ﰡ
أبي المنذر يأيها المتدثرُ عَلى الأصْلِ
فَأَنذِرْ أي افعلِ الإنذارَ وَأَحْدِثْهُ وقيلَ أنذرْ قومَكَ كقولِه تعالَى وَأَنذِرْ عشيرتك الأقربيتن أو جميعَ النَّاسِ حسبَمَا ينبىء
عنه قوله تعالى وما أرسلناك الإكافة لّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً
وينزهَهُ منَ الشركِ فإنَّ أولَ ما يجبُ معرفةُ الصانعِ جلَّ جلالُه ثم تنزيهِه عَمَّا لا يليقُ بجنابهِ
أي لوجههِ تعالى او لأمره
فاصبر
فاستعمل الصبرَ وقيلَ على أذيةِ المشركينَ وقيلَ عَلى أداءِ الفرائضِ
أي نفخَ في الصُّورِ وهو فاعل من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سببُ الصَّوتِ والفاءُ للسببيةِ كأنَّه قيلَ اصبرْ عَلَى أذاهُم فبينَ أيديهِم يومٌ هائلٌ يلقونَ فيه عاقبة أذاهُم وتلقَى عاقبةَ صبرِك عليهِ والعاملُ فِي إذَا ما دل عليه قوله تعالى
عَلَى الكافرينَ وذلكَ إشارةٌ إلى وقتِ النقرِ وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد مع قُرب العهدِ بالمُشار إليه للإيذان ببعد منزلتِه في الهولِ والفظاعةِ ومحلُه الرفعُ عَلى الابتداءِ ويومئذٍ
بدلٌ منْهُ مبنيٌّ عَلى الفتحِ لإضافتِه إلى غيرِ متمكنٍ والخبرُ يومٌ عسيرٌ وقيلَ يومئذٍ ظرفٌ للخبرِ اذ التقدير وذلك الوقت وقوعِ يومٍ عسيرٍ وَعَلَى متعلقةٌ بعسيرٌ وقيلَ بمحذوفٍ هو صفةٌ لعسيرٌ أوْ حالٌ من المستكنِّ فيهِ وقولُه تعالى
غَيْرُ يَسِيرٍ
تأكيدٌ لعُسرِهِ عليهمْ مشعرٌ ييسره على المؤمنينَ واختلفَ في أنَّ المرادَ بِه يومُ النفخةِ الأولى أو الثانيةِ والحقُّ أنَّها الثانيةُ إذْ هيَ التي يختصُّ عسرُها بالكافرينَ وأما النفخةُ الأُولى فحكمُها الذي هو الإصعاقُ يعمُّ البرَّ والفاجرَ عَلى أنَّها مختصةٌ بمنَ كانَ حيَّا عندَ وقوعِها وقد جاءَ في الأخبار أنَّ في الصورِ ثقباً بعددِ الأرواحِ كلِّها وأنَّها تجمعُ في تلكَ الثقوبِ في النفخةِ الثانيةِ فتخرجُ عندَ النفخِ منْ كُلِّ ثقبةٍ روحٌ إلى الجسدِ الِّذي نزعت مِنْهُ فيعودُ الجسدُ حياً بإذنِ الله تعالَى
حَالٌ إمَّا منَ الياءِ أيْ ذرني وَحديِ معَهُ فَإنِّي أكفيكَهُ في الانتقامِ منْهُ أو منَ التاء اي خلفته وَحْدِي
لَمْ يُشركني فِي خلقِه أحدٌ أو منَ العائدِ المحذوفِ أيْ وَمَنْ خلقتُه وحيداً فريداً لا مالَ لَهُ وَلاَ ولدٌ وقيل نزلت في الوليد بنِ المغيرةِ المخزومي وكانَ يلقب في قومه بالوحيد فهو تهكمٌ به وبلقبِه وصرفٌ لهُ عنْ الغرضِ الذي يؤمونَهُ من مدحِه إلى ١٢ جهةِ ذمهِ بكونهِ وحيداً من المَالِ والولدِ أو وحيداً من أبيهِ لأنَّه كانَ زنيماً كما مَرَّ أوْ وَحيداً في الشَّرارةِ
