تفسير سورة عبس

جهود الإمام الغزالي في التفسير
تفسير سورة سورة عبس من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير .
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

١٢٢٣- استأذن ابن مكتوم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده رجل من أشراف قريش، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى :﴿ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ﴾ يعني : ابن أم مكتوم.
﴿ أما من استغنى فأنت له تصدى ﴾ يعني : هذا الشريف. ( الإحياء : ٤/٢٠٩ )
١٢٢٤- قد عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الإعراض عن عبد والإقبال على عبد، وهما في العبودية سيان، ولكن في الحال مختلفان، فقال :﴿ وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى ﴾ وقال في الآخر :﴿ أما من استغنى فأنت له تصدى ﴾١. ( نفسه : ٣٤/٣٦٠ )
١ - أخرجه الترمذي من حديث عائشة، وقال غريب، وقال العراقي ورجاله رجال الصحيح. ن أبواب التفسير ٥/١٠٥-١٠٤ من سنن الترمذي، ون المغني بهامش الإحياء: ٤/٢٠٩..
١٢٢٥- فقد أشارت الآية إلى أول خلق الإنسان وإلى آخر أمره، وإلى وسطه، فلينظر الإنسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية.
أما أول الإنسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا، وقد كان في حيز العدم دهورا، بل لم يكن لعدمه أول، وأي شيء أخس وأقل من المحو والعدم ؟ وقد كان كذلك في القدم ثم خلقه الله من أرذل الأشياء، ثم من أقذرها، إذ قد خلقه من تراب، ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظما، ثم كسا العظم لحما، فقد كان هذا بداية وجوده حيث كان شيئا مذكورا، فما صار شيئا مذكورا إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا، بل خلقه جمادا ميتا لا يسمع ولا يبصر ولا يحس ولا يتحرك ولا ينطق ولا يبطش ولا يدرك ولا يعلم، فبدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبجهله قبل علمه، وبعماه قبل بصره، وبصممه قبل سمعه، وببكمه قبل نطقه، وبضلالته قبل هداه، وبفقره قبل غناه، وبعجزه قبل قدرته، فهذا معنى قوله :﴿ من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ﴾.
ومعنى قوله :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ﴾١ كذلك خلقه أولا.
١ - الإنسان: ١-٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:أما أول الإنسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا، وقد كان في حيز العدم دهورا، بل لم يكن لعدمه أول، وأي شيء أخس وأقل من المحو والعدم ؟ وقد كان كذلك في القدم ثم خلقه الله من أرذل الأشياء، ثم من أقذرها، إذ قد خلقه من تراب، ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظما، ثم كسا العظم لحما، فقد كان هذا بداية وجوده حيث كان شيئا مذكورا، فما صار شيئا مذكورا إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا، بل خلقه جمادا ميتا لا يسمع ولا يبصر ولا يحس ولا يتحرك ولا ينطق ولا يبطش ولا يدرك ولا يعلم، فبدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبجهله قبل علمه، وبعماه قبل بصره، وبصممه قبل سمعه، وببكمه قبل نطقه، وبضلالته قبل هداه، وبفقره قبل غناه، وبعجزه قبل قدرته، فهذا معنى قوله :﴿ من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ﴾.
ومعنى قوله :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ﴾١ كذلك خلقه أولا.
١ - الإنسان: ١-٢..

