تفسير سورة النازعات

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة النازعات من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة النازعات (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ أكثر المفسرين على أن هذا قسم بملك الموت، وأعوانه من الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم (٢)، وهو قول علي (٣) رضي الله عنه، (ومسروق (٤)، ومقاتل (٥)، وأبي صالح (٦)، وعطية
(١) مكية كلها.
انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٧، "الكشف والبيان" ح ١٣: ٣٣/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤١، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٠، "روح المعاني" ٣٠/ ٢٢، وغيرها من كتب التفسير.
(٢) ورجحه ابن كثير: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧.
(٣) ورد قوله مختصرًا في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب، "زاد المسير" ٨/ ١٦٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٣ وعزاه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر.
(٤) ورد معنى قوله في المراجع السابقة، بالإضافة إلى: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٧، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٢، "التفسير الكبير" ٣١/ ١٦٩،"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧.
(٥) ورد معنى قوله في "بحر العلوم" ٣/ ٤٤٣، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤١.
(٦) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٤.
155
عن ابن عباس (١)) (٢).
قال الفراء: ذكر (٣) أنها الملائكة، وأن النَّزعَ نزعُ الأنفس من صُدور (٤) الكفار، وهو كقولك: والنازعاتِ إغراقًا، كما يغرق النازعُ في القوس (٥)، هذا كلامه.
ومعنى إغراق النازع: أن ينتزع في القوس، فيبلغ بها غاية (٦) المد حتى ينتهي إلى النصل (٧).
قال الأزهري: والغَرْقُ اسم أقيم مُقام المصدر الحقيقي من أغْرَقْت (٨).
(١) المراجع السابقة عدا "الدر المنثور"، كما ورد معنى قوله أيضًا في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٠، "زاد المسير" ٨/ ١٦٩، "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٨.
قال ابن تيمية أيضًا: "وأما (النازعات غرقًا) فهي الملائكة القابضة للأرواح". "مجموع الفتاوى" ١٣/ ٣٢٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: أ، وقد كتب بدلًا منه لفظ: وغيره.
(٣) في (أ): وذكر.
(٤) بياض في (ع).
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٠ بنصه.
(٦) بياض في (ع).
(٧) انظر مادة: (غرق) في "تهذيب اللغة" ١٦ "المستدرك" ١٣٣، "مقاييس اللغة" ٤/ ٤١٨، "لسان العرب" ١٠/ ٢٨٤.
(٨) "تهذيب اللغة" ١٦: "المستدرك" ١٣٥ مادة: (غرق)، والغرق في الأصل: دخول الماء في سمّي الأنف حتى تمتلئ منافذه، فيهلك. المراجع السابقة.
156
(قال ابن مسعود: هي النفس (١)، و) (٢) قال [بهذا] (٣) قتادة (٤)، والسدي (٥)، (وعطية عن ابن عباس (٦)) (٧).
والنازعات على هذا القول من قول (فلان ينزع نزعا إذا كان في سياق الموت) (٨)، والأنفس نازعات عند السياق.
ومعنى "غرقًا" على هذا: أي نزعًا شديدًا أبلغ ما يكون، وأشده من اغراق النازع في القوس.
وقال الحسن: يريد النجوم تنزع -هاهنا،- وتغرق -هاهنا- (٩). (وهو قول الأخفش (١٠)،
(١) ورد قوله مطولًا في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين، وأثبته لاستقامة المعنى به، والله أعلم.
(٤) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٥.
(٥) ورد معنى قوله في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤١، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٠، "زاد المسير" ٨/ ١٦٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٤.
(٦) ورد معنى قوله في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) ما بين القوسين نقله عن "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٢ مادة: (نزع).
(٩) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨، وبمعناه في "النكت والعيون" ٦/ ١٩٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤١، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٠، "زاد المسير" ٨/ ١٦٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٨، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٩٣.
(١٠) بمعناه في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٠، "زاد المسير" ٨/ ١٦٩، "الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ١٨٩.
157
وأبي عبيدة (١)) (٢).
ومعنى النازعات على هذا القول: أنها النجوم تنزع من أفق علي أفق، أي تذهب، من قولهم: (نزع إليه، أي ذهب نزوعًا، ويجوز أن يكون من قولهم) (٣): نزعت الخيل، إذا جرت.
قال الليث: يقال (٤) للخيل إذا جرت (٥): لقد نزعت سننًا، وأنشد:
والخيلُ تنزع قُبَّا في أعِنَّتِها كالطير تَنْجُو (٦) مِنَ الشُّؤْبُوبِ (٧) ذي البَرَدِ (٨)
ومعنى الغرق: أنها تغرق فتغيب، وهي تطلع من أفق فتجري حتى تغيب في أفق آخر، ولعل الغرق في لغة الفرق، فإن فعلًا يأتي في مصادر
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٤، وعبارته: "النجوم تنزع: تطلع ثم تغيب فيه".
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): عا.
(٥) قال الليث في (أ) وهو كلام مكرر.
(٦) في (أ): تنجوا.
(٧) في (أ): الشربوب.
(٨) البيت من قصيدة للنابغة التي أولها:
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
ديوانه: ٣٤، دار بيروت، برواية: تمزع غربًا.
ومعنى البيت: تمزع: تمر مرًا سريعًا. غربًا: حدة ونشاط. الشؤبوب: الرقعة من المطر. يقول: ويهب الخيل التي هي في سرعتها كالطير التي تخاف أذى البرد فهي شديدة الطيران. انظر: ديوانه: ٣٤.
158
هذا الباب في اللازم، نحو: لبث، وحبط عمله حبطًا (١).
وقال (٢) عطاء (٣)، وعكرمة (٤): هي القِسِيّ. على هذا القول: النازعات: ذوات النزع فيها، وهي التي تنزع أوتارها، ويكون هذا من اللابن، والتامر. وغرقًا بمعنى إغراقًا، أي تنزع فتغرق فيها إغراقًا.
وقال مجاهد: هي الموت، يعني شدائده (٥) التي تنزع الأرواح نزعًا شديدًا (٦).
٢ - قوله: ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾
قال ابن عباس (٧)، ومقاتل (٨): هم الملائكة ينشطون (٩) روح الكافر
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) في (أ): قال.
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤١، "زاد المسير" ٨/ ١٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٩، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢.
(٤) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٣/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤١، "زاد المسير" ٨/ ١٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٩، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢.
(٥) في (أ): شدائد.
(٦) المراجع السابقة عدا "الكشف والبيان"، وانظر أيضًا: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٧، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٥، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢، والعبارة عنه في جميع المراجع السابقة: "الموت ينزع النفوس".
وما مضى من الأقوال رأى ابن جرير أن الآية تعمها جميعها. "جامع البيان" ٣٠/ ٢٧.
(٧) بمعناه في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٩.
(٨) بمعناه في "زاد المسير" ٨/ ١٧٠.
(٩) في (أ): ينطشون.
159
من قدميه إلى حلقه نشطًا بالكرب، والغم، كما تنشط الصوف من سفود (١) الحديد.
(وهذا النشط، وهو الجذب، يقال: نَشَطْتُ الدّلوَ أنشِطُها، وأنشُطها نَشْطًا: نزعتها) (٢).
[وهذا قول الل] (٣).
وروي عن ابن عباس (أيضًا) (٤) أنه قال: الناشطات الملائكة (٥) تنشط نفس المؤمن فتقبضها (٦).
واختاره الفراء، فقال: هي الملائكة تنشط نفس المؤمن فتقبضها، وتنزع نفس الكافر (٧).
وإنما اختار ذلك لما بين النشط والنزع من الفرق في الشدة واللين،
(١) السَّفُّود، والسُّفُّود بالتشديد: حديدة ذات شُعَبٍ معقَّفة: معروف يشوى به اللحم، وجمعه: سفافيد.
انظر: "لسان العرب" ٣/ ٢١٨ مادة: (سفد).
(٢) ما بين القوسين نقله عن "تهذيب اللغة" ١١/ ٣١٤ مادة: (نشط)، وهو قول الأزهري.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من: أ، وغير مقروء في ع، ولعلها: وهذا قول الليث.
(٤) ساقط من: (أ).
(٥) بياض في (ع).
(٦) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٢/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٣ بنحوه، وبمعناه في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤١، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣١، "زاد المسير" ٨/ ١٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٨٩.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ١٣٠ نقله عنه بالمعنى، وعبارته: "أنها تقبض نفس المؤمن كما ينشط العقال من البعير".
160
فالنزع: جذب بشدة، والنشط برفق ولين (١).
قال أبو زيد: نشطت الدلو من البئر نشطًا، وهو جَذْبُكَ الدَّلْوَ من البئر بغير قامة (٢).
(فالناشطات: الملائكة تنشط أرواح المؤمنين، كما تنشط الدلو من البئر) (٣).
وقال مجاهد: هي الموت، يعني شدائده (٤)، كما ذكرنا في الآية الأولى.
وقال الحسن: هي النجوم (٥)، وهو اختيار أبي عبيدة (٦).
(والمعنى أنها تنشط من أفق إلى أفق، أي تذهب، يقال: حمار ناشط
(١) والذي يشهد له السياق أن كلا من النازعات، والناشطات هم الملائكة، ودلالة السياق هو أنهما وصفان متقابلان، الأول: نزع بشدة، والآخر: نشاط بخفة، فيكون النزع غرقًا لأرواح الكفار، والنشط بخفة لأرواح المؤمنين.
نقلًا باختصار عن: "أضواء البيان" للشنقيطي: ٩/ ٢٢ - ٢٣.
(٢) "تهذيب اللغة" ١١/ ٣١٥ مادة: (نشط) بنحوه.
(٣) ما بين القوسين نقله بنحوه عن الأزهري في "تهذيب اللغة"، وهو من قول أبي إسحاق كما هو مذكور، ولم أجده عنه في معانيه. انظر: "تهذيب اللغة" ١١/ ٣١٥ مادة: (نشط).
(٤) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨، "الكشف والبيان" ج ١٣/ ٣٤ أ، هو الموت ينشط نفس الإنسان، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٣، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٠ بمعناه، "زاد المسير" ٨/ ١٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٠، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ في العظمة، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢.
(٥) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٤٥، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٤.
161
من بلد إلى بلد، والهموم تنشط بصاحبها.
قال [أبو عبيدة: الهميان] (١) بن قحافة (٢):
أمست هُمومي تَنشِطُ المناشِطا الشَّامَ بي طوْرًا وطورًا واسِطا (٣)
أي تذهب بي) (٤).
وقال عكرمة (٥)، وعطاء (٦): هي الأوهاق (٧)، وعلى هذا هي من النشط الذي هو الجذب.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من: (أ).
(٢) هو: أبو عبيدة، الهميان بن قحافة. من بني عوافة بن سعد بن زيد مناة من تميم، راجز إسلامي، عاش بالدولة الأموية. انظر: "المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء" للآمدي (١٩٧).
