تفسير سورة مريم

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة مريم من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
مكية في قول جميعهم

﴿كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا﴾ قوله تعالى: ﴿كهيعص﴾ فيه ستة أقاويل: أحدها: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة. الثاني: أنه اسم من أسماء الله، قاله علي كرم الله وجهه. الثالث: أنه استفتاح السورة، قاله زيد بن أسلم. الرابع: أن اسم السورة، قاله لحسن. الخامس: أنه من حروف الجُمل تفسيرلا إله إلا الله، لأن الكاف
352
عشرون والهاء خمسة والياء عشرة والعين سبعون والصاد تسعون. كذلك عدد حروف لا إله إلا الله، حكه أبان بن تغلب. السادس: أنها حروف أسماء الله. فأما الكاف فقد اختلفوا فيها من أي اسم هي على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها من كبير، قاله ابن عباس. الثاني: أنها من كاف، قاله الضحاك. الثالث: أنها من كريم، قاله ابن جبير. وأما الهاء فإنها من هادٍ عند جميعهم. وأما الياء ففيها أربعة أقاويل: أحدها: أنها من يمن، قاله ابن عباس. الثاني: من حكيم قاله ابن جبير. الثالث: أنها من ياسين حكاه سالم. الرابع: أنها من يا للنداء وفيه على هذا وجهان: أحدهما: يا من يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه لما تعقبه من دعاء زكريا. الثاني: يا من يجير ولا يجار عليه، قاله الربيع بن أنس. وأما العين ففيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها من عزيز، قاله ابن جبير. الثاني: أنها من عالم، قاله ابن عباس. الثالث: من عدل، قاله الضحاك. وأما الصاد فإنها من صادق في قول جميعهم فهذا بيان للقول السادس. ويحتمل سابعاً: أنها حروف من كلام أغمضت معانيه ونبه على مراده فيه يحتمل أن يكون: كفى وهدى من لا يعص فتكون الكاف من كفى والهاء من هدى
353
والباقي حروف يعصى لأن ترك المعاصي يبعث على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فصار تركها كافياً من العقاب وهادياً إلى الثواب وهذا أوجز وأعجز من كل كلام موجز لأنه قد جمع في حروف كلمة معاني كلام مبسوط وتعليل أحكام وشروط. ثم ذكر حال من كفاه وهداه فقال: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ﴾ فذكر رحمته حين أجابه إلى ما سألِه فاحتمل وجهين: أحدهما: أنه رحمه بإجابته له. الثاني: أنه إجابة لرحمته له. قوله تعالى: ﴿.... نِدآءً خَفِيّاً﴾ [فيه قولان]. أحدهما: قاله ابن جريج، سراً لا رياء فيه. قال قتادة إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفي فأخفى زكريا نداءه لئلا ينسب إلى الرياء فيه. الثاني: قاله مقاتل، إنما أخفى لئلا يهزأ الناس به، فيقولون انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد. ويحتمل ثالثاً: أن إخفاء الدعاء أخلص للدعاء وأرجى للإِجابة للسنة الواردة فيه: إن الذي تدعونه ليس بأصم. قوله تعالى: ﴿... إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ أي ضعف وفي ذكره وهن العظم دون اللحم وجهان: أحدهما: أنه لما وهن العظم الذي هو أقوى كان وهن اللحم والجلد أولى. الثاني: أنه اشتكى ضعف البطش، والبطش إنما يكون بالعظم دون اللحم.
354
﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾ هذا من أحسن الاستعارة لأنه قد ينشر فيه الشيب كما ينشر في الحطب شعاع النار. ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾ أي خائباً، أي كنت لا تخيبني إذا دعوتك ولا تحرمني إذا سألتك. قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ... ﴾ فيهم أربعة أقاويل: أحدها: العصبة، قاله مجاهد وأبو صالح. الثاني: الكلالة، قاله ابن عباس. الثالث: الأولياء أن يرثوا علمي دون من كان من نسلي قال لبيد:
(ومولى قد دفعت الضيم عنه وقد أمسى بمنزلةِ المُضيمِ)
الرابع: بنو العلم لأنهم كانواْ شرار بني إسرائيل. وسموا موالي لأنهم يلونه في النسب لعدم الصلب. وفيما خافهم عليه قولان: أحدهما: أنه خافهم على الفساد في الأرض. الثاني: أنه خافهم على نفسه في حياته وعلى أشيائه بعد موته. ويجوز أن يكون خافهم على تبديل الدين وتغييره. روى كثير ابن كلثمة أنه سمع علي بن الحسين عليهما السلام يقرأ: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ﴾ بالتشديد بمعنى قلّت. وفي قوله: ﴿مِن وَرَآءِي﴾ وجهان: أحدهما: من قدامي وهو قول الأخفش. الثاني: بعد موتي، قاله مقاتل. قوله تعالى: ﴿.. فَهَبْ لِي مِن لَّدنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْءَالِ يَعْقُوبَ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، قاله أبو صالح.
355
الثاني: يرثني ويرث من آل يعقوب العلم والنبوة، قاله الحسن. الثالث: يرثني النبوة ويرث من آل يعقوب الأخلاق، قاله عطاء. الرابع: يرثني العلم ويرث من آل يعقوب الملك، قاله ابن عباس، فأجابه الله إلى وراثة العلم ويرث من آل يعقوب الملك، قاله ابن عباس. فأجابه الله إلى وراثة العلم ولم يجبه إلى وارثة الملك. قال الكلبي: وكان آل يعقوب أخواله وهو يعقوب بن ماثان وكان فيهم الملك، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى. قال مقاتل ويعقوب بن ماثان هو أخو عمران أبي مريم لأن يعقوب وعمران إِبنا ماثان، فروى قتادة أن النبي ﷺ قال: (يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيَّآ مَا كَانَ عَلَيهِ مِن وَرثَتِهِ). ﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: مرضياً في أخلاقه وأفعاله. الثاني: راضياً بقضائك وقدرك. ويحتمل ثالثاً: أن يريد نبياً.
356
ثم ذكر حال من كفاه وهداه فقال :﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ ﴾ فذكر رحمته حين أجابه إلى ما سألِه فاحتمل وجهين :
أحدهما : أنه رحمه بإجابته له.
الثاني : أنه إجابة لرحمته له.
قوله تعالى :﴿. . . . نِدآءً خَفِيّاً ﴾ [ فيه قولان ]١.
أحدهما : قاله ابن جريج، سراً لا رياء فيه. قال قتادة إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفي فأخفى زكريا نداءه لئلا ينسب إلى الرياء فيه.
الثاني : قاله مقاتل، إنما أخفى لئلا يهزأ الناس به، فيقولون انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد.
ويحتمل ثالثاً : أن إخفاء الدعاء أخلص للدعاء وأرجى للإِجابة للسنة الواردة فيه : إن الذي تدعونه ليس بأصم.
١ زيادة يقتضيها السياق وقد سقطت من الأصل..
قوله تعالى :﴿. . . إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾ أي ضعف وفي ذكره وهن العظم دون اللحم وجهان :
أحدهما : أنه لما وهن العظم الذي هو أقوى كان وهن اللحم والجلد أولى.
الثاني : أنه اشتكى ضعف البطش، والبطش إنما يكون بالعظم دون اللحم.
﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾ هذا من أحسن الاستعارة لأنه قد ينشر فيه الشيب كما ينشر في الحطب شعاع النار.
﴿ وَلَمْ أَكُنْ بدعائك رَبِّ شَقِيّاً ﴾ أي خائباً، أي كنت لا تخيبني إذا دعوتك ولا تحرمني إذا سألتك.
قوله تعالى :﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ. . . ﴾ فيهم أربعة أقاويل :
أحدها : العصبة، قاله مجاهد وأبو صالح.
الثاني : الكلالة، قاله ابن عباس.
الثالث : الأولياء أن يرثوا علمي دون من كان من نسلي قال لبيد :
ومولى قد دفعت الضيم عنه وقد أمسى بمنزلةِ المُضيمِ
الرابع : بنو العلم لأنهم كانواْ شرار بني إسرائيل.
وسموا موالي لأنهم يلونه في النسب لعدم الصلب.
وفيما خافهم عليه قولان :
أحدهما : أنه خافهم على الفساد في الأرض.
الثاني : أنه خافهم على نفسه في حياته وعلى أشيائه بعد موته.
ويجوز أن يكون خافهم على تبديل الدين وتغييره. روى كثير ابن كلثمة أنه سمع علي بن الحسين عليهما السلام يقرأ :﴿ وَإِنِّي خِفْتُ ﴾ بالتشديد بمعنى قلّت.
وفي قوله :﴿ مِن وراءي ﴾ وجهان :
أحدهما : من قدامي وهو قول الأخفش.
الثاني : بعد موتي، قاله مقاتل.
قوله تعالى :﴿. . فَهَبْ لِي مِن لَّدنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، قاله أبو صالح.
الثاني : يرثني ويرث من آل يعقوب العلم والنبوة، قاله الحسن.
الثالث : يرثني النبوة ويرث من آل يعقوب الأخلاق، قاله عطاء.
الرابع : يرثني العلم ويرث من آل يعقوب الملك، قاله ابن عباس، فأجابه الله إلى وراثة العلم ويرث من آل يعقوب الملك، قاله ابن عباس. فأجابه الله إلى وراثة العلم ولم يجبه إلى وراثة الملك. قال الكلبي : وكان آل يعقوب أخواله وهو يعقوب بن ماثان وكان فيهم الملك، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى. قال مقاتل ويعقوب بن ماثان هو أخو عمران أبي مريم لأن يعقوب وعمران إِبنا ماثان، فروى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيّا مَا كَانَ عَلَيهِ مِن وَرثَتِهِ ".
﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مرضياً في أخلاقه وأفعاله.
الثاني : راضياً بقضائك وقدرك.
ويحتمل ثالثاً : أن يريد نبياً.
﴿يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا﴾ قوله تعالى: ﴿يَا زَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾ فتضمنت هذه البشرى ثلاثة أشياء: أحدها: إجابة دعائه وهي كرامة. الثاني: إعطاؤه الولد وهو قوة. الثالث: أن يفرد بتسميته. فدل ذلك على أمرين: أحدهما: اختصاصه به. الثاني: على اصطفائه له. قال مقاتل سماه يحيى لأنه صبي بين أب شيخ وأم عجوز
356
﴿لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيَّاً﴾ فيه ثلاثة اقاويل: أحدها: أي لم تلد مثله العواقر، قاله ابن عباس. فيكون المعنى لم نجعل له مثلاً ولا نظيراً. الثاني: أنه لم نجعل لزكريا من قبل يحيى ولداً، قاله مجاهد. الثالث: أي لم يسم قبله باسمه أحد، قاله قتادة.
357
﴿قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا﴾ قوله تعالى: ﴿... أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ﴾ أي ولد. ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً﴾ أي لا تلد وفي تسميتها عاقراً وجهان: أحدهما: لأنها تصير إذا لم تلد كأنها تعقر النسل أي تقطعه. الثاني: لأن في رحمها عقراً يفسد المني، ولم يقل ذلك عن شك بعد الوحي ولكن على وجه الاستخبار: أتعيدنا شابين؟ أو ترزقنا الولد شيخين؟ ﴿وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتيّاً﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: يعني سناً، قاله قتادة. الثاني: أنه نحول العظم، قاله ابن جريج. الثالث: أنه الذي غيره طول الزمان إلى اليبس والجفاف، قاله ابن عيسى قال الشاعر:
(إنما يعذر الوليد ولا يعذر من كان في الزمان عتياً)
قال قتادة: كان له بضع وسبعون سنة وقال مقاتل خمس وتسعون سنة. وقرأ
357
ابن عباس: ﴿عِسِيّاً﴾ وهي كذلك في مصحف أبي من قولهم للشيخ إذا كبر: قد عسا وعتا ومعناهما واحد.
358
﴿قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا﴾ قوله تعالى: ﴿... اجْعَل لِّيءَايَةً﴾ أي علامة وفيها وجهان: أحدهما: أنه سأل الله آية تدله على البشرى بيحيى منه لا من الشيطان لأن إبليس أوهمه ذلك، قاله الضحاك. الثاني: سأله آية تدله على أن امرأته قد حملت. ﴿قَالَءَايَتُكَ أَلاَّ تُكلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه اعتقل لسانه ثلاثاً من غير مرض وكان إذا أراد أن يذكر الله انطلق لسانه وإذا أراد أن يكلم الناس اعتقل، وكانت هذه الآية، قاله ابن عباس الثاني: اعتقل من غير خرس، قاله قتادة والسدي. ﴿سَوِيّاً﴾ فيه تأويلان: أحدهما: صحيحاً من غير خرس، قاله قتادة. الثاني: ثلاث ليال متتابعات، قاله عطية، فيكون السوي على الوجه الأول راجعاً إلى لسانه، وعلى الثاني إلى الليالي. قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ﴾ قال ابن جريج أشرف على قومه من المحراب. وفي ﴿الْمِحْرَابِ﴾ وجهان: أحدهما: أنه مصلاة، قاله ابن زيد. الثاني: أنه الشخص المنصوب للتوجه إليه في الصلاة. وفي تسميته محراباً وجهان:
358
أحدهما: أنه للتوجه إليه في صلاته كالمُحَارِب للشيطان صلاته. الثاني: أنه مأخوذ من منزل الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه ومنعاً منه. ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشيّاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أوصى إليهم، قاله ابن قتيبة. الثاني: أشار إليهم بيده، قاله الكلبي. الثالث: كتب على الأرض. والوحي في كلام العرب الكتابة ومنه قول جرير:
(كأن أخا اليهود يخط وحياً بكافٍ من منازلها ولام)
﴿أَنَ سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ أي صلواْ بكرة وعشياً، قاله الحسن وقتادة، وقيل للصلاة تسبيح لما فيها من التسبيح.
359
قوله تعالى :﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ ﴾ قال ابن جريج أشرف على قومه من المحراب. وفي ﴿ الْمِحْرَابِ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه مصلاة، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه الشخص المنصوب للتوجه إليه في الصلاة.
وفي تسميته محراباً وجهان :
أحدهما : أنه للتوجه إليه في صلاته كالمُحَارِب للشيطان صلاته.
الثاني : أنه مأخوذ من منزل الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه ومنعاً منه.
﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشيّاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أوصى إليهم، قاله ابن قتيبة.
الثاني : أشار إليهم بيده، قاله الكلبي.
الثالث : كتب على الأرض. والوحي في كلام العرب الكتابة ومنه قول جرير :
كأن أخا اليهود يخط وحياً بكافٍ من منازلها ولام
﴿ أَنَ سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ﴾ أي صلواْ بكرة وعشياً، قاله الحسن وقتادة، وقيل للصلاة تسبيح لما فيها من التسبيح١.
١ من باب تسمية الكل باسم البعض..
﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا﴾ قوله تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ وفي قائله قولان: أحدهما: أنه قول زكريا ليحيى حين نشأ. الثاني: قول الله ليحيى حين بلغ. وفي هذا ﴿الْكِتَابَ﴾ قولان: أحدهما: صحف إبراهيم. الثاني: التوراة. ﴿بِقُوَّةٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بجد واجتهاد، قاله مجاهد.
359
الثاني: العمل بما فيه من أمر والكف عما فيه من نهي، قاله زيد بن أسلم. ﴿وَءَاتَينَاهُ الْحُكُمَ صَبِيّاً﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: اللب، قاله الحسن. الثاني: الفهم، قاله مقاتل. الثالث: الأحكام والمعرفة بها. الرابع: الحكمة. قال معمر: إن الصبيان قالوا ليحيى إذهب بنا نلعب فقال ما للعب خلقت، فأنزل الله ﴿وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾. قاله مقاتل وكان ابن ثلاث سنين. قوله تعالى: ﴿وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا﴾ فيه ستة تأويلات: أحدها: رحمة من عندنا، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر:
(أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض)
أي رحمتك وإحسانك. الثاني: تعطفاً، قاله مجاهد. الثالث: محبة، قاله عكرمة. الرابع: بركة، قاله ابن جبير. الخامس: تعظيماً. السادس: يعني آتينا تحنناً على العباد. ويحتمل سابعاً: أن يكون معناه رفقاً ليستعطف به القلوب وتسرع إليه الإِجابة ﴿وَزَكَاةً﴾ فيها هنا ثلاثة تأويلات: أحدها: أنها العمل الصالح الزاكي، قاله ابن جريج. الثاني: زكيناه بحسن الثناء كما يزكي الشهود إنساناً.
360
الثالث: يعني صدقة به على والديه، قاله ابن قتيبة. ﴿وَكَانَ تَقِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما مطيعاً لله، قاله الكلبي. الثاني: باراً بوالديه، قاله مقاتل.
361
قوله تعالى :﴿ وَحَنَاناً من لَّدُنَّا ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : رحمة من عندنا، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر١ :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض
أي رحمتك وإحسانك.
الثاني : تعطفاً، قاله مجاهد.
الثالث : محبة، قاله عكرمة.
الرابع : بركة، قاله ابن جبير.
الخامس : تعظيماً.
السادس : يعني آتينا تحنناً على العباد.
ويحتمل سابعاً : أن يكون معناه رفقاً ليستعطف به القلوب وتسرع إليه الإِجابة ﴿ وَزَكَاةً ﴾ فيها هنا ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها العمل الصالح الزاكي، قاله ابن جريج.
الثاني : زكيناه بحسن الثناء٢ كما يزكي الشهود إنساناً.
الثالث : يعني صدقة به على والديه، قاله ابن قتيبة. ﴿ وَكَانَ تَقِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما مطيعاً لله، قاله الكلبي. الثاني : باراً بوالديه، قاله مقاتل.
١ هو طرفة بن العبد..
٢ الثناء: ساقطة من ك..
﴿واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا﴾ قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ يعني في القرآن ﴿إِذ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: انفردت، قاله قتادة. الثاني: اتخذت. ﴿مَكَاناً شَرْقِيّاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ناحية المشرق، قاله الأخفش ولذلك اتخذت النصارى المشرق قبلة. الثاني: مشرقة داره التي تظلها الشمس، قاله عطية. الثالث: مكاناً شاسعاً بعيداً، قاله قتادة. قوله تعالى: ﴿فاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: حجاباً من الجدران، قاله السدي.
361
الثاني: حجاباً من الشمس جعله الله ساتراً، قاله ابن عباس الثالث: حجاباً من الناس، وهو محتمل، وفيه وجهان: أحدهما: أنها اتخذت مكاناً تنفرد فيه للعبادة. الثاني: أنها اتخذت مكاناً تعتزل فيه أيام حيضها. ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ الآية: فيه قولان: أحدهما: يعني الروح التي خلق منها المسيح حتى تمثل لها بشراً سوياً. الثاني: أنه جبريل، قاله الحسن وقتادة، والسدي، وابن جريج، وابن منبه. وفي تسميته له روحاً وجهان: أحدهما: لأنه روحاني لا يشوبه شيء غير الروح، وأضافه إليه بهذه الصفة تشريفاً له. الثاني: لأنه تحيا به الأرواح. واختلفوا في سبب حملها على قولين: أحدهما: أن جبريل نفخ في جيب درعها وكُمِّهَا فَحَمَلَتْ، قاله ابن جريج، منه قول أميه بن أبي الصلت:
(فأهوى لها بالنفخ في جيب درعها فألقت سويّ الخلق ليس بتوأم)
الثاني: أنه ما كان إلا أن حملت فولدته، قاله ابن عباس. واختلفوا في مدة حملها على أربعة أقاويل: أحدها: تسعة أشهر، قاله الكلبي. الثاني: تسعة أشهر. حكى لي ذلك أبو القاسم الصيمري. الثالث: يوماً واحداً. الرابع: ثمانية أشهر، وكان هذا آية عيسى فإنه لم يعش مولوداً لثمانية أشهر سواه.
