ﰡ
بآية «وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» المارة بعدها، أو بآية السيف لا وجه له كما سيأتي. واعلم أن هذه الآية عدا آية المداينة ٢٨٠ والآيتين من سورة البقرة ١٠١ و ٢٥٨ والآيتين من النساء ٤٤ و ٩١ والآية من المائدة ١٠٩ في ج ٣ تعد من أطول آي القرآن مما يدل على مدنيتها أيضا، لما ذكرناه في بحث مميزات المكي والمدني بأن غالب آيات المدني طوال والمكي قصار.
مطلب لا محل للبحث في ترتيب الآيات والسور وتدل أيضا على أن ترتيب الآيات مع سورها توقيفي كما ذكر قبلا في بحث وضع السور والآيات، وانه أمر من حضرة الرسول ولا دخل لأحد من الأصحاب في ذلك، وهو موافق لما في لوح الله المحفوظ ولا يعلم الحكمة في هذا الترتيب إلا الله والمنزل عليه، ولذلك فإن العلماء تحاشوا البحث فيه، وإنما أشاروا الى بعض المناسبات مما في السورة الأولى للتي تليها. إذن لا مجال للقول والتقول في هذا الشأن البتة. تأمل وحسن نيتك وعقيدتك تفز وتنجح ويفتح عليك هذا والله أعلم، وأستغفر الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة وسلاما دائمين متلازمين الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة المدّثر عدد ٤- ٧٤
نزلت بمكة بعد فترة الوحي، وبعد سورة المزمل بثلاث سنين أو ثلاثين شهرا، وهي ست وخمسون آية، ومائتان وخمس وخمسون كلمة، وألف وعشرة أحرف.
بسم الله الرحمن الرحيم،
قال تعالى «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» بدثار النبوة تنبّه لما يلقى عليك من الوحي. وإنما خاطبه ربه بذلك لأنه كان يقول بعد نزول الوحي عليه:
دثروني دثروني، ثم صار يخاطبه مرة بيا أيها النبي، وأخرى يا أيها الرسول وتارة يكنى عنه بالضمير، وطورا يسميه باسمه، وقد أمره جل شأنه في هذه السورة بما يجب عليه من أمر الرسالة التي شرفه بها بعد أمره قبلا بالقراءة، وهو أول أمر من نوعه فقال: «قم» من دثارك «فأنذر» قومك وحذّرهم عذاب ربك،
هذا، ومن قال إن المدثر أول سورة نزلت أراد أنه بعد فترة الوحي أولية اضافية لا مطلقة، ومن أراد الأولية المطلقة لا برهان له بها، وقد صرح الزهري بضعفه وعدم الاعتداد به، وقد وقعت فترات أخرى كالفترة التي وقعت بعد سورة الفجر وهي خمسة عشر يوما، وقد ظن البعض وتبعهم (درمنغام) المار ذكره في المقدمة، في بحث الشهادة في مدح الكتب الأربعة في مطلب الناسخ والمنسوخ
مطلب أول سورة نزلت وفترة الوحي وسببها
إن الضحى نزلت بعد فترة الوحي وهي أول ما نزل والحال قد نزل قبلها بضع سور كما ستعلم، وان الذي نزل أولا هو المدثر كما ذكرنا.
وسبب الفترة الأولى هو تحريك قوى الرسول الى اشتياق نسمات الوحي القدسية، فيذهب عنه ما كان يجده من الرعب والخوف، ويتلقّى الوحي بقبول وشوق وتعطش وانشراح صدر، وأ تزداد رغبته فيه.
