تفسير سورة الذاريات

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الذاريات مكية
وهي ستون آية وثلاث ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ والذاريات ﴾ أي : الرياح، فإنها تذرو التراب، وغيره، ﴿ ذروا١
١ مفعول مطلق لقوله:﴿والذاريات﴾ لأن معناه الذي تذرو ذروا، وكذا وقرا، وأما أمرا في قوله:﴿فالمقسمات أمرا﴾فهو مفعول به للمقسمات، وهي تعمل لاعتمادها على الألف واللام /١٢ منه..
﴿ فالحاملات ﴾ : السحاب، فإنها تحمل المطر، ﴿ وقرا١ : حملا،
١ الفاء لترتيب الإقسام بها باعتبار ما بينهما من التفاوت في الدلالة على كمال القدرة كما مر في سورة "والصافات"/١٢ منه..
﴿ فالجاريات ﴾ : السفن التي تجري في البحر، ﴿ يسرا ﴾ أي : جريا ذا يسر، أي : ذا سهولة، وعن بعض هي النجوم تجري بسهولة في أفلاكها،
﴿ فالمقسمات ﴾ : الملائكة، ﴿ أمرا ﴾ : يقسمون الأمور بين الخلائق١،
١ اتفق على ما فسرنا جمع من السلف كابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وقتادة، وهو المنقول بروايات متعددة عن علي بن أبي طالب، وروى الحافظ أبو بكر الرازي على ذلك حديثا مرفوعا/١٢ منه..
﴿ إنما توعدون ﴾ أي : البعث جواب للقسم، وما مصدرية، أو موصولة، ﴿ لصادق ﴾، هو كعيشة راضية،
﴿ وإن الدين ﴾ : الجزاء، ﴿ لواقع ﴾ : حاصل،
﴿ والسماء ذات الحبك١ : الحسن والبهاء٢، أو لها حبك كحبك الرمل إذا ضربته الريح، وحبك شعر الجعد، ولكنها لا يرى لعبدها، أو ذات الشدة، أو الصفاقة، أو النجوم،
١ الحبك: تكسر كل شيء كالرمل والماء من هبوب الريح عليه، أو ذات الشدة، أو ذات الطرق/١٢ وجيز..
٢ وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وكثير من السلف/١٢ منه..
﴿ إنكم ﴾ : أيها المشركون، ﴿ لفي قول مختلف ﴾ : مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع في أمر الدين جواب للقسم،
﴿ يؤفك ﴾ : يصرف، ﴿ عنه ﴾ : عن الدين، أو عن ما توعدون، ﴿ من أفك ﴾ : من صرف أي : يصرف عنه من صرف الصرف الذي لا أشد منه، والمبالغة من إسناد الفعل إلى من وصف به، وهو قريب من قوله :﴿ فغشيهم من اليم ما غشيهم ﴾[ طه : ٧٨ ] أو يصرف عن الهداية بسبب قول مختلف من صرف، فعن بمعنى السبب، والأجل، والضمير للقول، فإنهم كانوا يتقون من يريد الإيمان يقولون : إنه ساحر مجنون كذا وكذا، فيصرفونه عن الإيمان،
﴿ قتل الخرّاصون ﴾ : الكذابون ممن يختلف قولهم، والمراد من هذا الدعاء اللعن،
﴿ الذين هم في غمرة ﴾ : جهل يغمرهم، ﴿ ساهون ﴾ : غافلون،
﴿ يسألون أيان يوم الدين ﴾ أي : متى وقوع يوم الجزاء١،
١ قدرنا المضاف في:"أيان يوم الدين"، لأنه لا يسأل بأيان إلا عن الحدث كما تقول: أيان القدوم؟ فيقال: يوم كذا، والسؤال سؤال تكذيب واستهزاء/١٢ منه مع الوجيز..
﴿ يوم هم على النار يفتنون ﴾ : يحرقون، ونصب يوم على الظرف أي : يقع يوم،
﴿ ذوقوا ﴾ أي : يقال لهم ذلك، ﴿ فتنتكم ﴾ : عذابكم، ﴿ هذا الذي كنتم به تستعجلون ﴾ أي : تستعجلون به في الدنيا سخرية.