مبسوطاً كثيراً أو ممداً بالنماءِ من مَدَّ النهرٌ ومدَّهُ نهرٌ آخرُ قيلَ كانَ لَهُ الضرعُ والزرعُ والتجارةُ وعنِ ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما هو ما كانَ لَه بينَ مكةَ والطائفِ من صنوفِ الأموالِ وقيلَ كانَ لَهُ بالطائفِ بستانٌ لا ينقطعُ ثمارُهُ صيفاً وشتاءً وقالَ ابن عباسٍ ومجاهدٍ وسعيدِ بنِ جُبير كانَ لَهُ الف دينار وقال فتادة ستةُ آلافِ دينار وقال ٣ سفيان الثوري أربعة آلاف دينار وقال الثوريُّ أيضاً ألف ألف دينار
حضوراً معَهُ بمكةَ يتمتعُ بمشاهدتِهم لا يفارقونَهُ للتصرف في عملٍ أو تجارةٍ لكونِهم مكفيينَ لوفورِ نعمِهم وكثرةِ خدمِهم أو حضوراً فِي الأنديةِ والمحافل لوجاهتِهم واعتبارِهم قيلَ كانَ له عشرةُ بنينَ وقيلَ ثلاثةَ عشرَ وقيلَ سبعةٌ كلُّهم رجالٌ الوليدُ بن الوليد وخالدٌ وعمارةٌ وهشامٌ والعاصُ والقيسُ وعبدُ شمسٍ أسلَم منهْم ثلاثةٌ خالدٌ ١٤ وهشامٌ وعمارةُ
وبسطتُ لهُ الرياسةَ والجاهَ العريضُ حَتَّى لقبَ ١٥ ريحانةَ قريشٍ
عَلى ما أوتيهِ وهو استبعادٌ واستنكارٌ لطمِعه وحرصِه إما لأنهُ لا مزيدَ
عَلى ما أُوتيَ سعة وكثرةً أو لأنَّه منافٍ لما هُوَ عليهِ منْ كُفرانِ النعمِ ومعاندةِ المنعمِ وقيلَ إنَّه كانَ يقول إن كان محمدٌ صادقاً فما خلقت الجنة الالى
ردعٌ وزجرٌ لَهُ عنْ طمعه الفارغِ وقطعٌ لرجائه الخائبِ وقولُه تعالَى
إِنَّهُ كان لأياتنا عَنِيداً
تعليلٌ ١٦ لذلكَ على وَجْه الاستئنافِ التحقيقيِّ فإنَّ معاندةَ آياتِ المنعمِ معَ وضوحِها وكفران نعمته مع سبوغها مما يوجبُ حرمانَهُ بالكليةِ وإنما أوتَي ما أوتَي استدراجا قيلَ ما زالَ بعدَ نزولِ هذهِ الآيةِ في نقصانٍ منْ مالِه حتَّى هلكَ
سأغشيهِ بدلَ ١٧ ما يطمُعه منَ الزيادةِ أو الجنةِ عقبةً شاقةً المصعدِ وهو مثلٌ لما يَلْقى منَ العذابِ الصعبِ الذَّي لا يطاقُ وعنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم يكلفُ أنْ يصعدَ عقبةً في النارِ كلمَا وضعَ يَدهُ عليَها ذابتْ فإذَا رفعَها عادتْ وإذَا وضعَ رجَلُه ذابتْ فإذَا رفعَها عادتْ وعنْهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الصَّعودُ جبلٌ منْ نار يصعد فيها سبعين خريفا ثمَّ يهوِي فيهِ كذلكَ أبداً
تعليلٌ للوعيدِ واستحقاقِه لَهُ أو بيانٌ لعناده لآياته تعالَى ١٨ أيْ فكرَّ ماذَا يقولُ في شأنِ القرآنِ وقدرَ فِي نفسِه ما يقولُه