(٣) ورد البيت في "تهذيب اللغة" ١١/ ٣١٤ مادة: (نشط)، "لسان العرب" مادة: (نشط)، "جامع البيان" ٣٠/ ٢٩، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٣، "زاد المسير" ٨/ ١٧٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٠، "روح المعاني" ٣٠/ ٢٤٠.
(٤) ما بين القوسين من قول أبي عبيدة، نقله عنه الواحدي بتصرف. انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٤.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٩، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٣، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢.
(٦) "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢.
(٧) الأوهاق: جمع وَهَق، وقد يسكن، وهو حبل كالطَّوَل تُشَدُّ به الإبل والخيل لئلا تّنِدّ "النهاية في غريب الحديث والأثر" ٥/ ٢٣٣.
وقال الليث: الوَهَق: ألحبل المُغار يُرمى في أنشوطة، فيؤخذ به الدابة، والإنسان. "تهذيب اللغة" ٦/ ٣٤٤ مادة: (وهق).
162
٣ - قوله: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾، قال علي (١)، ومقاتل (٢)، (ومسروق (٣)) (٤)، وابن عباس (٥) (في رواية الكلبي) (٦): هم الذين يقبضون أرواح المؤمنين؛ يسلونها سلًا رفيقًا، ثم يدعونها حتى تستريح رويدًا (٧).
والمعنى على هذا: والسابحات بالأرواح سبحًا، أي يجعلونها (٨) على السَّبح (٩) تنزعها، والسابح بالشيء في الماء يرفق به لئلا يغرق ذلك الشيء، ولئلا يتعب هو في سبحه، فجعل الملائكة الذين يقبضون روح المؤمن برفق سابحات بها.
(١) "زاد المسير" ٨/ ١٧١ بمعناه، وعبارته: "أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين"، ومثله ورد في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١.
(٢) بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٦/ ب.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمعنى هذه الرواية عن الكلبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) من قوله: هم الذين يقبضون إلى حتى يستريح رويدًا وردت في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢ من غير نسبة لأحد.
(٨) في (ع): يجلونها.
(٩) السَّبْح: المَرُّ السريع في الماء، وفي الهواء، يقال: سَبَح سَبْحًا وسِباحة، واستعير لِمرِّ النجوم في الفلك، ولجري الفرس، ولسرعة الذهاب في العمل. انظر: "المفردات في غريب القرآن" ٢٢١.
163
قال (أبو صالح (١)، و) (٢) مجاهد (٣): هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين.
وهو اختيار الفراء، قال: جعل نزولها من السماء كالسباحة، والعرب تقول للفرس الجواد: إنه لسابح (٤)، ومنه قول امرئ القيس:
مِسَحٍّ إذا ما السّابحاتُ على الونى أثَرْنَ الغُبارَ بالكديدِ المُرَكَّلِ (٥)
وقال الحسن (٦)، وأبو عبيدة (٧) هي: النجوم تسبح في الفلك كما قال
(١) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "زاد المسير" ٨/ ١٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٤ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) المراجع السابقة. وانظر أيضًا: "جامع البيان" ٣٠/ ٣٠، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٢ - ٣٧٣، وعزاه صاحب الدر إلى أبي الشيخ.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٠، وقد زاد الفراء في معانيه عبارة: مرَّ يتمطّى. ذكر ذلك تفسيرًا لقول العرب للفرس الجواد: إنه لسابح.
ومعنى: مطَّه: أي مده، أي مد في السير. مختار "الصحاح" ٦٢٧ مادة: (مطي).
(٥) ديوانه: ٥٣، ط. دار صادر.
ومعنى البيت: سح يسح: قد يكون بمعنى صب يصب، وقد يكون بمعنى انصب ينصب، فالمعنى أنه يصب الجري والعدو صبًا بعد صب. السابح من الخيل: الذي يمد يديه في عده شبه بالسابح في الماء، الونى: الفتور.. والفعل ونى يني ونيًا وونى. الكديد: الأرض الصلبة المطمئنة. المركل: من الركل، وهو الدفع بالرجل، والضرب بها.
ومعنى البيت: أن الخيل يجيء يجري بعد جري إذا قلت الخيل السوابح، وأعيت وأثارت الغبار في مثل هذا الموضع. "ديوانه" ٥٣ - ٥٤.
(٦) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "الدر المنثور" ٨: ٤٠٥ وعزاه إلى ابن المنذر، "فتح القدير" ٥: ٣٧٣، "تفسير الحسن البصري" ٢: ٣٩٣.
(٧) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٤.
164
تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠]. قال عطاء هي: السفن تسبح في الماء (١).
وروى عن ابن عباس: أن السابحات أرواح المؤمنين تسبح شوقًا إلى لقاء الله، وشوقًا إلى رحمته حين تخرج (٢)، وقد عاينوا السرور فهي تسبح مستعجلة.
٤ - قوله تعالى: ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ قال مسروق (٣)، (ومقاتل (٤)، والكلبي (٥)) (٦): هم الملائكة.
قال مجاهد (٧) (وأبو روق (٨)) (٩): سبقت ابن آدم بالخير، والعمل
(١) "جامع البيان" ٣٠/ ٣٠، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٣، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣١، "زاد المسير" ٨/ ١٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١.
(٢) ورد معنى قوله في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٤ وعزاه إلى جويبر في تفسيره.
(٣) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٣، "زاد المسير" ٨/ ١٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٧، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢٢٦/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: أ
(٧) ورد قوله في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ ب، ومعناه في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣.
(٨) المراجع السابقة، وانظر أيضًا: "زاد المسير" ٨/ ١٧١.
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
165
الصالح، والإيمان، والتصديق.
قال مجاهد (١)، [و] (٢) (مقاتل بن حيان (٣)) (٤) تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
قال الفراء (٥)، والزجاج (٦): الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء [إذ] (٧) كانت الشياطين تسترق السمع.
(وقال الحسن (٨)، وأبو عبيدة (٩): هي النجوم تسبق بعضها بعضًا في السير) (١٠).
وقال ابن مسعود (١١)، وابن عباس (١٢) (في رواية عطاء) (١٣): نفس
(١) "زاد المسير" ٨/ ١٧١.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٠ والعبارة للفراء.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٨.
(٧) في كلا النسختين: إذا، والمثبت ما جاء في "معاني" الفراء ٣/ ٣٣٠.
(٨) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣، "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٩٤.
(٩) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٤.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١١) "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٤/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "زاد المسير" ٨/ ١٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١.
(١٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
166
المؤمن تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها (١)، تبادر الخروج شوقًا إلى كرامة الله. (وقال عطاء هي: الخيل (٢)) (٣).
وذكر صاحب النظم: أن هذه الآية ذكرت بـ: "الفاء"، والتي قبلها بـ: "الواو"؛ لأنها أقسام مستأنفة، وهذه مسببة من التي قبلها، كأنه قيل: واللاتي سبحن فسبقن، كما تقول: قام فذهب، [أوجبت] (٤) الفاء أن القيام كان سببًا للذهاب، ولو قلت: قام وذهب لم يجعل القيام سببًا للذهاب (٥).
٥ - قوله تعالى: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)﴾ أجمعوا على أنهم الملائكة (٦).
(١) في (أ): يقبضون.
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٣٠، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٥/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٤، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣١، "زاد المسير" ٨/ ١٧١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩١، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): أو ألفا، وفي نسخة ع: أوجب، ولعلها أوجبت. وعند الشوكاني: فهذا يوجب أن يكون القيام سببًا للذهاب.
(٥) ورد نحو ذلك في "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣.
(٦) قال بذلك: قتادة، وابن عباس، وعبد الرحمن بن سابط، وعطاء، وعلي، ومجاهد، وأبو صالح، والحسن، والربيع ابن أنس، والسدي. انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٥، "جامع البيان" ٣/ ٣١، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "زاد المسير" ٨/ ١٧١، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨.
وحكى الماوردي هذا القول عن جمهور المفسرين: "النكت والعيون" ٦/ ١٩٤، وقال ابن عطية: "فلا أحفظ خلافا أنها الملائكة". "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣١، وحكى الإجماع الفخر الرازي في "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٩، ونقل القرطبي عن القشيري الإجماع، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٢.
وقد ذكر الفخر الرازي رأيًا له -بعيدًا-، وهو أنها الأرواح، وأنها قد تدبر أمر =
167
قال مقاتل: يعني جبريل، وميكال، وإسرافيل، وملك الموت يدبرون أمر الله في الأرض، وهم المقسمات أمرًا (١)، (٢). (أو نحو هذا) (٣).
وقال (٤) عبد الرحمن بن سابط (٥) -وزاد بيانًا- فقال: أما جبريل فوكل (٦) بالرياح، والجنود، وأما ميكائل فوكل (٧) بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فوكل (٨) بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو يتنزل بالأمر عليهم (٩).
= الإنسان في المنامات، وهو قول لا يعول عليه -كما ترى-، والذي يشهد له النص أنها الملائكة: قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)﴾، ووصف الله سبحانه الملائكة بقوله: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. نقلاً عن "أضواء البيان" ٩/ ٢٤.
وعليه فحكاية الإجماع صحيحة من الواحدي، ونقرر بذلك ما أسلفنا ذكره من منهجه في حكايته الإجماع. والله أعلم
(١) بياض في (ع).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ أ، "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٩.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (ع): قال.
(٥) عبد الرحمن بن سابط الجمحي؛ تابعي، ذو مراسيل عن أبي بكر، وعمر، فقيه، ثقة. مات سنة ١١٧ هـ.
انظر: كتاب الثقات: ٥/ ٩٢، "تهذيب الكمال" ١٧/ ١٢٣: ت: ٣٨٢٢، "الكاشف" ٢/ ١٤٦ ت: ٣٢٣٩.
(٦) في (أ): موكل.
(٧) في (أ): موكل.
(٨) في (أ): موكل.
(٩) بمعناه في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "زاد المسير" ٨/ ١٧١ - ١٧٢، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٢، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣.
168
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله العمل بها، والوقوف عليها، بعضهم لبني آدم يحفظون، ويكتبون، وبعضهم وكلوا بالأمطار والنبات والخسف، والمسخ، والرياح والسحاب (١).
وقول صاحب النظم غير مطرد في هذه الآية؛ لأنه يبعد أن يجعل السبق سببًا للتدبير؛ مع أن السابقات ليست الملائكة في قول كثير من المفسرين.
وقد أحكمنا الكلام في هذا في أول سورة الصافات (٢).
(١) ورد قريب من معنى هذه الرواية، من طريق أبي المتوكل الناجي، عن ابن عباس في "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٥ وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في ذكر الموت، وبمثله في "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٩ من غير نسبة. وانظر روايته مختصرة في "الوسيط" ٤/ ٤١٨.