﴿ إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم ﴾ : من النعيم راضين به، ﴿ إنهم كانوا قبل ذلك ﴾ أي : في الدنيا، ﴿ محسنين ﴾ : قد أحسنوا أعمالهم،
﴿ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون١ : ينامون، فما زائدة، ويهجعون خبر كان، وقليلا إما ظرف أي : زمانا قليلا، ومن الليل إما صفة، أو متعلق بيهجعون، وإما مفعول مطلق أي : هجوعا قليلا، ولو جعلت ما مصدرية فما يهجعون فاعل قليلا ومن الليل بيان، أو حال من المصدر، ومن للابتداء، وأما جعلها نافية٢ أي : الهجوع في قليل من الليل منتف بمعنى إن عادتهم إحياء جميع أجزاء الليل، فلا نوم لهم أصلا، أو إن عادتهم التهجد في جميع الليالي، فلا يمكن أن يناموا جميع ليل واحد فجائز عند من يجوز تقديم معمول ما النافية إذا كان ظرفا،
١ لما ذكر الله تعظيم نفسه أشار إلى الشفقة على خلقه، فقال:﴿وفي أموالهم﴾ الآية/١٢ كبير..
٢ كلام ابن عباس وقتادة ومجاهد وأنس بن مالك وأبي العالية على أن ما نافية، الأول قول الحسن البصري/١٢منه..
﴿ وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق١ : نصيب، ﴿ للسائل والمحروم ﴾ : هو من ليس له في بيت المال سهم، ولا كسب له ولا حرفة، أو من لا يسأل الناس فيحسب غنيا، أو المصاب ماله،
١ والظاهر أنهم جعلوا من أموالهم للفقراء، فالمراد صدقة التطوع مع أنه في سلك غير الواجب، ولما ذكر في البين أحوال المصدقين عاد إلى ما كان فيه من إثبات البعث فقال:﴿وفي الأرض آيات﴾الآية/١٢ وجيز..
﴿ وفي الأرض آيات للموقنين ﴾ : دلائل على قدرته وصنعه لا يدركها إلا من يطلب اليقين، لما ذكر في البين أحوال المصدقين بالبعث وأوصافهم عاد إلى ما كان فيه من إثبات القيامة والبعث،
﴿ وفي أنفسكم١ : آيات هي عجائب ما في الآدمي٢، ﴿ أفلا تبصرون ﴾ : بنظر الاعتبار،
١ وهذا كقوله: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم﴾[فصلت: ٥٣] أي: سنواتر عليهم الآيات معرضة رأي عين من نحو ما قد كررنا في أنفسهم من كيفية الخلق، ومنح السمع والبصر، والفؤاد، وحفظها، وسائر أحوالهم لخاصة وعوارضهم، وفي الآفاق من آيات السماء والأرض وما بينهما من الرعد والبرق، والسحاب والمطر، والنجوم والنبات، وغير ذلك من معتاد مستمر، وخارق ونادر حتى تزول الشبه بلا كثير نظر، وكد وكد مكره حتى لا يهلك على الله إلا هالك، وشارد شراد البعير. صدق الله العظيم، ونشهد له بذلك، وننكر قول أفراد من مقلدي المتكلمين: إن ذلك إنما يفيد الظن كما ذكره التفتازاني/١٢..
٢ في ظاهره وباطنه من صغره إلى كبره/١٢..
﴿ وفي السماء رزقكم ﴾ : المطر الذي هو سبب الرزق من جانب السماء، ﴿ وما توعدون ﴾ : الجنة، وقيل : الرزق في الدنيا والثواب في العقبى كله مقدر في السماء،
﴿ فورب السماء والأرض إنه ﴾ أي : ما توعدون، أو المذكور من الآيات والرزق وغيرهما، ﴿ لحق ﴾ : واقع، ﴿ مثل ما أنكم تنطقون١ أي : مثل نطقكم، صفة لحق، ومن نصب مثل أراد حقا مثل نطقكم فكما أن نطقكم متحقق فهذا أيضا كذلك.
١ ولما ذكر أن في السماء والأرض والأنفس آيات أعقبه بقصص مذكورة لأن من السماء رجمهم، ومن الأرض خسفهم، ومن البحر غرقهم، وفي ذلك تهديد وموعظة وتسلية فقال:﴿هل أتاك حديث ضيف إبراهيم﴾ الآية..