وأما الفترة الثانية فقد جاء في الصحيحين عن جندب بن سليمان، أن النبي ﷺ اشتكى (توجع) فلم يقم ليلتين أو ثلاثا الى تهجده وتلاوته فقالت امرأة: (هي أم جميل بنت أبي سفيان زوجة أبي لهب) يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، فلم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله «وَالضُّحى» كما رواه الحاكم عن زيد بن أرقم أيضا. وكان هذا بعد نزول «تَبَّتْ يَدا». وروى ابن
وشككت بالرمح الأصم ثيابه | ليس الكريم على القنا بمحرّم |
«ذَرْنِي» خل بيني «و» بين «مَنْ خَلَقْتُ» في بطن أمه «وَحِيداً ١١» لا مال له ولا ولد ولم يشاركني في خلقه أحد، فدعه وكله لي فأنا أكفيكه «وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً ١٢» كثيرا غير منقطع إنماؤه، وكان له أرض بالطائف لا ينقطع ثمرها ومن النقد تسعة آلاف مثقال وإبل وخيل وغنم وعبيد وجوار كثيرة وكان قبل لا شيء عنده كما ذكر ابن عباس «وَبَنِينَ شُهُوداً ١٣» لا يغيبون عنه ولا يضعفون صيفا ولا شتاء لغنائهم ويحضرون معه المحافل ليعتزبهم وهم عشرة أسلم منهم خالد وهشام وعمارة فقط «وَمَهَّدْتُ» بسطت له من العيش وكل ما يحتاجه «تَمْهِيداً ١٤» مع الرئاسة على قومه وطول العمر، وكان يدعى ريحانة قريش. والمراد به من هذه الآيات من ذرني فما بعد الوليد بن المغيرة المخزومي إن كان بدأ البعثة فقيرا لاسعة له في المال والولد، وكان عليه بعد أن منّ الله عليه بتلك السعة أن يؤمن بحضرة الرسول لا أن يكفر به حتى اقتضى نزول هذه الآيات فيه. ومن هذا يستدل على أن هذه السورة لم تنزل جملة واحدة بل نزل القسم الأول منها، ثم نزل ما هو بحق الوليد بعد حيث لم تنزل سورة بتمامها قبل الفاتحة كما ذكرنا آنفا انه كانت تنزل الآية والآيتان والجملة والجملتان على حضرة الرسول ليتمّرن على تلقي كلام ربه، وما قيل ان هذه الآية منسوخة بآية السيف لا وجه له لأنها من الأخبار وقد ذكرنا قبلا أن الأخبار لا يدخلها النسخ في الآية/ ٤٤/ من سورة القلم المارة قال تعالى: «ثُمَّ يَطْمَعُ» يرجو مع كفره وتكبره وعدم شكره وإيمانه «أَنْ أَزِيدَ ١٥» له مالا وبسطة وولدا «كلا» لا يطمع ولا يرجو فلا أفعل له ذلك مادام على ما هو عليه «إِنَّهُ كانَ» ولا يزال «لِآياتِنا» المنزلة على رسولنا «عَنِيداً ١٦» عاتيا لا يميل لدلائل توحيدنا منكرا لا يصدق رسولنا جاحدا النبوة واليوم الآخر والتوحيد قال مقاتل ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقص من المال والولد والرفعة والجاه حتى هلك وكان كفره عنادا وهو أفحش انواع الكفر الأربعة المبينة في الآية ٤ من سورة البروج
فضل؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يحنق قط؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كاهن فهل
فما هو إذن؟ فتفكر في نفسه ثم قال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر، وما يقوله ما هو إلا سحر يؤثر، فذلك قوله عز وجل «فَكَّرَ وَقَدَّرَ» وهذا مما يدل أيضا على أن هذه السورة لم تنزل دفعة واحدة، فإن الآيات من ذرني إلى آخرها متأخرة في النزول عنها، لأن سورة حم هذه لم تنزل بعد والحواميم كلها نزلت متتابعة كما سيأتي في الجزء الثاني.
وعلى القول بأنها نزلت معها تكون من قبيل الإخبار بالغيب، وسنزيد هذا البحث بحثا عند تفسيرها إن شاء الله القائل «فَقُتِلَ» وعذّب وأهين «كَيْفَ قَدَّرَ ١٩» وهذا الاستفهام على طريق التعجب والإنكار والتوبيخ «ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ٢٠» كرره تأكيدا اشعارا بأن هذا دعاء عليه أبلغ من الأول
«ثُمَّ نَظَرَ ٢١» في وجوه الناس يبين لهم ما يدفع به القرآن ويردّه «ثُمَّ عَبَسَ» كلح وجهه واغبر «وَبَسَرَ ٢٢» تقطب وجهه واكفهر وزاد في التقبض، وأظهر العبوس قبل أو انه ومنه قيل لما لم ينضج من الثمر بسر. ويأتي بمعنى العبوس مطلقا، وعليه قول ثوبة:
لقد رابني منها صدود رأيته | وإعراضها عن حاجتي وبسورها |
«وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ» خزنتها «إِلَّا مَلائِكَةً» لا رجالا فمن ذا يغلبهم، وإن واحدا منهم كاف لتعذيب الثقلين، وليس فيهم مظنة الرحمة والرأفة لأنهم ليسوا من جنس المعذّبين. راجع الآية ٦ من سورة التحريم في ج ٣، «وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً» امتحانا «لِلَّذِينَ كَفَرُوا» يقولوا ما قالوه وقد جئنا بهذا العدد «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» صحة ما أنزلناه على محمد لأن هذا العدد مكتوب في التوراة والإنجيل وليتيقنوا أن محمدا لم يقل شيئا من نفسه وان كل ما يقوله من عند الله تعالى مصدق لكتابهم.