362
قوله تعالى: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً﴾ لأن مريم خافت جبريل على نفسها حين دنا فقالت ﴿إِنِّي أَعُوذُ﴾ أي أمتنع ﴿بِالرَّحْمَنِ مِنكَ﴾ فاستغاثت بالله في امتناعها منه. فإن قيل: فلم قالت ﴿إن كُنتَ تَقِيّاً﴾ والتقي مأمون وإنما يستعاذ من غير التقي؟ ففيه وجهان: أحدهما: أن معنى كلامها إن كنت تقياً لله فستمتنع من استعاذتي وتنزجر عني من خوفه، قاله أبو وائل. الثاني: أنه كان اسماً لرجل فاجر من بني إسرائيل مشهور بالعهر يُسَمَّى تقياً فخافت أن يكون الذي جاءها هو ذلك الرجل المسمى تقياً الذي لا يأتي إلا للفاحشة فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قاله بن عباس.
363
قوله تعالى :﴿ فاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : حجاباً من الجدران، قاله السدي.
الثاني : حجاباً من الشمس جعله الله ساتراً، قاله ابن عباس.
الثالث : حجاباً من الناس، وهو محتمل، وفيه وجهان :
أحدهما : أنها اتخذت مكاناً تنفرد فيه للعبادة.
الثاني : أنها اتخذت مكاناً تعتزل فيه أيام حيضها.
﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ الآية. فيه قولان :
أحدهما : يعني الروح التي خلق منها المسيح حتى تمثل لها بشراً سوياً.
الثاني : أنه جبريل، قاله الحسن وقتادة، والسدي، وابن جريج، وابن منبه١.
وفي تسميته له روحاً وجهان :
أحدهما : لأنه روحاني لا يشوبه شيء غير الروح، وأضافه إليه بهذه الصفة تشريفاً له.
الثاني : لأنه تحيا به الأرواح.
واختلفوا في سبب حملها على قولين :
أحدهما : أن جبريل نفخ في جيب درعها وكُمِّهَا فَحَمَلَتْ، قاله ابن جريج، منه قول أميه بن أبي الصلت :
فأهوى لها بالنفخ في جيب درعها فألقت سويّ الخلق ليس بتوأم
الثاني : أنه ما كان إلا أن حملت فولدته، قاله ابن عباس.
واختلفوا في مدة حملها على أربعة أقاويل : أحدها : تسعة أشهر، قاله الكلبي. الثاني : ستة أشهر. حكى لي ذلك أبو القاسم٢ الصيمري.
الثالث : يوماً واحداً.
الرابع : ثمانية أشهر، وكان هذا آية عيسى فإنه لم يعش مولوداً لثمانية أشهر سواه.
١ وهذا القول هو الأصح..
٢ أبو القاسم الصيمري هو شيخ المؤلف بالبصرة، واسمه عبد الواحد بن الحسين توف بعد سنة ٣٨٦..
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ﴾ لأن مريم خافت جبريل على نفسها حين دنا فقالت :﴿ إِنِّي أَعُوذُ ﴾ أي أمتنع ﴿ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ ﴾ فاستغاثت بالله في امتناعها منه.
فإن قيل : فلم قالت :﴿ إن كُنتَ تَقِيّاً ﴾ والتقي مأمون وإنما يستعاذ من غير التقي ؟
ففيه وجهان :
أحدهما : أن معنى كلامها إن كنت تقياً لله فستمتنع من استعاذتي وتنزجر عني من خوفه، قاله أبو وائل١.
الثاني : أنه كان اسماً لرجل فاجر من بني إسرائيل مشهور بالعهر يُسَمَّى تقياً فخافت أن يكون الذي جاءها هو ذلك الرجل المسمى تقياً الذي لا يأتي إلا للفاحشة فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قاله بن عباس.
١ في الأصل أبو أويل وهو تحريف..
﴿فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا﴾ قوله تعالى: ﴿فَأجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: معناه ألجأها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ومنه قول الشاعر:
(إذ شددنا شدة صادقة فأجأناكم إلى سفح الجبل)
الثاني: معناه فجأها المخاض كقول زهير:
(وجارٍ سارَ معتمداً إلينا أجاءته المخافة والرجاء.)
وفي قراءة ابن مسعود ﴿فَأَوَاهَا﴾
363
﴿قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنها خافت من الناس أن يظنوا بها سوءاً قاله السدي. الثاني: لئلا يأثم الناس بالمعصية في قذفها. الثالث: لأنها لم تَرَ في قومها رشيداً ذا فراسة ينزهها من السوء، قاله جعفر بن محمد رحمهما الله. ﴿وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: لم أخلق ولم أكن شيئاً، قاله ابن عباس. الثاني: لا أعرف ولا يدرى من أنا، قاله قتادة. الثالث: النسي المنسي هو السقط، قاله الربيع، وأبو العالية. الرابع: هو الحيضة الملقاة، قاله عكرمة، بمعنى خرق الحيض. الخامس: معناه وكنت إذا ذكرت لم أطلب حكاه اليزيدي. والنسي عندهم في كلامهم ما أعقل من شيء حقير قال الراجز:
٨٩ (كالنسي ملقى بالجهاد البسبس.} ٩
364
قوله تعالى :﴿ فَأجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه ألجأها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ومنه قول الشاعر١ :
إذ شددنا شدة صادقة *** فأجأناكم إلى سفح الجبل
الثاني : معناه فجأها المخاض كقول زهير :
وجارٍ سارَ معتمداً إلينا *** أجاءته المخافة والرجاء.
وفي قراءة ابن مسعود ﴿ فَأَوَاهَا ﴾
﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها خافت من الناس أن يظنوا بها سوءاً، قاله السدي.
الثاني : لئلا يأثم الناس بالمعصية في قذفها.
الثالث : لأنها لم تَرَ في قومها رشيداً ذا فراسة ينزهها من السوء، قاله جعفر٢ بن محمد رحمهما الله.
﴿ وَكُنتُ نَسْياً منسِيّاً ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : لم أخلق ولم أكن شيئاً، قاله ابن عباس.
الثاني : لا أعرف ولا يدرى من أنا، قاله قتادة.
الثالث : النسي المنسي هو السقط، قاله الربيع، وأبو العالية.
الرابع : هو الحيضة الملقاة، قاله عكرمة، بمعنى خرق الحيض.
الخامس : معناه وكنت إذا ذكرت لم أطلب حكاه اليزيدي. والنسي عندهم في كلامهم ما أعقل من شيء حقير قال الراجز :
كالنسي ملقى بالجهاد البسبس٣. ***
١ هو حسين بن ثابت يرد على عبد الله بن الزعبري يوم أحد..
٢ المقصود به: جعفر الصادق بن محمد الباقر..
٣ قائله دكين الفقيمي كما في اللسان ـ نسي. والشطر الأول هو:
بالدار وحي كاللقي المطرس كالنسي....
والجهاد: الأرض. والبسبس: البر المقفر الواسع..

﴿فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا﴾ قوله تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهآ أَلاَّ تَحْزَنِي﴾ فيه قولان: أحدهما: أن المنادي لها من تحتها جبريل، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي. الثاني: أنه عيسى ابنها، قاله الحسن، ومجاهد. وفي قوله من تحتها وجهان: أحدهما: من أسفل منها في الأرض وهي فوقه على رأسه، قاله الكلبي.
