تفسير سورة الجاثية

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الجاثية مكية
وهي سبع أو ست وثلاثون آية وأربع ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ حم تنزيل١ الكتاب ﴾، إن كان حم اسما للسورة مبتدأ، فلا بد من تقدير أي : تنزيل حم تنزيل الكتاب، إذ السورة نفسها ليست بتنزيل، فإن كان المراد من الكتاب السورة، فيه إقامة الظاهر مقام المضمر، كما تقول : شعر نابغة شعره، وإن كان المراد القرآن فالمعنى على التشبيه، أي : تنزيل حم كتنزيل سائر القرآن في البيان، والهداية والإعجاز والحكمة، ﴿ من الله العزيز الحكيم ﴾، وقيل : حم قسم٢ وتنزيل صفته، وجوابه قوله تعالى :﴿ إن في السماوات والأرض للآيات للمؤمنين ﴾.
١ قوله:﴿تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم﴾ هذه الآية وأمثالها دلت على أن الله عز وجل- بذاته فوق العرش بائن من جميع المخلوقات، كما قال الحافظ العلامة شمس الدين ابن القيم رحمه الله في القصيدة النونية:
والله أخبرنا بأن كتابه تنزيله بالحق والبرهان
أيكون تنزيلا وليس كلام من فوق العباد أذاك ذو إمكان؟!
أيكون تنزيلا من الرحمن والر حمن ليس مبائن الأكوان؟!
وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور:
واذكر نصوصا في الكتاب تضمنت تنزيله من ربنا الرحمن
فتضمنت أصلين قام عليهما الإسلام والإيمان كالبنيان
كون الكتاب كلامه سبحانه وعلوه من فوق كل مكان
وعدادها سبعون حين تعد أو زادت على السبعين في الحسبان
وذكر شيخ الإسلام أبو العباس - رحمه الله تعالى- أنه سئل بعض أئمة نفاة العلو عن نزول الرب عز وجل، فقال: ينزل أمره، فقال له السائل: فممن ينزل الأمر من العدم المحض؟! فبهت وكان كبيرا فيهم، انتهى/١٢..

٢ أي: مقسم به/١٢..
﴿ إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين١، كالكواكب والحيوان والمعادن.
١ فإنهم المتأملون/١٢.
﴿ وفي خلقكم وما يبث ﴾، عطف على خلقكم، ﴿ من دابة آيات لقوم يوقنون ﴾، من قرأ برفع " آيات " فمحمول على محل اسم إن، ومن قرأ بنصبها فعلى لفظه.
﴿ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق ﴾، أي : المطر، فإنه سبب الرزق، ﴿ فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح ﴾ جنوبا وشمالا وغيرهما، ﴿ آيات لقوم يعقلون١، في " آيات " قراءتان، وعلى الوجهين عطف على معمولي عاملين مختلفين، إلا أن تقول اختلاف عطف على في السماوات، بتقدير : في لا أنه عطف على السماوات.
١ ذكر في هذه الموضع ثلاثة مقاطع: أولها، يؤمنون، وثانيها: يوقنون، وثالثها: يعقلون، وأظن أن سبب هذا الترتيب أنه قيل: إن كنتم من المؤمنين فافهموا هذه الدلائل، وإن كنتم لستم من المؤمنين، بل أنتم من طلاب الحق واليقين فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين، ولا من الموقنين، فلا أقل من أن تكونوا من زمرة العاقلين، فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل /١٢ كبير..
﴿ تلك ﴾ : الآيات، ﴿ آيات الله ﴾ : دلائله، ﴿ نتلوها عليك ﴾، حال عاملها معنى الإشارة، ﴿ بالحق ﴾، متلبسين، أو متلبسة به، ﴿ فبأي حديث بعد الله ﴾ : أي بعد حديثه، ﴿ وآياته ﴾ : دلائله أو كتابه، فيكون العطف لمغايرة الوصفين، أو هو كقولهم : أعجبني زيد وكرمه، أي : أعجبني كرمه، فمعنى بعد الله وآياته بعد آياته، وتقديم اسم الله تعالى للتعظيم، ﴿ يؤمنون١
١ يعني إن من لم ينتفع بهذه الآيات فلا شيء بعده يجوز أن ينتفع به، وأبطل بهذه قول من يزعم أن التقليد كاف، وبين أنه يجب على المكلف التأمل في دلائل دين الله/١٢ كبير..
﴿ ويل١ لكل أفاك أثيم ﴾ : كذاب كثير الإثم.
