تفسير سورة التوبة

جهود الإمام الغزالي في التفسير
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير .
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ
﴿ فاقتلوا المشركين ﴾.
٤٨٧- يخرج من قوله ﴿ اقتلوا المشركين ﴾ أهل الذمة مرة والعسيف١ مرة، والمرأة مرة أخرى، وكذلك على التدريج والإحالة في شيء من ذلك. [ المستصفى : ١/٣٨٢ ].
١ - العسيف : الأجير المستهان به. ن اللسان (عسف)..
﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ﴾.
٤٨٨- يدرك الفرق بين حقائق المعاني وظاهر التفسير بمثال ؛ قال تعالى :﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ﴾ فإن كانوا هم المقاتلين كيف يكون الله سبحانه هو المعذب ؟ وإن كان الله تعالى هو المعذب بتحريك أيديهم فما معنى أمرهم بالقتال ؟
وحقيقة هذا يستمد من بحر عظيم من علوم المكاشفات لا يغني عنه ظاهر التفسير وهو أن يعلم وجه ارتباط الأفعال بالقدرة الحادثة، ويفهم وجه ارتباط القدرة بقدرة الله عز وجل حتى ينكشف بعد إيضاح أمور كثيرة غامضة، صدق قوله عز وجل :﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾١ ولعل العمر لو أنفق في استكشاف أسرار هذا المعنى وما يرتبط بمقدماته ولواحقه لا يقضى العمر قبل استيفاء جميع لواحقه، وما من كلمة من القرآن إلا وتحقيقها محوج إلى مثل ذلك، وإنما ينكشف للراسخين في العلم من أسراره بقدر غزارة علومهم وصفاء قلوبهم وتوفر دواعيهم على التدبر وتجردهم للطلب، ويكون لكل واحد حد الترقي إلى درجة أعلى منه. فأما الاستيفاء فلا مطمع فيه ولو كان البحر مدادا والأشجار أقلاما، فأسرار كلمات الله لا نهاية لها، فتنفد الأبحر قبل أن تنفد كلمات الله عز وجل.
فمن هذا الوجه تتفاوت الخلق في الفهم بعد الاشتراك في معرفة ظاهرة التفسير وظاهرة التفسير لا يغني عنه [ الإحياء : ١/٣٤٦ ].
٤٨٩- ﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ﴾ فأضاف القتل إليهم والتعذيب إلى نفسه، والتعذيب هو عين القتل، بل صرح وقال تعالى :﴿ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ﴾٢ [ الإحياء : ٤/٢٧٣ ].
١ - الأنفال: ١٧.
٢ - الأنفال : ١٧..
﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ﴾ الآية.
٤٩٠- ٍأجرى ذلك في معرض التهديد والإنكار [ نفسه : ٤/٣١٢ ]
﴿ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ﴾.
٤٩١- لما اتكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين على قوتهم وكثرتهم، ونسوا فضل الله تعالى، وقالوا لا نغلب اليوم من قلة١ وكلوا إلى أنفسهم فقال تعالى :﴿ ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ﴾. [ نفسه : ٤/٣١٢ ].
١ - أخرجه البيهقي في دلائل البنوة من رواية الربيع بن أنس مرسلا: أن رجلا قال يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: ﴿ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم...﴾ الآية فقالوا: اليوم نقاتل ففروا" وفيه الفرج بن فضالة ضعفه الجمهور. ن المغني بهامش الإحياء: ٣/٣٩٤..
﴿ إنما المشركون نجس ﴾.
٤٨٢- تنبيها للعقول على [ أن ] ١ الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظواهر بالحس، فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن ولكنه نجس الجوهر، أي باطنه ملطخ بالخبائث.
والنجاسة عبارة عما يجتنب ويطلب البعد منه، وخبائث صفات الباطن أهم بالاجتناب، فإنها مع خبثها في الحال مهلكات في المآل. [ نفسه : ١/٦٢ ]
٤٩٣- نبه على أن الطهارة والنجاسة غير مقصورتين على الظاهر، ولذلك قال عليه السلام :( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب )٢ والقلب منزل الملائكة ومحل نظرهم ومصب أثرهم، والصفات الردية كلاب مانعة. [ ميزان العمل : ٣٤٢ ]
١ - ساقط في الأصل المطبوع، والكلام بغيره لا يستقيم..
٢ - رواه البخاري ومسلم. ن كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء ٤/٨٢. وصحيح مسلم كتاب اللباس والزينة الحديث رقم ٢١٠٦..
﴿ حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ﴾.
٤٩٤- ﴿ اقتلوا المشركين ﴾١ يخصص قوله تعالى :﴿ حتى يعطوا الجزية عن يد ﴾ بأهل الكتاب.
وقوله تعالى :﴿ حتى يعطوا الجزية عن يد ﴾ لقوله تعالى :﴿ اقتلوا المشركين ﴾ بأهل الحرب من غير افتقار إلى دليل آخر. [ المنخول من تعليقات الأصول : ٤٣٦ ].