﴿ هل أتاك حديث ضيف إبراهيم ﴾، فيه تعظيم لشأن الحديث، وتنبيه على أنه إنما عرفه بالوحي، ﴿ المكرمين ﴾ : عند الله تعالى، وعند إبراهيم- عليه السلام- والضيف للواحد، والجمع ؛ لأنه في الأصل مصدر والحكاية قد تقدمت في سورة " هود "، والحجر "
﴿ إذ دخلوا عليه ﴾، ظرف للحديث، أو بتقدير اذكر، ﴿ فقالوا سلاما ﴾ : نسلم عليكم سلاما، ﴿ قال سلام ﴾ أي : عليكم سلام عدل إلى الرفع، ليدل على الثبات، فعمل بقوله تعالى :﴿ فحيوا بأحسن منها ﴾[ النساء : ٨٦ ]، ﴿ قوم منكرون ﴾ أي : أنتم قوم لا نعرفكم،
﴿ فراغ ﴾ : ذهب، ﴿ إلى أهله ﴾ : بخفية، فمن أدب المضيف أن يخفي إتيانه بالضيافة عن الضيف، ﴿ فجاء بعجل ﴾ : مشوي،
﴿ سمين فقربه١ إليهم قال ألا تأكلون ﴾ : منه، ذكره بصيغة العرض تلطفا في العبارة،
١ فيه أدب الضيف، وفيه العرض على الأكل تأنيسا/١٢ وجيز. حاشية ص ٣١٠.
﴿ فأوجس ﴾ : أضمر، ﴿ منهم خيفة ﴾ : خوفا، لما رأى أنهم لا يأكلون ﴿ قالوا لا تخف ﴾ : إنا رسل الله تعالى، ﴿ وبشروه بغلام عليم ﴾، هو إسحاق١،
١ وفيه بشارتان أحدهما أنه ذكر، والأخرى أنه كامل/١٢ وجيز..
﴿ فأقبلت امرأته في صرة ﴾ أي : جاءت صارة صائحة، أو أخذت في الصيحة كقولك : أقبل يشتمني، ولا إقبال ولا إدبار، ﴿ فصكت ﴾ : لطمت، ﴿ وجهها ﴾ : تعجبا كما هو عادة النساء من الأمر الغريب، ﴿ وقالت عجوز عقيم ﴾ أي : أنا
﴿ قالوا كذلك قال ربك ﴾ أي : قال الله مثل ما بشرناه فواقع البتة، فكذلك مفعول قال، ﴿ إنه هو الحكيم العليم ﴾
﴿ قال ﴾ إبراهيم :﴿ فما خطبكم ﴾ : ما شأنكم ؟ ﴿ أيها المرسلون ﴾
﴿ قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ﴾ : قوم لوط،
﴿ لنرسل عليهم حجارة من طين ﴾ أي : السجيل،
﴿ مسومة ﴾ : معلمة مكتوبا على كل حجر اسم من يهلك به، ﴿ عند ربك للمسرفين ﴾
﴿ فأخرجنا من كان فيها ﴾ : في قرى قوم لوط، ﴿ من المؤمنين ﴾ : بلوط،
﴿ فما وجدنا فيها غير بيت ﴾ : أهل بيت، ﴿ من المسلمين ﴾ هم لوط، وأهل بيته إلا امرأته، ولو قلنا إن كل مؤمن مسلم من غير عكس لصح معنى الآية، فلا يستدل عليها باتحاد مفهوميهما١،
١ كما استدل الزمخشري/١٢ وجيز..
﴿ وتركنا فيها ﴾ : في القرى ﴿ آية ﴾ : علامة، ﴿ للذين يخافون العذاب الأليم ﴾ : وقد بقى فيها آثار العذاب،
﴿ وفي موسى ﴾، عطف١ على فيها أي : وجعلنا في موسى آية، فهو من قبيل علفتها تبنا وماء بارد وقيل٢ : عطف على وفي الأرض، ﴿ إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ﴾ : معجزة ظاهرة،
١ الأولى أن يكون عطفا على فيها في قوله:﴿وتركنا فيها﴾ أي: في قصة موسى آية ولا حاجة إلى جعله من باب: علفته تبنا وماء باردا/١٢ وجيز.
