ﰡ
﴿آلر كِتَابٌ﴾ هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب يعني السورة والجملة التي هي ﴿أنزلناه إِلَيْكَ﴾ في موضع الرفع صفة للنكرة ﴿لِتُخْرِجَ الناس﴾ بدعائك إياهم ﴿مِنَ الظلمات إِلَى النور﴾ من الضلالة إلى الهدى ﴿بِإِذْنِ رَبّهِمْ﴾ بتيسيره وتسهيله مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب
إبراهيم (١ _ ٥)
وذلك ما يمنحهم من التوفيق ﴿إلى صراط﴾ بدل من النور بتكرير العامل ﴿العزيز﴾ الغالب بالانتقام ﴿الحميد﴾ المحمود على الإنعام
﴿الله﴾ بالرفع مدني وشامي على هو الله وبالجر وغيرهما على أنه عطف بيان للعزيز الحميد ﴿الذى لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض﴾ خلقاً وملكاً ولما ذكر الخارجين من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان توعد الكافرين بالويل وهو نقيض الوأل وهو النجاة وهو اسم معنى كالهلاك فقال ﴿وَوَيْلٌ للكافرين مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ وهو مبتدأ وخبر وصفة
﴿الذين يَسْتَحِبُّونَ﴾ يختارون ويؤثرون ﴿الحياة الدنيا عَلَى الأخرة وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ عن دينه ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ يطلبون لسبيل الله زيغا واعوجاجاً والأصل ويبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل الذين مبتدأ خبره ﴿أُوْلَئِكَ فِى ضلال بَعِيدٍ﴾ عن الحق ووصف الضلال بالبعد من
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ إلا متكلماً بلغتهم ﴿لِيُبَيّنَ لَهُمْ﴾ ما هو مبعوث به وله فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولون له لم نفهم ما خوطبنا به فإن قلت إن رسولنا ﷺ بعث إلى الناس جميعاً بقوله قُلْ يا أَيُّهَا الناس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة قلت لا يخلو إما إن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل فتعين أن ينزل بلسان واحد وكان لسان قومه أولى بالتعيين لأنهم أقرب إليه ولأنه أبعد من التحريف والتبديل ﴿فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاء﴾ من آثر سبب الضلالة ﴿وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ﴾ من آثر سبب الاهتداء ﴿وَهُوَ العزيز﴾ فلا يغالب على مشيئته ﴿الحكيم﴾ فلا يخذل إلا أهل الخذلان
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا﴾ التسع ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ﴾ بأن أخرج أو أي أخرج لأن الإرسال فيه معنى القول كأنه قيل أرسلناه وقلنا له أخرج قومك ﴿مِنَ الظلمات إِلَى النور وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله﴾ وأنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ومنه أيام العرب لحروبها وملاحمها أو بأيام الإنعام حيث ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى
إبراهيم (٥ _ ٩)
وفلق لهم البحر ﴿إِنَّ فِى ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ﴾ على البلايا ﴿شَكُورٍ﴾ على العطايا كأنه قال لكل مؤمن إذ الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر
﴿وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب﴾ إذ ظرف للنعمة بمعنى الإنعام اي انعامه عليكم إذ ذلك الوقت أو بدل اشتمال من نعمة الله أي اذكروا وقت إنجائكم ﴿وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ ذكر في البقرة يذبحون وفي الأعراف يقتلون بلا واو وهنا مع الواو والحاصل أن التذبيح حيث طرح الواو جعل تفسيراً للعذاب وبياناً له وحيث أثبت الواو جعل التذبيح من حيث إنه زاد على جنس العذاب كأنه جنس آخر ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِى ذلكم بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ﴾ الإشارة إلى العذاب والبلاء المحنة أو إلى الإنجاء والبلاء النعمة ونبلوكم بالشر والخير فتنة
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ أي آذن ونظير تأذن وآذن توعد وأوعد ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل كأنه قيل وإذ آذن ربكم إيذاناً بليغاً تنتفي عنده الشكوك والشبه وهو من جملة ما قال موسى لقومه وانتصابه للعطف على نعمة الله عليكم كأنه قيل وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ﴾ يا بني إسرائيل ما خولتكم من نعمة الإنجاء وغيرها ﴿لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ نعمة إلى نعمة فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود وقيل إذا سمعت النعمة نعمه الشكر تأهبت للمزيد وقال ابن عباس رضي الله عنهما لئن شكرتم بالجد في الطاعة لأزيدنكم بالجد في المثوبة ﴿وَلَئِن كَفَرْتُمْ﴾ ما أنعمت به عليكم ﴿إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ﴾ لمن كفر نعمتي أما في الدنيا فسلب النعمة وأما في العقبى فتوالى النقم
