تفسير سورة الحاقة

تفسير السمرقندي
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب بحر العلوم المعروف بـتفسير السمرقندي .
لمؤلفه أبو الليث السمرقندي . المتوفي سنة 373 هـ
سورة الحاقة مكية، وهي اثنتان وخمسون آية.

سورة الحاقة
وهي اثنان وخمسون آية مكة
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١ الى ١٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠)
قوله تعالى: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وهو اسم من أسماء القيامة، ومعناه القيامة ما القيامة؟
تعظيماً لأمرها. وقال قتادة في قوله: الْحَاقَّةُ يعني: حقت لكل قوم أعمالهم يعني: حقت للمؤمنين أعمالهم وللكافرين أعمالهم من حق يحق، إذا صح. وذكر عن الفراء أنه قال: إنما قيل لها الحاقة، لأن فيها حواق الأمور. يقال: لقد حق عليك الشيء، أي وجب. ثم قال:
وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ يعني: ما تدري أي يوم هو، تعظيماً لأمرها.
ثم وصف القيامة في قوله: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ. ثم ذكر من كذب بالساعة والقيامة، وما نزل بهم، فقال: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ يعني: كذبت قوم صالح وقوم هود بالقيامة. وإنما سميت قارعة، لأنها تقرع قلوب الخلق. ثم أخبر عن عقوبتهم في الدنيا، فقال:
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ يعني: بطغيانهم، ومعناه وطغيانهم حملهم على التكذيب، فأهلكوا. ويقال: أهلكوا بالرجفة الطاغية، كما قال في قصته بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يعني:
عتت على خزانها، فذلك قوله: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يعني: باردة يعني:
شديدة البرد سَخَّرَها عَلَيْهِمْ يعني: سلطها عليهم سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً يعني:
دائمة متتابعة. ويقال: عاتِيَةٍ يعني: شديدة حُسُوماً يعني: كاملة دائمة لا يفتر عنهم.
وقال القتبي: حُسُوماً أي: متتابعة. وأصله من حسم الداء، لأنه يكون مرة بعد مرة.
فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى يعني: في الريح ويقال: في الأيام ويقال: في القرية.
صَرْعى يعني: موتى ويقال: هلكى ويقال: قلعى مطروحين. كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ يعني: منقلعة ساقطة. وروى شهر بن حوشب، عن ابن عباس قال: ما أنزل الله تعالى قطرة من ماء إلا بمثقال، ولا شعرة من الريح إلا بمكيال، إلا يوم عاد ونوح. وأما الريح فعتت على خزائنها يوم عاد، فلم يكن لهم عليها سبيل. وأما الماء، طغى على خزانة يوم نوح، فلم يكن لهم عليه سبيلاً، كما قال الله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ [الحاقة: ١١] الآية. ثم قال عز وجل: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ؟ يعني: لم يبق أحداً منهم.
ثم قال عز وجل: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ. وقرأ أبو عمرو، والكسائي، ومن قبله بكسر القاف ونصب الياء الموحدة، يعني: ظهر فرعون وأتباعه وأشياعه والباقون بنصب القاف وجزم الباء يعني: من تقدمه من عتاب الكفار. ثم قال: وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ يعني:
قريات قوم لوط، يعني: جاء فرعون وقوم لوط بالخاطئة يعني: بالشرك وبأعمالهم الخبيثة.
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ يعني: كذبوا رسلهم، فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً يعني: عاقبهم الله عقوبة شديدة.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١١ الى ١٧]
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥)
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧)
ثم قال عز وجل: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ يعني: طغى على خزانة يوم نوح، كما روي عن ابن عباس. ويقال: طغى الماء، أي ارتفع ويقال في اللغة: طغى الشيء، إذا ارتفع جداً.
وقال قتادة: إنه طغى فوق كل شيء خمسة عشر ذراعاً. حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ يعني:
السفينة، ومعناه: حين غرق الله تعالى قوم نوح، حملناكم يا محمد في السفينة في أصلاب آبائكم. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً
يعني: لنجعل هلاك قوم نوح لكم عبرة لتعتبروا بها. وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
يعني: يسمع هذا الخبر أذن سامعة، ويحفظها قلب حافظ على معنى الإضمار.
