ﰡ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود بَعْدَهُ بعد القرآن، يعنى أنّ القرآن من بين الكتب المنزلة آية مبصرة ومعجزة باهرة، فحين لم يؤمنوا به فبأى كتاب بعده يُؤْمِنُونَ وقرئ: تؤمنون، بالتاء.
عن رسول الله ﷺ «من قرأ سورة والمرسلات كتب له أنه ليس من المشركين» «٣»
سورة عمّ يتساءلون
مكية، وتسمى سورة النبإ، وهي أربعون، أو إحدى وأربعون آية [نزلت بعد المعارج] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)عَمَّ أصله عما، على أنه حرف جر دخل على ما الاستفهامية، وهو في قراءة عكرمة وعيسى بن عمر. قال حسان رضى الله عنه:
على ما قام يشتمني لئيم... كخنزير تمرّغ في رماد «٤»
(٢). هكذا ذكره الثعلبي. وأخرجه أبو داود وأحمد وابن أبى شيبة والطبراني من رواية الحسن عن عثمان بن أبى العاص به وأتم منه.
(٣). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه عن أبى بن كعب.
(٤).
على ما قام يشتمني لئيم... كخنزير تمرغ في رماد
وتلقاه على ما كان فيه... من الهفوات أو نوك الفؤاد
جبين الغى لا يغبى عليه... ويغبى بعد عن سيل الرشاد
لحسان بن المنذر. وقيل: ابن ثابت، يهجو أحد بنى عائذ بن عمرو بن مخزوم. وما استفهام إنكارى وكان حقها حذف الألف لدخول حرف الجر عليها، وثبوتها قليل، أى: على أى شيء يسبني لئيم مثل الخنزير المتمرغ في الرماد لذله. ويروى: في دمان كرماد وزنا ومعنى. أو بمعنى الدمنة وهي الكناسة المختلطة بالبعر، ولعل ابن ثابت غيره وإلا فقصيدة ابن المنذر دالية لا نونية. والنوك: الحمق والهوج. والفؤاد: القلب والعقل، أى: وتلقاه مع ما ثبت فيه من الخلل لا يخفى عليه الغى المبين، أى: يرتكب طريقه ولا يعرف سبل الرشاد. ومعنى البعدية: تفاوت ما بين الخبرين. وغبا عليه الشيء- كرضى-: خفى عليه. وغبي هو عن الشيء- كرضى أيضا-: عجز عن معرفته.
وفي قوله «لا يغبى... الخ» طباق الإيجاب والسلب.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٤ الى ٥]
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥)
كَلَّا ردع للمتسائلين هزؤا. وسَيَعْلَمُونَ وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون أنّ ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق، لأنه واقع لا ريب فيه. وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك.
ومعنى ثُمَّ الإشعار بأنّ الوعيد الثاني أبلغ من الأوّل وأشد.
(٢). قال محمود: «هذا أصله، ثم جرد الدلالة على التفخيم... الخ» قال أحمد. لان بعضهم يشك في البعث، وبعضهم يبت النفي، ومن ثم قيل الضمير للمسلمين والكافرين، فسؤال المسلمين ليزدادوا خشية، وإنما سؤال الكفار لزيادة الاستهزاء والكفر.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٦ الى ١٦]
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠)وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥)
وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)
فإن قلت: كيف اتصل به قوله أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً «١» قلت: لما أنكروا البعث قيل لهم: ألم يخلق من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال القدرة، فما وجه إنكار قدرته على البعث، وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات. أو قيل لهم: ألم يفعل هذه الأفعال المتكاثرة. والحكيم لا يفعل فعلا عبثا، وما تنكرونه من البعث والجزاء مؤدّ إلى أنه عابث في كل ما فعل مِهاداً فراشا. وقرئ: مهدا. ومعناه: أنها لهم كالمهد للصبي: وهو ما يمهد له فينوّم عليه، تسمية للممهود بالمصدر، كضرب الأمير. أو وصفت بالمصدر. أو بمعنى: ذات مهد، أى: أرسيناها بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد سُباتاً موتا. والمسبوت: الميت، من السبت وهو القطع، لأنه مقطوع عن الحركة. والنوم: أحد التوفيين، وهو على بناء الأدواء.