١ - التوبة: ٥.
﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ﴾.
٤٩٥- شدد الوعيد على المقصرين في الزكاة فقال :﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ﴾ ومعنى الإنفاق في سبيل الله إخراج حق الزكاة.
قال الأحنف بن قيس١ : كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر فقال : بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكي في أقفائهم يخرج من جباهم. وفي رواية : أنه يوضع على حلمة ثدي أحدهم فيخرج من نغض٢ كتفيه، ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل، وقال أبو ذر : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال :( هم الأخسرون ورب الكعبة، قفلت : ومن هم ؟ قال : الأكثرون أموالا، إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس )٣. [ الإحياء : ١/٢٤٥ ].
٤٩٦- في حديث عمر رضي الله عنه أنه قال : لما نزل قوله تعالى :﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ﴾ قال صلى الله عليه وسلم :( تبا للدنيا تبا للدينار والدرهم ) فقلنا : يا رسول الله نهانا الله عن كنز الذهب والفضة، فأي شيء ندخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :( تبا للدنيا تبا للدينار والدرهم ) فقلنا : يا رسول الله نهانا الله عن كنز الذهب والفضة، فأي شيء ندخر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :( ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة صالحة تعينه على أمر آخرته )٤. [ الإحياء : ٤/٢٣٧ ].
١ - الأحنف بن قيس: تابعي، وهو ابن معاوية بن حطين الأمير الكبير العالم النبيل. حدث عن عمر وعلي وابن زر وغيرهم، وعنه الحسن البصري وعروة بن الزبير وآخرون، وهو قليل الرواية ت ٦٧هـ. ن شذرات الذهب: ١ / ٧٨ وسير أعلام النبلاء: ٤/٨٦.
٢ - هو فرع الكتف، قيل له ناغض لتحركه، وأصل النغض الحركة. ن. اللسان [نغض]..
٣ - حديث أبي ذر [[انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة... الحديث]] أخرجه البخاري ومسلم. ن صحيح البخاري كتاب الإيمان والنذور باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم ٩٩٠..
٤ - أخرجه ابن ماجة دون قوله: [[تبا للدينار والدرهم]] كتاب النكاح ١/٥٩٦ حديث رقم ١٨٥٦. وقال الحافظ العراقي والزيادة رواها الطبراني في الأوسط وهو من حديث ثوبان، وإنما قال المصنف إنه حديث عمر لأن عمر هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المال يتخذ؟ كما في رواية ابن ماجة، وكما رواه البزار من حديث ابن عباس. ن المغني بهامش الإحياء: ٤/٢٣٧..
﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ﴾.
٤٩٧- قال قوم : قوله تعالى :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾ : الآية نص في التشريك، فالصرف إلى واحد إبطال له، وليس كذلك عندنا، بل هو عطف على قوله تعالى :﴿ ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اعطوا منها رضوا... ﴾١. إلى قوله ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾ يعني : أن طمعهم في الزكاة مع خلوهم عن شرط الاستحقاق باطل، ثم عدد شروط الاستحقاق ليبين مصرف الزكاة ومن يجوز صرف الزكاة إليه. [ المستصفى : ١/٣٩٩ ].
٤٩٨- تخيل أبو حنيفة رضي الله عنه سد الحاجة من قوله :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾ ومصيره إلى جواز صرفه إلى صنف واحد، وهذا التأويل باطل بمسلكين :
أحدهما : وهو أنه تعالى ذكر الأصناف وجنسهم، ووصفهم بصفاتهم التي يتميزون بها عما عداهم، ثم أضاف المال إليهم بلام التمليك، فاقتضى ذلك توزيع المال عليهم، إذ تعريف الأصناف بصفاتهم كتعريف الأشخاص بألقابهم، ولو أضاف إلى أشخاص معنيين وجب صرفها إلى جميعهم.
هذا مع أن الصدقات مال يتكرر وجوبها على الأغنياء، جعل مناطا لحاجات الفقراء دون الكفارات التي لا تجب إلا عند ارتكاب جرائم، وليس لفظ الصدقات متناولا لأنواع حتى يتخيل توزيع الأنواع على الأجناس مع اختصاص كل نوع بكل جنس، كقولك : " الدار والفرس لزيد وعمرو " فلا حاجة إلى تخيل التوزيع.
فإن قيل : سد الخلة متخيل، وذكر الأصناف فائدته ضبط جهات الحاجة المدعى سدها.
قلنا : يبطل بقول الموصي : أوصيت ثلث مالي للفقراء والمساكين، وعد الأصناف الثمانية، يصرف إليهم، وتخيل غرض سد الحاجة ممكن، ولكن قيل : أضاف إليهم بلام التمليك، فينقض عليهم.
قالوا : قول الشاعر عليه السلام يقبل التخصيص بالقياس دون قول الموصي وأقوالنا، وعلى هذا لو خصص المعلل علته بعد الانتقاض لم يقبل منه. قلنا : المفهوم من كلام النبي عليه السلام متبع كالمفهوم من كلامنا، ولا يخصص العام منها إلا بقرينة.
