تفسير سورة الكهف

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الكهف من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
الكهف سورة الكهف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية بصرى وعشر آيات كوفي

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١)
﴿الحمد لِلَّهِ الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ﴾ محمد ﷺ ﴿الكتاب﴾ القرآن لقن الله عباده وفقهم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام وما أنزل على محمد ﷺ من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم ﴿وَلَمْ يجعل له عوجا﴾ أي شيئا من العوج والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وخروج شيء منه من الحكمة
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢)
﴿قَيِّماً﴾ مستقيماً وانتصابه بمضمر وتقديره جعله قيماً لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الآخر التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند التصفح أو قيماً على سائر الكتب مصدقا لها شاهداً بصحتها ﴿لّيُنذِرَ﴾ أنذر متعدٍ إلى مفعولين كقوله إنا أنذرناكم عذابا قريبا فاقتصر على أحدهما وأصله لينذر الذين كفروا ﴿بَأْسًا﴾ عذاباً ﴿شَدِيداً﴾ وإنما اقتصر على أحد مفعولي أنذر لأن المنذر به هو المسوق إليه فاقتصر عليه ﴿مِن لَّدُنْهُ﴾ صادراً من عنده ﴿وَيُبَشّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ﴾ أي بأن لهم ﴿أَجْرًا حَسَنًا﴾ أي الجنة ويبشر حمزه على
مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣)
﴿مَّاكِثِينَ﴾ حال من هم في لهم ﴿فِيهِ﴾ في الأجر وهو الجنة ﴿أَبَدًا﴾
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)
﴿وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا﴾ ذكر المنذرين دون المنذر به بعكس الأول استغناء بتقديم ذكره
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥)
﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي بالولد أو باتخاذه يعني أن قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط فإن قلت إتخاذ الله ولداً في نفسه محال فكيف قيل مالهم به من علم قلت معناه مالهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته وانتفاء العلم
الكهف (١٠ - ٥)
بالشيء إما للجهل بالطريق الموصل إليه أو لأنه في نفسه محال ﴿ولا لآبائهم﴾ المقلدين ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ نصب على التمييز وفيه معنى التعجب كانه قيل ما أكبره كلمة والضمير في كبرت يرجع إلى قولهم اتخذ الله ولدا وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها ﴿تخرج من أفواههم﴾ صفة لكلمة تفيد استعظاماً لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم فإن كثيراً مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس من المنكرات لايتما لكون أن يتفوهوا به بل يكظمون عليه فكيف بمثل هذا المنكر ﴿إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾ ما يقولون ذلك إلا كذباً هو صفة لمصدر محذوف أي قولاً كذباً
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)
﴿فلعلك باخع نفسك﴾ قاتل نفسك ﴿على آثارهم﴾ أي آثار الكفار شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم وتلهفا على فراقهم ﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث﴾ بالقرآن ﴿أَسَفاً﴾ مفعول لهُ أي لفرط الحزن والأسف المبالغة في الحزن والغضب
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧)
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا﴾ أي ما يصلح أن يكون زينة لها
286
ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ وحسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها
287
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (٨)
ثم زهد في الميل إليها بقوله ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا﴾ من هذه الزينة ﴿صَعِيداً﴾ أرضاً ملساء ﴿جُرُزاً﴾ يابساً لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة والمعنى نعيدها بعد عمارتها خراباً بإماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار وغير ذلك
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩)
ولما ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كله كأن لم يكن قال ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم﴾ يعني أن ذلك أعظم من قصة أصحاف الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة والكهف الغار الواسع في الجبل والرقيم اسم كلبهم أو قريتهم أو اسم كتاب كتب في شأنهم أو اسم الجبل الذي فيه الكهف ﴿كَانُواْ من آياتنا عَجَبًا﴾ أي كانوا آية عجباً من آياتنا وصفاً بالمصدر أو على ذات عجب
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠)
﴿إِذْ﴾ أي اذكر إذ ﴿أَوَى الفتية إِلَى الكهف فقالوا ربنا آتنا مِن لَّدُنكَ رحمةً﴾ أي رحمة من خزائن رحمتك وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء ﴿وهيئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا﴾ أي الذي نحن عليه من مفارقة الكفار ﴿رَشَدًا﴾ حتى نكون بسببه راشدين مهتدين
الكهف (١٥ - ١٠)
أو اجعل أمرنا رشداً كله كقولك رأيت منك أسداً أو يسر لنا طريق رضاك
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١)
﴿فضربنا على آذانهم فِى الكهف﴾ أي ضربنا عليها حجاباً من النوم يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات فحدف المفعول الذي هو الحجاب ﴿سِنِينَ عَدَدًا﴾ ذوات عدد فهو صفة لسنين قال الزجاج أي تعد عدداً لكثرتها لأن القليل يعلم مقداره من غير عدد فإذا كثر عُدَّ فأما
287
دارهم معدودة فهي على القلة لأنهم كانوا يعدون القليل ويزنون الكثير
288
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢)
