تفسير سورة إبراهيم

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة ابراهيم عليه السّلام
مكيّة وآياتها اثنان وخمسون ربّ يسّر وتمّم بالخير «١» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر هذا كِتابٌ اى هذه السورة او القران كتاب أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ صفة لكتاب لِتُخْرِجَ النَّاسَ متعلق بانزلنا يعنى أنزلناه لتخرجهم بدعائك إياهم الى ما تضمنه وتعليمك إياهم ما لهم وما عليهم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (٥) اى من انواع الضلال الى الهدى بِإِذْنِ رَبِّهِمْ اى بتوفيقه وتسهيله- مستعار من الاذن الّذي هو تسهيل الحجاب- هو صلة لتخرج او حال من فاعله او مفعوله إِلى صِراطِ بدل من قوله الى النور بتكرير العامل- او استيناف على انه جواب لمن يسئل عنه الْعَزِيزِ الغالب الْحَمِيدِ (١) المحمود الّذي لا يستحق الحمد الا هو- واضافة الصراط الى الله اما لانه مقصده او لانه مظهر له- وتخصيص الوصفين للتنبيه على انه لا يزلّ سالكه ولا يخيب سابله.
اللَّهِ قرا اكثر القراء بالجر على انه عطف بيان للعزيز وقال ابو عمرو فيه تقديم وتأخير مجازه الى (صراط الله العزيز الحميد) - وقرا ابو جعفر ونافع وابن عامر بالرفع على انه مبتدا خبره ما بعده- او خبر مبتدا محذوف وما بعده صفته الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكا وحلقا وَوَيْلٌ اى حلول شرّ وقال البيضاوي هو نقيض الواو وهو النجاة وأصله النصب لانه مصدر كالهلاك الا انه لم يشتق منه لكنه رفع لافادة الثبات
(١) الخطبة من الناشر-
فهو وعيد لِلْكافِرِينَ بالكتاب الّذين لم يخرجوا من الظلمات الى النور مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ صفة للكافرين او منصوب على الذم او مرفوع عليه- تقديره اعنى الّذين او هم الذين او مرفوع على انه مبتدا خبره ما بعد الصلة يَسْتَحِبُّونَ اى يختارون فان المختار للشيء يطلب من نفسه ان يكون أحب إليها من غيره الْحَياةَ الدُّنْيا اى لذّاتها عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ اى يمنعون الناس عَنْ سلوك سَبِيلِ اللَّهِ باتباع رسوله وَيَبْغُونَها اى يطلبون سبيل الله عِوَجاً اى يطلبون لها اعوجاجا عن الحق ليقدحوا فيه- فحذف الجار وأوصل الفعل اليه- او المعنى يطلبون سبيل الله مائلين عن الحق مع كون ذلك محالا- وقيل الضمير المنصوب فى يبغونها راجعة الى الدنيا يعنى يطلبون الدنيا على طريق الميل عن الحق اى بجهة الحرص الحرام أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) عن الحق والبعد فى الحقيقة للصّالّ فوصف به الضلال للمبالغة- او للامر الّذي به الضلال فوصف به للملابسة-.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ اى بلغة قَوْمِهِ الّذي هو منهم وبعث فيهم- اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال بلسان قومه اى بلغتهم ان كان عربيا فعربيا- وان كان أعجميا فاعجميا- وان كان سريانيا فسريانيا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة- ويتخذ الرسول بذلك حجة عليهم وقد كان الرسل من قبل النبي ﷺ مبعوثين كل واحد منهم الى قومه فبينوا لهم- وبعث النبي ﷺ الى الناس كافة- لكنه امر اولا بدعوة قومه حيث قال الله تعالى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ- قال الله تعالى لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها- وقال لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ- فارسل بلسان عربى مبين لاهل الحجاز والناس كافة تبع لهم حيث تعلّموا من رسول الله ﷺ ثم نقلوه وترجموه ولذلك قال رسول الله ﷺ الناس تبع لقريش فى الخير والشر- رواه احمد ومسلم فى الصحيح عن جابر يعنى سائر الكفار تبع لكفار قريش فى الكفر حيث كفروا اولا ثم كفر غيرهم فعليهم اثمهم أجمعين والمؤمنون كلهم تبع لمؤمنى قريش حيث أمنوا اولا فلهم اجر كلهم- عن جرير قال قال
رسول الله ﷺ من سنّ فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها- من غير ان ينقص من أجورهم شيء- ومن سنّ فى الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها- من غير ان ينقص من أوزارهم شيء- رواه مسلم وروى ابن عساكر عن ابى سعيد بسند ضعيف الناس تبع لكم يا اهل المدينة فى العلم- والمراد باهل المدينة المهاجرون والأنصار فان غيرهم تبع لهم لكن الأنصار تبع للمهاجرين فلا منافاة بين الحديثين- وعن ابى رافع عن النبي ﷺ قال الشيخ فى اهله كالنبى فى أمته- رواه الجليلى فى مشيخته وابن النجار وعن ابن عمر عن النبي ﷺ الشيخ فى بيته كالنبى فى قومه- رواه ابن حبان فى الضعفاء وقال رسول الله ﷺ العلماء ورثة الأنبياء الحديث رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة والدارمي عن كثير بن قيس وسماه الترمذي قيس بن كثير- وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ ان الناس لكم تبع- وان رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فى الدين فاذا أتوكم فاستوب ثوابهم خيرا- رواه الترمذي وقيل الضمير فى قومه لمحمّد ﷺ يعنى انزل الكتب كلها بالعربية ثم ترجمها جبرئيل- أخرجه ابن مردوية من طريق الكلبي عن ابن عباس قال كان جبرئيل يوحى اليه بالعربية وينزل هو الى كل نبى بلسان قومه واخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم عن سفيان الثوري قال لم ينزل وحي الا بالعربية ثم ترجمه كل نبى لقومه بلسانهم- وقال لسان يوم القيامة سريانية ومن دخل الجنة تكلم بالعربية- قلت وإرجاع ضمير قومه الى محمّد ﷺ بعيد ويأبى عنه قوله تعالى لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ فيخزله عن الايمان وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ بالتوفيق وخلق إذعان الحق فيه وَهُوَ الْعَزِيزُ الّذي لا يغلب على مشيته أحد من يهد الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادى له الْحَكِيمُ (٤) الّذي لا يضلّ ولا يهدى الا لحكمة-.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا التسع أَنْ أَخْرِجْ ان مفسرة لان فى الإرسال معنى القول- او مصدرية بتقدير حرف الجر فان صيغ الافعال فى الدلالة على المصدر سواء فيجوز إدخال ان المصدرية على كلها اى بان اخرج قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (٥) وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قال ابن عباس وأبيّ بن كعب ومجاهد
وقتادة بنعم الله- وقال مقاتل بوقائع الله فى الأمم السابقة قوم نوح وعاد وثمود- يقال فلان عالم بايام العرب اى بوقائعهم- والتقدير فذكرهم بما كان فى ايام الله الماضية من النعمة او البلاء إِنَّ فِي ذلِكَ الوقائع لَآياتٍ على وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته ووحدته لِكُلِّ صَبَّارٍ يصبر كثيرا على البلاء والطاعة عن المعصية شَكُورٍ (٥) يشكر كثيرا على نعمائه والمراد به لكل مؤمن- جعل الله سبحانه الصبار والشكور عنوان المؤمنين تنبيها على انه لا بد لكل مؤمن ان يتصف بهذين الوصفين- اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى شعب الايمان من طريق ابى ظبيان عن علقمة عن ابن مسعود قال الصبر نصف الايمان واليقين الايمان كله- فذكر هذا الحديث للعلاء بن بدر فقال او ليس فى القران إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ- انّ فى ذلك لآيات لّلمؤمنين- وروى البيهقي عن انس عنه ﷺ الايمان نصفان نصف فى الصبر ونصف فى الشكر- وروى ابو يعلى والطبراني فى مكارم الأخلاق الايمان صبر وسماحة- وروى مسلم واحمد عن صهيب مرفوعا عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر وكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر وكان خيرا له وروى البيهقي عن سعد بن ابى وقاص بلفظ عجب للمسلم إذا أصابته مصيبة احتسب وصبر وإذا أصابته خير حمد الله وشكر- ان المسلم يؤجر فى كل شيء حتّى اللقمة يرفعها الى فيه- وعن ابى الدرداء وقال سمعت أبا القاسم ﷺ يقول ان الله تبارك وتعالى قال يا عيسى انى باعث بعدك امة إذا أصابهم ما يحبون حمدوا الله وان أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا- ولا حلم ولا عقل فقال يا رب وكيف هذا لهم ولا حلم ولا عقل قال أعطيهم من حلمى وعلمى- رواه البيهقي فى شعب الايمان-.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ الظرف اعنى قوله إِذْ أَنْجاكُمْ متعلق بنعمة الله اى بنعمة الله وقت انجائه إياكم- او بعليكم ان جعلت مستقرة صفة للنعمة غير صلة له واريدت بالنعمة العطية دون الانعام- ويجوز ان يكون بدل اشتمال من نعمة الله يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ احوال من ال فرعون او من
ضمير المخاطبين او منهما جميعا- والمراد بالعذاب هاهنا غير التذبيح وما عطف عليه من استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشاقة- بدليل العطف عليه- بخلاف سورة البقرة والأعراف فان هناك التذبيح مع ما عطف عليه تفسير للعذاب وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ هذا ايضا من كلام موسى عليه السلام ومعنى تأذّن اعلم مثل اذن لكنه ابلغ لما فى التفعّل معنى التكلف والمبالغة لَئِنْ شَكَرْتُمْ يا بنى إسرائيل نعمتى فامنتم وأطعتم نبيكم لَأَزِيدَنَّكُمْ فى النعمة فان الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود قال رسول الله ﷺ من اعطى الشكر لم يحرم الزيادة رواه ابن مردوية عن ابن عباس- وقيل معناه لان شكرتم بالطاعة لازيدنكم فى الثواب وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ نعمتى إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) تقديره أعذبكم عذابا شديدا بسلب النعمة فى الدنيا والعذاب فى الاخرة لان عذابى لشديد- فحذف الجزاء وأقيم العلة مقامه تعريضا للوعيد فان التصريح فى الوعد والتعريض فى الوعيد من عادات الأكرمين وتنبيها على ان المزيد لازم للشكر لا يتخلف عنه- والعذاب بعد الكفر ان فى مشية الله تعالى ان شاء عذب وان شاء عفا عنه- والجملة الشرطية مفعول قول مقدر- او مفعول تاذّن على انه جار مجرى قال لانه نوع منه.
وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ يا بنى إسرائيل وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً من الثقلين ولا تشكروا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عن شكركم حَمِيدٌ (٨) مستحق للحمد فى ذاته- محمود بحمد صدر من ذاته لذاته ازلا وابدا- وبحمد صادر عن الملائكة ومن كل ذرة من ذرات المخلوقات- والتقدير ولان كفرتم أضررتم أنفسكم بتعريضها للعذاب الشديد وتحريمها عن مزيد الانعام دون الله تعالى فانه غنى حميد-.
أَلَمْ يَأْتِكُمْ استفهام تقرير من كلام موسى لبنى إسرائيل- او كلام مبتدا من الله تعالى خطا بالامة محمّد ﷺ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ (٥)... وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مثل قوم ابراهيم نمرود وغيره وقوم لوط واصحاب الرس واصحاب مدين واصحاب الايكة وقوم
تبع لا يَعْلَمُهُمْ اى لا يعلم عددهم لكثرتهم إِلَّا اللَّهُ جملة معترضة روى عن ابن مسعود انه قرا هذه الاية ثم قال كذب النسابون- وعن ابن عباس قال بين ابراهيم وبين عدنان ثلاثون قرنا لا يعلمهم الا الله- وكان مالك بن انس يكره ان ينسب الإنسان نفسه أبا أبا الى آدم عليه السلام وكذلك فى حق النبي ﷺ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ من الله تعالى بِالْبَيِّناتِ اى المعجزات الواضحة الدلالة فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ اى أفواه أنفسهم- قال ابن مسعود عضوا على أيديهم غيظا كما قال الله تعالى عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ- وقال ابن عباس لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بايديهم الى أفواههم يعنى وضعوا عليها تعجبا واستهزاء عليه كمن غلبه الضحك- وقال الكلبي ردوا أيديهم فى أفواههم اى وضعوا الأيدي على الأفواه اشارة للرسل ان اسكتوا وأمروا لهم باطباق الأفواه- او المعنى ردوا أيديهم فى أفواه الرسل فقال مقاتل ردوا أيديهم فى أفواه الرسل يسكتونهم بذلك وقيل الأيدي بمعنى الأيادي اى النعم يعنى ردوا أيادي الأنبياء الّتي هى موعظتهم وما اوحى إليهم من الحكم والشرائع فى أفواههم- لانهم إذا كذّبوها ولم يقبلوها فكانهم ردوها الى حيث جاءت منه- وهو معنى قول مجاهد وقتادة قالا يعنى كذبوا الرسل وردّوا ما جاءوا به- يقال رددت قول فلان فى فيه اى كذّبته- وقيل معنى فى أفواههم بأفواههم يعنى ردوا أيادي الأنبياء ونعمهم من الحكم والمواعظ بأفواه أنفسهم اى بألسنتهم وَقالُوا اى الأمم للرسل إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ فى زعمكم وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ من الايمان بالله وتوحيده مُرِيبٍ (٩) اى موقع للريبة أوذي ريبة-.
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ الاستفهام للانكار- وشكّ مرفوع بالظرف وادخلت الهمزة على الظرف لان الكلام فى المشكوك فيه دون الشك- يعنى انما ندعوكم الى الله وحده وهو امر لا يحتمل الشك لدلالة كل شيء من المحسوسات والمعقولات على وجوده ووحدته واشاروا الى ذلك بقولهم فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ صفة او بدل يَدْعُوكُمْ الى نفسه والى الايمان به ببعثة إيانا إليكم لِيَغْفِرَ لَكُمْ او المعنى يدعوكم الى المغفرة كقولك دعوته لينصرنى مِنْ ذُنُوبِكُمْ قيل من زائدة لقوله صلى الله عليه وسلم
الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم فى حديث عمرو بن العاص وقيل من للتبعيض فان الإسلام يهدم من الذنوب ما كان بينه وبين الله دون المظالم- قال بعض العلماء جيء بمن فى خطاب الكفرة دون المؤمنين حيث وقع فى القران تفرقة بين الخطابين- ولعل وجه ذلك ان المغفرة حيث جاءت فى خطاب الكفار جاءت مرتبة على الايمان- وحيث جاءت فى خطاب المؤمنين جاءت مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فيتناول الخروج عن المظالم وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى الى وقت سماه الله وجعله اخر اعماركم فلا يعاجلكم بالعذاب- وهذا يدل على ان الإصرار على الكفر فى حق المعذبين من الأمم كان معلّقا به لاهلاكهم- وكان فى القضاء المعلق انهم لو أمنوا لطال أعمارهم قالُوا للرسل إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فى الماهية والصورة لا فضل لكم علينا فلم تخصون من دوننا ولو شاء الله ان يبعث الى البشر رسولا لبعث من جنس أفضل كقولهم لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً... تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا بهذه الدعوة فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) اى حجة واضحة على فضلكم او استحقاقكم هذه الكرامة او على صحة دعواكم النبوة- ما قنعوا بالمعجزات البينات الّتي جاءت بهم رسلهم- واقترحوا عليهم بايات اخر تعنتا وعنادا-.
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بالنبوة وغير ذلك- بينوا وجه اختصاصهم بالنبوة انه فضل الله تعالى وإحسانه بعد تسليمهم مشاركتهم فى الجنس وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اى لا يمكن لنا إتيان الآيات باختيارنا واستطاعتنا حتّى نأتى بما اقترحتموه- انما هو امر متعلق بمشية الله تعالى- فيعطى كل نبى نوعا من المعجزات ما فيه كفاية للاستدلال على صحة دعوى النبوة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) كانّه ارشاد لمن أمنوا بهم واتّبعوهم بالصبر والتوكل على الله فى معاندة الكفار- وقصدوا به أنفسهم قصدا اوليّا كانهم قالوا من حقنا التوكل على الله- وفيه
اشعار بان الايمان بالله يقتضى التوكل عليه- لان المرء إذا اعتقد ان الخالق للخير والشر والمعطى والمانع انما هو الله الواحد القهار لا غير لزمه ان يفوض امره اليه لا غير- ثم بيّنوا ما أشعروا به بقولهم.
وَما لَنا اى للمؤمنين أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ يعنى اىّ عذر لنا فى عدم التوكل وَقَدْ هَدانا الله سُبُلَنا الّتي بها نعرف ونعلم ان الأمور كلها بيد الله لا غير فامنا به وَلَنَصْبِرَنَّ نحن وجميع اتباعنا عَلى ما آذَيْتُمُونا ايها الكفار جواب قسم محذوف اى والله لنصبرن- أكدوا بالقسم توكلهم وعدم مبالاتهم بما يفعل بهم الكفار وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) يعنى فليثبت على توكلهم الّذي اقتضاه ايمانهم-.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا جمع الكفار بانكارهم دعوى الرسالة وعيدهم بالإخراج- وحلفوا ان يكون أحد الامرين اما إخراجهم الرسل أو عودهم- يعنى صيرورة الرسل الى ملتهم- فان الرسل ما كانوا على ملة الكفار قط- ويجوز ان يكون الخطاب لكل رسول ولمن أمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد او كان الترديد للتوزيغ يعنى لنخرجن من لم يعد ولنبقين من عاد منكم الى ملتنا- وجاز ان يكون او بمعنى الّا ان- او الى ان يعنون والله لنخرجنكم الا ان ترجعوا او الى ان ترجعوا الى ملتنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ اى الى الرسل رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) على إضمار القول او اجراء الإيحاء مجراه لكونه نوعا منه.
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ايها الرسل ومن أمن معكم الْأَرْضَ اى ارض الكفار وديارهم مِنْ بَعْدِهِمْ اى بعد إهلاكهم ذلِكَ اشارة الى الموحى وهو إهلاك الأعداء وتسليطهم على الأرض لِمَنْ خافَ مَقامِي اى قيامه بين يدىّ يوم القيامة- نظيره قوله تعالى لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ- فاضاف قيام العبد الى نفسه- او المعنى لمن خاف موقفى وهو الموقف الّذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة- او قيامى عليه وحفظى اعماله- وقيل المقام مقحم والمعنى لمن خافنى وَخافَ وَعِيدِ (١٤) اثبت الياء ورش فى الوصل فقط والباقون يحذفونها فى الحالين اى خاف وعيدي بالعذاب او عذابى الموعود للكفار-.
وَاسْتَفْتَحُوا سالوا من الله الفتح على أعدائهم او القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة- كقوله رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ- وهو معطوف على فاوحى والضمير للانبياء كذا قال مجاهد- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن مجاهد وكذا قال قتادة يعنى لما يئسوا من ايمان قومهم دعوا الله بالفتح والعذاب على قومهم- كما قال نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً- وقال موسى رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ او للكفرة كذا قال ابن عباس ومقاتل كما قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ- وقيل للفريقين فان كلهم سالوا ان ينصر المحق ويهلك المبطل- كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) معطوف على محذوف تقديره ففتح لهم فافلح المؤمنون- وخاب يعنى خسرو هلك كلّ جبّار يعنى عات متكبر على الله فى القاموس تجبّر تكبّر يقال الجبار لله تعالى لتكبره بالحق- ولكل عات لتكبره بالباطل- او صاحب قلب لا تدخله الرحمة وقتّال فى غير حق- او متكبر لا يرى لاحه عليه حقّا- قال البغوي الجبار الّذي لا يرى فوقه أحدا «١» - والجبرية طلب العلو بما لا غاية وراءه وهذا الوصف لا يستحقه الا الله تعالى- فمن ادعى غيره يستحق اللعن والطرد والخيبة- وقيل الجبار الّذي يجبر الخلق على مراده- والعنيد المعاند للحق ومجانبه- فى القاموس عند خالف الحق عارفا به فهو عنيد وعاند- وقال ابن عباس هو المعرض عن الحق- وقال مقاتل المتكبر- وقال قتادة العنيد الّذي ابى ان يقول لا اله الا الله.
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ اى امامه بين يديه كانه مرصد بها واقف على شفيرها فى الدنيا- مبعوث إليها فى الاخرة وقيل مِنْ وَرائِهِ اى وراء حيوته يعنى بعده- قال مقاتل مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ اى بعده- قال ابو عبيدة هو من الاضداد اى يكون بمعنى الامام والخلف وحقيقته ما يوارى عنك وَيُسْقى عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنّم يلقى فيها ويسقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) وهو ما يسيل من جلود اهل النار وأجوافهم مختلطا بالقيح والدم عطف بيان لماء- قال محمّد بن كعب ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر- واخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال القيح والدم- روى احمد والترمذي والنسائي
(١) فى الأصل أحد-
والحاكم وصححه وابن جرير وابن ابى حاتم وابن المنذر وابن ابى الدنيا فى صفة النار والبيهقي والبغوي عن ابى امامة عن النبي ﷺ فى هذه الاية قال يقرّب اليه فيستكرهه فاذا ادنى منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه فاذا شربه قطّع امعاءه حتّى يخرج من دبره- فيقول الله تعالى وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ-... وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ....