(٢) سورة الصافات: ١ - ٣: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾. ومما جاء في تفسيرها، قال الواحدي: "وأما هذه الشفاعات هاهنا - وفي سورة الذاريات، والمرسلات، فـ"الفاء" في العطف تؤذن أن الثاني بعد الأول؛ بخلاف الواو، فإنه لا يدل على المبدوء به، و"الفاء" يدل كقولك: دخلت الكوفة فالبصرة.
فـ"الفاء" -هاهنا- تؤذن أن دخول الكوفة كان قبل دخول البصرة، وفي هذه الآية يدل على أن الله -تعالى- ذكر القسم أولًا بـ: "الصافات"، ثم بـ: "الزاجرات"، ثم بـ: "التاليات".
وذكر صاحب النظم أن "الفاء" -هاهنا- وما قبله سبب له، كما تقول: قام فمر، واضطجع فنام. فالقيام سبب للمرور، والاضطجاع سبب للنوم.
وتأويل الآية: والتي تصف صفًا، فتزجر زجرًا، فالصف سبب الزجر، والزجر سبب التلاوة. =
169
وقال أهل المعاني: إنما أقسم الله بهذه الأشياء للتنبيه على موقع العبرة؛ إذ القسم يدل على عظم شأن المقسم به (١).
وأما جواب هذه الأقسام، فقال الفراء: هي مما ترك جوابه لمعرفة السامعين (٢)، وكأنه لو ظهر كان: لتبعثُنَّ، ولتحاسبُنَّ، ويدلك على ذلك قولهم: ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾ [النازعات: ١١]، أي: أنبعث إذا صرنا عظامًا (نخرة) (٣)، (٤).
ونحو هذا قال الزجاج سواء (٥).
وقال مقاتل: أقسم الله بهؤلاء الملائكة أن النفختين كائنتان، بينهما أربعون سنة (٦)، فذلك قوله: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦)﴾.
= قال: ويدل على هذا قوله: "والمرسلات عرفًا فالعاصفات عصفًا"، ثم استأنف قسما آخر منقطعًا مما قبله غير منسوق عليه بالواو، فقال: "والناشرات نشرًا". وهذه الواو واو قسم".
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) أي أن جواب القسم مضمر محذوف.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٣٣١.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٨.
وهذا القول اختاره أيضًا أبو حيان في "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٠، وضعف ما سواه من الأقوال في جواب القسم، ومن أراد الاستزادة في ذلك فليراجع ذلك في مواضعه من النكت العيون، "الجامع لأحكام القرآن"، "معاني القرآن" للأخفش، وغيرهم.
(٦) ورد بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ أ، ويعتبر قوله قولًا آخر لجواب القسم، ويعني به أن اللام التي تلقى بها القسم محذوفة من قوله: "يوم ترجف الراجفة" أي ليوم كذا تتبعها الرادفة، ولم تدخل نون التوكيد؛ لأنه قد فصل بين اللام المقدرة والفعل. قاله أبو حيان في "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٠.
170
(وهذا قول الأخفش (١)) (٢)، ويكون التقدير على هذا (٣): النفختين في الصور نفختين، ودل على هذا المحذوف ذكر "الراجفة" و"الرادفة"، (وهما) (٤) النفختان.
قال ابن عباس (في رواية عطاء (٥)، والكلبي (٦)، ومقاتل (٧)) (٨) هي النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق.
قال مقاتل: وإنما سميت الراجفة؛ لأنها تميت الخلق كلهم. كقوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف: ٧٨]، يعني الموت (٩) -هذا كلامه-.
وذكرنا في مواضع (١٠) أن الرجفة معناه الحركة، كقوله: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ﴾ [المزمل: ١٤].
والراجفة -هَاهنا- ليست من الحركة فقط، ولكنها من قولهم: رَجَفَ
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٧٢٨.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) في (ع): لهذا.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله في "الوسيط" ٤/ ٤١٩ من غير عزو.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ أ.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ أ.
(١٠) نحو ما جاء في سورة الأعراف: ٧٨، ٩١، ١٥٥، وسورة العنكبوت: ٣٧، وسورة المزمل: ١٤، وقد جاء في تفسير قوله: "يوم ترجف الأرض والجبال" المزمل: ١٤: أي تزلزل وتتحرك أغلظ حركة. راجع سورة المزمل: ١٤.
171
الرعد يَرجُفُ رَجْفًا ورَجِيفًا، وذلك تَرَددُ (١) هدهدَتِهِ (٢) في السحاب (٣). ذكره الليث (٤).
فالراجفة (٥): صيحة عظيمة فيها تردد، واضطراب كالرعد إذا تمحص.
أنشد ابن السكيت (قول الشاعر (٦) يصف الغيث) (٧):
إذا رجَفَتْ فيها رحى (٨) مُرْجَحَنَّةٌ تَبَعَّجَ ثجّاجًا غزير الحَوَافلِ (٩)
(١) في (ع): ترد.
(٢) هدهدته: الهدَّة: صوت شديد تسمعه من سقوط ركن، وناحية جبل، والهادُّ: صوت يسمعه أهل السواحل يأتيهم من قبل البحر له دويّ في الأرض، وربما كانت له الزلزلة، ودويُّه هَدِيدُه.
انظر: "تهذيب اللغة" ٥/ ٣٥٣ مادة: (هدد)، "الصحاح" ٢/ ٥٥٥ - ٥٥٦ مادة: (هدد).
"تقول العرب: رعدت السماء، فإذا زاد صوتها قيل: ارتجست، فإذا زاد قيل: أرْزمت ودوَّت، فإذا زاد واشتد قيل: قصفت وقعقعت، فإذا بلغ النهاية قيل: جلجلت وهَدْهَدت". "فقه اللغة" للثعالبي: ٢٩٨.
(٣) في (ع): الساب.
(٤) "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٣ مادة: (رجف). وقد ذكره الأزهري من غير أن يعزوه إلى الليث.
وانظر: "لسان العرب" ٩/ ١١٣.
(٥) في (ع): فالرجفة.
(٦) هو النابغة الذبياني.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) في أ، وع: رحا.
(٩) ديوان النابغة الذبياني: ٩٢، ط المؤسسة العربية للنشر، وهو برواية: "تبعق ثجاج غريرُ".
172
قال: الرجف: الرعد، والرحى (١): معظم (٢) السحاب (٣).
وقال (٤) مجاهد: يعني: تتزلزل الأرض والجبال (٥).
وانتصب "يومًا" بإضمار اذكر (٦).
وقال أبو إسحاق: "يوم" منصوب على معنى قوله: يومئذ واجفة يوم ترجف الراجفة، يعني أن التقدير: تجف القلوب (٧) يوم ترجف الراجفة (٨).
٧ - وقوله تعالى: ﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ قالوا (٩): يعني: النفخة الثانية (١٠) التي فيها البعث، ردفت (١١) النفخة الأولى.
(١) في أ، وع: رحا.
(٢) في (ع): المعظم.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) في (أ): وقول.
(٥) بمعناه ورد في "جامع البيان" ٣٠/ ٣٢، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٥/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٥، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٦ وعزاه إلى عبد بن حميد، والبيهقي في البعث.
(٦) ويجوز أن يكون ظرفًا لما دلَّ عليه راجفة أو خاشعة، أي يخاف يوم ترجف. انظر: إملاء ما من به الرحمن: ٢/ ٢٨٠، التبيان في "إعراب القرآن" للعكبري السابق: ٢/ ١٢٦٩.
(٧) في (أ): القلب.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٨ بتصرف.
(٩) منهم: ابن عباس، والحسن، والضحاك. وحكاه الشوكاني عن جمهور المفسرين.
انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٣١ - ٣٢، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٣.
(١٠) بياض في (ع).
(١١) رَدِفَه -بالكسر-: أي تبعه، يقال: كان نزل بهم أمر فرَدِف لهم آخر أعظم منه، وأرِدَفَه أمر: لغة في رَدفَه، مثل: تبعه وأتبعه.
قال أبو عبيدة (١)، والمبرد (٢): والرادفة: كل شيء جاء بعد شيء، يقال: أردفه، أي جاء بعده.
وقال مجاهد: أراد بالرادفة انشقاق (٣) السماء يأتي بعد الزلزلة (٤).
٨ - (قوله) (٥): ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ (أي مضطربة خافقة، يقال: وَجَف قلبُه يجِف وجِيفًا إذا اضطرب، ومنه: إيجاف الدابة، وهو حملها على السير الشديد) (٦).
وللمفسرين عبارات كثيرة في تفسير الراجفة، ومعناها واحد. قالوا: خائفة (٧)، وجلة (٨)، زائلة عن أماكنها (٩)،.......
= انظر: "الصحاح" ٤/ ٣٦٤ مادة: (ردف).
وقال أبو البقاء أيوب: الرَّدْف كل شيء تبع شيئاً فهو ردفه.
"الكليات" ٢/ ٣٦٧: فصل الراء.
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٨٤، وعبارته: كل شيء بعد شيء يردفه فهو الرادفة، الصيحة الثانية.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) في (أ): اشتقاق.
(٤) ورد بمعناه في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٣.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(٦) ما بين القوسين هو المعنى اللغوي للفظ واجفة. انظر فيه مادة: (وجف) في "تهذيب اللغة" ١١/ ٢١٣، "الصحاح" ٤/ ١٤٣٧، "تاج العروس" ٦/ ٢٦٤.
(٧) قاله: ابن عباس، وقتادة، وابن زيد. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٣٣، وعزاه القرطبي إلى عامة المفسرين: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٤.
(٨) قال بذلك: مجاهد، وابن عباس. انظر: "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٥/ ب، "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٤.
(٩) قال بذلك: الضحاك، والسدي. انظر: المراجع السابقة، وانظر أيضًا: "ررح المعاني" ٣٠/ ٢٦.
قلقة (١)، مستوفزة، مرتكضة (٢)، شديدة الاضطراب (٣) (٤)، غير ساكنة؛ وذلك لما عاينت من أهوال القيامة.
٩ - (قوله) (٥): ﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾. أي ذليلة. قاله الكلبي (٦)، ومقاتل (٧)، وذلك عند معاينة النار كقوله: ﴿خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥]. والمعنى: أبصار أصحابها، فحذف المضاف لأنه لم يرد إبصار القلوب.
قال ابن عباس: يريد أبصار من مات على غير الإسلام (٨)، ويدل على ما قال ابن عباس أنه قال (٩) ﴿قُلُوبٌ﴾ [النازعات: ٨]، ولم يقل القلوب، ويدل على هذا أيضًا أنه ذكر منكري البعث.
١٠ - قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ قال الكلبي: يعنون في الخلق الجديد إلى الدنيا بعد الموت (١٠).
(١) قاله المؤرج في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٤.
(٢) قاله قطرب في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٥/ ب.
(٣) بياض في (ع).
(٤) قال بذلك الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٨.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ أ.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله. وورد عن عطاء بمثل روايته. انظر: "زاد المسير" ٨/ ١٧٢.