364
الثاني: من بطنها: قاله بعض المتكلمين، بالقبطية. ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾ فيه قولان: أحدهما: أن السريّ هو ابنها عيسى، لأن السري هو الرفيع الشريف مأخوذ من قولهم فلان من سروات قومه أي من أشرافهم، قاله الحسن، فعلى هذا يكون عيسى هو المنادي من تحتها ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾ الثاني: أن السريّ هو النهر، قاله ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير،
365
وقتادة، والضحاك، لتكون النخلة لها طعاماً، والنهر لها شراباً، وعلى هذا يكون جبريل هو المنادي لها ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾. الثاني: أنه عربي مشتق من السراية فَسُمِّيَ السريّ لأنه يجري فيه ومنه قول الشاعر: وقيل: إن اسم السري يطلق على ما يعبره الناس من الأنهار وثباً. وروى أبان بن تغلب في تفسيره القرآن خبراً عن عدد لم يسمهم أن رسول الله ﷺ بعث شداد بن ثمامة مصدقاً لبني كعب بن مذحج وكتب له كتاباً: (عَلَى مَا سَقَتْهُ المَرَاسِمُ وَالجَدَاوِلُ وَالنَّوَاهِرُ وَالدَّوَافِعُ العُشْرُ وَنِصْفُ العشر بقيمة عَدْلٍ إِلاَّ الضَّوَامَرَ وَاللَّوَاقِحَ وَمَا َأطل الصور من الجفن. وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلاَّ العَقِيلَ وَالأَكِيلَ وَالربِيَّ. ومن كل ثلاثين بقرةً جِذْعٌ أَوْ جِذْعَةٌ إِلاَّ العَاقِرَ وَالنَّاشِطَ وَالرَّاشِحَ. وَمِن كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ المُوَّبلَةِ مُسِنَّةٌ مِنَ الغَنَمِ. وَلاَ صَدَقَةَ فِي الخَيلِ وَلاَ فِي الإِبِلِ العَامِلةِ. شَهِدَ جِرِيرٌ بِن عَبدِ اللَّهِ بن جَابرٍ البَجْلِي وَشَدَّادُ بن ثُمَامَةَ وَكَتَبَ المُغِيرَةُ بن شُعْبةِ) فالمراسل العيون، والجداول الأنهار الصغار، والنواهر الدوالي، والدوافع الأودية، والضوامر ما لم تحمل من النخل، واللواقح الفحول، والجفن الكرم، وما أطلاه من الزرع عفو، والعقيل فحل الغنم والأَيل الذي يُرَبَّى للأكل. والربي التي تربي ولدها والعاقر من البقر التي لا تحمل، والناشط الفحل الذي ينشط من أرض إلى أرض والراشح الذي يحرث الأرض. قوله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ....﴾ الآية. اختلف في النخلة. على أربعة أقاويل:
366
أحدها: كانت برنية. الثاني: صرفاتة، قاله أبو داود. الثالث: قريناً. الرابع: عجوة، قاله مجاهد. وفي ﴿الجَنِي﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: المترطب البسر، قاله مقاتل. الثاني: البلح لم يتغير، قاله أبو عمرو بن العلاء. الثالث: أنه الطري بغباره. وقيل لم يكن للنخلة رأس وكان في الشتاء فجعله الله آية. قال مقاتل فاخضرت وهي تنظر ثم حملت وهي تنظر ثم نضجت وهي تنظر. قوله تعالى: ﴿فَكُلِي﴾ يعني من الرطب الجني. ﴿وَاشْرَبِي﴾ يعني من السريّ. ﴿وَقَرِّي عَيْناً﴾ يعني بالولد، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: جاء يقر عينك سروراً، قاله الأصمعي، لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة. الثاني: طيبي نفساً، قاله الكلبي. الثالث: تسكن عينك ولذلك قيل ما شيء خير للنفساء من الرطب والتمر. ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً﴾ يعني إما للإِنكار عليك وإما للسؤال لك. ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً﴾ فيه تأويلان: أحدهما: يعني صمتاً، وقد قرىء في بعض الحروف: ﴿لِلرَّحَمْنِ صَمْتاً﴾ وهذا تأويل ابن عباس وأنس بن مالك والضحاك. الثاني: صوماً عن الطعام والشراب والكلام، قاله قتادة.
367
﴿فَلَنْ أُكَلَّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنها امتنعت من الكلام ليتكلم عنها ولدها فيكون فيه براءة ساحتها، قاله ابن مسعود ووهب بن منبه وابن زيد. الثاني: أنه كان من صام في ذلك الزمان لم يكلم الناس، فأذن لها في المقدار من الكلام قاله السدي.
368
قوله تعالى :﴿ وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ. . . . ﴾ الآية. اختلف في النخلة. على أربعة أقاويل :
أحدها : كانت برنية.
الثاني : صرفانة، قاله أبو داود.
الثالث : قريناً.
الرابع : عجوة١، قاله مجاهد.
وفي ﴿ الجَنِي ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : المترطب البسر، قاله مقاتل.
الثاني : البلح لم يتغير، قاله أبو عمرو بن العلاء.
الثالث : أنه الطري بغباره. وقيل لم يكن للنخلة رأس وكان في الشتاء فجعله الله آية.
قال مقاتل : فاخضرت وهي تنظر ثم حملت وهي تنظر ثم نضجت وهي تنظر.
١ البرنية والصرفانة والقرين والعجوة كلها أنواع من النخل..
قوله تعالى :﴿ فَكُلِي ﴾ يعني من الرطب الجني.
﴿ وَاشْرَبِي ﴾ يعني من السريّ.
﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾ يعني بالولد، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : جاء يقر عينك سروراً، قاله الأصمعي، لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة.
الثاني : طيبي نفساً، قاله الكلبي.
الثالث : تسكن عينك ولذلك قيل ما شيء خير للنفساء من الرطب والتمر.
﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ﴾ يعني إما للإِنكار عليك وإما للسؤال لك.
﴿ فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني صمتاً، وقد قرئ في بعض الحروف :﴿ لِلرَّحَمْنِ صَمْتاً ﴾ وهذا تأويل ابن عباس وأنس بن مالك والضحاك.
الثاني : صوماً عن الطعام والشراب والكلام، قاله قتادة. ﴿ فَلَنْ أُكَلّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنها امتنعت من الكلام ليتكلم عنها ولدها فيكون فيه براءة ساحتها، قاله ابن مسعود ووهب بن منبه وابن زيد.
الثاني : أنه كان من صام في ذلك الزمان لم يكلم الناس، فأذن لها في المقدار من الكلام قاله السدي.
﴿فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا﴾ قوله تعالى: ﴿... شَيْئاً فَرِيّاً﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: أنه القبيح من الإفتراء، قاله الكلبي. الثاني: أنه العمل العجيب، قاله الأخفش. الثالث: العظيم من الأمر، قاله مجاهد، وقتادة، والسدي. الرابع: أنه المتصنع مأخوذ من الفرية وهو الكذب، قاله اليزيدي. الخامس: أنه الباطل. قوله تعالى: ﴿يَآ أُخْتَ هَارُونَ... ﴾ وفي هذا الذي نسبت إليه أربعة أقاويل: أحدها: أنه كان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل ينسب إليه من يعرف بالصلاح، قاله مجاهد وكعب، والمغيرة بن شعبة يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم
368
الثاني: أنه هارون أخو موسى فنسبت إليه لأنها من ولده كما يقال يا أخا بني فلان، قاله السدي. الثالث: أنه كان أخاها لأبيها وأمها، قاله الضحاك. الرابع: أنه كان رجلاً فاسقاً معلناً بالفسق ونسبت إليه، قاله ابن جبير. ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً﴾ أي زانية. وسميت الزانية بغياً لأنها تبغي الزنا أي تطلبه. قوله تعالى: ﴿فَأشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أشارت إلى الله فلم يفهموا إشارتها، قاله عطاء. الثاني: أنها أشارت إلى عيسى وهو الأظهر، إما عن وحي الله إليها، وإما لثقتها بنفسها في أن الله تعالى سيظهر براءتها، فأشارت إلى الله إليها، فأشارت إلى عيسى أن كلموه فاحتمل وجهين: أحدهما: أنها أحالت الجواب عليه استكفاء. الثاني: أنها عدلت إليه ليكون كلامه لها برهاناً ببراءتها. ﴿قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ﴾ وفي ﴿كَانَ﴾ في هذا الموضع وجهان: أحدهما: أنها بمعنى يكون تقديره من يكون في المهد صبياً قاله ابن الأنباري. الثاني: أنها صلة زائدة وتقديره من هو في المهد، قاله ابن قتيبة. وفي ﴿الْمَهْدِ﴾ وجهان: أحدهما: أنه سرير الصبي المعهود لمنامه.
369
الثاني: إنه حجرها الذي تربيه فيه، قاله قتادة. وقيل إنهم غضبوا وقالوا: لسخريتها بنا أعظم من زناها، قاله السدي. فلما تكلم قالوا: إن هذا لأمر عظيم. ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ وإنما قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من ادعى فيه الربوبية وكان الله هو الذي أنطقه بذلك لعلمه بما يتقوله الغالون فيه. ﴿ءَآتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ أي سيؤتيني الكتاب. ﴿وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: وسيجعلني نبياً، والكلام في المهد من مقدمات نبوته. الثاني: أنه كان في حال كلامه لهم في المهد نبياً كامل العقل ولذلك كانت له هذه المعجزة، قاله الحسن. وقال الضحاك: تكلم وهو ابن أربعين. [يوماً]. قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: نبياً، قاله مجاهد. الثاني: آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر. الثالث: معلماً للخير، قاله سفيان. الرابع: عارفاً بالله وداعياً إليه. ﴿وأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ﴾ فيها وجهان: أحدهما: الدعاء والإِخلاص. الثاني: الصلوات ذات الركوع والسجود. ويحتمل ثالثاً: أن الصلاة الإِستقامة مأخوذ من صلاة العود إذا قوّم اعوجاجه بالنار. ﴿وَالزَّكَاة..﴾ فيها وجهان: أحدهما: زكاة المال. الثاني: التطهير من الذنوب.
370
ويحتمل ثالثاً: أن الزكاة الاستكثار من الطاعة، لأن الزكاة في اللغة النماء والزيادة. قوله تعالى: ﴿وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: بما برأها به من الفاحشة. الثاني: بما تكفل لها من الخدمة. ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الجبار الجاهل بأحكامه، الشقي المتكبر عن عبادته. الثاني: أن الجبار الذي لا ينصح، والشقي الذي لا يقبل النصيحة. ويحتمل ثالثاً: أن الجبار الظالم للعباد، والشقي الراغب في الدنيا. قوله تعالى: ﴿وَالْسَّلاَمُ عَلَيَّ... ﴾ الآية. فيه وجهان: أحدهما: يعني بالاسلام السلامة، يعني في الدنيا، ﴿وَيَوْمَ أَمُوتُ﴾ يعني في القبر، ﴿وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيَّاً﴾ يعني في الآخرة، لأن له أحوالاً ثلاثاً: في الدنيا حياً، وفي القبر ميتاً، وفي الآخرة مبعوثاً، فسلم في أحواله كلها، وهو معنى قول الكلبي. الثاني: يعني بالسلام ﴿يَوْمَ وُلِدتُّ﴾ سلامته من همزة الشيطان فإنه ليس مولود يولد إلا همزه الشيطان وذلك حين يستهل، غير عيسى فإن الله عصمه منها. وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي أُعِذُهَا وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ ﴿وَيَوْْمَ أَمُوتُ﴾ يعني سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض ﴿وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ لم أر فيه على هذا الوجه ما يُرضي.