يَتَجَرَّعُهُ اى يتكلف فى شربه يشربه جرعة جرعة وهو صفة لماء او حال من ضمير فى يسقى وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ اى لا يقارب ان يسيغه فكيف يسيغه بل يغصّ به فيطول عذابه- والسوغ جواز الشرب عن الحلق بسهولة وقبول النفس- فى القاموس ساغ الشراب سوغا اى سهل مدخله وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ اى أسبابه من الشدائد وانواع العذاب مِنْ كُلِّ مَكانٍ اى من جميع جوانبه فيحيط به او يأتيه شدائد الموت والامه من كل موضع من جسده- اخرج ابن الى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابراهيم التيمي حتّى يأتيه من موضع كل شعرة من جسده وَما هُوَ بِمَيِّتٍ فيستريح- قال ابن جريج تعلق نفسه أعلى حنجرته فلا يخرج من فيه ولا يرجع الى مكانها من جسده- واخرج ابن المنذر عن فضيل بن عياض رضى الله عنه انه حبس الأنفاس وَمِنْ وَرائِهِ اى بعد ذلك العذاب وبين يديه عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) أشدّ مما سبق وقيل هو الخلود فى النار- قيل الاية منقطعة عن قصة الرسل نازلة فى اهل مكة- طلبوا الفتح الّذي هو المطر فى سنينهم الّتي أرسل الله عليهم بدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم- فخيب رجاؤهم ووعد لهم انهم يسقون فى جهنم صديد اهل النار بدل سقياهم-.
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ اى صفتهم الّتي هى فى الغرابة مثل مبتدا خبره محذوف اى فيما يتلى عليكم وقوله أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ جملة مستأنفة لبيان مثلهم او هذه الجملة خبر لمثل- وقيل أعمالهم بدل من المثل والخبر كرماد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ اى حملته وأسرعت الذهاب به قرأ نافع الرّياح على الجمع والباقون على الافراد فِي يَوْمٍ عاصِفٍ العصوف اشتداد الرياح وصف به زمانه
للمبالغة- كقولهم نهاره صائم وليله قائم- والمراد بأعمالهم ما يزعمونها حسنات ويرجون حسن جزائها كالصدقة وصلة الرحم واعانة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك شبه الله سبحانه أعمالهم فى حبوطها يرماد طيرته الرياح العاصفة لبنائها على غير أساس من معرفة الله وابتغاء وجه الله- او لكونها للاصنام الّتي لا يشعرن «١» بعبادتهن ولا يستطعن على شيء لا يَقْدِرُونَ اى الكفار يوم القيامة مِمَّا كَسَبُوا فى الدنيا من الأعمال عَلى شَيْءٍ اى لا يجدون لها ثوابا أصلا- ولا يرون لها اثرا لحبوطها- وهذا ملخص التمثيل ذلِكَ اشارة الى ضلالهم مع حسبانهم انهم محسنون هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) غاية البعد عن طريق الحق حتّى كان حسناتهم ضلالا لكونها شركا بالله مقصودا فيه غيره فكيف السيئات.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ قرا حمزة والكسائي خالق السّموت وفى سورة النور خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ على وزن فاعل مضافا- والباقون خلق على الماضي وَالْأَرْضَ قرأ حمزة والكسائي بالجر والباقون بالنصب بِالْحَقِّ اى بالحكمة البالغة والوجه الّذي يحق ان يخلق له- وذلك ان يكون دليلا على وجود الصانع مرشدا للناس الى الحق والايمان إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ اى يعدمكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) اى يخلق خلقا اخر أطوع منكم- رتب ذلك على كونه خالقا للسموات والأرض مستدلّا به عليه- فان من خلق ذلك يقدر على «٢» ان يبدّلهم بخلق اخر- ولم يمتنع ذلك كما قال.
وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) متعذر ومتعسر فانه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور- ومن هذا شأنه كان حقيقا لان يعبد ويطاع ولا يعصى رجاء لثوابه وخوفا من عقابه-.
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً اى يبرزون من قبورهم يوم القيامة لامر الله ومحاسبته- وانما ذكر لفظ الماضي لتحقق وقوعه فَقالَ الضُّعَفاءُ اى الاتباع- جمع ضعيف يريد به ضعاف الحال فى الدنيا لقلة متاع الدنيا- او ضعاف الرأى لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء الذين منعوهم عن اتباع الرسل إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً جمع تابع كحارس وحرس يعنى اتبعناكم فى تكذيب
(١) فى الأصل يشعرون
(٢) فى الأصل يقدر ان يبدلهم
262
الرسل والاعراض عن نصائحهم فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ دافعون عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ من للبيان واقعة موقع الحال مِنْ شَيْءٍ من للتبعيض واقعة موقع المفعول به- يعنى هل أنتم دافعون بعض شيء كائن من عذاب الله- ويحتمل ان تكون من فى الموضعين للتبعيض ويكون الاولى مفعولا والثانية مصدرا- يعنى فهل أنتم مغنون عنا بعض العذاب بعض الإغناء قالُوا اى المستكبرون جوابا عن معاتبة الاتباع واعتذارا عمّا فعلوا بهم لَوْ هَدانَا اللَّهُ للايمان لَهَدَيْناكُمْ لدعوناكم الى الهدى- ولكن ضللنا فاضللناكم اى اخترنا لكم ما اخترنا لانفسنا- او المعنى لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم واغنيناه عنكم كما عرضناكم له ولكن سدد بنا طريق الخلاص سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا الجملة فى موضع الحال اى مستويا علينا الجزع والصبر ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) اى من منجا ومهرب- من الحيص وهو العدول على جهة الفرار- وهو اما مصدر كغيب او ظرف مكان كمبيت- والجملة اما من كلام القادة او من كلام الفريقين- قال مقاتل يقولون فى النار تعالوا نجزع فيجزعون خمس مائة عام فلا ينفعهم الجزع- فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمس مائة عام فلا ينفعهم الصبر- فحينئذ يقولون سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ- اخرج ابن ابى حاتم والطبراني وابن مردوية عن كعب بن مالك رفعه الى النبي ﷺ فيما احسب فى هذه الاية قال يقول اهل النار هلموا فلنصبر فيصبرون خمس مائة عام- فلما راوا ذلك قالوا سوآء الاية- قال محمّد بن كعب القرظي بلغني ان اهل النار استغاثوا بالخزنة قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ- فردت الخزنة الم يأتكم رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى - فردت الخزنة عليهم فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ- فلمّا يئسوا مما عند الخزنة نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ سألوا الموت فلا يجيبهم ثمانين سنة- والسنة ستون وثلاثمائة يوما- واليوم كالف سنة ثم يحطّ إليهم بعد الثمانين إِنَّكُمْ ماكِثُونَ- فلما يئسوا مما قبله قال بعضهم
263
لبعض انه نزل بكم من البلاء ما نزل- فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا- كما صبر اهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم- فاجمعوا على الصبر فطال صبرهم- ثم جزعوا فطال جزعهم- فنادوا سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ اى من منجا- قال فقام إبليس عند ذلك فخطبهم فقال.
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ فلمّا سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم- فنودوا لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ- فنادوا الثانية رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ- فرد عليهم وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها الآيات- فنادوا الثالثة رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ- فرد عليهم أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ الآيات- ثم نادوا الرابعة رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ- فرد عليهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ- فمكث عنهم ما شاء الله ثم ناداهم أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ- فلما سمعوا ذلك قالوا الا يرحمنا ربنا ثم نادوا عند ذلك رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ- فقال عند ذلك اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ- فانقطع الرجاء والدعاء منهم فاقبل بعضهم على بعض ينيح «١» بعضهم فى وجوه بعض وأطبقت عليهم النار قوله عزّ وجلّ- وَقالَ الشَّيْطانُ إبليس لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ اى احكم وفرغ عنه ودخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار- قال مقاتل يوضع له منبر فى النار فيجتمع الكفار بالائمة فيقول خطيبا فى الأشقياء من الثقلين- اخرج الطبراني فى الكبير وابن المبارك وابن جرير وابن مردوية وابن ابى حاتم والبغوي الثلاثة فى تفاسيرهم عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ إذا جمع الله بين الأولين والآخرين وقضى بينهم وفرغ من القضاء- يقول المؤمنون قد قضى بيننا ربنا وفرغ فمن يشفع لنا الى ربنا- فيقولون آدم خلقه بيده وكلّمه- فيأتونه فيقولون قضى بيننا ربنا وفرغ من القضاء
(١) هكذا فى النسخة الهندية من البغوي وفى النسخة المصرية منه ينفخ بدل ينيح- عبد الرّحمن غفر له خادم دار الافتا امينيه دهلى
264
قم أنت فاشفع لنا- فيقول ايتوا نوحا فياتون نوحا فيدلهم على ابراهيم- فيأتون ابراهيم فيدلهم على موسى- فيأتون موسى فيدلهم على عيسى- فيقول أدلكم على النبي الأمي العربي الأفخر فيأتوننى فيأذن الله لى ان أقوم اليه- فيثوّر مجلسى من أطيب ريح ما شمها أحد قط حتّى اتى ربى عز وجل فيشفّعنى ويجعل لى نورا من شعر رأسى الى ظفر قدمى- ثم يقول الكفار قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا فيقولون ما هو غير إبليس الّذي أضلنا- فيأتونه فيقولون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا فانك أنت اضللتنا فيقوم فيثوّر مجلسه من أنتن ريح ما شمها أحد قط ثم يعظم لجهنم ويقول عند ذلك إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ اى وعدا انجزه او كان من حقه ان ينجز وهو الوعد بالبعث والجزاء وَوَعَدْتُكُمْ وعد الباطل ان لا بعث ولا حساب- وان كان فالاصنام تشفع لكم فَأَخْلَفْتُكُمْ جعل تبيين خلف وعده كالاخلاف منه وَما كانَ لِي فتح الياء حفص والباقون اسكنوها عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ من تسلط فالجيكم الى الكفر والمعاصي وقيل معناه لم اتكم بحجة فيما دعوتكم اليه إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ اى الا دعائى إياكم إليها بتسويل وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم تحية بينهم ضرب وجيع- ويجوز ان يكون الاستثناء منقطعا فَاسْتَجَبْتُمْ لِي اى أسرعتم الى إجابتي وأبيتم من اجابة صاحب الحجة البالغة فَلا تَلُومُونِي بوسوستي فان من طرح العداوة لايلام بمثل ذلك وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ حيث أطعتموني من غير سلطان ولا برهان ولم تطيعوا ربكم- احتجت المعتزلة بامثال ذلك على استقلال العبد بأفعاله وليس فيها ما يدل عليه إذ يكفى لصحتها ان يكون لقدرة العبد مدخل ما فى فعله وهو الكسب الّذي يقوله أصحابنا ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ بمغيثكم من العذاب وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ بمغيثىّ قرأ حمزة بكسر الياء على الأصل فى التقاء الساكنين- والباقون بفتح الياء لان الأصل مرفوض فى مثله لما فيه من اجتماع ثلاث كسرات- معه ان حركة ياء الاضافة الفتح فاذا لم تكسر وقبلها الف فبالحرى ان لا تكسر وقبلها ياء- وجاز ان يكون قراءة حمزة
265
مبنية على لغة بنى يربوع يزيدون ياء على ياء الاضافة اجراء لها مجرى الهاء والكاف فى ضربتموه وأعطينكاه- وحذفت الياء اكتفاء بالكسرة إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ قرأ ابو عمرو بإثبات الياء وصلا والباقون يحذفونها فى الحالين مِنْ قَبْلُ ما اما مصدرية ومن متعلقة باشركتمون يعنى كفرت اليوم اى تبرأت واستنكرت باشراككم ايّاى فى عبادة الله وطاعته من قبل هذا اليوم- اى فى الدنيا نظيره قوله تعالى وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ- او موصولة بمعنى من نحو ما فى قوله سبحان ما يسخركن لنا- وقوله تعالى وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها- ومن متعلقة بكفرت اى كفرت بمن أشركتمونيه فى الطاعة وهو الله تعالى- حيث أطعتموني فيما دعوتكم اليه من عبادة الأصنام وغيرها كفرت من قبل اشراككم حين ردت امره بالسجود لادم عليه السلام- وأشرك فيقول من شركت زيدا للتعدية الى مفعول ثان وإِنَّ الظَّالِمِينَ الكافرين لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) تتمة كلامه او ابتداء كلام من الله تعالى- وفى حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتّى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم-.