إلا أن لفظ الشارع عليه السلام إذا عارضه قانون في القياس كان طرده على الظن أقرب من فهم العموم، فيكون قرينة في فهم التخصيص.
ولا قياس يقتضي الحرمان في مسألتنا.
وأقوالنا يتطرق إليها التخصيص، بدليل تخصيص لفظ الدراهم من المقر والموصي لثلثه.
فأما المعلل فإنما يتصدى ليبدي العلة، فإذا ورد عليه نقض فذلك لعدم ذكره كل العلة، وشطر العلة لا يكون علة. فقرينة حاله قضى عليه بذلك.
المسلك الثاني :
وهو الجواب عن سؤالهم، وهو أن نقول : مراعاة سد الخلات مع مراعاة جملة الجهات ممكنة، ولا يبعد أن تكون مراعاة الجهات مقصودة، فقد تعارضت الاحتمالات، فمطابقة الظاهر أولى من تركه. [ المنخول : ١٩٤ ].
٤٩٩- إن استيعاب الأصناف واجب، وعليه يدل ظاهر قوله تعالى :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾ الآية. فإنه يشبه قول المريض : إنما ثلث مالي للفقراء والمساكين، وذلك يقتضي التشريك في التمليك. والعبادات يجب أن يتوقى عن الهجوم فيها على الظواهر، وقد عدم من الثمانية صنفان في أكثر البلاد : وهم المؤلفة قلوبهم والعاملون على الزكاة، ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف : الفقراء والمساكين والغارمون والمسافرون- أعني أبناء السبيل- وصنفان يوجدان في بعض البلاد دون البعض : وهم الغزاة والمكاتبون.
فإن وجد خمسة أصناف مثلا قسم بينهم زكاة ماله بخمسة أقسام متساوية أو متقاربة وعين لكل صنف قسم، ثم قسم كل قسم ثلاثة أسهم فما فوقه إما متساوية أو متفاوتة وليس عليه التسوية بين آحاد الصنف فإن له أن يقسمه على عشرة وعشرين فينقص نصيب كل واحد، وأما الأصناف فلا تقبل الزيادة والنقصان، فلا ينبغي أن ينقص من كل صنف عن ثلاثة إن وجد، ثم لو لم يجب إلا صاع للفطرة ووجد خمسة أصناف فعليه أن يوصله إلى خمسة عشر نفرا، ولو نقص منهم واحد مع الإمكان غرم نصيب ذلك الواحد، فإن عسر عليه ذلك لقلة الواجب فليتشارك جماعة ممن عليهم الزكاة وليخلط مال نفسه بمالهم وليجمع المستحقين وليسلم إليهم حتى يساهموا فيه، فإن ذلك لا بد منه. [ الإحياء : ١/٢٥٢ ].
٥٠٠- بيان الأصناف الثمانية :
الصنف الأول : الفقير : وهو الذي لا يملك شيئا أصلا ولا يقدر ( ح )- على كسب يليق بمروءته، أو كان يقدر على كسب ولكنه يمنعه الاشتغال به عن التفقه وهو متفقه، وإن كان يمنعه عن استغراق الوقت بالعبادات فلا يعطي سهم الفقراء، ولا يشترط الزمانة٢ ولا التعفف عن السؤال في استحقاق هذا السهم على الجديد ( و ).
والمكفي بنفقة أبيه هل يعطي ؟ فيه وجهان، ولا يجوز للأب إعطاؤه قطعا لأنه يدفع النفقة عن نفسه والمكيفة بنفقة زوجها لا تعطي على أظهر الوجهين لأن نفقتها كالعوض.
الثاني : المسكين، وهو كل من لا يملك قدر كفايته، وإن ملك شيئا وقدر على الكسب، والفقير أشد حالا منه ( ح و م ).
الثالث : العامل على الزكاة كالساعي والكاتب والقسام والحاشر٣ والعريف٤، أما القاضي فرزقه من خمس الخمس لأن عمله عام، وأجرة الكيال على المالك في أحد الوجهين.
الرابع : المؤلفة قلوبهم، ولا يجوز أن يعطى هذا السهم لكافر تألف على الإسلام، إذ لا صدقة لكافر، أما المسلم إذا كان ضعيف النية في الإسلام، فهل يتألف تقريرا له عليه بإعطاء مال ؟ فيه قولان : وكذا من له نظراء في الكفر ينتظر في إعطائه إسلامهم.
أحد القولين : أنهم لا يعطون لاستغناء الإسلام عن التألف.
الثاني : نعم، تأسيا برسوله الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فقولان :
أحدهما أنه يعطى من المصالح، والثاني من الزكاة إذ هو المراد بالمؤلفة، وأما من يتألف على الجهاد مع الكفار أو مع مانعي الزكاة، إن كان تألفهم بمال أهون على الإمام من بعث جيش لقربهم من المقصودين بالقتال فهؤلاء يعطون قطعا، وفي محله أربعة أوجه، وقيل قولان :
أحدهما : أنه من المصالح، والثاني : من سهم المؤلفة، والثالث : من سهم سبيل الله فإنه تألف على الجهاد، والرابع ( و ) إن رأى الإمام أن يجمع بين سهم المؤلفة وسهم سبيل الله فعل.
