تفسير سورة الأحزاب

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الأحزاب مدينة
وهي ثلاث وسبعون آية وتسع ركوعات

بسم الله الرحمان الرحيم*
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾ : اثبت عليه، ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ نقل أن بعض قريش نزلوا على منافقي المدينة بأمان النبي –عليه السلام- وقالوا للنبي : ارفض ذكر آلهتنا بسوء، وقل إنها تشفع لمن عبدها ندعك وربك فأخرجهم النبي عن المدينة فنزلت، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ : فهو أحق أن يطاع ويتبع،
﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ : فلا تخالفوه، ومن قرأ يعملون بالياء فمعناه إنه خبير بمكائد الكفار والمنافقين فلا تبال فإنه يدفعها عنك،
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ : حافظا موكولا إليه كل أمر،
﴿ مَّا جَعَلَ١ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾ لم ير في حكمته أن يجعل لأحد قلبين لأن القلب سلطان ولا يليق بمملكة إلا سلطان واحد، ﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ ﴾ والمظاهرة مثل أن تقول : أنت كظهر أمي وفي الجاهلية بالمظاهرة تحصل الفرقة الأبدية وتصير كالأم، وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب والتباعد، ﴿ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ : إن أمهاتكم إلا اللائي ولدنكم والأمهات مخدومات والزوجات خادمات، ﴿ ومَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ ﴾ : الذين تدعونهم ولدا، ﴿ أَبْنَاءكُمْ ﴾، فإن البنوة أمر ذاتي والتبني عارضي فكيف يكون هو إياه، فحاصله أنه تعالى كما لم ير في حكمته أن يجعل لأحد قلبين فيفعل بأحدهما غير ما يفعل بالآخر لئلا يكون أحدهما فضلة غير محتاج إليه فيؤدي إلى اتصاف شخص بالعلم، والظن والمحبة والكراهية وغيرهما في حالة واحدة ولم ير أيضا أن تكون امرأة لرجل مخدومة وخادمة وأن يكون رجل دعيّا غير أصيل وابنا أصيلا وعن بعض السلف إن الأولين للثالث أي : كما لا يكون لرجل قلبان، ولا يصير غير الأم أُمّا كذلك لا يكون الدعي ابنا فلا تسموا زيد بن حارثة مولى النبي الذي تبناه قبل النبوة زيد بن محمد ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) [ الأحزاب : ٤٠ ]، وعن كثير٢ من السلف إن الأول نزل في شخص يقال له ذو القلبين يقول : لي قلبين أعقل بكل، أفضل من عقل محمد، وعن بعض : لما سها٣ عليه السلام في صلاته قال المنافقون : له قلبان، قلب معهم، وقلب معكم، ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ : إشارة إلى المجموع أو إلى الأخير، ﴿ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ لا حقيقة له، ﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ ﴾ : المطابق للواقع، ﴿ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ : طريق الحق،
١ ولما نهاه عن إطاعة المعاندين لأهل الدين وأمره بالتوكل والتوجه بالكلية إليه تعالى، نبه نبيه أنه لا يجتمع الإقبال على الله بالكلية والتوجه إلى الغير، إلا بأن يكون لشخص قلبان، وهذا أمر لا يمكن ﴿ما جعل الله لرجل﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ كابن عباس رضي الله عنه وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة /١٢ منه..
٣ نقله الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه، ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم عن زهير [أخرجه أحمد (١/١٦٨)، والترمذي (٣٢٥١)، وضعفه الشيخ الألباني بقابوس بن أبي ظبيان] /١٢ منه..
﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ﴾ انسبوهم إليهم، وفي إفراده بالذكر إشعار إلى ما نقلنا من أن الأولين للثالث، ﴿ هُوَ ﴾، راجع إلى مصدر ادعوهم، ﴿ أَقْسَطُ ﴾ من القسط بمعنى العدل، ﴿ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ ﴾ حتى تنسبوهم إليهم، ﴿ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ أي : فهم إخوانكم، ﴿ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾ : وأولياءكم فيه فقولوا أخي ومولاي، ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ : إثم، ﴿ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ﴾ : فيما فعلتموه مخطئين على النسيان أو سبق اللسان، ﴿ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ : ما تعمدت عطف على ما أخطأتم أي : وعليكم جناح فيما أو مبتدأ مقدر خبره أي ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ في الحديث١ ( ثلاث في الناس كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم ) وفي الحديث ( إن في القرآن المنسوخ، ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم )٢
١ رواه الإمام أحمد في مسنده وكذا مسلم فالعزو إليه أولى وفي الحديث (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه كفر) /١٢ منه..
٢ أخرجاه في الصحيحين..
﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ : في أمور الدارين قال عمر : لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال عليه السلام :( لا يا عمر١ حتى أكون أحب إليك من نفسك ) فقال :( والله لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء حتى من نفسي )، فقال :( الآن يا عمر )، وعن بعض المفسرين معناه : النبي أولى من بعضهم ببعضهم في وجوب طاعته عليهم، ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ : في التوقير وتحريم نكاحهن على التأييد لا في النظر والخلوة والأصح٢ أن لا يقال هن أمهات المؤمنات، وفي الشواذ٣ وهو أب لهم، ﴿ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ ﴾ : ذوو القرابات،
﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾ : في الميراث، ﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ : في حكمه، أو في اللوح المحفوظ، ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾ صلة الأولى أي : هم بحق القرابة أولى بالميراث منهم بحق الإيمان والهجرة قال الزبير : أنزل الله فينا معشر قريش والأنصار خاصة وذلك لما قدمنا المدينة قدمنا ولا مال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم وأورثناهم حتى أنزل الله فينا هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا، ﴿ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ﴾ الاستثناء منقطع أي : لكن فعلكم إلى أحبائكم معروفا جائز يعني : ذهب الميراث وبقي البر والإحسان والوصية، ﴿ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ أي : هذا الحكم٤ في الكتاب٥ القديمة الذي لا يبدل مسطورا وإن كان تعالى شرع خلافه في وقت لما له من الحكمة البالغة،
١ في البخاري: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين) [وقد أخرجه مسلم أيضا] /١٢..
٢ وهو الأصح من مذهب الشافعي، وقد صح عن عائشة - رضي الله عنها- النهي عن ذلك /١٢ منه..
٣ وعن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قرءا ﴿وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم﴾ /١٢ منه..
٤ وهو أن أولوا الأرحام بعضهم أولى بعض في كتاب الله /١٢ منه..
٥ فيه إشارة إلى دفع طعن الملحدين، بأنه ليس من باب البداء، فإنه غير جائز على من لا يخفى عليه شيء، ولما كان تغيير المألوف شديدا على النفوس، وقد ذكر أشياء من تغيير المألوف، بين أن إقامة الدين هو عهد وميثاق مع أول الرسل وآخرهم فقال: ﴿وإذ أخذنا من النبيين﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا ﴾ أي : اذكره، ﴿ مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ﴾ : في إقامة دينه وإبلاغ رسالته والتعاون والإنفاق، ﴿ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾، صرح بأسماء أولي العزم الخمسة من بينهم وقدم ذكر خاتم الأنبياء لشرفهم وشرفه عليهم الصلاة والسلام، ﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا١ : عهدا شديدا مؤكدا،
١ هذا الميثاق هو الميثاق الأول بعينه، كأنه قال: أخذنا ميثاقا غليظا لمحمد صلى الله عليه وسلم داخلا في أخذ الميثاق الغليظ من الأنبياء، والغلظ في الأجسام استعير للمعنى /١٢ وجيز..
﴿ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ﴾ أي : فعلنا ذلك ليسأل الله الذين صدقوا عهدهم من الأنبياء عن تبليغهم تبكيتا للكفار وقيل عن تصديقهم إياهم، ﴿ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا١ أَلِيمًا ﴾، عطف على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين.
