنهم مخاطبون بالشرائع. ذكره جمَاعَة من أهل الْعلم. وَقَالَ بَعضهم: لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة أَي: لَا يَفْعَلُونَ مَا يصيرون بِهِ أزكياء. وَقَالَ بَعضهم: لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة أَي: لَا يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ ابْن عَبَّاس، فِي رِوَايَة عَطاء، فعلى هَذَا مَعْنَاهُ: لَا يطهرون أنفسهم من الشّرك بِقبُول التَّوْحِيد. وَعَن قَتَادَة قَالَ: الزَّكَاة فطْرَة الْإِسْلَام؛ فَمن قبلهَا نجا، وَمن ردهَا هلك. وَأما القَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ إِنَّهَا الزَّكَاة بِعَينهَا،
37
﴿الزَّكَاة وهم بِالآخِرَة هم كافرون (٧) إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم أجر غير ممنون (٨) قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ اندادا ذَلِك رب الْعَالمين (٩) وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي﴾
قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ وَجَمَاعَة.
وَقَوله: ﴿وهم بِالآخِرَة هم كافرون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
38
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم أجر غير ممنون﴾ أَي: غير مَقْطُوع، وَيُقَال مَعْنَاهُ: غر ممنون عَلَيْهِم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا الْحِكْمَة فِي خلقهَا فِي يَوْمَيْنِ، وَقد كَانَ قَادِرًا على خلقهَا فِي سَاعَة وَأَقل من ذَلِك؟ قُلْنَا: خلق فِي يَوْمَيْنِ ليرشد خلقه إِلَى الإناة فِي الْأَفْعَال؛ وليكون أبعد من توهم اتِّفَاق أَو فعل طبع، وَلِأَنَّهُ لَا سُؤال عَلَيْهِ فِي خلقه فكيفما شَاءَ خلق.
وَقَوله: ﴿وتجعلون لَهُ أندادا﴾ أَي: أشباها وأمثالا وشركاء. قَالَ حسان بن ثَابت:
(أتهجوه وَلست لَهُ بند فشركما لخير كَمَا الْفِدَاء)
قَالَ أهل الْمعَانِي: قَوْله ﴿وتجعلون لَهُ أندادا﴾ أَي: تطيعون غَيره فِي مَعَاصيه. وَقَالَ بَعضهم: من ذَلِك أَن يَقُول الرجل: لَوْلَا كلبة فلَان لدخل اللُّصُوص دَاري، وَلَوْلَا إرشاد فلَان لهلكت، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَقَوله: ﴿ذَلِك رب الْعَالمين﴾ أَي: الَّذِي فعل ذَلِك الْفِعْل هُوَ رب الْعَالمين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجعل فِيهَا رواسي﴾ أَي: جبالا رواسي، وسماها رواسي لثبوتها. وَفِي الْقِصَّة: أَن الله تَعَالَى لما خلق الأَرْض جعلت تميد وَلَا تَسْتَقِر، فخلق الله الْجبَال عَلَيْهَا فاستقرت، فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا﴾.
وَقَوله: ﴿وَبَارك فِيهَا﴾ أَي: أَكثر فِيهَا الْبركَة. وَالْبركَة: الْمَنَافِع، وَمن بركاتها
38
﴿أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين (١٠) ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان فَقَالَ لَهَا وللأرض﴾ الْأَشْجَار الَّتِي تنْبت بِغَيْر غرس، والحبوب الَّتِي تنْبت بِغَيْر بذر، وكل مَا لم يعمله بَنو آدم. وَفِي بعض الْآثَار: أَن الله تَعَالَى جمع فِي (الْخبز) بَرَكَات السَّمَاء وَالْأَرْض.
وَقَوله: ﴿وَقدر فِيهَا أقواتها﴾ فِي التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: الْحِنْطَة لقوم، وَالشعِير لقوم، والذرة لقوم، وَالتَّمْر لقوم، والسمك لقوم، وَاللَّحم لقوم. وَيُقَال: الْمصْرِيّ لمصر، والسابري لسابر، والعربي للْعَرَب، وكل طَعَام فِي مَوْضِعه.
وَقَوله: ﴿فِي أَرْبَعَة أَيَّام﴾ أَي: (فِي تَمام أَرْبَعَة أَيَّام). فَإِن قَالَ قَائِل: قد قَالَ هَاهُنَا خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ فَذكر أَنه بَدَأَ بِخلق الأَرْض وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: ﴿وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها﴾ فَكيف وَجه الْجمع بَين الْآيَتَيْنِ؟ وَالْجَوَاب: أَن معنى قَوْله: ﴿وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها﴾ أَي: مَعَ ذَلِك، وَهَذَا ضَعِيف فِي اللُّغَة، وَالأَصَح أَن معنى قَوْله: (وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها) أَي: بسطها، وَكَانَ الله تَعَالَى خلق الأَرْض قبل السَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ، وَخلق الأرزاق والأقوات فِيهَا، وأجرى الْأَنْهَار، وَأظْهر الْأَشْجَار، وَخلق الْبحار فِي يَوْمَيْنِ آخَرين، فَذَلِك تَمام أَرْبَعَة أَيَّام، وَلم يكن بسط الأَرْض وَجعلهَا بِحَيْثُ يسكن فِيهَا، فَلَمَّا خلق السَّمَوَات بسط الأَرْض وَجعلهَا بِحَيْثُ يسكنهَا النَّاس.
وَقَوله: ﴿سَوَاء للسائلين﴾ أَي: عدلا للسائلين، وَمَعْنَاهُ: من سَأَلَك عَن هَذَا فأجبه بِهَذَا، فَإِنَّهُ الْحق وَالْعدْل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان﴾ أَي: قصد إِلَى خلق السَّمَاء وَهِي دُخان، وَفِي الْقِصَّة ان الله تَعَالَى خلق أول مَا خلق مَاء يضطرب، فأزبد المَاء زبدا، وارتفع من الزّبد دُخان، فخلق الأَرْض من الزّبد، وَخلق السَّمَاء من الدُّخان.
وَقَوله: ﴿فَقَالَ لَهَا وللأرض ائتيا طوع أَو كرها﴾ قَالَ بَعضهم: معنى قَوْله:
39
﴿ائتيا طَوْعًا أَو كرها قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين (١١) فقضاهن سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ وَأوحى فِي﴾
﴿ائتيا﴾ أَي: كونا كَمَا قدرتكما طَوْعًا أَو كرها، وعَلى هَذَا يكون هَذَا القَوْل قبل الْخلق، وَالْقَوْل الثَّانِي هُوَ قَول الْأَكْثَرين أَن هَذَا القَوْل من الله تَعَالَى بعد أَن خلقهما، فعلى هَذَا معنى قَوْله: (ائتيا طَوْعًا أَو كرها) أَي: أعطيا الطَّاعَة فِيمَا خلقهما لَهُ جبرا واختيارا.
وَقَوله: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين﴾ مِنْهُم من قَالَ: هَذَا كُله على طَرِيق الْمجَاز، وَلَيْسَ على طَرِيق الْحَقِيقَة، وَكَأن الله تَعَالَى لما أجْرى أَمرهمَا على مُرَاده وَتَقْدِيره جعل ذَلِك بِمَنْزِلَة قَول مِنْهُ وَإجَابَة مِنْهُمَا بالطواعية، وَالْعرب قد تذكر القَوْل فِي مثل هَذَا الْموضع، قَالَ الشَّاعِر:
(امْتَلَأَ الْحَوْض وَقَالَ قطني مهلا رويدا قد مَلَأت بَطْني)
وَقَالَ بَعضهم: إِن القَوْل والإجابة على طَرِيق الْحَقِيقَة، وَركب فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا عقلا بِهِ خطابه وأجاباه بالطواعية، وَهَذَا هُوَ الأولى. وَعَن ابْن السماك فِي موعظه: سل الأَرْض: من غرس أشجارك؟ وأجرى أنهارك؟ وَأخرج ثمارك؟ فَإِن لم تجبك اخْتِيَارا أجابتك اعْتِبَارا. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿طائعين﴾ وَكَانَ من حق اللُّغَة أَن يَقُول: طائعات قُلْنَا: إِنَّمَا قَالَ: ﴿طائعين﴾ لِأَنَّهُ لما جعلهَا بِمَنْزِلَة من يعقل فِي الْخطاب مَعهَا وجوابها ذكر الْكَلَام على نعت الْعُقَلَاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فقضاهن سبع سموات﴾ أَي: خَلقهنَّ سبع سموات ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس و [يَوْم] الْجُمُعَة. وَفِي بعض الْآثَار: " أَن الله تَعَالَى خلق الأَرْض يَوْم الْأَحَد والاثنين، وَخلق الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء، وَخلق الأقوات وَالْأَشْجَار يَوْم الْأَرْبَعَاء، وَخلق السَّمَوَات يَوْم الْخَمِيس، وَخلق فِيهَا البروج وَالْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر يَوْم الْجُمُعَة، وَخلق آدم فِي آخر سَاعَة من يَوْم الْجُمُعَة على عجل "، وَقد حكيت اللَّفْظَة
40
﴿كل سَمَاء أمرهَا وزينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وحفظا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم (١٢) ﴾ الْأَخِيرَة عَن ابْن عَبَّاس.
وَقَوله: ﴿وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا﴾ أَي: قدر فِي كل سَمَاء أمرهَا، وَيُقَال: خلق فِي كل سَمَاء مَا أَرَادَ أَن يخلق فِيهَا، وَذَلِكَ من سكانها وَغير ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وزينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح﴾ أَي: بالكواكب.