ثم امتن عليه فقال :﴿ ثم السبيل يسره ﴾ وهذا إشارة على ما تيسر له في مدة حياته إلى الموت وكذلك قال :﴿ من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾١ ومعناه : أنه أحياه بعد أن كان جمادا ميتا ترابا أولا ونطفة ثانيا وأسمعه بعد أن كان أصمن وبصره بعد ما كان فاقدا للبصر، وقواه بعد الضعف، وعلمه بعد الجهل، وخلق له الأعضاء بما فيها من العجائب والآيات بعد الفقد لها، وأغناه بعد الفقر، وأشبعه بعد الجوع، وكساه بعد العري، وهداه بعد الضلال، فانظر كيف دبره وصوره، وإلى السبيل كيف يسره، وإلى طغيان الإنسان ما أكفره وإلى جهل الإنسان كيف أظهره ؟ فقال :﴿ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ﴾٢ ﴿ ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ﴾٣ فانظر إلى نعمة الله عليه، كيف نقله من تلك الذلة والقلة والخسة والقذارة على هذه الرفعة والكرامة فصار موجودا بعد العدم، وحيا بعد الموت، وناطقا بعد البكم وبصيرا بعد العمي، وقويا بعد الضعف، وعالما بعد الجهل، ومهديا بعد الضلال، وقادرا بعد العجز، وغنيا بعد الفقر ؟ فكان في ذاته لا شيء وأي شيء أخس من لا شيء ؟ وأي قلة أقل من العدم المحض ؟ ثم صار بالله شيئا. وإنما خلقه من التراب الذليل الذي يوطأ بالأقدام والنطفة القذرة بعد العدم المحض أيضا ليعرف خسة ذاته فيعرف به نفسه، وإنما أكمل النعمة عليه ليعرف بها ربه ويعلم بها عظمته وجلاله، وأنه لا يليق الكبرياء إلا به جل وعلا، ولذلك امتن عليه فقال :﴿ ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ﴾٤ وعرف خسته أولا فقال :﴿ ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة ﴾ ثم ذكر منته عليه فقال :﴿ فخلقه فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ﴾٥ ليدوم وجوده بالتناسل كما حصل وجوده أولا بالاختراع.
فمن كان بدؤه وهذه أحواله فمن أين له البطر والكبرياء والفخر والخيلاء ؟ وهو على التحقيق أخس الأخساء وأضعف الضعفاء، ولكن هذه عادة الخسيس إذا رفع من خسته شمخ بأنفه وتعظم، وذلك لدلالة خسة أوله- ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نعم لو أكمله وفوض إليه أمره، وأدام له الوجود باختياره لجاز أن يطغى وينسى المبدأ والمنتهى، ولكنه سلط عليه في دوام وجوده الأمراض الهائلة والأسقام العظيمة والآفات المختلفة والطباع المتضادة، من المرة والبلغم والريح والدم يهدم البعض من أجزائه البعض، شاء أم أبى، رضي أم سخط، فيجوع كرها ويعطش كرها ويمرض كرها ويموت كرها، لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا خيرا ولا شرا، يريد أن يعلم الشيء فيجهله، ويريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيحول في أودية الوساوس والأفكار بالاضطرار، فلا يملك قلبه قلبه ولا نفسه نفسه، ويشتهي الشيء وربما يكون هلاكه فيه، ويكره الشيء وربما تكون حياته فيه، يستلذ الأطعمة وتهلكه وترديه، ويستبشع الأدوية وهي تنفعه وتحييه، ولا يأمن في لحظة من ليله أو نهاره أن يسلب سمعه وبصره، وتفلج أعضاؤه ويختلس عقله ويختطف روحه ويسلب جميع ما يهواه في دنياه، فهو مضطر ذليل إن ترك بقي وإن اختطف فني، عبد مملوك لا يقدر على شيء من نفسه ولا شيء من غيره، فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه ؟ وأنى يليق الكبر به لولا جهله ؟
فهذا أوسط أحواله فليتأمله.
١ - الإنسان: ٢-٣..
٢ - يس: ٧٧..
٣ - الروم: ٢٠..
٤ - البلد: ٨-١٠..
٥ - القيامة: ٣٧-٣٨..