١ ولما قال:﴿فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون﴾، عقبه بذكر عقاب من لا يؤمن بالقرآن فقال: ﴿ويل لكل أفاك﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر ﴾، على كفره، وثم لاستبعاد الإصرار بعد السماع، ﴿ مستكبرا ﴾، عن الانقياد، ﴿ كأن لم يسمعها ﴾، أي : كأنه، والجملة حال، أي : يصر مثل غير السامع، ﴿ فبشره بعذاب أليم ﴾
﴿ وإذا علم من آياتنا شيئا ﴾، أي : علم شيئا أنه من الآيات، ﴿ اتخذها هزوا١، مقتضى الظاهر ضمير المذكر الراجع إلى شيئا فأنثه ؛ لأن الشيء، للآية أو لأنه راجع إلى الآيات، بمعنى إذا علم شيئا من جملة الآيات، تجاوز في الاستهزاء إلى جميع الآيات إجمالا، ﴿ أولئك لهم عذاب مهين ﴾
١ قيل: نزلت في النضر بن الحارث، وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآية عامة في كل من كان موصوفا بالصفة المذكورة/١٢ كبير..
﴿ من ورائهم١ : من خلفهم، ﴿ جهنم ﴾ فإنه بعد آجالهم، أو من أمامهم، ﴿ ولا يغني ﴾ : لا يدفع، ﴿ عنهم ما كسبوا شيئا ﴾، من العذاب، ﴿ ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ﴾، أي : الأصنام، ﴿ ولهم عذاب عظيم ﴾
١ الورى: ما يوارى من خلف وأمام /١٢ وجيز..
﴿ هذا ﴾ : القرآن :﴿ هدى ﴾ : كامل في الهداية، ﴿ والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز ﴾ : هو أشد العذاب، ﴿ أليم ﴾.
﴿ الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ﴾ : بتسخيره، ﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾، بالتجارة وغيرها١، ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾، هذه النعم.
١ كالغوص والصيد/١٢ وجيز..
﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ﴾، مسخران لنا من حيث إنا ننتفع بهما، ﴿ جميعا منه ﴾، منه حال من ما، أي : كائنا من الله تعالى، وجميعا حال من فاعل منه، أو تقديره هي من الله جميعا، ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾
﴿ قل للذين آمنوا يغفروا ﴾، حذف المقول لدلالة الجواب عليه، أي : قل لهم : اغفروا، إن تقل لهم : اغفروا يغفروا أي : يعفوا، ﴿ للذين لا يرجون أيام الله ﴾، لا يخافون وقائعه ونقمته، كانوا في الابتداء مأمورين بالصبر على أذى المشركين، ثم نزلت آية القتال، وعن بعضهم : أنها نزلت في عمر رضي الله عنه، حين هم أن يبطش من شتمه بمكة وأمر بالعفو، فعلى هذا لم تكن الآية منسوخة، ﴿ ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ﴾، أي : اعفوا أنتم عنهم ليجزيهم الله تعالى سوء أعمالهم، ويكون تنكير قوما للتحقير، وقيل : المراد من القوم المؤمنون الذين صبروا حينئذ، المراد بما كانوا يكسبون : المغفرة والعفو، فالتنكير للتعظيم.
﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ﴾، فيجازيكم.
﴿ ولقد١ آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم ﴾، الحكمة، أو فصل٢ الخصومات، ﴿ والنبوة ﴾، إذ فيهم كثير من الأنبياء، ﴿ ورزقناهم من الطيبات ﴾ : كالمن والسلوى، ﴿ وفضلناهم على العالمين ﴾، عالمي زمانهم.
١ ولما كان من أول السورة بيان أنه تعالى أنزل كتابا ليس بعده كتاب، وبعد ما أنزل هذا الذي هو هدى، أضل أكثرهم والله يقضي بينهم بالجزاء، ذكر حال بني إسرائيل، فإنهم مثلهم حذو النعل بالنعل، فقال:﴿ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب﴾ الآية/١٢ وجيز..
٢ لأن الملك كان فيهم /١٢ وجيز..
﴿ وآتيناهم بينات من الأمر ﴾، أدلة من أمر الدين، ﴿ فما اختلفوا ﴾ : في الأمر، ﴿ إلا من بعد ما جاءهم العلم ﴾، الموجب لزوال الخلاف، ﴿ بغيا ﴾ : حسدا أو عداوة ﴿ بينهم ﴾، وعن بعض : معناه آتيناهم أدلة على مبعث محمد عليه السلام، فما اختلفوا إلا بعد القرآن حسدا، ﴿ إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون١
١ والمراد أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا، فإنها وإن ساوت نعم المحق، أو زادت عليها، فإنه سيرى في الآخرة ما يسوءه، وذلك كالزجر لهم، ولما بين تعالى أنهم أعرضوا عن الحق لأجل البغي والحسد، أمر رسوله بأن يعدل عن تلك الطريقة وأن يتمسك بالحق، وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق وتقرير الصدق، فقال تعالى:﴿ثم جعلناك على شريعة من الأمر﴾ الآية/١٢ كبير..