﴿وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ﴾ يا بني إسرائيل ﴿وَمَن فِى الأرض جَمِيعاً﴾ والناس كلهم ﴿فَإِنَّ الله لَغَنِىٌّ﴾ عن شكركم ﴿حَمِيدٌ﴾ وإن لم يحمده الحامدون وأنم ضررتم أنفسكم حيث حرمتموها الخير الذي لا بد لكم منه
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾ من كلام موسى لقومه أو ابتداء خطاب لأهل عصر محمد عليه السلام ﴿والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله﴾ جملة من مبتدأ وخبر وقعت اعتراضاً أو عطف الذين من بعدهم على قوم نوح ولا
إبراهيم (٩ _ ١١)
يعلمهم إلا الله اعتراض والمعنى أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون ورُوى أنه عليه السلام قال عند نزول هذه الآية كذب النسابون ﴿جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ بالمعجزات ﴿فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ﴾ الضميران يعودان إلى الكفرة أي أخذوا أناملهم بأسنانهم تعجباً أو عضوا عليها تغيظاً أو الثاني يعود إلى الأنبياء أي رد القوم أيديهم في أفواه الرسل كيلا يتكلموا بما أرسلوا به ﴿وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ﴾ من الإيمان بالله والتوحيد ﴿مُرِيبٍ﴾ موقع في الريبة
﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ﴾ أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وهو جواب قولهم وإنا لفي شك {فاطر السماوات والأرض
﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مثلكم﴾ تسليم لقولهم إنهم بشر مثلهم ﴿ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾ بالإيمان والنبوة كما منّ علينا ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بسلطان إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ جواب لقولهم فأتونا بسلطان مبين والمعنى أن الإتيان بالآية التي قد قد اقترحتموها لبس إلينا ولا في استطاعتنا وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ أمر منهم للمؤمنين كافة
إبراهيم (١٢ _ ١٧)
بالتوكل وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً كأنهم قالوا ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وإيذائكم ألا ترى إلى قوله
﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله﴾ معناه وأي عذر لنا في ألا نتوكل عليه ﴿وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾
﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ﴾ سبْلنا لرسْلهم أبو عمرو ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَا﴾ من ديارنا ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ أي ليكونن أحد الأمرين إخراجكم أو عودكم وحلفوا على ذلك والعود بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب أو خاطبوا به كل رسول ومن آمن معه فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد ﴿فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين﴾ القول مضمر أو أجرى الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه
﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ﴾ أي أرض الظالمين وديارهم في الحديث من آذى جاره ورثه الله داره ﴿ذلك﴾ الإهلاك والإسكان أي ذلك الأمر حق ﴿لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾ موقفي وهو موقف الحساب أو المقام مقحم أو خاف قيامي عليه بالعلم كقوله أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كل نفس بما كسبت والمعنى أن ذلك حق للمتقين ﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾ عذابي وبالياء يعقوب
﴿واستفتحوا﴾ واستنصروا الله على أعدائهم وهو معطوف على أوحى إليهم ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ﴾ وخسر كل متكبر بطر ﴿عَنِيدٍ﴾ مجانب للحق معناه فنصروا وظفروا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم وقيل الضمير لكفار ومعناه واستفتح الكفار على الرسل ظناً منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل وخاب كل جبار عنيد منهم ولم يفلح باستفتاحه