١ والحاصل أنه أخذ المواثيق على الأنبياء في التبليغ، لكن جعل من يبلغ إليه فرقتين فرقة يسألها عن صدقها فيجيب بأنا صدقنا الله في أمره ونهيه ويثيبها على ذلك، وفرقة كفرت فينالها ما أعد لها من العذاب، لما أمر نبيه في أول السورة بالتوكل على الله في دفع المعاندين، وما وقع في البين إلى هذه الآيات من متفرعات التوكل كما أشرنا إليه، ذكر من نعمه ما هو محض حماية الله وعنايته ليرى فائدة التوكل فيزيد وثوقه فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله﴾ /١٢ وجيز..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ١ يعني الأحزاب لما اجتمع المشركون وأهل الكتاب كيد واحدة لعداوة المؤمنين أمر عليه السلام بحفر الخندق بشورى سلمان فنزلوا وحاصروا المدينة قريبا من شهر، ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا ﴾ أي الصبا، ﴿ وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ : من الملائكة أرسل تعالى بعد مدة من المحاصرة في ليلة مظلمة باردة ريحا صرصرا فنسفت التراب، في وجوههم وأطفأت نيرانهم، وقلعت خيامهم فماجت خيولهم بعضها ببعض فقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانبهم فارتحلوا خائفين خائبين، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ : من حفر الخندق، ﴿ بَصِيرًا ﴾
١ أي: إنعام الله عليكم وقت مجيء الجنود، وذلك في غزوة الأحزاب حين اجتمع المشركون من قريش وأهل الكتاب كيد واحدة، وهم نحو من خمسة عشر ألفا وجاءوا إلى المدينة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق بشورى سلمان، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا، وهم كانوا ثلاثة آلاف، فالخندق اثنا عشر ألف ذراع، فنزل الأحزاب خلف الخندق، وزعمهم أنهم لا يرجعون وقد بقي للإسلام باقية، ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة، وظهر نفاق المنافقين واشتد الخوف على المؤمنين وتفصيل الحاكية مسطور في السير /١٢ وجيز..
﴿ إِذْ جَاؤُوكُم ﴾ بدل من جاءتكم، ﴿ مِّن فَوْقِكُم ﴾ : من أعلى الوادي من قبل المشرق، ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ : من قبل المغرب، ﴿ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ ﴾ مالت أبصار المسلمين عن سنتها حيرة لشدة الأمر، ﴿ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ﴾ : رعبا وهذا مثل في الاضطراب، قيل : إذا انتفخت الرئة من فزع أو غضب ارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وهي منتهى الحلقوم، ﴿ وَتَظُنُّونَ١ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴾، حتى قال بعض المنافقين : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر والآن لا نقدر أن نذهب إلى الغائط، والألف زيدت تشبيها للفواصل بالقوافي،
١ ظن كل من المؤمن الخالص والمؤمن الضعيف والمنافق مختلف، وظن المنافقين ما حكى الله عنهم بقوله: ﴿وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية﴾ إلى قوله: ﴿يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا﴾ [آل عمران: ١٥٤]، قال بعض الأئمة بعد بيان سوء الظن: وبالجملة فأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به، ولهذا يتوعدهم في كتابه على إساءة الظن به أعظم وعيد، كما قال تعالى: ﴿الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا﴾ [الفتح: ٦] إلى أن قال: واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع، وجدت أصل ضلالهم راجعا إلى شيئين: أحدهما: ظنهم بالله ظن السوء، والثاني: أنهم لم يقدروا الرب حق قدره، قال الإمام العلامة شمس الدين ابن القيم رحمه الله في الهدى النبوي: من ظن أن الله سبحانه وتعالى أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل، وترك الحقائق المقصورة من كلامه سبحانه وتعالى، ورمز إليهم رموزا بعيدة وأشار إليهم إشارة ملغزة وصرح بالتشبيه، والتمثيل والأمور الباطلة التي لا تجوز عليه ولا تليق، وأراد من خلقه أن يتبعوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه وتأويله على غير تأويله المفهوم من ظاهره، ويتطلبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة شرعا وعقلا، والتأويل التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفته وأسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم لا على كتابه، بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامه على ما يعرفون من خطابهم ولغتهم مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق، الذي ينبغي التصريح به ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في الاعتقاد الباطل فلم يفعل، بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان، فقد ظن به السوء، فإنه إن قيل: أنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وسلفه، فقد ظن العجز بقدرته وإن قيل: أنه قادر ولم يبين، وعدل عن البيان والتصريح بالحق إلى ما يوهم بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد، فقد ظن بحكمته ورحمته ظن السوء، ومن ظن أنه وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم وعباداتهم، وأما كلام الله فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام المتهورين الحائرين هو الهدى والحق، هذا من سوء الظن بالله، فكل هؤلاء من الظانين بالله ظن السوء، ومن الظانين بالله غير الحق ظن الجاهلية، ومن ظن بأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، وأن نسبة ذاته تعالى إلى عرشه كنسبتها إلى أسفل السافلين، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن به أنه أسفل كما هو أعلى وإن من قال: سبحان ربي الأسفل كما قال: سبحان ربي الأعلى، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه، ومن ظن به خلاف ما وصف نفسه، أو وصفه به رسوله فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن به أن أحدا يشفع عنده بغير إذنه، وأن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه، وأنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه، ويتوسلون بهم إليه ويجعلونهم وسائط بينه وبينهم، فيدعونهم في حاجتهم إليه سبحانه وتعالى، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه، إلى آخر ما بين وفصل رحمه الله تعالى /١٢..
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ : اختبروا فظهر المخلص من المنافق، ﴿ وَزُلْزِلُوا ﴾ : أزعجوا، ﴿ زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾
﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ شبهة لم تطمئن قلوبهم على الإيمان، ﴿ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ : وعدا لا وفاء له،
﴿ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ ﴾ وهم المنافقون :﴿ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ﴾ كان اسما للمدينة أي : أهل المدينة، ﴿ لَا مُقَامَ لَكُمْ ﴾ : لا موضع قيام لكم هاهنا أي عند النبي المصطفى في مقام المرابط، ﴿ فَارْجِعُوا ﴾ : إلى بيوتكم، ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ ﴾ للرجوع فإنه كان عليه السلام خارجا من المدينة بحيث أسند المسلمون ظهورهم إلى سلع ووجوههم نحو العدو والخندق بينهم، ﴿ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ : غير حصينة نخاف عليها السراق، ﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ﴾ : فإنها حصينة، ﴿ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا١ : من القتال،
١ قال الضحاك رجع ثمانون من غير إذن /١٢ وجيز..
﴿ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ﴾ يعني : لو دخلت هذه العساكر المدينة من جوانبها، ﴿ ثُمَّ سُئِلُوا ﴾ : سألت هذه العساكر من قال إن بيوتنا عورة، ﴿ الْفِتْنَةَ ﴾ : الردة ومحاربة المسلمين، ﴿ لَآتَوْهَا ﴾ لأعطوها، ﴿ وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا ﴾ : بالفتنة، ﴿ إِلَّا يَسِيرًا ﴾ : تلبثا يسيرا قدر سؤال وجواب فأسرعوا الإجابة،
﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل تلك المحاربة، ﴿ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَار ﴾ : لا يفرون من الزحف، ﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مسئولا ﴾ : عن الوفاء به،
﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ﴾ فإنه لا بد لكل من الموت حتف أنفه أو قتل في وقت معين، ﴿ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ ﴾ : بعد الفرار، ﴿ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ : زمانا قليلا يعني : لو فرضتم أنه ينفعكم لا ينفعكم إلا قليلا،
﴿ قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا ﴾ : مصيبة، ﴿ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ ﴾ عطف على من ذا تقديره أو من ذا الذي يصيبكم بسوء إن أراد بكم، ﴿ رَحْمَةً ﴾ أو عطف على أرادوا العصمة بمعنى المنع مجازا ولا حذف، ﴿ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ﴾ : ينفعهم، ﴿ وَلَا نَصِيرًا ﴾ : يدفع ضرهم،
﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ ﴾ : الذين يعوقون المسلمين عن معاونة النبي –عليه السلام-، ﴿ مِنكُمْ ﴾، وهم المنافقون، ﴿ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ ﴾ من ساكني المدينة، ﴿ هَلُمَّ إِلَيْنَا ﴾ : قربوا أنفسكم إلينا فنحن في ظلال وثمار وراحة في بيوتنا، عن مقاتل : أرسلت اليهود إلى المنافقين فخوفوهم وقالوا : هلموا إلينا والمنافقون كانوا يخوفون المؤمنين يقولون انطلقوا معنا إلى إخواننا، أي : اليهود، ﴿ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ ﴾ : الحرب مع المؤمنين، ﴿ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ : يخرجون ولا يبارزون إلا شيئا قليلا، أو معناه لا يحضرون إلا زمانا قليلا ثم يعتذرون ويرجعون قيل هذا من تتمة قولهم يعني : الذين قالوا لإخوانهم هلموا إلينا، والمؤمنون لا يحاربون الكفار إلا زمانا قليلا فيغلبون،
﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ﴾ بخلاء بالشفقة أو بالنفقة أو في الغنائم نصب على الحال من فاعل لا يأتون وهو حال من ضمير القائلين أو هما حالان من ضمير القائلين :﴿ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ ﴾ : وقت الحرب، ﴿ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ﴾، في أحداقهم، ﴿ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ ﴾ أي : كدوران١ عين من يغشى عليه، ﴿ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ : من معالجة سكراته، ﴿ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم ﴾ : ضربوكم، ﴿ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ﴾ : لأجل الغنيمة وغيرها، ﴿ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾ بخلاء على الغنيمة، أو ليس فيهم خير فهم جمعوا بين البخل والجبن وقلة الحياء وعدم الوفاء، ﴿ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ : أبطل جهادهم وصلاتهم وصيامهم ومثل ذلك، ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ ﴾ : الإحباط، ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ : هينا، وهذا كما في الحديث ( ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله في أي واد أهلكه )٢
١ أي: كدوران عين الذي قرب من الموت، وهو الذي نزل به الموت وغشيته أسبابه، فيذهل لبه ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف /١٢ فتح..
