تفسير سورة الحجر

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة الحجر.
مكية باتفاق [ إلا قوله تعالى :" ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " فمدنية ]. ١
١ آياتها سبع وتسعون. نزلت بعد سورة يوسف.
ما بين المربعين أخذناه من المصاحف المطبوعة والمتداولة اليوم..

﴿الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون﴾ ﴿ألر تلك أياتُ الكتاب وقرآن مبينٍ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: أن الكتاب هو القرآن، جمع له بين الاسمين. الثاني: أن الكتاب هو التوراة والانجيل، ثم قرنها بالقرآن بالقرآن المبين. وفي المراد بالمبين ثلاثة أوجه: أحدها: المبين إعجازه حتى لا يعارض. الثاني: المبين الحق من الباطل حتى لا يشكلا. الثالث: المبين الحلال من الحرام حتى لا يشتبها. قوله عز وجل: ﴿رُبما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين﴾ وفي زمان هذا التمني ثلاثة أقاويل: أحدها: عند المعاينة في الدنيا حين يتبين لهم الهدى من الضلالة، قاله الضحاك.
147
الثاني: في القيامة إذا رأوا كرامة المؤمنين وذل الكافرين. الثالث: إذا دخل المؤمن الجنة، والكافر النار. وقال الحسن: إذا رأى المشركون المؤمنين وقد دخلوا الجنة وصاروا هم إلى النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين. وربما مستعملة في هذا الموضع للكثير، وإن كانت في الأصل موضوعة للتقليل، كما قال الشاعر:
(ألا ربّما أهدت لك العينُ نظرة قصاراك مِنْها أنها عنك لا تجدي)
وقال بعضهم هي للتقليل أيضاً في هذا الموضع، لأنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها.
148
قوله عز وجل :﴿ رُبما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ وفي زمان هذا التمني ثلاثة أقاويل :
أحدها : عند المعاينة في الدنيا حين يتبين لهم الهدى من الضلالة، قاله الضحاك.
الثاني : في القيامة إذا رأوا كرامة المؤمنين وذل الكافرين.
الثالث : إذا دخل المؤمن الجنة، والكافر النار.
وقال الحسن : إذا رأى المشركون المؤمنين وقد دخلوا الجنة وصاروا هم إلى النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين.
وربما مستعملة في هذا الموضع للتكثير، وإن كانت في الأصل موضوعة للتقليل، كما قال الشاعر :
ألا ربّما أهدت لك العينُ نظرة قصاراك مِنْها أنها عنك لا تجدي
وقال بعضهم هي للتقليل أيضاً في هذا الموضع، لأنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها. ١
١ سقط من ق..
﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون﴾ قوله عز وجل: ﴿وما أهلكنا من قرية﴾ يعني من أهل قرية. ﴿إلا ولها كتاب معلوم﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أجل مقدر. الثاني: فرض محتوم. قوله عز وجل: ﴿ما تسبق من أمةٍ أجَلَها وما يَستأخرون﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: لا يتقدم هلاكهم عن أجله ولا يتأخر عنه. الثاني: لا يموتون قبل العذاب فيستريحوا، ولا يتأخر عنهم فيسلموا. وقال الحسن فيه تأويلاً ثالثاً: ما سبق من أمة رسولها وكتابها فتعذب قبلهما ولا يستأخر الرسول والكتاب عنها.
قوله عز وجل :﴿ ما تسبق من أمةٍ أجَلَها وما يَستأخرون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يتقدم هلاكهم عن أجله ولا يتأخر عنه.
الثاني : لا يموتون قبل العذاب فيستريحوا، ولا يتأخر عنهم فيسلموا.
وقال الحسن فيه تأويلاً ثالثاً : ما سبق من أمة رسولها وكتابها فتعذب قبلهما ولا يستأخر الرسول والكتاب عنها.
﴿وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾
148
قوله عز وجل: ﴿ما ننزل الملائكة إلا بالحق﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: إلا بالقرآن، قاله القاسم. الثاني: إلا بالرسالة، قاله مجاهد. الثالث: إلا بالقضاء عند الموت لقبض أرواحهم، قاله الكلبي. الرابع: إلا بالعذاب إذا لم يؤمنوا، قاله الحسن. ﴿وما كانوا إذاً منظرين﴾ أي مؤخَّرين. قوله عز وجل: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر﴾ قال الحسن والضحاك يعني القرآن. ﴿وإنا له لحافظون﴾ فيه قولان: أحدهما: وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه، حكاه ابن جرير. الثاني: وإنا للقرآن لحافظون. وفي هذا الحفظ ثلاثة أوجه: أحدها: حفظه حتى يجزى به يوم القيامة، قاله الحسن. الثاني: حفظه من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً، أو يزيل منه حقاً، قاله قتادة. الثالث: إنا له لحافظون في قلوب من أردنا به خيراً، وذاهبوان به من قلوب من أردنا به شراً.
149
قوله عز وجل :﴿ ما ننزل الملائكة إلا بالحق ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : إلا بالقرآن، قاله القاسم.
الثاني : إلا بالرسالة، قاله مجاهد.
الثالث : إلا بالقضاء عند الموت لقبض أرواحهم، قاله الكلبي.
الرابع : إلا بالعذاب إذا لم يؤمنوا، قاله الحسن.
﴿ وما كانوا إذاً منظرين ﴾ أي مؤخَّرين.
قوله عز وجل :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر ﴾ قال الحسن والضحاك يعني القرآن.
﴿ وإنا له لحافظون ﴾ فيه قولان :
أحدهما : وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه، حكاه ابن جرير.
الثاني : وإنا للقرآن لحافظون١.
وفي هذا الحفظ ثلاثة أوجه٢ :
أحدها : حفظه حتى يجزى به يوم القيامة، قاله الحسن.
الثاني : حفظه من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً، أو يزيل منه حقاً، قاله قتادة.
الثالث : إنا له لحافظون في قلوب من أردنا به خيراً، وذاهبون به من قلوب من أردنا به شراً٣.
١ وهذا هو الراجح فيما أرى، لأن المتحدث عنه هو الذكر أي القرآن، والضمير يعود إلى أقرب مذكور كما هو مقرر عند النحويين. أما حفظ الله تعالى لرسوله فيؤخذ من آيات أخرى في هذه.
.

٢ في ق: وجهان أحدهما..
٣ سقط هذا الوجه من ق..
﴿ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين﴾ قوله عز وجل: ﴿ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الشيع الأمم، قاله ابن عباس وقتادة. الثاني: أن الشيع جمع شيعة، والشيعة الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة، فكأن الشيع الفرق، ومنه قوله تعالى ﴿أو يلبسكم شيَعاً﴾ [الأنعام: ٦٥] أي فرقاً، وأصله مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار يوقد به الكبار، فهو عون النار.
149
الثالث: أن الشيع القبائل، قاله الكلبي. قوله عز وجل: ﴿كذلك نسلكه في قلوب المجرمين﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: كذلك نسلك الاستهزاء في قلوب المجرمين، وإن لم يعرفوا، قاله قتادة. الثاني: كذلك نسلك التكذيب في قلوب المجرمين، قاله ابن جريج. الثالث: كذلك نسلك القرآن في قلوب المجرمين، وإن لم يؤمنوا، قاله الحسن. الرابع: كذلك إذا كذب به المجرمون نسلك في قلوبهم أن لا يؤمنوا به. قوله عز وجل: ﴿لا يؤمنون به﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: بالقرآن أنه من عند الله. الثاني: بالعذاب أن يأتيهم. ﴿وقد خلت سنة الأولين﴾ السنة: الطريقة، قال عمر بن أبي ربيعة:
(لها من الريم عيناه وسُنّتُهُ ونحرُه السابق المختال إذ صَهَلا)
فيه وجهان: أحدهما: قد خلت سنة الأولين بالعذاب لمن أقام على تكذيب الرسل. الثاني: بأن لا يؤمنوا برسلهم إذا عاندوا. ويحتمل ثالثاً: بأن منهم مؤمناً وكافراً. كما يحتمل رابعاً: من أقام على الكفر بالمعجزات بعد مجيء ما طلب من الآيات.
150
قوله عز وجل :﴿ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : كذلك نسلك١ الاستهزاء في قلوب المجرمين، وإن لم يعرفوا، قاله قتادة.
الثاني : كذلك نسلك التكذيب في قلوب المجرمين، قاله ابن جريج.
الثالث : كذلك نسلك القرآن في قلوب المجرمين، وإن لم يؤمنوا، قاله الحسن.
الرابع : كذلك إذا كذب به المجرمون نسلك في قلوبهم أن لا يؤمنوا به٢.
١ السلك: إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط..
٢ سقط من ك..
قوله عز وجل :﴿ لا يؤمنون به ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالقرآن أنه من عند الله.
الثاني : بالعذاب أن يأتيهم.
﴿ وقد خلت سنة الأولين ﴾ السنة : الطريقة، قال عمر بن أبي ربيعة :
لها من الريم عيناه وسُنّتُهُ ونحرُه السابق المختال إذ صَهَلا
فيه وجهان :
أحدهما : قد خلت سنة الأولين بالعذاب لمن أقام على تكذيب الرسل.