ثم رجع إلى أول السورة فقال: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ يعني: نفخ إسرافيل فى الصور نفخة واحدة. ثم قال: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ يعني: قلعت ما على الأرض
من نباتها وشجرها، وحملت الجبال عن أماكنها. فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً يعني: فضربت على الأرض مرة واحدة وهذا قول مقاتل، وقال الكلبي: يعني: رفعت الأرض والجبال فزلزلتا زلزلة واحدة. ويقال: فدكتا دكة واحدة أي: كسرتا كسرة واحدة. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعني: في ذلك اليوم قامت القيامة. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ يعني: انفرجت السماء بنزول الملائكة. فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ يعني: ضعيفة منشقة متمزقة من الخوف.
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها يعني: الملائكة على نواحيها وأطرافها، يعني: صفوف الملائكة حول العرش وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يعني: فوق الخلائق. يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ يعني: ثمانية أجزاء من المقربين، لا يعلم كثرة عددهم إلا الله. وروى عطاء بن السائب، عن ميسرة في قوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ يعني: ثمانية من الملائكة، أرجلهم في تخوم الأرض السابعة وقال وهب بن منبه: أربعة من الملائكة يحملون العرش على أكتافهم، لكل واحد منهم أربعة وجوه: وجه ثور، ووجه أسد، ووجه إنسان. روى الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب في قوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ١٨ الى ٣٧]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧)
مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
إِنَّهُ كانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)
ثم قال عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ أي: تساقون إلى الحساب والقصاص وقراءة الكتب ويقال: تُعْرَضُونَ على الله تعالى، كقوله: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
[الكهف: ٤٨] ثم قال: لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ يعني: لا يخفى على الله منكم ولا من أعمالكم شيء. قرأ
490
حمزة، والكسائي لاَ يخفى، والباقون بالتاء بلفظ التأنيث، لأن لفظ خافية مؤنث. ومن قرأ بالياء، انصرف إلى المعنى يعني: لا يخفى منكم خاف، والهاء ألحقت للمبالغة.
ثم قال عز وجل: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ يعني: كتابه الذي عمله، فرأى فيه الحسنات فسر بذلك، فَيَقُولُ لأصحابه: هاؤُمُ يعني: تعالوا اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. قال القتبي: هاؤُمُ في اللغة بمنزلة خذ وتناول ويقال للاثنين: هاؤما، وللجماعة هاؤموا.
والأصل هاكم، فحذفوا الكاف وأبدلوها همزة. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال:
بلغني أنهم يعرضون ثلاث عرضات. فأما عرضتان، فهما الخصومات والمعاذير. وأما الثالثة، فتطاير الصحف في الأيدي. وروى عبد الله بن مسعود نحو هذا. ثم قال: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يعني: أيقنت وعلمت أني أحاسب. قال الله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ يعني: في عيش مرضي، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ يعني: مرتفعة. قُطُوفُها دانِيَةٌ يعني: اجتناء ثمارها قريب، يعني: شجرها قريب يتناوله القائم والقاعد، فيقال لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً يعني: كلوا من ثمار الجنة واشربوا من شرابها هنيئا يعني: طيباً بلا داء، ويقال: حلال لا إثم فيه. بِما أَسْلَفْتُمْ يعني: بما عملتم وقدمتم فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ يعني: في الدنيا. ويقال:
بما عملتم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية، يعني: في الدنيا.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ روي عن ابن عباس أنه قال: الآية الأولى نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد، وهذه الآية في الأسود بن عبد الأسد، ويقال: في جميع المؤمنين وفي جميع الكفار. فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ يعني: لم أعط كتابيه، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ يعني: لم أعلم ما حسابي. قوله تعالى: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ، يا ليتني تركت على الموتة الأولى بين النفختين، ويقال: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ يعني: المنية. قال مقاتل: يتمنى الموت. مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ يعني: ما أرى ينفعني مالي الذي جمعت في الدنيا. هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ يعني: بطل عني عذرِي وحجتي.