الخامس : الرقاب، فيصرف ثمن الصدقات على المكاتبين ( م ) العاجزين عن النجوم٥، وطريقة الصرف إلى السيد بإذن المكاتب، والصرف إلى المكاتب بغير إذن السيد جائز أيضا، ويجوز إعطاؤه قبل حلول النجم٦ على أظهر الوجهين، فإن أعطيناه فاستغنى عنه بتبرع السيد باعتاقه أو بتبرع غيره استرد على الصحيح ( و )، إلا إذا تلف قبل العتق فلا يغرم ( و ) وإن صرف إلى سيده فرده إلى الرق لعجزه ببقية النجوم يسترد ( و ).
السادس : الغارم، والديون ثلاثة : دين لزمه بسبب نفسه فيقضى من الصدقات بشرط أن يكون معسرا ( و )، وسبب الاستقراض مباحا، فإن كان معصية وهو مصر لا يعطى، وإن كان تائبا أعطي على أحد الوجهين. الثاني : ما لزم بسبب حمالة٧ تبرع بها تطفئة، لثائرة فتنة فيقضي دينه، وإن كان موسر ( ح ) إلا إذا كان غنيا بالنقد ففيه وجهان.
الثالث : دين الضامن فإن كان معسرين، - أعني الأصيل والكفيل- قضي، وإن كانا موسرين أو كان المضون عنه موسرا فلا يقضي لأن فائدته ترجع إلى الأصيل، وإن كان الأصيل معسرا والكفيل موسرا فوجهان : أحدهما : نعم كالحمالة، والثاني : لا إذ صرفه إلى الأصيل ممكن وبه يحصل براءة الضامن.
السابع : سهم سبيل الله، والمراد به المتطوعة من الغزاة الذين لا يأخذون من الفيء، فأما من يأخذ من الفيء واسمه في الديوان فلا يصرف إليه الصدقة، والغازي يعطي وإن كان غنيا.
الثامن : ابن السبيل، وهو الذي شخص ( ح م ) من بلد ليسافر أو اجتاز به، يصرف إليه سهم إن كان معسرا بشرط ألا يكون السفر معصية، فهؤلاء هم المستحقون بشرط أن لا يكون الموصوف بصفة من هذه الصفات كافرا، ولا من المرتزقة ثابت الاسم في الديوان، ولا هاشميا، فالصدقة محرمة على هؤلاء، وفي الهاشمي وجهان. [ الوجيز في الفقه : ١/٣٩٢-٣٩٤ ].
١ - التوبة: ٥٨-٥٩..
٢ - الزمانة : العاهة. ن اللسان (زمن)..
٣ - الحاشر : الجامع، حشر الإبل: جمعها. ن اللسان (حشر)..
٤ - العريف: القيم والسيد لمعرفته بسياسة القوم، وهو النقيب دون الرئيس والجمع عرفاء. ن اللسان (عرف)..
٥ - النجوم : وضائف الأشياء، وكل نجم نجم، والنجم: الوقت المضروب. ن اللسان (نجم)..
٦ - النجوم : وضائف الأشياء، وكل نجم نجم، والنجم: الوقت المضروب. ن اللسان (نجم)..
٧ - الحمالة: ما يتحمل الإنسان عن غيره من دية أو غرامة مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء، فيدخل بينهم رجل يتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين. ن اللسان (حمل)..
﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ﴾ ( ٧٢ ).
٥٠١- نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية. [ الإحياء : ٢/٣٣٤ ].
﴿ ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ﴾ ( ٧٣ ).
٥٠٢- رفع الله الرضا فوق جنات عدن كما رفع ذكره فوق الصلاة حيث قال :﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ﴾١ فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة، فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة، بل هو غاية مطلب سكان الجنان [ نفسه : ٤/ ٣٦٣ ]
٥٠٣- يقول الله تعالى : إني عنكم راض، فيكون ذلك أفضل من الهدية والتسليم فذلك قوله تعالى :﴿ ورضوان من الله أكبر ﴾ أي من النعيم الذي هم فيه. [ الإحياء : ٤/٣٦٤ ]
١ - العنكبوت : ٤٥..