الثاني : بأن لا يؤمنوا برسلهم إذا عاندوا.
ويحتمل ثالثاً : بأن منهم مؤمناً وكافراً.
كما يحتمل رابعاً : من أقام على الكفر بالمعجزات بعد مجيء ما طلب من الآيات١.
١ سقط من ق..
﴿ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون﴾ قوله عز وجل: ﴿ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون﴾ فيه وجهان:
150
أحدهما: فظل هؤلاء المشركون يعرجون فيه، قاله الحسن وقتادة. الثاني: فظلت الملائكة فيه يعرجون وهم يرونهم، قاله ابن عباس والضحاك. قوله عز وجل: ﴿لقالوا إنما سكرت أبصارنا﴾ في ﴿سكرت﴾ قراءتان: إحداهما بتشديد الكاف، والثانية بتخفيفها، وفي اختلافهما وجهان: أحدهما: معناهما واحد، فعلى هذا ستة تأويلات: أحدها: سُدّت، قاله الضحاك. الثاني: عميت، قاله الكلبي. الثالث: أخذت، قاله قتادة. الرابع: خدعت، قاله جويبر. الخامس: غشيت وغطيت، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه قول الشاعر:
(وطلعت شمسٌ عليها مغفر وجَعَلَتْ عين الحرورو تسكر)
السادس: معناه حبست، قاله مجاهد. ومنه قول أوس بن حجر:
(فصرن على ليلة ساهرة فليست بطلقٍ ولا ساكرة)
والوجه الثاني: أن معنى سكرت بالتشديد والتخفيف مختلف، وفي اختلافهما وجهان: أحدهما: أن معناه بالتخفيف سُحِرَتْ، وبالتشديد: أخذت. الثاني: أنه بالتخفيف من سُكر الشراب، وبالتشديد مأخوذ من سكرت الماء. ﴿بل نحن مسحورون﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أي سحرنا فلا نبصر. الثاني: مضللون، حكاه ثعلب.
151
الثالث: مفسدون.
152
قوله عز وجل :﴿ لقالوا إنما سكرت أبصارنا١ في ﴿ سكرت ﴾ قراءتان :
إحداهما بتشديد الكاف، والثانية بتخفيفها، وفي اختلافهما وجهان :
أحدهما : معناهما واحد، فعلى هذا ستة تأويلات :
أحدها : سُدّت، قاله الضحاك.
الثاني : عميت، قاله الكلبي.
الثالث : أخذت، قاله قتادة.
الرابع : خدعت، قاله جويبر.
الخامس : غشيت وغطيت، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه قول الشاعر :
وطلعت شمسٌ عليها مغفر وجَعَلَتْ عين الحرورو تسكر
السادس : معناه حبست، قاله مجاهد. ومنه قول أوس بن حجر :
فصرن على ليلة ساهرة فليست بطلقٍ ولا ساكرة
والوجه الثاني : أن معنى سكرت بالتشديد والتخفيف مختلف، وفي اختلافهما وجهان :
أحدهما : أن معناه بالتخفيف سُحِرَتْ، وبالتشديد : أخذت.
الثاني : أنه بالتخفيف من سُكر الشراب، وبالتشديد مأخوذ من سكرت الماء.
﴿ بل نحن مسحورون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أي سحرنا فلا نبصر.
الثاني : مضللون، حكاه ثعلب.
الثالث : مفسدون.
١ أي لو أجيبوا إلى ما اقترحوا من الآيات لأصروا على الكفر وتعللوا بالخيالات، كما قالوا للقرآن المعجز أنه سحر..
﴿ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين﴾ قوله عز وجل: ﴿ولقد جعلنا في السماء بروجاً﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: أنها قصور في السماء فيها الحرس، قاله عطية. الثاني: أنها منازل الشمس والقمر، قاله علي بن عيسى. الثالث: أنها الكواكب العظام، قاله أبو صالح، يعني السبعة السيارة. الرابع: أنها النجوم، قاله الحسن وقتادة. الخامس: أنها البروج الاثنا عشر. وأصل البروج الظهور، ومنه تبرجت المرأة إذا أظهرت نفسها. ﴿وزيناها للناظرين﴾ أي حسنّاها. ﴿وحفظناها من كل شيطان رجيم﴾ يعني السماء. وفي الرجيم ثلاثة أوجه: أحدها: أنه الملعون، قاله قتادة. الثاني: المرجوم بقول أو فعل، ومنه قول الأعشى:
(يظل رجيماً لريب المنون والسقم في أهله والحزن)
الثالث: أنه الشتيم. زعم الكلبي أن السموات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى زمن عيسى، فلما بعث الله تعالى عيسى حفظ منها ثلاث سموات، إلى مبعث رسول الله ﷺ فحفظ جميعها بعد بعثه وحرسها منهم بالشهب. قوله عز وجل: ﴿إلا من استرق السمع﴾ ومسترق السمع من الشياطين يسترقه من أخبار الأرض دون الوحي، لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم. ومن استراقهم له قولان:
152
أحدهما: أنهم يسترقونه من الملائكة في السماء. الثاني: في الهواء عند نزول الملائكة من السماء. وفي حصول السمع قبل أخذهم بالشهاب قولان: أحدهما: أن الشهاب يأخذهم قبل وصولهم إلى السمع، فيصرفون عنه. الثاني: أنه يأخذهم بعد وصول السمع إليهم. وفي أخذهم بالشهاب قولان: أحدهما: أنه يخرج ويحرق ولا يقتل، قاله ابن عباس. الثاني: أنه يقتل، قاله الحسن وطائفة. فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان: أحدهما: أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، قاله ابن عباس: ولذلك انقطعت الكهانة. الثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه، ولو لم يصل لانقطع الإستراق وانقطع الإحراق. وفي الشهب التي يرجمون بها قولان: أحدهما: أنها نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود، كما إذا أحرقت النار لم تعد. الثاني: أنها نجوم يرجمون بها وتعود إلى أماكنها، قال ذو الرمة:
(كأنه كوكب في إثر عفريةٍ مُسَوَّمٌ في سوادِ الليل منقضبُ)
قوله عز وجل: ﴿والأرض مددناها﴾ أي بسطناها. قال قتادة. بسطت من مكة لأنها أم القرى. ﴿وألقينا فيها رواسي﴾ وهي الجبال. ﴿وأنبتنا فيها من كل شيء موزون﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: يعني مقدر معلوم، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وإنما قيل
153
﴿موزون﴾ لأن الوزن يعرف به مقدار الشيء. قاله الشاعر:
(قد كنت قبل لقائكم ذا مِرّةٍ عندي لكل مُخاصِم ميزانُه)
الثاني: يعني به الأشياء التي توزن في أسواقها، قاله الحسن وابن زيد. الثالث: معناه مقسوم، قاله قتادة. الرابع: معناه معدود، قاله مجاهد. ويحتمل خامساً: أنه ما يوزن فيه الأثمان لأنه أجل قدراً وأعم نفعاً مما لا ثمن له. قوله عز وجل: ﴿وجعلنا لكم فيها معايش﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنها الملابس، قاله الحسن. الثاني: أنها المطاعم والمشارب التي يعيشون فيها، ومنه قول جرير:
(تكلفني معيشة آل زيدٍ ومَن لي بالمرقق والصنابِ)
الثالث: أنها التصرف في أسباب الرزق مدة أيام الحياة، وهو الظاهر. ﴿ومن لستم له برازقين﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الدواب والأنعام، قاله مجاهد. الثاني: أنها الوحوش، قاله منصور. الثالث: العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم ﴿نحن نرزقهم وإياكم﴾ [الإسراء: ٣١] قاله ابن بحر.
154
﴿ وحفظناها من كل شيطان رجيم ﴾ يعني السماء. وفي الرجيم ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الملعون، قاله قتادة.
الثاني : المرجوم بقول أو فعل، ومنه قول الأعشى :
يظل رجيماً لريب المنون والسقم في أهله والحزن
الثالث : أنه الشتيم١. زعم الكلبي أن السماوات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى زمن عيسى، فلما بعث الله تعالى عيسى حفظ منها ثلاث سماوات، إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظ جميعها بعد بعثه وحرسها منهم بالشهب٢.
١ الشتيم: أي المشتوم، وقال الكسائي: كل رجيم في القرآن فهو بمعنى الشتم..
٢ سقط من ق..
قوله عز وجل :﴿ إلا من استرق السمع ﴾ ومسترق السمع١ من الشياطين يسترقه من أخبار الأرض دون الوحي، لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم.
ومن استراقهم له قولان :
أحدهما : أنهم يسترقونه من الملائكة في السماء.
الثاني : في الهواء عند نزول الملائكة من السماء. وفي حصول السمع قبل أخذهم بالشهاب قولان :
أحدهما : أن الشهاب يأخذهم قبل وصولهم إلى السمع، فيصرفون عنه.
الثاني : أنه يأخذهم بعد وصول السمع إليهم.
وفي أخذهم بالشهاب قولان :
أحدهما : أنه يخرج ويحرق ولا يقتل، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه يقتل، قاله الحسن وطائفة.
فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان :
أحدهما : أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، قاله ابن عباس : ولذلك انقطعت الكهانة.