(٩) أي الله سبحانه وتعالى.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
175
والمعنى: أنرد إلى أول خلقنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا؟ وهذا قول جميع أهل اللغة (١) والمعاني.
قال أبو إسحاق (٢)، (وأبو عبيدة (٣)) (٤)، والفراء (٥)، والزجاج (٦): يقال: رجع فإن في حافرته، وعلى حافرته، أي: رجع من حيث جاء، وأتيت فلانًا ثم رجعت على حافرتي، أي رجعت من حيث جئت.
والحافرة عند العرب: اسم أول (٧) الشيء، وابتداء الأمر (٨).
(قال ابن السكيت: يقال: التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة، أي عند أول ما التقوا.
قال الله تعالى: ﴿أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ أي في أول أمرنا، -قال- وأنشدني ابن الأعرابي:
أحافرةً على صَلَعٍ وشَيْبِ معَاذَ اللهِ مِنْ سَفَهٍ وعَارِ (٩)
(١) قال الليث: الحافرة: العودة في الشيء حتى يُردَّ آخره على أوله.
"تهذيب اللغة" ٥/ ١٨ مادة: (حفر)، وانظر: "مقاييس اللغة" ٢/ ٨٥، "الصحاح" ٢/ ٦٣٥، "لسان العرب" ٤/ ٢٠٥، وجميعها في مادة: (حفر).
(٢) لعله يريد به الثعلبي، فقد ورد بنحو هذا القول عنه في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٦/ ب.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٤.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٢.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٨.
(٧) بياض في (ع).
(٨) بياض في (ع).
(٩) ورد البيت غير منسوب في "إصلاح المنطق" لابن السكيت: ٢٩٥.
وانظر مادة: (حفر) في "تهذيب اللغة" ٥/ ١٨، "الصحاح" ٢/ ٦٣٥، "لسان
176
كأنه قال: أأرجع في صباي، وأمري الأول بعد أن صلعت وشبت (١)؟
وفي الحديث: (أن هذا الأمر لا يترك على حاله حتى يرد على حافرته) (٢)، أي على أول تأسيسه. وأصل هذا من قول العرب: النقد عند الحافرة (٣).
قال أبو العباس: هذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند السَّبْق. والحافرة: الأرض المحفورة. يقال (٤): أول (٥) ما يقع حافر الفرس عند السبق على الحافرة فقد وَجَبَ النَّقدُ. -يعني في الرهبان- أي كما يَسْبقُ تقولُ هاتِ النَّقدَ) (٦).
هذا هو الأصل، ثم صار مثلًا لابتداء الشيء، وأوله، وأصله ابتداء السبق -كما ذكرنا- وللمفسرين قول آخر في الحافرة:
= العرب" ٢/ ٢٠٥، وفي "جامع البيان" ٣٠/ ٣٣، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٦/ أ، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٥ برواية: معاذ الله من جهل وطيش، "زاد المسير" ٨/ ١٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٥.
(١) إلى قوله: بعد أن صلعت وشبت ينتهي قول ابن السكيت. انظر: "إصلاح المنطق" ٢٩٥.
(٢) ورد الأثر في "النهاية في غريب الحديث والأثر" ١/ ٤٠٦، كما ورد تحت مادة: (حفر) في "تهذيب اللغة" ٥/ ١٨، "لسان العرب" ٢/ ٢٠٥.
(٣) انظر أيضًا هذا المعنى في "النهاية في غريب الحديث والأثر" ١/ ٤٠٦.
(٤) في (ع): يقول.
(٥) أقل: هكذا وردت في "تهذيب اللغة" ٥/ ١٨ مادة: (حفر).
(٦) ما بين القوسين أي من قوله: قال ابن السكيت.. إلى: كما يسبق تقول هات النقد نقله الإمام الواحدي عن الأزهري من "تهذيب اللغة" ٥/ ١٧ - ١٨ مادة: (حفر).
177
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد الأرض (١). وهو قول مقاتل، قال: يقولون أننا لراجعون نمشي على أقدامنا بعد الموت (٢)!.
والمعنى: أنرد إلى ظهر الأرض أحياءً نمشي عليها؟
(والحافرة، على هذا القول، من الأرض، سميت حافرة يعني محفورة؛ لأن قبورهم تحفر فيها. (قاله الفراء) (٣). قال: وهذا كقوله: ﴿مَاءٍ دَافِقٍ﴾ أي مدفوق (٤)) (٥).
١١ - (وقوله) (٦): ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾، (وقرئ: ناخرة (٧)، (٨)، يقال: نخر العظم يَنْخَر فهو نخِر، مثل: عَفِنَ يعْفَنُ فهو عَفِن، وذلك إذا
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله وقد ورد عن مجاهد بمثل قوليهما. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٣٤، وكذا ابن عيسى في "النكت والعيون" ٦/ ١٩٥.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): مدوق.
(٥) ما بين القوسين نقله عن الفراء بتصرف. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٢، وقد حكاه الفراء عن بعضهم.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) في (ع): نخرة.
(٨) قرأ بذلك حمزة، والكسائي، وأبو بكر، وحجتهم في ذلك رؤوس الآيات بالألف؛ نحو: الحاضرة، والرادفة، والراجفة، والساهرة، فالألف أشبه بمجيء التنزيل، وبرؤوس الآيات.
وقرأ الباقون: "عظامًا نخرة" بغير ألف، وحجتهم: أن ما كان صفة منتظر لم يكن فهو بالألف، وما كان وقع فهو بغير ألف.
نقلاً عن: "حجة القراءات" ٧٤٨. وانظر أيضًا: "كتاب السبعة" ٦٧٠، "الحجة" ٦/ ٣٧١، "الكشف" عن وجوه القراءات: ٢/ ٣٦١، الوافي ٣٧٧.
178
بلي) (١).
ويقال نخرت الخشبة نَخَرًا، إذا بليت فاسترخت، وإذا مسستها تفتّت، وكذلك العظم الناخر النخر، قال ذلك الليث (٢).
(وقال أبو عبيدة: ناخرة ونخرة: بالية (٣)) (٤). وقال الأخفش: هما جميعاً لغتان أيهما قرأت فحسن (٥).
قال الفراء: الناخر (٦)، والنخرة، سواء في المعنى بمنزلة الطامع، والطمع، والباخل والبخل (٧).
واختار [أبو عبيد] (٨) نخرة، [قال] (٩): ونظرنا في الآثار التي فيها ذكر العظام التي قد نخرت، وجدناها كلها العظام النخرة، ولم يسمع في شيء منها الناخرة، -قال-: وكان أبو عمرو يقول: إنما يكون الناخرة التي
(١) ما بين القوسين لعله نقله عن الزجاج بتصرف. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٨ - ٢٧٩.
(٢) "تهذيب اللغة" ٧/ ٣٤٦ بيسير من التصرف.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٤ بمعناه.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) ورد قوله في "زاد المسير" ٨/ ١٧٣، "التفسير الكبير" ٣١/ ٣٧.
(٦) في (ع): الناخرة.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣١ - ٢٣٢ مختصرًا.
(٨) في كلا النسختين: أبو عبيدة، وأثبت اسم أبي عبيد؛ لأنه قد ورد في نص العبارة المذكورة في "التفسير الكبير" ٣١/ ٣٧، وفي "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٦، عن أبي عبيد، وهو الصواب، ولم أجد في المجاز لأبي عبيدة هذا القول.
(٩) ساقطة من النسختين، والمثبت من "التفسير الكبير"، فقد نقله الفخر بنصه عن الواحدي، وأثبته لاستقامة المعنى به: ٣١/ ٣٧.
179
تنخر بعد ولم (١) تفعل (٢).
وقال الفراء (٣)، والزجاج (٤): ناخرة أجود (٥) الوجهين لشبه أواخر الآي بعضها ببعض، نحو الحافرة، والساهرة -قالا (٦) -: والناخرة تأويل آخر، وهي العظام الفارغة التي يصير فيها من هبوب الريح كالنخير (٧)، (٨).
وعلى هذا: الناخرة من النخير بمعنى: الصوت كنخير النائم، والمخنوق، لا من النخر الذي هو البلى (٩).
وأكثر المفسرين (١٠) على القول الأول، قالوا: يعني بالنية، (وهو قول الضحاك (١١)، ومقاتل (١٢)) (١٣).
(١) في (أ): لم.
(٢) المراجع السابقة، وقد ورد قول أبي عمرو بن العلاء أيضًا في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٢، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٥.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣١.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٩.
(٥) بياض في (ع).
(٦) أي الفراء والزجاج.
(٧) في (أ): كالنخر.
(٨) المرجعان السابقان.
(٩) الناخرة: العظام المجوفة التي تمرُّ فيه الرياح فتنخر.
مادة نخر في "تهذيب اللغة" ٧/ ٣٤٥، وانظر أيضًا: "الصحاح" ٢/ ٨٢٥، "لسان العرب" ٥/ ١٩٩.
(١٠) قال بذلك ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وحكاه ابن عطية عن أكثر المفسرين. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٣٥، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٥، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٢، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨.
(١١) "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٨ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(١٢) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ أ.
(١٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
180
وذكر الكلبي القولين جميعًا (١)، [فقال] (٢): (نخرة) بالية تتحات. بلي، وناخرة: صيته، وذلك أن الريح (كالنخير، وعلى هذا: الناخرة من النخير، بمعنى) (٣) إذا دخل العظم الذي قد نخر طرفاه سمعت لها نخيرًا.
ومعنى الآيتين: أنهم أنكروا البعث فقالوا: أنرد أحياءً إذا متنا وبليت عظامنا؟.
١٢ - وقالوا: ﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾. قال القرظي: قالوا: إن رددنا بعد الموت لنخسرن (٤).
وقال مقاتل: قالوا: إن بعثنا بعد الموت أحياء أصابنا من الخسران ما يقول محمد (٥).
قال أبو إسحاق: والمعنى أهلها خاسرون (٦). يعني أن الخاسرة جرت صفة للنكرة، والمعنى لأهلها، كما تقول: تجارة رابحة، أي يربح فيها صاحبها، وكرة خاسرة: يخسر فيها صاحبها.
١٣ - (ثم أعلم الله تعالى سهولة البعث عليه فقال) (٧): ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾
(١) أحد القولين له في "النكت والعيون" ٦/ ١٩٥، قال: "خالية: مجوفة تدخلها الرياح فتنخر". وهو بمعنى القول الثاني.
(٢) في كلا النسختين: فقالوا. ولا يستقيم المعنى إلا بما أثبت. والله أعلم.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(٤) ورد قوله في "النكت والعيون" ٦/ ١٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٦، "لباب النقول في أسباب النزول" للسيوطي (٢٢٦) وعزاه إلى سعيد بن منصور.
(٥) بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ أ.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٩.
(٧) ما بين القوسين نقله عن الزجاج، انظر: المرجع السابق.
