تفسير سورة الحاقة

الماوردي
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى ﴿ الحاقّةُ ما الحاقّةُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه ما حقّ من الوعد والوعيد بحلوله، وهو معنى قول ابن بحر.
الثاني : أنه القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد، قاله الجمهور وفي تسميتها بالحاقة ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما ذكرنا من استحقاق الوعد والوعيد بالجزاء على الطاعات والمعاصي، وهو معنى قول قتادة ويحيى بن سلام.
الثاني : لأن فيها حقائق الأمور، قاله الكلبي.
الثالث : لأن حقاً على المؤمن أن يخافها.
وقوله « ما الحاقة » تفخيماً لأمرها وتعظيماً لشأنها.
﴿ وما أدْراكَ ما الحاقّة ﴾ قال يحيى بن سلام : بلغني أن كل شىء في القرآن فيه « وما أدراك » فقد أدراه إياه وعلّمه إياه، وكل شيء قال فيه « وما يدريك » فهو ما لم يعلمه إياه.
وفيه وجهان :
أحدهما : وما أدراك ما هذا الاسم، لأنه لم يكن في كلامه ولا كلام قومه، قاله الأصم.
الثاني : وما أدراك ما يكون في الحاقة.
﴿ كذّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعةِ ﴾ أما ثمود فقوم صالح كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز، قاله محمد بن إسحاق : وهو وادي القرى، وكانوا عرباً.
وأما عاد فقوم هود، وكانت منازلهم بالأحقاف، والأحقاف الرمل بين عُمان إلى حضرموت واليمن كله، وكانوا عرباً ذوي خَلق وبَسطة، ذكره محمد بن إسحاق.
وأما « القارعة » ففيها قولان :
أحدهما : أنها قرعت بصوت كالصيحة، وبضرب كالعذاب، ويجوز أن يكون في الدنيا، ويجوز أن يكون في الآخرة.
الثاني : أن القارعة هي القيامة كالحاقة، وهما اسمان لما كذبت بها ثمود وعاد.
وفي تسميتها بالقارعة قولان :
أحدهما : لأنها تقرع بهولها وشدائدها.
الثاني : أنها مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين، قاله المبرد.
﴿ فأمّا ثمودُ فأهلِكوا بالطاغية ﴾ فيها خمسة أقاويل :
أحدها : بالصيحة، قاله قتادة.
الثاني : بالصاعقة، قاله الكلبي.
الثالث : بالذنوب، قاله مجاهد.
الرابع : بطغيانهم، قاله الحسن.
الخامس : أن الطاغية عاقر الناقة، قاله ابن زيد.
﴿ وأمّا عادٌ فأهْلِكوا بريحٍ صَرْصَرٍ عاتيةٍ ﴾ روى مجاهد عن ابن عباس قال :
قال رسول الله ﷺ :« نُصِرْتُ بالصَّبا وأُهلِكتْ عاد بالدَّبور ».
فأما صرصر ففيها قولان :
أحدهما : أنها الريح الباردة، قاله الضحاك والحسن، مأخوذ من الصر وهو البرد.
الثاني : أنها الشديدة الصوت، قاله مجاهد.
وأما العاتية ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : القاهرة، قاله ابن زيد.
الثاني : المجاوزة لحدها.
الثالث : التي لا تبقى ولا ترقب.
وفي تسميتها عاتية وجهان :
أحدهما : لأنها عتت على القوم بلا رحمة ولا رأفة، قاله ابن عباس.
314
الثاني : لأنها عتت على خزانها بإذن اللَّه.
﴿ سَخّرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسوماً ﴾ اختلف في أولها على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنّ أولها غداة يوم الأحد، قاله السدي.
الثاني : غداة يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : غداة يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس.
وفي قوله ﴿ حُسُوماً ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : متتابعات، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والفراء، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :
وكم يحيى بها من فرط عام... وهذا الدهر مقتبل حسوم.
الثاني : مشائيم، قاله عكرمة والربيع.