الثاني : أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه، ولو لم يصل لانقطع الاستراق وانقطع الإحراق٢.
وفي الشهب التي يرجمون بها قولان :
أحدهما : أنها نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود، كما إذا أحرقت النار لم تعد.
الثاني : أنها نجوم يرجمون بها وتعود إلى أماكنها، قال ذو الرمة :
كأنه كوكب في إثر عفريةٍ٣ مُسَوَّمٌ في سوادِ الليل منقضبُ
١ سقط من ق..
٢ من قوله: فعلى هذا القول... إلى هنا نقله القرطبي حرفيا وعزاه إلى الماوردي. انظر تفسيره ١٠/١١..
٣ أي في إثر شيطان. ومسوم: معلم. ومنقضب: منقض من مكانه..
قوله عز وجل :﴿ والأرض مددناها ﴾ أي بسطناها. قال قتادة : بسطت من مكة لأنها أم القرى. ﴿ وألقينا فيها رواسي ﴾ وهي الجبال.
﴿ وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يعني مقدر معلوم، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وإنما قيل ﴿ موزون ﴾ لأن الوزن يعرف به مقدار الشيء. قاله الشاعر :
قد كنت قبل لقائكم ذا مِرّةٍ عندي لكل مُخاصِم ميزانُه١
الثاني : يعني به الأشياء التي توزن في أسواقها، قاله الحسن وابن زيد.
الثالث : معناه مقسوم، قاله قتادة.
الرابع : معناه معدود، قاله مجاهد.
ويحتمل خامساً : أنه ما يوزن فيه الأثمان لأنه أجل قدراً وأعم نفعاً مما لا ثمن له٢.
١ سقط من ق..
٢ سقط من ق..
قوله عز وجل :﴿ وجعلنا لكم فيها معايش ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها الملابس، قاله الحسن.
الثاني : أنها المطاعم والمشارب التي يعيشون فيها، ومنه قول جرير :
تكلفني معيشة آل زيدٍ ومَن لي بالمرقق١ والصنابِ
الثالث : أنها التصرف في أسباب الرزق مدة أيام الحياة، وهو الظاهر.
﴿ ومن لستم له برازقين ﴾ فيه ثلاثة أقاويل٢ :
أحدها : أنها الدواب والأنعام، قاله مجاهد.
الثاني : أنها الوحوش، قاله منصور.
الثالث : العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم :﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ [ الإسراء : ٣١ ] قاله ابن بحر٣.
١ المرفق: الرفاق وهو خبز رقيق: والصناب: الخردل المضروب بالزبيب وروى البيت في اللسان: بالصلائق بدلا من المرفق، ومعناه: قطع اللحم المشوي رقيقا..
٢ في ق: فيه قولان..
٣ سقط من ق..
﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم﴾
154
قوله عز وجل: ﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه﴾ يعني وإن من شيء من أرزاق الخلق إلا عندنا خزائنه وفيه وجهان: أحدهما: يعني مفاتيحه لأن في السماء مفاتيح الأرزاق، وهو معنى قول الكلبي. الثاني: أنها الخزائن التي هي مجتمع الأرزاق. وفيها وجهان: أحدهما: ما كتبه الله تعالى وقدره من أرزاق عباده. الثاني: يعني المطر المنزل من السماء، لأنه نبات كل شيء، قال الحسن: المطر خزائن كل شيء. ﴿وما ننزله إلا بقدر معلوم﴾ قال ابن مسعود: ما كان عامٌ بأمطر من عام ولكن الله يقسمه حيث يشاء، فيمطر قوماً ويحرم آخرين. قوله عز وجل: ﴿وأرسلنا الرياحَ لواقِحَ﴾ فيه قولان: أحدهما: لواقح السحاب حتى يمطر، قاله الحسن وقتادة، وكل الرياح لواقح. غير أن الجنوب ألقح وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما هبت ريح جنوب إلا أنبع الله تعالى بها عيناً غدقة). الثاني: لواقح للشجر حتى يثمر، قاله ابن عباس. وقال أبو عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح. وقال عبيد بن عمير: يرسل الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قمّاً، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر. قوله عز وجل: ﴿فأنزلنا من السماء ماءً﴾ يعني من السحاب مطراً. ﴿فأسقيناكموه﴾ أي مكناكم منه، والفرق بين السقي والشرب أن السقي بذل
155
المشروب، والشرب: استعمال المشروب، فصار الساقي باذلاً، والشارب مستعملاً. ﴿وما أنتم له بخازنين﴾ فيه وجهان: أحدهما: بخازني الماء الذي أنزلناه. الثاني: بمانعي الماء الذي أنزلناه. قوله عز وجل: ﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد عَلِمنا المستأخرين﴾ فيه ثمانية تأويلات: أحدها: أن المستقدمين الذين خلقوا، والمستأخرين الذين لم يخلقوا، قاله عكرمة. الثاني: المستقدمين الذين ماتوا، والمستأخرين الذين هم أحياء لم يموتوا، قاله الضحاك. الثالث: المستقدمين أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي. الرابع: المستقدمين أول الخلق ممن تقدم على أمة محمد، والمستأخرين أمة محمد ﷺ، قاله مجاهد. الخامس: المستقدمين في الخير، والمستأخرين في الشر، قاله قتادة. السادس: المستقدمين في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها، قاله سعيد بن المسيب. السابع: المستقدمين من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل، قاله القرظي. الثامن: المستقدمين في صفوف الصلاة، والمستأخرين فيها. روى عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت تصلي
156
خلف رسول الله ﷺ امرأةٌ من أحسن الناس، لا والله ما رأيت مثلها قط، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه في الصف، فأنزل الله تعالى في شأنها هذه الآية.
157
قوله عز وجل :﴿ وأرسلنا الرياحَ لواقِحَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لواقح السحاب حتى يمطر، قاله الحسن وقتادة، وكل الرياح لواقح. غير أن الجنوب ألقح وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم :" ما هبت ريح جنوب إلا أنبع الله تعالى بها عيناً غدقة ".
الثاني : لواقح للشجر حتى يثمر، قاله ابن عباس.
وقال أبو عبيدة : لواقح بمعنى ملاقح١. وقال عبيد بن عمير : يرسل الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قمّاً، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر.
قوله عز وجل :﴿ فأنزلنا من السماء ماءً ﴾ يعني من السحاب مطراً.
﴿ فأسقيناكموه ﴾ أي مكناكم منه. والفرق بين السقي والشرب أن السقي بذل المشروب، والشرب : استعمال المشروب، فصار الساقي باذلاً، والشارب مستعملاً.
﴿ وما أنتم له بخازنين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بخازني الماء الذي أنزلناه.
الثاني : بمانعي الماء الذي أنزلناه.
١ ذهب إلى أنه جمع ملحقة، وملقح، ثم حذفت زوائده..
قوله عز وجل :﴿ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد عَلِمنا المستأخرين ﴾ فيه ثمانية تأويلات :
أحدها : أن المستقدمين الذين خلقوا، والمستأخرين الذين لم يخلقوا، قاله عكرمة.
الثاني : المستقدمين الذين ماتوا، والمستأخرين الذين هم أحياء لم يموتوا، قاله الضحاك.
الثالث : المستقدمين أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي.
الرابع : المستقدمين أول الخلق ممن تقدم على أمة محمد، والمستأخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.
الخامس : المستقدمين في الخير، والمستأخرين في الشر، قاله قتادة.
السادس : المستقدمين في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها، قاله سعيد بن المسيب.
السابع : المستقدمين من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل، قاله القرظي.
الثامن : المستقدمين في صفوف الصلاة، والمستأخرين فيها.
روى عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أحسن الناس، لا والله ما رأيت مثلها قط، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه في الصف، فأنزل الله تعالى في شأنها هذه الآية١.
١ رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وابن حيان. وقال الترمذي: روى مرسلا..
﴿ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم﴾ قوله عز وجل: ﴿ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حَمَإٍ مسنون﴾ أما الإنسان ها هنا فهو آدم عليه السلام في قول أبي هريرة والضحاك. أما الصلصال ففيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر:
(وقاعٍ ترى الصَّلصال فيه ودونه بقايا بلالٍ بالقرى والمناكبِ)
والصلصة: الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان، وهو مثل القعقعة في الثوب. الثاني: أنه طين خلط برمل، قاله عكرمة. الثالث: أنه الطين المنتن، قاله مجاهد، مأخوذ من قولهم: صَلَّ اللحمُ وأصَلَّ إذا أنتن، قال الشاعر:
(ذاك فتى يبذل ذا قدرِهِ لا يفسد اللحم لديه الصلول)
والحمأ: جمع حمأة وهو الطين الأسود المتغير. وفي المسنون سبعة أقاويل:
157
أحدها: أن المسنون المنتن المتغير، من قولهم قد أسن الماء إذا تغير، قاله ابن عباس، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
(سَقَتْ صدايَ رضاباً غير ذي أَسَنٍ كالمسكِ فُتَّ على ماءٍ العناقيد)
الثاني: أن المسنون المنصوب القائم، من قولهم وجه مسنون، قاله الأخفش. الثالث: أن المسنون المصبوب، من قولهم سنيتُ الماء على الوجه إذا صببته عليه، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه الأثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنُّه، والشن تفريق الماء، والسن صبه. الرابع: أن المسنون الذي يحك بعضه بعضاً، من قولهم سننت الحجر على الحجر إذا حككت أحدهما بالآخر، ومنه سمي المسَنّ لأن الحديد يسن عليه، قاله الفراء. الخامس: أن المسنون المنسوب. السادس: أنه الرطب، قاله ابن أبي طلحة. السابع: أنه المخلص من قولهم سن سيفك أي اجلهُ. قوله عز وجل: ﴿والجانَّ خلقناه من قبل من نار السموم﴾ وفي الجان ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه إبليس، قاله الحسن. الثاني: أنهم الجن حكاه ابن شجرة. الثالث: أنه أبو الجن قاله الكلبي فآدم أبو الإنس، والجان: أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين. قال ابن عباس: الجان أبو الجن وليسوا شياطين. والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر. ﴿خلقناه من قبل﴾ يعني من قبل آدم. قال قتادة: لأن آدم إنما خلق آخر الخلق.