٥٠٤- روي عن أبي أمامة الباهلي١ : أن ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ادع الله أني رزقني مالا، قال :( يا ثعلبه قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ) قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، قال :( يا ثعلبة أما لك في أسوة ؟ أما ترضى أن تكون مثل نبي الله تعالى ؟ أما والذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت ) قال : والذي بعثك بالحق نبيا لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه، ولأفعلن ولأفعلن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اللهم ارزق ثعلبة مالا ) فاتخذ غنما فنمت كما ينموا الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في الجماعة ويدع ما سواها، ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الجماعة إلا الجمعة، وهي تنموا كما ينموا الدود حتى ترك الجمعة، وطفق يلقي الركبان يوم الجمعة فيسألهم عن الأخبار في المدينة. وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال :( ما فعل ثعلبة ابن حاطب ؟ ) فقيل : يا رسول الله اتخذ عنما فضاقت عليه المدينة، وأخبر بأمره كله، فقال " ( يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ) قال : وأنزل الله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ﴾٢ وأنزل الله تعالى فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من جُهينة ورجلا من بني سليم على الصدقة، وكتب لهما كتابا بأخذ الصدقة وأمرهما أن يخرجا فيأخذا من المسلمين، وقال :( مرا بثعلبة بن حاطب وبفلان- رجلا من بني سليم- وخذا صدقاتهما ) فخرجا حتى أتيا بثعلبة، فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذه إلا جزية ما هذه إلا جزية، إلا أخت الجزية ! انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا، فانطلقا نحو السليمي فسمع بهما فقام إلى خيار أسنان إبله فعزلهما للصدقة، ثم استقبلهما بها، فلما رأوها قالوا : لا يجب عليه ذلك وما نريد أن نأخذ هذا منك، قال : بلى خذوها، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فسألاه الصدقة، فقال : أروني كتابكما، فنظر فيه فقال : هذه أخت الجزية ! انطلقا حتى رأى رأيي، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال :( يا ويح ثعلبة ) قبل أن يكلماه ودعا للسليمي، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة وبالذي صنع السليمي فأنزل الله تعالى في ثعلبة :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتينا من فضله لنصدق ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ما أنزل الله فيه، فخرج حتى أتى ثعلبة فقال : لا أم لك يا ثعلبة ! قد أنزل الله فيك كذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال :( إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك } فجعل يحثوا التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا عملك أمرتك، فلم تطعني ) فلما أبى أن يقبل منه شيئا رجع إلى منزله، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأبى أن يقبلها منه، وجاء بها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبى أن يقبلها منه، وتوفي ثعلبة بعد في خلافة عثمان )٣ [ نفسه : ٣/٢٨٦-٢٨٧ ].
٥٠٥- قال مجاهد : رجلان خرجا على الملأ من الناس قعود فقالا : إن رزقنا الله تعالى مالا لنتصد قوم به فبخلا به، فنزلت ﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا من الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾ فجعل العزم عهدا، وجعل الخلف فيه كذبا، والوفاء به صدقا. [ الإحياء : ٤/٤١٢ ].
١ - هو أبو أمامة صدى بن عجلان بن والبة الباهلي الصحابي الجليل. روى عنه خالد بن سعدان وأبو إدريس الخولاني. وكان من عباد الصحابة وزاهادهم ت ٢١هـ. ن. تهذيب الأسماء ٢/١٧٦ وسير أعلام النبلاء ٣/٣٥٩..
٢ - التوبة : ١٠٤..
٣ - حديث أبي أمامة بطوله أخرجه الطبراني بسند ضعيف. وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، ورواه ابن أبي حاتم. ن تفسير ابن كثير ٢/ ٤٥٥، ون المغني بهامش الإحياء: ٣/ ٢٨٧..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:٥٠٤- روي عن أبي أمامة الباهلي١ : أن ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ادع الله أني رزقني مالا، قال :( يا ثعلبه قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ) قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، قال :( يا ثعلبة أما لك في أسوة ؟ أما ترضى أن تكون مثل نبي الله تعالى ؟ أما والذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت ) قال : والذي بعثك بالحق نبيا لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه، ولأفعلن ولأفعلن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اللهم ارزق ثعلبة مالا ) فاتخذ غنما فنمت كما ينموا الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في الجماعة ويدع ما سواها، ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الجماعة إلا الجمعة، وهي تنموا كما ينموا الدود حتى ترك الجمعة، وطفق يلقي الركبان يوم الجمعة فيسألهم عن الأخبار في المدينة. وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال :( ما فعل ثعلبة ابن حاطب ؟ ) فقيل : يا رسول الله اتخذ عنما فضاقت عليه المدينة، وأخبر بأمره كله، فقال " ( يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ) قال : وأنزل الله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ﴾٢ وأنزل الله تعالى فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من جُهينة ورجلا من بني سليم على الصدقة، وكتب لهما كتابا بأخذ الصدقة وأمرهما أن يخرجا فيأخذا من المسلمين، وقال :( مرا بثعلبة بن حاطب وبفلان- رجلا من بني سليم- وخذا صدقاتهما ) فخرجا حتى أتيا بثعلبة، فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذه إلا جزية ما هذه إلا جزية، إلا أخت الجزية ! انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا، فانطلقا نحو السليمي فسمع بهما فقام إلى خيار أسنان إبله فعزلهما للصدقة، ثم استقبلهما بها، فلما رأوها قالوا : لا يجب عليه ذلك وما نريد أن نأخذ هذا منك، قال : بلى خذوها، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فسألاه الصدقة، فقال : أروني كتابكما، فنظر فيه فقال : هذه أخت الجزية ! انطلقا حتى رأى رأيي، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال :( يا ويح ثعلبة ) قبل أن يكلماه ودعا للسليمي، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة وبالذي صنع السليمي فأنزل الله تعالى في ثعلبة :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتينا من فضله لنصدق ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ما أنزل الله فيه، فخرج حتى أتى ثعلبة فقال : لا أم لك يا ثعلبة ! قد أنزل الله فيك كذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال :( إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك } فجعل يحثوا التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا عملك أمرتك، فلم تطعني ) فلما أبى أن يقبل منه شيئا رجع إلى منزله، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأبى أن يقبلها منه، وجاء بها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبى أن يقبلها منه، وتوفي ثعلبة بعد في خلافة عثمان )٣ [ نفسه : ٣/٢٨٦-٢٨٧ ].

