تفسير سورة الأحزاب

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿ياأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ الخطاب للرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه؛ والمراد به أمته: إذ ليس في البشر جميعاً أتقى منه لمولاه عليه صلوات الله تعالى وتسليماته، أمدنا الله تعالى بنفحة منه؛ تقربنا إليه، وتدنينا من رحمته
﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ أي لا يجتمع الكفر والإيمان، والضلال والهدى، والمعصية والطاعة؛ في قلب واحد. وما دام الإنسان بقلب واحد - لا يتسع إلا لشيء واحد - فلا يكون إلا مؤمناً أو كافراً، ضالاً أو مهتدياً، عاصياً أو طائعاً. ولا طاقة لإنسان أن يجمع بين الضدين؛ فما جعل الله لرجل من قلبين ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ كان الرجل في الجاهلية إذا أراد طلاق امرأته؛ قال لها: أنت علي كظهر أمي ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ﴾ نزلت في زيدبن حارثة رضي الله تعالى عنه؛ وقد تبناه الرسول؛ فكانوا يقولون: زيد ابن محمد ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ ويقضي به ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ الطريق القويم؛ المؤدي لكل خير
﴿ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ﴾ أي انسبوهم لهم ﴿هُوَ أَقْسَطُ﴾ أعدل ﴿وَمَوَالِيكُمْ﴾ أقرباؤكم ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ إثم
﴿النَّبِيُّ أَوْلَى﴾ أحق ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ لأنه عليه الصلاة والسلام أب لهم؛ وهو يدعوهم إلى النجاة، وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ في الحرمة والإجلال والتكرمة ﴿وَأُوْلُو الأَرْحَامِ﴾ ذووا القرابات ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ في التوريث؛ كما أمر الله تعالى، وفرض في كتابه ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ وقد كانوا يتوارثون - في بدء الإسلام - بالإيمان والهجرة؛ فنسخ بتوريث ذوي الأرحام
﴿إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً﴾ أي إلا أن تهبوا لأقربائكم الأباعد، أو لعبيدكم، أو توصوا لهم بشيء؛ لا أن يرثوا فيكم؛ فأقرباؤكم - من ذوي الأرحام - أولى بالميراث وأحق
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ﴾ عهدهم على الوفاء بما حملوا، وأن يبشر بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضاً ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً﴾ عهداً عظيماً؛ وما ذاك إلا
﴿لِّيَسْأَلَ﴾ الله تعالى ﴿الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾ أي ليسأل الأنبياء عن تبليغهم لأقوامهم، أو عما أجابهم به قومهم. فانظر يا هذا: إذا كان الأنبياء يسألون؛ فكيف بمن عداهم من عامة البشر؟ قال تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ﴾ وكان ذلك يوم الأحزاب: جاءت قريش، وغطفان، وقريظة، والنضير؛ تجمعوا لحرب المؤمنين ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً﴾ هي الصبا. قال: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» أرسل الله تعالى تلك الريح في ليلة شاتية؛ فأسفت التراب في وجوههم، وقلعت الأوتاد، وقطعت الأطناب؛ فماجت خيل الكافرين بعضها في بعض، وكبرت الملائكة في جوانب المعسكر؛ فانهزموا من غير قتال؛ وذلك قوله تعالى: ﴿وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ وهم الملائكة عليهم الصلاة والسلام
﴿إِذْ جَآءُوكُمْ﴾ أي جنود الأعداء ﴿مِّن فَوْقِكُمْ﴾ فوق الوادي؛ وهو أعلاه ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ بطن الوادي: من المشرق والمغرب ﴿وَإِذْ زَاغَتِ﴾ شخصت ومالت ﴿الأَبْصَرُ﴾ عن رؤية أي شيء؛ عدا رؤية الأعداء من كل جانب ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ من شدة الخوف والفزع؛ وهو ارتفاع القلب - من شدة الخفقان - حتى يكاد أن يبلغ الحلقوم؛ فيعتري الخائف عند ذاك ضيق قد يبلغ حد الاختناق ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ﴾ تظنون اليأس من النصر؛ وقد وعدكموه؛ ووعده الحق ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ وقيل: الظن هنا بمعنى اليقين؛ أي تيقن المؤمنون بالنصر، وتيقن الكافرون بهزيمة المؤمنين
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ امتحنوا بالصبر على الإيمان ﴿وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ اضطربوا اضطراباً شديداً من شدة الفزع، وخوفوا خوفاً بليغاً؛ ليختبرهم ربهم، ويعلم - علم ظهور - مبلغ تصديقهم، ووثوقهم بوعده
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ﴾ الذين أظهروا الإيمان، وأبطنوا الكفران ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ بالنصر ﴿إِلاَّ غُرُوراً﴾ خداعاً وباطلاً
﴿يأَهْلَ يَثْرِبَ﴾ يا أهل المدينة.