تعجيبٌ ١٩ منْ تقديرِه وإصابتِه فيهِ الغرضَ الذي كانَ ينتحيهِ قريشٌ قاتلَهم الله أو ثناءٌ عليهِ بطريقِ الاستهزاءِ به أو حكايةٌ لما كررُوه من قولِهم قتلَ كيفَ قدرَ تهكماً بِهم وبإعجابِهم بتقديره واستعظامهم لقوله ومعنى قولِهم قتلَهُ الله ما أشجَعهُ أو أخزاهُ الله ما أشعرَهُ الإشعارُ بأنَّه قد بلغَ منَ الشجاعةِ والشعرِ مبلغاً حقيقياً بأنْ يدعَو عليهِ حاسدُهُ بذلكَ رُويَ أنَّ الوليدَ قالَ لبني مخزومٍ والله لقد سمعتُ من محمدٍ آنِفاً كلاماً ما هُو منْ كلامِ الإنسِ ولا منْ كلامِ الجنِّ إنَّ لَهُ لحلاوةً وإنَّ عليهِ لطلاوةً وإنَّ أعلاهُ لمثمرٌ وإنَّ أسفلَهُ لمغدِقٌ وإنَّه يعلو وما يُعلى فقالتْ قريشٌ صبأَ والله الوليدُ والله لتصبأنَّ قريشٌ كُلُّهم فقالَ ابْنُ أخيهِ أبوُ جهلٍ أنَا أكفيكمُوهُ فقعَد عندَهُ حزيناً وكلَّمهُ بما أحماهُ فقامَ فأتاهم فقال تزعمونَ أنَّ محمداً مجنونٌ فهل رأيتمُوه يخنقُ وتقولونَ إنه كاهنٌ فَهلْ رأيتمُوه يتكهنُ وتزعمونَ أنه شاعرٌ فهل رأيتمُوه يتعاطَى شِعراً قطُّ وتزعمونَ أنه كذابٌ فَهَلْ جربتُم عليهِ شيئاً من الكذبِ فقالُوا في كُلِّ ذلكَ اللهمَّ لاَ ثمَّ قالُوا فَما هُو ففكَّر فقالَ مَا هُو إلا ساحرٌ أما رأيتمُوه يفرقُ بينَ الرجلِ وأهلِه وولدِه ومواليهِ وما الذي يقولُه إلا سحرٌ يأثرُهُ عنْ أهلِ بابلَ فارتجَّ النادِي فرحاً وتفرقُوا معجبينَ بقوله متعجبين منه
تكريرٌ للمبالغةِ وثمَّ للدَّلالة على أنَّ الثانيةَ أبلغُ منَ الأُولى ٢٢ ٢١ وفيمَا بعدُ عَلى أصلِها منْ التراخِي الزمانيِّ
أي في القرآنِ مرةً بعدَ مرةٍ
قطَّبَ وجهَهُ لما لم يجد فيها مطعناً ولمْ يدرِ ماذَا يقولُ وقيلَ نظرَ في وجوهِ النَّاسِ ثم قطَّبَ وجهَهُ وقيلَ نظرَ إلى رسول الله ﷺ ثم قطَّبَ في وجهِهِ ٢٣
وَبَسَرَ
اتباعٌ لعبسَ
عنِ الحقِّ أوْ عنْ رسولِ الله ﷺ ٢٤
واستكبر
عن اتباعِه
أيْ يُروى ويُتعلمُ والفاءُ للدِلالة على أن هذه الكلمة لمَّا خطرتْ بباله تفوه بها من غير تلعثمٍ وتلبثٍ وقولُه تعالى ٢٥
تأكيدٌ لما قبلَهُ ولذلكَ أُخليَ عنِ العاطفِ
بدلٌ منْ سأُرهقُه صَعُوداً
أيْ أيُّ شيءٍ أعلمكَ ما سقرُ على أنَّ مَا الأوُلى مبتدأٌ وأدراكَ خبرُه ومَا الثانيةُ خبرٌ لأنها المفيدةُ لِما قُصد إفادتُه منَ التهويل والتفظيعِ وسقرُ مبتدأٌ أيْ أيُّ شيءٍ هيَ في وصفِها لما مر مرارا من أَنَّ مَا قَدْ يطلبُ بَها الوصفُ وإنْ كانَ الغالبُ أنْ يطلبَ بَها الاسمُ والحقيقةُ وقولُه تعالَى
بيانٌ لوصفِها وحالِها وإنجازٌ للوعد الضمني الذي يلوح به وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ وقيل حال من سقر وليس بذاك أيْ لا تُبقي شيئاً يلقي فها إلا أهلكتْهُ وإذا هلكَ لم تذَرْهُ هالكاً حتَّى يعادَ أوْ لا تُبقي على شيءٍ ولا تدعَهُ منَ الهلاكِ بلْ كلُّ ما يطرحُ فيَها هالكٌ لا محالة
مُغيِّرةٌ لأَعَالي الجلد مسودة