﴿ ثم جعلناك ﴾ : يا محمد، ﴿ على شريعة ﴾ : سنة وطريقة، ﴿ من الأمر ﴾ : من الدين، ﴿ فاتبعها ولا تتبع أهواء ﴾ : آراء، ﴿ الذين لا يعلمون ﴾
﴿ إنهم لن يغنوا ﴾ : يدفعوا، ﴿ عنك من الله ﴾ : من عذابه، ﴿ شيئا ﴾، إن اتبعتهم، ﴿ وإن الظالمين بعضهم أولياء١ بعض والله ولي المتقين ﴾، لا توالهم، فإنما يوالي الظالمين من هو مثلهم، وأما المتقون فوليهم الله تعالى وهم موالوه.
١ بين تعالى أن الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا وفي الآخرة لا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب، وإزالة العقاب، وأما المتقون المهتدون فالله وليهم وناصرهم وهم موالوه، وما أبين الفرق بين الولايتين، ولما بين الله تعالى هذه البيانات الباقية النافعة، قال:﴿هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون﴾ وبين الفرق بين المتقين والظالمين بوجه آخر، فقال:﴿أم حسب الذين﴾/١٢ كبير..
﴿ هذا ﴾ : القرآن، ﴿ بصائر للناس ﴾ : يبصرهم رشدهم، ﴿ وهدى ورحمة لقوم يوقنون ﴾ : يطلبون اليقين.
﴿ أم حسب ﴾ : بل أحسب، فالهمزة لإنكار الحسبان، ﴿ الذين اجترحوا ﴾ " اكتسبوا، ﴿ السيئات أن نجعلهم ﴾ : نصيّرهم، ﴿ كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾، أي : مثلهم، ﴿ سواء محياهم ومماتهم ﴾، بدل من ثاني مفعول نجعل، والضمير للمسيئين، ومحياهم ومماتهم مرفوع على الفاعلية، أي : مستويا محيا المسيئين ومماتهم، ومحياهم رغد ومماتهم نكد، أو الضمير لهم وللمحسنين، أي : مستويا محيا الفريقين، وهم في طاعة وهؤلاء في معصية، ومماتهم وهم في البشرى بالرحمة، وهؤلاء في اليأس منها، فهم أكرم في الدنيا والآخرة، أو منصوب بتقدير أعني، وقيل حال من المفعول الأول، أي : مستويا في البعد عن الرحمة، أو المفعول الثاني، أي : مستويا في القرب عن الرحمة، ومن قرأ برفع سواء فالجملة بدل أيضا كما تقول : حسبت زيدا أبوه منطلق، ﴿ ساء ما يحكمون ﴾، أي : بئس حكمهم هذا.
﴿ وخلق١ الله السماوات والأرض بالحق ﴾، أي : كيف يستوي، وقد خلقهما بالحق المقتضي للعدل، ﴿ ولتجزى كل نفس بما كسبت ﴾، عطف على معنى بالحق، فإنه بمعنى خلقهما للعدل والصواب لا للبعث، أو عطف على علة محذوفة، ﴿ وهم لا يظلمون ﴾، فإذا استوى المسيء والمحسن فلا يكون للعدل والجزاء، ويكون المحسن مظلوما.
١ لما بين أن المؤمن لا يساوي الكافر، أتبعه بالدلالة الظاهرة على صحة هذه الفتوى، فقال:﴿وخلق السماوات والأرض﴾الآية/١٢ كبير..
﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه١، من لا يطاوع ربه، بل يطاوع هواه فهواه ربه، ﴿ وأضله الله على علم ﴾، حال من الفاعل، أي : عالما بضلاله في الأزل، أو من المفعول، أي : بعد بلوغ العلم وقيام الحجة عليه، ﴿ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ﴾، فلا يتعظ، ولا ينظر بعين الاعتبار، ﴿ فمن يهديه من بعد الله ﴾، من بعد إضلاله، أو من غير الله تعالى، ﴿ أفلا تذكرون ﴾
١ أخرج الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان الرجل من العرب يعبد الحجر، فإذا وجد أحسن منه أخذه وألقى الآخر، فأنزل الله عز وجل هذه الآية انتهى.
قال سعيد بن جبير: كان العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة، فإذا وجدوا حجرا أحسن من الأول رموه وكسروه، وعبدوا الآخر، قال الشعبي: إنما سمى الهوى لأنه يهوي صاحبه في النار، وعن ابن عباس والحسن وذلك الكافر اتخذ دينه ما هواه، فلا يهوى شيئا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ولا يحرم ما حرم عليه/١٢ كمالين..