الثالث : أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها، لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم، وانقطعت مع غروب الشمس من آخر يوم، قاله الضحاك.
الرابع : لأنها حسمتهم ولم تبق منهم أحداً، قاله ابن زيد، وفي ذلك يقول الشاعر :
ومن مؤمن قوم هود... فأرسل ريحاً دَبوراً عقيماً
توالتْ عليهم فكانت حُسوماً... ﴿ فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : البالية، قاله أبو الطفيل.
الثاني : الخالية الأجواف، قاله ابن كامل.
الثالث : ساقطة الأبدان، خاوية الأصول، قاله السدي.
وفي تشبيههم بالنخل الخاوية ثلاثة أوجه :
أحدها : أن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أن الريح كانت تدخل في أجوافهم من الخيشوم، وتخرج من أدبارهم، فصاروا كالنخل الخاوية، حكاه ابن شجرة.
الثالث : لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم، فصاروا بقطعها كالنخل الخاوية.
﴿ وجاءَ فرعونُ ومَن قَبْلَهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ومن معه من قومه وهو تأويل من قرأ « ومن قِبلَهُ » بكسر القاف وفتح الباء.
والثاني : ومن تقدمه، وهو تأويل من قرأ « ومن قَبْلَهُ » بفتح القاف وتسكين الباء.
﴿ والمؤتفِكاتُ بالخاطئة ﴾ في المؤتفكات قولان :
أحدهما : أنها المقلوبات بالخسف.
الثاني : أنها الأفكات وهي الاسم من الآفكة، أي الكاذبة.
والخاطئة : هي ذات الذنوب والخطايا، وفيهم قولان :
أحدهما : أنهم قوم لوط.
الثاني : قارون وقومه، لأن اللَّه خسف بهم.
﴿ فعصَوْا رسولَ ربِّهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فعصوا رسول الله إليهم بالتكذيب.
الثاني : فعصوا رسالة اللَّه إليهم بالمخالفة، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال الشاعر :
لقد كذَبَ الواشون ما بُحْت عندهم... بسرٍّ ولا أرسلتهم برسول.
﴿ فَأَخَذَهُمْ أَخذةً رابيةً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : شديدة، قاله مجاهد.
الثاني : مُهلكة، قاله السدي.
الثالث : تربوبهم في عذاب اللَّه أبداً، قاله أبو عمران الجوني.
الرابع : مرتفعة، قاله الضحاك.
الخامس : رابية للشر، قاله ابن زيد.
﴿ إنا لما طَغَى الماءُ حَمَلْناكم في الجاريةِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ظَهَر، رواه ابن أبي نجيح.
315
الثاني : زادَ وكثر، قاله عطاء.
الثالث : أنه طغى على خزانه من الملائكة، غضباً لربه فلم يقدروا على حبسه، قاله عليّ رضي الله عنه.
قال قتادة : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً.
وروي عن ابن عباس أنه قال : ما أرسل من ريح قط إلا بمكيال.
وما أنزل الله من قطرة قط إلا بمثقال، إلا يوم نوح وعاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم عيله سبيل، ثم قرأ :« إنا لما طغى الماء » الآية. وإن الريح طغت على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ. « بريح صرصر عاتية سخرها عليهم » الآية.
﴿ حملناكم في الجارية ﴾ يعني سفينة نوح، سميت بذلك لأنها جارية على الماء.
وفي قوله حملناكم وجهان :
أحدهما : حملنا آباءكم الذين أنتم من ذريتهم.
الثاني : أنهم في ظهور آبائهم المحمولين، فصاروا معهم، وقد قال العباس بن عبد المطلب ما يدل على هذا الوجه وهو قوله في مدح النبي ﷺ :
من قبلها طِبتَ في الظلال وفي مُستودع حيث يُخْصَفُ الورقُ.
ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ أنت ولا مُضْغةٌ ولا عَلَقُ.
بل نطفةٌ تركب السَّفينَ وقد ألجَمَ نَسراً وأهلَه الغرقُ.