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ والمدخلون هم الملائكة تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) يسلّم بعضهم على بعض ويسلّم الملائكة عليهم- وقيل المحىّ بالسلام هو الله عزّ وجلّ-.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كيف وضع الله مثلا والمثل قول سائر لتشبيه شيء بشيء كَلِمَةً طَيِّبَةً هى قول لا اله الا الله بالإخلاص كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ اى جعل كلمة طيبة كشجرة قوية مرتفعة فى السماء باقية طيبة الثمر وهو تفسير لقوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا- ويجوز ان «١» يكون كلمة بدلا من مثلا- وكشجرة صفتها او خبر مبتدا محذوف- اى هى كشجرة طيّبة وان يكون كلمة اولى مفعولى ضرب اجراء له مجرى جعل أَصْلُها ثابِتٌ فى الأرض مستحكم ضارب بعروقه فيها وَفَرْعُها أعلاها فِي السَّماءِ (٢٤) ويجوز ان يريد فروعها اى اقناؤها على الاكتفاء بلفظ
(١) فى الأصل حذف الياء [.....]
الجنس لاكتساب الاستغراق من الاضافة.
تُؤْتِي أُكُلَها تعطى ثمرها كُلَّ حِينٍ وقّته الله لاثمارها بِإِذْنِ رَبِّها اى بارادة خالقها وتكوينه- كذلك اصل هذه الكلمة راسخ فى قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فاذا تكلمت بها عرجت فلا تحجب حتّى تنتهى الى الله عزّ وجلّ- قال الله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ- عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملؤه ولا اله الا الله ليس لها حجاب دون الله- رواه الترمذي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ما قال عبد لا اله الا الله مخلصا قط الا فتحت له أبواب السماء حتّى يفضى الى العرش ما اجتنب الكبائر- رواه الترمذي بسند حسن واخرج الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه من حديث انس انه ﷺ قال الشجرة الطيبة النخلة والشجرة الخبيثة الحنظلة- والحين فى اللغة الوقت فقال مجاهد وعكرمة الحين هاهنا سنة كاملة لان النخلة يثمر كل سنة- وقال سعيد بن جبير وقتادة والحسن ستة الشهر من وقت اطلاعها الى صرامها- وروى ذلك عن ابن عباس وقيل اربعة أشهر من حين ظهورها الى إدراكها- وقال سعيد بن المسيب شهر ان من حين يؤكل الى الصرام وقال الربيع بن انس كل حين اى كل غدوة وعشية- لان ثمر النخل يؤكل ابدا ليلا ونهارا صيفا وشتاء اما تمرا او رطبا او بسرا- كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وأوسطه وآخره وكذلك أول الليل وأوسطه وآخره- وبركة الايمان لا ينقطع ابدا بل يصل اليه فى كل وقت- عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم فحدثونى ما هى- قال عبد الله فوقع الناس فى شجر البوادي ووقع فى نفسى انها النخلة فاستحييت- ثم قالوا حدثنا ما هى يا رسول الله قال هى النخلة- قال البغوي لا يكون شجرة الا بثلاثة أشياء عرق راسخ واصل قائم وفرع عال- كذلك الايمان لايتم الا بثلاثة أشياء تصديق وقول باللسان وعمل بالأركان- وقال ابو ظبيان عن ابن عباس انه قال الشجرة الطيبة هى شجرة فى الجنة وعن جابر قال قال رسول الله ﷺ من قال سبحان الله العظيم وبحمده
غرست له نخلة فى الجنة- رواه الترمذي وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) فان فى ضربها زيادة إفهام وتذكير فانه تصوير للمعانى وادناء لها من الحس-.
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ قلت الظاهر ان المراد بها ما قيل بالنفاق ولم يرد به وجه الله بدليل قوله تعالى كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ يعنى غير نافعة ولا مستقرة فى الأرض اجْتُثَّتْ اى انتزعت واقتلعت مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ لان عروقها قريبة منه ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) استقرار كذلك الكلمة الّتي لم يرد بها وجه الله ليس لها منفعة ابدا- اخرج ابن مردوية من طريق حبان بن شعبة عن انس بن مالك فى هذه الاية قال هى الشربانة- قيل لانس ما الشربانة قال الحنظلة- قلت الظاهر ان الشجرة الطيبة تعم النخلة وغيرها وكذا الخبيثة تعم الحنظلة وغيرها وما ورد فى الحديث انما هو ذكر بعض افراده على سبيل التمثيل-.
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ يعنى بكلمة التوحيد المقرونة بالإخلاص فان لها ثبات وتمكن فى القلوب ولثوابها ثبات عند الله فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فلا يزالون عن دينهم إذا فتنوا فى دينهم كزكريا ويحيى وجرجيس وشمعون واصحاب الأخدود وخبيب وأصحابه واصحاب بئر معونة وَفِي الْآخِرَةِ يعنى إذا سئلوا فى القبور وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ اى المنافقين والكافرين فلا يثبتهم على القول الثابت فى مواقف الفتن- وتزل أقدامهم أول كل شيء وهم فى الاخرة أضل وازل- اخرج الائمة الستة عن البراء بن عازب عن النبي ﷺ قال المسلم إذا سئل فى القبر يشهد ان لا اله الا الله وان محمّدا رسول الله- فذلك قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ- وفى رواية عن النبي ﷺ قال يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ نزلت فى عذاب القبر- يقال له من ربك فيقول ربى الله ونبىّ محمّد صلى الله عليه وسلم- متفق عليه ورواه احمد وابو داود وغيرهما بلفظ قال رسول الله ﷺ يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربى الله- فيقولان له ما دينك فيقول دينى
268
الإسلام- فيقولان ما هذا الرجل الّذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله- فيقولان له وما يدريك فيقول قرأت كتاب الله فامنت به وصدقت- فذلك قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ الاية- قال فينادى مناد من السماء ان صدق عبدى فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا الى الجنة- قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فيها مد بصره- واما الكافر فذكر موته قال ويعاد روحه فى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان من ربك فيقول هاه هاه لا أدرى- فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدرى- فيقولان ما هذا الرجل الّذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدرى- فينادى مناد من السماء ان كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا الى النار- قال فيأتيه من حرها وسمومها قال ويضيق عليه قبره حتّى يختلف فيه أضلاعه- ثم يقيض له أعمى أصم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها على جبل لصار ترابا- فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب الا الثقلين- فيصير ترابا ثم يعاد فيه الروح- وعن عثمان قال كان النبي ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لاخيكم ثم سلوا له التثبت فانه الان يسئل- رواه ابو داود وعن انس قال قال رسول الله ﷺ ان العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعد انه فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل لمحمّد فاما المؤمن فيقول اشهد انه عبد الله ورسوله- فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا- واما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال لادريت ولا تليت- ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين- متفق عليه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ إذا أقبر «١» الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لاحدهما المنكر وللاخر النكير فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول هو عبد الله ورسوله اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمّدا عبده ورسوله- فيقولان قد كنا نعلم انك تقول هذا ثم يفسح
(١) فى الأصل إذا قبر-
269
فى قبره سبعون ذراعا فى سبعين ثم ينوّر له فيه ثم يقال له نم فيقول ارجع الى أهلي فاخبرهم- فيقولان نم كنومة العروس الّذي لا يوقظه الا أحب اهله اليه حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك- وان كان منافقا قال سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدرى فيقولان قد كنا نعلم انك تقول ذلك- فيقال للارض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك- رواه الترمذي وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (٢٧) من التوفيق والخذلان والتثبيت وتركه من غير اعتراض عليه- عن ابى الدرداء عن النبي ﷺ قال خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فاخرج ذرية بيضاء كانهم الذر- وضرب كتفه اليسرى فاخرج ذرية سوداء كانهم الحمم- فقال للذى فى يمينه الى الجنة ولا أبالي- وقال للذى فى كتفه اليسرى الى النار ولا أبالي- وعن أبيّ بن كعب قال لو ان الله عذب اهل سمواته واهل ارضه عذبهم وهو غير ظالم لهم- ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم- ولو أنفقت مثل أحد ذهبا فى سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر وتعلم ان ما أصابك لم يكن ليخطيك وما أخطأك لم يكن ليصيبك- ولو متّ على غير هذا لدخلت النار- وقال ابن مسعود مثل ذلك وحذيفة بن اليمان مثل ذلك وزيد بن ثابت عن النبي ﷺ مثل ذلك رواه احمد وابو داود وابن ماجة-.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً اى شكر نعمته كفرا بان وضعوا مكانه او بدلوا نفس النعمة كفرا- فانهم لما كفروا سلبت النعمة منهم فصاروا تاركين لها مختارين الكفر بدلها- روى البخاري فى الصحيح عن ابن عباس انه قال هم والله كفار قريش قال عمرو هم قريش ومحمّد ﷺ نعمة الله- واخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت هذه الاية فى الذين قتلوا يوم بدر يعنى اهل مكة خلقهم الله وأسكنهم حرما يجبى اليه ثمرات كل شيء- ودفع عنهم اصحاب الفيل وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه بالفهم رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ- وبعث محمّدا ﷺ رسولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ- وجعل سائر الناس تبعا لهم فكفروا تلك النعمة وعادوا محمّدا ﷺ واستحبوا العمى على الهدى- فقحطوا سبع سنين وأسروا وقتلوا يوم بدر وصاروا اذلّاء فبقوا مسلوبى النعمة موصوفين بالكفر حتّى ماتوا او قتلوا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ الذين تبعوهم فى الكفر دارَ الْبَوارِ (٢٨) اى دار الهلاك بحملهم على الكفر.