371
ويحتمل أن تأويله على هذه الطريقة سلامته من العرض والحساب لأن الله ما رفعه إلى السماء إلا بعد خلاصه من الذنوب والمعاصي. قال ابن عباس ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان.
372
قوله تعالى :﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ. . . ﴾ وفي هذا الذي نسبت إليه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل ينسب إليه من يعرف بالصلاح، قاله مجاهد وكعب، والمغيرة بن شعبة يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم
الثاني : أنه هارون أخو موسى فنسبت إليه لأنها من ولده كما يقال يا أخا بني فلان، قاله السدي.
الثالث : أنه كان أخاها لأبيها وأمها، قاله الضحاك.
الرابع : أنه كان رجلاً فاسقاً معلناً بالفسق ونسبت إليه، قاله ابن جبير.
﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ أي زانية. وسميت الزانية بغياً لأنها تبغي الزنا أي تطلبه.
قوله تعالى :﴿ فَأشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أشارت إلى الله فلم يفهموا إشارتها، قاله عطاء.
الثاني : أنها أشارت إلى عيسى وهو الأظهر، إما عن وحي الله إليها، وإما لثقتها بنفسها في أن الله تعالى سيظهر براءتها، فأشارت إلى الله إليها، فأشارت إلى عيسى أن كلموه فاحتمل وجهين :
أحدهما : أنها أحالت الجواب عليه استكفاء.
الثاني : أنها عدلت إليه ليكون كلامه لها برهاناً ببراءتها.
﴿ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ ﴾ وفي ﴿ كَانَ ﴾ في هذا الموضع وجهان :
أحدهما : أنها بمعنى يكون تقديره من يكون في المهد صبياً، قاله ابن الأنباري.
الثاني : أنها صلة زائدة وتقديره من هو في المهد، قاله ابن قتيبة.
وفي ﴿ الْمَهْدِ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه سرير الصبي المعهود لمنامه.
الثاني : إنه حجرها الذي١ تربيه فيه، قاله قتادة. وقيل إنهم غضبوا وقالوا : لسخريتها بنا أعظم من زناها، قاله السدي. فلما تكلم قالوا : إن هذا لأمر عظيم.
١ في الأصل التي وهو خطـأ..
﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ وإنما قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من ادعى فيه الربوبية وكان الله هو الذي أنطقه بذلك لعلمه بما يتقوله الغالون فيه.
﴿ ءَآتَانِيَ الْكِتَابَ ﴾ أي سيؤتيني الكتاب.
﴿ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وسيجعلني نبياً، والكلام في المهد من مقدمات نبوته.
الثاني : أنه كان في حال كلامه لهم في المهد نبياً كامل العقل ولذلك كانت له هذه المعجزة، قاله الحسن. وقال الضحاك : تكلم وهو ابن أربعين. [ يوماً ]١.
١ زيادة يقتضيها السياق..
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : نبياً، قاله مجاهد.
الثاني : آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر.
الثالث : معلماً للخير، قاله سفيان.
الرابع : عارفاً بالله وداعياً إليه.
﴿ وأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : الدعاء والإِخلاص. الثاني : الصلوات ذات الركوع والسجود.
ويحتمل ثالثاً : أن الصلاة الاستقامة مأخوذ من صلاة العود إذا قوّم اعوجاجه بالنار.
﴿ وَالزَّكَاة. . ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : زكاة المال.
الثاني : التطهير من الذنوب.
ويحتمل ثالثاً : أن الزكاة الاستكثار من الطاعة، لأن الزكاة في اللغة النماء والزيادة.
قوله تعالى :﴿ وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : بما برأها به من الفاحشة.
الثاني : بما تكفل لها من الخدمة.
﴿ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الجبار الجاهل بأحكامه١، الشقي المتكبر عن عبادته.
الثاني : أن الجبار الذي لا ينصح، والشقي الذي لا يقبل النصيحة.
ويحتمل ثالثاً : أن الجبار الظالم للعباد، والشقي الراغب في الدنيا.
١ أي أحكام الله التي شرعها لعباده..
قوله تعالى :﴿ وَالْسَّلاَمُ عَلَيَّ. . . ﴾ الآية. فيه وجهان :
أحدهما : يعني بالإسلام السلامة، يعني في الدنيا، ﴿ وَيَوْمَ أَمُوتُ ﴾ يعني في القبر، ﴿ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيَّاً ﴾ يعني في الآخرة، لأن له أحوالاً ثلاثاً : في الدنيا حياً، وفي القبر ميتاً، وفي الآخرة مبعوثاً، فسلم في أحواله كلها، وهو معنى قول الكلبي.
الثاني : يعني بالسلام ﴿ يَوْمَ وُلِدتُّ ﴾ سلامته من همزة الشيطان فإنه ليس مولود يولد إلا همزه الشيطان وذلك حين يستهل، غير عيسى فإن الله عصمه منها. وهو معنى قوله تعالى :﴿ وَإِنِّي أُعِذُهَا وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ ﴿ وَيَوْمَ أَمُوتُ ﴾ يعني سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض ﴿ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ لم أر فيه على هذا الوجه ما يُرضي.
ويحتمل أن تأويله على هذه الطريقة سلامته من العرض والحساب لأن الله ما رفعه إلى السماء إلا بعد خلاصه من الذنوب والمعاصي.
قال ابن عباس ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان.
﴿ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم﴾ قوله تعالى: ﴿ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الحق هو الله تعالى. الثاني: عيسى وسماه حقاً لأنه جاء بالحق. الثالث: هو القول الذي قاله عيسى من قبل. ﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يشكّون، قاله الكلبي. الثاني: يختلفون لأنهم اختلفوا في الله وفي عيسى، فقال قوم هو الله، وقال آخرون هو ابن الله، وقال آخرون هو ثالث ثلاثة. وهذه الأقاويل الثلاثة للنصارى. وقال المسلمون: هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم. ونسبته اليهود إلى غير رشدة فهذا معنى قوله: ﴿الَّذِي فِيهِ تَفْتَرُونَ﴾ بالفاء معجمة من فوق.
372
قال ابن عباس ففرّ بمريم ابن عمها معها ابنها إلى مصر فكانواْ فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه.
373
﴿أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا﴾ قوله تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني لئن كانوا في لدنيا صماً عمياً عن الحق فما أسمعهم له وأبصرهم به في الآخرة يوم القيامة، قاله الحسن، وقتادة. الثاني: أسمع بهم اليوم وأبصر كيف يصنع بهم يوم القيامة يوم يأتوننا، قاله أبو العالية. ويحتمل ثالثا: أسمع أمَّتَك بما أخبرناك من حالهم فستبصر يوم القيامة ما يصنع بهم. قوله تعالى: ﴿وَأَنذرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يوم القيامة إذا قضي العذاب عليهم، قاله الكلبي.
373
الثاني: يوم الموت إذ قضى الموت انقطاع التوبة واستحقاق الوعيد، قاله مقاتل.
374
قوله تعالى :﴿ وَأَنذرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يوم القيامة إذا قضي العذاب عليهم، قاله الكلبي.
الثاني : يوم الموت إذ قضى الموت انقطاع التوبة واستحقاق الوعيد، قاله مقاتل.
﴿قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا﴾ قال تعالى: ﴿... لأَرْجُمَنَّكَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بالحجارة حتى تباعد عني، قاله الحسن. الثاني: لأرجمنك بالذم باللسان والعيب بالقول، قاله الضحاك، والسدي، وابن جريج. ﴿وَاهْجُرنِي مَلِيّاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: دهراً طويلاً، قاله الحسن، ومجاهد، وابن جبير، والسدي، ومنه قول مهلهل.
(سهل الخليقة ماجد ذو نائلٍ مثل السريّ تمده الأنهار)
(فتصدعت صم الجبال لموته وبكت عليه المرملات ملياً)
الثاني: سوياً سليماً من عقوبتي، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، وعطاء. الثالث: حيناً، قاله عكرمة. قوله تعالى: ﴿قَالَ سَلاَمٌ عَلَيكَ﴾ هذا سلام إبراهيم على أبيه، وفيه وجهان: أحدهما: أنه سلام توديع وهجر لمقامه على الكفر، قاله ابن بحر.
374
الثاني: وهو أظهر أنه سلام بر وإكرام، فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة وشكراً لسالف التربية. ثم قال: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ وفيه وجهان: أحدهما: سأستغفر لك إن تركت عبادة الأوثان. الثاني: معناه سأدعوه لك بالهداية التي تقتضي الغفران. ﴿إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: مُقَرِّباً. الثاني: مُكْرِماً. الثالث: رحيماً، قاله مقاتل. الرابع: عليماً، قاله الكلبي. الخامس: متعهداً.
375
قوله تعالى :﴿ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيكَ ﴾ هذا سلام إبراهيم على أبيه، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه سلام توديع وهجر لمقامه على الكفر، قاله ابن بحر.
الثاني : وهو أظهر أنه سلام بر وإكرام، فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة وشكراً لسالف التربية.
ثم قال :﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : سأستغفر لك إن تركت عبادة الأوثان.
الثاني : معناه سأدعوه لك بالهداية التي تقتضي الغفران. ﴿ إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : مُقَرِّباً.
الثاني : مُكْرِماً.
الثالث : رحيماً، قاله مقاتل.
الرابع : عليماً، قاله الكلبي.
الخامس : متعهداً.