وَقَوله: ﴿وحفظا﴾ أَي: حفظنا السَّمَاء بالكواكب من الشَّيْطَان.
وَقَوله: ﴿ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَيذكر تَفْسِير هَذِه الْآيَة من وَجه آخر على مَا نقل فِي التفاسير.
فَقَوله تَعَالَى: ﴿قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ﴾ هُوَ يَوْم الْأَحَد والاثنين، والاثنان هُوَ الْعدَد الْعدْل؛ لِأَنَّهُ أَكثر من الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ دونه شَيْء، وَلم يبلغ الثَّلَاث الَّذِي هُوَ جمع. وَقيل: هُوَ خلق فِي يَوْمَيْنِ، ليَكُون اعْتِبَارا للْمَلَائكَة فِي النّظر إِلَى خلقه أَكثر، فَيكون أدل على وحدانيته.
وَقَوله: ﴿وتجعلون لَهُ أندادا ذَلِك رب الْعَالمين﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا﴾ روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: خلق الْجبَال يَوْم الثُّلَاثَاء، وَخلق السَّمَاء وَالْأَشْجَار والبحار والأنهار يَوْم الْأَرْبَعَاء.
وَقَوله: ﴿وَبَارك فِيهَا﴾ أَي: أَكثر فِيهَا الْخَيْر.
وَقَوله: ﴿وَقدر فِيهَا أقواتها﴾ فِي التَّفْسِير: أَنه جعل فِي كل بلد مَا لَيْسَ فِي غَيره، ليتعايش النَّاس ويتجروا فِيهَا نقلا من بلد إِلَى بلد. يُقَال هُوَ الْيَمَانِيّ بِالْيمن،
41
والقوهى بقوهستان، والسابري بسابور، والقراطيس بِمصْر، والمروى بمرو، والبغدادي بِبَغْدَاد، والهروى بهراة. وَعَن مُجَاهِد قَالَ: قَوْله: ﴿قدر فِيهَا أقواتها﴾ هُوَ الْمَطَر.
وَقَوله: ﴿فِي أَرْبَعَة أَيَّام﴾ أَي: فِي تَمام أَرْبَعَة أَيَّام، فَإِن قيل: قد ذكر يَوْمَيْنِ فِي الْآيَة الأولى، وَأَرْبَعَة فِي هَذِه الْآيَة، ويومين من بعد، فَيكون قد خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي ثَمَانِيَة أَيَّام؟ قُلْنَا: لَا، بل خلقهَا فِي سِتَّة أَيَّام.
وَقَوله: ﴿فِي أَرْبَعَة أَيَّام﴾ أَي: فِي تَمام أَرْبَعَة أَيَّام مَعَ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين، وَهَذَا كَالرّجلِ يَقُول: ذهبت من الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد فِي عشرَة أَيَّام، وَذَهَبت من بَغْدَاد إِلَى الْكُوفَة فِي خَمْسَة عشر يَوْمًا أَي: فِي تَمام خَمْسَة عشر يَوْمًا مَعَ الْعدْل الأول، هَذَا كَلَام الْعَرَب، وَمن طعن فِيهِ فَلم يعرف كَلَام الْعَرَب.
وَقَوله: ﴿سَوَاء للسائلين﴾ قد بَينا أحد الْمَعْنيين، وَالْمعْنَى الآخر: وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام للسائلين أَي: المحتاجين إِلَى الْقُوت.
وَقَوله: ﴿سَوَاء﴾ ينْصَرف إِلَى الْأَيَّام أَي: مستويات تامات. وَقيل: (ذَوَات) سَوَاء. وَقد قرئَ بالخفض: " سَوَاء للسائلين ". وَيُقَال: اسْتَوَى سَوَاء على الْقِرَاءَة الأولى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان﴾ فِي التَّفْسِير: أَن الدُّخان كَانَ من تنفس المَاء، وَيُقَال: إِنَّه خلق سَمَاء وَاحِدَة ثمَّ فتقها فَجَعلهَا سبع سموات، وَقد ذكرنَا من قبل
وَقَوله: ﴿فَقَالَ لَهَا وللأرض ائتيا طَوْعًا أَو كرها﴾ قَالَ بَعضهم: هُوَ على طَرِيق الْمجَاز مثل: قَول الشَّاعِر:
(وَقَالَت لَهُ العينان سمعا وَطَاعَة وحذرتا كالدر لما تثقب)
وَتقول الْعَرَب: قَالَ الْحَائِط فَمَال
وَقَوله: ﴿ائتيا طَوْعًا أَو كرها﴾ أَي: أجيبا طَوْعًا وَإِلَّا ألجأتكما إِلَى الْإِجَابَة كرها،
42
وَإِنَّمَا ذكرُوا هَذَا الْمَعْنى؛ لِأَن الْأَمر لَا يرد إِلَّا بِالْفِعْلِ طَوْعًا. وَذكر بَعضهم: أَن الله تَعَالَى خلق فِي السَّمَوَات تمييزا وعقلا، فخاطبهما وأجابا على الْحَقِيقَة، وَقد ذكرنَا. وَأورد بَعضهم: أَن الْخطاب لمن فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن الْموضع الَّذِي أجَاب من الأَرْض هُوَ الْأُرْدُن، وَفِيه أَيْضا: أَن الله تَعَالَى خلق سَبْعَة عشر نوعا من الأَرْض، هَذَا الَّذِي ترَاهُ أَصْغَر الْكل، وأسكن تِلْكَ الْأَرْضين قوما لَيْسُوا بإنس وَلَا جن وَلَا مَلَائِكَة، وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين﴾ وَلم يقل: طائعتين، قَالُوا: لِأَن المُرَاد هُوَ السَّمَوَات بِمن فِيهَا، وَالْأَرْض بِمن فِيهَا. وَيُقَال: لِأَن السَّمَوَات سبع والأرضون سبع، وَهَذَا مَرْوِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي الأَرْض فَقَالَ: طائعين لأجل هَذَا الْعدَد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فقضاهن سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ﴾ أَي: خَلقهنَّ. وَفِي التَّفْسِير: أَن الله تَعَالَى خلق السَّمَوَات يَوْم الْخَمِيس، وَخلق الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب وَالْمَلَائِكَة وآدَم يَوْم الْجُمُعَة، وَسميت الْجُمُعَة جُمُعَة؛ لِأَنَّهُ اجْتمع فِيهَا الْخلق. وَفِي بعض التفاسير: أَن الله تَعَالَى خلق آدم فِي آخر سَاعَة من سَاعَات الْجُمُعَة، وَتَركه أَرْبَعِينَ سنة ينظر إِلَيْهِ ويثني على نَفسه، وَيَقُول: ﴿تبَارك الله رب الْعَالمين﴾ وَفِي بعض التفاسير أَيْضا: أَن الله تَعَالَى لما خلق الأَرْض قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي أشجارك وأنهارك وثمارك فأخرجت، وَلما خلق الله السَّمَاء قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي شمسك وقمرك ونجومك فأخرجت.
وَقَوله: ﴿وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا﴾ أَي: مَا يصلحها، وَيُقَال: جعل فِيهَا سكانها من الْمَلَائِكَة.
وَقَوله: ﴿وزينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وحفظا﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿وحفظا﴾ أَي: وحفظناها حفظا من الشَّيَاطِين بِالشُّهُبِ والنجوم.
وَقَوله: ﴿ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم﴾ أَي: تَقْدِير القوى على مَا يُرِيد خلقه، الْعَلِيم بخلقه وَمَا يصلحهم.
43
﴿فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود (١٣) إِذْ جَاءَتْهُم الرُّسُل من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم أَلا تعبدوا إِلَّا الله قَالُوا لَو شَاءَ رَبنَا لأنزل مَلَائِكَة فَإنَّا بِمَا أرسلتم بِهِ كافرون (١٤) فَأَما عَاد فاستكبروا فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَقَالُوا من أَشد منا قُوَّة أَو لم يرَوا أَن الله الَّذِي خلقهمْ هُوَ أَشد مِنْهُم قُوَّة وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون (١٥) ﴾
44
قوله تعالى :( وجعل فيها رواسي ) أي : جبالا رواسي، وسماها رواسي لثبوتها. وفي القصة : أن الله تعالى لما خلق الأرض جعلت تميد ولا تستقر، فخلق الله الجبال عليها فاستقرت، فهو معنى قوله :( وجعل فيها رواسي من فوقها ).
وقوله :( وبارك فيها ) أي : أكثر فيها البركة. والبركة : المنافع، ومن بركاتها الأشجار التي تنبت بغير غرس، والحبوب التي تنبت بغير بذر، وكل ما لم يعمله بنو آدم. وفي بعض الآثار : أن الله تعالى جمع في ( الخبز ) بركات السماء والأرض.
وقوله :( وقدر فيها أقواتها ) في التفسير أن معناه : الحنطة لقوم، والشعير لقوم، والذرة لقوم، والتمر لقوم، والسمك لقوم، واللحم لقوم. ويقال : المصري لمصر، والسابري لسابر، والعربي للعرب، وكل طعام في موضعه.