181
قال المفسرون (١): يعني النفخة الأخيرة، صيحة واحدة من إسرافيل يسمعونها وهم في بطون الأرض أموات فيحيون، فذلك قوله: ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾.
يعني وجه الأرض، وظهرها. في قول جميع أهل اللغة، (وأكثر المفسرين) (٢).
قال أبو عبيدة (٣)، والليث (٤)، (وغيرهما من أهل اللغة (٥)) (٦): الساهرة وجه الأرض، وأنشدوا (٧):
يَرْتَدّون ساهِرةً كأنَّ جميمها وعميمها أشداق ليل مظلم (٨)
(١) قال بذلك: مجاهد، وابن زيد، والربيع بن أنس، وابن عباس.
انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٣٥، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٦. وحكى هذا القول عن المفسرين الفخر في "التفسير الكبير" ٣١/ ٣٨، كما ذهب إلى هذا القول: البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٣، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٢، الخازن في "لباب التأويل" ٤/ ٣٥١.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٥، وعبارته: "الساهرة: الفلاة ووجه الأرض".
(٤) "تهذيب اللغة" ٦/ ١٢١ مادة: (سهر)، قال: "الساهرة: وجه الأرض العريضة "البسيط". وانظر: "لسان العرب" ٤/ ٣٨٣ مادة: (سهر).
(٥) قال بذلك الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٩، وهو قول ابن قتيبة أيضًا في "تفسير غريب القرآن" ٥١٣.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) لم ينشدوا البيت جميعهم، وإنما الذي ذكره هو الليث في "تهذيب اللغة" ٩/ ١٤٦ مادة: (سدف). والبيت لأبي كبير الهذلي.
(٨) ورد البيت في "تهذيب اللغة" ٦/ ١٢ مادة: (سهر)، "الصحاح" ٢/ ٦٩١ مادة: (سهر)، "لسان العرب" ٤/ ٣٨٣ مادة: (سهر)، و٩: ١٤٦ مادة: (سدف)، "البحر المحيط" ٨/ ٤١٧، وجميعها برواية: "يرْتَدْن"، و"أسداف"، وفي التهذيب: =
182
وهو قول ابن عباس (١)، ومقاتل (٢)، (والشعبي (٣)) (٤)، وسعيد (بن جبير (٥)، وعكرمة (٦)، والحسن (٧)، وأبي صالح (٨)) (٩)، وأنشد (ابن عباس قول أمية) (١٠):
وفيهما لحمُ ساهرةٍ وبَحْرٍ وما (١١) فاهوا به لَهُمُ مقيمُ (١٢)
= "جحيمها".
ومعنى جميمها: الجميم: النبت الكثير، وكا ما اجتمع وكثر عميم.
"لسان العرب" ١٢/ ١٠٧ مادة: (جمم).
العميم: الطويل من الرجال والنبات. المرجع السابق: ١٢/ ٤٢٥ مادة: (عمم). السدف: ظلمة الليل، وقيل: هو بَعْدَ الجنح، والجمع: أسداف. المرجع السابق: ٩/ ١٤٦ مادة: (سدف).
(١) ورد قوله في "جامع البيان" ٣/ ٣٦، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٩/ ب، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٦، "زاد المسير" ٨/ ١٧٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٧. وانظر قوله في "لسان العرب" ٤/ ٣٨٣ مادة: (سهر).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٨ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٨.
(٦) المرجعان السابقان، بالإضافة إلى "جامع البيان" ٣٠/ ٣٧، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٦، "زاد المسير" ٨/ ١٧٣.
(٧) "جامع البيان" ٣٠/ ٣٧، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٨ وعزاه إلى عبد بن حميد بمعناه، وانظر: تفسير الحسن البصري: ٢/ ٣٩٥.
(٨) "تفسير القرآن العظيم " ٤/ ٤٩٨.
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١١) في (ع): مما.
(١٢) ورد البيت في شرح ديوانه: ٦٨.
183
قالوا جميعًا: أراد بالساهرة: الأرض، وفوق الأرض، وظهر الأرض، ووجه الأرض. كل هذا من ألفاظهم (١).
قال الفراء: كأنها سميت بذلك؛ لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم (٢).
وقال غيره (٣) (من أهل المعاني (٤)) (٥): العرب تسمى وجه الأرض من الفلاة ساهرة، أي ذات سهر؛ لأنه يسهر فيها خوفًا منها.
١٥ - قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾.
= "لسان العرب" ٤/ ٣٨٣ مادة: (سهر)، "جامع البيان" ٣٠/ ٣٦، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٦، "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٦/ أ، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٨، "معاني القرآن" للفراء: ٣/ ٢٣١، "البحر المحيط" ٨/ ٤١٧، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٨ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
وانظر: فضائل القرآن ومعالمه وآدابه: لأبي عيد القاسم بن سلام: ٢/ ١٧٣ برواية: "وفيها لحم"، "روح المعاني" ٣٠/ ٢٨، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة: ٢/ ٢٨٥، كتاب "إيضاح الوقف والابتداء" ١/ ٦٩، الساهرة: الأرض، ومقيم: ثابت. انظر: شرح ديوانه.
(١) وهناك أقوال أخرى لمعنى الساهرة، ذكرها الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٣٧ - ٣٨، والماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ١٩٦ - ١٩٧، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ١٧٣ - ١٧٤، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨، وقال
عنها ابن كثير: وهذه الأقوال كلها غريبة، والصحيح أنها الأرض، ووجهها الأعلى. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٩٨.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٢ بيسير من التصرف.
(٣) في (أ): غيرهم.
(٤) منهم الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٧٩، وهو أيضًا قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٥، كما ذكره القرطبي معزوًا إلى العرب بمثل ما أورده الواحدي. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٩٧.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
184
قال مقاتل: قد جاءك يا محمد حديث موسى. (١) هذا كقوله: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان: ١]، وقد مر (٢).
وقال الكلبي: ولم يكن أتاه حديث موسى بعد في القرآن ثم أتاه إذ ناداه ربه (٣).
قال ابن عباس: كلمه ربه (٤) -وباقي الآية (٥) مفسر في [أول] (٦) سورة طه (٧) -.
وقال مقاتل: دعاه ربه فقال: يا موسى اذهب إلى فرعون إنه طغى (٨). قال مقاتل (٩)، ومجاهد (١٠): عصى الله.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وعنى بقوله هذا أن "هل" بمعنى: "قد".
(٢) راجع سورة الدهر: ١.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) وهو قوله تعالى: ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾.
(٦) ساقط من: (أ).
(٧) سورة طه: ١٢، ٤٣. ومما جاء في تفسيرها: "قال: وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾ أي المطهر، المقدس: المبارك، وقوله: "طوى" هو اسم الوادي، وهو قول جميع المفسرين.
وقوله تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ أي جاوز القدر في العصيان، وذلك أنه خرج من معصيته إلى فاحش تجاوز به معاصي الناس.
وقال أهل المعاني: وفي الآية محذوف؛ لأن المعنى: اذهب إلى فرعون فادعه إلى توحيد الله إنه طغى؛ لأنه أمِر بالذهاب إليه، وأن يدعوه إلى التوحيد".
(٨) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ ب بمعناه
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
185
وقال عطاء: عصى على بني إسرائيل (١). وقال (٢) الكلبي: علا، وتكبر، وكفر بالله (٣).
١٨ - فقال: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾.
أي تتطهر من الشرك، ومنه قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: ٩] (٤)، وقوله: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ (٥) [الكهف: ٧٤].
والمبتدأ محذوف [في] (٦) اللفظ مراد في المعنى. التقدير: هل لك إلى ذلك حاجة أو إربة (٧).
قال:
فَهَلْ لكُمُ فيها إليَّ فإنني بصيرٌ بما أعيى (٨) النِّطاسي حِذْيَما (٩)
(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله في "التفسير الكبير" من غير عزو ٣١/ ٤٠.
(٢) في (أ): فقال.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثله من غير عزو في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٤.
(٤) في (ع): زكيها.
(٥) في (أ): زاكية.
(٦) ساقط من: أ.
(٧) إربة: الإربة: الحاجة، والجمع: المآرب. انظر مادة: (أرب) في مختار "الصحاح" ١٣، "المصباح المنير" ١/ ١٦.
(٨) في (أ): أعي.
(٩) ورد البيت في ديوانه: ١١١ ط دار صادر برواية: "طبيب بما أعيى"، "الخصائص" لابن جني: ٢/ ٤٥٣، "المفصل" ٣/ ٢٥، "الخزانة" ٢/ ٢٣٢. ومعنى قوله: "فهل لكم فيما إلى: هل لكم علم وبصيرة فيما يرجع نفعه وفائدته إلى، ثم أعرض عن مشاورتهم وقال: إنني أعلم وأعرف بحالي منكم، فإنني بصير بما يعيي النطاسي ابن حذيم -وهو رجل من تيم الرباب- وكان متطببًا عالمًا. "ديوانه" (١١١).
وفيه قراءتان: التشديد (١) على إدغام "تاء" الفعل (في الزاي لتقاربهما. والتخفيف (٢) على حذف "تاء" الفعل) (٣). قال ابن عباس في قوله: "تزكى": تشهد أن لا إله إلا الله (٤).
وقال مقاتل: توحد الله (٥). وقال الكلبي: تعمل خيرًا (٦).
١٩ - ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾ (٧).
قال ابن عباس (٨)، ومقاتل (٩): وأدعوك إلى عبادة ربك.
﴿فَتَخْشَى﴾ فتسلم من خشية الله، وتوحد الله.
وقال أهل المعاني: فتخشى عقابه، ويكون المعنى: تؤدي ما
(١) قرأ بذلك: أبو جعفر، وابن كثير، ونافع، ويعقوب: "إلى أن تزَّكَّى" مشددة الزاي. انظر: "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٤٥، "الحجة" ٦/ ٣٧٤، "المبسوط" ٣٩٥، "حجة القراءات" (٧٤٩)، "كتاب التبصرة" (٧٢٠).
(٢) قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "تزكى" خفيفة. انظر: المراجع السابقة.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٤، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٠، وانظر: "الأسماء والصفات" ١/ ١٨٣.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ ب.
(٦) "النكت والعيون" ٦/ ١٩٧.
(٧) فائدة: دلت الآية على أن معرفة الله مقدمة على طاعته؛ لأنه ذكر الهداية، وجعل الخشية مؤخرة عنها، ومفرعة عليها. قاله الفخر في "التفسير الكبير" ٣١/ ٤١.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بنحو من قوله من غير عزو في "زاد المسير" ٨/ ١٧٤، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥١.
(٩) بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ ب.
يلزمك (١) من فرضه خشية عقابه (٢).
٢٠ - ﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠)﴾ قال عطاء: يعني العصا (٣).
وقال الكلبي (٤)، ومقاتل (٥): هي اليد، وكانت أعظم، وأعجب آية من العصا.
وقال مجاهد: هي اليد، والعصا (٦).