﴿مِّن وَرَآئِهِ﴾ من بين يديه ﴿جَهَنَّمُ﴾ وهذا وصف حاله وهو في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حيث يبعث ويوقف ﴿ويسقى﴾ معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى ﴿مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ﴾ ما يسيل من جلود اهل النار وصديد عطف بيان الماء لأنه مبهم فبين بقوله صديد
﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ يشربه جرعة جرعة ﴿وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾
ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة كقوله لم يكد يراها أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها ﴿وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي أسباب الموت من كل جهة أو من كل مكان من جسده وهذا لفظيع لما يصيبه من الآلام أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكاً ﴿وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ لأنه لو مات لاستراح ﴿وَمِن وَرَائِهِ﴾ ومن بين يديه ﴿عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذاباً أشد مما قبله وأغلظ وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد
﴿مَثَلُ الذين﴾ مبتدأ محذوف الخبر أي فيما يتلى عليكم مثل الذين ﴿كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ﴾ والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله ﴿أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ﴾ جملة
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تعلم الخطاب لكل أحد ﴿أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض﴾ خالق مضافاً حمزة وعلي ﴿بالحق﴾ بالحكمة والأمر العظيم ولم يخلقها عبثاً ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جديد﴾ اي هو قارد على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقاً آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم إعلاماً بأنه قادر على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم
﴿وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ﴾ بمتعذر
﴿وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ ويبرزون يوم القيامة وإنما جيء به بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وجل لصدقه كأنه قد كان ووجد ونحوه وَنَادَى أصحاب الجنة ونادى أصحاب النار وغير ذلك ومعنى بروزهم لله والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز له أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله فإذا كان يوم القيامة انكشفوا الله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه {فَقَالَ
إبراهيم (٢١ _ ٢٢)
الضعفاء بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو ﴿لِلَّذِينَ استكبروا﴾ وهم السادة والرؤساء الذين استغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم ﴿إِنَّا كنا لكم تبعا﴾ تابعبن جمع تابع على تبع كخادم وخدم وغائب وغيب أو ذوى تبع والتبع والاتباع يقال تبعه تبعاً ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ﴾ فهل تقدرون على دفع شيء مما نحن فيه ومن الأولى للتبين والثانية للتبعيض كأنه قيل فهل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله أو هما للتبعيض أي فهل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله ولما كان قول الضعفاء توبيخاً لهم وعتاباً على استغوائهم لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم ﴿قَالُواْ﴾ لهم مجيبين معتذرين ﴿لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ أي لو هدانا الله إلى الإيمان في الدنيا لهديناكم إليه أي لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ مستويان علينا الجزع والصبر والهمزة وأم للتسوية روى أنهم يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر ثم يقولون سواء علينا أجزعنا أم صبرنا واتصاله بما قبله من حيث إن عتابهم لهم كان جزعا مم هم فيه فقالوا لهم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في اعقاب الصلالة التي كانوا مجتمعين فيها يقولون ما هذا الجزع والتوبيخ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر ﴿مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ منجى ومهرب جزعنا أم صبرنا ويجوز أن يكون هذا من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعا
﴿وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر﴾ حكم بالجنة والنار لأهليهما وفرغ
إبراهيم (٢٢ _ ٢٤)
﴿وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ حيث اتبعتموني بلا حجة ولا برهان وقول المعتزلة هذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه وليس من الله إلا التمكين ولا من الشيطان إلا التزيين باطل لقوله لو هدانا الله اي إلى الايمان لهدينا كم كما مر ﴿مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ لا ينجي بعضنا بعضاً من عذاب الله ولا يغيثه والا صراخ الإغاثة بمصرخيِّ حمزة اتباعاً للخاء غيره بفتح الياء لئلا تجتمع الكسرة واليآن بعد كسرتين وهو جمع مصرخ فالياء الأولى ياء الجمع والثانية ضمير المتكلم ﴿إِنّي كَفَرْتُ بِمَا أشركتمون﴾ وبالياء بصرى وما مصدرية ﴿من قبل﴾ متعلق بأشركتمونى أي كفرت اليوم بإشراككم إياي مع الله من قبل هذا اليوم أي في الدنيا كقوله ويوم القيامة يكفرون بشرككم ومعنى كفره بإشراكهم إياه تبرؤه منه واستنكاره له كقوله أَنَاْ بَرَاء مّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ أو من قبل متعلق بكفرت وما موصولة أي كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي اشركتمونيه وهو الله عز وجل تقول أشركني فلان أي جعلني له شريكاً ومعنى إشراكهم الشيطان يالله طاعتهم له فيما كان يزينه لهم من عبادة الأوثان وهذا
﴿وأدخل الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا﴾ عطف على برزوا ﴿بِإِذْنِ رَبّهِمْ﴾ متعلق بأدخل أي أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن الله وأمره ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام﴾ هو تسليم بعضهم على بعض في الجنة أو تسليم الملائكة عليهم
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً﴾ أي وصفه وبينه ﴿كَلِمَةً طَيّبَةً﴾ نصب بمضمر أي جعل كلمة طيبة ﴿كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ﴾ وهو تفسير لقوله ضرب الله مثلا نحو سرف الأمير زيداً كساه حلة وحمله على فرس أو انتصب مثلا وكلمة يضرب أي ضرب كلمة طيبة مثلاً يعني جعلها مثلاً ثم قال كشجرة طيبة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي كشجرة طيبة ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ أي في الأرض ضارب بعروقه فيها ﴿وَفَرْعُهَا﴾ وأعلاها ورأسها ﴿فِي السماء﴾ والكلمة الطيبة كلمة التوحيد أصلها تصديق بالجنان وفرعها إقرار باللسان وأكلها عمل الأركان وكما أن الشجرة شجرة وإن لم تكن حاملاً فالمؤمن مؤمن وإن لم يكن عاملاً ولكن الأشجار لا تراد إلا للثمار فما أقوات النار إلا من الأشجار إذا اعتادت الإخفار في عهد الاثمار والشجرة كل
إبراهيم (٢٥ _ ٢٨)
شجرة مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين ونحو ذلك والجمهور على أنها النخلة فعن ابن عمر ان رسول الله ﷺ قال ذات يوم إن الله تعالى ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبروني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي وكنت صبياً فوقع في قلبي أنها النخلة فهبت
﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾ تعطي ثمرها كل وقت وقته الله لا
ثمارها ﴿بِإِذْنِ رَبّهَا﴾ بتيسير خالقها وتكوينه ﴿وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ لأن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعاني
﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ هي كلمة الكفر ﴿كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ هي كل شجرة لا يطيب ثمرها وفي الحديث أنها شجرة الحنظل ﴿اجتثت مِن فوق الأرض﴾ استؤصلت جثتها وحقيقة الاجتثات أخذ الجثة كلها وهو في مقابلة أصلها ثابت ﴿مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾ أي استقرار يقال قر الشيء قرارا كقولك ثبت ثباتا شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة فهو داحض غير ثابت
﴿يثبت الله الذين آمنوا﴾ أي يديمهم عليه ﴿بالقول الثابت﴾ هو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله ﴿في الحياة الدنيا﴾ حتى إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا كما ثبت الذين فتنهم أصحاب الأخدود وغير ذلك ﴿وَفِي الآخرة﴾ الجمهور على أن المراد به في القبر بتلقين الجواب وتمكين الصواب فعن البراء أن رسول الله ﷺ ذكر قبض روح المؤمن فقال ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيى محمد ﷺ فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ثم يقول