﴿ لنجْعلهَا لكم تذكِرةً ﴾ يعني سفينة نوح جعلها اللَّه لكم تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول قتادة، وقال ابن جريج : كانت ألواحها على الجودي.
﴿ وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيةٌ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : سامعة، قاله ابن عباس.
الثاني : مؤمنة، قاله ابن جريج.
الثالث : حافظة، وهذا قول ابن عباس أيضاً.
قال الزجاج : يقال وعيت لما حفظته في نفسك، وأوعيت لما حفظته في غيرك.
وروى مكحول أن النبي ﷺ قال عند نزول هذه الآية :« سألت ربي أن يجلعها أُذُنَ عليٍّ » قال مكحول : فكان عليٌّ رضي اللَّه عنه يقول : ما سمعت من رسول الله شيئاً قط نسيته إلا وحفظته.
الرابع :[ أنالأذن الواعية ] أُذن عقلت عن اللَّه وانتفعت بما سمعت من كتاب اللَّه، قاله قتادة.
316
﴿ فيومئذٍ وقَعَتِ الواقعةُ ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : القيامة.
الثاني : الصيحة.
الثالث : أنها الساعة التي يفنى فيها الخلق.
﴿ وانْشَقّت السماءُ فهِي يومئذٍ واهيةٌ ﴾ في انشقاقها وجهان :
أحدهما : أنها فتحت أبوابها، قاله ابن جريج.
الثاني : أنها تنشق من المجرة، قاله عليّ رضي الله عنه.
وفي قوله « واهية » وجهان :
أحدهما : متخرقة، قاله ابن شجرة، مأخوذ من قولهم وَهَى السقاءُ إذا انخرق، ومن أمثالهم :
خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤه ومَن هُريق بالفلاةِ ماؤهُ
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه.
الثاني : ضعيفه، قاله يحيى بن سلام.
﴿ والملَكُ على أَرجائها ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على أرجاء السماء، ولعله قول مجاهد وقتادة.
الثاني : على أرجاء الدنيا، قاله سعيد بن جبير.
وفي « أرجائها » أربعة أوجه :
أحدها : على جوانبها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : على نواحيها، قاله الضحاك.
الثالث : أبوابها، قاله الحسن.
الرابع : ما استدق منها، قاله الربيع بن أنس.
ووقوف الملائكة على أرجائها لما يؤمرون به فيهم من جنة أو نار.
﴿ ويَحْمِلُ عَرْشَ ربِّك فوقهم يَومئذٍ ثمانيةُ ﴾ يعني أن العرش فوق الثمانية وفيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : ثمانية أملاك من الملائكة، قاله العباس بن عبد المطلب.
الثاني : ثمانية صفوف من الملائكة، قاله ابن جبير.
الثالث : ثمانية أجزاء من تسعة، وهم الكروبيون، قاله ابن عباس، وروى أبو هريرة قال : قال رسول اللَّه ﷺ :« يحمله اليوم أربعة، وهم يوم القيامة ثمانية ».
وفي قوله ﴿ فوقهم ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم يحملون العرش فوق رؤوسهم.
الثاني : أن حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها.
الثالث : أنهم فوق أهل القيامة.
﴿ يومئذٍ تُعْرَضونَ ﴾ يعني يوم القيامة، روى الحسن عن أبي موسى قال : قال النبي ﷺ :« يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، أما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف من الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله »
﴿ لا تَخْفَى منكم خافيةٌ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لا يخفى المؤمن من الكافر، ولا البر من الفاجر، قاله عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
الثاني : لا تستتر منكم عورة، كما قال النبي ﷺ :« يحشر الناس حفاة عراة »
الثالث : أن خافية بمعنى خفيّة كانوا يخفونها من أعمالهم حكاه ابن شجرة.
﴿ فأمّا مَنْ أُوتي كتابَه بيمينه ﴾ لأن إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة.