أيْ مَلَكاً أو صِنْفاً أو صفاً أو نقيباً من الملائكةِ يلونَ أمرَهَا ويتسلطونَ على أهلِها وقُرِىءَ بسكونِ عين عشر حذارا من توالِي الحركاتِ فيما هو في حكم اسمٍ واحدٍ وقرىء تسعةُ أَعْشُرٍ جمعُ عشيرٍ مثلُ يمينٍ وأَيْمُنٍ
أيْ المدبرينَ لأمرِها القائمينَ بتعذيبِ أهلِها
إِلاَّ ملائكة
ليخالفُوا جنسَ المعذبينَ فلا يَرِقّوا لهُم ولاَ يستروحُوا اليهم لأنهم أَقْوى الخلقِ وأقومُهُم بحقِّ الله عزَّ وجلَّ وبالغضبِ له تعالى وأشدُّهم بأساً عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم لأحدِهم مثلُ قوةِ الثقلينِ يسوقُ أحدُهم الأمةَ وعلى رقبتِه جبلٌ فيرمِي بهم في النارِ ويرمِي بالجبلِ عليهم ورُوي أنَّه لمَّا نزلَ عليها تسعةَ عشرَ قال أبُو جهلٍ لقريشٍ أيعجزُ كلُّ عشرةٍ منكم أنْ يبطشُوا برجلٍ منُهم فقالَ أبُو الاشدِّ بنُ أسيدِ بْنِ كِلْدةَ الجُمَحيُّ وكان شديدَ البطشِ أنا أكفيكُم سبعةَ عشرَ فاكفونِي أنتُم اثنينِ فنزلتْ أيْ ما جعلناهُم رجالاً منْ جنسِكم
وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ
أي ما جعلنا عددَهُم إلا العددَ الذي تسببَ لافتنانهم وهو التسعةَ عشرَ فعبرَ بالأثرِ عن المؤثر تنبيهاً على التلازم بينهما وليس المرادُ مجردَ جعلِ عددِهم ذلكَ العددَ المعينَ في نفسِ الأمرِ بلْ جعلَه في القرآنِ أيضاً كذلكَ وهو الحكمُ بأنَّ عليها تسعةَ عشرَ إذْ بذلكَ يتحققُ افتتانُهم باستقلالِهم له واستبعادِهم لتولي هذا العددِ القليلِ لتعذيبِ أكثر الثقلينِ واستهزائِهم بهِ حسبما ذكرَ وعليهِ يدورُ ما سيأتِي من استيقان أهلِ الكتابِ وازديادِ المؤمنينَ إيماناً قالُوا المخصصُ لهذَا العددِ أنَّ اختلافَ النفوسِ البشريةِ في النظرِ والعملِ بسببِ القُوى الحيوانيةِ الاثنتي عشرةَ والطبيعيةِ السبعِ أو أن جهنَم سبعُ دركاتَ ستٌ منها لأصنافِ الكفرةِ كلُّ صنفٍ يعذبُ بتركِ الاعتقادِ والاقرارِ والعملِ أنواعاً من العذابِ يناسبُها وعلى كلِّ نوعٍ ملكٌ أو صنفٌ أوْ صفٌّ يتولاهُ وواحدةٌ لعُصاةِ الأمةِ يعذبونَ فيها بتركِ العملِ نوعاً يناسبُه ويتولاّه واحدٌ أو أنَّ الساعاتِ أربعٌ وعشرونَ خمسةٌ منها مصروفةٌ للصلواتِ الخمسِ فيبقى تسعةَ عشرَ قد تصرفُ إلى ما يؤاخذُ به بأنواعِ العذابِ يتولاَّها الزبانيةُ
لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب
متعلقٌ بالجعل على المَعْنى المذكورِ أيْ ليكتسبُوا اليقينَ بنبوتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وصدقِ القرآنِ لما شاهدُوا ما فيه موافقاً لما في كتابِهم
وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إيمانا
أيْ يزدادُ إيمانُهم كيفيةً بما رأَوا من تسليم اهل الكتاب
وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون
تأكيدٌ لما قبله من الاستقيان وإزديادِ الإيمانِ ونفيٌ لما قد يعترِي المستيقنَ من شبهةٍ ما وإنما لم يُنظمِ المؤمنونَ في سلكِ أهلِ الكتابِ في نفي الارتيابِ حيث لم يقل ولا يرتابوا للتنبيه على تباين النفيين حالاً فإن انتفاء الارتياب من أهل الكتابِ مقارنٌ لما ينافيهِ من الجحود ومن المؤمنينَ مقارنٌ لما يقتضيه من الإيمان وكم بينهما والتعبيرُ عنهم باسم الفاعلِ بعد ذكرِهم بالموصول والصلةِ الفعليةِ المنبئةِ عن الحدوث للإيذان بثباتهم على الإيمان بعدَ ازديادِه ورسوخِهم في ذلك
وَلِيَقُولَ الذين فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
شكٌّ أو نفاقٌ فيكون اخبترا بَما سيكونُ في المدينةِ بعد الهجرةِ
والكافرون
المُصرّون على التكذيبِ
مَاذَا أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً
أيْ أيُّ شيءٍ أرادَ بهذَا العددِ المستغربِ استغرابَ المثلِ وقيلَ لما استبعدُوه حسبُوا أنه مثلٌ مضروِبٌ وإفرادُ قولِهم هذا بالتعليلِ مع كونِه من باب فتنتِهم للإشعارِ باستقلالِه في الشناعةِ
كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَاء
ذلكَ إشارةٌ إلى ما قبلَهُ من مَعْنى الإضلالِ والهدايةِ ومحلُّ الكافِ في الأصلِ النصبُ على أنَّها صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ وأصلُ التقديرِ يضلُّ الله منْ يشاءُ
وَيَهْدِى مَن يَشَاء
إضلالاً وهدايةً كائنينِ مثلُ ما ذكر من الإضلالِ والهدايةِ فحذفَ المصدرُ وأقيمَ وصفُه مقامَه ثم قُدّم على الفعلِ لإفادةِ القصِر فصارَ النظمُ مثلُ ذلكَ الإضلالِ وتلك الهدايةِ يضل الله مَن يَشَاء إضلالَه لصرفِ اختيارِه إلى جانبِ الضلالِ عندَ مشاهدتِه لآيات إلى جانبِ الهُدى لا إضلالاً وهدايةً أدنى منهما
وما يلعم جُنُودَ رَبّكَ
أيْ جموعَ خلقهِ التي من جُمْلتِها الملائكةُ المذكورونَ
إِلاَّ هُوَ
إذْ لاَ سبيلَ لأحدٍ إلى حصر الممكناتِ والوقوفِ على حقائِقها وصفاتِها ولوْ إجمالاً فضلاً عن الاطلاع على تفاصيل أحوالِها من كمٍ وكيفٍ ونسبةٍ
وَمَا هِىَ
أي سقرُ أو عدة خزنتها او الآيات الناطقةُ بأحوالِها
إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ
إلا تذكرةً لهم
ردعٌ لمن أنكرهَا أو إنكارٌ ونفيٌ لأن يكونَ لهم تذكرٌ
والقمر
وقرىء اذا دَبَر بمعنى أدبرَ كقَبِلَ بمَعْنى أَقْبَلَ ومنْهُ قولِهم صاروا كأمس الدار وقيل هُو من دَبِرَ الليلُ النهارَ إذَا خلفَهُ
أي أضاءَ وانكشفَ
جوابٌ للقسمِ أوْ تعليلٌ لكَلاَّ والقسمُ معترضٌ للتوكيدِ والكُبرَ جمعُ الكُبْرى جعلتْ ألفُ التأنيثِ كتائِها فكَما جُمعتْ فُعْلَة على فُعَلٍ جُمعتْ فُعْلَى عَليها ونظيرُها القواصعُ في جمع القاصعاء