158
وقوله تعالى: ﴿من نار السّموم﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: يعني من لهب النار، قاله ابن عباس. الثاني: يعني من نار الشمس، قاله عمرو بن دينار. الثالث: من حر السموم، والسموم: الريح الحارة. ذكره ابن عيسى. الرابع: أنه نار السموم نار الصواعق بين السماء وبين حجاب دونها، قاله الكلبي وسمي سموماً لدخوله في مسام البدن.
159
قوله عز وجل :﴿ والجانَّ خلقناه من قبل من نار السموم ﴾ وفي الجان ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه إبليس، قاله الحسن.
الثاني : أنهم الجن حكاه ابن شجرة.
الثالث : أنه أبو الجن قاله الكلبي فآدم أبو الإنس، والجان : أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين.
قال ابن عباس : الجان أبو الجن وليسوا شياطين. والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر١.
﴿ خلقناه من قبل ﴾ يعني من قبل آدم. قال قتادة : لأن آدم إنما خلق آخر الخلق٢.
وقوله تعالى :﴿ من نار السّموم ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يعني من لهب النار، قاله ابن عباس.
الثاني : يعني من نار الشمس، قاله عمرو بن دينار.
الثالث : من حر السموم، والسموم : الريح الحارة. ذكره ابن عيسى.
الرابع :٣أنه نار السموم نار الصواعق بين السماء وبين حجاب دونها، قاله الكلبي وسمي سموماً لدخوله في مسام البدن.
١ سقط من ق..
٢ سقط من ق..
٣ سقط من ق..
﴿وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾ قوله عز وجل: ﴿قال رَبِّ فأنظرني إلى يوم يبعثونَ﴾ وهذا السؤال من إبليس لم يكن من ثقة منه بمنزلته عند الله تعالى وأنه أهل أن يجاب له دعاء، ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه كفعل الآيس من السلامة. وأراد بسؤاله الإنظار إلى يوم يبعثون أن لا يموت، لأن يوم البعث لا موت فيه ولا بعده. فقال الله تعالى: ﴿فإنك من المنظرين﴾ يعني من المؤجلين. ﴿إلى يوم الوقت المعلوم﴾ فلم يجبه إلى البقاء. وفي الوقت المعلوم وجهان: أحدهما: معلوم عند الله تعالى، مجهول عند إبليس.
159
الثاني: إلى يوم النفخة الأولى يموت إبليس. وبين النفخة والنفخة أربعون سنة. فتكون مدة موت إبليس أربعين سنة، وهو قول ابن عباس وسمي يوم الوقت المعلوم لموت جميع الخلائق فيه. وليس هذا من الله تعالى إجابة لسؤاله، لأن الإجابة تكرمة، ولكن زيادة في بلائه، ويعرف أنه لا يضر بفعله غير نفسه. وفي كلام الله تعالى له قولان: أحدهما: أنه كلمه على لسان رسول. الثاني: أنه كلمه تغليظاً في الوعيد لا على وجه التكرمة والتقريب.
160
قوله عز وجل :﴿ قال رَبِّ فأنظرني إلى يوم يبعثونَ ﴾ وهذا السؤال من إبليس لم يكن من ثقة منه بمنزلته عند الله تعالى وأنه أهل أن يجاب له دعاء، ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه كفعل الآيس من السلامة. وأراد بسؤاله الإنظار إلى يوم يبعثون أن لا يموت، لأن يوم البعث لا موت فيه ولا بعده.
قال الله تعالى :﴿ فإنك من المنظرين ﴾ يعني من المؤجلين.
﴿ إلى يوم الوقت المعلوم ﴾ فلم يجبه إلى البقاء.
وفي الوقت المعلوم وجهان :
أحدهما : معلوم عند الله تعالى، مجهول عند إبليس.
الثاني : إلى يوم النفخة الأولى يموت إبليس. وبين النفخة والنفخة أربعون سنة. فتكون مدة موت إبليس أربعين سنة، وهو قول ابن عباس وسمي يوم الوقت المعلوم لموت جميع الخلائق فيه.
وليس هذا من الله تعالى إجابة لسؤاله، لأن الإجابة تكرمة، ولكن زيادة في بلائه، ويعرف أنه لا يضر بفعله غير نفسه.
وفي كلام الله تعالى له قولان :
أحدهما : أنه كلمه على لسان رسول.
الثاني : أنه كلمه تغليظاً في الوعيد لا على وجه التكرمة والتقريب.
﴿قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم﴾ قوله عز وجل: ﴿قال ربِّ بما أغوَيتني﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: بما أضللتني، قاله ابن عباس. الثاني: بما خيبتني من رحمتك. الثالث: بما نسبتني إلى الإغواء. ويحتمل هذا من إبليس وجهين: أحدهما: أنه يقوله على وجه القسم وتقديره: وحق إغوائك لي. الثاني: أنه يقوله على وجه الجزاء، وتقديره لأجل إغوائك لي. ﴿لأزينن لهم في الأرض﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: لأزينن لهم فعل المعاصي. الثاني: لأشغلنهم بزينة الدنيا عن فعل الطاعة.
160
﴿ولأغوينهم أجمعين﴾ أي لأضلنهم عن الهدى. ﴿إلاّ عبادك منهم المخلصين﴾ وهم الذين أخلصوا العبادة من فساد أو رياء حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى عليه السلام عن المخلص لله، فقال: الذي يعمل لله ولا يحب أن يحمده الناس. قوله عز وجل: ﴿قال هذا صراطٌ عليَّ مستقيم﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: معناه هذا صراط يستقيم بصاحبه حتى يهجم به على الجنة، قاله عمر رضي الله عنه. الثاني: هذا صراط إليَّ مستقيم، قاله الحسن فتكون عليَّ بمعنى إليَّ. الثالث: أنه وعيد وتهديد، ومعناه أن طريقه إليَّ ومرجعه عليَّ، كقول القائل لمن يهدده ويوعده: عليَّ طريقك، قاله مجاهد. الرابع: معناه هذا صراط، عليّ استقامته بالبيان والبرهان. وقيل بالتوفيق والهداية. وقرأ الحسن وابن سيرين: ﴿عليٌّ مستقيم﴾ برفع الياء وتنوينها، ومعناه رفيع مستقيم، أي رفيع أن ينال، مستقيم أن يمال.
161
﴿ إلاّ عبادك منهم المخلصين ﴾ وهم الذين أخلصوا العبادة من فساد أو رياء حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى عليه السلام عن المخلص للّه، فقال : الذي يعمل لله ولا يحب أن يحمده الناس.
قوله عز وجل :﴿ قال هذا صراطٌ عليَّ مستقيم ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : معناه هذا صراط يستقيم بصاحبه حتى يهجم به على الجنة، قاله عمر رضي الله عنه.
الثاني : هذا صراط إليَّ مستقيم، قاله الحسن فتكون عليَّ بمعنى إليَّ١.
الثالث : أنه وعيد وتهديد، ومعناه أن طريقه إليَّ ومرجعه عليَّ، كقول القائل لمن يهدده ويوعده : عليَّ طريقك، قاله مجاهد.
الرابع : معناه هذا صراط، عليّ استقامته بالبيان والبرهان. وقيل بالتوفيق والهداية. وقرأ الحسن وابن سيرين :﴿ عليٌّ مستقيم ﴾ برفع الياء وتنوينها، ومعناه رفيع مستقيم، أي رفيع أن ينال، مستقيم أن يمال.
١ سقط من ق..