٢١ - ﴿فَكَذَّبَ﴾ بالآية أنها من الله. ﴿وَعَصَى﴾ الله، ونبيه فلم يطعهما.
٢٢ - ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ أعرض عن الحق، والإيمان (٧). ﴿يَسْعَى﴾ يعمل بالفساد في الأرض (٨). وهو قوله تعالى: ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى﴾ فجمع قومه، وجنوده فنادى
٢٤ - قال مقاتل: (لما اجتمعوا قام عدو الله فرعون على سريره. ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ أي لا رب فوقكم) (٩).
(١) بياض في (ع).
(٢) لم أعثر على مصدر لقولهم، وقد قال بنحوه الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٣٩.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٢.
(٥) المرجع السابق، "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ ب.
(٦) "تفسير الإمام مجاهد" (٧٠٣)، "جامع البيان" ٣٠/ ٤٠، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٣، وحكاه ابن الجوزي عن جمهور المفسرين في "زاد المسير" ٨/ ١٧٤، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٩ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٧) وهذا قول مجاهد. انظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٣.
(٨) وهو قول مجاهد. انظر: تفسير الإمام مجاهد: ٧٠٣، وإليه ذهب الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٤٠، والثعلبي في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٧ / ب.
(٩) ما بين القوسين من قول مقاتل، وقد ورد بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ ب.
وقال عطاء: كان قد صنع لهم أصنامًا صغارًا، فقال لهم: اعبدوها وأنا ربكم ورب أصنامكم (١).
٢٥ - قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ قال أبو إسحاق: "نكال" مصدر مؤكدة لأن معنى (٢) "أخذه الله": نكَّلَ الله به نكال الآخرة (٣). (ونحو هذا) (٤) قال المبرد: أخذه في موضع نكله (٥).
وكما قال: ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢] إنما هو الإهلاك والتنكيل، كما تقول: ادعه تركًا شديدًا؛ لأن أدعه وأترك سواء.
وأنشد (٦):
وقد تَطَوَّيْتُ انطواء الحِضبِ (٧) (٨)
لأن تطويت وانطويت سواء.
وقال الفراء: يريد أخذه الله أخذًا نكالًا للآخرة والأولى (٩).
(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٠.
(٢) في (أ): معناه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٠ بنصه.
(٤) في النسخة: أ: ورد لفظ: "كما" بدلاً من: ونحو هذا، ويستقيم المعنى بإثبات أحدهما.
(٥) "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٤، والعبارة عنه: "قال: نكال: نصب على المصدر، والعامل فيه على رأي أبي العباس المبرد فعل مضمر من لفظ "نكال". وانظر أيضًا قوله في "البحر المحيط" ٨/ ٢٢٢، وانظر: "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٣ من غير عزو.
(٦) نسب إنشاده لسيبويه ابن منظور في "لسان العرب" ١٥/ ١٨ مادة: (طوى).
(٧) في (أ): الحطب.
(٨) ورد البيت غير منسوب في "لسان العرب" ١٥/ ١٨ مادة: (طوى). ويراد بالحضب ضرب من الحيات. المرجع السابق.
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٣ بيسير من التصرف.
189
وذكر المفسرون في هذه الآية قولين:
أحدهما: أن الآخرة، والأولى صفة لكلمتي فرعون، أحدهما قوله: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨]، والآخرة (١) قوله: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]-قالوا-: وكان بينهما أربعون سنة.
وهذا قول (مجاهد (٢)، والشعبي (٣)، وسعيد بن جبير (٤)، ومقاتل (٥)، ورواية عطاء والكلبي عن ابن عباس (٦)) (٧). وقال الحسن (٨)،
(١) في (ع): الآخر.
(٢) "تفسير الإمام مجاهد" (٧٠٣)، "جامع البيان" ٣٠/ ٤١ - ٤٢، "زاد المسير" ٨/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٩ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) المراجع السابقة عدا تفسير مجاهد، وانظر: أيضًا: "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٤، "روح المعاني" ٣٠/ ٣٠.
(٤) "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٤.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٢٧/ ب، "زاد المسير" ٨/ ١٧٥،"التفسير الكبير" ٣١/ ٤٤.
(٦) وردت الرواية عنه من غير ذكر الطريق في "كنز العمال" ٢/ ١٢: ح: ٢٩٣٦، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٤، "زاد المسير" ٨/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٠، وبالطريقين في "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٤، ومن طريق أبي الضحى عن ابن عباس في "تفسير الإمام مجاهد" (٧٠٣).
(٧) ما بين القوسين من: ع، وقد كتب في نسخة: أبدلاً منه: وهذا قول جماعة. وممن قال بذلك أيضًا: الضحاك، وابن زيد، وخيثمة، وعكرمة.
انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٦، "جامع البيان" ٣٠/ ٤٢، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٨، "زاد المسير" ٨/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٠.
(٨) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٤ بمعناه، "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٤، "زاد المسير" ٨/ ١٧٥، "الدر المنثور" ٨/ ٤٠٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. وانظر: "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٣٩٥.
190
وقتادة (١): (نكال (٢) الآخرة والأولى): أغرقه (٣) في الدنيا، وعذبه في الآخرة.
وتفسير نكال قد تقدم في سورة البقرة (٤).
٢٦ - ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الذي فعل (٥) فرعون حين كذب، وعصى. ﴿لَعِبْرَةً﴾ يريد فكرة، وعظة. ﴿لِمَنْ يَخْشَى﴾ الله.
ثم خاطب منكري البعث فقال:
٢٧ - ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾ قال مقاتل: يعني بعثًا بعد الموت (٦).
والمعنى: أخَلْقُكُم بعد الموت أشد أم السماء؟ أي عندكم وفي تقديركم، وهما عند الله واحد، والذي قدر على خلق السماء قادر على بعثكم بعد الموت وإعادتكم. كما قال: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [يس: ٨١]. الآية.
وكقوله -أيضًا-: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧].
(١) المراجع السابقة. وانظر أيضًا: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٧.
(٢) في (أ): تلك.
(٣) في (أ): غرقه.
(٤) سورة البقرة: ٦٦. قال تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾
ومما جاء في تفسير "نكالًا" قال: "والنكال اسم لما جعلته نكالًا لغيره إذا رآه خاف أن يعمل عمله، وأصل هذا من قولهم: نكل عن الأمر ينكل نكولًا إذا جبن عنه، يقال: نكَّلت بفلان إذا عاقبته في شيء أتاه عقوبة تُنَكِّل غيره عن ارتكاب مثله، أي: تمنع وترد. والنَّكْل: القيد؛ لأنه يمنع الجري، والنِّكْل: حديث اللجام".
(٥) في (أ): يعمل.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
191
وليس معنى الآية: أنتم أحكم صنعة أم السماء!، وهذا قول الكلبي (١)، وهو بعيد، وتم الكلام عند قوله: "السماء" على قول الكسائي، والفراء، والزجاج.
قال الكسائي: "أأنتم أشد خلقًا أم السماء"، ثم قال بعد: "بناها (٢) " (٣).
قال الفراء (٤): أأنتم يا أهل مكة أشد خلقًا أم السماء، ثم وصف السماء، فقال: بناها. (٥).
وقال الزجاج: أأنتم أشد خلقًا، أم السماء أشد خلقًا، ثم بين كيف خلقها، فقال: بناها (٦) "رفع سمكها" (٧).
(وعند أبي حاتم الوقف على قوله: "بناها" (٨)؛ لأنه قال: من صلة السماء. المعنى التي بناها) (٩).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) في (ع): بنيها.
(٣) ورد معنى قوله في "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٥، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٨.
(٤) في (ع): الزجاج، وهي كلمة وضعت سهوًا في غير موضعها.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٣ بتصرف.
(٦) في (ع): بنيها.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٠ بنحوه.
(٨) "الإيضاح" لابن الأنباري: ٢/ ٩٦٥، "القطع والائتناف" للنحاس: ٢/ ٧٨٧.
وانظر: "المكتفى في الوقف والابتداء" للداني (٦٠٧).
والسبب في الوقف على قوله: "بناها" لإتباع خبر خبرًا بلا عطف.
انظر: "علل الوقوف" للسجاوندي: ٣/ ١٠٩٠.
(٩) ما بين القوسين نقله بنحوه عن الزجاج. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٠.
192
والقول هو الأول، والسماء ليس مِمَّا يوصل (١).
ومعنى ﴿سَمْكَهَا﴾ قال المفسرون: سقفها (٢). ﴿فَسَوَّاهَا﴾ بلا شقوق (٣)، ولا فطور.
٢٩ - ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ قال المفسرون: أظلم (٤).
(١) فيكون المعنى على ذلك: أأنتم أشد خلقًا أم السماء أشد خلقًا. انظر: "زاد المسير" ٨/ ١٧٥.
(٢) وممن ذهب إلى هذا القول: البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٤، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠١.
وقد اختلفت ألفاظ المفسرين في معنى "سمكها"، قال قتادة في قوله: "رفع سمكها فسواها" رفع بناءها، فسواها، وعن مجاهد: رفع بناءها بغير عمد، وعن ابن عباس: يقول بنيانها. انظر في ذلك كله: "جامع البيان" ٣٠/ ٤٣.
وقال الليث: والسَّمَاك: ما سمعت به حائطًا أو سقفًا، والسقف يسمى سَمْكًا، والسماء مسموكة، أي مرفوعة كالسَّمْك.
"تهذيب اللغة" ١٠/ ٨٤ مادة: (سمك).
وما مضى من الأقوال يتبين من خلالها معنى واحد لـ"سمكها"، وهو البناء المرفوع، وهو السقف. والله أعلم.
(٣) في (ع): سقوف.
(٤) قال بذلك قتادة، وابن عباس، ومجاهد، وابن زيد، والضحاك، وعكرمة.
انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٧، "جامع البيان" ٣٠/ ٤٤، وقاله أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٥، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ٥١٣، واليزيدي في "غريب القرآن" (٤١٢)، والطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٤٣، ومكي بن أبي طالب في "العمدة في غريب القرآن": ٣٣٤، والماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ١٩٨. وإليه ذهب البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٥، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٤، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ١٧٥، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٢، والخازن في "لباب التأويل" ٤/ ٤٥١، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٠٠.
(أي جعله (١) مظلمًا، يقال أغطش الليل، وأغطشه الله، والغطش الظلمة، والأغطش شبه الأعمش) (٢).
﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ قالوا: وأبرز نهارها، وضوءها، وشمسها (٣).
وأضاف الليل، والضحى إلى السماء الآن) (٤) الظلمة، والنور كلاهما ينزل من السماء.
٣٠ - ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾، (أي: أبسطها، يقال دحوت أدحو دحوًا، ودَحَيْت أدحي دحيَّا (٥)، وفي حديث علي -رضي الله عنه-: اللهم داحي المدحيات (٦)، يعني باسط الأرضين السبع وموسعها، وهي
(١) بياض في (ع).