جَهَنَّمَ عطف بيان لها يَصْلَوْنَها حال منها او من القوم اى داخلين فيها مقاسين لحرها وجاز ان يكون جهنم منصوبا بفعل مضمر يفسرها ما بعدها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) اى بئس المقر جهنم- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس انه قال لعمر يا أمير المؤمنين هذه الاية الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قال هم الا فجران من قريش بنوا المغيرة وبنوا امية- اما بنوا مغيرة فكفيتموه يوم بدر واما بنوا امية فمتعوا حتّى حين- وكذا ذكر البغوي قول عمر رضى الله عنه- واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم والطبراني فى الأوسط والحاكم وصححه وابن مردوية من طرق عن على بن ابى طالب رضى الله عنه فذكر مثله- قلت اما بنوا امية فمتعوا بالكفر حتّى اسلم ابو سفيان ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم- ثم كفر يزيد ومن معه بما أنعم الله عليهم وانتصبوا العداوة ال النبي ﷺ وقتلوا حسينا رضى الله عنه ظلما وكفر يزيد بدين محمّد ﷺ حتّى انشد أبياتا حين قتل حسينا رضى الله عنه- مضمونها اين أشياخي ينظرون انتقامي بال محمّد وبنى هاشم واخر الأبيات
ولست من جندب ان لم انتقم من بنى احمد ما كان فعل
وايضا أحل الخمر وقال
مدام كنز فى اناء كفضة وساق كبد مع مدام كانجم
وشمسه كرم برجها قعرها ومشرقها الساقي ومغربها فهى
فان حرمت يوما على دين احمد فخذها على دين المسيح بن مريم
وسبّوا ال محمّد ﷺ على المنابر- فمتعوا بهذه الضلالة الف شهر فانتقم الله منهم حتّى لم يبق منهم أحد.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً اى أمثالا فى العبادة او التسمية مع انه ليس له ند لِيُضِلُّوا اللام لام العاقبة إذ ليس غرضهم من اتخاذ الانداد
الضلال او الإضلال لكن لمّا كان نتيجته جعل كالغرض- قرأ ابن كثير وابو عمرو بفتح الياء وكذلك فى الحج ولقمان وزمر من المجرد والباقون بضم الياء من التفعيل اى ليضلوا الناس عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا بشهواتكم او بعبادة الأوثان وضلالاتكم فى الدين الّتي هى ايضا من قبيل الشهوات الّتي يتمتع بها ما قدر لكم- قال ذو النون التمتع ان يقضى العبد ما استطاع من شهوته- وفى التهديد بصيغة امر إيذان بان المهدد عليه كالمطلوب لافضائه الى المهددية- وان الامرين كائنان لا محالة ولذلك علله بقوله فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) وان المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من امر مطاع.
قُلْ يا محمّد لِعِبادِيَ قرا ابن عامر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بفتحها الَّذِينَ آمَنُوا خصهم للامر بالخطاب ووصفهم بالعبودية وأضافهم الى نفسه تشريفا- وتنبيها على انهم هم المقيمون لحقوق العبودية أهلا للخطاب الممتثلون بما يقال لهم- ومفعول قل محذوف يدل عليه جوابه تقديره قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا اقيموا الصلاة وأنفقوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ مجزوم على جواب الأمر يعنى قل- جزاء الشرط مقدر يعنى ان تقل لهم اقيموا يقيموا- وفيه إيذان بانهم لفرط مطاوعتهم الرسول ﷺ لا ينفك فعلهم عن امره وانه كالسبب الموجب له- ويجوز ان يقدر بلام الأمر فيكون مفعولا للقول سِرًّا وَعَلانِيَةً منصوبان على المصدر اى انفاق سر وعلانية مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره او يفدى به نفسه وَلا خِلالٌ (٣١) اى مجالة وصداقة ليشفع له خليله- فان قيل الخلة يوم القيامة ثابتة للمتقين بقوله تعالى الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ وشفاعة بعض المؤمنين لبعض ايضا ثابتة فما وجه نفى الجنس- قلت الأمر باقامة الصلاة وإيتاء الزكوة امر بالتقوى فالمراد بالآية نفى جنس الخلة عند عدم التقوى والمعنى ان لم يتقوا باقامة الصلاة وإيتاء الزكوة لا يكون لهم يومئذ خليل- قرأ ابن كثير وابو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على اعمال لا الّتي لنفى الجنس- والباقون
بالرفع على ابطال عمل لا لاجل التكرار-.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مبتدا وخبر وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ تعيشون به وهو يشتمل المطعوم والملبوس رزقا مفعول لأخرج ومن الثّمرات بيان له حال منه- ويحتمل عكس ذلك- ويجوز ان يكون رزقا منصوبا على المصدرية لانّ اخرج بمعنى رزق- او على العلية وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بالركوب والحمل بِأَمْرِهِ اى بمشيته تعالى الى حيث توجهتم وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) ذللها لكم تخرجونها حيث شئتم وتنتفعون بمياهها وتتخذون عليها جسرا وقناطير.
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ جاريين فيما يعود الى مصالح العباد لا يفتران دائِبَيْنِ فى القاموس داب فى عمله كمنع دأبا ويحرك ودءوبا بالضم جدّ وتعب- والدائبان الجديد ان- والسّوق الشديد يعنى مسرعين فى السير قال ابن عباس دونهما فى طاعة الله وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) يتعاقبان فجعل لكم الليل لتسكنوا فيه من تعب العمل والنهار مبصرا للاشياء فتكسبوا فيه معاشكم-.
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ اى بعض جميع ما سالتموه يعنى أتاكم شيئا كائنا من كل شيء سالتموه- فحذف شيئا اكتفاء بدلالة الكلام على التبعيض- قال البيضاوي ولعل المراد بما سالتموه ما كان حقيقا لان يسئل لاحتياج الناس اليه سال اولم يسئل- وما يحتمل ان يكون موصولة او موصوفة او مصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول- وجاز ان يكون للبيان او زائدة- ولفظة كل للتكثير نحو قولك فلان يعلم كل شيء وأتاه كل انسان وقوله تعالى فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ- وقرا الحسن من كلّ بالتنوين والمعنى من كل شيء ما احتجتم له وسالتموه بلسان الحال- ويجوز ان يكون ما نافية فى موضع الحال يعنى أتاكم من كل شيء والحال انكم ما سالتموه يعنى اعطاكم أشياء ما طلبتموها ولا سالتموها وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ اى نعم الله تعالى فيه دليل على ان المفرد يفيد الاستغراق بالاضافة لا تُحْصُوها اى لا تحصروا ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا من افرادها فانها غير متناهية فكيف تطيقون إذا شكرها- لكن الله تعالى بفضله جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر
شكرا- وسمى المؤمنين شكورا لاجل اعترافهم بذلك ومن لم يعترف بذلك قال فى حقه إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ يشكو ربه فى الشدة والبلاء ويجزع- ولا يصبر ولا يعلم ان ما أصابه أصابه من جواد كريم رحيم حكيم لا يكون الّا «١» لحكمة وان لم تدرك حكمته كَفَّارٌ (٣٤) شديد الكفر ان فى النعمة والرخاء فهذا نقيض ما قال فى المؤمنين صبّار شكور فان الكفّار ضد الشّكور صراحة- والظلوم ضد للصبار دلالة- فان الظلم وضع الشيء فى غير موضعه- والبلاء موضع للصبر وضع الشكاية والجزع مقامه ظلم- وقيل ظلوم على نفسه بالمعصية فيعرضها للعذاب فى الاخرة والدنيا- او يظلم نفسه بترك الشكر فيعرضها للحرمان- او يظلم النعمة باغفال شكرها- او يظلم يعنى يضع الشكر فى غير موضعه فيشكر غير من أنعم عليه- قال الله تعالى انى والجن والانس فى نبا عظيم اخلق ويعبد غيرى وارزق ويشكر غيرى- رواه الحاكم والبيهقي عن ابى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ يعنى مكة آمِناً اى ذا أمن لمن فيها فالمسئول من هذا القول ازالة الخوف وجعل مكة أمنا- واما فى قوله تعالى اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً جعل تلك الوادي بلدا من البلاد الامنة وَاجْنُبْنِي بعّدنى وَبَنِيَّ من أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) اى اجعلنا منها فى جانب- وفيه دليل على ان عصمة الأنبياء بتوفيق الله تعالى وحفظه إياهم ولفظ بنىّ لا يشتمل الأحفاد وإطلاقها على ما يعم الأحفاد فى قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ... - يا بَنِي إِسْرائِيلَ من قبيل عموم المجاز فلا يشكل بانه قد عبد كثير من أولاد إسماعيل عليه السلام الأصنام- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عيينة ان أولاد إسماعيل لم يعبدوا الصنم محتجا بهذه الاية- وقال انما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمون الدوار- ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته- وزاد فى الدر المنثور قيل وكيف لم يدخل ولد إسحاق وسائر ولد ابراهيم عليه السلام- قال لانه دعا لاهل هذه البلدان لا يعبدوا إذ أسكنهم وقال اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً- ولم يدع لجميع البلدان بذلك- قال وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فيه وقد خص اهله- وقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي- وقول ابن عيينة هذا مردود بالكتاب
(١) فى الأصل حكمة
والسنة والإجماع والخبر المتواتر عن حال اهل مكة- فان المشركين فى كتاب الله تعالى عبارة عن اهل مكة غالبا وقد قال الله تعالى سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا من دونه مِنْ شَيْءٍ وغير ذلك والله اعلم.
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ نسب الإضلال إليهن بالمجاز باعتبار السببية يعنى ضل بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حين عبدوهن فَمَنْ تَبِعَنِي فى الدين فَإِنَّهُ مِنِّي اى بعضى لا ينفك عنى فى الدنيا والاخرة حتّى يدخل معى الجنة وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) تقديره فاغفر له ذا رحمه فانك غفور رحيم- قال السدّى معناه من عصانى ثم تاب- وقال مقاتل بن حبان من عصانى فيما دون الشرك- والظاهر انه قال ذلك قبل ان يعلمه الله انه تعالى لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ- فلما علم ذلك قال وارزقهم مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ- زعما منه ان الله تعالى ينتقم من المشرك فى الدنيا ايضا- فقال الله تعالى وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وبِئْسَ الْمَصِيرُ....