﴿إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم﴾ قوله عز وجل: ﴿ادخلوها بسلامٍ آمنين﴾ في قوله ﴿بسلام﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: بسلامة من النار، قاله القاسم ابن يحيى. الثاني: بسلامة تصحبكم من كل آفة، قاله علي بن عيسى. الثالث: بتحية من الله لهم، وهو معنى قول الكلبي. ﴿آمنين﴾ فيه ثلاثة أوجه:
161
أحدها: آمنين من الخروج منها. الثاني: آمنين من الموت. الثالث: آمنين من الخوف والمرض. قوله عز وجل: ﴿ونزعنا ما في صدورهم مِنْ غِلٍّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: نزعنا بالإسلام ما في صدورهم من غل الجاهلية، قاله علي بن الحسين. الثاني: نزعنا في الآخرة ما في صدورهم من غل الدنيا، قاله الحسن، وقد رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً. ﴿إخواناً عَلَى سُرُرٍ متقابلين﴾ في السرر وجهان: أحدهما: أنه جمع أسرة هم عليها. الثاني: أنه جمع سرورهم فيه. وفي ﴿متقابلين﴾ خمسة أوجه: أحدها: متقابلين بالوجوه يرى بعضهم بعضاً فلا يصرف طرفه عنه تواصلاً وتحابياً، قاله مجاهد. الثاني: متقابلين بالمحبة والمودة، لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون، قاله علي بن عيسى. الثالث: متقابلين في المنزلة لا يفضل بعضهم فيها على بعض لاتفاقهم على الطاعة واستهوائهم في الجزاء، قاله أبو بكر بن زياد. الرابع: متقابلين في الزيارة والتواصل، قاله قتادة. الخامس: متقابلين قد أقبلت عليهم الأزواج وأقبلوا عليهم بالود، حكاه القاسم.
162
قيل إن هذه الآية نزلت في العشرة من قريش. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير منهم. قوله عز وجل: ﴿نَبِّىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم﴾ سبب نزولها ما روي أن النبي ﷺ خرج على أصحابه وهم يضحكون، فقال: (تضحكون وبين أيديكم الجنة والنار) فشق ذلك عليهم، فأنزل الله تعالى: ﴿نَبِّىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم﴾.
163
قوله عز وجل :﴿ ادخلوها بسلامٍ آمنين ﴾ في قوله ﴿ بسلام ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : بسلامة من النار، قاله القاسم ابن يحيى.
الثاني : بسلامة تصحبكم من كل آفة، قاله علي بن عيسى.
الثالث : بتحية من الله لهم، وهو معنى قول الكلبي.
﴿ آمنين ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : آمنين من الخروج منها.
الثاني : آمنين من الموت.
الثالث : آمنين من الخوف والمرض.
قوله عز وجل :﴿ ونزعنا ما في صدورهم مِنْ غِلٍّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نزعنا بالإسلام ما في صدورهم من غل١ الجاهلية، قاله علي بن الحسين.
الثاني : نزعنا في الآخرة ما في صدورهم من غل الدنيا، قاله الحسن، وقد رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً.
﴿ إخواناً عَلَى سُرُرٍ متقابلين ﴾ في السرر وجهان :
أحدهما : أنه جمع أسرة هم عليها.
الثاني : أنه جمع سرورهم فيه.
وفي ﴿ متقابلين ﴾ خمسة أوجه :
أحدها : متقابلين بالوجوه يرى بعضهم بعضاً فلا يصرف طرفه عنه تواصلاً وتحابياً، قاله مجاهد.
الثاني : متقابلين بالمحبة والمودة، لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون، قاله علي بن عيسى.
الثالث : متقابلين في المنزلة لا يفضل بعضهم فيها على بعض لاتفاقهم على الطاعة واستهوائهم في الجزاء، قاله أبو بكر بن زياد.
الرابع : متقابلين في الزيارة والتواصل، قاله قتادة.
الخامس : متقابلين قد أقبلت عليهم الأزواج وأقبلوا عليهم بالود، حكاه القاسم.
قيل إن هذه الآية نزلت في العشرة من قريش. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير منهم٢.
١ الغل: الحقد والعداوة.
.

٢ قال علي رضي الله عنه ذلك عندما دخل عليه عمران بن طلحة فرحب علي به، فقال: ترحب بي يا أمير المؤمنين وقد قتلت والدي وأخذت مالي ؟ قال: أما مالك فهو معزول في بيت المال أعد عليه فخذه، وأما أبوك فإني أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى فيهم: ونزعنا ما في صدورهم من غل ـ انظر تفسير الكشاف للزمخشري ٢/٤٥١.
.

قوله عز وجل :﴿ نَبِّىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم ﴾ سبب نزولها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يضحكون، فقال :" تضحكون وبين أيديكم الجنة والنار١ " فشق ذلك عليهم، فأنزل الله تعالى :﴿ نَبِّىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم ﴾
١ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن الزبير..
﴿ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون﴾ قوله عز وجل: ﴿قالوا لا توجل﴾ أي لا تخف، ومنه قول معن بن أوس:
(لعمرك ما أدري وأني لأوجل على أينا تعدو المنيةُ أوّلُ)
﴿إنّا نبشِّرك بغلامٍ عليم﴾ أي بولد هو غلام في صغره، عليم في كبره، وهو إسحاق. لقوله تعالى ﴿فضحكت فبشرناها بإسحاق﴾. وفي ﴿عليم﴾ تأويلان: أحدهما: حليم، قاله مقاتل. الثاني: عالم، قاله الجمهور. فأجابهم عن هذه البشرى مستفهماً لها متعجباً منها ﴿قال أبَشّرتموني على أن مسنيَ الكبر﴾ أي علو السن عند الإياس من الولد. ﴿فبم تبشرونَ﴾ فيه وجهان:
163
أحدهما: أنه قال ذلك استفهاماً لهم، هل بشروه بأمر الله؟ ليكون أسكن لنفسه. الثاني: أنه قال ذلك تعجباً من قولهم، قاله مجاهد. ﴿قالوا بشرناك بالحقّ﴾ أي بالصدق، إشارة منهم إلى أنه عن الله تعالى. ﴿فلا تكن مِنَ القانطين﴾ أي من الآيسين من الولد.
164
قوله عز وجل :﴿ قالوا لا توجل ﴾ أي لا تخف، ومنه قول معن بن أوس :
لعمرك ما أدري وأني لأوجل على أينا تعدو المنيةُ أوّلُ
﴿ إنّا نبشِّرك بغلامٍ عليم ﴾ أي بولد هو غلام في صغره، عليم في كبره، وهو إسحاق.
لقوله تعالى :﴿ فضحكت فبشرناها بإسحاق ﴾.
وفي ﴿ عليم ﴾ تأويلان :
أحدهما : حليم، قاله مقاتل.
الثاني : عالم، قاله الجمهور.
فأجابهم عن هذه البشرى مستفهماً لها متعجباً منها ﴿ قال أبَشّرتموني على أن مسنيَ الكبر ﴾ أي علو السن عند الإياس من الولد.
﴿ فبم تبشرونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه قال ذلك استفهاماً لهم، هل بشروه بأمر الله ؟ ليكون أسكن لنفسه.
الثاني١ : أنه قال ذلك تعجباً من قولهم، قاله مجاهد.
١ سقط من ك..
﴿ قالوا بشرناك بالحقّ ﴾ أي بالصدق، إشارة منهم إلى أنه عن الله تعالى.
﴿ فلا تكن مِنَ القانطين ﴾ أي من الآيسين من الولد.
﴿قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين﴾ قوله عز وجل: ﴿قالوا إنا أُرسلنا إلى قومٍ مجرمين إلاّ آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين﴾ آل لوط اتباعه ومؤمنو قومه، سمّاهم آلَهُ لنصرتهم له، وإيمانهم به، فاستثناهم من المجرمين المأمور بهلاكهم، فخرجوا بالاستثناء منهم. ثم قال تعالى ﴿إلاّ امْراَته﴾ فكانت مستثناة من آل لوط ولاحقة بالمجرمين، لأن كل استثناء يعود إلى ما تقدمه فيخالفه في حكمه. فإن عاد إلى إثبات كان الاستثناء نفياً، وإن عاد إلى نفي كان الاستثناء إثباتاً، فصارت امرأة لوط ملحقة بالمجرمين المهلكين. ومثال هذا في الإقرار أن يقول له: عليّ عشرة إلا سبعة إلا أربعة، فيكون عليه سبعة لأن الأربعة استثناء يرجع إلى السبعة التي قبلها، فصار الباقي منها ثلاثة. وتصير الثلاثة الباقية هي الاستثناء الراجع إلى العشرة، فيبقى منها سبعة. وهكذا في الطلاق لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً أو اثنتين إلا واحدة طلقت ثنتين لأن الواحدة ترجع إلى الثنتين، فتبقى منها واحدة فتصير الواحدة هي القدر المستثنى من الثلاثة فيصير الباقي منها ثنتين وهكذا حكم قوله: ﴿إلا امرأته﴾. ﴿قدرنا﴾ فيه وجهان: أحدهما: معناه قضينا، قاله النخعي. الثاني: معناه كتبنا، قاله علي بن عيسى.
164
﴿إنها لَمِنَ الغابرين﴾ فيه وجهان: أحدهما: أي من الباقين في العذاب مع المجرمين. الثاني: من الماضين بالعذاب.
165
قوله عز وجل :﴿ قالوا إنا أُرسلنا إلى قومٍ مجرمين إلاّ آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ﴾ آل لوط أتباعه ومؤمنو قومه، سمّاهم آلَهُ لنصرتهم له، وإيمانهم به، فاستثناهم من المجرمين المأمور بهلاكهم، فخرجوا بالاستثناء منهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:قوله عز وجل :﴿ قالوا إنا أُرسلنا إلى قومٍ مجرمين إلاّ آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ﴾ آل لوط أتباعه ومؤمنو قومه، سمّاهم آلَهُ لنصرتهم له، وإيمانهم به، فاستثناهم من المجرمين المأمور بهلاكهم، فخرجوا بالاستثناء منهم.