وقوله :( في أربعة أيام ) أي :( في تمام أربعة أيام ). فإن قال قائل : قد قال هاهنا خلق الأرض في يومين فذكر أنه بدأ بخلق الأرض وقال في موضع آخر :( والأرض بعد ذلك دحاها ) فكيف وجه الجمع بين الآيتين ؟ والجواب : أن معنى قوله :( والأرض بعد ذلك دحاها ) أي : مع ذلك، وهذا ضعيف في اللغة، والأصح أن معنى قوله :( والأرض بعد ذلك دحاها ) أي : بسطها، وكان الله تعالى خلق الأرض قبل السموات في يومين، وخلق الأرزاق والأقوات فيها، وأجرى الأنهار، وأظهر الأشجار، وخلق البحار في يومين آخرين، فذلك تمام أربعة أيام، ولم يكن بسط الأرض وجعلها بحيث يسكن فيها، فلما خلق السموات بسط الأرض وجعلها بحيث يسكنها الناس.
وقوله :( سواء للسائلين ) أي : عدلا للسائلين، ومعناه : من سألك عن هذا فأجبه بهذا، فإنه الحق والعدل.
قوله تعالى :( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) أي : قصد إلى خلق السماء وهي دخان، وفي القصة ان الله تعالى خلق أول ما خلق ماء يضطرب، فأزبد الماء زبدا، وارتفع من الزبد دخان، فخلق الأرض من الزبد، وخلق السماء من الدخان.
وقوله :( فقال لها وللأرض ائتيا طوع أو كرها ) قال بعضهم : معنى قوله :( ائتيا ) أي : كونا كما قدرتكما طوعا أو كرها، وعلى هذا يكون هذا القول قبل الخلق، والقول الثاني هو قول الأكثرين أن هذا القول من الله تعالى بعد أن خلقهما، فعلى هذا معنى قوله :( ائتيا طوعا أو كرها ) أي : أعطيا الطاعة فيما خلقهما له جبرا واختيارا.
وقوله :( قالتا أتينا طائعين ) منهم من قال : هذا كله على طريق المجاز، وليس على طريق الحقيقة، وكأن الله تعالى لما أجرى أمرهما على مراده وتقديره جعل ذلك بمنزلة قول منه وإجابة منهما بالطواعية، والعرب قد تذكر القول في مثل هذا الموضع، قال الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني
وقال بعضهم : إن القول والإجابة على طريق الحقيقة، وركب في السموات والأرض ما عقلا به خطابه وأجاباه بالطواعية، وهذا هو الأولى. وعن ابن السماك في موعظه : سل الأرض : من غرس أشجارك ؟ وأجرى أنهارك ؟ وأخرج ثمارك ؟ فإن لم تجبك اختيارا أجابتك اعتبارا. فإن قيل : كيف قال :( طائعين ) وكان من حق اللغة أن يقول : طائعات قلنا : إنما قال :( طائعين ) لأنه لما جعلها بمنزلة من يعقل في الخطاب معها وجوابها ذكر الكلام على نعت العقلاء.
قوله تعالى :( فقضاهن سبع سموات ) أي : خلقهن سبع سموات ( في يومين ) وهو يوم الخميس و[ يوم ]١ الجمعة. وفي بعض الآثار :" أن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق الأقوات والأشجار يوم الأربعاء، وخلق السموات يوم الخميس، وخلق فيها البروج والكواكب والشمس والقمر يوم الجمعة، وخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عجل " ٢، وقد حكيت اللفظة الأخيرة عن ابن عباس.
وقوله :( وأوحى في كل سماء أمرها ) أي : قدر في كل سماء أمرها، ويقال : خلق في كل سماء ما أراد أن يخلق فيها، وذلك من سكانها وغير ذلك.
وقوله :( وزينا السماء الدنيا بمصابيح ) أي : بالكواكب.
وقوله :( وحفظا ) أي : حفظنا السماء بالكواكب من الشيطان.
وقوله :( ذلك تقدير العزيز العليم ) ظاهر المعنى، ويذكر تفسير هذه الآية من وجه آخر على ما نقل في التفاسير.
فقوله تعالى :( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) هو يوم الأحد والاثنين، والاثنان هو العدد العدل ؛ لأنه أكثر من الواحد الذي ليس دونه شيء، ولم يبلغ الثلاث الذي هو جمع. وقيل : هو خلق في يومين، ليكون اعتبارا للملائكة في النظر إلى خلقه أكثر، فيكون أدل على وحدانيته.
وقوله :( وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ) قد بينا.
وقوله :( وجعل فيها رواسي من فوقها ) روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : خلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق السماء والأشجار والبحار والأنهار يوم الأربعاء. وقوله :( وبارك فيها ) أي : أكثر فيها الخير.
وقوله :( وقدر فيها أقواتها ) في التفسير : أنه جعل في كل بلد ما ليس في غيره، ليتعايش الناس ويتجروا فيها نقلا من بلد إلى بلد. يقال هو اليماني باليمن،
والقوهى بقوهستان، والسابري بسابور، والقراطيس بمصر، والمروى بمرو، والبغدادي ببغداد، والهروى بهراة. وعن مجاهد قال : قوله :( قدر فيها أقواتها ) هو المطر.
وقوله :( في أربعة أيام ) أي : في تمام أربعة أيام، فإن قيل : قد ذكر يومين في الآية الأولى، وأربعة في هذه الآية، ويومين من بعد، فيكون قد خلق الله السموات والأرض في ثمانية أيام ؟ قلنا : لا، بل خلقها في ستة أيام.
وقوله :( في أربعة أيام ) أي : في تمام أربعة أيام مع اليومين الأولين، وهذا كالرجل يقول : ذهبت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وذهبت من بغداد إلى الكوفة في خمسة عشر يوما أي : في تمام خمسة عشر يوما مع العدل الأول، هذا كلام العرب، ومن طعن فيه فلم يعرف كلام العرب.
وقوله :( سواء للسائلين ) قد بينا أحد المعنيين، والمعنى الآخر : وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام للسائلين أي : المحتاجين إلى القوت.
وقوله :( سواء ) ينصرف إلى الأيام أي : مستويات تامات. وقيل :( ذوات )٣ سواء. وقد قرئ بالخفض :" سواء للسائلين ". ويقال : استوى سواء على القراءة الأولى.
قوله تعالى :( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) في التفسير : أن الدخان كان من تنفس الماء، ويقال : إنه خلق سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات، وقد ذكرنا من قبل. وقوله :( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ) قال بعضهم : هو على طريق المجاز مثل : قول الشاعر :
وقالت له العينان سمعا وطاعة وحذرتا كالدر لما تثقب
وتقول العرب : قال الحائط فمال
وقوله :( ائتيا طوعا أو كرها ) أي : أجيبا طوعا وإلا ألجأتكما إلى الإجابة كرها،
وإنما ذكروا هذا المعنى ؛ لأن الأمر لا يرد إلا بالفعل طوعا. وذكر بعضهم : أن الله تعالى خلق في السموات تمييزا وعقلا، فخاطبهما وأجابا على الحقيقة، وقد ذكرنا. وأورد بعضهم : أن الخطاب لمن في السموات والأرض. وفي تفسير النقاش : أن الموضع الذي أجاب من الأرض هو الأردن، وفيه أيضا : أن الله تعالى خلق سبعة عشر نوعا من الأرض، هذا الذي تراه أصغر الكل، وأسكن تلك الأرضين قوما ليسوا بإنس ولا جن ولا ملائكة، والله أعلم.
وقوله :( قالتا أتينا طائعين ) ولم يقل : طائعتين، قالوا : لأن المراد هو السموات بمن فيها، والأرض بمن فيها. ويقال : لأن السموات سبع والأرضون سبع، وهذا مروي عن الحسن البصري في الأرض فقال : طائعين لأجل هذا العدد.
قوله تعالى :( فقضاهن سبع سموات في يومين ) أي : خلقهن. وفي التفسير : أن الله تعالى خلق السموات يوم الخميس، وخلق الشمس والقمر والكواكب والملائكة وآدم يوم الجمعة، وسميت الجمعة جمعة ؛ لأنه اجتمع فيها الخلق. وفي بعض التفاسير : أن الله تعالى خلق آدم في آخر ساعة من ساعات الجمعة، وتركه أربعين سنة ينظر إليه ويثني على نفسه، ويقول :( تبارك الله رب العالمين )٤ وفي بعض التفاسير أيضا : أن الله تعالى لما خلق الأرض قال لها : أخرجي أشجارك وأنهارك وثمارك فأخرجت، ولما خلق الله السماء قال لها : أخرجي شمسك وقمرك ونجومك فأخرجت.
وقوله :( وأوحى في كل سماء أمرها ) أي : ما يصلحها، ويقال : جعل فيها سكانها من الملائكة.
وقوله :( وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ) قد بينا.
وقوله :( وحفظا ) أي : وحفظناها حفظا من الشياطين بالشهب والنجوم.
وقوله :( ذلك تقدير العزيز العليم ) أي : تقدير القوى على ما يريد خلقه، العليم بخلقه وما يصلحهم.
١ - من ((ك))..
٢ - كذا أورده المصنف بمعناه كعادته في كثير من الاحاديث، و هو حدبث أبو هريرة مرفوعا (( إن الله خلق التربة يوم السبت... الحديث)). رواه مسلم ( ١٧/١٩٤-١٩٥ رقم ٢٧٨٩ ) و النسائي في الكبرى ( ٦/ ٢٩٣ رقم ١١٠١٠ و رقم ١١٣٩٢ )، و ابن معين في تاريخه ( ٣ / ٥٢ رقم ٢١٠ )، و أحمد ( ٣٢٧ )، و ابن خزيمة ( ٣/ ١١٧ رقم ١٧٣١ )، و أبو يعلى ( ١٠/٥١٣ -٥١٤ رقم ٦١٣٢ ) و الدولابي في الكنى ( ١/١٧٥)، و ابن حبان في صحيحه ( ١٤/٣٠ رقم ٦١٦١)، و ابو الشيخ في العظمة ( ٢٩٠ رقم ٨٧٧ )، و البيهقي في الاسماء و الصفات ( ٤٨٦/٤٨٨ )، و الخطيب في تاريخه ( ١٨٨/١٨٩)، و علقه البخاري في تاريخه ( ١/ ٤١٣) و قال : قال بعضهم عن أبو هريرة عن كعب، و هو الأصح. و انظر إعلان ابن المدبني للحديث في الأسماء و الصفات للبيهقي..