ويثرب: من أسماء مدينة الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه ﴿لاَ مُقَامَ لَكُمْ﴾ لا إقامة لكم بيننا ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ أي مكشوفة، ينالها العدو لعدم تحصينها
-[٥١٠]- ﴿إِن يُرِيدُونَ﴾ ما يريدون بزعمهم هذا ﴿إِلاَّ فِرَاراً﴾ من الجهاد؛ لكفرهم وجبنهم
﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا﴾ من نواحيها. أي لو هوجموا ودخلت عليهم هذه البيوت، واحتلها العدو من أولها إلى آخرها ﴿ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا﴾ أي لو سئلوا الردة إلى الكفر، ومحاربة المسلمين؛ لفعلوا ﴿وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ﴾ أي ما مكثوا بالفتنة، أو بالمدينة ﴿وَلاَ نَصِيراً﴾ وبعد ذلك يصيبهم الله تعالى بالهلاك، أو بالموت
﴿وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ﴾ أن يقاتلوا الكفار، و ﴿لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ﴾ لا يهربون من القتال منهزمين ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ﴾ الذي عاهدوه من قبل ﴿مَّسْئُولاً﴾ أي يسأل الإنسان عن الوفاء به، ويعاقب على نقضه
﴿وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ﴾ بالحياة ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ ثم يدرككم الموت، فالبعث، فالحساب، فالعقاب
﴿وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره
﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ﴾ الذين يعوقون الناس عن الجهاد، وعن نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعن الدخول في الإسلام ﴿وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ﴾ أي القتال
﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ بالمعاونة ﴿فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ﴾ تأزم الموقف، ودارت رحى الحرب ﴿رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ أملاً في أن توقف القتال ﴿تَدورُ أَعْيُنُهُمْ﴾ من جبنهم وشدة خوفهم ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ﴾ بانتصاركم على أعدائكم، واطمأنت قلوبهم على أنفسهم: لم يزدهم ذلك إلا حنقاً عليكم، وكراهة لكم؛ و ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ أي آذوكم ببذيء الكلام ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ لا ينفقون في سبيلالله؛ بل في سبيل الدنيا والحرص عليها. والمعنى أنهم في الأمن: أشح قوم مالاً، وأبسطهم لساناً، وفي الخوف: أجبن قوم حرباً، وأسرعهم هرباً ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أبطلها
﴿يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ﴾ أي إنهم لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ﴿بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ﴾ أي مقيمون في البادية؛ بعيداً عن القتال ﴿يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ﴾ وما حل بكم؛ من غير ممارسة للقتال والنزال
﴿أُسْوَةٌ﴾ قدوة
﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ﴾ الذين تحزبوا وتجمعوا لقتالهم ﴿قَالُواْ﴾ إن ﴿هَذَا﴾ التجمع والتحزب هو ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ من الابتلاء والنصر
﴿فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ﴾ أي مات شهيداً ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ﴾ أي ينتظر الموت على الشهادة؛ لأنهم كانوا يعدون الموت في الجهاد فوزاً عظيماً؛ ويا له من فوز ﴿وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً﴾ أي ولم يبدلوا عهدهم الذي عاهدوا الله تعالى عليه؛ من الجهاد في سبيله، والموت دون رسوله
﴿لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ﴾ في الإيمان، الموفين بالعهد ﴿بِصِدْقِهِمْ﴾ أي بجزاء صدقهم
﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم﴾ أي عاونوا الأحزاب ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ يهود بني قريظة ﴿مِن صَيَاصِيهِمْ﴾ حصونهم
﴿وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا﴾ هي خيبر؛ وكل أرض تفتح إلى يوم القيامة؛ لم يسبق للمسلمين تملكها
﴿إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ أي السعادة في الدنيا، وكثرة الأموال ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ أي أعطكن متعة الطلاق ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ﴾ أطلقكن ﴿سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ طلاقاً لا ضرار فيه؛ لأن ما رغبتن فيه من متاع الدنيا ليس عندي