تمييز أي لإحدى الكبرِ إنذاراً أو حالٌ مما دلتْ عليهِ الجملةُ أي كبرتْ منذرةً وقُرِىءَ نذيرٌ بالرفعِ على أنه خبرُ بعدَ خبرِ لأنَّ أو لمبتدإٍ محذوفٍ
بدلٌ من للبشر أي نذيراً لمن شاءَ منكم أن يسبقَ إلى الخير فيهديَه الله تعالى أو لم يشأْ ذلكَ فيضلَّه وقيلَ لمن شاء خبرٌ وأنْ يتقدمَ أو يتأخرَ مبتدأٌ فيكونُ في معنى قوله تعالى فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن ومنْ شاءَ فليكفرُ
مرهونةٌ عندَ الله تعالى بكسبِها والرهينةُ اسمٌ بَمعْنى الرهنِ كالشتيمةِ بمعنى الشتمِ لا صفةٌ وإلا لقيلَ رهينٌ لأن فعيلاً بمعنى مفعولٍ لا يدخلُه التاءُ
فإنهم فاكُّون رقابَهم بما أحسنُوا من أعمالِهم كما يفكُّ الراهنُ رهنَهُ بأداءِ الدينِ وقيلَ هم الملائكةُ وقيل الأطفالُ وقيل هم الذين سبقتْ لهم من الله تعالى الحُسنى وقيلَ الذين كانُوا عن يمينِ آدمٍ عليه السلامُ يومَ الميثاقِ وقيل الذين يُعطون كتُبَهم بأيمانِهم
لا يُكتنه كُنُهَها ولا يُدرك وصفُها وهو خبر لمتبدأ محذوفٍ والجملةُ استئنافٌ وقعَ جوابا عن سؤال نشأ مما قبَلُه من استثناء أصحابِ اليمين كأنه قيلَ ما بالُهم فقيلَ هم في جناتٍ وقيل حالٌ من أصحاب اليمين وقيل من ضميرهم في قوله تعالى
يَتَسَاءلُونَ
وقيل ظرفٌ للتساؤلِ وليس المرادُ بتساؤلهم أنْ يسألَ بعضُهم بعضاً على أنْ يكون كلُّ واحد منهم سائلا ومسؤلا معاً بلْ صدورُ السؤالِ عنْهم مجرداً عن وقوعه عليهم فإن صيغةَ التفاعلِ وإن وضعتْ في الأصل للدلالةِ على صدورِ الفعلِ عن المتعدد ووقوعه عليه معاً بحيثُ يصير كلُّ واحدٍ من ذلك فاعلا ومفعولاً معاً كما في قولك تراءى القوم أي رأى كلُّ واحد منهم الآخَرَ لكنها قد تجردُ عن المَعْنى الثانِي ويقصد بها الدلالةُ على الأولِ فقط فيذكرُ للفعلِ حينئذٍ مفعولُ كما في قولِك تراءوا الهلالَ فمعنى يتساءلونَ
يسألونُهم عن أحوالهم وقد حذف المسؤل لكونه عين المسؤل عنه
مقدرٌ بقولٍ هو حال من فاعل يتساءلونَ أيْ يسألونَهم قائلينَ أيُّ شيءٍ أدخلكُم فيَها فتأملْ ودعْ عنكَ ما تكلفَ فيهِ المتكلفونَ
أي المجرمونَ مجيبينَ للسائلينَ
لَمْ نَكُ مِنَ المصلين
للصلواتِ الواجبةِ
على معنى استمرار نفي الإطعامِ لا على نفي استمرارِ الإطعامِ كما مرَّ مِراراً وفيه دلالةٌ على أنَّ الكفارَ مخاطبونَ بالفروع في حق المؤاخذة
أي نشرعُ في الباطل مع الشارعينَ فيه
أي بيوم الجزاءِ أضافُوه إلى الجزاء مع أن فيه من الدواهِي والأهوال مالا غايةَ لهُ لأنه أدهاهَا وأهولُها وأنهم ملابُسوه وقد مضتْ بقيةُ الدواهِي وتأخيرُ جناياتهم هذهِ معَ كونِها أعظمَ منَ الكُلِّ لتفخيمِها كأنهم قالُوا وكنا بعد ذلكَ كلِّه مكذبينَ بيومِ الدينِ ولبيانِ كونِ تكذيبِهم به مقارناً لسائرِ جناياتِهم المعدودةِ مستمراً إلى آخرِ عمرِهم حسبَما نطقَ به قولُهم