﴿ فيقول هاؤم اقْرَؤوا كِتابيهْ ﴾ ثقة بسلامته وسروراً بنجاته، لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرج، والشمال من دلائل الغم، قال الشاعر :
أبيني أفي يُمْنَى يديكِ جَعَلْتِني فأفرح أم صيرتني من شِمالِك
وفي قوله « هاؤمُ » ثلاثة أوجه :
أحدها : بمعنى هاكم اقرؤوا كتابيه فأبدلت الهمزة من الكاف، قاله ابن قتيبة.
الثاني : أنه بمعنى هلموا اقرؤوا كتابيه، قال الكسائي : العرب تقول للواحد هاءَ وللاثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم.
الثالث : أنها كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح روي أن أعرابياً نادى رسول الله ﷺ بصوت عالٍ فأجابه هاؤم بطول صوته.
والهاء من « كتابيه » ونظائرها موضوعة للمبالغة، وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد.
﴿ إني ظننتُ أني مُلاقٍ حِسابِيَهْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي علمت، قال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك، وقال مجاهد : ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك.
الثاني : ما قاله الحسن في هذه الآية، أن المؤمن أحْسن بربه الظن، فأحسن العمل، وأن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل.
وفي الحساب ها هنا وجهان :
أحدهما : في البعث.
الثاني : في الجزاء.
﴿ فهو في عِيشَةٍ راضيةٍ ﴾ بمعنى مَرْضيّة، قال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري يرفعانه : إنهم يعيشون فلا يموتون أبداً، ويصحّون فلا يمرضون أبداً، ويتنعمون فلا يرون بؤساً أبداً، ويشبّون فلا يهرمون أبداً.
﴿ في جنة عالية ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : رفيعة المكان.
الثاني : عظيمة في النفوس.
﴿ قطوفها دانيةٌ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : دانية من الأيدي يتناولها القائم والقاعد.
الثاني : دانية الإدراك لا يتأخر حملها ولا نضجها.
﴿ وأمّا من أُوتي كتابه بشماله ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه كان يقول ذلك راجياً.
الثاني : أنه كان مستوراً فافتضح، ومن عادة العرب أن تفرق بين القبول والرد وبين الكرامة والهوان، باليمين والشمال، فتجعل اليمين بشيراً بالقبول والكرامة، وتجعل الشمال نذيراً بالرد والهوان.
﴿ ولم أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لما شاهد من كثرة سيئاته وكان يظنها قليلة، لأنه أحصاه اللَّه ونسوه.
الثاني : لما رأى فيه من عظيم عذابه وأليم عقابه.
﴿ يَا لَيْتَها كانت القاضيةَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني موتاً لا حياة فيه بعدها، قاله الضحاك.
الثاني : أنه تمنى أن يموت في الحال، ولم يكن في الدنيا أكره إليه من الموت، قاله قتادة.
﴿ ما أغْنَى عَنيِّ مالِيَهْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن كثرة ماله في الدنيا لم يمنع عنه في الآخرة.
الثاني : لأن رغبته في زينة الدنيا وكثرة المال هو الذي ألهاه عن الآخرة. ﴿ هَلَكَ عني سُلْطانِيَهْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه ضللت عن حُجّتي، قاله مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك.
الثاني : سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم به على معصيته، وهذا معنى قول قتادة.
الثالث : أنه كان في الدنيا مطاعاً في أتباعه، عزيزاً في امتناعه، وهذا معنى قول الربيع بن أنس.
وحكي أن هذا في أبي جهل بن هشام، وذكر الضحاك أنها نزلت في الأسود ابن عبد الأسد.
﴿ فليس له اليومَ ها هنا حَميمٌ ﴾ الحميم : القريب، ومعناه ليس له قريب ينفعه ويدفع عنه كما كان يفعل معه في الدنيا.
﴿ ولا طعامٌ إلا مِنْ غِسْلين ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه غسالة أطرافهم، قاله يحيى بن سلام، قال الأخفش :
هو فعلين من الغسل.
الثاني : أنه صديد أهل النار، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه شجرة في النار هي أخبث طعامهم، قاله الربيع بن أنس.
الرابع : أنه الحار الذي قد اشتد نضجه، بلغة أزد شنوءة.