يقول الله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ يعني: بالأغلال الثّقال. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ يعني:
أدخلوه. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ يعني: أدخلوه في تلك السلسلة. إِنَّهُ كانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ يعني: لا يصدق بالله العظيم. وَلا يَحُضُّ يعني: لا يحث نفسه ولا غيره عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ يعني: لا يطعم المسكين في الدنيا. فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ يعني: قريب يمنع منه شيئاً، يعني: أحداً يمنع من العذاب. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ يعني: ليس له فيها طعام إلا من غسلين. وروى عكرمة، عن ابن عباس قال: لا أدري ما الغسلين. وروي عنه أنه قال: الغسلين: ما يسقط عن عروقهم، وذاب من أجسادهم.
وقال القتبي: هو فعلين من غسلت فكأنه غسالة. لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ يعني: المشركين.
491
وروى عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلاً قرأ عنده: لاَّ يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ وقال ابن عباس: كلنا نخطئ، ولكن لاَّ يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ يعني: العاصين الكافرين.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٣٨ الى ٥٢]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)
ثم قال: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ يعني: أقسم بما تبصرون من شيء ومن الخلق. وَما لاَ تُبْصِرُونَ من الخلق. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ يعني: هذا القرآن قول رسول كريم على الله تعالى يعني: جبريل، وهذا قول مقاتل. ويقال: قول رسول كريم، يعني: قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعني: محمدا صلّى الله عليه وسلم. قال أبو العالية: إنه يعني: القرآن، لقول: رسول كريم يقرأ عليك يا محمد. ويقال: معناه إن الذي ينزل على محمد صلّى الله عليه وسلم بالقرآن، ويقرؤه عليه جبريل الكريم على الله تعالى، ليس الشياطين كما يقولون وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ يعني: القرآن ليس هو بقول شاعر. قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ يعني: قليلاً ما تؤمنون. «وما» صلة. قرأ ابن كثير، وابن عامر في رواية هشام قَلِيلاً ما يؤمنون بالياء وقليلا ما يَذَّكَّرُونَ بالياء، والباقون بالتاء على معنى المخاطبة.
ثم قال: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ يعني: ليس بقول كاهن، ليس بقول شيطان أي: عراف كاذب. قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ يعني: قليلاً ما تتعظون. ثم قال عز وجل: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني القرآن هو كلام رب العالمين أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم ثم قال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ يعني: أن محمد صلّى الله عليه وسلم لو قال من ذات نفسه، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ يعني:
لعاقبناه. فأعلم الله تعالى أنه لا محاباة لأحد، إذا عصاه بالقرآن، وإن كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم. ومعنى قوله: بِالْيَمِينِ يعني: بالقوة. وقال القتبي: إنما قام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في يمينه. ولأهل اللغة في هذا مذاهب أخر، وهو قولهم إذا أرادوا عقوبة أحد، فيقولون: خذ بيده، وافعل به كذا وكذا. قَالَ الله تَعَالى: لَوْ كذب علينا لأمرنا بالأخذ بيده ثم عاقبناه. ويقال:
لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ معناه: لو زاد حرفاً واحداً على ما أوحيته إليه أو نقص، لعاقبته. وكان هو أكرم الناس عليَّ. وفي الآية تنبيه لغيره، لكيلا يغيروا شيئاً من كتاب الله
492
تعالى، ولا يتقولوا فيه شيئاً من ذات أنفسهم. ويقال: بِالْيَمِينِ يعني: بالحق. ويقال:
بالحجة. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ وهو عرق يتعلق به القلب، إذا انقطع مات صاحبه، يعني:
لأهلكناه.
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ يعني: ليس أحد منكم يمنعنا من عذابه. وَإِنَّهُ يعني: القرآن لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ يعني: عظة لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ الشرك والفواحش. وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ يعني: وإنا لنعلم أن منكم أيها المؤمنون مكذبون بالقرآن، يعني: المنافقين. ثم قال عز وجل: وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ يعني: أن هذا القرآن ندامة على الكافرين يوم القيامة، لأنه يقال لهم: ألم يقرأ عليكم القرآن؟ فيكون لهم حسرة وندامة بترك الإيمان. وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ يعني: إن تلك الندامة لحق اليقين. ويقال: إن القرآن من الله تعالى حقاً يقيناً.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ يعني: صل لله تعالى. ويقال: سبحه باللسان والله تعالى أعلم والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
493
Icon