٢ * (حسن)، انظر صحيح سنن ابن ماجه (٤١٠٦)..
﴿ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ﴾ : يحسب هؤلاء المنافقون لجبنهم أن الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا، ﴿ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ ﴾ : كرة ثانية مع ما رأوا من كيفية فرارهم وعدم ظهورهم وقرارهم، ﴿ يَوَدُّوا ﴾ : تنموا، ﴿ لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ ﴾ : خارجون إلى البدو، ﴿ فِي الْأَعْرَابِ ﴾ : حاصلون فيهم، ﴿ يَسْأَلُونَ ﴾ : الناس، ﴿ عَنْ أَنبَائِكُمْ ﴾ يعني : يتمنون إن لم يكونوا بينكم ويسألوا الناس عما جرى عليكم، ﴿ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم ﴾، هذه الكَرّة ولم يفرّوا ولم يرجعوا إلى المدينة، ﴿ مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا١ : رياء.
١ رياء ونفاقا كما فعلوا قبل ذهابهم، ولما أخبر عنهم بحال هي غاية المخالفة عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، توجه إلى الكل فقال: ﴿لقد كان لكم﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ١ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ : هو من باب التجريد جرد من نفسه الزكية شيئا يسمى قدوة يقتدي به سيما في مقاساة٢ الشدائد وثبات القلب في الحرب، ﴿ لِّمَن كَانَ ﴾ صلة لحسنة لا لأسوة لأنها قد وصفت أوصفة لها أو بدل بعض من لكم، ﴿ يَرْجُو اللَّهَ ﴾ أي : لقائه، ﴿ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ أي : نعيمه أو يخاف عذابهما، ﴿ وَذَكَرَ٣ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
١ وهذه الآية وإن كان سببها خاصا فهي عامة في كل شيء، وقد استدل بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة، وفيه دلالة على لزوم الإتباع وترك التقليد الحادث الذي أصيب به الإسلام أي مصيبة /١٢ فتح..
٢ قاتل بنفسه فكسرت رباعيته، وشج وجهه الكريم، وقتل عمه وأوذي ضروبا من الإيذاء فاقتدوا به، ولا ترغبوا بأنفسكم عن نفسه /١٢ وجيز..
٣ فالمقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم من كان كذلك، لما أخبر عن حال المنافقين وقولهم: ﴿ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا﴾ بين حال المؤمنين وقولهم فقال: ﴿ولما رأى المؤمنون الأحزاب﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ عن ابن عباس وغيره يعنون قوله تعالى :﴿ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ﴾ [ البقرة : ٢١٤ ]، ﴿ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ١ : في الوعد، ﴿ وَمَا زَادَهُمْ ﴾ ذلك البلاء والضيق، ﴿ إِلَّا إِيمَانًا ﴾ بالله، ﴿ وَتَسْلِيمًا ﴾ : انقيادا لأوامره،
١ لم يقل وصدقا للتلذذ بصريح الاسم، ولما قيل: الجمع بين اسم الله ورسوله في الضمير سوء أدب، كما قال رسول الله صلى الله عيه وسلم: (بئس الخطيب) حين قال: (ينهيانكم) يعني الله ورسوله [أخرجه مسلم وغيره] /١٢ وجيز..
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ فثبتوا وقاتلوا، ويقال : صدقه الحديث أي : قال له الصدق في الحديث والعاهد إذا وفى بالعهد فكأنه قال له الصدق، ﴿ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ﴾، النحب : المدة أي : استشهد كحمزة وأنس بن النضر، ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ﴾ أي : الشهادة، كعثمان –رضي الله عنهم- أو معناه، ومنهم من قضى نذره فإن أنس بن النضر لما غاب عن غزوة بدر نذر وقال : لئن أراني الله مشهدا فيما بعد ليرين الله ما أصنع، فقاتل يوم أحد حتى قتل، ووجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف وطعنة رمح ورمية١﴿ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ : ما غيروا العهد شيئا من التبديل، والتغيير فيه تعريض على المنافقين بالتبديل،
١ أخرجه البخاري وغيره..
﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾، اللام متعلق بمعنى قوله :﴿ ولما رأى المؤمنون الأحزاب ﴾ كأنه قال : إنما ابتلاهم الله برؤية هذا الخطب ليجزي الصادقين، ويعذب المنافقين، أو متعلق بما بدلوا مع ما يفهم منه بالتعريض، كأنه قال : ما بدل المؤمنون وبدل المنافقون ليجزي، الآية، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ : فيقبل توبة من تاب،
﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي : الأحزاب، ﴿ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ﴾ هما حالان أي : المتغيظين غير ظافرين، ﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾ بالريح والملائكة، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا ﴾ على إيجاد ما شاء، ﴿ عَزِيزًا ﴾ : غالبا مطلقا،
﴿ وَأَنزَلَ ﴾ الله، ﴿ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم ﴾ : عاونوا الأحزاب، ﴿ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ يعني : بني قريظة نقضوا عهد رسول صلى الله عليه وسلم مع أن آباءهم نزلوا الحجاز قديما طمعا في اتباع النبي الأمي المكتوب في التوراة، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، ﴿ مِن صَيَاصِيهِمْ ﴾ : حصونهم، ﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾ : الخوف، ﴿ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ : رجالهم، ﴿ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾ : نساءهم وذراريهم، ولما انهزمت الأحزاب رجع رسول١ الله إلى المدينة، وكان على ثناياه نقع الغبار جاء جبريل وقال : أو قد وضعت السلاح ؟ ! لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، أخرج إلى بني قريظة، وقاتلهم فخرجوا إلى حصونهم٢ وحاصروهم خمسة وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ٣، فحكم بقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم وتقسيم أموالهم٤،
١ هكذا ثبت في كتب الحديث بتفصيل وتطويل /١٢ منه..
٢ فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يصلي العصر أحد إلا في بني قريظة، فمنهم مصلّ في الطريق، ورأى أن هذا من باب الاستعجال، ومنهم مصل بعد العشاء، وكل مصيب /١٢ وجيز..
٣ بعد ما أبوا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم بما هو في القرآن، وقال صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة) ثم استنزلهم في خندق في سوق المدينة وضرب أعناق ستمائة أو أكثر إلى تسعمائة، وتفصيله في كتب السيرة /١٢ وجيز..
٤ ذكر صاحب الفتح بعض هذه القصة وعزاها إلى أحمد وابن مروديه وابن أبي شيبة /١٢..
﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ﴾ : مزارعهم، ﴿ وَدِيَارَهُمْ ﴾ : حصونهم، ﴿ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾، من النقود والمواشي، ﴿ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا ﴾ : خيبر أو مكة أو فارس والروم، أو كل أرض تفتح إلى القيامة، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ١ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ : السعة والمال، ﴿ وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾ : أعطكن متعة الطلاق، ﴿ وَأُسَرِّحْكُنَّ ﴾ : أطلقكن، ﴿ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ : طلاقا من غير ضرار،
١ ولما أمر نبيه من أول السورة بالتقوى والتوكل وحب الدنيا رأس كل خطيئة، فلا يناسب أن يكون الدنيا في بيته وأهل بيته من أهلها، فقال: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ ﴾ من : للتبيين١ ﴿ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ يستحقر دونه الدنيا برمتها، نزلت حين٢ سألن ثياب الزينة، وزيادة النفقة بغيرة بعضهن على بعض، فلما نزلت بدأ بعائشة فاختارت الله ورسوله ثم خير سائرهن فاخترن كما اختارت، وأكثر أهل العلم على أنه لم يكن تفويض الطلاق فلم يقع بنفس الاختيار، بل لو اخترن الدنيا طلقهن، ثم الأكثرون على أن المخيرة إذا اختارت زوجها لا يقع شيء ولو اختارت نفسها يقع واحدة رجعية عند الشافعي بائنة عند أبي حنفية،
١ فكلهن محسنات وذكر المحسنات ليعلم أن الأجر للإحسان، لما فتح الله على نبيه بالغنائم قعدت أزواجه حوله، وقلن يا رسول: الله بنات كسرى وقيصر في حلى وحلل وإماء وخول ونحن على ما ترى من فاقة، وآلمن قلبه المنور، فأمره الله بأن يتلو عليهن كما نزل في أمرهن، فتلا أولا على عائشة فاختارت الله ورسوله، ثم اخترن كما اختارت، ولما أن وقعت تلك الخطيئة منهن ورجعن عنها هددهن وأدبهن الله عناية وحماية فقال: ﴿يا نساء النبي﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ كذا في صحيح البخاري وصحيح مسلم /١٢ منه..
﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ ﴾ : كبيرة، ﴿ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ : ظاهر قبحها، عن ابن عباس هي النشوز وسوء الخلق، ﴿ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ : ضعفي عذاب غيرهن، فإن الذنب أقبح من العارفين والشرط لا يقتضي الوقوع قال تعالى :﴿ قل إن كان للرحمن ولد ﴾ [ الزخرف : ٨١ ]، ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ هيّنا، لا ينظر إلى كونهن نساء نبيه، بل هو السبب
﴿ وَمَن يَقْنُتْ ﴾ : يطع، ﴿ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ ﴾ : مثلي ثواب غيرها، وتعمل بالتاء وبالياء محمول على معنى من وعلى لفظه، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا١، في أعلى عليين من الجنة،
١ حلالا من غير تعب في الدنيا، وفي الآخرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وذكر صيغة الماضي لتحققه واستيثاقهن ثم خاطبهن وجاملهن فقال: ﴿يا نساء النبي لستن﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء ﴾ أي : لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء، وأصل أحد١ وحد بمعنى : واحد، ثم وضع في النفي العام مستويا فيه التذكير والتأنيث والواحد وما وراءه، ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ﴾ : راعيتن التقوى، ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾ : لا تكلمن كلاما لينا خنثا٢، يعني لابد لكن من الغلظة٣ في المقالة مع الأجانب، ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ : فجور أو نفاق، ﴿ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾ يرتضيه الدين والإسلام من غير خضوع،
١ وفي الوجيز ذكر صاحب البحر: أن (أحد) الذي يستعمل في النفي العام مخصوص بذوي العقول بخلاف واحد، ثم ذكر أن النحويين صرحوا أن مادة (أحد) الذي للعموم بهمزة وحاء ودال، ومادة (أحد) بمعنى: واحد أصله واو وحاء ودال، فقد اختلفا مدلولا ومادة /١٢ وجيز..
٢ في الأساس: خنث تكسر وتثن وقد خنث وخنّث كلامه: لينه /١٢ منه..
٣ لا كما كانت الحال في نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم الصوت ولينه /١٢ وجيز..
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ من وقر أو من قر، والأمر منه اقرُرن أو اقرَرن حذفت الأولى من الرائين بعد نقل حركتها إلى ما قبلها كظلن وظللن، ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ ﴾ التبرج : إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال، ﴿ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ : جاهلية الكفر، والجاهلية الأخرى : جاهلية الفسوق في الإسلام، أو الأولى لا أخرى لها كما قيل في أهلك عادا الأولى، أو الأولى : زمن داود وسليمان أو زمن نمروذ، فإن المرأة تلبس درعا من لؤلؤ وتخرج عارضة نفسها على الرجال، ﴿ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في جميع ما أمركن ونهاكن، ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ﴾ : خبائث القلب، أو ما ليس لله فيه رضا، ﴿ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ نصب على النداء أو على المدح، ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ ﴾ عن الذنوب، ﴿ تَطْهِيرًا ﴾ في مسلم ( إن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا جاءوا فأدخلهم النبي عليه السلام في كساء من شعر أسود كان عليه، ثم قال :( إنما يريد الله ليذهب عنكم ) الآية، وفي مسند الإمام أحمد وغيره١ بروايات عن أم سلمة :( أنه عليه السلام كان في بيتها، فجاء علي وفاطمة وابناهما وجلس عنده على كساء خيبري فأنزل الله هذه الآية، فأخذ فضل الكساء وغطاهم به ثم أخرج يده وألوى إلى السماء، وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم، وطهرهم تطهيرا، قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت : وأنا معكم يا رسول الله، فقال :( إنك إلى خير، إنك إلى خير )، والأحاديث التي هي أصح في هذا المعنى كثيرة، والأصوب أن أزواجه المطهرات من أهل بيته، وإذا كان أزواجه من أهل بيته فهؤلاء أحق وأولى بهذه التسمية، وهذا مثل ما نقلنا في آية ﴿ لمسجد أسس٢ على التقوى ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ]،
١ كابن أبي حاتم وابن جرير، والحافظ البزار وغيرهم [وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٥٦٢)] /١٢ منه..
٢ كما مر بيانها فإنها نزلت في مسجد قباء، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (هو مسجدي هذا) والتوفيق أنه إذا كان ذلك أسس على التقوى فمسجدي هذا أولى وأحرى بهذه التسمية، والله أعلم /١٢ منه..
﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ أمرهن أن لا ينسين النعمة الجليلة القدر، وهي ما يتلى في بيوتهن من الكتاب الجامع بين أمرين، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا١ خَبِيرًا ﴾ فلذلك خيركن ووعظكن.
١ فيختار ما ينفعكم في الدنيا والدين والظاهر والباطن، ولما ذكر ما هو خاصة لأهل بيته ونصحهم، عمم الوعد والنصح للرجال والنساء فقال: ﴿إن المسلمين والمسلمات﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ﴾ : المنقادين لأمر الله، ﴿ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ ﴾ : المصدقين بما يجب التصديق به، ﴿ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ ﴾ : المداومين على الطاعة، ﴿ وَالْقَانِتَاتِ١ وَالصَّادِقِينَ ﴾ في جميع الأحوال، ﴿ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ ﴾ : على المصائب، ﴿ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ ﴾ : المتواضعين لله، ﴿ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ : المحسنين إلى الناس، ﴿ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ ﴾ عن سعيد بن جبير من صام بعد الفرض ثلاثة أيام من كل شهر دخل في الصائمين، ﴿ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ ﴾ عن الحرام، ﴿ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾ في الحديث٢ ( من أيقظ امرأته من الليل فصليا ركعتين كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات )، ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً ﴾، لذنوبهم، ﴿ وَأَجْرًا عَظِيمًا٣ عن أم سلمة أنها قالت :( قلت يا نبي الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، فنزلت )٤،
١ ثم إذا آمن وعمل صالحا كمل فيكمل غيره ويأمر بالمعروف، وينصح أخاه ويصدق في كلامه عند النصيحة، وهو المراد بقوله والصادقين والصادقات، ثم إن من يأمر المعروف وينهى عن المنكر يصيبه أذى فيصبر عليه، كما قال تعالى: ﴿والصابرين والصابرات﴾ ثم إنه إذ أكمل وكمل قد يفتخر بنفسه ويعجب بعبادته فمنعه منه بقوله: ﴿والخاشعين والخاشعات﴾، ولما ذكر هذه الحسنات أشار إلى ما يمنع منها هو إما حب الجاه أو حب المال من الأمور الخارجية أو الشهوة فقال: ﴿والمتصدقين والمتصدقات﴾ أي: الباذلين الأموال الذين لا يكنزونها لشدة محبتهم إياها، ثم قال: ﴿والصائمين والصائمات﴾ إشارة إلى الذين لا تمنعهم الشهوة البطنية من عبادة الله، ثم قال: ﴿والحافظين فروجهم والحافظات﴾ أي: الذين لا تمنعهم الشهوة الفرجية، ثم قال: ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات﴾ يعني هم في جميع هذه الأحوال يذكرون الله، ويكون إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم وصدقهم وصبرهم وخشوعهم، وصدقتهم وصومهم بنية خالصة لله، واعلم أن الله تعالى في أكثر المواضع حيث ذكر الذكر قرنه بالكثرة هاهنا، وفي قوله بعد هذا: ﴿يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا﴾ وقال من قبل: ﴿لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾ [الأحزاب: ٢١] لأن الإكثار من الأفعال البدنية غير ممكن أو عسير، ولكن لا مانع أن يذكر الله تعالى وهو آكل، ويذكره وهو شارب أو ماش أو بائع أو شار، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: ﴿الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم﴾ [آل عمران: ١٩١] /١٢ وجيز..