ثم قال تعالى ﴿ إلاّ امرأته ﴾ فكانت مستثناة من آل لوط ولاحقة بالمجرمين، لأن كل استثناء يعود إلى ما تقدمه فيخالفه في حكمه. فإن عاد إلى إثبات كان الاستثناء نفياً، وإن عاد إلى نفي كان الاستثناء إثباتاً، فصارت امرأة لوط ملحقة بالمجرمين المهلكين.
ومثال هذا في الإقرار أن يقول له : عليّ عشرة إلا سبعة إلا أربعة، فيكون عليه سبعة لأن الأربعة استثناء يرجع إلى السبعة التي قبلها، فصار الباقي منها ثلاثة. وتصير الثلاثة الباقية هي الاستثناء الراجع إلى العشرة، فيبقى منها سبعة.
وهكذا في الطلاق لو قال لزوجته : أنت طالق ثلاثاً أو اثنتين إلا واحدة طلقت ثنتين لأن الواحدة ترجع إلى الثنتين، فتبقى منها واحدة فتصير الواحدة هي القدر المستثنى من الثلاثة فيصير الباقي منها ثنتين وهكذا حكم قوله :﴿ إلا امرأته ﴾. ﴿ قدرنا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه قضينا، قاله النخعي.
الثاني : معناه كتبنا، قاله علي بن عيسى.
﴿ إنها لَمِنَ الغابرين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي من الباقين في العذاب مع المجرمين.
الثاني : من الماضين بالعذاب.
﴿فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين﴾ قوله عز وجل: ﴿فأسرِ بأهلك بقطع مِن الليل﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: بآخر الليل، قاله الكلبي. الثاني: ببعض الليل، قاله مقاتل. الثالث: بظلمة الليل، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:
(ونائحةٍ تنوحُ بقطع ليلٍ على رَجُلٍ بقارعةِ الصعيد)
قوله عز وجل: ﴿وقضينا إليه ذلك الأمر﴾ أي أوحينا إليه ذلك الأمر. ﴿أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين﴾ فيه وجهان: أحدهما: آخرهم. الثاني: أصلهم. ﴿مقطوع مصبحين﴾ أي يستأصلون بالعذاب عند الصباح.
قوله عز وجل :﴿ فأسرِ بأهلك بقطع مِن الليل ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : بآخر الليل، قاله الكلبي.
الثاني : ببعض الليل، قاله مقاتل.
الثالث : بظلمة الليل، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر١ :
ونائحةٍ تنوحُ بقطع ليلٍ على رَجُلٍ بقارعةِ الصعيد
١ هو مالك بن كنانة..
قوله عز وجل :﴿ وقضينا إليه ذلك الأمر ﴾ أي أوحينا إليه ذلك الأمر.
﴿ أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : آخرهم.
الثاني : أصلهم.
﴿ مقطوع مصبحين ﴾ أي يستأصلون بالعذاب عند الصباح.
﴿وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أو لم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون﴾
165
قوله عز وجل: ﴿لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون﴾ لعمرك: قسم فيه أربعة أوجه: أحدها: معناه وعيشك، وهذا مروي عن ابن عباس. الثاني: معناه وعملك، قاله قتادة. الثالث: معناه وحياتك، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً وقال: ما أقسم الله تعالى بحياة غيره. الرابع: وحقك، يعني الواجب على أمتك، والعمر الحق، ومنه قولهم: لعمر الله، أي وحق الله. وفي ﴿سكرتهم﴾ وجهان: أحدهما: في ضلالتهم، قاله قتادة. الثاني: في غفلتهم، قاله الأعمش. وفي ﴿يعمهون﴾ أربعة أوجه: أحدها: معناه يترددون، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وأبو مالك. الثاني: يتمارون، قاله السدي. الثالث: يلعبون، قاله الأعمش. الرابع: يمنعون، قاله الكلبي.
166
قوله عز وجل :﴿ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ﴾ لعمرك : قسم فيه أربعة أوجه :
أحدها : معناه وعيشك، وهذا مروي عن ابن عباس.
الثاني : معناه وعملك، قاله قتادة.
الثالث : معناه وحياتك، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً وقال : ما أقسم الله تعالى بحياة غيره.
الرابع : وحقك، يعني الواجب على أمتك، والعمر الحق، ومنه قولهم : لعمر الله، أي وحق الله. وفي ﴿ سكرتهم ﴾ وجهان :
أحدهما : في ضلالتهم، قاله قتادة.
الثاني : في غفلتهم، قاله الأعمش.
وفي ﴿ يعمهون ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : معناه يترددون، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وأبو مالك.
الثاني : يتمارون، قاله السدي.
الثالث : يلعبون، قاله الأعمش.
الرابع : يمنعون، قاله الكلبي.
﴿فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين﴾
166
قوله تعالى: ﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ للمتوسمين﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: للمتفرسين، قاله مجاهد. وروي عن النبي ﷺ أنه قال: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) ثم تلا هذه الآية... الثاني: للمعتبرين، قاله قتادة. الثالث: للمتفكرين، قاله ابن زيد. الرابع: للناظرين، قاله الضحاك. قال زهير بن أبي سلمى:
(وفيهن ملهى للصديق ومنظر أنيقٌ لعَيْنِ الناظر المتوسم)
الخامس: للمبصرين، قاله أبو عبيدة. قال الحسن: هم الذين يتوسمون الأمور
167
فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار، ومنه قول عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم:
(إني توسمت فيك الخير أعرِفُه والله يعلم أني ثابت البصر)
قوله عز وجل: ﴿وإنها لبسبيل مقيم﴾ فيه تأويلان: أحدهما: لهلاك دائم، قاله ابن عباس. الثاني: لبطريق معلم، قاله مجاهد. يعني بقوله ﴿وإنما﴾ أهل مدائن قوم لوط وأصحاب الأيكة قوم شعيب.
168
قوله تعالى :﴿ إنَّ في ذلك لآياتٍ للمتوسمين ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : للمتفرسين، قاله مجاهد. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم تلا هذه الآية١. . .
الثاني : للمعتبرين، قاله قتادة.
الثالث : للمتفكرين، قاله ابن زيد.
الرابع : للناظرين، قاله الضحاك. قال زهير بن أبي سلمى :
وفيهن ملهى للصديق ومنظر أنيقٌ لعَيْنِ الناظر المتوسم
الخامس : للمبصرين، قاله أبو عبيدة. قال الحسن : هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار، ومنه قول عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم :
إني توسمت فيك الخير أعرِفُه والله يعلم أني ثابت البصر
١ رواه الترمذي في التفسير..
قوله عز وجل :﴿ وإنها لبسبيل مقيم ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لهلاك دائم، قاله ابن عباس.
الثاني : لبطريق معلم، قاله مجاهد. يعني بقوله :﴿ وإنما ﴾ أهل مدائن قوم لوط وأصحاب الأيكة قوم شعيب.
﴿وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين﴾ قوله عز وجل: ﴿وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين﴾ يعني في تكذيب رسول الله إليهم وهو شعيب، لأنه بعثَ إلى أمتين، أصحاب الأيكة وأهل مدين. فأما أهل مدين فأهلكوا بالصيحة، وأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة التي احترقوا بنارها، قاله قتادة. وفي ﴿الأيكة﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الغيضة، قاله مجاهد. الثاني: أنه االشجر الملتف، وكان أكثر شجرهم الدوم وهو المقل، وهذا قول ابن جرير، ومنه قول النابغة الذبياني:
(تجلو بِقادِمَتَي حمامةِ أيكة بَرَداص أُسفَّ لثاثُهُ الإثمدِ)
الثالث: أن الأيكة اسم البلد، وليكة اسم المدينة بمنزلة بكة من مكة، حكاه ابن شجرة. قوله عز وجل: ﴿فانتقمنا منهم وإنهما لبإمامٍ مبينٍ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: لبطريق واضح، قاله قتادة. وقيل للطريق إمام لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى مقصده.
168
الثاني: لفي كتاب مستبين، قاله السدي. وإنما سمي الكتاب إماماً لتقدمه على سائر الكتب، وقال مؤرج: هو الكتاب بلغة حِمْيَر. ويعني بقوله ﴿وإنهما﴾ أصحاب الأيكة وقوم لوط.
169
قوله عز وجل :﴿ فانتقمنا منهم وإنهما لبإمامٍ مبينٍ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لبطريق واضح، قاله قتادة. وقيل للطريق إمام لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى مقصده.
الثاني : لفي كتاب مستبين، قاله السدي. وإنما سمي الكتاب إماماً لتقدمه على سائر الكتب، وقال مؤرج : هو الكتاب بلغة حِمْيَر.
ويعني بقوله :﴿ وإنهما ﴾ أصحاب الأيكة وقوم لوط.