﴿مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ هي مخالفة الرسول صلوات الله تعالى وتسليماته عليه. وأي فاحشة أبين وأقبح من مخالفته، أو العمل على غير إرادته ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ أي يكون ضعفي عذاب غيرهن من النساء؛ لأنهن لسن كسائر النساء؛ وكما أن حد العبد نصف حد الحر: يكون عذاب الخاصة ضعف عذاب العامة. وقد قيل: حسنات الأبرار؛ سيئات المقربين فما بالك بأقرب المقربين ولأن إغضاب الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كإغضاب أحد من الناس. قال تعالى: ﴿لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ وقال جل شأنه: ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ (أنظر الآيات: من ٢ - ٥ من سورة الحجرات)
﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ﴾ يطع ﴿فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ أي لا تكلمن الرجال بقول خاضع لين؛ كعادة أكثر النساء؛ وهذا واجب على كل امرأة تؤمن ب الله واليوم الآخر؛ خصوصاً من تعرضت منهن للرئاسة والهداية، وانتصب لها لواء التوجيه والإرشاد
﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ أي ريبة وفجور
-[٥١٣]- ﴿وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ لا ينكره الذوق والعرف؛ من غير لين، ولا خضوع
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ أي اقررن؛ من القرار. أو هو من الوقار؛ تؤيده قراءة من قرأ «وقرن» بكسر القاف ﴿وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ أي لا تتبرجن مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى. والتبرج: التبختر، وإظهار الزينة والمحاسن ﴿أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ﴾ بهذا الابتلاء، وهذه الأوامر ﴿لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ﴾ القذر والإثم؛ الذي يقع فيه كثير من الناس ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ بيت النبوة الزكي الطاهر ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ من سائر الدنايا ﴿تَطْهِيراً﴾ كبيراً
﴿وَاذْكُرْنَ﴾ تذكرن ما اختصكن الله تعالى به من فضل على نساء العالمين، و ﴿مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ كتابه العظيم، وقرآنه الكريم ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ التي ينطق بها الرسول عليه الصلاة والسلام؛ من الأحاديث
﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ المطيعين ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ على الطاعات والبلايا، وعن المعاصي ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ﴾ من الزنا
-[٥١٤]- ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ بالإسلام؛ وهو زيدبن حارثة ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بالإعتاق ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ لقد تخبط أكثر المفسرين في تأويل هذه الآية، وذهبوا على غير مذهب، وأبعدوا في اتباع الأقاصيص التي حاكها أعداء الدين في الدين، وجاروا ما أذاعه اليهود طعناً في الرسول الكريم، العفيف النظيف؛ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقالوا: إن الرسول الأعظم رأى زينب - وهي في عصمة زيد - فأعجبته وأحبها، ووقعت من قلبه موقعاً كبيراً؛ إلى آخر ما أوردوه من إفك وبهتان يتبرأ منه أحط الفساق؛ فضلاً عن أكرم الخلق على الإطلاق
وخلاصة القول: أن العرب جرت عادتهم ألا يتزوج الرجل امرأة دعيه الذي تبناه. فأراد الله تعالى أن يبطل تلك العادة، ويجعل إباحة الإسلام مكان حرج الجاهلية: فأوحى إلى نبيه بأن يزوج زينب ابنة جحش - بنت عمته - بزيدبن حارثة متبناه؛ وأن يتزوجها بعد طلاقها منه؛ فخطبها لزيد: فأبت، وأبى أخوها عبد الله؛ فنزل قوله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ فلما سمعاها قالا: رضينا يا رسولالله. فزوجها لزيد، وأمهرها له؛ فصارت تشمخ بأنفها، وتفخر عليه بنسبها. وتسيء معاملته؛ وكان يشكو ذلك لرسولالله - المرة بعد المرة - فكان عليه الصلاة والسلام - مع علو مقامه - يغلبه الحياء؛ فيتئد ويتمهل، ولا يعمل في تنفيذ حكم الله تعالى - الذي قضاه وأطلعه عليه - ويقول لزيد
﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ إلى أن غلب أمر الله تعالى: فأذن لزيد في طلاقها؛ بعد أن ذاق معها الأمرين فتزوجها رسولالله؛ طائعاً لأمر ربه ﴿لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً﴾ أي دخلوا بهن، وخلا بعضهم إلى بعض. فأين هذا مما خاض فيه الخائضون، وداعاه المبطلون؛ مما لا يرتضيه الأتقياء، فكيف بسيد الأنبياء؟ وتعالى الله عن أن يرسل رسولاً يطمح بعينيه إلى حلائل المؤمنين وأما خشيته للناس: فذلك استحياء منهم أن يقولوا: تزوج زوجة ابنه، بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً﴾ أي أمره لك، ووحيه إليك بتزوج زينب؛ رغم قولك لزيد ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾
﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ﴾ إثم ﴿فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ﴾ أحله ﴿لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ﴾ طريقته ﴿فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ﴾ مضوا من الأنبياء ﴿مِن قَبْلُ﴾ فقد أحل لهم التوسعة في الزواج: كداود، وسليمان،
-[٥١٥]- وغيرهما؛ ممن لم تصل إلينا أخبارهم
﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (أنظر آية ٤ من سورة القلم)
﴿بُكْرَةً﴾ أول النهار ﴿وَأَصِيلاً﴾ آخره
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ﴾ الصلاة من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الدعاء والإستتار ﴿لِيُخْرِجَكُمْ﴾ برحمته ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ الكفر ﴿إِلَى النُّورِ﴾ الإيمان، ومن الجهل إلى العلم (أنظر آية ١٧ من سورة البقرة)
﴿يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً﴾ على من أرسلت إليهم؛ بل على الناس جميعاً ﴿وَمُبَشِّراً﴾ من أطاع الله برحمته وجنته ﴿وَنَذِيراً﴾ لمن عصاه بغضبه وناره
﴿وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ﴾ إلى معرفته وطاعته ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأمره وتقديره ﴿وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾ جمع الله تعالى - في وصف نبيه الأعظم - بين صفتي الشمس والقمر: قال تعالى ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾ وفضله عليه الصلاة والسلام على سائر المخلوقات؛ لا يقل بحال عن فوائد الشمس، ونور القمر: فكما أن الشمس تبعث الدفء والحياة في سائر الكائنات؛ فإنه قد بعث دفء الإيمان، في قلوب بني الإنسان، وبعث الحياة الحقيقية، والسعادة الأبدية بين المؤمنين؛ وأنار الدنيا بشريعته وهدايته وكما أن السراج المنير يستضاء به، ويسترشد بواسطته: كذلك الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه؛ فإن من سار على سنته، واهتدى بطريقته: لا شك واصل إلى أمنيته، متمتع في جنته وأي سراج وهاج، وأي قمر منير يضاهي محمداً في نوره، أو يحاكيه في هدايته؟ جعلنا الله تعالى ممن يستضيء بنوره، ويستنير بضوئه، ويسير على سنته، ويهتدي بهديه؛ وينضوي تحت لوائه، ويحشر في زمرته، ويرتوي من حوضه
﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ أي اترك مقابلة إذايتهم لك بمثلها. وهو تعليم من الله تعالى لعباده: بالإحسان إلى من أساء
﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ أي عقدتم عليهن ﴿مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ أي من قبل أن تدخلوا بهن ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ قيل: هي منسوخة بقوله تعالى ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ أي فنصف المهر الذي فرضتموه ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ أي طلقوهن طلاقاً لا ضرار فيه
﴿اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ مهورهن ﴿وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ من الإماء ﴿مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ﴾ الفيء: الغنيمة؛ وهما صفية وجويرية؛ أعتقهما وتزوجهما
-[٥١٦]- ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ أي يطلب زواجها ﴿خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي إن الهبة لا تجوز إلا له عليه الصلاة والسلام. فليس لمؤمنة أن تهب نفسها لمؤمن، وليس له أن يقبل ذلك؛ إذ أن الهبة إحدى خصوصيات الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي على المؤمنين ﴿فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ من وجوب المهر، والولي، والشهود، وانعدام الموانع، وعدم تجاوز الأربع من النسوة ﴿حَرَجٌ﴾ ضيق وإثم فيما فعلت