﴿ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله﴾ أي شكر نعمة الله ﴿كُفْراً﴾ لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفراً فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلاً وهم أهل مكة اكرمهم بمحمد عليه السلام فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر ﴿وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ﴾ الذين تابعوهم على الكفر ﴿دار البوار﴾
إبراهيم (٢٩ _ ٣٤)
دار الهلاك
﴿جَهَنَّمَ﴾ عطف بيان ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ يدخلونها ﴿وَبِئْسَ القرار﴾ وبئس المقر جهنم
﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا﴾ أمثالا في العبادة أو في التسمية ﴿لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ﴾ وبفتح الياء مكي وأبو عمرو ﴿قُلْ تَمَتَّعُواْ﴾ في الدنيا والمراد به الخذلان والتخلية قال ذو النون التمتع أن يقضي العبد ما استطاع من شهوته ﴿فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار﴾ مرجعكم اليها
﴿قل لعبادي الذين آمنوا﴾ خصهم بالإضافة إليه تشريفاً وبسكون الياء شامي وحمزة وعلي والأعشى ﴿يُقِيمُواْ الصلاة وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ المقول محذوف لأن قل تقتضي مقولاً وهو أقيموا وتقديره قل لهم أقيموا الصلاة وأتفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا وقيل إنه أمر وهو المقول
﴿الله﴾ مبتدأ ﴿الذي خَلَقَ السماوات والأرض﴾ خبره ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً﴾ من السحاب مطراً ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ﴾ من الثمرات بيان للرزق أي أخرج به رزقاً هو ثمرات أو من الثمرات مفعول أخرج ورزقا حال من المفعول
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك لِتَجْرِيَ فِى البحر بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينِ﴾ دائمين وهو حال من الشمس والقمر أي يدأبان في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات ﴿وسخر لكم الليل والنهار﴾ يتعاقبان خلفة لمعاشكم وسباتكم
﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ من للتبعيض أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه أو وآتاكم من كل شيء سألتموه وما لم تسألوه فما موصولة والجملة صفة لها وحذفت الجملة الثانية لأن الباقي يدل على
إبراهيم (٣٤ _ ٣٧)
المحذوف كقوله سرابيل تقيكم الحر من كل عن أبي عمرو وما سألتموه نفي ومحله النصب على الحال أي آتاكم من جميع ذلك غير سائليه أو ما موصولة أي وآتاكم من كل ذلك
﴿وَإِذْ قَالَ إبراهيم﴾ واذكر إذ قال إبراهيم ﴿رَبِّ اجعل هذا البلد﴾ أي البلد الحرام ﴿آمِناً﴾ ذا أمن والفرق بين هذه وبين ما في البقرة أنه قد سأل فيها أن يجعل من جملة البلدان التي يأمن أهلها وفي الثاني أن يخرجه من صفة الخوف إلى الأمن كأنه قال هو بلد مخوف فاجعله آمناً ﴿واجنبني﴾ وبعدني أي ثبتني وأدمني على اجتناب عبادتها كما قال واجعلنا مسلمين لك أي ثبتنا على الإسلام ﴿وَبَنِيَّ﴾ أراد بنيه من صلبه ﴿أَن نَّعْبُدَ الأصنام﴾ من أن نعبد الأصنام
﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس﴾ جعلن مضلات على طريق التسبيب لأن الناس ضلوا بسببهن فكانهن أضللنهم ﴿فَمَن تَبِعَنِي﴾ على ملتي وكان حنيفاً مسلماً مثلي ﴿فَإِنَّهُ مِنّي﴾ أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي ﴿وَمَنْ عَصَانِى﴾ فيما دون الشرك ﴿فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أو ومن عصاني عصيان شرك فإنك غفور رحيم إن تاب وآمن
﴿رَّبَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي﴾ بعض أولادي وهم إسماعيل ومن ولد منه ﴿بِوَادٍ﴾ هو وادى مكة ﴿غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ لا يكون فيه شيء من زرع قط ﴿عِندَ بَيْتِكَ المحرم﴾ هو بيت الله سمي به لأن الله تعالى حرم التعرض له والتهاون به وجعل ما حوله حرماً لمكانه أو لأنه لم يزل ممنعا يهابه كل
إبراهيم (٣٧ _ ٤٢)
﴿تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ تسرع إليهم من البلاد الشاسعة وتطير نحوهم شوقاً ﴿وارزقهم مّنَ الثمرات﴾ مع سكناهم وادياً ما فيه شيء منها بأن تجلب إليهم من البلاد الشاسعة ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه شجر ولا ماء