﴿ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون﴾ قوله عز وجل: ﴿ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين﴾ وهم ثمود قوم صالح. وفي ﴿الحجر﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه الوادي، قاله قتادة. الثاني: أنها مدينة ثمود، قاله ابن شهاب. الثالث: ما حكاه ابن جرير أن الحجر أرض بين الحجاز والشام. وروى جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ مرّ في غزاة تبوك بالحجر، فقال: (هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلاّ رجلاً كان في حَرَم الله، منعه حرمُ الله من عذاب الله). قيل: يا رسول الله من هو؟ قال: (أبو رغال). قوله عز وجل: ﴿وكانوا ينحتون مِنَ الجبال بيوتاً آمنين﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: آمنين أن تسقط عليهم. الثاني: آمنين من الخراب. الثالث: آمنين من العذاب. الرابع: آمنين من الموت.
قوله عز وجل :﴿ وكانوا ينحتون مِنَ الجبال بيوتاً آمنين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : آمنين أن تسقط عليهم.
الثاني : آمنين من الخراب.
الثالث : آمنين من العذاب.
الرابع : آمنين من الموت.
﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم﴾
169
قوله عز وجل: ﴿فاصفح الصفح الجميل﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: أنه الإعراض من غير جزع. الثاني: أنه صفح المنكر عليهم بكفرهم، المقيم على وعظهم، قاله ابن بحر. الثالث: أنه العفو عنهم بغير توبيخ ولا تعنيف. الرابع: أنه الرضا بغير عتاب، قاله علي بن أبي طالب. وفيه قولان: أحدهما: أنه أمر بالصفح عنهم في حق الله تعالى، ثم نسخ بالسيف، فقال لهم النبي ﷺ بعد ذلك، (لقد أتيتكم بالذبح، وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة) قاله عكرمة ومجاهد. الثاني: أنه أمره بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم، قاله الحسن.
170
﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين﴾ قوله عز وجل: ﴿ولقد آتيناك سبعاً مِن المثاني والقرآن العظيم﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: أن السبع المثاني هي الفاتحة، سميت بذلك لأنها تثنى كلما قرىء القرآن وصُلّي، قاله الربيع بن أنس وأبو العالية والحسن. وقيل: لأنها يثني فيها الرحمن الرحيم، ومنه قول الشاعر:
(نشدتكم بمنزل القرآن أمّ الكتاب السّبع من مثاني)
(ثُنِّين مِن آيٍ مِن القرآن والسبع سبع الطول الدواني)
الثاني: أنها السبع الطوَل: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد.
170
قال ابن عباس: سميت المثاني لما تردد فيها من الأخبار والأمثال والعبر وقيل: لأنها قد تجاوزت المائة الأولى إلى المائة الثانية. قال جرير:
(جزى الله الفرزدق حين يمسي مضيعاً للمفصل والمثاني)
الثالث: أن المثاني القرآن كله، قاله الضحاك، ومنه قول صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فقد كان نوراً ساطعاً يهتدى به يخص بتنزيل المثاني المعظم)
الرابع: أن المثاني معاني القرآن السبعة أمر ونهي وتبشير وإنذار وضرب أمثال وتعديد نعم وأنباء قرون، قاله زياد بن أبي مريم. الخامس: أنه سبع كرامات أكرمه الله بها، أولها الهدى ثم النبوة، ثم الرحمةِ ثم الشفقة ثم المودة ثم الألفة ثم السكينة وضم إليها القرآن العظيم، قاله جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما. قوله عز وجل: ﴿لا تمدن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم﴾ يعني ما متعناهم به من الأموال. وفي قوله: ﴿أزواجاً منهم﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم الأشباه، قاله مجاهد. الثاني: أنهم الأصناف قاله أبو بكر بن زياد. الثالث: أنهم الأغنياء، قاله ابن أبي نجيح. ﴿ولا تحزن عليهم﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا تحزن عليهم بما أنعمت عليهم في دنياهم. الثاني: لا تحزن بما يصيرون إليه من كفرهم. ﴿واخفض جناحك للمؤمنين﴾ فيه وجهان: أحدهما: اخضع لهم، قاله سعيد بن جبير. الثاني: معناه أَلِنْ جانبك لهم، قال الشاعر:
171
وروى أبو رافع أن النبي ﷺ نزل به ضيف فلم يلق عنده أمراً يصلحه، فأرسل إلى رجل من اليهود يستسلف منه دقيقاً إلى هلال رجب، فقال: لا إلاّ برهن، فقال النبي ﷺ (أما والله إني لأمينٌ في السماء وأمين في الأرض، ولو أسلفني أو باعني لأدّيتُ إليه) فنزلت عليه ﴿لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم﴾.
172
قوله عز وجل :﴿ لا تمدن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم ﴾ يعني ما متعناهم به من الأموال.
وفي قوله :﴿ أزواجاً منهم ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم الأشباه، قاله مجاهد.
الثاني : أنهم الأصناف، قاله أبو بكر بن زياد.
الثالث : أنهم الأغنياء، قاله ابن أبي نجيح.
﴿ ولا تحزن عليهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تحزن عليهم بما أنعمت عليهم في دنياهم.
الثاني : لا تحزن١ بما يصيرون إليه من كفرهم.
﴿ واخفض جناحك للمؤمنين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : اخضع لهم، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : معناه أَلِنْ جانبك لهم، قال الشاعر :
(وحسبك فتيةٌ لزعيم قومٍ يمدّ على أخي سُقْم جَناحا)
وحسبك فتيةٌ لزعيم قومٍ يمدّ على أخي سُقْم جَناحا
وروى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل به ضيف فلم يلق عنده أمراً يصلحه، فأرسل إلى رجل من اليهود يستسلف منه دقيقاً إلى هلال رجب، فقال : لا إلاّ برهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما والله إني لأمينٌ في السماء وأمين في الأرض، ولو أسلفني أو باعني لأدّيتُ إليه " فنزلت عليه ﴿ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ﴾
١ سقط من ك..
﴿وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون﴾ قوله عز وجل: ﴿كما أنزلنا على المقتسمين﴾ فيهم سبعة أقاويل: أحدها: أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى اقتسموا القرآن فجعلوه أعضاءً أي أجزاءً فآمنوا ببعض منها وكفروا ببعض، قاله ابن عباس. الثاني: أنهم أهل الكتاب اقتسموا القرآن استهزاءً به، فقال بعضهم: هذه السورة لي، وهذه السورة لك، فسموا مقتسمين، قاله عكرمة. الثالث: أنهم أهل الكتاب اقتسموا كتبهم، فآمن بعضهم ببعضها، وآمن آخرون منهم بما كفر به غيرهم وكفروا بما آمن به غيرهم، فسماهم الله تعالى مقتسمين، قاله مجاهد. الرابع: أنهم قوم صالح تقاسموا على قتله، فسموا مقتسمين، كما قال تعالى ﴿قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله﴾ [النمل: ٤٩] قاله ابن زيد. الخامس: أنهم قوم من كفار قريش اقتسموا طرق مكة ليتلقوا الواردين إليها من القبائل فينفروهم عن رسول الله ﷺ بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون، حتى لا يؤمنوا به، فأنزل الله تعالى عليهم عذاباً فأهلكهم، قاله الفراء. السادس: أنهم قوم من كفار قريش قسموا كتاب الله، فجعلوا بعضه شعراً وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين، قاله قتادة.
172
السابع: أنهم قوم أقسموا أيماناً تحالفوا عليها، قاله الأخفش. وقيل إنهم العاص بن وائل وعبتة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف ومنبه بن الحجاج. قوله عز وجل: ﴿الذين جعلوا القرآن عضين﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: يعني فرقاً، فجعلوا بعضه شعراً، وبعضه سحراً، وبعضه كهانة، وبعضه أساطير الأولين، فجعلوه أعضاء كما يعضّى الجزور و ﴿عضين﴾ جمع عضو، مأخوذ من عضَّيت الشيء تعضية إذا فرقته كما قال رؤبة بن العجاج:
٨٩ (وليس دينُ الله بالمعضى} ٩
يعني بالمفرَّق، قاله ابن عباس والضحاك. الثاني: أن العضين جمع عضه وهو البهت، ومن قولهم: عضهتُ الرجل أعضهه عضهاً إذا بهتّه، لأنهم بهتوا كتاب الله تعالى فيما رموه به، قاله قتادة. ومنه قول الشاعر:
٨٩ (إن العضيهة ليستْ فعل أحرار} ٩
الثالث: أن العضين المستهزئون، لأنه لما ذكر في القرآن البعوض والذباب والنمل والعنكبوت قال أحدهم: أنا صاحب البعوض، وقال آخر: أنا صاحب الذباب وقال آخر: أنا صاحب النمل. وقال آخر: أنا صاحب العنكبوت، استهزاء منهم بالقرآن، قاله الشعبي والسدي. الرابع: أنه عنى بالعضه السحر، لأنهم جعلوا القرآن سحراً، قاله مجاهد، قال الشاعر:
٨٩ (لك من عضائهن زمزمة} ٩
يعني من سحرهن. وقال عكرمة: العضه السحر بلسان قريش يقولون للساحرة العاضهة، ومنه ما روي عن النبي ﷺ أنه لعن العاضهة والمستعضهه، يعني الساحرة والمستسحرة.