رَبَّنا إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي تقديره أسكنت ولدا من ذريتى فحذف المفعول- او المعنى أسكنت بعض ذريتى وهم إسماعيل ومن ولد منه- فان إسكانه متضمن لاسكانهم بِوادٍ هو فى الأصل موضع يسيل فيه الماء فسمى بالوادي مفرج بين جبال او تلال او اكام- وكان الموضع الّذي هناك مكة واديا بين الجبال غَيْرِ ذِي زَرْعٍ لانها حجرية لا تنبت عِنْدَ بَيْتِكَ الّذي كان قبل الطوفان الْمُحَرَّمِ قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض- فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة- وانه لن يحل القتال فيه لاحد- ولا يحل لى الا ساعة من نهار- فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة- لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته الا من عرفها ولا يختلى خلاها- قال العباس يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم- فقال الا الأفخر- متفق عليه من حديث ابن عباس اخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامرين سعيد عن أبيه بلفظ كانت
275
سارة تحت ابراهيم عليه السلام فمكثت معه دهرا لا ترزق ولدا- فلمّا رات ذلك وهبت له هاجر امة قبطية- فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة- ووجدت فى نفسها وعقّبت على هاجر فحلفت ان تقطع منها ثلاثة اشراف- فقال لها ابراهيم هل لك ان تبرئ يمينك قالت كيف اصنع- قال اثقبي اذنها واخفضيها- والخفض هو الختان- ففعلت ذلك فوضعت هاجر فى اذنها قرطين- فازدادت بهما حسنا- فقالت أراني انما ازددتها جمالا- فلم ترض على كونه معها- ووجد بها ابراهيم وجدا شديدا فنقلها الى مكة- فكان يزورها فى كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها- وروى البخاري فى الصحيح والبغوي بسنده حديث ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل عليه السلام اتخذت منطقا لتعفى اثرها على سارة- ثم جاء بها ابراهيم وبابنها إسماعيل عليهما السلام وهى ترضعه- حتّى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم فى أعلى المسجد- وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنا لك- ووضع عند هما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء- ثم قفل ابراهيم فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم اين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيها انس ولا شيء- فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها- فقالت له ءالله أمرك بهذا قال نعم قالت «١» إذا لا يضيعنا ثم رجعت- فانطلق ابراهيم حيث لا يرونه فاستقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال رب إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتّى بلغ يشكرون- وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء- حتّى إذا نفد ما فى السقاء عطشت وعطش ابنها- وجعلت تنظر اليه يتلوّى او قال يتلمظ- فانطلقت كراهية ان تنظر اليه- فوجدت الصفا اقرب جبل من الأرض يليها فقامت عليه- ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا- فهبطت من الصفا حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعى الإنسان المجهود- حتّى جاوزت الوادي- ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا- ففعلت ذلك سبع مرات- قال ابن عباس قال النبي ﷺ فلذلك سعى الناس بينهما- فلما أشرفت على مروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمّعت
(١) فى الأصل قال-
276
فسمعت ايضا- فقالت قد استمعت ان كان عندك غواث فاذا هى بالملك- عند موضع زمزم فبحث بعقبه او بجناحه حتّى ظهر الماء- فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا- وجعلت تغرف من الماء فى سقائها وهو تفور بعد ما تغرف- قال ابن عباس قال النبي ﷺ رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم او قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا- قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فان هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ان الله لا يضيع اهله- وكانت البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتاخذ عن يمينه وشماله- فكانت كذلك حتّى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طريق كذا- فنزلوا فى أسفل مكة فراوا طائرا عائفا على الماء- فقالوا ان هذا الطائر تدور على ماء- ولقد عهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء- فارسلوا جربا او جربين فاذاهم بالماء- فرجعوا فاخبروهم بالماء- فاقبلوا وأم إسماعيل عند الماء- فقالوا أتأذنين لنا ان ننزل عتدك قالت نعم ولا حق لكم فى الماء قالوا نعم- قال ابن عباس قال النبي ﷺ فالفى ذلك أم إسماعيل وهى تحب الانس- فنزلوا وأرسلوا الى أهليهم فنزلوا معهم- حتّى إذا كان بها اهل أبيات وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم وكان أنفسهم حين شبّ- فلما أدرك زوجوه امراة منهم وماتت أم إسماعيل- فجاء ابراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع بركته- وقد ذكرنا بقية تلك القصة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى- قوله تعالى رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ اللام لام كى متعلقة باسكنت- اى ما اسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق الا لاقامة الصلاة عند بيتك المحرم- وتكرير النداء وتوسيطه للاشعار بانها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمه- والمقصود من الدعاء توفيقهم لها- وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم باقامة الصلاة كانّه طلب منهم الاقامة وسال من الله ان يوفقهم لها فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً روى عن طرق من جميع هشام افئيدة بياء بعد الهمزة والجمهور بغير ياء جمع فواد وهو القلب مِنَ النَّاسِ اى افئدة من افئد الناس ومن للتبعيض- قال مجاهد لو قال افئدة الناس لزاحمتكم
277
فارس والروم والترك والهند- وقال سعيد بن جبير لحجت اليهود والنصارى والمجوس ولكنه قال أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ فهم المسلمون- او للابتداء كقولك القلب منى سقيم اى افئدة ناس تَهْوِي اى تسرع شوقا وودادا قال السدّى معناه تميل إِلَيْهِمْ تعديته بالى لتضمين معنى النزوع وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ مع سكناهم واديا غير ذى زرع مثل ما رزقت سكان القرى ذوات الماء لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) تلك النعمة فاجاب الله دعوته فجعله حرما أمنا يّجبى اليه ثمرت كلّ شيء حتّى يوجد هناك الفواكه الربيعية والخريفية والصيفية والشتائية فى يوم واحد.
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ من أمورنا وأحوالنا ومصالحنا- وارحم بنا منا لانفسنا فلا حاجة لنا الى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وافتقارا الى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك- قال ابن عباس ومقاتل ما نخفى وما نعلن من الوجد بإسماعيل وامه حيث اسكنتهما بواد غير ذى زرع- وقيل ما نخفى من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) لانه عالم بعلم ذاتى يستوى نسبته الى كل معلوم ومن للاستغراق- قيل هذا من قول ابراهيم عليه السلام والأكثرون على انه من الله عز وجل-.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ اى وهب لى وانا كبير ايس عن الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيها من الاية إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ قال ابن عباس رضى الله عنهما ولد إسماعيل لابراهيم عليهما السلام وهو ابن تسع وتسعين سنة- وولد إسحاق عليه السلام وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة- وقال سعيد بن جبير بشر ابراهيم بإسحاق عليهما السلام وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة كذا اخرج ابن جرير إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) يعنى مجيب الدعاء من قولك سمع الملك الكلام إذا اعتد به- قال سيبويه هو من ابنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف الى مفعوله او الى فاعله على اسناد السماع الى دعاء الله على المجاز- وفيه اشعار بانه دعا ربه تعالى وسال منه الولد فاجابه ووهب له سواله حين الإياس منه
ليكون من أجل النعم وأجلاها.
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ معدّلا لها بأركانها وآدابها محافظا ومواظبا عليها وَمِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على المنصوب فى اجعلنى يعنى واجعل بعض ذريتى من يقيمون الصلاة أورد من التبعيضية لعلمه باعلام الله تعالى انه يكون فى ذريته كفار حيث قال الله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ... رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) قرا البزي دعائى بإثبات الياء فى الحالين وورش وابو عمرو اثبتاها «١» فى الوصل فقط- والباقون يحذفونها فى الحالين- والمعنى استجب دعائى او تقبل عبادتى- روى الترمذي عن انس واحمد والبخاري فى الأدب واصحاب السنن الاربعة وابن حبان والحاكم عن النعمان بن بشير وابو يعلى عن البراء بن عازب عن النبي ﷺ قال الدعاء هو العبادة- وروى الترمذي عن انس عن النبي ﷺ الدعاء مخ العبادة.
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ هذه الاية تدل على ان والديه عليه السلام كانا مسلمين- وانما كان آزر عمّا له وكان اسم ابى ابراهيم تارخ كما ذكرنا فى سورة البقرة- ولاجل دفع توهم آذر قال والدي يعنى من ولداني حقيقة ولم يقل أبوي- فان الأب يطلق على العم مجازا وعلى تقدير كون آذر أبا له كما قيل- فقد ذكر الله عذره فى سورة التوبة وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ- يعنى قبل ان يتبين له امره فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ... وَاغفر لِلْمُؤْمِنِينَ كلهم أجمعين يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١) اى يثبت او يبدوا ويظهر مستعار من القيام على الرحل- كقولهم قامت الحرب على ساق- او المعنى يوم يقوم اهل الحساب فحذف المضاف وأسند الفعل الى المضاف اليه مجازا- كما فى قوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ- وقيل أراد يوم يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب لكونه مفهوما-.
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (٥) الغفلة عدم الاطلاع على حقيقة الأمور والاية خطاب لرسول الله ﷺ والمراد به تثبيته على ما هو عليه من انه مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية معاقب على الكثير والقليل لا محالة- او لكل من يتوهم غفلته جهلا بصفاته واغترارا
(١) فى الأصل أثبتها-
بامهاله- وقيل انه تسلّية للمظلوم وتهديد للظالم إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ اى يؤخر عذابهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) اى تشخص أبصارهم لا يغمض من هول ما يرى فى ذلك اليوم وقيل يرتفع ويزول عن أماكنها.
مُهْطِعِينَ اى مسرعين لا يلتفتون يمينا وشمالا ولا يعرفون مواطن أقدامهم- قال قتادة مسرعين الى الداعي- وقال مجاهد مديمى النظر وفى القاموس هطع هطوعا اسرع مقبلا خائفا او اقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه ومهطع كمحسن من ينظر فى ذل وخضوع لا يقلع بصره او الساكت المنطلق الى مرهتف به مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ قال القتيبي المقنع الّذي يرفع راسه ويقبل ببصره ما بين يديه وقال الحسن وجوه الناس يوم القيامة الى السماء لا ينظر أحد الى أحد لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ اى لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا الى أنفسهم بل يبقى عيونهم شاخصة لا تطرف وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) خلاء اى خالية عن العقل والفهم لفرط الحيزة والدهشة ومنه يقال للاحمق قلبه هواء لا رأى فيه ولا قوة- قال قتادة خرجت قلوبهم من صدورهم فصارت فى حناجرهم لا تخرج من أفواههم ولا تعود الى أماكنها- فالافئدة هواء اى لا شيء فيها ومنه سمى ما بين السماء والأرض هواء لخلوه- وقال سعيد بن جبير اى قلوبهم مترددة تمور فى أجوافهم ليس لها مكان يستقر فيه- قال البغوي حقيقة المعنى ان القلوب زائلة عن أماكنها والابصار شاخصة من هول ذلك اليوم-.