مطلب الحواس الباطنة والظاهرة والأخبار بالغيب
وقيل المخصّص لهذا العدد اختلاف البشرية في النظر والعمل بسبب القوى الحيوانية الاثني عشر يعني الحواس الخمس الباطنة أو الخمس الظاهرة والقوة الباعثة كالغضبية والشهوية والقوة المحركة، فهذه اثنا عشرة، والطبيعيات السبع ثلاث منها مخدومة وهي النامية والغازية والمولدة، وأربع منها خادمة وهي الهاضمة والجاذبة والدافعة والماسكة، وهذا مع ابتنائه على الفلسفة لا يكاد يتم، كما لا يخفى على من وقف على كتبها، والحقيقة في حكمة هذا العدد لا يعلمها إلا الله القائل: «وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا» من أهل الكتابين والذين آمنوا بالقرآن «إِيماناً» تصديقا بمحمد وما أنزل عليه بأنه وحي سماوي لأنه أخبر به دون تعلم أو دراسة «وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ» في عددهم وليخالف حالهم حال المشركين والكفار
اللفظ عام لا يوجد ما يخصصه وهؤلاء الميامين المباركون «فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ ٤٠» فيما بينهم
«عَنِ الْمُجْرِمِينَ ٤١» فيقولون لهم على سبيل التوبيخ والتقريع «ما سَلَكَكُمْ» أدخلكم وأوصلكم ونفحكم فحبسكم «فِي سَقَرَ ٤٢ قالُوا» لهم زججنا فيها لأنا «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣» في الدنيا ولم نعتد فرضيتها «وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤» في الدنيا بما تفضل الله به علينا ولم نتصدق عليه كما فعل المؤمنون الذين يؤثرون على أنفسهم ولم نكن معدمين لنعذر «و» مع هذا كله فإنا «كُنَّا نَخُوضُ» بالباطل وقول الزور في آيات الله «مَعَ الْخائِضِينَ ٤٥» في البهتان والافتراء والاختلاف «وَكُنَّا نُكَذِّبُ» ننكر أيضا ولا نصدق «بِيَوْمِ الدِّينِ ٤٦» يوم الجزاء والحساب وبقينا متمادين في ذلك كله «حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ٤٧» الموت
مطلب الشفاعة والمحروم منها:
في هذه دليل ثبوت الشفاعة فيما عدا الأصناف الأربعة المذكورين، وهو كذلك، لأنهم يشفعون بإذن الله لمن يرتضيه، فلا يرد عليه ما جاء بالآيات الأخر. قال ابن مسعود رضي الله عنه: تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلا أربعة، ثم تلا هذه الآية (قالُوا لَمْ نَكُ) قال عمران ابن حصين الشفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون المذكورين في الآية وروى البغوي عن أنس رضي الله عنه قال: قال ﷺ يصف أهل النار فيعذبون قال: فيمر بهم الرجل من أهل الجنة فيقول للرجل منهم يا فلان فيقول ما تريد؟
فيقول أما تذكر رجلا سقاك شربة ماء يوم كذا وكذا فيقول وإنك لأنت هو، فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه، قال ثم يمر بهم الرجل فيقول يا فلان فيقول ما تريد؟
فيقول أما تذكر رجلا وهب لك وضوءا يوم كذا وكذا؟ فيقول وانك لأنت هو؟ فيقول نعم فيشفع له فيشفع فيه قال تعالى «فَما لَهُمْ» أي شيء جعل لهؤلاء الكفرة من قومك يا حبيبي (إذا كان حال المعذبين على ما ذكر) «عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩» أي عن سماع هذا القرآن مولين ظهورهم عنه بعد أن سمعوا ما سمعوا من آياته ونصح من أنزل عليه ولم يتعظوا «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ» وحشية «مُسْتَنْفِرَةٌ ٥٠» بكسر الفاء أي نافرة وقرىء بفتحها فتكون بمعنى منفرة مذعورة خائفة كأنها
«فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ٥١» أي الأسد أو جماعة أو جماعة الرماة الصيّادين، لا واحد له من لفظه مثل ذلك ورهط راجع الآية الأولى من سورة الفاتحة الآتية، شبه جل جلاله نفور المشركين من سماع مواعظ القرآن ونصائح حضرة الرسول بنفور الحمر الوحشية عند ما تشاهد الأسد أو الرماة فلا يرى مثل نفورها وكذلك هروب
مطلب ما يطلبه قريش من الرسول:
وقالوا بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح وعند رأسه ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك، وقالوا إن كان محمد صادقا فيصبح عند رأس كل واحد منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار، فرد الله عليهم بقوله عزّ قوله «كَلَّا» لا يؤتون شيئا من ذلك، وهذه كلمة ردع وزجر ونهي لهم عن طلب تلك الاقتراحات والتمنّيات «بَلْ لا يَخافُونَ» بالياء والتاء هؤلاء هول «الْآخِرَةَ ٥٣» ولا يخشون عذابها وما أو عدوا فيها إذ لو خافوا ذلك لما اقترحوا شيئا من هذه الاقتراحات الواهية ولأن ما حصل من المعجزات وما قام من الأدلة على اثبات نبوته وصحة ما جاءهم به كاف على وجوب الإيمان به، ولكنهم لن يؤمنوا ولو جئنهم بكل آية، راجع الآية ٩٥ من سورة يونس في ج ٢، فطلبهم هذا زيادة في التعنّت والعناد ولهذا زجرهم بقوله «كلّا» حقا «إنّه» القرآن «تَذْكِرَةٌ ٥٤» عظيمة وعظة بليغة كافية لمن وفقه الله للايمان «فَمَنْ شاءَ» منكم أيها الناس أن يذكره «ذَكَرَهُ ٥٥» ولم ينسه واتعظ به ولم يطلب غيره لأن نفعه عائد عليه «وَما يَذْكُرُونَ» هؤلاء وغيرهم بمشيئتهم إذ لا يقدرون أن يذكروه «إلّا» وقت «أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» لهم ذلك فإن شاء لهم الهدى تذكروا فيه فاهتدوا وإلا لا، فانه «هو» وحده جل جلاله «أَهْلُ التَّقْوى» وبالحري أن يتقيه عباده ويخافوا عقابه فيؤمنوا به ويطيعوه «وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ٥٦» وحقيق أن يغفر للطائعين ما سلف ت (٨)
قد قال ربكم أنا أهل بأن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له. وأخرج ابن مردويه عن عبد بن دينار عن أبي هريرة وابن عمر عن ابن عباس مرفوعا ما يقرب من ذلك، هذا، والله أعلم واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة الفاتحة عدد ٥- ١
نزلت بعد المدثر في مكة بدليل قوله تعالى في سورة الحجر (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي إلخ)، الآية ٨٧ في ج ٢، وهي مكية فلا برهان لمن قال إنها مدنية كمجاهد رحمه الله حتى قال الحسين بن فضيل هذه هفوة من مجاهد لأن العلماء على خلافه، ولا دليل لمن قال انها أول ما نزل أولية مطلقة كما نوهنا به أوائل سورة المدثر المارة، وأضعف من هذين القولين، القول بنزولها مرتين أولا بمكة ثم بالمدينة، وقد جزم جابر بن زيد أن أول ما نزل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ثم (ن) ثم (المزمل) ثم (المدثر) ثم (الفاتحة) وهي سبع آيات ومنها في عد الآي سورة الماعون فقط ولو أنها نزلت مرتين لأثبتت بالقرآن مرتين كما هو الحال في الآيات والقصص المكررة، وهذا كاف للرد على من يقول بنزولها مرتين، تدبر، والبسملة ليست آية منها.
مطلب أسماء الفاتحة وما يتعلق بها وهي تسع وعشرون كلمة ومائة وأربعون حرفا، وتسمى فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني لأنها تثنى في الصلاة وغيرها، والوافية لأنها لا تقسم في الصلاة بخلاف غيرها من السور، والكافية لأنها تكفي عن غيرها ولا يكفي عنها
هذا ولا يقدح في قول القائل ان الفاتحة مشتملة على معان كثيرة بل على الكتاب كله وجامعة لما فيه، عدم اشتمالها على الأحرف السبعة وهي: (الثاء والجيم والزاي والشين والخاء والظاء والفاء) لأن المراد الكمال المعنوي لا اللفظي ولا ينقصها نقصان الصورة فقد جاء بحق البشر وهو مادي (إن الله لا ينظر إلى صوركم) فكيف بالأمور المعنوية. على أن هذه الأحرف من الحروف الظلمانية التي لم تذكر في المتشابه من القرآن في أوائل السور التي يجمعها قولك (صراط على حق نمسكه) أي بعد حذف المكرر منها، تأمل.
الحكم الشرعي وجوب تعيين قراءتها في الصلاة عند الشافعي وأحمد ومالك ومن تابعهم بحيث لا تصح الصلاة بدونها ولا يجزى غيرها عنها، والواجب عندهم كالفرض غالبا وقال أبو حنيفة لا يتعين قراءتها على سبيل الفرض، وعنده الواجب دائما دون الفرض