٣ - في (ك) : ذات..
٤ - الأعراف : ٥٤..
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِن أَعرضُوا﴾ أَي: أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بِمَا أنزلت عَلَيْك.
وَقَوله: ﴿فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود﴾ الصاعقة نَار تنزل من السَّمَاء إِلَى الأَرْض، وَهِي فِي هَذَا الْموضع كل عُقُوبَة مهلكة.
وَقَوله: ﴿إِذْ جَاءَتْهُم الرُّسُل من بَين أَيْديهم﴾ أَي: إِلَى الْآبَاء ﴿وَمن خَلفهم﴾ أَي: الْأَبْنَاء الَّذين كَانُوا خلف الْآبَاء، وَيجوز أَن يرجع قَوْله: ﴿وَمن خَلفهم﴾ إِلَى خلف الرُّسُل الْأَوَّلين.
وَقَوله: ﴿أَلا تعبدوا إِلَّا الله﴾ ظَاهر.
وَقَوله: ﴿قَالُوا لَو شَاءَ رَبنَا لأنزل مَلَائِكَة فَإنَّا بِمَا أرسلتم بِهِ كافرون﴾ أَي: جاحدون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَما عَاد فاستكبروا فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَقَالُوا من أَشد منا قُوَّة﴾ وَفِي الْقِصَّة: أَنه كَانَ من قوتهم أَن الرجل مِنْهُم كَانَ يضْرب رجله على الصَّخْرَة الصماء فتغوص فِيهَا رجله إِلَى ركبته، وَمن قوتهم أَنهم سدوا الْفَج الَّذِي كَانَ يخرج مِنْهُ الرّيح بصدورهم، حَتَّى قويت الرّيح وأهلكتهم وَاحِدًا بعد وَاحِد.
وَقَوله: ﴿أَو لم يرَوا أَن الله الَّذِي خلقهمْ هُوَ أَشد مِنْهُم قُوَّة وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون﴾ أَي: يُنكرُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا﴾ قَالَ مُجَاهِد: شَدِيدَة السمُوم. وَقَالَ قَتَادَة: شَدِيدَة الْبرد من الصر وَهُوَ الْبرد وَيُمكن الْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قيل: إِنَّهَا كَانَت ريحًا بَارِدَة تحرق كَمَا يحرق السمُوم، وَيُقَال: صَرْصَرًا أَي: ذَات صَيْحَة، وَمِنْه سمي نهر الصرصر، وَهُوَ نهر يَأْخُذ من الْفُرَات.
44
﴿فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّام نحسات لنذيقهم عَذَاب الخزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ولعذاب الاخرة أخزى وهم لَا ينْصرُونَ (١٦) وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى فَأَخَذتهم صَاعِقَة الْعَذَاب الْهون بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) ونجينا الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا﴾
وَقَوله: ﴿فِي أَيَّام نحسات﴾ وَقُرِئَ: " نحسات " بجزم الْحَاء أَي: مشئومات، وَكَانَت هَذِه الْأَيَّام مشائيم عَلَيْهِم؛ لأَنهم عذبُوا فِيهَا.
وَقَوله: ﴿لنذيقهم عَذَاب الخزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: عذَابا يخزيهم وينكل بهم.
وَقَوله: ﴿ولعذاب الْآخِرَة أخزى﴾ أَي: أَشد إخزاء ﴿وهم لَا ينْصرُونَ﴾ أَي: لَا يمْنَعُونَ من عذابنا.
45
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأما ثَمُود فهديناهم﴾ حكى عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: هديناهم أَي: دللناهم على الْهدى. وَقَالَ مُجَاهِد: بَينا لَهُم طَرِيق الْهدى. وَقيل: طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر. وَفِي بعض التفاسير: هديناهم أَي: دعوناهم.
وَقَوله: ﴿فاستحبوا الْعَمى على الْهدى﴾ أَي: آثروا طَرِيق الضلال على طَرِيق الرشد.
وَقَوله: ﴿فَأَخَذتهم صَاعِقَة الْعَذَاب الْهون﴾ فصاعقة الْعَذَاب: نَار نزلت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فتصيب من يسْتَحق الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿الْهون﴾ أَي: ذِي الْهون، والهون والهوان بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ عَذَاب يهينهم ويهلكهم.
وَقَوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ونجينا الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ أَي: يَتَّقُونَ الشّرك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ﴾ أَي: يحتبس أَوَّلهمْ على آخِرهم.
45
﴿مَا جاءوها شهد عَلَيْهِم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ (٢٠) وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء وَهُوَ خَلقكُم أول مرّة وَإِلَيْهِ ترجعون (٢١) وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم وَلَا﴾
46
قَوْله تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذا مَا جاءوها شهد عَلَيْهِم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ أَكثر الْمُفَسّرين أَن الْجُلُود هَاهُنَا هِيَ الْفروج، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الله تَعَالَى يحْشر الْعباد مقدمين بالفدام، فَأول مَا ينْطق من جوارح الْإِنْسَان فَخذه وكفه " وَقيل: إِن قَوْله: ﴿وجلودهم﴾ هِيَ الْجُلُود الْمَعْرُوفَة. وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف بِرِوَايَة أنس " أَن النَّبِي ضحك مرّة، فَسئلَ: مِم ضحِكت؟ فَقَالَ: عجبت من مجادلة العَبْد ربه يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول: أَي رب، أَلَيْسَ وَعَدتنِي أَن لَا تظلمني؟ فَيَقُول: نعم. فَيَقُول العَبْد: فَإِنِّي لَا أُجِيز الْيَوْم شَاهدا عَليّ إِلَّا مني، فَحِينَئِذٍ يخْتم الله على فَمه وتنطق جوارحه بِمَا فعله، فَيَقُول العَبْد: بعدا لَكِن وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كنت أُنَاضِل ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لجلودهم لما شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء﴾ أَي: كل شَيْء ينْطق.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ خَلقكُم أول مرّة وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ أَي: تردون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم وَلَا جلودكم﴾ فِي الْأَخْبَار الْمَعْرُوفَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: كنت مستترا تَحت ستر الْكَعْبَة، فجَاء قرشيان وثقفي، أَو ثقفيان وقرشي، قَلِيل فقه قُلُوبهم، كثير شَحم بطونهم، فَقَالَ بَعضهم لبَعض: أسمع الله مَا نقُول؟ فَقَالَ أحدهم: يسمع إِذا جهرنا، وَلَا يسمع إِذا أخفينا، فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنْتُم تستترون﴾ أَي: تستخفون.
وَقَوله: ﴿أَن يشْهد﴾ مَعْنَاهُ: من أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم وَلَا جلودكم.
46
﴿جلودكم وَلَكِن ظننتم أَن الله لَا يعلم كثيرا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وذلكم ظنكم الَّذِي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين (٢٣) فَإِن يصبروا فَالنَّار مثوى لَهُم وَإِن يستعتبوا فَمَا هم من المعتبين (٢٤) ﴾
وَقَوله: ﴿وَلَكِن ظننتم أَن الله لَا يعلم كثيرا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ هُوَ قَول من قَالَ: إِن الله يسمع إِذا جهرنا، وَلَا يسمع إِذا أخفينا.
47
قَوْله تَعَالَى: ﴿وذلكم ظنكم الَّذِي ظننتم بربكم أرداكم﴾ هُوَ مَا قُلْنَاهُ.
وَقَوله: ﴿أرداكم﴾ أَي: أهلككم. وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: "... أَنا عِنْد ظن عَبدِي، وَأَنا مَعَه حِين يذكرنِي... ".
وَفِي بعض الْأَحَادِيث: " أَن الله تَعَالَى يَأْمر بِعَبْد من عبيده إِلَى النَّار، فَيَقُول: أَي رب، مَا كَانَ هَذَا ظَنِّي بك. فَيَقُول: وَمَا كَانَ ظَنك بِي؟ فَيَقُول العَبْد: كَانَ ظَنِّي أَن تغْفر لي وتدخلني الْجنَّة، فَيغْفر الله لَهُ ".
وَفِي بعض التفاسير: أَن العَبْد إِذْ ظن الْخَيْر فعل الْخَيْر، وَإِذا ظن الشَّرّ فعل الشَّرّ.
وَقَوله: ﴿فأصبحتم من الخاسرين﴾ أَي: الهالكين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِن يصبروا فَالنَّار مثوى لَهُم﴾ المثوى: الْمنزل.
وَقَوله: ﴿وَإِن يستعتبوا فَمَا هم من المعتبين﴾ الاستعتاب طلب الإعتاب، والإعتاب أَن يعود الْإِنْسَان إِلَى مَا يُحِبهُ بعد أَن فعل مَا يكرههُ. تَقول الْعَرَب: أستعتب فلَانا فأعتبني، بِمَعْنى مَا قُلْنَا.
وَقَوله: ﴿فماهم من المعتبين﴾ أَي: لَا يرجع بهم إِلَى مَا كَانُوا يحبونَ. وَقيل: إِن مَا يحبونَ هُوَ أَن يعيدهم إِلَى الدُّنْيَا فيعبدوا الله ويطيعوه.