ولما جعل النوم موتا، جعل اليقظة معاشا، أى: حياة في قوله وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً أى:
وقت معاش تستيقظون فيه وتتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم. وقيل: السبات الراحة لِباساً يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدوّ، أو بياتا له. أو إخفاء مالا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور.
وكم لظلام اللّيل عندك من يد | تخبّر أنّ المانويّة تكذب «٢» |
جوابه الأول سديد، وأما الثاني فغير مستقيم، فانه مقرع على المذهب الأعوج في وجوب مراعاة الصلاح والأصلح، واعتقاد أن الجزاء واجب على الله تعالى عقلا ثوابا وعقابا بمقتضى إيجاب الحكمة. وقد فرغ من إبطال هذه القاعدة
(٢).
وكم لظلام الليل عندك من يد | تخبر أن المانوية تكذب |
ووقاك ردى الأعداء تسرى إليهم | وزارك فيه ذو الدلال المحجب |
وفاعل الشر هو: أهرمن، يعنون به الشيطان، وكل ذلك ظاهر البطلان.
وقرأ عكرمة: بالمعصرات، وفيه وجهان: أن تراد الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، وأن تراد السحائب، لأنه إذا كان الإنزال منها فهو بها، كما تقول: أعطى من يده درهما، وأعطى بيده. وعن مجاهد: المعصرات الرياح ذوات الأعاصير. وعن الحسن وقتادة: هي السماوات.
وتأويله: أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب، فكأنّ السماوات يعصرن، أى: يحملن على العصر ويمكنّ منه. فإن قلت: فما وجه من قرأ مِنَ الْمُعْصِراتِ وفسرها بالرياح ذوات الأعاصير، والمطر لا ينزل من الرياح؟ قلت: الرياح هي التي تنشئ السحاب وتدرّ أخلافه «٢»، فصحّ أن تجعل مبدأ للإنزال وقد جاء أنّ الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب، فإن صحّ ذلك فالإنزال منها ظاهر. فإن قلت: ذكر ابن كيسان «٣» أنه جعل المعصرات بمعنى المغيثات، والعاصر هو المغيث لا المعصر. يقال: عصره فاعتصر. قلت:
وجهه أن يريد اللاتي أعصرن، أى حان لها أن تعصر، أى: تغيث ثَجَّاجاً منصبا بكثرة. يقال: ثجه وثج نفسه وفي الحديث: «أفضل الحج: العجّ والثجّ» «٤» أى رفع الصوت بالتلبية، وصب دماء الهدى. وكان ابن عباس مثجا يسبل غربا، يعنى يثج الكلام ثجا في خطبته. وقرأ الأعرج:
ثجاجا. ومثاجج الماء: مصابه، والماء ينثجج في الوادي حَبًّا وَنَباتاً يريد ما يتقوّت من الحنطة والشعير وما يعتلف من التبن والحشيش، كما قال كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ،
(٢). قوله «وتدر أخلافه» واحدها خلف: وهو ثدي الناقة، كما يفيده الصحاح. (ع)
(٣). قوله «فان قلت ذكر ابن كيسان» لعله «ذكر عن ابن كيسان». (ع)
(٤). أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر بمعناه. وضعفه إبراهيم بن يزيد الخرزي. وأخرجه هو وابن ماجة من روآية محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن ابن يربوع عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه مرفوعا نحوه.
وقال لم يسمع ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع.
الواحد لف. وقال صاحب الإقليد: أنشدنى الحسن بن على الطوسي:
جنّة لفّ وعيش مغدق... وندامى كلّهم بيض زهر «٢»
وزعم ابن قتيبة أنه لفاء ولف، ثم ألفاف: وما أظنه واجدا له نظيرا من نحو خضر وأخضار وحمر وأحمار، ولو قيل: هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد، لكان قولا وجيها.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠)
كانَ مِيقاتاً كان في تقدير الله وحكمه حدّا توقت به الدنيا وتنتهي عنده، أو حدا للخلائق ينتهون إليه يَوْمَ يُنْفَخُ بدل من يوم الفصل، أو عطف بيان فَتَأْتُونَ أَفْواجاً من القبور إلى الموقف أمما كل أمّة مع إمامهم. وقيل: جماعات مختلفة. وعن معاذ رضى الله عنه أنه سأل عنه رسول الله ﷺ فقال: يا معاذ، سألت عن أمر عظيم من الأمور، ثم أرسل عينيه وقال: تحشر عشرة أصناف من أمّتى: بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون: أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها، وبعضهم عميا، وبعضهم صما بكما، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم: يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار، وبعضهم أشدّ نتنا من الجيف، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم، فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس. وأما الذين على صورة الخنازير: فأهل السحت.
وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا، وأما العمى فالذين يجورون في الحكم، وأما الصمّ البكم فالمعجبون بأعمالهم، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم
(٢). للحسن بن على الطوسي. واللف- بالكسر: - الملتف أريد به الملتفة لتكاثف أشجارها وأوراقها. والمغدق الكثير الواسع. والبيض: مجاز عن الأخبار. ويجوز أنه على ظاهره. ورجل أزهر: مشرق الوجه، فالزهر:
المشرقو الوجوه، كأحمر وحمر، يعنى: أن ندماءه خبار حسان الخصال. أو بيض حسان الوجوه. والمطرد في جمع أفعل وفعلاء على فعل: سكون العين. ويجوز في الشعر ضمها فيما صحت عينه ولامه ولم يضعف كما هنا، وكما في قوله:
وأنكرتنى ذوات الأعين النجل
على أنه يجوز للشاعر تحريك الساكن بحركة ما قبله للوزن، ويجوز تحريكه بحركة ما بعده إذا سكن للوقف، فيكون بفتح الهاء، كغرفة وغرف.
الأبواب الطرق والمسالك، أى. تكشط فينفتح مكانها وتصير طرقا لا يسدّها شيء فَكانَتْ سَراباً كقوله فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا يعنى أنها تصير شيئا كلا شيء، لتفرّق أجزائها وانبثات جواهرها.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٢١ الى ٣٠]
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥)
جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠)
المرصاد: الحدّ الذي يكون فيه الرصد. والمعنى: أن جهنم هي حدّ الطاغين الذي يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم. أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها، لأن مجازهم عليها، وهي مآب للطاغين. وعن الحسن وقتادة نحوه، قالا: طريقا وممرّا لأهل الجنة.
وقرأ ابن يعمر: أنّ جهنم، بفتح الهمزة على تعليل قيام الساعة بأنّ جهنم كانت مرصادا للطاغين، كأنه قيل: كان ذلك لإقامة الجزاء. قرئ: لابثين ولبثين، واللبث أقوى، لأنّ اللابث من وجد منه اللبث، ولا يقال «لبث» إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه أَحْقاباً حقبا «٢» بعد حقب، كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية، ولا يكاد يستعمل الحقب والحقبة إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها، والاشتقاق يشهد لذلك. ألا ترى إلى
(٢). قوله «أحقابا» في الصحاح «الحقب» بالضم: ثمانون سنة. والحقبة- بالكسر-: واحدة الحقب، وهي السنون. والحقب: الدهر، والأحقاب: الدهور. (ع)
لابثين فيها أحقابا غير ذائقين فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب. وفيه وجه آخر: وهو أن يكون من «حقب عامنا» إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان: إذا أخطأه الرزق، فهو حقب، وجمعه أحقاب، فينتصب حالا عنهم، يعنى لابثين فيها حقيبين «٢» جحدين. وقوله لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً تفسير له والاستثناء منقطع، يعنى: لا يذوقون فيها بردا وروحا ينفس عنهم حرّ النار، ولا شرابا يسكن من عطشهم، ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا وقيل «البرد» النوم، وأنشد:
فلو شئت حرّمت النّساء سواكم... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا «٣»
وعن بعض للعرب: منع البرد البرد «٤». وقرئ: غساقا، بالتخفيف والتشديد: وهو ما يغسق، أى: يسيل من صديدهم وِفاقاً وصف بالمصدر. أو ذا وفاق. وقرأ أبو حيوة:
وفاقا، فعال من وفقه كذا كِذَّاباً تكذيبا، وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره، وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله.
