تفسير سورة المرسلات

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة المرسلات مكية
وهي خمسون آية وفيها ركوعان

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ والمرسلات١ عرفا ﴾، أقسم سبحانه بالرياح المرسلة حال كونها متتابعات٢ تهب شيئا فشيئا، أو بالملائكة حال كونهم يتبع بعضهم بعضا وعن بعض٣ المراد بالعرف المعروف أي : الملائكة التي أرسلت للمعروف٤ من الأوامر والنواهي٥،
١ أخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن ابن مسعود- رضي الله عنه-: قال: بينما نحن مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في غار بمبنى إذ نزلت سورة والمرسلات عرفا فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها إذ وثب علينا حية فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: "اقتلوها" فابتدرناها فذهبت، فقال النبي- صلى الله عله وسلم:"وقيت شركم كما وقيتم شرها"/ ١٢ فتح..
٢ تقول العرب: الناس إلى فلان عرفا واحدا إذا توجهوا إليه متتابعين /١٢ وجيز..
٣ هذا مروى عن ابن مسعود- رضي الله عنه/١٢ منه..
٤ فعلى هذا عرفا مفعول له لا حال كالوجهين الأولين/١٢ منه..
٥ وفي النسخة ن: الأمر والنهي..
﴿ فالعاصفات عصفا ﴾، وبالرياح الشديدة الهبوب، أو بالملائكة العاصفات عصف الرياح في امتثال أمر الله،
﴿ والناشرات نشرا ﴾، وبالرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء، أو بالملائكة الناشرات أجنحتهن لنزول الوحي، أو التي نشرن الشرائع في الأرض،
﴿ فالفارقات فرقا ﴾، وبالملائكة١ الفارقات بين الحق والباطل بسبب الوحي،
١ روى عن مجاهد إن المراد منه الرياح يفرق بين السحاب لكن نقل ابن كثير عن السلف الإجماع على أن المراد من الفارقات، والملقيات الملائكة/١٢ منه..
﴿ فالملقيات ذكرا ﴾، وبالملائكة الملقيات إلى الرسل وحيا،
﴿ عذرا أو نذرا ﴾ أي : لإعذار المحققين، أو إنذار المبطلين، ويحتمل أن يكونا بدلين من ذكرا،
﴿ إنما توعدون ﴾ : من مجيء القيامة، ﴿ لواقع ﴾، هو جواب القسم،
﴿ فإذا١ النجوم طمست ﴾ : محي نورها، أو محقت ذواتها،
١ الظاهر أن إذا في قوله:" فإذا النجوم" و"إذا السماء" وغيرهما ظرف لقولنا يقال المقدر في قوله:"لأي يوم" وجاز أن يكون ظرفا للويل، وعلى هذا يومئذ بدل من إذا فتأمل/١٢ منه..
﴿ وإذا السماء فرجت ﴾ : انشقت،
﴿ وإذا الجبال نسفت ﴾ : قلعت،
﴿ وإذا الرسل أقتت ﴾ : جمعت، وعين لها الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم،
﴿ لأي يوم أجلت ﴾ أي : يقال لأي يوم أخرت ؟ وضرب الأجل لجمعهم، وهو تعظيم لليوم، وتعجيب منه،
﴿ ليوم الفصل ﴾، بين الخلائق بيان ليوم التأجيل،
﴿ وما أدراك ما يوم الفصل ﴾، لعظمته لا يكتنه كنهه،
﴿ ويل١ يومئذ للمكذبين ﴾ : بذلك اليوم، هو مثل سلام عليك في العدول إلى الرفع، ويومئذ ظرف للويل،
١ وكررت هذه الآية في هذه السورة عشر مرات، لأنه قسم الويل بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرما من التكذيب بغيره، فيقسم له من الويل على قدر ذلك التكذيب، وقال الكرخي: التكرار في مقام الترغيب والترهيب مستحسن لاسيما إذا تغايرت الآيات السابقة على المرات المكررة كما هنا/١٢ منه..
﴿ ألم نهلك الأولين ﴾ : من الأمم المكذبة،
﴿ ثم نتبعهم الآخرين ﴾ : نتبعهم أمثالهم من الآخرين ككفار مكة،
﴿ كذلك ﴾ : مثل ذلك الفعل، ﴿ نفعل بالمجرمين١،
١ ولما ذكر إفناء الجميع أعقبه ببيان أصل الخلقة ليستدل به على تجويز البعث فقال: ﴿ألم نخلقكم﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾، التكرير للتوكيد، وهو حسن شائع في عرف العرب ولغتهم،
﴿ ألم نخلقكم من ماء مهين ﴾ : نطفة ذليلة،
﴿ فجعلناه في قرار مكين ﴾، هو الرحم،
﴿ إلى قدر ﴾ : مقدار، ﴿ معلوم ﴾ : من الوقت،
﴿ فقدرنا ﴾ : ذلك تقديرا من التقدير١ لا من القدرة، ﴿ فنعم القادرون ﴾ : نحن،
١ يعني إن قرئ تخفيف الدال فإن الأولى أن يكون من التقدير لدلالة قراءة قدرنا بتشديد الدال عليه مع قوله:﴿إلى قدر معلوم﴾ فلا تغفل/١٢ منه..