٢ رواه النسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم [وكذا أبو داود والحاكم بسند صحيح، وانظر صحيح الجامع] /١٢ وجيز..
٣ لا يعرف أحد قدر ما عظمه الله، ولما ذكر أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وحرض أمته على إطاعته وحذرهم من مخالفته أتبع ذلك بقوله: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة﴾ الآية /١٢ وجيز..
٤ رواه النسائي وغيره ١٢ وجيز، وعزاه في الفتح إلى أحمد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مروديه [وسنده صحيح] /١٢..
﴿ وَمَا كَانَ ﴾ : ما صح، ﴿ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ أي : أن يختاروا من أمر الله ورسوله ما شاءوا، بل يجب عليهم اتباع اختيار رسول الله وترك رأيهم، وجمع ضمير لهم علي المعنى ؛فإن المؤمن والمؤمنة وقعا تحت النفي، ﴿ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ لما خطب١ النبي عليه السلام زينب بنت جحش ابنة٢ عمته لمولاه زيد بن حارثة فامتنعت نزلت ثم أجابت،
١ منقول عن ابن عباس رضي الله عنه، ومجاهد ومقاتل بن حيان وغيرهم /١٢ منه..
٢ فإنها بنت أميمة ابنة عبد المطلب /١٢ منه..
﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ : بالإسلام، ﴿ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ : بالعتق وهو زيد اشتراه في الجاهلية وأعتقه وتبناه، ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ﴾ زينب حين قال : أريد أن أطلقها، ﴿ وَاتَّقِ اللَّهَ ﴾ فيها ولا تطلقها، ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾ أي : شيئا الله مظهره، وهو علمه بأن زيدا سيطلقها وهو ينكحها، فإن الله قد أعلمه بذلك أو ميل قلبه إليها وإلى طلاقها، فإن نفسه الأقدس مالت إليها بعد أن تزوجها زيد١﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ ﴾ : تكره قالتهم وتعييرهم، ﴿ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾ فلا تأمر بما تعلم يقينا أنه لا يتم، أو فلا تظهر بلسانك ما تحب بقلبك غيره، فإن الأنبياء عليهم السلام مأمورون بتساوي الظاهر والباطن، ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ﴾ : حاجة، ﴿ زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ بعد طلاقها وانقضاء عدتها بلا ولي من بشر ولا شاهد ولا مهر، ولهذا تقول افتخارا : زوجني الله٢ من فوق سبع سماوات والسفر جبريل، ﴿ لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ﴾ بالنبوة، ﴿ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ﴾ أي : دخلوا عليهن، قيل قضاء الوطر : كناية عن الطلاق يعني لئلا يظن أن حكم الأدعياء حكم الأبناء، فإنه جاز أن يتزوج موطوءة دعيه، ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ : قضاءه، ﴿ مَفْعُولًا ﴾ : مكونا لا محالة،
١ هذا التأويل يحمل على سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم - وحاشاه من ذلك لمكان العصمة، وقد أورده الحافظ في (الفتح) (٨/٣٨٤) أثرا اعتمده في تأويل هذه الآية أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي أن النبي صلى الله عليه وسلم- لما زوج زيدا زينب أعلمه الله تعالى بعد أنها من أزواجه فكان يستحيي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون بين الناس، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم- أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا، ثم قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد. والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم – هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني، بأمر لا أبلغ منه وهو تزوج امرأة الذي يدعي ابنا، ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون أدعى لقبولهم، وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية. والله أعلم..
٢ كما رواه البخاري وأحمد والترمذي وغيرهم /١٢ فتح..
﴿ مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ﴾ : قدر وقسم له، ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ ﴾ : سن ذلك سنة، ﴿ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ﴾ من الأنبياء أي : كثرة الأزواج سنة الأنبياء وطريقتهم من قبل، ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴾ : قضاءه قضاء مقضيا،
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ﴾، صفة مادحة للذين خلوا، ﴿ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾ فلا يمنعهم شيء من الإبلاغ بوجه فيه تهييج، بأن يسلك هو عليه السلام طريقتهم، ولذلك قالت عائشة١ : لو كتم محمد عليه السلام شيئا من الوحي لكتم ( وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ : كافيا للمخاوف،
١ رواه ابن جرير وغيره /١٢..
﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ حتى يثبت بينه وبينه، ما بين الوالد والولد من حرمة المصاهرة وغيرها، والمراد ولده لا ولد ولده، وأما قاسم وإبراهيم وطاهر مع أنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال، فما كانوا من رجالهم، ﴿ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ ﴾ أي : ولكن كان رسول الله، ﴿ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ : آخرهم، وعيسى عليه السلام ينزل بدينه مؤيدا له، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ فهو أعلم حيث يجعل رسالته.
﴿ يَا أَيُّهَا١ الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا٢، في الحديث ( أكثروا ذكر الله حتى يقال مجنون٣* )، وعن ابن عباس رضي الله عنه : ما فرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر،
١ لما وعد بأنه أعد للذاكرين الله كثيرا والذاكرات المغفرة والأجر العظيم وأثبت أنه بكل شيء عليم، أمر المؤمنين بالذكر فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ روى الإمام أحمد والترمذي، والطبراني وابن ماجة (أنه سئل رسول الله عليه وسلم، إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فمرنا بأمر نتشبث به فقال: صلوات الله عليه وسلامه لا يزال لسانك رطبا بذكر الله) [صحيح، وانظر صحيح الجامع (٧٧٠٠)] /١٢ وجيز..
٣ * (ضعيف) انظر الضعيفة..
﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً ﴾ : أول النهار، ﴿ وَأَصِيلًا ﴾ وآخره خصوصا، وعن بعض : المراد صلاة الصبح والعصر أو العصر والعشائين
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ﴾ : يتعطف الله وملائكته عليكم ويترحمون، فإن استغفارهم تعطف سيما وهم مستجابوا الدعوة، ﴿ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ ﴾ : من ظلمات الكفر والمعاصي، ﴿ إِلَى النُّورِ ﴾ : نور الإيمان والطاعة، { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
تَحِيَّتُهُمْ } إضافة المصدر إلى المفعول، ﴿ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ ﴾ في الجنة أو عند الموت، ﴿ سَلَامٌ ﴾ أي : يسلم الله عليهم وعن قتادة تحية بعضهم بعضا في الدار الآخرة ( سلام )، ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ : الجنة ونعيمها،
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ﴾ لله بالوحدانية أو على الناس بأعمالهم في القيامة، وهو على الثاني حال مقدرة، ﴿ وَمُبَشِّرًا ﴾ للمؤمنين، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾، للكافرين،
﴿ وَدَاعِيًا ﴾ للخلق، ﴿ إِلَى اللَّهِ ﴾ : إلى توحيده وطاعته، ﴿ بِإِذْنِهِ١ : بتيسيره قيد الدعوة به، إيذانا بأنه أمر صعب لا يتيسر إلا بإعانته، ﴿ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ : بينا أمره يستضاء به عن الجهالة،
١ بتيسيره وإعانته فإنه أمر صعب، يقال: البخيل غير مأذون في الإنفاق، أي غير مسهل عليه /١٢ وجيز..
﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ عطف على محذوف، مثل : فراقب أحوال الناس، وصفه بخمسة أوصاف وحذف مقابل الأول لأن الباقي كالتفصيل له، فيكون وبَشّرْ في مقابلة مبشرا، ﴿ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ كتضعيف الحسنات،
﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ دم واثبت على ما أنت عليه، وهو مع قوله، ﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ مقابل لنذيرا أي : دع إيذاءهم إياك اصبر عليها ولا تغتم به، أو إيذاءك إياهم ولا تجازيهم، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ مقابل لداعيا، فإن من توكل على الله يسر عليه كل عسير، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ : موكولا إليه الأمور وهو مقابل لسراجا فإن من جعله برهانا جدير بأن يكتفي به، وجاز أن يكون دع في مقابلة داعيا، فإن الداعي للخلائق لابد له من الصبر، والمواساة حتى يتم له الأمر، وتوكل في مقابلة سراجا وكفى بالله تأييد وتأكيد للتوكل،
﴿ يا أيها١ الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم٢ طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ﴾ تجامعوهن ﴿ فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ﴾ تستوفون عددها، وقوله :( المؤمنات ) تحريض على نكاحهن وظاهر الآية إن العدة بعد الجماع لا بمجرد٣ خلوة، وأن الطلاق بعد النكاح، وعليه جمهور السلف ( فمتعوهن ) بنصف الصداق إن كان لهن صداق، وإلا فالمتعة على قدر حاله، وعن بعض المتعة غير النصف وهو أمر ندب، وعن بعض أمر وجوب، ﴿ وسرّحوهن سراحا جميلا ﴾ من غير ضرار ومنع حق،
١ لما كان معقود تلك السورة بيان الأحكام وما وقع بينها متعلق بها، وحين تم حكم وما تعلق به يرجع إلى حكم آخر مناسب لما يليه، وأكثر أحكامها متعلق بالزواج والنساء وكذلك ترى فيها تصريحا باسمهن ما لم تر في غير تلك السورة وجميع أحكامها متناسقة فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات﴾ الآية /١٢ وحيز..