(٢) ما بين القوسين بيان للمعنى اللغوي لقوله: "أغطش". انظر في ذلك مادة: (غطش) في "تهذيب اللغة" ١٦، "المستدرك" ١٦١، "لسان العرب" ٦/ ٣٢٤.
(٣) هذه من ألفاظ المفسرين، قال قتادة: أنور ضحاها. "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٧. وعن مجاهد: نورها، وعن الضحاك: نهارها، وعن ابن زيد: ضوء النهار. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٤٤.
وعن ابن عباس: أن أخرج ضحاها: الشمس. "النكت والعيون" ٦/ ١٩٩.
وانظر أيضًا في ذلك: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٥، "زاد المسير" ٨/ ١٧٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٣.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) الدحو: البسْطُ، دَحا الأرض يَدْحوها دَحْوًا: بسطها. "لسان العرب" ١٤/ ٢٥١ مادة: (دحا).
وفي "النهاية" الدَّحْو: البسط، والمَدْحوات: الأرضون، يقال: دَحا يدْحو، ويَدْحى: أي بسط ووسع ٢/ ١٠١.
(٦) "النهاية في غريب الحديث والأثر" ٢/ ١٠١، "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٨، "الدر المنثور" ٨/ ٤١٢ وعزاه إلى أبي الشيخ في "العظمة"، مرفوعًا من طريق علي بمعنى رواية الواحدي.
194
المدحوات -بالواو- أيضًا) (١).
وذكرنا الكلام في رتبة (٢) خلق السماء والأرض عند قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت: ١١] في أول حم السجدة (٣).
= والذي وجدته عند أبي الشيخ من طريق البزار مرفوعًا من حديث علي: تبارك رافعها ومدبرها، ثم رمى ببصره -صلى الله عليه وسلم- إلى الأرض، فقال: تبارك داحيها وخالقها). العظمة: ١٩٥: ح: ٥٦٢.
وأورد هذه الرواية الهيثمي من طريق عليًا مرفوعة أيضًا مطولة، وقال: رواه البزار، وفيه من لم أعرفهم. "مجمع الزوائد" ٧/ ٣٢٨.
وقد ضعف محقق العظمة هذه الرواية بناء على كلام الهيثمي رحمه الله.
(١) ما بين القوسين نقله الواحدي عن "تهذيب اللغة" ٥/ ١٩٠ مادة: (دحا) بتصرف. وانظر: "لسان العرب" ١٤/ ٢٥١ مادة: (دحا).
(٢) في الأصل: تربة وهو تصحيف.
(٣) ومما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)﴾: الإشكال بينها وبين آية النازعات.
قال: وقع عد البعض إشكال بين قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾، وبين قوله: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ فقالوا: هذه الآية تدل على أنه خلق الأرض قبل السماء؛ لأنه ذكر خلق الأرض، ثم قال بعد ما فرغ من ذكر خلق الأرض: "ثم استوى إلى السماء"، وقال في موضع آخر: ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾ ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾
فدلت هذه الآية على أنه خلق الأرض بعد السماء، فادعوا التناقض.
ثم رد عليهم بأجوبة، منها:
١ - أن الله تعالى قال: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ ولم يقل خلقها، وابتدأها، أو أنشأها، فابتداء خلق الأرض كان قبل خلق السموات، ثم خلق السموات، ثم دحا بعد ذلك الأرض، أي بسطها ومدها، فقد كانت ربوة مجتمعة. وهذا قول ابن قتيبة.
٢ - أن خلق الله -على ما ذكر الله في سورة فصلت، وقوله: "والأرض بعد ذلك" =
195
وقال أبو عبيدة: (دحاها)، و (طحاها): بسطها، يقال: دحوت، ودحيت (١).
وأنشد قول زيد بن عمرو (٢) بن نفيل:
دحاها فلما رآها استوت على الماء أرسى عليها الجبال (٣)
= معناه: والأرض مع ذلك، وهذا جار في كلام العرب، وإقامة بعض الصفات مقام بعضها الآخر سائر مشهور.
٣ - أنه يجوز أن يكون تأويل قوله: "بعد ذلك" بمعنى قبل، ويجري مجرى حروف الأضداد، وشاهده قوله: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ قال بعضهم: معناه: من قبل الذكر؛ لأن الذكر هو القرآن.
ثم ينهي الواحدي القول في هذه المسألة بقول ابن عباس: أولاً هو خلق السماء قبل أن يخلق الأرض، ثم دحا الأرض بعد ما خلق السماء.
ثم يقول ابن الأنباري: الذي أختاره هو: أن خلق الأرض قبل خلق السماء؛ لأن ظاهر القرآن عليه أدل عليه، والحجج له أوضح.
ثم ذكر قول السدي في بيان كيف أنشأ السبع السموات -قال-: قال السدي: في قوله: "ثم استوى إلى السماء وهي دخان" قبل ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس، خلقها سماء واحدة، ثم فتقها، فجعلها سبعاً في يومين: في الخميس والجمعة.
انظر: "الوسيط" ج ٤: ٢٣٨/ ب، ٢٣٩/ أ.
(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٨٥ بيسير من التصرف، ولم ينشد أبو عبيدة بيت الشعر الذي عزاه إليه الواحدي.
(٢) في (أ): عمر.
(٣) ورد البيت في "التفسير الكبير" ٣١/ ٤٨، "النكت والعيون" ٦/ ١٩٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٧، "البحر المحيط" ٨/ ٤١٨، "روح المعاني" ٣٠/ ٣٢، وكلها -عدا "التفسير الكبير"- برواية:
196
٣١ - قوله تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ قال ابن عباس: يريد فجرّ البحار والأنهار، والعيون، وجميع الماء (١).
﴿وَمَرْعَاهَا﴾ مما يأكل الناس والأنعام.
قال عبد الله بن مسلم: انظر كيف دل بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض: قوتًا ومتاعًا للأنام من العُشب، والشجر، والحب، والثمر، والعصف (٢)، والحطب، واللباس، والنار، والملح؛ لأن النار من العيدان، والملح من الماء (٣). ينبئك أنه أراد ذلك.
٣٤ - قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾
قال ابن عباس: يريد النفخة الثانية (٤). -وهو قول مقاتل (٥) - التي فيها البعث.
وقال الكلبي: الطامة: الساعة؛ طمت على كل شيء، فليس فوقها شيء (٦).
قال المبرد: "الطامة" عند العرب: الداهية التي (٧) لا تستطاع،
(١) "الوسيط" ٤/ ٤٢١.
(٢) العَصْف، والعَصْفَة، والعَصِفة، والعُصافة: ما كان على ساق الزرع من الورق الذي يبس، فيتفتت.
انظر: "لسان العرب" ٩/ ٢٤٧ مادة: (عصف).
(٣) "تأويل مشكل القرآن" ٥ بنصه.
(٤) "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٣٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٤، "البحر المحيط" ٨/ ٤٢٣.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله. وورد بمثله من غير عزو في "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٢.
(٧) في (أ): الذي.
أخذت -فيما أحسب- من قولهم: طمَّ الفرسُ طميمًا إذا استفرغ جهده في الجري، و"طم الماء" إذا ملأ النهر كله (١).
قال الليث: الطَّمُّ: طَمُّ البئر بالتراب، وهو الكَبْس، وطم السيل الرَّكيَّة (٢): إذا دفنها حتى يسوِّيَها، ويقال للشيء الذي يكثر حتى يعلو: قد طم، والطامة: الحادثة التي تطم على ما سواها (٣)، ومن ثم قيل: فوق كل طامَّة طامَّة (٤).
قال الفراء: هي القيامة تطم على ما سواها، ومن ثم يقال: تَطِمّ وتَطُمّ: لغتان (٥).
قال الزجاج: هي الصيحة التي تطم كل شيء (٦).
وقوله (٧): ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ﴾ أي جاءت الطامة.
٣٥ - ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى﴾ أي ما عمل من خير وشر في الدنيا.
(١) "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٠، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٤، "فتح القدير" ٥/ ٣٧٩.
(٢) الرَّكيَّة: البئر، والجمع: ركايا. "المصباح المنير" ١/ ٢٨٢ مادة: (ركا).
(٣) قوله: والطامة: الحادثة التي تطم على ما سواها: لم يرد في "تهذيب اللغة".
(٤) "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٠٦ مادة: (طم).
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٤٣ بيسير من التصرف، وقد نقله الواحدي عن الأزهري من "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٠٦ مادة: (طم).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨١، وقد نقل قوله أيضًا عن "تهذيب اللغة". المرجع السابق. ونص عبارة الزجاج في معانيه: "إذا جاءت الصيحة التي تطم كل شيء، الصيحة التي يقع معها البعث والحساب والعقاب والعذاب والرحمة".
(٧) في (أ): قوله.
وقال (١) الكلبي: هو الكافر (٢). (وقال عطاء: يريد أبا جهل (٣)) (٤).
٣٦ - قوله تعالى: ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾ قال مقاتل: تكشفت عنها الغطاء، فينظر إليها الخلق (٥).
وقال الكلبي: يراها كل ذي بصر (٦).
وذكر عن ابن عباس (في رواية عطاء) (٧) ما يدل على أن المراد بقوله: "لمن يرى" الكفار دون المسلمين (٨)، واللفظ يحتمل ذلك؛ لأنه قال: "لمن يرى" (٩) أي برزت لمن يراها من هو أهل لها، وجواب قوله: "فإذا جاءت الطامة" محذوف على تقدير: إذا جاءت الطامة دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة، ودل على هذا المحذوف ذكر مأوى (١٠) الفريقين من بعد، ولهذا كان يقول مالك بن مِغْول (١١) (١٢) في تفسير "الطامة الكبرى"
(١) في (ع): قال.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله. وورد بمثله من غير عزو في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٥.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) ورد قوله بمعناه في تفسيره: ٢٢٨/ أ، كما ورد قوله في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٥، "زاد المسير" ٨/ ١١٧.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) في (ع): يراها.
(١٠) في (أ): روى.
(١١) في (ع): مععول.
(١٢) مالك بن مِغْوَل البَجَليُّ، أبو عبد الله الكوفي، ابن عاصم بن غَربة بن حُرثة بن =
(قال) (١): إنها إذا سيق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار. وهو قول القاسم (٢) بن الوليد (٣) (٤).
٣٧، ٣٨ - قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ يعني الكافر.
قال مقاتل (٥)، والكلبي (٦): نزلت في النضر وأبيه الحرث.
٣٩ - ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ (أي المأوى (٧) تأويه) (٨)، (قال الكلبي هي: المأوى) (٩) لمن كان بهذه الصفة (١٠).
= جريج بن بجيلة، روى عن نافع مولى ابن عمر، روى عنه سفيان الثوري وغيره، ثقة. مات سنة ١٥٧ هـ روى له الجماعة.