وَأما قَوْله: ﴿فَإِن يصبروا﴾ مَعْنَاهُ: فَإِن يصبروا أَو لَا يصبروا. وَمَعْنَاهُ: لَا يَنْفَعهُمْ
47
﴿وقيضنا لَهُم قرناء فزينوا لَهُم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَحقّ عَلَيْهِم القَوْل فِي أُمَم قد خلت من قبلهم من الْجِنّ وَالْإِنْس إِنَّهُم كَانُوا خاسرين (٢٥) وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن وألغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تغلبون (٢٦) فلنذيقن الَّذين كفرُوا عذَابا شَدِيدا﴾ صَبر وَلَا جزع.
48
قَوْله تَعَالَى: ﴿وقيضنا لَهُم﴾ أَي: صيرنا لَهُم، وَيُقَال: سببنا لَهُم.
وَقَوله: ﴿قرناء﴾ أَي: الشَّيَاطِين.
وَقَوله: ﴿فزينوا لَهُم﴾ أَي: الشَّيَاطِين زَينُوا لَهُم.
﴿مَا بَين أَيْديهم﴾ أَي: زَينُوا لَهُم أَن لَا بعث وَلَا جنَّة وَلَا نَار.
وَقَوله: ﴿وَمَا خَلفهم﴾ أَي: زَينُوا لَهُم لذات الدُّنْيَا، وزينوا لَهُم جمع المَال وإمساكه وَترك إِنْفَاقه فِي سَبِيل الْخَيْر.
وَقَوله: ﴿وَحقّ عَلَيْهِم القَوْل﴾ أَي: وَجب عَلَيْهِم القَوْل ﴿فِي أُمَم﴾ أَي: مَعَ أُمَم.
وَقَوله: ﴿قد خلت من قبلهم من الْجِنّ وَالْإِنْس إِنَّهُم كَانُوا خاسرين﴾ أَي: هالكين، فَكل من هلك فقد خسر نَفسه.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ﴾ اللَّغْو كل كَلَام لَا وَجه لَهُ وَلَا معنى تَحْتَهُ. وَقيل: كل مَالا يعبأ بِهِ فَهُوَ لَغْو. وَيُقَال: اللَّغْو هَاهُنَا هُوَ الصفير والتصفيق اللَّذَان كَانَ يفعلهما الْمُشْركُونَ عِنْد سَماع الْقُرْآن، وَذَلِكَ المكاء والتصدية. وَقد ذكرنَا من قبل. وَقُرِئَ فِي الشاذ: " والغوا فِيهِ " بِضَم الْغَيْن، وَهُوَ فِي معنى الأول. وَقيل مَعْنَاهُ: استعلوا عِنْد سَماع الْقُرْآن بِاللَّغْوِ، وَهُوَ الضجيج والصياح لكيلا تسمعوا.
وَقَوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تغلبون﴾ أَي: تغلبون مُحَمَّدًا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فلنذيقن الَّذين كفرُوا عذَابا شَدِيدا ولنجزينهم أَسْوَأ الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ﴾ أَي: جَزَاء أَعْمَالهم السَّيئَة.
48
﴿ولنجزينهم أَسْوَأ الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ (٢٧) ذَلِك جَزَاء أَعدَاء الله النَّار لَهُم فِيهَا دَار الْخلد جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون (٢٨) وَقَالَ الَّذين كفرُوا رَبنَا أرنا اللَّذين أضلانا من الْجِنّ وَالْإِنْس نجعلهما تَحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (٢٩) إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا﴾
49
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك جَزَاء أَعدَاء الله النَّار لَهُم فِيهَا دَار الْخلد﴾ أَي: دَار الخلود.
قَوْله تَعَالَى: ﴿جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون﴾ أَي: يُنكرُونَ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذين كفرُوا رَبنَا أرنا اللَّذين أضلانا من الْجِنّ وَالْإِنْس﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: الَّذِي من الْجِنّ هُوَ إِبْلِيس، وَالَّذِي من الْإِنْس قابيل الَّذِي قتل هابيل، وهما أول من سنّ الْمعْصِيَة من الْجِنّ وَالْإِنْس، وَهَذَا هُوَ القَوْل الْمَشْهُور، وَهُوَ محكي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ ذكره الْأَزْهَرِي بِإِسْنَادِهِ. وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن المُرَاد كل دَاع إِلَى الضَّلَالَة من الْجِنّ وَالْإِنْس. وَفِي بعض الْآثَار: أَنه مَا من أحد من الْجِنّ يعْمل شرا إِلَّا ويلعن إِبْلِيس عِنْد مَوته، وَمَا من أحد من الْإِنْس يعْمل شرا إِلَّا ويلعن ابْن آدم عِنْد مَوته، وَهُوَ قابيل. وَيُقَال: يلعنهما كل عَامل بِالشَّرِّ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَان سنا الشَّرّ والمعاصي.
وَقَوله: ﴿نجعلهما تَحت أقدامنا﴾ أَي: نجعلهما تَحت أقدامنا فِي النَّار، وَهُوَ الدَّرك الْأَسْفَل. وَقَالُوا ذَلِك حقدا عَلَيْهِم وانتقاما مِنْهُم.
وَقَوله: ﴿ليكونا من الأسفلين﴾ أَي: أَسْفَل منا فِي النَّار وَأَشد منا فِي الْعَذَاب.
وَأما قَوْله: ﴿رَبنَا أرنا﴾ قيل مَعْنَاهُ: أعطنا، وَقيل معنى قَوْله: ﴿أرنا﴾ أَي: دلنا عَلَيْهِمَا، وَهُوَ الأولى. وَعَن السدى قَالَ: مَا من كَافِر يدْخل النَّار إِلَّا وَهُوَ يلعن إِبْلِيس؛ لِأَنَّهُ أول من سنّ الْكفْر، وَمَا من عَاص يدْخل النَّار إِلَّا ويلعن قابيل؛ لِأَنَّهُ أول من سنّ الْمعْصِيَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا﴾ وروى عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: استقاموا أَي لم يشركوا بِاللَّه شَيْئا، وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم يروغوا روغان الثعالب. وَمن الْمَعْرُوف أَن الاسْتقَامَة [هِيَ] طَاعَة الله، وَأَدَاء فَرَائِضه، وَاتِّبَاع سنة نبيه مُحَمَّد.
49
﴿الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَلا تخافوا وَلَا تحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم﴾
روى ثَابت عَن أنس: " أَن النَّبِي قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا﴾ ثمَّ قَالَ: قد قَالَ قوم وَلم يستقيموا عَلَيْهِ، فَمن قَالَ وَمَات عَلَيْهِ فقد استقام ".
وَعَن سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ انه قَالَ: " قلت يَا رَسُول الله، قل لي فِي الْإِسْلَام قولا أثبت عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: قل رَبِّي الله ثمَّ اسْتَقِم. فَقلت لَهُ: يَا رَسُول الله، مَا أخوف مَا تخَاف عَليّ؟ قَالَ: هَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه ".
وَمن الْمَعْرُوف أَيْضا أَن النَّبِي قَالَ: " اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا، وَلَا يحافظ على الْعَصْر إِلَّا مُؤمن ".
وَقَوله: ﴿تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة﴾ أَي: عِنْد الْمَوْت، وَيُقَال: عِنْد الْبَعْث. فِي التَّفْسِير: أَنه إِذا بعث العَبْد تَلقاهُ الْملكَانِ اللَّذَان كَانَا يحفظانه ويكتبان عَلَيْهِ، ويقولان لَهُ: لَا تخف وَلَا تحزن وأبشر بِالْجنَّةِ الَّتِي كنت توعد، وَلَا يهولك الَّذِي ترَاهُ، فَإِنَّمَا أُرِيد بِهِ غَيْرك. وَعَن أبي الْعَالِيَة الريَاحي قَالَ: يبشر الْمُؤمن فِي [ثَلَاثَة] مَوَاطِن: عِنْد دُخُول الْقَبْر، وَعند الْبَعْث، وَعند دُخُوله الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿أَلا تخافوا﴾ أَي: لَا تخافوا مَا بَين أَيْدِيكُم.
وَقَوله: ﴿وَلَا تحزنوا﴾ على مَا خَلفْتُمْ من أهل وَولد وضيعة.
وَقَوله: ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون﴾ أَي: توعدون فِي كتب الله وعَلى أَلْسِنَة رسله.
50
﴿توعدون (٣٠) نَحن أولياؤكم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة﴾ وَلكم فِيهَا مَا تشْتَهي أَنفسكُم وَلكم فِيهَا مَا تدعون نزلا من غَفُور رَحِيم وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا
51
قَوْله: ﴿نَحن أولياؤكم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة﴾ وَمعنى الْولَايَة: هُوَ الْحِفْظ والنصرة والمعونة.
وَقَوله: ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَي: عِنْد الْمَوْت.
﴿وَفِي الْآخِرَة﴾ أَي: بعد الْبَعْث.
وَقَوله: ﴿وَلكم فِيهَا مَا تشْتَهي أَنفسكُم﴾ أَي: تلذه أَنفسكُم. وَيُقَال: مَا يخْطر على قُلُوبكُمْ.
وَقَوله: ﴿وَلكم فِيهَا مَا تدعون﴾ أَي: تتمنون، تَقول الْعَرَب: ادْع على مَا شِئْت أى: تمن على مَا شِئْت.