٢ لما كان العقد: رغبة، والطلاق، نفرة، والغالب أن يتخلل بينهما مهلة أتى بثم / ١٢ وجيز..
٣ وهذا في المطلقة: لكن المتوفي عنها زوجها عليها العدة مسها أو لا، وحكم الكتابيات حكم المؤمنات فقوله: ''المؤمنات'' تحريض على نكاحهن / ١٢وجيز..
﴿ يا أيها١النبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن٢ مهورهن وتعجيل إعطاء المهر سنة ﴿ وما ملكت يمينك مما أفاء٣ الله عليك ﴾ مما غنّمك الله من دار الحرب ﴿ وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ﴾ لا كالنصارى فإنهم لا يتزوجون امرأة بينه وبينها سبعة أجداد، ولا كاليهود يتزوج أحدهم ابنه أخيه وأخته ﴿ اللاتي هاجرن معك ﴾ إلى المدينة لا يحل٤ له غير المهاجرات، وعن بعض معناه : اللاتي أسلمن، ﴿ امرأة مؤمنة ﴾ دون غيرها نصبها بأحللنا لأن معنى أحللنا قضينا أو علمنا حلها، فلا ينافي الماضي الشرط المستقبل، أو نقول أحللنا جواب الشرط بحسب المعنى والحقيقة، فهو أيضا مستقبل، ﴿ إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ﴾ أي : طلب نكاحها يعني هبتها نفسها منه لا توجب حلها إلا بإرادته نكاحها، فإنها جارية مجرى القبول عدل إلى الغيبة ثم إلى الخطاب بقوله ﴿ خالصة لك من دون المؤمنين ﴾ للإيذان بأنه مما يخص به لشرف النبوة والخطاب أدخل في التخصيص، والاسم في التعظيم والأصح أنه ينعقد في حقه السلام بلفظ الهبة من غير ولي وشهود ومهر، وعند بعض لا ينعقد في حقه أيضا إلا بلفظ الإنكاح واختصاصه في ترك المهر فقط، ونصب خالصة على المصدر المؤكد لمضمون جملة امرأة مؤمنة الخ، أو على الحال من ضمير ( وهبت ) أو تقديره : هبة خالصة لك، ﴿ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ﴾ من حصرهم في أربع نسوة واشتراط عقد ومهر وشهود، ﴿ وما ملكت أيمانهم ﴾ من توسيع الأمر فيها، ﴿ لكيلا يكون عليك حرج ﴾ متعلقة خالصة أي اختصصتك بأشياء في التزوج لئلا يكون عليك ضيق فقوله :﴿ قد علمنا ﴾ إلى ﴿ أيمانهم ﴾ معترضة بين خالصة ومتعلقها، ﴿ وكان الله غفورا ﴾ للزلات، ﴿ رحيما ﴾ بالتوسعة،
١ ولما بعض أحكام أنكحة سائر الخلق، أتبعه بذكر طرف من نساء النبي فقال: ''يا أيها النبي '' الآية / ١٢ وجيز..
٢ وهؤلاء في مقابلة ما ملكه الله، والواهبات أنفسهن والسراري / ١٢ وجيز..
٣ غنمك الله من دار الحرب، وصفية وجويرية من ذلك فأعتقهما وتزوجهما وأما مارية وريحانة فمن السراري /١ ٢ وجيز..
٤ كما في حديث الترمذي وغيره [وسنده ضعيف فإنه من رواية السدي عن أبي صالح] ١٢ وجيز..
﴿ تُرجي ﴾ : تؤخر، ﴿ من تشاء منهن ﴾ : من نسائك ومن الواهبات، ﴿ وتُئوي ﴾ : تضم ﴿ إليك من تشاء ﴾ : من نسائك والواهبات، يعني : أنت بالخيار في أمرهن قد حط عنك القسم فلا يجب عليك١ بعد، وفي أمر الواهبات إن شئت قبلت وإن شئت رددت، ﴿ ومن ابتغيت ﴾ طلبت وأردت إصابتها، ﴿ ممن عزلت ﴾ : من النساء اللاتي عزلتهن عن القسمة، ﴿ فلا جناح عليك ﴾ في ذلك، ﴿ ذلك ﴾التفويض مشيئتك من غير وجوب القسم، ﴿ أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ﴾أي : أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا، فإنه إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم، ثم مع هذا أنت تقسم لهن اختيارا فرحن به، وحملن جميلتك في ذلك واعترفن بعد ذلك وكمال إنصافك في قسمك، وإن رجحت بعضهن علمن أنه بفسحة من الله لك ورضاه فتطمئن٢ نفوسهن، وعن بعض معناه تطلق من تشاء منهن، وتمسك من تشاء، ومن ابتغيت ممن طلقت بالرجعة فلا إثم، والتفويض إلى رأيك أقر لرضاهن، لأنك لو لم تطلقهن حملن في ذلك جميلتك " وكلهن " تأكيد لفاعل ''يرضين'' ﴿ والله يعلم ما في قلوبكم ﴾ من الميل إلى بعضهن مما لا يمكن دفعه، ﴿ وكان الله عليما حليما ﴾ فلا يؤاخذكم بما في قلوبكم
١ وذلك أشهر الأقوال في الآية وأصحها كما قاله القرطبي وقال ابن عباس: تطلق من تشاء، وتمسك من تشاء / ١٢ كمالين..
٢ واتفقت الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم راعى القسم إلى وفاته وأخذ بالفضل، غير ما جرى لسودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة لئلا يطلقها فتكون محشورة بين نسائه / ١٢..
﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ من بعد هؤلاء التسع فلا يجوز لك العشرة فما فوقها، ﴿ ولا أن تبدل بهنّ من أزواج ﴾ : بأن تطلق واحدة من هؤلاء وتتزوج بدلها أخرى، ﴿ ولو أعجبك حسنهن١ أي : مفروضا إعجابك بهن، حال من فاعل تبدل، وعن كثير من السلف : لما خيرن بين الدنيا والآخرة فاخترن الآخرة كما تقدم جازاهن الله بتحريم التزويج لغيرهن، ثم نسخ حكم هذه الآية كما دل عليه الأحاديث الصحاح وأباح٢ له التزوج أي عدد أراد لكن لم يقع منه بعد ذلك لتكون المنة له عليه السلام وعن بعض معناه : لا يحل لك النساء من بعد الأجناس الأربعة التي مر ذكرها في قوله :''إنا أحللنا'' الآية، فلا يحل له عربية غير بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، ولا غير مهاجرة وإن كانت قريبة، ولا غير مؤمنة فقولة'' ولا أن تبدل بهن'' على هذا تأكيد بخلافه في المعنى الأول، ﴿ إلا ما ملكت٣يمينك ﴾ استثناء متصل من النساء المتناول للأزواج والإماء، أو منقطع، ﴿ وما كان الله على كل شيء رقيبا ﴾ فلا تتخطوا عما حد لكم.
١ وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء، ويؤيده ما روى عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) أخرجه أبو داود [حسن وانظر صحيح الجامع] ١٢ فتح..
٢ كما صرحت ذلك عائشة كما روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي في سننيهما عنها /١٢ وجيز. وأخرج أحمد والترمذي في صحيحه والنسائي والحاكم وصححه، عن عائشة قالت: (لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم لقوله ﴿ترجى من تشاء منهن﴾ الآية، وعن ابن عباس رضي الله عنه مثله / ١٢ فتح..