﴿تُرْجِي﴾ تؤخر ﴿وَتُؤْوِي إِلَيْكَ﴾ أي تضم إليك ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ﴾ أي ومن طلبت الفراش من أزواجك اللاتي عزلتهن عن القسمة بينهن في المبيت. وقد كان قد خير بعض أمهات المؤمنين: بين الطلاق، أو التنازل عن حقوقهن في القسمة: فاخترن التنازل. فأراد الله تعالى أن يعلمه أنه لا حرج عليه في رد من يشاء منهن إلى فراشه ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ لا إثم ولا حرج فيما تفعل: من العزل، والإرجاء، والإيواء ﴿ذلِكَ أَدْنَى﴾ أقرب ﴿أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ﴾ بما قضى به الله تعالى في أمرهن: من الإرجاء، والإيواء، والعزل ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ ﴿وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ﴾ من ذلك ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ﴾ من شأن النساء، والميل إلى بعضهن، وعدم العدل بينهن؛ فيجزى كلا بقدر نيته
﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ﴾ أي من بعد التسع، وهن: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة، وأم سلمة، وصفية، وميمونة، وزينت بنت جحش، وجويرية ﴿وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ﴾ بتطليق بعضهن وإحلال غيرهن مكانهن ﴿إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ من الإماء؛ مما كان يخصه عليه الصلاة والسلام من السبي
﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ أي غير منتظرين نضجه ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ﴾ أكلتم
-[٥١٧]- ﴿فَانتَشِرُواْ﴾ فتفرقوا ﴿وَلاَ﴾ تمكثوا ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ﴾ تتناولونه مع بعضكم ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ الدخول بغير استئذان، وانتظار الطعام، وحديث بعضكم مع بعض؛ كل ذلك ﴿كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ﴾ فلا يظهر تضجره؛ لسمو أخلاقه، وعظيم استحيائه ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً﴾
عارية، أو حاجة ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ ولا تتطلعوا لرؤيتهن ﴿ذلِكُمْ﴾ السؤال من وراء حجاب ﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ من الخواطر المريبة؛ التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال. والتي يبثها الشيطان في قلب كل إنسان وهذه الآية الكريمة جاءت حاوية لأدق الأخلاق الإنسانية، وأسمى الآداب الاجتماعية؛ فكم نرى بعض الثقلاء، يتظرف بالإيذاء: فيقتحم الحرمات، ويرتكب المحرمات؛ وهو لاه غافل، أو متلاه متغافل ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ بعمل ما لا يرضاه ﴿وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ﴾ لأنهن أمهات لكم، محرمات عليكم
﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَآئِهِنَّ﴾ أي لا إثم على النساء ألا يحتجبن من آبائهن. ولم يذكر تعالى العم والخال؛ لأنهما يجريان مجرى الوالدين ﴿وَلاَ نِسَآئِهِنَّ﴾ أي ولا يحتجبن عن النساء المؤمنات؛ أما الكافرات: فيجب الاستغفار عنهن كالرجال تماماً؛ لئلا يصفنهن للغير؛ لعدم أمانتهن ومن عجب أن نرى بعض المسلمات يصفن لبعض الرجال: المخدرات من النساء. وهي خصلة ذميمة: يأباها الشرع، وتقع تحت طائلة العقاب الإلهي؛ فليتقين الله ولا يفضحن محارمه؛ فيفضحهن الله تعالى بين العباد، وعلى رؤوس الأشهاد
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ الصلاة من الله تعالى: الرحمة ومن الملائكة: الدعاء والاستغفار، ومن الأمة: التعظيم والدعاء والإكبار وهذا أمر من الله تعالى بالصلاة عليه وهي تجب كلما ذكر اسمه الكريم عليه الصلاة والسلام؛ كما يجب ألا يكتب اسمه إلا مقروناً بها. وقد طعن في كثرة الصلاة عليه بعض الزنادقة الذين لا يعبأ برأيهم، ولا يعتد بقولهم، واختصرها بعضهم بوضع «صلعم» مكانها، أو «ص» وهذا نهاية في السخف؛ إذ ما معنى وضع هذه الطلاسم والمعميات؛ إذا لم نرد إثبات الصلاة عليه وما معنى أن نضع الألقاب الرنانة، والأسماء الطنانة، والكنى الضخمة، والرتب الكبيرة؛ لأناس غير أهل لبعض ذلك - بل ربما كانوا من وقود النار - ونبخل على كبير المرسلين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد الخلق أجمعين؛ بكلمة أمرنا الله تعالى بها وألزمنا لها، وأثابنا عليها صلاة يرضاها منا، ويرضى بها عنا، وسلم تسليماً كثيراً؛ بعدد كل الكائنات؛