وَيُقَال (وَلكم فِيهَا مَا تدعون) أى مَا ادعيت أَنه لَك فَهُوَ لَك.
وَقَوله: ﴿نزلا من غَفُور رَحِيم﴾ أَي: عَطاء من غَفُور رَحِيم. وَمِنْه نزل الضَّيْف. أَي: عطاؤه. وَيُقَال: منا.
﴿من غَفُور رَحِيم﴾ والغفور السَّاتِر، والرحيم العطوف.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: من دَعَا إِلَى الله هُوَ الرَّسُول. وَحكى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " دَعَا إِلَى الله " عَام فِي كل من يَدْعُو إِلَى الله. وَعَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: الْآيَة فِي المؤذنين. وَحكى هَذَا القَوْل عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقد ضعف بَعضهم هَذَا القَوْل؛ لِأَن السُّورَة مَكِّيَّة، وَالْأَذَان كَانَ بعد الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة.
وَقَوله: ﴿وَعمل صَالحا﴾ أَي: عمل بَينه وَبَين ربه. وَيُقَال: عمل صَالحا بأَدَاء الْفَرَائِض، وَقيل: عمل صَالحا بإخلاص الدعْوَة وَالْعَمَل.
51
وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين (٣٣) وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم (٣٤))
وَقَوله: ﴿وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين﴾ أَي: أقرّ بِالْإِسْلَامِ وَثَبت عَلَيْهِ. وَيُقَال: من المستسلمين لحكم الله. وَمن الْمَعْرُوف عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن المُرَاد من قَوْله: ﴿وَعمل صَالحا﴾ هُوَ رَكْعَتَانِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة. وَهَذَا على القَوْل الَّذِي قُلْنَا: إِنَّه ورد فِي المؤذنين.
52
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة﴾ مَعْنَاهُ: وَلَا تستوي الْحَسَنَة والسيئة و " لَا " صلَة.
وَأما الْحَسَنَة والسيئة ففيهما أَقْوَال:
أَحدهَا: أَنَّهُمَا التَّوْحِيد والشرك، وَالْآخر: أَنَّهُمَا الْعَفو والانتصار، وَالثَّالِث: أَنَّهُمَا المداراة والغلظة. وَالرَّابِع: أَنَّهُمَا الصَّبْر والجزع. وَالْخَامِس: أَنَّهُمَا الْحلم عِنْد الْغَضَب والسفه.
وَقَوله: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾ أَي: ادْفَعْ السَّيئَة بالخلة الَّتِي هِيَ أحسن، والخلة هِيَ أحسن الْحلم عِنْد الْغَضَب، وَالْعَفو عِنْد الْقُدْرَة، وَالصَّبْر عِنْد الْبلَاء، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن معنى قَوْله: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾ أَي: بِالسَّلَامِ، قَالَه مُجَاهِد. وَمَعْنَاهُ: أَنه يسلم على من يُؤْذِيه، وَلَا يُقَابله بالأذى، وَعَن ابْن عَبَّاس: أَن معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾ هُوَ أَنه إِذا أذاك إِنْسَان وشتمك ونسبك إِلَى الْقَبِيح تَقول لَهُ: إِن كنت صَادِقا فغفر الله لي، وَإِن كنت كَاذِبًا فغفر الله لَك.
وَقَوله: ﴿فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة﴾ هَذَا فِي الْحلم عِنْد الْغَضَب، وَالْعَفو عِنْد الْقُدْرَة.
وَقَوله: ﴿كَأَنَّهُ ولي حميم﴾ أَي: صديق قريب، فالولي هُوَ الصّديق، وَالْحَمِيم هُوَ الْقَرِيب.
52
﴿وَمَا يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا وَمَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم (٣٥) وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم (٣٦) وَمن آيَاته اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ إِن كُنْتُم﴾
53
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا﴾ أَي: وَمَا يُؤْتى هَذِه الْخصْلَة، وَهِي دفع السَّيئَة بِالْحَسَنَة إِلَّا الَّذين صَبَرُوا أَي: صَبَرُوا على أوَامِر الله.
وَقَوله: ﴿وَمَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم﴾ أَي: ذُو نصيب وافر من الدّين. وَيُقَال: وَمَا يلقاها أَي: وَمَا يُؤْتى الْجنَّة إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم أَي: نصيب وافر. وَقيل: ذُو جد عَظِيم، وَالْجد هُوَ البخت.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ﴾ أَي: غضب. وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن الْغَضَب جَمْرَة فِي الْإِنْسَان يُوقد فِيهَا الشَّيْطَان. وَيُقَال: نَزغ أَي: (وَسْوَسَة).
وَقَوله: ﴿فاستعذ بِاللَّه﴾ أَي: اعْتصمَ بِاللَّه. وَقد روينَا أَن النَّبِي كَانَ يَقُول: " أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان من همزه ونفثه ونفخه ".
وَقَوله: ﴿أَنه هُوَ السَّمِيع لعليم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن آيَاته اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر﴾ فالآية فِي اللَّيْل وَالنَّهَار فِي زيادتها ونقصانها، وَالْآيَة فِي الشَّمْس وَالْقَمَر فِي دورانهما على حِسَاب مَعْلُوم.
وَقَوله: ﴿لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر﴾ قَالَ عِكْرِمَة: الشَّمْس مثل الدُّنْيَا وثلثها، وَالْقَمَر مثل الدُّنْيَا مرّة وَاحِدَة. وَعَن بَعضهم قَالَ: الشَّمْس طولهَا ثَمَانُون فرسخا، وعرضها سِتُّونَ فرسخا، وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ﴾ أَي: توحدون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِن استكبروا﴾ أَي: تكبروا.
53
﴿إِيَّاه تَعْبدُونَ (٣٧) فَإِن استكبروا فَالَّذِينَ عِنْد رَبك يسبحون لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وهم لَا يسأمون (٣٨) وَمن آيَاته أَنَّك ترى الأَرْض خاشعة فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت إِن الَّذِي أَحْيَاهَا لمحيي الْمَوْتَى إِنَّه على كل شَيْء قدير (٣٩) إِن الَّذين يلحدون فِي﴾
وَقَوله: ﴿فَالَّذِينَ عِنْد رَبك﴾ أَي: الْمَلَائِكَة.
﴿يسبحون لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وهم لَا يسأمون﴾ أَي: لَا يملون. وَعَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه قَالَ: التَّسْبِيح للْمَلَائكَة كالنفس والطرف لبني آدم، فَكَمَا لَا يلْحق الْآدَمِيّ تَعب فِي الطّرف وَالنَّفس، فَكَذَلِك لَا يلحقهم التَّعَب بالتسبيح.
54
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن آيَاته أَنَّك ترى الأَرْض خاشعة﴾ أَي: هامدة متهشمة ميتَة لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء.
وَقَوله: ﴿فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت﴾ أَي: تحركت للنبات.
وَقَوله: ﴿وربت﴾ أَي: ارْتَفع النَّبَات. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن هَذَا على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَمَعْنَاهُ: ربت واهتزت، أَي: ربت الأَرْض بِخُرُوج النَّبَات مِنْهَا، واهتزت أَي: تحركت.
وَقَوله: ﴿إِن الذى أَحْيَاهَا﴾ أى: أَحْيَا الأَرْض الْميتَة ﴿المحى الْمَوْتَى﴾ أَي: فِي الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿إِنَّه على كل شَيْء قدير﴾ أَي: قَادر.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا﴾ أَي: يميلون إِلَى الحجد و [التَّكْذِيب] فِي آيَاتنَا. وكل من مَال من الْحق إِلَى الْبَاطِل، وَمن التَّوْحِيد إِلَى الشّرك فَهُوَ ملحد.
وَقَوله: ﴿لَا يخفون علينا﴾ أَي لَا يخفى كفرهم علينا.
قَوْله: ﴿أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الَّذِي يلقى فِي النَّار هُوَ أَبُو جهل، وَالَّذِي يَأْتِي آمنا هُوَ عمار، قَالَ عِكْرِمَة وَغَيره.
54
﴿آيَاتنَا لَا يخفون علينا أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة اعْمَلُوا مَا شِئْتُم إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير (٤٠) إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما جَاءَهُم وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز (٤١) لَا يأنيه الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد (٤٢) مَا يُقَال﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن من يلقى فِي النَّار هُوَ أَبُو جهل، وَمن يأتى آمنا هُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن من يلقى فِي النَّار هُوَ كل كَافِر، وَالَّذِي يَأْتِي آمنا هُوَ الرَّسُول. وَيُقَال: كل مُؤمن قد أَمن من الخلود فِي النَّار. وَيُقَال: من يلقى فِي النَّار هم الَّذين يبغضون آل النَّبِي، وَمن يَأْتِي آمنا هم الَّذين يحبونهم، وَقيل: هَذَا فِي الصَّحَابَة. وَالله أعلم.
وَقَوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُم﴾ هَذَا على طَرِيق التهديد والوعيد. وَمَعْنَاهُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فستقدمون عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
55
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما جَاءَهُم﴾ أَي: بِالْقُرْآنِ، وَفِيه حذف، والمحذوف، سيجازون على ذَلِك.
وَقَوله: ﴿وَأَنه لكتاب عَزِيز﴾ أَي: كريم على الله. وَيُقَال: كتاب أعزه الله.