٣ وقد ملك صلى الله عليه وسلم بعدهن مارية القبطية أهداها له المقوقس ملك القبط، وهم أهل مصر والإسكندرية، وولدت له إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان، ومات في حياة أبيه، وله سبعون، يوما وقيل: سنة وعشرة أشهر / ١٢ فتح..
﴿ يا أيها١ الذين آمنوا لا تدخلوا٢ بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ﴾ أي : إلا وقت أن يؤذن لكم أو إلا مأذونا، أو إلا بأن يؤذن لكم، ﴿ إلى طعام ﴾ متعلق بيؤذن لتضمينه معنى يدعى، ﴿ غير ناظرين إناه ﴾ : غير منتظرين إدراكه أو وقته، حال من ضمير لكم نهى عن جميع الأوقات إلا وقت وجود الإذن المقيد يعني : لا ترقبوا طبخ الطعام حتى إذا قارب الاشتواء تعرضوا للدخول فإنه مذموم، ﴿ ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ﴾ : اخرجوا من بيته ولا تمكثوا فيه ﴿ ولا مستأنسين لحديث ﴾ أي : لحديث بعضكم بعضا عطف على ناظرين، ﴿ إن ذلكم ﴾ المكث، ﴿ كان يؤذي النبي فيستحيي منكم ﴾ : من إخراجكم، ﴿ والله لا يستحيي من الحق ﴾ أي : الله لا يمتنع ولا يترك الحق ترك الحيي منكم، يعني : إن إخراجكم حق ينبغي أن لا يستحيي منه، نزلت٣ حين تزوج زينب، وأو لم، فلما طعموا جلس ثلاثة منهم متحدثين، فخرج عليه السلام من منزله ثم رجع ليدخل وهم جلوس، وكان عليه السلام شديد الحياء فرجع، ﴿ وإذا سألتموهن متاعا ﴾ : حاجة ﴿ فاسألوهن ﴾ المتاع، ﴿ من وراء حجاب ﴾، أي : ستر هذه آية الحجاب نزلت في ذي القعدة من السنة الخامسة أو الثالثة من الهجرة، ﴿ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ﴾ من وساوس الشيطان والريبة، ﴿ وما كان ﴾ : ما صح ﴿ لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾ بوجه، ﴿ ولا تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ﴾ نزلت في رجل من الصحابة هم أن ينكح بعض نسائه إن قبض، واختلف في المطلقة بعد الدخول، هل تحل ؟ على قولين، أما مطلقته قبيل الدخول فلا نزاع في حلها، ﴿ إن ذلكم ﴾ إيذاءه ونكاح نسائه، ﴿ كان عند الله عظيما ﴾
١ لما بين ما تجب مراعاته عليه من حقوقهن، شرع يبين ما تجب رعايته على الناس من حقوق نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي﴾ الآية ١٢ /فتح..
٢ هذا الأمر بعد ضرب الحجاب بقوله: ﴿وقرن في بيوتكن﴾ /١٢ وجيز..
٣ كما في الصحيحين / ١٢ وجيز..
﴿ إن تبدوا شيئا ﴾ كنكاحهن على ألسنتكم، ﴿ أو تخفوه ﴾ في صدوركم، ﴿ فإن الله كان بكل شيء عليما ﴾، قيل : لما نزلت آية١ الحجاب قال رجل : ما لنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا، فنزل قوله تعالى :﴿ إن تبدو شيئا ﴾ الآية،
١ ذكره محيي السنة رضي الله عنه /١٢ منه..
﴿ لا جناح ﴾ لا إثم، ﴿ عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ﴾ أي : في ألا يحتجبن من هؤلاء سئل عكرمة والشعبي : عن سبب ترك ذكر العم والخال ؟ فقالا : لأنهما يصفانها لبنيهما، وقيل : لأنهما بمنزلة الوالدين فلا حاجة، ﴿ ولا نسائهن ﴾ أي : المؤمنات، ﴿ وما ملكت أيمانهن ﴾ : من العبيد والإماء، وقد مر بسطه في سورة النور، ﴿ واتّقين الله ﴾ في السر والعلانية، ﴿ إن الله كان على كل شيء شهيدا ﴾ لا يخفى عليه شيء
﴿ إن الله١ وملائكته يصلون على النبي ﴾ : يترحمونه ويعظمونه، ﴿ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما٢ قولوا : اللهم صل على محمد وسلم،
١ ولما كان أكثر الآيات المذكورة دالة على شرف نبي الله صرح بما تضمنته فقال: ''إن الله وملائكته يصلون على النبي" أي: إن الله يذكر نبيه بالثناء والتبجيل، وملائكته يسألون من ربهم ثناء رسوله وتعظيمه، ولا شك أن هذا الطلب منهم عين الثناء والتعظيم/١٢ وجيز..
٢ عظموا أنتم نبيكم بأن تطلبوا من فضل الله مزيد ثناءه وتنويه قدره فعلى هذا لا اشتراك ولا جمع بين الحقيقة والمجاز، وعند أكثر أهل العلم الصلاة والسلام عليه فرض غير محدود بوقت، وسقوط الفرض بالصلاة عليه في عمره مرة، أما عند الشافعي وأصحابه فواجبة في تشهد الصلاة لا غير /١٢ وجيز..
﴿ إن الذين يؤذون١ الله ﴾ فينسبون إليه ما لا يليق بكبريائه كقولهم :''يد الله مغلولة'' ( المائدة : ٦٤ ) ﴿ ورسوله ﴾ بالطعن فيه وفيما يتعلق به، أو المراد من إيذائهما فعل ما يكرهانه، ﴿ لعنهم الله ﴾ : أبعدهم من رحمته، ﴿ في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ﴾ يعني : عذابا جسديا وروحانيا،
١ في الصحيحين يقول الله عز وجل:''يؤذيني ابن آدم ويسب الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره'' ومعناه كما أورده الشافعي وغيره، أن أهل الجاهلية كانوا يقولون: يا خيبة الدهر، فعل بنا كذا وكذا، وينسبون أفعال الله إليه ويسبونه، وإنما الفاعل لذلك الله / ١٢ منه..
﴿ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ﴾ :
بغير جناية واستحقاق للأذى، ﴿ فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ﴾ عن مقاتل : نزلت في الذين يؤذون علي ابن أبي طالب، ويسبونه، وفي الترمذي ''قيل : يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال :( ذكرك أخاك بما يكره ) قال : أفرأيت إن كان فيه ما أقول ؟ قال :( إن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته* ) ١.
١ * صحيح أخرجه أبو داود وغيره وانظر غاية المرام..
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ الجلباب : رداء فوق الخمار تستر من فوق إلى١ أسفل، يعني يرخينها عليهن ويغطين وجههن وأبدانهن، ﴿ ذلك أدنى ﴾ : أقرب، ﴿ أن يعرفن ﴾ أنهن حرائر ويميزن من الإماء، ﴿ فلا يؤذين ﴾ بالتعرض لهن، كان ناس من الفساق يعترضن للإماء حين كانت تخرجن في الليالي، فأمرت الحرائر بإرخاء الجلباب لتتميز الحرائر من الإماء، ﴿ وكان الله غفورا ﴾ لما سلف من ترك التستر، ﴿ رحيما ﴾ بعباده حيث يأمرهم بجزئيات مصالحهم،
١ صرح بذلك السلف / ١٢ وجيز..
﴿ لئن لم ينته المنافقون ﴾ : عن نفاقهم، ﴿ والذين في قلوبهم مرض ﴾ : ضعف إيمان، وهم الزناة عن فجورهم، ﴿ والمرجفون ﴾ : المخبرون على غير حقيقة عن فعلتهم، ﴿ في المدينة ﴾ وهم الذين يخبرون عن سرايا المسلمين بأخبار١ سوء، ﴿ لنغرينك بهم ﴾ : نسلطنّك عليهم ونأمرنّك بقتالهم، ﴿ ثم لا يجاورونك فيها ﴾ : في المدينة عطف على لنغرينك بثم، كأنه قال : لئن لم ينتهوا ليحصل لهم خطبان، عظيمان الثاني أعظم عليهم فإن الجلاء من الأوطان أعظم المصائب، ﴿ إلا قليلا ﴾ : زمانا قليلا وذلك بأن يضطروا إلى الجلاء،
١ كانوا يخبرون عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم كسروا وقتلوا، وجرى عليهم كيت وكيت، وفي المدينة يحتمل تعلقه بالأخير، وبالثلاثة على سبيل التنازع/ ١٢ وجيز..