وَأَنْذِرِ اى خوف يا محمّد عليه السلام النَّاسَ يَوْمَ بيوم يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يعنى يوم القيامة او يوم الموت فانه أول ايام عذابهم او يوم يأتيهم العذاب العاجل للاستيصال فى الدنيا فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا بالشرك والتكذيب رَبَّنا أَخِّرْنا اى أمهلنا فى الدنيا او المعنى اخر العذاب عنا وردّنا الى الدنيا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ اى الى حد من الزمان قريب وابقنا مقدار ما نؤمن بك ونجب دعوتك نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ جواب للامر نظيره لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ- فيجابون أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ حلفتم مِنْ قَبْلُ فى دار الدنيا ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) جواب للقسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية- والمعنى
انكم باقون فى الدنيا لا تزالون بالموت ولعلهم قسموا بطرا وغرورا- او حكاية عن دلالة حالهم حيث بنوا شديدا وأملوا بعيدا- وقيل معناه اقسموا انهم لا ينقلون الى دار اخرى- او انهم إذا ماتوا لا يزالون عن تلك الحالة يعنى لا يبعثون بعد الموت نظيره قوله تعالى وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ....
وَسَكَنْتُمْ فى الدنيا فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالكفر والمعاصي ممن كان قبلكم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم وَتَبَيَّنَ لَكُمْ من مشاهدة اثار منازلهم وسماع اخبار ما نزل بهم- وفاعل تبيّن مضمر دل عليه الكلام اى تبين لكم حالهم- وكيف فى قوله كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ منصوب بقوله فعلنا فلم ينزجروا وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) من أحوالهم اى بيّنّا لكم على السنة المرسلين المؤيدين بالمعجزات انكم فى الكفر واستحقاق العذاب او المعنى بيّنّا صفات ما فعلوا وما فعل بهم الّتي هى فى الغرابة كالامثال المضروبة- او بيّنّا لكم الأمثال فى القران-.
وَقَدْ مَكَرُوا يعنى كفار مكة بالنبي ﷺ حيث أرادوا حبسه او إخراجه او قتله مَكْرَهُمْ قال المفسرون الضمير المجرور فى مكرهم راجع الى ما يرجع اليه الضمير المرفوع فى مكروا- والمعنى انهم مكروا مكرهم البليغ المستفرغ فيه جهدهم لابطال الحق وتقرير الباطل- وحينئذ لا تعلق لهذا الكلام بما سبق- وعندى ان الجملة معطوفة على قوله وسكنتم- والضمير المجرور راجع الى الموصول- والمراد الكفار السابقون «١» - والمرفوع الى الناس اى كفار هذه الامة- وفى الكلام التفات من الخطاب الى الغيبة- والمعنى سكنتم فى مساكن من قبلكم وتبين لكم ما فعلنا بهم وقد مكرتم مثل مكر السابقين وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ اى مكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه- او عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وابطالا له وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ قرا علىّ وابن مسعود رضى الله عنهما وان كاد مكرهم بالدال وقراءة العامة بالنون لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) قرا الكسائي وابن جريج بفتح اللام للتأكيد فى لتزول والرفع- على انّ ان مخففة من الثقيلة واللام هى الفاصلة والمعنى انه كان مكرهم يعنى شركهم عظيما شديدا بحيث تزول منه الجبال بمعنى قوله تعالى تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً- قال البغوي حكى عن علىّ بن ابى طالب رضى الله عنه
(١) فى الأصل سابقين-
فى معنى الاية انها نزلت فى نمرود الجبار الّذي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ- وذلك انه قال ان كان ما يقوله ابراهيم حقّا فلا انتهى حتّى اصعد السماء فاعلم ما فيها- فعمد الى اربعة افرخ من النسور ربّاها حتّى شب- واتخذنا بوتا وجعل له بابا من أعلى وبابا من أسفل- وقعد نمرود مع رجل فى التابوت ونصب خشبات فى أطراف التابوت- وجعل على رأسها اللحم وربط التابوت بأرجل النسور وخلّاها- فطرن وصعدن طمعا فى اللحم حتّى مضى يوم وابعدن فى الهواء فقال نمرود لصاحبه افتح الباب الأعلى وانظر الى السماء هل قريبا منها- ففتح ونظر فقال ان السماء كهيئتها- ثم قال افتح الباب الأسفل وانظر الى الأرض كيف تراها- ففعل فقال ارى الأرض مثل اللجة والجبال مثل الدخان- فطارت النسور يوما اخر وارتفعت- حتّى حالت الريح بينها وبين الطيران- فقال لصاحبه افتح البابين ففتح الأعلى فاذا السماء كهيئتها وفتح الأسفل فاذا الأرض سوداء مظلمة- ونودى ايها الطاغية اين تريد- قال عكرمة كان معه فى التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب- فرمى بسهم فعاد اليه السهم متلطّخا بدم سمكة تذفت نفسها من بحر فى الهواء- وقيل طائر أصابه السهم فقال كفيت بشغل اله السماء- قال ثم امر نمرود صاحبه ان يصرف الخشبات وينكس اللحم ففعل- فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال خفيف التابوت والنسور- ففزعت وظنّت ان قد حدث حدث من السماء وان الساعة قد قامت وكادت تزول عن أماكنها- فذلك قوله تعالى وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ- وهذه القصة يأبى عنه العقل ولم يثبت بنقل يعتمد عليه- وقرا الجمهور بلام مكسورة والنصب فان حينئذ اما نافية واللام لام جحود لتأكيد النفي كقوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ- او مخففة من الثقيلة واللام لام كى وكان تامة- والجبال مثل لامر النبي ﷺ وآيات الله والشرائع- والمعنى على الاول وما كان مكرهم مزيلا للجبال وعلى الثاني انهم مكروا وثبت مكرهم ليزيلوا ما هو كالجبال الراسيات ثباتا وتمكنا من امر النبي ﷺ وآيات الله وشرائعه وذلك محال- وقال الحسن ان كان مكرهم لا ضعف من ان تزول الجبال-.
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ بالنصر لاوليائه وهلاك
أعدائه كقوله تعالى إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وقوله كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وقوله لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ- ومخلف مفعول ثان لتحسبن وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بانه لا يخلف الوعد أصلا كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ وإذا لم يخلف وعده أحدا كيف يخلف رسله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يماكر قادر لا يدافع ذُو انتِقامٍ (٤٧) لاوليائه من أعدائه-.
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ بدل من يوم يأتيهم او ظرف للانتقام او مقدر با ذكر او بقوله لا يخلف وعده- ولا يجوز ان ينتصب بمخلف لان ما قبل انّ لا يعمل فيما بعده وَالسَّماواتُ عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات فحذف لدلالة ما قبله عليه- والتبديل يكون فى الذات كقولك بدلت الدراهم بالدنانير وعليه قوله تعالى بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها- وفى الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا اذبتها وغيرت شكلها- وفى تبديل الأرض والسموات أحاديث بعضها تدل على التبديل فى الذات وبعضها على التبديل فى الصفات- اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم فى تفاسيرهم والبيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود فى هذه الاية انه قال تبدل الأرض أرضا كانها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم تعمل عليها خطيئة واخرج البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا وقال الموقوف أصح- قلت والموقوف فى الباب له حكم المرفوع- واخرج ابن جرير والحاكم من وجه اخر عنه قال أرضا بيضا كانها سبيكة فضة- واخرج احمد وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابى أيوب وابن جرير عن انس بن مالك فى هذه الاية قال يبدلها الله تعالى يوم القيامة بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطاء- واخرج من طريق ابى حمزة عن زيد عن النبي ﷺ فى الاية قال انها تكون بيضاء مثل الفضة- واخرج ابن ابى الدنيا فى صفة الجنة عن على بن ابى طالب فى هذه الاية قال الأرض من فضة والسماء من ذهب- واخرج ابن جرير عن مجاهد قال الأرض كانها فضة والسماء كذلك- واخرج عبد ابن حميد عن عكرمة قال بلغنا ان الأرض تطوى والى جنبها اخرى يحشر الناس منها إليها- وفى الصحيحين عن سهل بن سعد قال سمعت رسول الله ﷺ يقول يحشر الناس
283
يوم القيامة على ارض بيضاء غفراء كقرصة نقى ليس فيها معلم لاحد- واخرج البيهقي من طريق السدى الصغير عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس فى هذه الاية قال يزاد فيها وينقص ويذهب اكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وما فيها وتمدّ مدّ الأديم العكاظي ارض بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم ولم تعمل عليها خطيئة- والسموات تذهب شمسها وقمرها ونجومها- واخرج الحاكم عن ابن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الخلائق واخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي ﷺ تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ثم ادعى أول الناس فاخرّ ساجدا- ثم يؤذن لى فاقوم فاقول يا رب أخبرني هذا جبرئيل (وهو عن يمين الرحمان والله ماراه جبرئيل قبلها قط) انك أرسلته الىّ قال وجبرئيل ساكت لا يتكلم حتّى يقول الله صدق ثم يأذن لى فى الشفاعة فاقول يا رب عبادك أطراف الأرض فذلك المقام المحمود- وفى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال النبي ﷺ يكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفاها الجبار بيده كما يتكفا أحدكم خبزته فى السفر نزلا لاهل الجنة- قال الدراوردي النزل ما يعجل للضيف قبل الطعام والمراد به يأكل منها فى الموقف من سيصير الى الجنة- وكذا قال ابن مرجان فى الإرشاد تبدل الأرض خبزة فيأكل المؤمن من بين رجليه ويشرب من الحوض- قال ابن حجر يستفاد منه ان المؤمنين لا يعاقبون بالجوع فى طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الأرض حتّى يأكلون منها من تحت أقدامهم ما شاء الله من غير علاج ولا كلفة- ويؤيده ما اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال وتكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه- واخرج نحوه عن محمّد بن كعب- واخرج البيهقي عن عكرمة قال تبدل الأرض بيضاء مثل الخبزة يأكل منها اهل الإسلام حتّى يفرغوا من الحساب- وعن ابى جعفر محمّد الباقر نحوه- واخرج الخطيب عن ابن مسعود قال يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط واظمأ ما كانوا قط واعرى ما كانوا قط وانصب ما كانوا قط فمن اطعم لله أطعمه ومن سقى لله سقاه ومن كسى لله كساه ومن عمل كفاه- واخرج ابن جرير عن ابن كعب