﴿ ويل يومئذ للمكذبين ألم نجعل الأرض كفاتا ﴾، اسم لما يكفت أي : يضم، ويجمع : أي : كافتة،
﴿ أحياء وأمواتا ﴾، مفعول كفاتا، أو تقديره تكفت أحياء على ظهرها، وأمواتا في بطنها قيل : كفاتا حال وأحياء ثاني مفعولي جعل أو بالعكس فالمراد من الأحياء ما ينبت، ومن الأموات ما لا ينبت،
﴿ وجعلنا فيها رواسي ﴾ : جبالا ثوابت، ﴿ شامخات ﴾ : طوالا، ﴿ وأسقيناكم ماء فراتا ﴾ : عذبا من الأمطار والأنهار،
﴿ ويل يومئذ للمكذبين انطلقوا ﴾ أي : يقال لهم في ذلك اليوم اذهبوا، ﴿ إلى ما كنتم به تكذبون ﴾ : في الدنيا،
﴿ انطلقوا إلى ظل ﴾ أي : ظل دخان جهنم، ﴿ ذي ثلاث شعب ﴾ يتشعب لعظمه ثلاث شعب كما ترى الدخان العظيم يتفرق ذوائب،
﴿ لا ظليل ﴾ : كسائر الظلال، ﴿ ولا يغني من اللهب ﴾ : وغير مغن١ عنهم من حر اللهب شيئا،
١ فيه إشارة إلى أن محل الجر كقوله: "لا ظليل" /١٢ منه..
﴿ إنها ترمي بشرر ﴾، هو ما تطاير من النار، ﴿ كالقصر ﴾ : كل شررة كالقصر في العظم، أو جمع قصرة أي : شجرة غليظة، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- كنا نعمد إلى الخشبة، فنقطعها ثلاث أذرع، وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء، فكنا نسميه القصر،
﴿ كأنه ﴾ أي : الشرر، ﴿ جمالة صفر ﴾، جمع جمال جمع جمل شبه الشرر بالقصر في عظمه حين ينفض من النار، وبالجمالات في اللون، والكثرة، والتتابع، والاختلاط، وسرعة الحركة حين يأخذ في الارتفاع، والانبساط، ومن قرأ بضم الجيم فالمراد الحبال العظيمة من حبال السفن شبهه بها في امتداده، التفافه،
﴿ ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ﴾ : للقيامة حالات وأيام، ففي بعضها يخاصمون، وفي بعضها يقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون،
﴿ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾ أي : لا يحصل لهم الإذن، ولا الاعتذار عقيبه فيعتذرون عطف على يؤذن، وما جعله جوابا١ لإيهام أن لهم عذرا لكن لو يؤذن لهم فيه،
١ يعني ما جعله منصوبا جوابا، ولم يقل فيعتذروا بحذف النون لهذا الإيهام/١٢ منه..
﴿ ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل ﴾ : بين المحق والمبطل ﴿ جمعناكم والأولين ﴾ : حتى يمكن الفصل،
﴿ فإن كان لكم كيد ﴾ : في الفرار مني، ﴿ فكيدون ﴾، تقريع وتهديد على كيدهم في الدنيا لإطفاء دين الله، ﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾.
﴿ إن المتقين ﴾، مقابل للمكذبين، ﴿ في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون ﴾ أي : مستقرون في أنواع الترفع،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:﴿ إن المتقين ﴾، مقابل للمكذبين، ﴿ في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون ﴾ أي : مستقرون في أنواع الترفع،
﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ﴾ أي : مقولا لهم ذلك،
﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين ﴾ : في العقيدة والعمل،
﴿ ويل يومئذ للمكذبين كلوا وتمتعوا١ قليلا ﴾، كلام مستأنف خطاب للمكذبين في الدنيا، ﴿ إنكم مجرمون ﴾، استئناف علة لقلة التمتع،
١ وقيل: هو حال من المكذبين، ويقال لهم ذلك في الآخرة إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ذلك، وكانوا من أهله تحسيرا وتقريعا كما يدعى لمن هلك بعد الهلاك إشعارا بأنه حقيق بأن يقال له ذلك في حياته/١٢..
﴿ ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل ﴾ : في الدنيا، ﴿ لهم اركعوا ﴾ أي : صلوا، ﴿ لا يركعون ﴾
﴿ ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده ﴾ : بعد القرآن، ﴿ يؤمنون ﴾ إذا لم يؤمنوا به مع أنه لا حديث يساويه أو يدانيه، فلا حديث أحق بالإيمان منه، وقد ورد " ما قرأ والمرسلات عرفا " فبأي حديث بعده يؤمنون " فليقل آمنت بالله، وبما أنزل.
والحمد لله وحده.
Icon