٢ ذكروه بصيغة التمريض لأنه بعيد لفظا/١٢ منه..
﴿ فتولى ﴾ : أعرض، ﴿ بركنه ﴾، الباء للتعدية، أي : أعرض به نحو : نأى بجانبه، أو للسببية أي : بسبب جنوده وملكه، ﴿ وقال ساحر ﴾ : هو ساحر لما يظهر منه خارق العادة، ﴿ أو مجنون ﴾ : لما يدعي خلاف العقل،
﴿ فأخذناه وجنوده فنبذناهم ﴾ : طرحناهم، ﴿ في اليم وهو مليم ﴾ : حال كونه آت بما يلام عليه من الكفر والفجور،
﴿ وفي عاد١ : آية، ﴿ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ﴾ : المفسدة التي لا تنتج نفعا،
١ عطف على موسى/١٢..
﴿ ما تذر من شيء أتت ﴾ : مرت، ﴿ عليه إلا جعلته كالرميم ﴾ : كالشيء البالي المتفتت،
﴿ وفي ثمود ﴾ آية، ﴿ إذ قيل لهم تمتعوا١ حتى حين ﴾، وذلك حين عقروا الناقة قيل لهم :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ﴾[ هود : ٦٥ ] وعلى هذا فالفاء في قوله :﴿ فعتوا عن أمر ربهم ﴾ مرتب على تمام القصة، كأنه قيل : وجعلنا في ذلك الزمان آية، ثم أخذ في بيانه، فقال :" فعتوا ". فلا يرد أن ما قيل لهم : تمتعوا، مؤخر عن استكبارهم، أو المراد من قوله :" إذ قال لهم " إلخ فيهم آية، إذ متعناهم في الدنيا مدة وهديناهم، فعصوا واستحبوا العمى على الهدى ﴿ فأخذتهم الصاعقة ﴾ بعد ثلاثة أيام ﴿ وهم ينظرون ﴾ : إليها عيانا،
١ لما بعث إليهم صالح أمروا بالإيمان، والتمتع بدنياهم إلى آجالهم المقدرة لئلا يجعلهم عذاب الله/١٢ وجيز..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:﴿ وفي ثمود ﴾ آية، ﴿ إذ قيل لهم تمتعوا١ حتى حين ﴾، وذلك حين عقروا الناقة قيل لهم :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ﴾[ هود : ٦٥ ] وعلى هذا فالفاء في قوله :﴿ فعتوا عن أمر ربهم ﴾ مرتب على تمام القصة، كأنه قيل : وجعلنا في ذلك الزمان آية، ثم أخذ في بيانه، فقال :" فعتوا ". فلا يرد أن ما قيل لهم : تمتعوا، مؤخر عن استكبارهم، أو المراد من قوله :" إذ قال لهم " إلخ فيهم آية، إذ متعناهم في الدنيا مدة وهديناهم، فعصوا واستحبوا العمى على الهدى ﴿ فأخذتهم الصاعقة ﴾ بعد ثلاثة أيام ﴿ وهم ينظرون ﴾ : إليها عيانا،
١ لما بعث إليهم صالح أمروا بالإيمان، والتمتع بدنياهم إلى آجالهم المقدرة لئلا يجعلهم عذاب الله/١٢ وجيز..

﴿ فما استطاعوا من قيام١ فيهربوا من عذاب الله تعالى، ﴿ وما كانوا منتصرين ﴾ : ممتنعين منه،
١ قيل: هذا من قولهم ما يقوم به إذا عجز ولم يقدر التحمل، وليس المراد القيام المعهود، ﴿وما كانوا منتصرين﴾ ممتنعين منه، وهذا التفسير للحسن- رضي الله عنه- وهو تفسير حسن لا غبار عليه/١٢ وجيز..
﴿ وقوم نوح ﴾، عطف على محل في عاد، وقراءة الجر يؤيده، أو نصب بمقدر أي : أهلكنا، أو اذكر، ﴿ من قبل ﴾ : من قبل هؤلاء، ﴿ إنهم كانوا قوما فاسقين ﴾.