٥٠٥-
قال مجاهد : رجلان خرجا على الملأ من الناس قعود فقالا : إن رزقنا الله تعالى مالا لنتصد قوم به فبخلا به، فنزلت ﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا من الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾ فجعل العزم عهدا، وجعل الخلف فيه كذبا، والوفاء به صدقا. [ الإحياء : ٤/٤١٢ ].
١ - هو أبو أمامة صدى بن عجلان بن والبة الباهلي الصحابي الجليل. روى عنه خالد بن سعدان وأبو إدريس الخولاني. وكان من عباد الصحابة وزاهادهم ت ٢١هـ. ن. تهذيب الأسماء ٢/١٧٦ وسير أعلام النبلاء ٣/٣٥٩..
٢ - التوبة : ١٠٤..
٣ - حديث أبي أمامة بطوله أخرجه الطبراني بسند ضعيف. وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، ورواه ابن أبي حاتم. ن تفسير ابن كثير ٢/ ٤٥٥، ون المغني بهامش الإحياء: ٣/ ٢٨٧..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٥:٥٠٤- روي عن أبي أمامة الباهلي١ : أن ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ادع الله أني رزقني مالا، قال :( يا ثعلبه قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ) قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، قال :( يا ثعلبة أما لك في أسوة ؟ أما ترضى أن تكون مثل نبي الله تعالى ؟ أما والذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت ) قال : والذي بعثك بالحق نبيا لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه، ولأفعلن ولأفعلن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( اللهم ارزق ثعلبة مالا ) فاتخذ غنما فنمت كما ينموا الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في الجماعة ويدع ما سواها، ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الجماعة إلا الجمعة، وهي تنموا كما ينموا الدود حتى ترك الجمعة، وطفق يلقي الركبان يوم الجمعة فيسألهم عن الأخبار في المدينة. وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال :( ما فعل ثعلبة ابن حاطب ؟ ) فقيل : يا رسول الله اتخذ عنما فضاقت عليه المدينة، وأخبر بأمره كله، فقال " ( يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ) قال : وأنزل الله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ﴾٢ وأنزل الله تعالى فرائض الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من جُهينة ورجلا من بني سليم على الصدقة، وكتب لهما كتابا بأخذ الصدقة وأمرهما أن يخرجا فيأخذا من المسلمين، وقال :( مرا بثعلبة بن حاطب وبفلان- رجلا من بني سليم- وخذا صدقاتهما ) فخرجا حتى أتيا بثعلبة، فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذه إلا جزية ما هذه إلا جزية، إلا أخت الجزية ! انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا، فانطلقا نحو السليمي فسمع بهما فقام إلى خيار أسنان إبله فعزلهما للصدقة، ثم استقبلهما بها، فلما رأوها قالوا : لا يجب عليه ذلك وما نريد أن نأخذ هذا منك، قال : بلى خذوها، فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة فسألاه الصدقة، فقال : أروني كتابكما، فنظر فيه فقال : هذه أخت الجزية ! انطلقا حتى رأى رأيي، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال :( يا ويح ثعلبة ) قبل أن يكلماه ودعا للسليمي، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة وبالذي صنع السليمي فأنزل الله تعالى في ثعلبة :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتينا من فضله لنصدق ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ما أنزل الله فيه، فخرج حتى أتى ثعلبة فقال : لا أم لك يا ثعلبة ! قد أنزل الله فيك كذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال :( إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك } فجعل يحثوا التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا عملك أمرتك، فلم تطعني ) فلما أبى أن يقبل منه شيئا رجع إلى منزله، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأبى أن يقبلها منه، وجاء بها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبى أن يقبلها منه، وتوفي ثعلبة بعد في خلافة عثمان )٣ [ نفسه : ٣/٢٨٦-٢٨٧ ].