173
وفي اشتقاق العضين وجهان: أحدهما: أنه مشتق من الأعضاء، وهو قول عبيدة. الثاني: أنه مشتق من العضه وهو السحر، وهو قول الفراء. قوله عز وجل: ﴿فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني عما كانوا يعبدون، قاله أبو العالية. الثاني: عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين، رواه الربيع بن أنس.
174
قوله عز وجل :﴿ كما أنزلنا على المقتسمين ﴾ فيهم سبعة أقاويل :
أحدها : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى اقتسموا القرآن فجعلوه أعضاءً أي أجزاءً فآمنوا ببعض منها وكفروا ببعض، قاله ابن عباس.
الثاني : أنهم أهل الكتاب اقتسموا القرآن استهزاءً به، فقال بعضهم : هذه السورة لي، وهذه السورة لك، فسموا مقتسمين، قاله عكرمة.
الثالث : أنهم أهل الكتاب اقتسموا كتبهم، فآمن بعضهم ببعضها، وآمن آخرون منهم بما كفر به غيرهم وكفروا بما آمن به غيرهم، فسماهم الله تعالى مقتسمين، قاله مجاهد.
الرابع : أنهم قوم صالح تقاسموا على قتله، فسموا مقتسمين، كما قال تعالى
﴿ قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله١، قاله ابن زيد.
الخامس : أنهم قوم من كفار قريش اقتسموا طرق مكة ليتلقوا الواردين إليها من القبائل فينفروهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون، حتى لا يؤمنوا به، فأنزل الله تعالى عليهم عذاباً فأهلكهم، قاله الفراء.
السادس : أنهم قوم من كفار قريش قسموا كتاب الله، فجعلوا بعضه شعراً وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين، قاله قتادة.
السابع : أنهم قوم أقسموا أيماناً تحالفوا عليها، قاله الأخفش.
وقيل إنهم العاص بن وائل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف ومنبه بن الحجاج٢.
١ آية ٤٩ من سورة النمل..
٢ سقط من ق. وقد نقل القرطبي ذلك من المؤلف. انظر تفسيره ١٠/٥٨..
قوله عز وجل :﴿ الذين جعلوا القرآن عضين ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني فرقاً، فجعلوا بعضه شعراً، وبعضه سحراً، وبعضه كهانة، وبعضه أساطير الأولين، فجعلوه أعضاء كما يعضّى الجزور و ﴿ عضين ﴾ جمع عضو، مأخوذ من عضَّيت الشيء تعضية إذا فرقته كما قال رؤبة بن العجاج :
*** وليس دينُ الله بالمعضى
يعني بالمفرَّق، قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني : أن العضين جمع عضه وهو البهت، ومن قولهم : عضهتُ الرجل أعضهه عضهاً إذا بهتّه، لأنهم بهتوا كتاب الله تعالى فيما رموه به، قاله قتادة. ومنه قول الشاعر :
*** إن العضيهة ليستْ فعل أحرار
الثالث : أن العضين المستهزئون، لأنه لما ذكر في القرآن البعوض والذباب والنمل والعنكبوت قال أحدهم : أنا صاحب البعوض، وقال آخر : أنا صاحب الذباب وقال آخر : أنا صاحب النمل. وقال آخر : أنا صاحب العنكبوت، استهزاء منهم بالقرآن، قاله الشعبي والسدي.
الرابع : أنه عنى بالعضه السحر، لأنهم جعلوا القرآن سحراً، قاله مجاهد، قال الشاعر :
لك من عضائهن زمزمة ***
يعني من سحرهن. وقال عكرمة : العضه السحر بلسان قريش يقولون للساحرة العاضهة، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن العاضهة والمستعضهه، يعني الساحرة والمستسحرة.
١وفي اشتقاق العضين وجهان :
أحدهما : أنه مشتق من الأعضاء، وهو قول عبيدة.
الثاني : أنه مشتق من العضه وهو السحر، وهو قول الفراء.
١ سقط من ق..
قوله عز وجل :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني عما كانوا يعبدون، قاله أبو العالية.
الثاني : عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين، رواه الربيع بن أنس. . . . . . . . .
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:قوله عز وجل :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني عما كانوا يعبدون، قاله أبو العالية.
الثاني : عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين، رواه الربيع بن أنس.........

﴿فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ قوله عز وجل: ﴿فاصدع بما تؤمر﴾ فيه ستة تأويلات: أحدها: فامضِ بما تؤمر، قاله ابن عباس. الثاني: معناه فاظهر بما تُؤمر، قاله الكلبي. قال الشاعر:
(ومَن صادعٌ بالحق يعدك ناطقٌ بتقوى ومَن إن قيل بالجوْر عيّرا)
الثالث: يعني إجهر بالقرآن في الصلاة، قاله مجاهد. الرابع: يعني أعلن بما يوحى إليك حتى تبلغهم، قاله ابن زيد. الخامس: معناه افرق بين الحق والباطل، قاله ابن عيسى. السادس: معناه فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى، حكاه النقاش. وقال رؤية: ما في القرآن أعْرَبُ من قوله ﴿فاصدع بما تؤمر﴾ ﴿وأعرض عن الجاهلين﴾ فيه ثلاثة أوجه:
174
أحدها: أنه منسوخ بقوله تعالى ﴿فاقتلوا المشركين﴾ [التوبة: ٥] قاله ابن عباس. الثاني: أعرض عن الاهتمام باستهزائهم. الثالث: معناه بالاستهانة بهم، قاله ابن بحر. ثم فيه وجهان: أحدهما: اصدع الحق بما تؤمر من اظهاره. الثاني: اصدع الباطل بما تؤمر من إبطاله. قوله تعالى: ﴿إنّا كفيناكَ المستهزئينَ﴾ وهم خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة، والأسود بن عبد يغوث، والحراث بن الطلاطلة. أهلكهم الله جميعاً قبل بدر لاتسهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبب هلاكهم ما حكاه مقسم وقتادة أن الوليد بن المغيرة ارتدى فعلق سهم بردائه، فذهب فجلس فقطع أكحله فنزف فمات. وأما العاص بن وائل فوطىء على شوكة، فتساقط لحمه عن عظامه، فمات، وأما أبو زمعة فعمى. وأما الأسود بن عبد يغوث فإنه أتى بغصن شوك فأصاب عينيه، فسالت حدقتاه على وجهه، فكان يقول: [دعا] عليّ محمد فاستجيب له، ودعوت عليه فاستجيب لي، دعا عليّ أن أعمى فعميت، ودعوت عليه أن يكون طريداً بيثرب، فكان كذلك، وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه استسقى بطنه، وكان رسول الله ﷺ قال لجبريل [حين] نزل عليه بقوله تعالى: ﴿إنا كفيناك المستهزئين﴾ (دع لي خالي) يعني الأسود بن الطلاطلة فقال له: كفيت. قوله عز وجل: ﴿ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك﴾ أي قلبك لأن الصدر محل القلب. ﴿بما يقولون﴾ يعني من الاستهزاء، وقيل من الكذب بالحق. ﴿فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين﴾ فيه وجهان:
175
أحدهما: الخاضعين. الثاني: المصلين. ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ فيه وجهان: أحدهما: الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك، قاله شجرة. الثاني: الموت الذي لا محيد عنه، قاله الحسن ومجاهد وقتادة.
176
سورة النحل
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وجابر: وقال ابن عباس: هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي قوله ﴿ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً﴾ إلى قوله ﴿ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ نزلت بعد قتل حمزة بأحد. بسم الله الرحمن الرحيم
177
قوله تعالى :﴿ إنّا كفيناكَ المستهزئينَ ﴾ وهم خمسة : الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة١، والأسود بن عبد يغوث، والحراث٢ بن الطلاطلة. أهلكهم الله جميعاً قبل بدر لاستهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسبب هلاكهم ما حكاه مقسم وقتادة أن الوليد بن المغيرة ارتدى فعلق سهم بردائه، فذهب فجلس فقطع أكحله فنزف فمات. وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة، فتساقط لحمه عن عظامه، فمات، وأما أبو زمعة فعمى. وأما الأسود بن عبد يغوث فإنه أتى بغصن شوك فأصاب عينيه، فسالت حدقتاه على وجهه، فكان يقول :[ دعا ] عليّ محمد فاستجيب له، ودعوت عليه فاستجيب لي، دعا عليّ أن أعمى فعميت، ودعوت عليه أن يكون طريداً بيثرب، فكان كذلك، وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه استسقى بطنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل [ حين ] نزل عليه بقوله تعالى :﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾ " دع لي خالي " يعني الأسود بن الطلاطلة فقال له : كفيت.
١ اسمه الأسود بن عبد المطلب بن أسد..
٢ في الأصول: ابن عطية، والتصويب من سيرة ابن هشام ٢/٥١، ٥٢ والطلاطلة لغة الداهية، وهي اسم أمه وفي السيرة الشامية أن الطلاطلة اسم أبيه.
.

قوله عز وجل :﴿ ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك ﴾ أي قلبك لأن الصدر محل القلب.
﴿ بما يقولون ﴾ يعني من الاستهزاء، وقيل من التكذيب بالحق.
﴿ فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الخاضعين.
الثاني : المصلين.
﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك، قاله شجرة.
الثاني : الموت الذي لا محيد عنه، قاله الحسن ومجاهد وقتادة.
Icon