﴿ والسماء بنيناها بأيد ﴾ : بقوة، ﴿ وإنا لموسعون ﴾ : لقادرون، أو وسعنا السماء،
﴿ والأرض فرشناها ﴾ : بسطناها ومهدناها لعبادي، ﴿ فنعم الماهدون ﴾ : نحن،
﴿ ومن كل شيء ﴾ : من الأجناس، ﴿ خلقنا زوجين ﴾ : نوعين كالسماء والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، والبر والبحر، والموت والحياة١، ﴿ لعلكم تذكرون ﴾، مرتب على مجموع بناء السماء وغيره،
١ والسواد والبياض، والكفر والإيمان، وقيل: المراد من كل شيء من الحيوان خلقنا ذكرا وأنثى/١٢ منه..
﴿ ففروا إلى١ الله ﴾ أي٢ : فقل لهم فروا إليه من عقابه بطاعته، ﴿ إني لكم منه نذير مبين ﴾ : ما يجب أن يحذر، أو بين كونه منذرا من الله بالمعجزات،
١ وفي الحديث "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك"/١٢ وجيز..
٢ قدرنا قل لهم بدليل قول: "إني لكم منه نذير"/١٢ منه..
﴿ ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين ﴾، كرر للتأكيد،
﴿ كذلك ﴾ أي : الأمر مثل ما أخبرتك من تكذيب الأمم رسلهم، ﴿ ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ﴾ في شأنه :﴿ ساحر أو مجنون ﴾
﴿ أتواصوا به ﴾ أي : أوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى اتفقوا على كلمة واحدة ؟ ﴿ بل هم قوم طاغون ﴾ : تشابهت قلوبهم، ولهذا اتفقوا على تلك الكلمة لا لتواصيهم،
﴿ فتول ﴾ : أعرض، ﴿ عنهم فما أنت بملوم ﴾ : على الإعراض بعد ما بلغت رسالتك،
﴿ وذكر ﴾ : لا تدع الموعظة، ﴿ فإن الذكرى تنفع المؤمنين١ أي : من هو مؤمن في علم الله تعالى أو من آمن بزيادة بصيرته،
١ والظاهر أن الأمر بالإعراض منسوخ بآية السيف، وعن علي بن أبي طالب: لما نزل حزن المؤمنون، فظنوا أنه مأمور بالتولي عن الجميع، وأن الوحي قد انقطع حتى نزل فسروا/١٢ وجيز..
﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون١ أي : إلا لأجل العبادة فإنهم خلقوا بحيث يتأتى منهم العبادة، وهدوا إليها، فهذه غاية كمالية لخلقهم وتعوق البعض عن الوصال إليها لا يمنع كون الغاية غاية، وأما قوله :﴿ ذرنا لجهنم ﴾[ الأعراف : ١٧٩ ] فلام العاقبة نحو : لدوا للموت، أو إلا لنأمرهم بالعبادة، أو ليقروا بي طوعا٢ أو كرها أو المراد منهم المؤمنون،
١ وقد ورد في بعض الكتب يقول الله تعالى:" يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب واطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء"/١٢ منه..
٢ القول الثالث قول ابن عباس واختاره ابن جرير وقال السدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع، " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله" هذا منهم عبادة، وليس ينفعهم مع الشرك، وفي قراءة ابن عباس " وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون" كما نقله البغوي/١٢ منه..
﴿ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ﴾ أي : يطعموني أي : ليس شأني مع عبادي كشأن السادة مع العبيد، وقيل إن يرزقوا أنفسهم، أو أحدا من خلقي وإسناد الإطعام إلى نفسه، لأن الخلق عيال الله تعالى وإطعام العيال إطعامه، وفي الحديث القدسي " استطعمته فلم يطعمني " ١
١ جزء من حديث أخرجه مسلم وغيره..
﴿ إن الله هو الرزاق ﴾ : لجميع خلقه، ﴿ ذو القوة المتين ﴾ : المتين المبالغ في القوة،
﴿ فإن للذين ظلموا ذنوبا ﴾ : نصيبا من العذاب، ﴿ مثل ذنوب أصحابهم ﴾ : من الأمم السوالف، ﴿ فلا يستعجلون ﴾، كما قالوا :﴿ متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾[ يونس : ٤٨ ]
﴿ فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ﴾ : يوم القيامة.
والحمد لله على الهداية.
Icon