﴿ فلا أُقْسِمُ بما تُبصِرون ﴾ قال مقاتل : سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال :
إن محمداً ساحر، وقال أبو جهل : إنه شاعر، وقال عقبة بن معيط : إنه كاهن فقال اللَّه تعالى قسماً على كذبهم « فلا أُقْسِم » أي أقسم، و « لا » صلة زائدة.
﴿ وَما لا تُبْصِرونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بما تبصرون من الخلق وما لا تبصرون من الخلق، قاله مقاتل.
الثاني : أنه رد لكلام سبق أي ليس الأمر كما يقوله المشركون.
ويحتمل ثالثاً : بما تعلمون وما لا تعلمون، مبالغة في عموم القسم.
﴿ إنه لَقْولُ رسولٍ كريمٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : جبريل، قاله الكلبي ومقاتل.
الثاني : رسول اللَّه ﷺ، قال ابن قتيبة : وليس القرآن من قول الرسول، إنما هو من قول اللَّه وإبلاغ الرسول، فاكتفى بفحوى الكلام عن ذكره.
﴿ ولو تَقوَّل علينا بَعْضَ الأقاويل ﴾ أي تكلّف علينا بعض الأكاذيب، حكاه عن كفار قريش أنهم قالوا ذلك في النبي ﷺ.
﴿ لأخْذنا منه باليمين ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : لأخذنا منه قوّته كلها، قاله الربيع.
الثاني : لأخذنا منه بالحق، قاله السدي والحكم، ومنه قول الشاعر :
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجدٍ تَلَقّاها عَرابةُ باليَمينِ
أي بالاستحقاق.
الثالث : لأخذنا منه بالقدرة، قاله مجاهد.
الرابع : لقطعنا يده اليمنى، قاله الحسن.
الخامس : معناه لأخذنا بيمينه إذلالاً له واستخفافاً به، كما يقال لما يراد به الهوان، خذوا بيده، حكاه أبو جعفر الطبري.
﴿ ثم لَقَطَعْنا مِنه الوَتينَ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه نياط القلب ويسمى حبل القلب، وهو الذي القلب معلق به، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه القلب ومراقّه وما يليه، قاله محمد بن كعب.
الثالث : أنه الحبل الذي في الظهر، قاله مجاهد.
الرابع : أنه عرق بين العلباء والحلقوم، قاله الكلبي.
وفي الإشارة إلى قطع ذلك وجهان :
أحدهما : إرادة لقتله وتلفه، كما قال الشاعر :
إذا بَلَّغْتِني وَحَمَلْتِ رحْلي عرابة فاشربي بدَمِ الوَتينِ
الثاني : ما قاله عكرمة أن الوَتين إذا قطع لا إن جاع عَرَق، ولا إن شبع عَرَقَ.
﴿ وإنه لتَذْكرةٌ للمُتّقِينَ ﴾ يعني القرآن، وفي التذكرة أربعة أوجه :
أحدها : رحمة.
الثاني : ثَبات.
الثالث : موعظة.
الرابع : نجاة.
﴿ وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ منكم مُكذِّبينَ ﴾ قال الربيع : يعني بالقرآن.
﴿ وإنّه ﴾ يعني القرآن.
﴿ لَحسْرةٌ على الكافرين ﴾ يعني ندامة يوم القيامة.
ويحتمل وجهاً ثانياً : أن يزيد حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحدّيهم أن يأتوا بمثله.
﴿ وإنّه لَحقُّ اليقينِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي حقاً ويقيناً ليكونن الكفر حسرة على الكافرين يوم القيامة، قاله الكلبي.
الثاني : يعني القرآن عند جميع الخلق أنه حق، قال قتادة : إلا أن المؤمن أيقن به في الدنيا فنفعه، والكافر أيقن به في الآخرة فلم ينفعه.
﴿ فَسَبِّحْ باسْمِ ربِّكَ العظيم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فصلِّ لربك، قاله ابن عباس.
الثاني : فنزهه بلسانك عن كل قبيح.
Icon