﴿فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا﴾ قوله تعالى: ﴿... وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: جعلنا لهم ذكراً جميلاً وثناءً حسناً، قاله ابن عباس، وذلك أن جمع الملك بحسن الثناء عليه. الثاني: جعلناهم رسلاً لله كراماً على الله، ويكون اللسان بمعنى الرسالة: قال الشاعر:
(أتتني لسان بني عامر أحاديثهما بعد قول ونكر.)
ويحتمل قولاً [ثالثاً] أن يكون الوفاء بالمواعيد والعهود.
قوله تعالى :﴿. . . وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : جعلنا لهم ذكراً جميلاً وثناءً حسناً، قاله ابن عباس، وذلك أن جمع الملك بحسن الثناء عليه.
الثاني : جعلناهم رسلاً لله كراماً على الله، ويكون اللسان بمعنى الرسالة قال الشاعر :
أتتني لسان بني عامر أحاديثهما بعد قول ونكر.
ويحتمل قولاً [ ثالثاً ] أن يكون الوفاء بالمواعيد والعهود.
﴿واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا﴾
375
قوله تعالى: ﴿وَنَادَينَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ﴾ والطور جبل بالشام ناداه الله من ناحيته اليمنى. وفيه وجهان: أحدهما: من يمين موسى. الثاني: من يمين الجبل، قاله مقاتل. ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قربه من الموضع الذي شرفه وعظمه بسماع كلامه. الثاني: أنه قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم، قاله ابن عباس، وقال غيره: حتى سمع صرير القلم الذي كتب به التوراة. الثالث: أنه قربه تقريب كرامة واصطفاء لا تقريب اجتذاب وإدناء لأنه لا يوصف بالحلول في مكان دون مكان فيقرب من بعد أو يبعد من قرب، قاله ابن بحر. وفي قوله: ﴿نَجِيّاً﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: أنه مأخوذ من النجوى، والنجوى لا تكون إلا في الخلوة، قاله قطرب. الثاني: نجاه لصدقه مأخوذ من النجاة. الثالث: رفعه بعد التقريب مأخوذ من النجوة وهو الإِرتفاع، قال الحسن لم يبلغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً.
376
قوله تعالى :﴿ وَنَادَينَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ﴾ والطور جبل بالشام ناداه الله من ناحيته اليمنى. وفيه وجهان :
أحدهما : من يمين موسى. الثاني : من يمين الجبل، قاله مقاتل.
﴿ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه قربه من الموضع الذي شرفه وعظمه بسماع كلامه.
الثاني : أنه قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم، قاله ابن عباس، وقال غيره : حتى سمع صرير القلم الذي كتب به التوراة.
الثالث : أنه قربه تقريب كرامة واصطفاء لا تقريب اجتذاب وإدناء لأنه لا يوصف بالحلول في مكان دون مكان فيقرب من بعد أو يبعد من قرب، قاله ابن بحر.
وفي قوله :﴿ نَجِيّاً ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مأخوذ من النجوى، والنجوى لا تكون إلا في الخلوة، قاله قطرب.
الثاني : نجاه لصدقه مأخوذ من النجاة.
الثالث : رفعه بعد التقريب مأخوذ من النجوة وهو الارتفاع، قال الحسن لم يبلغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً.
﴿واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا﴾ قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ وصفه بصدق الوعد لأنه وعد رجلاً أن ينتظره، قال ابن عباس: حولاً حتى أتاه. وقال يزيد الرقاشي: انتظره اثنين وعشرين يوماً. وقال مقاتل: انتظره ثلاثة أيام.
376
﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يأمر قومه فسماهم أهله. الثاني: أنه بدأ بأهله قبل قومه. وفي الصلاة والزكاة ما قدمناه. وهو على قوله الجمهور: إسماعيل بن إبراهيم. وزعم بعض المفسرين أنه ليس بإسماعيل بن إبراهيم لأن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن هذا هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إل قومه فسلخوا جلدة رأسه، فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه أو عقوبته.
377
﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يأمر قومه فسماهم أهله.
الثاني : أنه بدأ بأهله قبل قومه. وفي الصلاة والزكاة ما قدمناه. وهو على قول الجمهور : إسماعيل بن إبراهيم. وزعم بعض المفسرين أنه ليس بإسماعيل بن إبراهيم لأن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن هذا هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه، فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه أو عقوبته.
﴿واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا﴾ قوله تعالى: ﴿.... وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ فيه قولان: أحدهما: أن إدريس رفع إلى السماء الرابعة، وهذا قول أنس بن مالك في حديث مرفوع، وأبي سعيد الخدري، وكعب، ومجاهد. الثاني: رفعه إلى السماء السادسة، قاله ابن عباس، والضحاك، وهو مرفوع في السماء.
377
واختلفوا في موته فيها على قولين: أحدهما: أنه ميت فيها، قاله مقاتل وقيل أنه مات بين السماء الرابعة والخامسة. الثاني: أنه حيّ فيها لم يمت مثل عيسى. روى ابن إسحاق أن إدريس أول من أُعْطِي النبوة من ولد آدم وأول من خط بالقلم، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم. وحكى ابن الأزهر عن وهب بن منبه أن إدريس أول من اتخذ السلاح وجاهد في سبيل الله وسبى، ولبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود، وأول من وضع الأوزان والكيول، وأقام علم النجوم، والله أعلم.
378
قوله تعالى :﴿. . . . وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن إدريس رفع إلى السماء الرابعة، وهذا قول أنس بن مالك في حديث مرفوع، وأبي سعيد الخدري وكعب ومجاهد.
الثاني : رفعه إلى السماء السادسة، قاله ابن عباس والضحاك وهو مرفوع في السماء.
واختلفوا في موته فيها على قولين :
أحدهما : أنه ميت فيها، قاله مقاتل وقيل أنه مات بين السماء الرابعة والخامسة.
الثاني : أنه حيّ فيها لم١ يمت مثل عيسى. روى ابن إسحاق أن إدريس أول من أُعْطِي النبوة من ولد آدم وأول من خط بالقلم، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش٢ بن شيث بن آدم. وحكى ابن الأزهر عن وهب بن منبه أن إدريس أول من اتخذ السلاح وجاهد في سبيل الله وسبى، ولبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود، وأول من وضع الأوزان والكيول، وأقام علم النجوم، والله أعلم.
١ خرم بنسخة ش أسقط بقية مريم وطه والأنبياء..
٢ هكذا في الأصول، وفي سيرة ابن هشام ١/٣ يانش، ومثله في القرطبي ١١/١١٧..
﴿أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا﴾ قوله تعالى: ﴿... خَرّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً﴾ أي سُجّداً لله، وبكياً جمع باك، ليكون السجود رغبة والبكاء رهبة. وقد روي في الحديث: (فَهذَا السُّجُودُ فَأَينَ البُكَاءُ؟) يعني هذه الرغبة فأين الرهبة؟ لأن الطاعة لا تخلص إلا بالرغبة والرهبة.
﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا﴾
378
قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ الآية. في الفرق بين الخلْف بتسكين اللام والخلف بتحريكها وجهان: أحدهما: أنه بالفتح إذا خلفه من كان من أهله، وبالتسكين إذا خلفه من ليس من أهله. الثاني: أن الخلْف بالتسكين مستعمل في الذم، وبالفتح مستعمل في المدح قال لبيد:
(ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلفٍ كجلد الأجْرب)
وفي هذا الخلف قولان: أحدهما: أنهم اليهود من بعد ما تقدم من الأنبياء، قاله مقاتل. الثاني: أنهم من المسلمين. فعلى هذا في قوله ﴿من بَعْدِهِم﴾ قولان: أحدهما: من بعد النبي ﷺ، من عصر الصحابة وإلى قيام الساعة كما روى الوليد بن قيس حكاه إبراهيم عن عبيدة. الثاني: إنهم من بعد عصر الصحابة. روى الوليد بن قيس عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَكُونُ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً ﴿خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ﴾). الآية. وفي إضاعتهم الصلاة قولان: أحدهما: تأخيرها عن أوقاتها، قال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز. الثاني: تركها، قاله القرظي. ويحتمل ثالثاً: أن تكون إضاعتها الإِخلال باستيفاء شروطها.
379
﴿فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: أنه واد في جهنم، قالته عائشة وابن مسعود. الثاني: أنه الخسران، قاله ابن عباس. الثالث: أنه الشر، قاله ابن زيد. الرابع: الضلال عن الجنة. الخامس: الخيبة، ومنه قول الشاعر:
(فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً)
من يغو: أي من يخب.
380
﴿جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا﴾ قوله تعالى: ﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً﴾ فيه وجهان: أحدهما: الكلام الفاسد. الثاني: الخلف، قاله مقاتل. ﴿إلاَّ سَلاَماً﴾ فيه وجهان:
380
أحدهما: إلا السلامة. الثاني: تسليم الملائكة عليهم، قاله مقاتل. ﴿وَلَهُمْ رَزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشيًّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن العرب إذا أصابت الغداء والعشاء نعمت، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة غداء وعشاء، وإن لم يكن في الجنة ليل ولا نهار. الثاني: معناه مقدار البكرة ومقدار العشي من أيام الدنيا، قاله ابن جريج. وقيل إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب، ومقدار النهار. برفع الحجب وفتح الأبواب. ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم، لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال.
381
قوله تعالى :﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الكلام الفاسد.
الثاني : الخلف، قاله مقاتل.
﴿ إلاَّ سَلاَماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا السلامة.
الثاني : تسليم الملائكة عليهم، قاله مقاتل.