وأما آخره ومورده فهو الموت المشار إليه بقوله تعالى :﴿ ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره ﴾ ومعناه : أنه يسلب روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحسه وإدراكه وحركته فيعود جمادا كما كان أول مرة، لا يبقى إلا شكل أعضائه وصورته لا حس فيه ولا حركة، ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الأول نطفة قذرة، ثم تبلى أعضاؤه وتتفتت أجزاؤه وتنخر عظامه، ويصير رميما رفاتا، ويأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحذقتيه فيقلعهما يخديه فيقطعهما وبسائر أجزائه، فيصير روثا في أجواف الديدان، ويكون جيفة يهرب منه الحيوان، ويستقذره كل إنسان يهرب منه لشدة الإنتان، وأحسن أحواله أن يعود إلى ما كان فيصير ترابا يعمل منه الكيزان ويعمل منه البنيان، فيصير مفقودا بعد ما كان موجودا، وصار كأن لم يغن بالأمس، حصيدا كما كان في أول أمره أمدا مديدا، وليته بقي كذلك فما أحسنه لو ترك ترابا، لا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي شديد البلاء، فيخرج من قبره بعد جمع أجزائه المتفرقة، ويخرج إلى أهوال القيامة فينظر إلى قيامة قائمة وسماء مشققة ممزقة، وأرض مبدلة، وجبال مسيرة، ونجوم منكدرة وشمس منكشفة، أحوال مظلمة وملائكة غلاظ شداد، وجهنم تزفر وجنة ينظر إليها المجرم فيتحسر، ويرى صحائف منشورة فيقال له :﴿ اقرأ كتابك ﴾١ فيقول : وما هو ؟ فيقال : كان قد وكل بك في حياتك التي كنت تفرح بها وتتكبر بنعيمها وتفتخر بأسبابها، ملكان رقيبان يكتبان عليك ما كنت تنطق به أو تعمله من قليل وكثير ونقير وقطمير وأكل وشرب وقيام وقعود، قد نسيت ذلك وأحصاه الله عليك، فهلم إلى الحساب واستعد للجواب أو تساق إلى دار العذاب، فينقطع قلبه فزعا من هول هذا الخطاب قبل أن تنشر الصحيفة ويشاهد ما فيها من مخازيه، فإذا شاهده قال :﴿ يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴾٢ فهذا آخر أمره وهو معنى قوله تعالى :﴿ ثم إذا شاء أنشره ﴾. ( نفسه : ٣/٣٧٨-٣٨٠ )
١٢٢٣- استأذن ابن مكتوم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده رجل من أشراف قريش، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى :﴿ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ﴾ يعني : ابن أم مكتوم.
١ - الإسراء: ١٤..
٢ - الكهف: ٤٨..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:وأما آخره ومورده فهو الموت المشار إليه بقوله تعالى :﴿ ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره ﴾ ومعناه : أنه يسلب روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحسه وإدراكه وحركته فيعود جمادا كما كان أول مرة، لا يبقى إلا شكل أعضائه وصورته لا حس فيه ولا حركة، ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الأول نطفة قذرة، ثم تبلى أعضاؤه وتتفتت أجزاؤه وتنخر عظامه، ويصير رميما رفاتا، ويأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحذقتيه فيقلعهما يخديه فيقطعهما وبسائر أجزائه، فيصير روثا في أجواف الديدان، ويكون جيفة يهرب منه الحيوان، ويستقذره كل إنسان يهرب منه لشدة الإنتان، وأحسن أحواله أن يعود إلى ما كان فيصير ترابا يعمل منه الكيزان ويعمل منه البنيان، فيصير مفقودا بعد ما كان موجودا، وصار كأن لم يغن بالأمس، حصيدا كما كان في أول أمره أمدا مديدا، وليته بقي كذلك فما أحسنه لو ترك ترابا، لا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي شديد البلاء، فيخرج من قبره بعد جمع أجزائه المتفرقة، ويخرج إلى أهوال القيامة فينظر إلى قيامة قائمة وسماء مشققة ممزقة، وأرض مبدلة، وجبال مسيرة، ونجوم منكدرة وشمس منكشفة، أحوال مظلمة وملائكة غلاظ شداد، وجهنم تزفر وجنة ينظر إليها المجرم فيتحسر، ويرى صحائف منشورة فيقال له :﴿ اقرأ كتابك ﴾١ فيقول : وما هو ؟ فيقال : كان قد وكل بك في حياتك التي كنت تفرح بها وتتكبر بنعيمها وتفتخر بأسبابها، ملكان رقيبان يكتبان عليك ما كنت تنطق به أو تعمله من قليل وكثير ونقير وقطمير وأكل وشرب وقيام وقعود، قد نسيت ذلك وأحصاه الله عليك، فهلم إلى الحساب واستعد للجواب أو تساق إلى دار العذاب، فينقطع قلبه فزعا من هول هذا الخطاب قبل أن تنشر الصحيفة ويشاهد ما فيها من مخازيه، فإذا شاهده قال :﴿ يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴾٢ فهذا آخر أمره وهو معنى قوله تعالى :﴿ ثم إذا شاء أنشره ﴾. ( نفسه : ٣/٣٧٨-٣٨٠ )
١٢٢٣- استأذن ابن مكتوم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده رجل من أشراف قريش، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى :﴿ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ﴾ يعني : ابن أم مكتوم.