انظر: "التاريخ الكبير" ٧/ ٣١٤: ت: ١٣٣٩، كتاب "الثقات" لابن حبان: ٧/ ٤٦٢، "تهذيب الكمال" ٢٧/ ١٥٨: ت: ٥٧٥٣.
(١) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٢) في (ع): القاسم.
(٣) القاسم بن الوليد الهمدانيُّ ثم الخِبْذعِيُّ، روى عن الشعبي، والباقر، وعنه ابنه الوليد، وأبو نعيم. ثقة. توفي سنة ١٤١ هـ.
انظر: كتاب "التاريخ الكبير" ٧/ ١٦٧: ت: ٧٤٧، "تهذيب الكمال" ٢٣/ ٤٥٦ ت: ٤٨٣٣، "الكاشف" ٢/ ٣٣٩: ت: ٤٦٠٧.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٢٨/ أ.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله. وبمثل روايته ورد من غير عزو في "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٢.
(٧) المأوى: كل مكان يأوي إليه شيء ليلاً أو نهارًا، وقد أوى فلان إلى منزله، يأوي أويًا. "الصحاح" ٦/ ٢٢٧٤ مادة: (أوا)، وانظر: "لسان العرب" ١٤/ ٥٢ مادة: (أوا).
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
٤٠ - ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ تقدم تفسيره في سورة الرحمن (١).
﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ قال عطاء (٢)، والكلبي (٣)، (ومقاتل (٤)) (٥): نزلت في مصعب بن عمير.
والمعنى نهى نفسه عن المحارم التي يشتهيها، وعما كان يهوى في الجاهلية.
وقال مقاتل: هو أن الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه على الله للحساب فيتركها (٦)، فذلك قوله: ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى أي مأواه ومصيره.
(١) سورة الرحمن: ٤٦: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾.
ومما جاء في تفسيرها: أنه يجوز أن تكون مصدرًا، وموضعًا، فإن جعلته موضعًا كان المعنى: مقامه بين يدي ربه للحساب، أي المقام الذي يقفه فيه ربه.
وإن جعلته مصدرًا جاز فيه وجهان:
قيامه لربه، يدل عليه قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦].
والآخر: قيام ربه عليه، أي إشرافه واطلاعه عليه بالعلم، ويدل عليه قوله: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ﴾ [الرعد: ٣٣] الآية.
والمفسرون على القول الأول في المقام، قال ابن عباس: يريد مقامه بين يدي ربه خاف ذلك المقام، فترك المعصية والشهوة. وقال مجاهد: إذا هم بمعصية فذكر مقام الله عليه في الدنيا فتركها، وعلى هذا المقام مصدر.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد بمثل قوله من غير عزو عند تفسير قوله: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ في "النكت والعيون" ٦/ ٢٠٠، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٣٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٦.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢٢٨/ أ.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) ورد بنحو قوله في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٥، "زاد المسير" ٨/ ١٧٧.
قال ابن عباس: يريد مأوى مصعب بن عمير نزلت فيه (١).
ثم هي لمن بعده ممن كان بهذه الصفة.
قال الفراء: يريد مأوى من وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه، ونهى نفسه عن هواها (٢).
٤٢ - ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾، مفسر في آخر سورة الأعراف (٣) (٤) -أي متى وقوعها، وقيامها.
٤٣ - ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ قال عطاء: يريد لم أطلعك على
(١) ورد بمعنى هذه الرواية عن ابن عباس في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٦، وذكر في أحدها عنه أنها نزلت في رجلين: أبي جهل بن هشام، ومصعب بن عمير العبدري. والأخرى من رواية طويلة أنها نزلت في مصعب بن عمير، وأخيه عامر بن عمير.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٣٤ بيسير من التصرف.
(٣) في (أ): الأنعام، وهو خطأ.
(٤) سورة الأعراف: ١٨٧: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾
ومما جاء في تفسيرها: "يسألونك" قال ابن عباس: إن قومًا من اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا عن الساعة متى تكون إن كنت نبيًا؟ وقال الحسن وقتادة: هم قريش، قالت لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: متى الساعة؟
"عن الساعة" قال ابن عباس: يريد التي لا بعدها ساعة.
وقال الزجاج: هاهنا الساعة التي يموت فيها الخلق.
وقوله: "أيان" معناها الاستفهام عن الوقت الذي لم يجيء، وهو سؤال عن السؤال على جهة الظرف للفعل.
وقوله تعالى: "مرساها" المرسى: مفعل من الإرساء، وهو الإثبات، يقال: ولا الشيء يرسو إذا ثبت، وأرساه غيره، قال الله: "والجبال أرساها".
ومعنى: "أيان مرساها" متى يقع إثباتها، قال بعضهم: مرساها: قيامها، وهو معنى وليس بتفسير، وقال الزجاج: متى وقوعها، وقال ابن قتيبة: متى ثبوتها.
علمها (١) (٢).
وقال الكلبي: يقول ما أنت وذاك أن تذكرها (٣).
والمعنى لست في شيء من ذكرها (٤) وعلمها، أي لا تعلمها.
و ﴿فِيمَ﴾ استفهام بمعنى الجحد (٥).
٤٤ - ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾.
قال أبو إسحاق: أي منتهى علمها (٦). (وهو معنى قول المفسرين (٧)) (٨).
قال ابن عباس: يريد علم ذلك عندي (٩).
٤٥ - ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾، قال الزجاج: أي إنما أنت (١٠) في
(١) بياض في (ع).
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) في (أ): ذكراها؟
(٥) أي النفي.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨١ بنصه.
(٧) قاله ابن عباس. انظر: "الدر المنثور" ٨/ ٤١٣ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه بسند ضعيف.
ومن قال بمعنى ما قاله أبو إسحاق: الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٤٩، والثعلبي في "الكشف والبيان" ج ١٣: ٣٩/ أ، والماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ٢٠١، وانظر أيضًا: "معالم التنزيل" ٤/ ٤٤٥، "زاد المسير" ٨/ ١٧٨، "التفسير الكبير" ٣١/ ٥٣، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٢٠٧، "لباب التأويل" ٤/ ٣٥٢.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) فقوله: إنما أنت: بياض في (ع).
203
حال إنذار من يخشاها (١)، وتنذر أيضًا فيما يستقبل من يخشاها، ومفعل وفاعِلٌ إذا كان كل واحد منهما لما يستقبل، وللحال نونته؛ لأنه يكون بدلاً من الفعل، والفعل لا يكون إلا نكرة، وقد يجوز حذف التنوين علي الاستخفاف. والمعنى: معنى ثبوته (٢)، فإذا كان لما مضى فهو غير منون ألبتة تقول: أنت منذر زيدًا، أي أنت أنذرت زيدًا (٣).
وقال الفراء: التنوين، وتركه كلٌ صواب، كقوله: ﴿بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ [الطلاق: ٣]، (وبالغٌ أمره. ﴿مُوهِنُ كَيْدِ﴾ [الأنفال: ١٨]) (٤)، (ومُوهِنُ كيدِ) (٥).
وقال أبو علي الفارسي: وجه التنوين، أن اسم الفاعل للحال، ويدل على ذلك قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾ [الأنبياء: ٤٥]، ومن أضاف استخف الحذف، فحذف التنوين، كقوله: ﴿عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ [الأحقاف: ٢٤]، ونحو ذلك بما جاء على لفظ الإضافة، والمراد به الانفصال، -قال- ويجوز أن تكون الإضافة للمضي، نحو: ضارب زيدًا أمس؛ لأنه قد فعل الإنذار (٦).
(١) وهذا معنى لقراءة من قرأ: "منذرٌ" بالتنوين، وقد قرأ بذلك: أبو جعفر، وأبو عمرو على الأصل، وقرأ الباقون "منذرُ" من غير تنوين؛ لأجل التخفيف.
انظر: "القراءات وعلل النحوين فيها" ٢/ ٧٤٦، "الحجة" ٦/ ٣٧٥، "المبسوط" ٣٩٥، "النشر" ٢/ ٣٩٨، "إتحاف فضلاء البشر" (٤٣٣)، "المهذب" ٢/ ٣٢٢.
(٢) يعني ثبوت التنوين. "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٢.
(٣) المرجع السابق بيسير من التصرف.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٤٣ بتصرف.
(٦) "الحجة" ٦/ ٣٧٥ بتصرف.
204
قال الكلبي: إنما أنت مخوف من يخاف قيامها (١).
والمعنى: إنما ينفع إنذارك من يخافها؛ لأنه كان منذرًا للكافة، ولكن لمن كان إنذاره من يخشاها لا ينفع، (٢) كأنه لم تنذره، وهذا كقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [فاطر: ١٨].
قال مقاتل: "إنما أنت منذر من يخشاها" فصدق بها (٣).
٤٦ - ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ يعني كفار قريش.
﴿يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾ يعاينون القيامة. ﴿لَمْ يَلْبَثُوا﴾ في الدنيا.
﴿إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ قال الكلبي: يقول لم يمكثوا في قبورهم، ولا في الدنيا إلا قدر آخر نهار أو أوله (٤).
وهذا كقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف: ٣٥] (٥). (وقوله: ﴿أَوْ ضُحَاهَا﴾.
قال عطاء عن ابن عباس: الهاء، والألف صلة للكلام، تريد: لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى) (٦).
-وقد مر بيانه (٧).
(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وورد بمثله من غير عزو في "زاد المسير" ٨/ ١٧٨.
(٢) في (أ): زيادة: كان، وهي لفظة زائدة لا يستقيم الكلام بإثباتها.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد ورد معنى قوله من غير نسبة في "الوسيط" ٤/ ٤٢١.
(٥) في (أ): عشية أو ضحى.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ). ولم أعثر على مصدر له.
(٧) وقد جاء في تفسير آية الأحقاف: ٣٥: "قوله: "كأنهم يوم يرون ما يوعدون" أي من العذاب في الآخرة، "لم يلبثوا إلا ساعة من نهار"، قال الكلبي: لم يمكثوا في القبور إلا ساعة، وقال مقاتل: لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار.
205
وذكر الفراء (١)، والزجاج (٢)، كلامًا دل على أن المراد بإضافة الضحى إلى العشية إضافتها إلى يوم العشية؛ لأنه للعشية ضحى، وإنما يكون ليوم تلك العشية، كأنه قيل: إلا عشية أو ضحى يومها، والعرب تقول: آتيك العشية أو غداتها.-على ما ذكرنا-
ومعنى الآية: أن ما أنكروه سيرونه حتى كأنهم لم يزالوا فيه، وكأنهم لم يلبثوا في الدنيا (٣) إلا ساعة ثم مضت كأنها لم تكن.
= والمعنى: أنهم إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من النهار، وكأنه لم يكن لهول ما عاينوا؛ ولأن الشيء إذا مضى كأنه لم يكن وإن كان طويلاً.
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٤٣.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٢.
(٣) بياض في (ع).
206
سورة عبس
207
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
دَحاها فلما استوت شدَّها بأيد وأرسى عليها الجبالا