﴿ ملعونين ﴾ نصب على الذم، وقيل : حال من فاعل يجاورون بأن دخل إلا على الظرف والحال معا يعني : لا يجارون في زمن من الأزمنة وفي حال من الأحوال إلا قليلا ملعونين وفيه ضعف، ﴿ أينما ثقفوا ﴾ وجدوا، ﴿ أخذوا وقُتّلوا تقتيلا ﴾وهذا الحكم فيهم على جهة الأمر، وكأن المنافقين والفجار والمرجفين كانوا قوما واحدا هم المنافقون، ذكرهم الله بثلاث خصائلهم١*
١ * وفي النسخة (ن): خصائل لهم..
﴿ سنّة الله ﴾ أي : سن الله سنته، ﴿ في الذين خلوا من قبل ﴾ في الذين ينافقون الأنبياء، أن يقتلوا حيث وجدوا، ﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾ : تغييرا، فإنه لا يغير سنته،
﴿ يسألك١ الناس عن الساعة ﴾ : عن وقت قيامها ؟ ﴿ قل إنما علمها عند الله ﴾ لم يطلع عليه أحدا، ﴿ وما يدريك ﴾ : أي شيء يعلمك وقتها، ﴿ لعل الساعة تكون قريبا ﴾، تذكير قريبا لأن الساعة بمعنى اليوم، أو لأنه صفة محذوف، أي : شيئا أو زمانا قريبا، أو لأنه بوزن فعيل الذي يستوي فيه الصيغ،
١ ولما ذكر خصائص المنافقين وبئيس أمرهم، وأن حكمهم كحكم من قبلهم، تعرض بشيء من قبائحهم مثل قبائح الذين خلوا، فقال ﴿يسألك الناس عن الساعة﴾ سخرية وتعجبا واستخفافا، كما كان الأولون يسألون عن أنبيائهم/١٢ وجيز..
﴿ إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ﴾١ : نارا شديدة الإيقاد،
١ ولما بين حالهم في الدنيا، أنهم ملعونون مهانون مقتولون، عقبه بحالهم في الآخرة فقال: ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا﴾ الآية/ ١٢ وجيز..
﴿ خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ﴾ : يحفظهم، ﴿ ولا نصيرا ﴾
﴿ يوم تقلب وجوههم في النار ﴾ : تصرف من جهة إلى جهة كلحمة تدور في القدر إذا غلت، أو المراد طرحها في النار مقلوبين منكوسين ﴿ يقولون ﴾ هو ناصب يوم :﴿ يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ﴾
﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ﴾ هم الذين لقنوهم الكفر، ﴿ فأضلونا السبيلا ﴾
﴿ ربنا آتهم ضعفين من العذاب ﴾ أي : من عذابنا، أو من هذا العذاب الذي عذبتهم به، فإنهم أحقاء لزيادة العذاب، ﴿ وألعنهم لعنا كبيرا ﴾١ هو أشد اللعن وأعظمه.
١ فإنهم ضلوا وأضلوا عبادك، ولما كان المنافقون وبعض المؤمنين آذوا رسول الله بأنه تزوج زوجة ابنه وبغير ذلك، أنزل الله تعالى قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ﴾ الآية / ١٢ وجيز..
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ﴾ حين نسبوه إلى برص وأدرة لفرط تستره١ حياء، أوحين نسبوه إلى قتل أخيه هارون٢، ﴿ فبرّأه الله مما قالوا ﴾، بأن أظهر براءته من مضمون مقولهم مؤداه بمعجزة، ﴿ وكان عند الله وجيها ﴾ ذا وجاهة ومنزلة،
١ رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا / ١٢..
٢ رواه ابن أبي حاتم عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه..
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ﴾ : قاصدا إلى الحق عدلا صوابا،
﴿ يصلح لكم أعمالكم ﴾ بالقبول يعني يتقبل حسناتكم أو يوفقكم للأعمال الصالحة، ﴿ ويغفر لكم ذنوبكم ﴾ فإن حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير، ﴿ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما١، أظفر بالخير كله،
١ لما أرشد إلى ما أرشد من ترك الأذى واتقاء الله وسداد القول، ورتب على الطاعة ما رتب، أراد أن بين أن ما كلفه الإنسان أمر عظيم لا يتبع إلا من له وجاهة ورتبة فقال: ﴿إنا عرضنا الأمانة﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ إنا عرضنا الأمانة١، الطاعة والفرائض، ﴿ على السموات والأرض والجبال ﴾، بأن قلنا لهن، هل تحملن الأمانة وما فيها ؟ قلن بعد أن أنطقهن٢الله : وأي شيء فيها ؟ قلنا : إن أحسنتن أثبناكن، وإن أسأتن عوقبتن٣، قلن : لا طاقة لنا ولا نريد الثواب، ﴿ فأبين أن يحملنها وأشفقن ﴾ : خفن، ﴿ منها وحملها الإنسان ﴾ : آدم لما عرضنا عليه، ﴿ إنه كان ظلوما ﴾ لنفسه بتحمله ما يشق عليها، ﴿ جهولا ﴾ بوخامة٤ عاقبته، عن كثير من السلف : ما كان بين قبول الأمانة، وبين خطيئته إلا قدر ما بين العصر إلى الليل، ذكر الزجاج وبعض العلماء أن الأمانة في حق السماوات والأرض والجبال الخضوع والانقياد لمشيئة الله وإرادته، وفي حق بني آدم الطاعة والفرائض، ومعنى ''أبين أن يحملنها'' على هذا : أدين الأمانة ولم يخن فيها، وخرجن عن عهدتها، وحملها الإنسان خان فيها وما خرج عن عهدتها، يقال : فلان حامل الأمانة ومحتملها، أي لا يؤديها إلى صاحبها، وقد نقل عن الحسن مثل ذلك، والظلومية والجهولية باعتبار الجنس، قال الإمام الرازي : أي من شأنه الجهل والظلم، كما تقول : الماء طهور والفرس جموح،
١ قال القرطبي: الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور، وقد اختلف في تفاصيل بعضها، فقال ابن مسعود: هي أمانة الأموال كالودائع وغيرها، وقال أبو الدرداء: غسل الجنابة أمانة، وقال السدي: هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده هابيل وخيانته إياه، في قتله وما أبعد هذا القول، وليت شعري ما هو الذي سوغ للسدي تفسير هذه الآية بهذا، فإن كان ذلك لدليل دله على ذلك فلا دليل، وليست هذه الآية حكاية عن الماضي من العباد حتى يكون له في ذلك متمسك فهو أبعد من كل بعيد وأوهن من بيت العنكبوت، وإن كان تفسيره هذا عملا بما تقتضيه اللغة العربية، فليس في لغة العرب ما يقتضي هذا ويوجب حمل هذه الأمانة المطلقة على شيء كان في أول هذا العالم، وإن كان هذا تفسيرا منه بمحض الرأي، فليس الكتاب العزيز عرضة لتلاعب آراء الرجال به، ولهذا ورد الوعيد على من فسر القرآن برأيه، فاحذر أيها الطالب للحق عن قبول مثل هذه التفاسير، واشدد يديك في تفسير كتاب الله على ما تقتضيه اللغة العربية فهو قرآن عربي كما وصفه الله، فإن جاءك التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تلتفت إلى غيره، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وكذلك ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فإنهم من جملة العرب ومن أهل اللغة وممن جمع إلى اللغة العربية العلم بالاصطلاحات الشرعية، ولكن إذا كان معنى اللفظ أوسع مما فسروه به في لغة العرب، فعليك أن تضم إلى ما ذكره الصحابي ما تقتضيه لغة العرب وأسرارها، فخذ هذه الكلية تنتفع بها / ١٢ فتح..
٢ هذا كلام أكثر السلف، وهو غير مستحيل كحنين الجذع وتسبيح الحصى وغير ذلك / ١٢ وجيز..
٣ وعن عظماء السلف أنهن ضججن إلى الله ثلاثة أيام قائلات: لا طاقة لنا بالعمل / ١٢ وجيز..
٤ وخامة: ثقالة /١٢ وجيز..
﴿ ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ﴾ تعليل للعرض يعني عرضناها ليظهر نفاقهم فيعذبهم ويظهر إيمانهم فيتوب عليهم، ويعود بالرحمة والغفران عليهم إن حصل منهم تقصير وللإشارة إلى تقصير الأكثرين، قال :''ويتوب الله'' أو تعليل للحمل واللام للعاقبة، ﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ حيث يقبل التوبة ويثيب.
والحمد لله على لطفه وفضله.
Icon