٥٠٥-
قال مجاهد : رجلان خرجا على الملأ من الناس قعود فقالا : إن رزقنا الله تعالى مالا لنتصد قوم به فبخلا به، فنزلت ﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا من الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾ فجعل العزم عهدا، وجعل الخلف فيه كذبا، والوفاء به صدقا. [ الإحياء : ٤/٤١٢ ].
١ - هو أبو أمامة صدى بن عجلان بن والبة الباهلي الصحابي الجليل. روى عنه خالد بن سعدان وأبو إدريس الخولاني. وكان من عباد الصحابة وزاهادهم ت ٢١هـ. ن. تهذيب الأسماء ٢/١٧٦ وسير أعلام النبلاء ٣/٣٥٩..
٢ - التوبة : ١٠٤..
٣ - حديث أبي أمامة بطوله أخرجه الطبراني بسند ضعيف. وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، ورواه ابن أبي حاتم. ن تفسير ابن كثير ٢/ ٤٥٥، ون المغني بهامش الإحياء: ٣/ ٢٨٧..

﴿ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ﴾.
٥٠٦- قوله عليه السلام في قوله تعالى جل وعز :﴿ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ﴾ ( أنا أزيد على السبعين )١.
ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعا٢، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فكيف يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ذهوله عنه ؟ [ المنخول من تعليات الأصول : ٢١١-٢١٢ ].
٥٠٧- ﴿ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ﴾ فقال عليه السلام :( لأزيدن على السبعين ) فهذا يدل على أن حكم ما عدا السبعين بخلافه، والجواب من أوجه :
{ المستصفى : ٢/١٩٥-١٩٦ ]
الأول : أن هذا خبر واحد لا تقوم به الحجة في إثبات اللغة، والأظهر أنه غير صحيح٣ لأنه عليه السلام أعرف الخلق بمعاني الكلام، وذكر السبعين جرى مبالغة في اليأس وقطع الطمع عن الغفران، كقول القائل : اشفع أو لا تشفع وإن شفعت لهم سبعين مرة لم أقبل منك شفاعتك.
الثاني : أنه قال :( لأزيدن على السبعين ) ولم يقل ليغفر لهم، فما كان ذلك لانتظار الغفران بل لعله كان لاستمالة قلوب الأحياء منهم لما رأى من المصلحة فيهم ولترغيبهم في الدين، لا لانتظار غفران الله تعالى للموتى مع المبالغة في اليأس وقطع الطمع.
الجواب الثالث : أن تخصيص نفي المغفرة بالسبعين أدل على أن جواز المغفرة بعد السبعين، أو على وقوعه، فإن قلتم على وقوعه فهو خلاف الإجماع، وإن قلتم على جوازه فقد كان الجواز ثابتا بالعقل قبل الآية، فانتفى الجواز المقدر بالسبعين والزيادة ثبت جاوزها بدليل العقل لا بالمفهوم.
١ - الحديث صحيح متفق عليه. أخرجه البخاري ومسلم ولفظ البخاري: عن ابن عمر رضي الله عنهما: [[ لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[ إنما خيرني الله فقال: ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة﴾، وسأزيده على السبعين]] قال: إنه منافق. قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره﴾ [التوبة: ٨٤] كتاب التفسير باب ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم..﴾ الآية حديث رقم ٤٦٧٠، وصحيح مسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم حديث رقم: ٢٧٣٤..
٢ - ن. النص التفسيري الذي بعده..
٣ - قال محقق المنخول: محمد حسن هنينو: "قال ابن السبكي في رفع الحاجب ٢/ق ١٠٤ ب والحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم فلا يغرنك قول الغزالي "الأظهر أن هذا الخبر غير صحيح "فإنه تلقاه من إمام الحرمين، والإمام تلقاه من القاضي، ولو علموا أنه في الصحيحين لما قالوا ذلك، على أن عبارة القاضي في التقريب: هذا الخبر من أخبار الآحاد التي لا نعلم ثبوتها، فلا حجة فيه، يعني في المسائل الأصولية على عادته في تطلب القواطع. ن هامش المنخول: ٢١٢..
﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾ ( ١٠٤ ).
٥٠٨- لا يدل على وجوب الأداء بمجرد الأداء بمجرده على الأمة، وربما ظن ظان أنه يدل على الوجوب وليس الأمر كذلك، لكن دل الشرع على أن أمر النبي عليه الصلاة والسلام واجب الطاعة وأنهم لو كانوا مأذونين في المنع لكان ذلك تحقيرا للنبي عليه السلام وتنفيرا للأمة عنه، وذلك يغض من قدره ويشوش مقصود الشرع. [ نفسه : ٢/١٣ ].
٥٠٩- لغة العرب منقسمة إلى حقيقة ومجاز، فالزكاة من حيث الصور تنقيص، ومن حيث المنعى نمو وزيادة، قال الله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾ والتطهير والتزكية وصفان من طرف التخلية والتحلية من قسمي الصفات المذمومة والمحمودة لحقيقة القلب، قال صلى الله عليه وسلم :( ما نقص مال من صدقة )١ ويضاعف له من الوفر في العاجل، ومن الأجر في الآجل، زكاة وزيادة فيعمه معها النقص الخالص، ويشهد نموها في ماله قوله صلى الله عليه وسلم :( مالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت )٢ فسمي باقيا لا فانيا، فثبت بهذا أن هذا الاسم بمعنى النحو حقيقة فيها في عالم الحقائق، وقد جاءت الشريعة بالحقيقة والمجاز، وكلاهما في لغة العرب. [ الإحياء : ١/ ١٥٧ والوسيط في المذهب : ١/ ٤٠٣ ].
١ - رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: [[ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله]] كتاب البر والصلة والآداب ٤/ ٢٠٠١ حديث رقم ٦٩..
٢ - رواه النسائي في سننه كتاب الوصايا ٦/ ٢٣٨..
﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾ ( ١٠٩ ).
٥١٠- لما نزل قوله تعالى :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء :( ما هذه الطهارة التي أثنى الله بها عليكم ؟ قالوا : كنا نجمع بين الماء والحجر )١. [ مدخل السلوك إلى منازل الملوك : ٥٤-٥٥ ]
١ - قال الحافظ العراقي : أخرجه البزار من حديث ابن عباس بسند ضعيف، ورواه ابن ماجة والحاكم وصححه من حديث أبي أيوب وجابر وأنس في الاستنجاء بالماء ليس فيه ذكر (الحجر) وقول النووي تبعا لابن الصلاح "إن الجمع بين الماء والحجر في أهل قباء لا يعرف" مردود بما تقدم. ن. المغني بهامش الإحياء: ١/١٥٧..
﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ﴾ ( ١١٢ ).
٥١١- وذلك الجهاد، وهو مسامحة بالمهجة شوقا إلى لقاء الله عز وجل والمسامحة بالمال أهون. [ الإحياء : ١/٢٥٣ ].
٥١٢- إن من قوي يقينه يبيع نفسه وماله، كما قال تعالى :﴿ إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ﴾ ثم بين أن صفقتهم رابحة فقال تعالى :﴿ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ﴾١. [ نفسه : ٤/٢٣١ ].
١ - التوبة : ١١٢..
﴿ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ﴾ ( ١٢٣ ).
٥١٣- الطائفة نفر يسير كالثلاثة، ولا يحصل العلم بقولهم١. وهذا فيه نظر لأنه إن كان قاطعا فهو في وجوب الإنذار لا في وجوب العمل على المنذر عند اتحاد المنذر، كما يجب على الشاهد الواحد إقامة الشهادة لا ليعمل بها وحدها لكن إذا انضم غيرها إليها. [ المستصفى : ١/١٥٢ ].
٥١٤- ﴿ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ﴾ هذا لا يدل على الوجوب في حق كل واحد على التعيين. [ نفسه : ٢/١٥ ].
٥١٥- ﴿ لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ﴾ والمراد هو التعليم والإرشاد. [ الإحياء : ١/٢٠ ].
١ - أورد الإمام الغزالي هذا النص ردا على من ينفي خبر الواحد. ن المستصفى: ١/١٤٨..
﴿ فزادتهم إيمانا ﴾ ( ١٢٥ ).
٥١٦- قال صلى الله عليه وسلم فيما يروى في بعض الأخبار :( الإيمان يزيد وينقص )١ وذلك بتأثير الطاعات في القلب، وهذا لا يدركه إلا من راقب أحوال نفسه في أوقات المواظبة على العبادة والتجرد لها بحضور القلب مع أوقات الفتور وإدراك التفاوت في السكون إلى عقائد الإيمان في هذه الأحوال، حتى يزيد عقده استعصاء على من يريد حله بالتشكيك، بل من يعتقد في اليتيم معنى الرحمة إذا عمل بموجب اعتقاده فمسح رأسه معتقد التواضع إذا عمل بموجبه عملا مقبلا أو ساجدا لغيره أحسن من قلبه بالتواضع عند إقدامه على الخدمة.
وهكذا جميع صفات القلب تصدر منها أعمال الجوارح ثم يعود أثر الأعمال عليها فيؤكدها ويزيدها. [ نفسه : ١/١٤٣ ]
١ - رواه ابن ماجة بهذا اللفظ عن أبي هريرة وابن عباس من قولهما (المقدمة حديث ٧٤) ١/٢٨ ورواه ابن ماجة أيضا من طرق آخر عن أبي الدرداء بلفظ: [[الإيمان يزداد وينقص]] حديث ٧٥.
وقال الحافظ العراقي تعليقا على الرواية التي أوردها الغزالي: أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في كتاب الثواب من جديد أبي هريرة وقال ابن عدي باطل فيه محمد بن أحمد بن حرب الملحي يتعمد الكذب، وهو عند ابن ماجة موقوف على أبي هريرة وابن عباس وأبي الدرداء، ن المغني بهامش الإحياء: ١/١٤٣..

﴿ أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ﴾ ( ١٢٧ )
٥١٧- قيل يفتنون بأمراض يختبرون بها [ نفسه : ٤/٣٠٧ ]
Icon