﴿ وَلَهُمْ رَزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشيًّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن العرب إذا أصابت الغداء والعشاء نعمت، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة غداء وعشاء، وإن لم يكن في الجنة ليل ولا نهار.
الثاني : معناه مقدار البكرة ومقدار العشي من أيام الدنيا ؛ قاله ابن جريج. وقيل إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب، ومقدار النهار. برفع الحجب وفتح الأبواب.
ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم، لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال.
﴿وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا﴾ قوله تعالى: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه قول أهل الجنة: إننا لا ننزل موضعاً من الجنة إلا بأمر الله، قاله ابن بحر. الثاني: أنه قول جبريل عليه السلام، لما ذكر أن جبريل أبطأ على النبي ﷺ باثنتي عشرة ليلة، فلما جاءه قال: (غِبْتَ عَنِّي حَتَّى ظَنَّ المُشْرِكُونَ كلَّ ظَنٍ). فنزلت ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ ربِّكَ﴾ ويحتمل وجهين: أحدهما: إذا أُمِرْنَا نزلنا عليك.
381
الثاني: إذا أَمَرَكَ ربك نَزَّلَنا عليك الأمر على الوجه الأول متوجهاً إلى النزول، وعلى الثاني متوجهاً إلى التنزيل. ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾ فيه قولان: أحدهما: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ من الآخرة، ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ من الدنيا. ﴿وَمَا بَيْنَ ذلِكَ﴾ يعني ما بين النفختين، قاله قتادة. والثاني: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ أي ما مضى أمامنا من الدنيا، ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة. ﴿وَمَا بَيْن ذلِكَ﴾ ما مضى من قبل وما يكون من بعد، قاله ابن جرير. ويحتمل ثالثاً: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾: السماء، ﴿وَمَا خلْفَنَا﴾: الأرض. ﴿وَمَا بَيْنَ ذلِكَ﴾ ما بين السماء والأرض. ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أي ما نسيك ربك. الثاني: وما كان ربك ذا نسيان. قوله عز وجل: ﴿.... هَل تعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: يعني مِثْلاً وشبيهاً، قاله ابن عباس، ومجاهد، مأخوذ من المساماة. الثاني: أنه لا أحد يسَمى بالله غيره، قاله قتادة، والكلبي. الثالث: أنه لا يستحق أحد أن يسمى إلهاً غيره. الرابع: هل تعلم له من ولد، قاله الضحاك، قال أبو طالب:
382
قوله عز وجل :﴿. . . . هَل تعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني مِثْلاً وشبيهاً، قاله ابن عباس، ومجاهد مأخوذ من المساماة.
الثاني : أنه لا أحد يسَمى بالله غيره، قاله قتادة والكلبي.
الثالث : أنه لا يستحق أحد أن يسمى إلهاً غيره.
الرابع : هل تعلم له من ولد، قاله الضحاك. قال أبو طالب :
(أمّا المسمى فأنت منه مكثر لكنه ما للخلود سبيلُ)
أمّا المسمى فأنت منه مكثر لكنه ما للخلود سبيلُ
{ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا
382
خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا} قوله عز وجل: ﴿... حَوْلَ جَهَنَّمَ﴾ فيها قولان: أحدهما: أن جهنم اسم من أسماء النار. الثاني: أنه إسم لأعمق موضع في النار، كالفردوس الذي هو اسم لأعلى موضع في الجنة. ﴿جِثِيّاً﴾ فيه قولان: أحدهما: [جماعات]، قاله الكلبي والأخفش. الثاني: بُروكاً على الرُّكَب، قاله عطية. قوله عز وجل: ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ﴾ الشيعة الجماعة المتعاونون. قال مجاهد: والمراد بالشيعة الأمة لاجتماعهم وتعاونهم. وفي ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ﴾ وجهان: أحدهما: لننادين، قاله ابن جريج. الثاني: لنستخرجن، قاله مقاتل. ﴿عِتِيّاً﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: أهل الإِفتراء بلغة بني تميم، قاله بعض أهل اللغة. الثاني: جرأة، قاله الكلبي. الثالث: كفراً، قاله عطية. الرابع: تمرداً. الخامس: معصية. قوله عز وجل: ﴿... أَوْلَى بِهَا صليّاً﴾ فيه وجهان:
383
أحدها: دخولاً، قاله الكلبي. الثاني: لزوماً.
384
قوله عز وجل :﴿. . . حَوْلَ جَهَنَّمَ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أن جهنم اسم من أسماء النار.
الثاني : أنه اسم لأعمق موضع في النار، كالفردوس الذي هو اسم لأعلى موضع في الجنة.
﴿ جِثِيّاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما :[ جماعات ]، قاله الكلبي والأخفش.
الثاني : بُروكاً على الرُّكَب، قاله عطية.
قوله عز وجل :﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ ﴾ الشيعة الجماعة المتعاونون. قال مجاهد : والمراد بالشيعة الأمة لاجتماعهم وتعاونهم.
وفي ﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ ﴾ وجهان :
أحدهما : لننادين، قاله ابن جريج.
الثاني : لنستخرجن، قاله مقاتل.
﴿ عِتِيّاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أهل الافتراء بلغة بني تميم، قاله بعض أهل اللغة.
الثاني : جرأة، قاله الكلبي.
الثالث : كفراً، قاله عطية.
الرابع : تمرداً.
الخامس : معصية.
قوله عز وجل :﴿. . . أَوْلَى بِهَا صليّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدها : دخولاً، قاله الكلبي.
الثاني : لزوماً.
﴿وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا﴾ قوله عز وجل: ﴿وَإِنّ مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ فيه قولان: أحدهما: يعني الحمى والمرض، قاله مجاهد. روى أبو هريرة قال: خرج رسول الله ﷺ يعود رجلاً من أصحْابه فيه وعك وأنا معه، فقال رسول الله: (أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: هِي نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي المُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ) أي في الآخرة. الثاني: يعني جهنم. ثم فيه قولان: أحدهما: يعني بذلك الكافرين يردونها دون المؤمن؛ قاله عكرمة ويكون قوله: ﴿وَإِن مِّنْكُمْ﴾ أي منهم كقوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُم رَبُّهُم شَرَاباً طَهُوراً﴾ ثم قال: ﴿إِنَّ هذَا كَانَ لَكُم جَزَاءً﴾ أي لهم. الثاني: أنه أراد المؤمن والكافر. روى ابن زيد عن النبي ﷺ أنه قال (الزَّالُّونَ وَالزَّالاَّت يَومَئذٍ كَثِيرٌ) وفي كيفية ورودها قولان:
384
أحدهما: الدخول فيها. قال ابن عباس: ليردنها كل بر وفاجر. لكنها تمس الفاجر دون البر. قال وكان دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالماً، وأدخلني الجنة عالماً. والقول الثاني: أن ورود المسلم عليها الوصول إليها ناظراً لها ومسروراً بالنجاة منها، قاله ابن مسعود، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآء مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣] أي وصل. وكقول زهير بن أبي سلمى:
(ولما وردن الماء زُرْقاً جِمامُه وضعن عِصيَّ الحاضر المتخيمِ)
ويحتمل قولاً ثالثاً: أن يكون المراد بذلك ورود عرضة القيامة التي تجمع كل بر وفاجر: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً﴾ فيه تأويلان: أحدهما: قضاء مقتضياً، قاله مجاهد. الثاني: قسماً واجباً، قاله ابن مسعود.
385
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا﴾ قوله عز وجل: ﴿... أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً﴾ فيه وجهان: أحدهما: منزل إقامة في الجنة أو النار. والثاني: يعني كلام قائم بجدل واحتجاج أي: أمّن فلجت حجته بالطاعة
385
خير أم من دحضت حجته بالمعصية، وشاهده قول لبيد:
(ومقام ضيق فرجتهْ... بلساني وحسامي وجدل)
﴿وَأحْسَنُ نَدِيّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أفضل مجلساً. الثاني: أوسع عيشاً. ويحتمل ثالثاً: أيهما خير مقاماً في موقف العرض، من قضى له بالثواب أو العقاب؟ ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ منزل إقامة في الجنة أو في النار، وقال ثعلب: المقام بضم الميم: الإِقامة، وبفتحها المجلس. قوله تعالى: ﴿أَثَاثاً وَرِءْيَاً﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: أن الأثاث: المتاع، والرئي: المنظر، قاله ابن عباس. قال الشاعر:
(أشاقت الظعائن يوم ولوا... بذي الرئي الجميل من الأثاث.)
الثاني: أن الأثاث ما كان جديداً من ثياب البيت، والرئي الارتواء من النعمة. الثالث: الأثاث ما لا يراه الناس. والرئي ما يراه الناس. الرابع: معناه أكثر أموالاً وأحسن صوراً. ويحتمل خامساً: أن الأثاث ما يعد للاستعمال، والرئي ما يعد للجمال.
386
﴿قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا﴾ قوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوُاْ هُدىً﴾ فيه وجهان:
386
أحدهما: يزيدهم هدى بالمعونة في طاعته والتوفيق لمرضاته. الثاني: الإِيمان بالناسخ والمنسوخ، قاله الكلبي ومقاتل، فيكون معناه: ويزيد الله الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ. ويحتمل ثالثاً: ويزيد الله الذين اهتدوا إلى طاعته هدى إلى الجنة.
387
قوله تعالى :﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوُاْ هُدىً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يزيدهم هدى بالمعونة في طاعته والتوفيق لمرضاته.
الثاني : الإِيمان بالناسخ والمنسوخ، قاله الكلبي ومقاتل، فيكون معناه : ويزيد الله الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ.
ويحتمل ثالثاً : ويزيد الله الذين اهتدوا إلى طاعته هدى إلى الجنة.