١ - الإسراء: ١٤..
٢ - الكهف: ٤٨..


جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فما لمن هذا حاله التكبر والتعظم ؟ بل ما له وللفرح في لحظة واحدة فضلا عن البطر والأشر ؟ فقد ظهر له أول حاله ووسطه، ولو ظهر آخره. والعياذ بالله تعالى، ربما اختار أن يكون كلبا أو خنزيرا ليصير مع البهائم ترابا ولا يكون إنسانا يسمع خطابا أو يلقى عذابا.
١٢٢٦- يأتي الرجل إلى ولده فيقول له : يا بني : إني كسوتك حيث لا تقدر تكسو نفسك، وأطعمتك طعاما وسقيتك شرابا حيث كنت عاجزا عن ذلك، وكفلتك صغيرا حيث كنت لا تستطيع دفع الضراء، ولا جلب السراء، فكم من فاكهة تمنيتها ؟ فابتعتها لك، حسبك ما ترى من هول يوم القيامة، وسيئات أبيك كثيرة، فتحمل عني منها ولو سيئة فيخف عني، وأعطني ولو حسنة أزيدها في الميزان، فيفر منه الولد ويقوله له : أنا أحوج منك إليها. وكذا يفعل الفصيل مع الفصيلة والصاحب والأخ، وهو قوله تعالى :﴿ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ﴾. ( الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة ضمن المجموعة رقم ٦ ص : ١٣٩ )
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:١٢٢٦- يأتي الرجل إلى ولده فيقول له : يا بني : إني كسوتك حيث لا تقدر تكسو نفسك، وأطعمتك طعاما وسقيتك شرابا حيث كنت عاجزا عن ذلك، وكفلتك صغيرا حيث كنت لا تستطيع دفع الضراء، ولا جلب السراء، فكم من فاكهة تمنيتها ؟ فابتعتها لك، حسبك ما ترى من هول يوم القيامة، وسيئات أبيك كثيرة، فتحمل عني منها ولو سيئة فيخف عني، وأعطني ولو حسنة أزيدها في الميزان، فيفر منه الولد ويقوله له : أنا أحوج منك إليها. وكذا يفعل الفصيل مع الفصيلة والصاحب والأخ، وهو قوله تعالى :﴿ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ﴾. ( الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة ضمن المجموعة رقم ٦ ص : ١٣٩ )
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:١٢٢٦- يأتي الرجل إلى ولده فيقول له : يا بني : إني كسوتك حيث لا تقدر تكسو نفسك، وأطعمتك طعاما وسقيتك شرابا حيث كنت عاجزا عن ذلك، وكفلتك صغيرا حيث كنت لا تستطيع دفع الضراء، ولا جلب السراء، فكم من فاكهة تمنيتها ؟ فابتعتها لك، حسبك ما ترى من هول يوم القيامة، وسيئات أبيك كثيرة، فتحمل عني منها ولو سيئة فيخف عني، وأعطني ولو حسنة أزيدها في الميزان، فيفر منه الولد ويقوله له : أنا أحوج منك إليها. وكذا يفعل الفصيل مع الفصيلة والصاحب والأخ، وهو قوله تعالى :﴿ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ﴾. ( الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة ضمن المجموعة رقم ٦ ص : ١٣٩ )
Icon