فى الاية قال تصير السموات جنانا وتصير مكان
284
البحر نارا وتبدل الأرض غيرها- واخرج عن ابن مسعود قال الأرض كلها نار يوم القيامة- واخرج عن كعب الأحبار قال يصير مكان البحر نارا- واخرج مسلم عن ثوبان قال جاء حبر من اليهود الى رسول الله ﷺ فقال اين يكون الناس يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ قال هم فى ظلمة دون الجسر- واخرج مسلم عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ارايت قوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ اين الناس يومئذ قال على الصراط- قال البيهقي قوله على الصراط مجاز لكونهم يجاوزونه فوافق قوله فى حديث ثوبان دون الجسر لانها زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها ولان ذلك عند الزجرة الّتي تقع بها نقلتهم من ارض الدنيا الى ارض الموقف- واخرج البيهقي عن أبيّ بن كعب فى قوله تعالى وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً قال يصير ان غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ- قال السيوطي رحمه الله قد وقع الخلاف قديما للسلف فى ان التبديل تغير ذاتها او صفاتها فقط- فرجح الاول ابن ابى حمزة وأشار الى ان ارض الدنيا تضمحل وتعدم وتجدد ارض الموقف- وقال الشيخ ابن حجر رحمه الله لا تنافى بين تبديل الأرض وأحاديث مدها والزيادة فيها والنقص منها- لان كل ذلك يقع لارض الدنيا لكن ارض الموقف غيرها- فانهم يزجرون من ارض الدنيا بعد تغيرها بما ذكرنا الى ارض الموقف- قال ولا تنافى ايضا بين أحاديث مصيرها خبزة وغبرة ونارا بل تجمع بان بعضها تصير خبزة وبعضها غبرة وبعضها نارا وهو ارض البحر خاصة بدليل اثر أبيّ بن كعب- قلت لعل موضع أقدام المؤمنين يصير خبزة وموضع أقدام الكفار غبرة ونارا- وقال القرطبي جمع صاحب الإفصاح بين هذه الاخبار بان تبديل الأرض والسموات يقع مرتين أحدهما تبديل صفاتها فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتنتشر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الرءوس وتسير الجبال وتصير البحار نارا وعوّج الأرض وتنشق الى ان تصير الهيئة غير الهيئة- ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض وتبدل السماء سماء اخرى وهو قوله تعالى وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وتبدل الأرض فتمدّ مدّ الأديم وتعاد كما كانت فيها القبور والبشر على ظهرها وفى بطنها- وتبدل ايضا تبديلا ثانيا وذلك إذا وقفوا فى المحشر فتبدل لهم الأرض الّتي يقال لها الساهرة
285
ويحاسبون عليها وهى ارض غفراء بيضاء من فضة لم يسفك فيها دم ولم تعمل عليها معصية وحينئذ يقوم الناس على الصراط وهو يسع جميع الخلق فيقوم من فضّل على جسر جهنم وهى كاهالة جامدة وهى الّتي قال عبد الله انها ارض من نار فاذا جاوزوا الصراط وجعل اهل النار واهل الجنان من وراء الصراط قاموا على حياض الأنبياء يشربون بدّلت الأرض كقرصة النقي فاكلوا من تحت أرجلهم وعند دخولهم الجنة كانت خبزة واحدة اى قرصا واحدا يأكل منه جميع الخلائق ممن دخل الجنة- وادامهم زيادة كبد ثور الجنة وزيادة كبد النون انتهى كلامه- واخرج الطبراني فى الأوسط وابن عدى بسند ضعيف الأرض تذهب كلها يوم القيامة الا المساجد فانها ينضم بعضها الى بعض- قلت لو صح هذه الرواية فلعل ارض المساجد تصيرا رضا للجنة وقد قال رسول الله ﷺ ما بين بيتي ومنبرى روضة من رياض الجنة- رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد والنسائي عن عبد الله ابن زيد المازنى وعن ابى هريرة فى الصحيحين وعند الترمذي وَبَرَزُوا اى ظهروا وخرجوا من قبورهم لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) اى لمحاسبته ومجازاته- وتوصيفه بالوصفين للدلالة على ان الأمر فى غاية الصعوبة فان الأمر إذا كان لواحد غالب لا يغالب عليه فلا مستغاث ولا مستجار غيره-.
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ اى الكافرين يَوْمَئِذٍ اى يوم إذ برزوا مُقَرَّنِينَ مشددين قرينا بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم فى العقائد والأعمال- اخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال يقرّن الرجل الصالح مع الصالح فى الجنة ويقرّن بين الرجل السوء مع السوء فى النار- او قرينا مع شياطينهم- او مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة- او قرينا أيديهم وأرجلهم الى رقابهم بالاغلال فِي الْأَصْفادِ (٤٩) اى فى القيود والاغلال واحدها صفد- وكل من شدتّه شدا وثيقا فقد صفدتّه.
سَرابِيلُهُمْ جمع سربال وهو القميص مِنْ قَطِرانٍ وهو عصارة الأبهل تطبخ فتهنا به الإبل الجربى فيحرق الجرب لحدته وهو اسود منتن يشتعل فيه النار بسرعة يطلى به جلود اهل النار حتّى يكون طلاوة لهم كالقميص ليجتمع عليهم لدغ القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع اسراع النار
فى جلودهم- وقرا عكرمة ويعقوب من قطران على كلمتين منونتين والقطر النحاس والصفر المذاب والان الّذي انتهى حره والجملة حال ثان او حال من الضمير فى مقرنين وَتَغْشى اى تعلو وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) وخص الوجه فى الذكر لانه أعزّ موضع فى ظاهر البدن كالقلب فى باطنه ولذا قال تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ- او لانهم لم يتوجهوا بها الى الحق ولم يستعملوا فى تدبره مشاعرهم وحواسّهم الّتي خلقت فيها لاجله كما تطّلع على الافئدة لانها فارغة عن المعرفة مملوّة بالجهالات.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مجرمة ما كَسَبَتْ اللام اما متعلق بقوله مُقَرَّنِينَ- او بالظرف المستقر اعنى من قطران او بقوله تغشى- او بفعل مقدر يعم ذلك تقديره يفعل ذلك ليجزى- وجاز ان يكون المعنى ليجزى كل نفس مطيعة وعاصية بما كسبت- لانه إذا بين ان المجرمين يعاقبون باجرامهم علم ان المطيعين يثابون بطاعتهم واللام حينئذ متعلق ببرزوا إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) لا يشغله حساب عن حساب- قال السيوطي فى الجلالين يحاسب جميع الخلائق فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا لحديث بذلك- واخرج ابن المبارك وابو نعيم عن النخعي قال كانوا يرون انه ليفرغ من حساب الناس يوم القيامة فى مقدار نصف يوم يقيل هؤلاء فى الجنة وهؤلاء فى النار- واخرج ابن المبارك وابن ابى حاتم عن ابن مسعود قال لا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتّى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرا أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا... - ثمّ انّ مقيلهم «١» لالى الجحيم- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال انما هى ضخوة فيقيل اولياء الله على الاسرة مع الحور العين ويقيل اعداء الله مع الشياطين مقرنين- قلت لكن هذه الآثار تدل على ان المراد نصف نهار الاخرة والله اعلم-.
هذا القران او السورة او ما فيها من الوعظ والتذكير من قوله وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ... بَلاغٌ لِلنَّاسِ كفاية لهم فى الموعظة وَلِيُنْذَرُوا بِهِ اى ليخوفوا عطف على محذوف اى لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ واللام متعلق بالبلاغ- ويجوز ان يتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به انزل او تلى- وقيل معنى الاية هذا القران انزل لتبليغ الناس احكام الله تعالى ولينذروا به وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ لانهم
(١) وفى القران ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ-
287
إذا خافوا ما اندروا به دعتهم المخافة الى النظر والتأمل فيتوصلوا الى التوحيد بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة عليه او المنبّهة على ما يدل عليه وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥١) فيرتدعوا عما يرد بهم- ذكر الله تعالى لهذا البلاغ ثلاث فوائد وهى الغاية والحكمة فى إنزال الكتب أحدها تكميل الرسل للناس بقوله لينذروا ثانيها استكمالهم القوة النظرية الّتي منتهى كما لها التوحيد بقوله ليعلموا انّما هو اله وّاحد ثالثها استصلاح القوة العملية الّتي هو التدرّع بلباس التقوى جعلنا الله من الفائزين بها والله اعلم- تمت تفسير سورة ابراهيم عليه السلام من التفسير المظهرى تاسع عشر ربيع الثاني من السنة الثانية بعد الف ومائتين ويتلوه تفسير سورة الحجر ان شاء الله تعالى وصلى الله تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين سنه ١٢٠٢ هجرى.
فهرس تفسير سورة الحجر من التفسير المظهرى
مضمون صفحه مضمون صفحه ما ورد فى ان الكفار يعيّرون العصاة من المؤمنين عند دخولهم النار معهم فيغضب الله تعالى ويخرج من النار من قال لا اله الا الله- ٣ ما ورد فى استراق الشياطين السمع والقائها على الكهنة- ٧ ماخذ القول بالأعيان الثابتة وعالم المثال ٨ حديث ما هبت ريح قط إلا جثى رسول الله ﷺ وقال اللهم اجعلها رحمة الحديث- ٩ حديث من مات على شيء بعثه عليه- ١٠ تحقيق الروح العلوي وهى خمسة والروح السفلى وكيفية سريانها ونفخها- ١٢ ما ورد فى أبواب جهنم ١٦ باب لمن سلّ السيف على المسلمين- ١٦ باب لا يدخله اى جهنم الا من شفى غيظه بسخط الله وأشدها غما للزناة- ١٦ حديث كان لا ينام حتّى يقرا تبارك وحم السجدة ١٧ أحاديث الخوف والرجاء ١٨ حديث ان الله خلق مائة- رحمة الحديث ١٩ ما ورد فى السبع المثاني قيل هى الفاتحة وقيل سبع سور- ٢٤ حديث ان الله أعطاني السبع الطوال مكان التورية والرّاءات الى الطواسين مكان الإنجيل وما بينهما الى الحواميم مكان الزبور وفضلنى بالحواميم والمفصل ٢٥ حديث ليس منا من لم يتغنّ بالقران- ٢٦ حديث لا تغبطن فاجرا بنعمة- ٢٦ حديث انظروا الى من هو أسفل منكم لا الى من هو فوقكم- ٢٦ الأحاديث الواردة فيما يسئل عنه يوم القيامة ٢٨ حديث ان رسول الله ﷺ إذا خزبه امر فزع الى الصلاة- ٣٣ حديث ما اوحى الىّ ان اجمع المال وأكون من التاجرين ولكن اوحى الىّ ان سبح بحمد ربّك وكن من الساجدين- ٣٣ حديث فى منقبة مصعب بن عمير- ٣٣ تمّت.
288
Icon