وَقَوله: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: لَا يَأْتِيهِ التَّكْذِيب من الْكتب الْمُتَقَدّمَة، وَلَا يَأْتِيهِ من بعده كتاب ينسخه وَيَرْفَعهُ، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْبَاطِل هُوَ إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة، وَمَعْنَاهُ: أَنه لَا يَأْتِيهِ بِزِيَادَة وَلَا نُقْصَان أَي: لَا سُلْطَان لَهُ عَلَيْهِ بِوَاحِدَة مِنْهُمَا.
وَقَوله: ﴿تَنْزِيل من حَكِيم حميد﴾ أَي: حَكِيم فِي فعله، مَحْمُود فِي قَوْله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك﴾ هَذَا على طَرِيق التَّعْزِيَة والتسلية للنَّبِي، فَإِن الْكفَّار كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّه كَافِر وساحر وشاعر وَمَجْنُون، فَقَالَ
55
﴿لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك إِن رَبك لذُو مغْفرَة وَذُو عِقَاب أَلِيم (٤٣) وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي﴾ تَعَالَى معزيا ومسليا لَهُ: ﴿مَا يُقَال لَك إِلَّا ماقد قيل للرسل من قبلك﴾ أَي: لست بِأول من قيل لَهُ هَذَا، فقد نسب الْأَنْبِيَاء من قبلك إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء. وَقد تمّ الْكَلَام على هَذَا ثمَّ قَالَ: ﴿وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة﴾ أَي: لذنوب الْعباد، لمن أَرَادَ أَن يغْفر لَهُ.
وَقَوله: ﴿وَذُو عِقَاب أَلِيم﴾ أَي: لمن أَرَادَ أَن لَا يغْفر لَهُ.
وَفِي قَوْله: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه﴾ قَول آخر: وَهُوَ أَن مَعْنَاهُ: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل قبل تَمام نُزُوله فَهُوَ من بَين يَدَيْهِ.
وَقَوله: ﴿من بَين يَدَيْهِ﴾ أَي: قبل النُّزُول، فَإِن الرُّسُل بشرت بِالْقُرْآنِ، فَلَا يَأْتِيهِ مَا يدحضه ويبطله ﴿وَلَا من خَلفه﴾ أَي: بعد النُّزُول، وَمَعْنَاهُ: أَنه لَا يَأْتِيهِ كتاب ينسخه.
56
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا﴾ أَي: بِلِسَان الْعَجم. وَيُقَال: أعجميا أَي: غير مُبين، قَالَه الْمفضل، وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور.
وَقَوله: ﴿لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته﴾ أَي: بيّنت آيَاته ﴿أأعجمي وعربي﴾ مَعْنَاهُ: أقرآن أعجمي، وَرَسُول عَرَبِيّ؟.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن: " لَوْلَا فصلت آيَاته عجمي وعربي " لَا على وَجه الِاسْتِفْهَام أَي: هلا جعل بعض آيَاته عجميا، وَبَعض آيَاته عَرَبيا، وَالْمُخْتَار هِيَ الْقِرَاءَة الأولى على الْمَعْنى الأول. والأعجمي كل من فِي لِسَانه عجمة، وَإِن كَانَ عَرَبيا، وَمِنْه زِيَادَة الأعجمي الشَّاعِر. والعجمي هُوَ الْوَاحِد من الْعَجم، والأعرابي كل من يسكن البدو، والعربي الْوَاحِد من الْعَرَب، قَالَ الشَّاعِر:
(وَلم أر مثلي هاجه صَوت مثلهَا وَلَا عَرَبيا هاجه صَوت أعجما.)
وَيُقَال: إِن الْآيَة نزلت فِي يسَار بن فكيهة غُلَام ابْن الْحَضْرَمِيّ، وَكَانَ يدْخل على رَسُول الله، وَكَانَ يَهُودِيّا قد قَرَأَ الْكتب، فَقَالُوا: علم مُحَمَّدًا يسَار أَبُو فكيهة،
56
﴿قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر وَهُوَ عَلَيْهِم عمى أُولَئِكَ ينادون من مَكَان بعيد (٤٤) وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب فَاخْتلف فِيهِ وَلَوْلَا كلمة﴾
فَقَالَ أَبُو فكيهة: لَا، بل أَنا أتعلم مِنْهُ، وَهُوَ يعلمني.
وَقَوله: ﴿قل هُوَ للَّذين آمنُوا﴾ أَي: الْقُرْآن ﴿هدى وشفاء﴾ أَي: هدى للأبصار، وشفاء للقلوب.
وَقَوله: ﴿وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر﴾ أَي: ثقل وصمم، كَأَنَّهُ جعلهم بِمَنْزِلَة الصم حِين لم يسمعوا سَماع قَابل.
وَقَوله: ﴿وَهُوَ عَلَيْهِم عمى﴾ قَالَ الْفراء: عموا وصموا على الْقُرْآن حَيْثُ لم ينتفعوا بِهِ. وَقيل: عميت أَبْصَارهم عَن الْقُرْآن، فالقرآن عَلَيْهِم بِمَنْزِلَة الْعَمى.
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ ينادون من مَكَان بعيد﴾ أَي: بعيد من قُلُوبهم، حكى هَذَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، وَيُقَال: ينادون من مَكَان بعيد أَي: السَّمَاء، قَالَ الْفراء: تَقول الْعَرَب لمن لَا يفهم القَوْل: إِنَّه يَأْخُذهُ من مَكَان بعيد، وَإِذا كَانَ يفهم يَقُولُونَ: إِنَّه يَأْخُذهُ من مَكَان قريب.
وَذكر بعض النَّحْوِيين أَن قَوْله: ﴿أُولَئِكَ ينادون من مَكَان بعيد﴾ جَوَاب لقَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما جَاءَهُم﴾ وَالَّذِي ذكرنَا أَن الْجَواب مَحْذُوف هُوَ الأولى، وَقد بَينا. أوردهُ النّحاس.
57
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب فَاخْتلف فِيهِ﴾ الْكتاب هُوَ التَّوْرَاة، وَالِاخْتِلَاف فِيهِ أَنه آمن بِهِ بَعضهم وَكفر بَعضهم.
وَقَوله: ﴿وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك﴾ أَي: تَأْخِير الْقِيَامَة إِلَى أجل مَعْلُوم عِنْده. وَعَن عَطاء قَالَ: الْكَلِمَة الَّتِي سبقت من ربه هِيَ أَن آدم صلوَات الله عَلَيْهِ لما عطس ألهمه الله تَعَالَى حَتَّى قَالَ: الْحَمد لله، فَقَالَ الله تَعَالَى: يَرْحَمك رَبك. فَهِيَ الْكَلِمَة الَّتِي سبقت من الله.
57
﴿سبقت من رَبك لقضي بَينهم وَإِنَّهُم لفي شكّ مِنْهُ مريب (٤٥) من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا وَمَا رَبك بظلام للعبيد (٤٦) إِلَيْهِ يرد علم السَّاعَة وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها وَمَا تحمل من أُنْثَى وَلَا تضع إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْم يناديهم أَيْن شركائي﴾
وَقَوله: ﴿لقضي بَينهم﴾ أَي: لعجل لَهُم الْعَذَاب.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّهُم لفي شكّ مِنْهُ مريب﴾ أَي: مرتاب.
58
وَقَوله: ﴿من عمل صَالحا فلنفسه﴾ أَي: نفع ذَلِك عَائِد إِلَى نَفسه.
وَقَوله: ﴿وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا﴾ أَي: وبال ذَلِك رَاجع إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَمَا رَبك بظلام للعبيد﴾ لِأَن مَا يَفْعَله يكون عدلا، وَلَا يكون ظلما. وَيُقَال: معنى قَوْله: ﴿وَمَا رَبك بظلام للعبيد﴾ أَي: لَا يُعَاقب أحدا من غير جرم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِلَيْهِ يرد علم السَّاعَة﴾ مَعْنَاهُ: إِلَى الله برد علم السَّاعَة، وَهَذَا على الْعُمُوم، فَإِن كل من سُئِلَ عَن السَّاعَة يَقُول: الله أعلم.
وَقَوله: ﴿وَمَا تخرج من ثَمَرَة من أكمامها﴾ أَي: من أوعيتها وغلفها، والكم: غلافها، وَيُقَال: هُوَ جف الطّلع.
وَقَوله: ﴿وَمَا تحمل من أُنْثَى وَلَا تضع إِلَّا بِعَمَلِهِ﴾ أَي: يعلم مُدَّة الْحمل، وَيعلم وَقت وَضعه.
وَقَوله: ﴿وَيَوْم يناديهم﴾ يَعْنِي: يُنَادي الْكفَّار ﴿أَيْن شركائ﴾ على زعمكم؟
وَفِي التَّفْسِير: أَن الله تَعَالَى يَقُول: أَيْن الْمُلُوك؟ أَيْن الْجَبَابِرَة؟ أَيْن الْآلهَة؟ أَنا الرب، لَا رب غَيْرِي، أَنا الله، لَا إِلَه غَيْرِي، أَنا الْملك، لَا ملك غَيْرِي.
وَقَوله: ﴿قَالُوا آنذاك﴾ أَي: أعلمناك، وَمِنْه أَخذ الْأذن وَالْأَذَان والمؤذن. وَهَذَا من قَول الْآلهَة.
قَالَ الْفراء وَغَيره: وَمَعْنَاهُ: أَن الْآلهَة تَقول: آذناك أَي: أعلمناك يَا رب تكذيبهم وكفرهم ﴿مَا منا من شَهِيد﴾ أَي: لَيْسَ منا أحد يشْهد أَن قَوْلهم حق، وزعمهم صَحِيح.