-[٥١٨]- رغم أنف الملحدين والمكابرين
ومن أعجب العجب قول القائلين: إن الصلاة عليه واجبة في العمر مرة واحدة. مع أن نص الآية يقتضي التكثير «صلوا عليه وسلموا تسليماً» والجمهور على أنها واجبة عند ذكر اسمه الشريف
هذا ولا يصح إفراد غير الأنبياء بالصلاة. وإنما يصلي على غيرهم بالتبعية؛ كقولهم صلى الله على النبي وآله وصحبه
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ بالكفر، ونسبة الولد والشريك إليه، ووصفه بما لا يليق به والمراد بالإذاية هنا: عملها؛ لا وصولها يؤذون ﴿رَسُولِهِ﴾ بالطعن والتكذيب ﴿لَّعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ طردهم من رحمته ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بالتخلي عن توفيقهم وهدايتهم في ﴿الآخِرَةَ﴾ بما أعده لهم من العذاب الأليم المقيم
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ برميهم بما ليس فيهم، واختلاق الجرائم عليهم ﴿بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ﴾ بغير ما عملوا ﴿فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً﴾ البهتان: أسوأ الكذب
﴿يُدْنِينَ﴾ يقربن، ويرخين ﴿عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ جمع جلباب؛ وهو الثوب يستر جميع البدن، أو هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة ﴿ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ﴾ أي ذلك أقرب أن يعرفن بأنهن حرائر محصنات ﴿فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾ فلا يؤذيهن أحد. وقد كانت عادة الإماء، والغير المحصنات: كشف الوجوه. ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ فسق وفجور؛ بدليل قوله تعالى: ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾
﴿وَالْمُرْجِفُونَ﴾ هم أناس من المنافقين كانوا يذيعون أخباراً سيئة عن سرايا رسولالله ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ لنسلطنك عليهم ﴿ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ﴾ أي في المدينة ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ إلا مدة قليلة؛ ثم يستأصلهم الله تعالى بذنوبهم
﴿مَّلْعُونِينَ﴾ مطرودين ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُواْ﴾
أينما وجدوا
﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ عادته وطريقته ﴿فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ﴾ مضوا
﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ﴾ القيامة؛ ومتى وكيف تقوم؟
-[٥١٩]- ﴿وَقَالُواْ﴾ أي الكفار؛ حينما رأوا العذاب المحيط بهم، والمعد لهم
﴿رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ﴾ مثلين ﴿مِّنَ الْعَذَابِ﴾ في جهنم ﴿وَالْعَنْهُمْ﴾ عذبهم ﴿لَعْناً كَبِيراً﴾ عذاباً كثيراً متواصلاً. وأصل اللعن: الطرد والإبعاد. ومن لوازم الطرد والإبعاد: الغضب؛ الذي من لوازمه العذاب
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَى﴾ بأن رموه بالسحر والجنون ﴿فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ﴾ وأثبت تعالى أن ما جاء به موسى آيات بينات، ومعجزات ظاهرات؛ لا تمت للسحر والجنون بسبب. وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الإيذاء المقصود هنا: أنهم رموه بأنه آدر. ويدفع هذا المعنى السقيم قوله تعالى: ﴿وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً﴾ أي نبياً كريماً، ورسولاً عظيماً؛ عليه وعلى نبينا صلوات الله تعالى وسلامه
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ﴾ هي الشهوة المركبة في الإنسان، أو التكاليف التي تعم جميع وظائف الدين؛ من أوامر، ونواه؛ أهمها: ضبط جماح النفس، والصبر على الطاعات، وعن المعاصي والشهوات ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ وخفن من حملها ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً﴾ لنفسه؛ لأنه لم يراع ما حمل: فعرض نفسه للعقاب ﴿جَهُولاً﴾ بحقيقة ربه؛ إذ لو علم حقيقته، وقدره: لما وسعه إلا التمسك بطاعته، والابتعاد عن معصيته وهذا العرض، والإباء: هو من قبيل الأمثال، ولسال الحال؛ كقوله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾
519
سورة سبإ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

520
Icon