﴿ وقالوا ما هي ﴾، الحياة، ﴿ إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ﴾، أي : يموت بعضنا ويحيا بعض، أو المراد نفي المحيي والمميت، وعلى هذا يكون قوله :﴿ وما يهلكنا إلا الدهر ﴾، مبين له أي : لا نموت إلا بطول العمر ومر الزمان، وقيل : هذا إثبات التناسخ، فإنه عقيدة أكثرهم، ﴿ وما لهم بذلك ﴾ : الذي يقولون، ﴿ من علم إن هم إلا يظنون ﴾، إذ لا دليل لهم بوجه.
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا ﴾، التي تدل على خلاف معتقدهم، ﴿ بينات ﴾ : واضحات الدلالة، ﴿ ما كان حجتهم ﴾، متشبثهم في المعارضة، ﴿ إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا ﴾، الأموات، حتى نستدل بالبعث، أو حتى يشهدوا، ﴿ إن كنتم صادقين ﴾
﴿ قل الله يحييكم ﴾، من العدم، ﴿ ثم يميتكم ثم يجمعكم ﴾، في القبر، ﴿ إلى يوم القيامة لا ريب فيه ﴾ : في يوم القيامة، فإن من قدر على الإيجاد من العدم- الذي هم مقرون به، أو هو جلي ظاهر لا ينكره إلا غبي- قدر على الإعادة بطريق الأولى، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾، لقصور نظرهم.
﴿ ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة ﴾ : القيامة، ﴿ يومئذ ﴾، تأكيد للأول، ﴿ يخسر المبطلون ﴾
﴿ وترى كل أمة جاثية ﴾ : باركة على الركب، حتى إبراهيم عليه السلام لشدة اليوم، أو مجتمعة للحساب، ﴿ كل أمة تدعى إلى كتابها ﴾ : الذي فيه أعمالها، ومن قرأ بنصب كل فهو بدل من الأول، ﴿ اليوم تجزون ما كنتم تعملون ﴾، أي : يقال لهم ذلك.
﴿ هذا كتابنا ﴾، أي : ديوان الحفظة الذي كتبوا بأمرنا، ﴿ ينطق عليكم بالحق ﴾ : يشهد عليكم بلا زيادة، ولا نقصان، ﴿ إنا كنا نستنسخ ﴾ : نأمر الملائكة بنسخ، ﴿ ما كنتم تعملون ﴾، عن ابن عباس– رضي الله عنه- وغيره- رضي الله عنهم- إذا صعد الملائكة بالأعمال إلى السماء يؤمرون بالمقابلة على ما في اللوح فلا يزيد ولا ينقص، ثم قرأ ﴿ إنا كنا نستنسخ ﴾ الآية.
﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن ﴾، عطف على محذوف، أي : فيقال لهم ألم تأتكم رسلي فلم تكن ﴿ آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ﴾.
﴿ وإذا قيل ﴾ أي : لكم، ﴿ إن وعد الله حق ﴾، أي : موعوده كائن، أو متعلق الوعد كائن، ﴿ والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة ﴾، أي شيء هي، ﴿ إن نظن إلا ظنا ﴾، أي : ما نظن إلا ظنا حقيرا، أو ما نعتقد إلا ظنا لا علما، ونحوه، ﴿ وما نحن بمستيقنين ﴾، أنها كائنة، وأما جزمهم في إنكارها فلعله حين عتوهم في العناد، أو هذا كلام بعضهم.
﴿ وبدا ﴾ : ظهر، ﴿ لهم سيئات ﴾، أي : قبائح، ﴿ ما عملوا ﴾ : أو جزاء سيئات أعمالهم، ﴿ وحاق ﴾ : أحاط، ﴿ بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾، أي : جزاؤه.
﴿ وقيل اليوم ننساكم ﴾ : نعاملكم معاملة الناسي، فنترككم في العذاب، ﴿ كما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ أي : لقاء ما فيه من الجزاء وتركتم العمل له، جعل الظرف مجرى المفعول به وأضاف اللقاء إليه، ﴿ ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ﴾
﴿ ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا ﴾، فنسيتم الحياة الآخرة، ﴿ فاليوم لا يخرجون منها ﴾ : من النار، ﴿ ولا هم يستعتبون ﴾ : لا يطلب منهم أن يرضوا ربهم ويزيلوا العتب.
﴿ فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء١ : العظمة، ﴿ في السماوات والأرض وهو العزيز ﴾ : الغالب، ﴿ الحكيم ﴾، فيما أراد وقضى، وهذا الإخبار كأنه كناية أو مجاز عن الأمر بالحمد.
فله الحمد والثناء والعظمة والكبرياء.
١ عن أبي هريرة رضي الله عنه، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار" أخرجه ابن أبي شيبة ومسلم، وأبو داود وابن ماجة والبيهقي /١٢ فتح..
Icon