﴿أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا﴾ قوله عز وجل: ﴿أَفَرَءَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بَئَآياتِنَا... ﴾ اختلف فيمن نزلت هذه الآية فيه على قولين: أحدهما: في العاص بن وائل السهمي، قاله جبار وابن عباس ومجاهد. الثاني: في الوليد بن المغيرة، قاله الحسن. ﴿... مَالاً وَوَلَداً﴾ قرأ حمزة والكسائي ﴿ووُلْداً﴾ بضم الواو، وقرأ الباقون بفتحها، فاختلف في ضمها وفتحها على وجهين: أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد، يقال ولَدَ ووُلْد، وعَدَم وعُدْم، وقال الحارث ابن حلزة.
(ولقد رأيت معاشراً... قد ثمَّروا مالاً ووُلْدا)
والثاني: أن قيساً الوُلْد بالضم جميعاً، والولد بالفتح واحداً.
387
وفي قوله تعالى: ﴿لأُتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً﴾ وجهان: أحدهما: أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله على طاعته وعبادته، قاله الكلبي. الثاني: أنه أراد في الدنيا، وهو قول الجمهور. وفيه وجهان محتملان: أحدهما: إن أقمت على دين آبائي وعبادة ألهتي لأوتين مالاً وولداً. الثاني: معناه لو كنت أقمت على باطل لما أوتيت مالاً وولداً. ﴿أطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: معناه أعلم الغيب أنه سيؤتيه على كفره مالاً وولداً. الثاني: أعلم الغيب لما آتاه الله على كفره. ﴿أمِ أتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني عملاً صالحاً قدمه، قاله قتادة. الثاني: قولاً عهد به الله إليه، حكاه ابن عيسى. قوله عز وجل: ﴿وَنَرِثُه مَا يَقُولُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الله يسلبه ما أعطاه في الدنيا من مال وولد. الثاني: يحرمه ما تمناه في الآخرة من من مال وولد. ﴿وَيَأْتِينَا فَرْداً﴾ فيه وجهان: أحدهما: بلا مال ولا ولد. الثاني: بلا ولي ولا ناصر.
388
﴿ أطَّلَعَ الْغَيْبَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : معناه أعلم الغيب أنه سيؤتيه على كفره مالاً وولداً.
الثاني : أعلم الغيب لما آتاه الله على كفره١.
﴿ أمِ أتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني عملاً صالحاً قدمه، قاله قتادة.
الثاني : قولاً عهد به الله إليه، حكاه ابن عيسى.
١ قال ابن عباس في قوله تعالى: أطلع الغيب: أي انظر في اللوح المحفوظ؟ وقال مجاهد: أعلم الغيب حتى يعلم أنه الجنة هو أم لا ؟.
قوله عز وجل :﴿ وَنَرِثُه مَا يَقُولُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الله يسلبه ما أعطاه في الدنيا من مال وولد.
الثاني : يحرمه ما تمناه في الآخرة من مال وولد.
﴿ وَيَأْتِينَا فَرْداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بلا مال ولا ولد.
الثاني : بلا ولي ولا ناصر.
﴿واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا﴾
388
قوله عز وجل: ﴿... سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: سيجحدون أن يكونوا عبدوها لما شاهدوا من سوء عاقبتها. الثاني: سيكفرون بمعبوداتهم ويكذبونهم. ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: أعواناً في خصومتهم، قاله مجاهد. الثاني: قرناء في النار يلعنونهم، قاله قتادة. الثالث: يكونون لهم أعداء، قاله الضحاك. الرابع: بلاء عليهم، قاله ابن زيد. الخامس: أنهم يكذبون على ضد ما قدروه فيهم وأمّلوه منهم، قاله ابن بحر. قوله عز وجل: ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزّاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: تزعجهم إزعاجاً حتى توقعهم في المعاصي، قاله قتادة. الثاني: تغويهم إغواء، قاله الضحاك. الثالث: تغريهم إغراء بالشر: إمض إمض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار، قاله ابن عباس. قوله عز وجل: ﴿... إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: نعد أعمالهم عداً، قاله قطرب. الثاني: نعد أيام حياتهم، قاله الكلبي. الثالث: نعد مدة إنظارهم إلى وقت الإِنتقام منهم بالسيف والجهاد، قاله مقاتل.
389
قوله عز وجل :﴿. . . سَيَكْفُرُونَ١ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : سيجحدون أن يكونوا عبدوها لما شاهدوا من سوء عاقبتها.
الثاني : سيكفرون بمعبوداتهم ويكذبونهم.
﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أعواناً في خصومتهم، قاله مجاهد.
الثاني : قرناء في النار يلعنونهم، قاله قتادة.
الثالث : يكونون لهم أعداء، قاله الضحاك.
الرابع : بلاء عليهم، قاله ابن زيد.
الخامس : أنهم يكذبون على ضد ما قدروه فيهم وأملوه منهم، قاله ابن بحر.
١ الآية في آلهتهم التي عبدوها..
قوله عز وجل :﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تزعجهم إزعاجاً حتى توقعهم في المعاصي، قاله قتادة.
الثاني : تغويهم إغواء، قاله الضحاك.
الثالث : تغريهم إغراء بالشر : امض امض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار، قاله ابن عباس.
قوله عز وجل :﴿. . . إِنَّمَا نَعُدُّ١ لَهُمْ عَدّاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : نعد أعمالهم عداً، قاله قطرب.
الثاني : نعد أيام حياتهم، قاله الكلبي.
الثالث : نعد مدة إنظارهم إلى وقت الانتقام منهم بالسيف والجهاد، قاله مقاتل.
١ قال ابن عباس: أي نعد أنفاسهم في الدنيا. وروي أن ابن السماك وعظ المأمون فقال:
إذا كان الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد.
.

﴿يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا﴾ ﴿... وَفْداً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ركباناً، قاله الفراء. الثاني: جماعة، قاله الأخفش.
389
الثالث: زوّاراً، قاله ابن بحر. قوله عز وجل: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: مشاة، قاله الفراء. الثاني: عطاشاً. الثالث: أفراداً. ﴿إلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحَمنِ عَهْداً﴾ فيه وجهان: أحدهما:...
390
قوله عز وجل :﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مشاة، قاله الفراء.
الثاني : عطاشاً.
الثالث : أفراداً.
﴿ إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا ﴾ فيه وجهان : أحدهما١. . .
١ الكلام هنا مقطوع في الأصول، وجاء في تفسير القرطبي: "من اتخذ عند الرحمان عهدا" هم المؤمنون يملكون الشفاعة. وقال ابن عباس: العهد لا إله إلا الله..
﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا﴾ ﴿شَيْئاً إِدّاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: منكراً، قاله ابن عباس. الثاني: عظيماً، قاله مجاهد. قال الراجز:
٨٩ (في لهث منه وحبك إدّ} ٩
﴿ شَيْئاً إِدّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : منكراً، قاله ابن عباس.
الثاني : عظيماً، قاله مجاهد. قال الراجز :
في لهث منه وحبك إدّ
﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا﴾ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمنُ وُدّاً﴾ فيه وجهان:
390
أحدهما: حباً في الدنيا مع الأبرار، وهيبة عند الفجار. الثاني: يحبهم الله ويحبهم الناس، قال الربيع بن أنس: إذا أحب الله عبداً ألقى له المحبة في قلوب أهل السماء، ثم ألقاها في قلوب أهل الأرض. ويحتمل ثالثاً: أن يجعل لهم ثناء حسناً. قال كعب: ما يستقر لعبد ثناء في الدنيا حتى يستقر من أهل السماء. وحكى الضحاك عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه جعل له ودّاً في قلوب المؤمنين. قوله عز وجل: ﴿قَوْماً لُّدّاً﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: فجّاراً، قاله مجاهد. الثاني: أهل إلحاح في الخصومة، مأخوذ من اللدود في الأفواه، فلزومهم الخصومة بأفواههم كحصول اللدود في الأفواه، قاله ابن بحر. قال الشاعر:
(بغوا لَدَدَي حَنقاً عليَّ كأنما تغلي عداوة صدرهم في مِرجل)
الثالث: جدالاً بالباطل، قاله قتادة، مأخوذ من اللدود وهو شديد الخصومة. قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْخِصَامِ﴾ وقال الشاعر:
(أبيت نجياً للهموم كأنني أخاصم أقواماً ذوي جدلٍ لُدّا)
قوله عز وجل: ﴿وِكْزَاً﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: صوتاً، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك. الثاني: حِسّاً، قاله ابن زيد. الثالث: أنه ما لا يفهم من صوت أو حركة، قاله اليزيدي.
391
سورة طه
392
قوله عز وجل :﴿ قَوْماً لُدّاً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : فجّاراً، قاله مجاهد.
الثاني : أهل إلحاح في الخصومة، مأخوذ من اللدود في الأفواه، فلزومهم الخصومة بأفواههم كحصول اللدود في الأفواه، قاله ابن بحر.
قال الشاعر :
بغوا لَدَدَي حَنقاً عليَّ كأنما تغلي عداوة صدرهم في مِرجل
الثالث : جدالاً بالباطل، قاله قتادة، مأخوذ من اللدود١ وهو شديد الخصومة. قال الله تعالى :﴿ وَهُوَألد الْخِصَامِ ﴾ وقال الشاعر :
أبيت نجياً للهموم كأنني أخاصم أقواماً ذوي جدلٍ لُدّا
١ اللدود: ما سقي في أحد شقي الفم (اللسان لدد)..
قوله عز وجل :﴿ وِكْزَاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : صوتاً، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك.
الثاني : حِسّاً، قاله ابن زيد.
الثالث : أنه ما لا يفهم من صوت أو حركة، قاله اليزيدي.
Icon