أي الموتُ ومقدماتُه
لو شفعُوا لهم جميعاً والفاء في قوله تعالى
لترتيبِ إنكارِ إعراضِهم عنِ القرآنِ بغير سببٍ على ما قبلها من موجباتِ الإقبالِ عليهِ والاتعاظِ به من سوءِ حالِ المكذبينَ ومعرضينَ حالٌ من الضميرِ في الجارِّ الواقعِ خبراً لمَا الاستفهاميةِ وعنْ متعلقةٌ بهِ أيْ فإذَا كانَ حالُ المكذبينَ به على ما ذكرَ فأيُّ شيءٍ حصلَ لهم معرضينَ عن القرآنِ مع تعاضدِ موجباتِ الإقبالِ عليهِ وتآخذِ الدواعِي إلى الإيمانِ بهِ وقولُه تعالَى
حالٌ من المستكنِّ في معرضينَ
أيْ من أسدٍ فَعْوَلَة من القسر وهو القهروالغلبة وقيل هي جماعةُ الرماةِ الذين يتصيدونَها شُبهواً في إعراضِهم عن القرآنِ واستماعِ ما فيه من المواعظ وشرادِهم عنه بحمُرٍ جدَّت في نفارِها مما أفزعَها وفيهِ من ذمِهم وتهجينِ حالهم مالا يَخْفى وقولُه تعالى
عطفٌ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقام كأنه قبل لا يكتفونَ بتلك التذكرة ولا يرضَون بها بلْ يريدُ كل واحدٍ منهم أنْ يُؤتى قراطيسَ تنشرُ وتقرأُ وذلكَ أنهم قالُوا لرسول الله ﷺ لنْ نتبعكَ حتى تأتِي كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها من ربِّ العالمينَ إلى فلانِ بنِ فلانٍ نؤمُر فيها باتباعكَ كما قالُوا لن نؤمنَ لرقيكَ حتى تنزلَ علينَا كتاباً نقرؤْه وقرىءَ صُحْفاً مُنْشرةً بسكونِ الحاءِ والنونِ
ردعٌ لهم عن تلكَ الجراءة
بَل لاَّ يَخَافُونَ الأخرة
فلذلكَ يُعرضون عن التذكرة لا لامتناع إيتاءِ الصحفِ
ردعٌ عنْ إعراضِهم
انه
اي القرى
تَذْكِرَةٌ
وأيُّ تذكرةٍ
أن يذكرَهُ
ذكره
وحاز بسببه سعادةَ الدارينِ
بمجرد مشيئتِهم للذكر كما هو المفعوم من ظاهرِ قولِه تعالى فمَنْ شاءَ ذكرَهُ إذْ لا تأثيرَ لمشيئةِ العبدِ وإرادتِه في أفعالِه وقولُه تعالى
إَّلا أَن يَشَاء الله
استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوال أيْ وما يذكرونَ بعلةٍ من العلل أو في حالٍ من الأحوالِ إلا بأنْ يشاءَ الله أو حالَ أنْ يشاءَ الله ذلكَ وهو تصريحٌ بأن أفعالَ العبادِ بمشيئةِ الله عزل وجَلَّ وقُرِىءَ تذكرونَ على الخطاب التفاتاً وقرىءَ بهمَا مشدداً
هُوَ أَهْلُ التقوى
أي حقيقٌ بأنْ يُتقى عقابُه ويؤمنَ به ويطاعَ
وَأَهْلُ المغفرة
حقيقٌ بأنْ يغفرَ لمنْ آمنَ بهِ وأطاعه عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ المدثرِ أعطاهُ الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد ﷺ وكذب به بمكة
بسم الله الرحمن الرحيم