﴿رَبَّنَا﴾ النداء المكرر دليل التضرع واللجإ إلى الله ﴿إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ﴾ تعلم السر كما تعلم العلن ﴿وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَى الأرض وَلاَ في السماء﴾ من كلام الله عز وجل تصديقاً لإبراهيم عليه السلام أو من كلام إبراهيم ومن للاستغراق كأنه قيل وما يخفى على الله شيء ما
﴿الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر﴾ على بمعنى مع وهو في موضع الحال أي وهب لي وأنا كبير ﴿إسماعيل وإسحاق﴾ روي أن إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة ورُوي أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين وإسحق لتسعين وإنما ذكر حال الكبر لأن المنة بهبة الولد فيها أعظم لأنها حال وقوع اليأس من الولادة والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجل النعم
﴿رَبّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة وَمِن ذُرّيَتِي﴾ وبعض ذريتي عطفاً على المنصوب في اجعلني وإنما بعض لأنه علم بأعلام الله أنه يكون في ذريته كفار عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يزال من ولد إبراهيم ناس على الفطرة إلى أن تقوم الساعة ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ بالياء في الوصل والوقف مكي وافقه أبو عمرو وحمزة في الوصل الباقون بلاياء أي استجب دعائي أو عبادتي ﴿وأعتزلكم وما تدعون من دون الله﴾
﴿رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ أي آدم وحواء أو قاله قبل النهي واليأس عن إيمان أبويه ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحساب﴾ أي يثبت أو أسند إلى الحساب قيام أهله إسناداً مجازيا مثل واسأل القرية
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون﴾ تسلية للمظوم وتهديد للظالم والخطاب لغير الرسول عليه السلام وإن كان للرسول فالمراد تثبيته عليه السلام على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً كقوله وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ
إبراهيم (٤٢ _ ٤٥)
المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر وكما جاء في الأمر يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله وقيل المراد به الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون لا يخفى عليه منه شيء وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد
﴿مهطعين﴾ مسرعين إلى الداعى ﴿مقنعي رؤوسهم﴾ رافعيها ﴿لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ صفر من الخير لا تعي شيئاً من الخوف والهواء الخلاء الذي لم تشغله الأجرام فوصف به فقيل قلب فلان هواء إذا كان جباناً لا قوة في قلبه ولا جراءة وقيل جُوف لا عقول لهم
﴿وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب﴾ أي يوم القيامة ويوم مفعول ثان لأنذر لا ظرف إذ الإنذار لا يكون في ذلك اليوم ﴿فَيَقُولُ الذين ظَلَمُواْ﴾ أي الكفار ﴿رَبَّنَا أَخّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل﴾ أي ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك فيقال لهم ﴿أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ﴾ أي حلفتم في الدنيا أنكم إذا متم لا تزالون عن تلك الحالة ولا تنتقلون إلى دار أخرى يعني كفرتم بالبعث كقوله وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله من يموت وما لكم جواب القسم وإنما جاء بلفظ الخطاب كقوله أقسمتم ولو حكى لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال أو أريد باليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى فإنهم يسألون يؤمنذ أن يؤخرهم ربهم إلى أجل قريب
يقال سكن الدار وسكن فيها ومنه ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ بالكفر لأن السكنى من السكون وهو اللبث والأصل تعديته بفي نحو قرفى الدار وأقام فيها ولكنه لما نقل إلى سكون خاص
إبراهيم (٤٥ _ ٤٨)
كيف بقوله ﴿فَعَلْنَا بِهِمْ﴾ أي أهلكناهم وانتقمنا منهم ﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال﴾ أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم
﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ﴾ أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم وهو ما فعلوه من تأييد الكفر وبطلان الإسلام ﴿وَعِندَ الله مَكْرهُمْ﴾ وهو مضاف إلى الفاعل كالأول والمعنى ومكتوب عند الله مكرهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه أو إلى المفعول أي وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون ﴿وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال﴾ بكسر اللام الأولى ونصب الثانية والتقدير وإن وقع مكرهم لزوال أمر النبي ﷺ فعبر عن النبي عليه السلام بالجبال لعظم شأنه وكان تامة أو إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله وَمَا كان الله ليعذبهم والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على ان الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتاً وتمكناً دليله قراءة ابن مسعود وما كان مكرهم وبفتح اللام الأولى ورفع الثانية عليُّ أي وان كان مكرهم الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها فان مخففة من إن واللام مؤكدة
﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ يعني قوله انا لننصر رسلنا كتب الله لاغلبن أنا ورسلى مخلف مفعول
وانتصاب ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات﴾ على الظرف للانتقام أو على إضمار اذكر والمعنى يوم تبدل هذه الأرض التي تعرفونها أرضا أخرى غير هذه المعروفة وتبدل السموات غير السموات وإنما حذف لدلالة ما قبله عليه والتبديل التغيير وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير وفي الأوصاف كقولك بدلت الحلقة خاتماً إذا أذبتها وسويتها خاتماً فنقلتها من شكل الى شكل واختلف واحتلف في تبديل الأرض والسموات فقيل تبدل أوصافها وتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتا وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي تلك الأرض وإنما تغير وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبوابا وقيل تخلق بدلها ارض وسموات أخر وعن ابن مسعود رضي الله عنه يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطىء عليها أحد خطيئة وعن على رضي الله عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب ﴿وَبَرَزُواْ﴾ وخرجوا من قبورهم ﴿للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ﴾ هو كقوله لّمَنِ الملك اليوم لله الواحد القهار لأن حب (لماذا الون كك إلا يغا لغلا المب) فلا مستغاث لأحد إلى غيره كان الأمر في غاية الشدة
إبراهيم (٤٩ _ ٥٢)
﴿وَتَرَى المجرمين﴾ الكافرين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يوم القيامة ﴿مُقْرَِّنِينَ﴾ قرن بعضهم مع بعض أو مع الشياطين أو قرنت أيديهم إلى أرجلهم مغللين
﴿سَرَابِيلُهُم﴾ قمصهم ﴿مّن قَطِرَانٍ﴾ هو ما يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وحره ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار وهو أسود اللون منتن الريح فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم لذع القطر ان وحرقته وإسراع النار في جلودهم واللون الوحش ونتن الريح على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين وكل ما وعده الله أو أوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهد من جلسه ما لا يقادر قدره وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة نعوذ بالله من سخطه وعذابه من قطرآن زيد عن يعقوب نحاس مذاب بلغ حره اناه ﴿وتغشى وجوههم النار﴾ تعلوها باشتغالها - وخص الوجه لأنه أعز موضع في ظاهر البدن كالقلب في باطنه ولذا قال تطلع على الأفئدة
﴿لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ أي يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي كل نفس مجرمة ما كسبت أو كل نفس مجرمة أو مطيعة لأنه إذا عاقب المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المؤمنين بطاعتهم ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ يحاسب جميع العباد في أسرع من لمح البصر
﴿هذا﴾ أي ما وصفه في قوله ولا تحسبن إلى قوله سريع الحساب ﴿بلاغ لّلنَّاسِ﴾ كفاية في التذكير والموعظة ﴿وَلِيُنذَرُواْ بِهِ﴾ بهذا البلاغ وهو معطوف على محذوف أي لينصحوا ولينذروا ﴿وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ﴾ لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد لأن الخشية أم الخير كله ﴿وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب﴾ ذوو العقول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجر (١)