وقرئ بالتخفيف، وهو مصدر كذب، بدليل قوله:
فصدقتها وكذبتها... والمرء ينفعه كذابه «٥»
وهو مثل قوله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً يعنى: وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا. أو تنصبه بكذبوا، لأنه يتضمن معنى كذبوا، لأنّ كل مكذب بالحق كاذب، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه: وكذبوا بآياتنا، فكاذبوا مكاذبة. أو كذبوا بها مكاذبين، لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة. أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر، فيبلغ فيه أقصى جهده. وقرئ: كذابا، وهو جمع كاذب، أى: كذبوا
(٢). قوله «لابثين فيها حقيبين» لعله حقبين من حقب بالكسر كجحدين من جحد: إذا كان ضيقا قليل الخير فيهما، أفاده الصحاح. (ع)
(٣). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٩٤ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٤). قوله «منع البرد البرد» أى: منع البرد النوم. (ع)
(٥). الكذاب- ككتاب-: مصدر مضاف لفاعله. وصدقتها وكذبتها- بتخفيفها- بمعنى: قلت لها قولا صادقا تارة، وقولا كاذبا تارة أخرى. أو قلت لها: أنت صادقة تارة، وأنت كاذبة تارة. والضمير لنفسه أو صاحبته مثلا. وعلل ذلك بأن الكذب قد ينفع.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣١ الى ٣٦]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥)
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦)
مَفازاً فوزا وظفرا بالبغية. أو موضع فوز. وقيل: نجاة مما فيه أولئك. أو موضع نجاة. وفسر المفاز بما بعده. والحدائق: البساتين فيها أنواع الشجر المثمر. والأعناب:
الكروم. والكواعب: اللاتي فلكت ثدييهن «٢»، وهن النواهد. والأتراب. اللدات:
والدهاق: المترعة. وأدهق الحوض: ملأه حتى قال قطني. وقرئ: ولا كذابا، بالتشديد والتخفيف، أى: لا يكذب بعضهم بعضا. ولا يكذبه. أولا يكاذبه. وعن على رضى الله عنه أنه قرأ بتخفيف الاثنين جَزاءً مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً كأنه قال: جازى المتقين بمفاز. وعَطاءً نصب بجزاء نصب المفعول به. أى: جزاهم عطاء.
وحِساباً صفة بمعنى: كافيا. من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي. وقيل. على حسب أعمالهم. وقرأ ابن قطيب: حسابا، بالتشديد، على أنّ الحساب بمعنى المحسب، كالدرّاك بمعنى المدرك.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩)
(٢). قوله «فلكت ثديهن» في الصحاح: «فلك ثدي الجارية تفليكا» وتفلك: استدار. (ع)
والضمير في لا يَمْلِكُونَ لأهل السماوات والأرض، أى: ليس في أيديهم مما يخاطب به الله ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك، فيزيدون فيه أو ينقصون منه. أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب، إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه. ويَوْمَ يَقُومُ متعلق بلا يملكون، أو بلا يتكلمون.
والمعنى: إنّ الذين هم أفضل الخلائق «١» وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه وهم الروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض؟
والروح: أعظم خلقا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين. وقيل: هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرض خلقا أعظم منه. وقيل: ليسوا بالملائكة، وهم يأكلون. وقيل:
جبريل. هما شريطتان: أن يكون المتكلم مأذونا له في الكلام. وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى «٢»، لقوله تعالى وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ٤٠]
إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)
مَرْءُ
هو الكافر لقوله تعالى نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
والكافر: ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم، ويعنى اقَدَّمَتْ يَداهُ
من الشر، كقوله وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ،
(٢). قال محمود: «وقف الشفاعة على شرطين... الخ» قال أحمد: يعرض بأن الشفاعة لا تحل على مرتكبي الكبائر من الموحدين، وقد صرح بذلك في مواضع تقدمت له، ويتلقى ذلك من أنها مخصوصة بالمرتضين، وذوو الكبائر ليسوا مرتضين. ومن ثم أخطأ فان الله عز وجل ما خصهم بالايمان والتوحيد وتوفاهم عليه، إلا وقد ارتضاهم لذلك، بدليل قوله تعالى وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ فجعل الشكر بمعنى الايمان المقابل للكفر، مرضيا لله تعالى، وصاحبه مرتضى.