58
﴿قَالُوا آذناك مَا منا من شَهِيد (٤٧) وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يدعونَ من قبل وظنوا مَا لَهُم من محيص (٤٨) لَا يسأم الْإِنْسَان من دُعَاء الْخَيْر وَإِن مَسّه الشَّرّ فيئوس قنوط (٤٩) وَلَئِن أذقناه رَحْمَة منا من بعد ضراء مسته ليَقُولن هَذَا لي وَمَا أَظن السَّاعَة قَائِمَة وَلَئِن﴾
59
وَقَوله: ﴿وضل عَنْهُم﴾ أَي: بَطل عَنْهُم وَفَاتَ عَنْهُم ﴿مَا كَانُوا يدعونَ من قبل﴾.
وَقَوله: ﴿وظنوا مَا لَهُم من محيص﴾ أَي: أيقنوا مَالهم من ملْجأ ومهرب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا يسأم الْإِنْسَان من دُعَاء لخير﴾ أَي: من دُعَاء المَال. وَيُقَال: هُوَ الْغنى بعد الْفقر، والعافية بعد السقم. وَقيل إِن الْآيَة نزلت فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة كَانَ لَا يزَال يَدْعُو بِكَثْرَة المَال، وَفِيه نزل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجعلت لَهُ مَالا ممدودا وبنين شُهُودًا﴾.
وَقَوله: ﴿وَإِن مَسّه الشَّرّ﴾ أَي: الْبلَاء الْفقر والشدة.
وَقَوله: ﴿فيئوس قنوط﴾ أَي: يئوس من الْخَيْر، قنوط من الرَّحْمَة. وَقيل: قنوط: أَي: سيء الظَّن بربه، كَأَنَّهُ يَقُول: لَا يكْشف الله تَعَالَى مَا بِي من الْبلَاء والشدة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَئِن أذقناه رَحْمَة منا من بعد ضراء مسته﴾ أَي: رخاء بعد شدَّة، وغنى بعد فقر.
وَقَوله: ﴿ليَقُولن هَذَا لي﴾ أَي: باجتهادي واستحقاقي.
وَقَوله: ﴿وَمَا أَظن السَّاعَة قَائِمَة﴾ أَي: آتِيَة.
وَقَوله: ﴿وَلَئِن رجعت إِلَى رَبِّي﴾ أَي: رددت.
وَقَوله: ﴿إِن لي عِنْده للحسنى﴾ أَي: للخير الْكثير.
قَالَ بعض أهل الْعلم: الْكَافِر بَين منيتين باطلتين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، أما فِي الدُّنْيَا يَقُول: لَئِن رجعت إِلَى رَبِّي إِن لي عِنْده للحسنى، وَأما فِي الْآخِرَة يَقُول حِين رأى مَا
59
﴿رجعت إِلَى رَبِّي أَن لي عِنْده للحسنى فلننبئن الَّذين كفرُوا بِمَا عمِلُوا ولنذيقنهم من عَذَاب غليظ (٥٠) وَإِذا أنعمنا على الْإِنْسَان أعرض ونأى بجانبه وَإِذا مَسّه الشَّرّ فذو دُعَاء عريض (٥١) قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله ثمَّ كَفرْتُمْ بِهِ من أضلّ مِمَّن هُوَ فِي﴾ قدمت يَدَاهُ: يَا لَيْتَني كنت تُرَابا. وَفِي تَفْسِير النقاش: أَن الْآيَة نزلت فِي شَأْن عقبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن الْمُغيرَة وَأبي بن خلف وَأُميَّة بن خلف وَغَيرهم، وَقد كَانُوا يمنون أنفسهم الأباطيل.
وَقَوله: ﴿فلننبئن الَّذين كفرُوا بِمَا عمِلُوا﴾ هَذَا على طَرِيق التهديد والوعيد.
وَقَوله: ﴿ولنذيقهم من عَذَاب غليظ﴾ أَي: شَدِيد.
60
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا أنعمنا على الْإِنْسَان أعرض ونآى بجانبه﴾ وَقُرِئَ: " وناء بجانبه ": وَمعنى نائ بجانبه تبَاعد بجانبه.
وَقَوله: ﴿وَإِذا مَسّه الشَّرّ﴾ أَي: الشدَّة وَالْبَلَاء.
وَقَوله: ﴿فذو دُعَاء عريض﴾ أَي: كثير. قَالَ النقاش: وَالْآيَة فِي الَّذين سبق ذكرهم. وَعَن بعض أهل الْعلم أَنه قَالَ: رب عبد يعرف الله فِي الرخَاء، وَلَا يعرفهُ فِي الشدَّة، وَرب عبد يعرف الله فِي الشدَّة وَلَا يعرفهُ فِي الرخَاء. وَالْمُؤمن من يعرفهُ فِي الرخَاء والشدة جَمِيعًا. وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف أَن النَّبِي قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تَجدهُ أمامك، تعرف إِلَى الله فِي الرخَاء، يعرفك فِي الشدَّة، إِذا سَأَلت فاسأل الله، وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه.... ". الْخَبَر إِلَى آخِره.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله﴾ مَعْنَاهُ: قل ياأيها الْكفَّار أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله؟ أَي: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿ثمَّ كَفرْتُمْ بِهِ﴾ أَي: بِالْقُرْآنِ.
وَقَوله: ﴿من أضلّ مِمَّن هُوَ فِي شقَاق بعيد﴾ أَي: فِي عناد للحق كَبِير، وَالْمعْنَى: أَنكُمْ أَيهَا الْكَافِرُونَ فِي الشقاق والضلال.
قَوْله تَعَالَى: ﴿سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم﴾ الْآيَات فِي الْآفَاق آيَات
60
﴿شقَاق بعيد (٥٢) سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم حَتَّى يتَبَيَّن لَهُم أَنه الْحق أَو لم يكف بِرَبِّك أَنه على كل شَيْء شَهِيد (٥٣) أَلا أَنهم فِي مرية من لِقَاء رَبهم أَلا إِنَّه بِكُل شَيْء مُحِيط (٥٤) ﴾ السَّمَوَات وَالْأَرضين، وَذَلِكَ من رفع السَّمَاء، وَخلق الْكَوَاكِب، ودوران الْفلك، وإضاءة الشَّمْس وَالْقَمَر، وَمَا أشبه ذَلِك، وَكَذَلِكَ بسط الأَرْض، وَنصب الْجبَال، وتفجير الْأَنْهَار، وغرس الْأَشْجَار، إِلَى مَا لَا يُحْصى.
وَقَوله: ﴿وَفِي أنفسهم﴾ أَي: من السّمع وَالْبَصَر، وَخلق سَائِر الْجَوَارِح وَجَمِيع الْحَواس. وَفِي بعض التفاسير: أَن من الْآيَات فِي النَّفس دُخُول الطَّعَام وَالشرَاب من مَكَان وَاحِد، وَخُرُوجه من مكانين. وَقيل: دُخُول الْأَطْعِمَة على ألوان كَثِيرَة، وخروجها على لون وَاحِد. وَقَالَ السدى: الْآيَات فِي الْآفَاق هِيَ فتح الْأَمْصَار، وَفِي الْأَنْفس فتح الرَّسُول مَكَّة. وَيُقَال: الْآيَات فِي الْآفَاق هِيَ الْفتُوح الَّتِي كَانَت بعد الرَّسُول، وَفِي أنفسهم هِيَ الَّتِي كَانَت فِي زمَان الرَّسُول. وَقيل: الْآيَات فِي الْآفَاق مَا أخبر من الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة وَمَا نزل بهم، والآيات فِي الْأَنْفس هِيَ مَا أَنْذرهُمْ من الْوَعيد وَالْعَذَاب. وَقَالَ مُجَاهِد: الْآيَات فِي الْآفَاق هُوَ إمْسَاك الْمَطَر من السَّمَاء. والآيات فِي الْأَنْفس هِيَ البلايا فِي الأجساد.
وَقَوله: ﴿حَتَّى يتَبَيَّن لَهُم أَنه الْحق﴾ يَعْنِي: أَن الرَّسُول حق. وَقيل: الْقُرْآن حق.
وَقَوله: ﴿أولم يكف بِرَبِّك﴾ يَعْنِي: أولم يكفك يَا مُحَمَّد من رَبك [أَنه] على كل شَيْء شَهِيد وَقيل مَعْنَاهُ: أَو لَيْسَ فِي شَهَادَة رَبك كِفَايَة. وَقيل: أَو لَيْسَ فِي الدّلَالَة الَّتِي أَقَامَهَا على التَّوْحِيد كِفَايَة.
وَقَوله: ﴿إِنَّه على كل شَيْء شَهِيد﴾ أَي: لِأَنَّهُ على كل شَيْء شَهِيد، أَو بِأَنَّهُ على كل شَيْء شَهِيد.
61
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلا إِنَّهُم فِي مرية من لِقَاء رَبهم﴾ أَي: فِي شكّ من الْبَعْث والنشور.
وَقَوله: ﴿أَلا إِنَّه بِكُل شَيْء مُحِيط﴾ أَي: مُحِيط علمه بِجَمِيعِ ذَلِك. تمت السُّورَة.
61

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿حم (١) عسق (٢) كَذَلِك يوحي إِلَيْك﴾
تَفْسِير سُورَة حم عسق
وَهِي مَكِّيَّة
(قَالَ مقَاتل) : إِلَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك الَّذِي يبشر الله عباده الَّذين آمنُوا﴾ الْآيَة، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون﴾.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

62
Icon