﴿ثُمَّ بعثناهم﴾ أيقظناهم من النوم ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الحزبين﴾ المتخلفين منهم في مدة لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك وذلك قوله قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم ﴿أحصى لما لبثوا أمدا﴾ غاية وأحصى فعل ماض وأمدا ظرف لأحصى أو مفعول به والفعل الماضي خبر المبتدأ وهو أي والمبتدا مع خبره سد مسد مفعولي نعلم والمعنى أيهم ضبط أمداً لأوقات لبثهم وأحاط علماً بأمد لبثهم ومن قال أحصى أفعل من الإحصاء وهو العد فقد زل لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس وإنما قال لنعلم مع أنه تعالى لم يزل عالماً بذلك لأن المراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيماناً واعتباراً وليكون لطفاً لمؤمني زمانهم وآية بينة لكفاره أو المراد لنعلم اختلافهما موجوداً كما علنماه قبل وجوده
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (١٣)
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق﴾ بالصدق ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ جمع فتى والفتوة بذل الندى وكف الأذى وترك الشكوى واجتناب المحارم واستعمال المكارم وقيل الفتى من لا يدعي قبل الفعل ولا يزكي نفسه بعد الفعل ﴿آمنوا بِرَبّهِمْ وزدناهم هُدًى﴾ يقينا وكانوا من خواص دقيانوس قد قذف الله في قلوبهم الإيمان وخاف بعضهم بعضاً وقالوا ليخل اثنان اثنان منا فيظهر كلاهما ما يضمر لصاحبه ففعلوا فحصل اتفاقهم على الإيمان
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (١٤)
﴿وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ﴾ وقويناها بالصبر على هجران الأوطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران وجسرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام ﴿إِذْ قَامُواْ﴾ بين يدي الجبار وهو دقيانوس من غير مبالاة به حين
288
عاتبهم على ترك عبادة الأصنام ﴿فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض﴾ مفتخرين ﴿لَن نَّدْعُوَاْ مِن دونه إلها﴾ ولئن سيماهم آلهة ﴿لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ قولاً ذا شطط وهو الإفراط في الظلم والإبعاد فيه من شط يشط ويشط إذا بعد
289
هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (١٥)
﴿هَؤُلاء﴾ مبتدأ ﴿قَوْمُنَا﴾ عطف بيان ﴿اتخذوا مِن دونه آلهة﴾ خير وهو اخبار في معنى الإنكار
الكهف (١٧ - ١٥)
﴿لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم﴾ هلا يأتون على عبادتهم فحذف المضاف ﴿بسلطان بَيّنٍ﴾ بحجة ظاهرة وهو تبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا﴾ بنسبة الشريك إليه
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (١٦)
﴿وإذ اعتزلتموهم﴾ خطاب من بعضهم لبعض حيث صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ﴾ نصب عطف على الضمير أي وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم معبوديهم ﴿إِلاَّ الله﴾ استثناء متصل لأنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه غيره كأهل مكة أو منقطع أي وإذا اعتزلتم الكفار والأصنام التي يعبدونها من دون الله أو هو كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله ﴿فَأْوُواْ إِلَى الكهف﴾ صيروا إليه واجعلوا الكهف مأواكم ﴿يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ﴾ من رزقه ﴿ويهيئ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا﴾ مَرفقاً مدني وشامي وهو ما يرتفق به أي ينتفع وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم أو أخبرهم به نبي في عصرهم
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧)
﴿وترى الشمس إذا طلعت تزاور﴾ بتخفيف الزاي كوفي تزور شامي تزواور غيرهم وأصله تتزاور فخفف بإدغام التاء في الزاي أو حذفها والكل من الزور وهو الميل ومنه زاره إذا مال إليه
289
والزور الميل عن الصدق ﴿عَن كَهْفِهِمْ﴾ أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم ﴿ذَاتَ اليمين﴾ جهة اليمين وحقيقتها الجهة المسماة باليمين ﴿وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ﴾ تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم ﴿ذَاتَ الشمال وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ﴾ في متسع من الكهف والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم وقيل منفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار ﴿ذلك مِنْ آيات الله﴾ أي ماصنعه الله بهم من إزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات الله يعني أن ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم اختصاصاً لهم بالكرامة وقيل باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأة أبداً ومعنى ذلك من آيات الله أن شأنهم وحديثهم من آيات الله ﴿مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد﴾ مثل ما مر في سبحان وهو ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية ﴿وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا﴾ أي من أضله فلا هادي له
290
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (١٨)
﴿وتحسبهم﴾ بفتح السين شامي
(الكهف (١٩ - ١٨)
وحمزة وعاصم غير الأعش وهو خطاب لكل أحد ﴿أَيْقَاظًا﴾ جمع يقظ ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾ نيام قيل عيونهم مفتحة وهم نيام فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظاً ﴿وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال﴾ قيل لهم تقلّبتان في السنة وقيل تقلبة واحدة في يوم عاشوراء
290
﴿وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ﴾ حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي ﴿بالوصيد﴾ بالفناء أبو بالعتبة ﴿لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ﴾ لو أشرفت عليهم فنظرت إليهم ﴿لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ﴾ لأعرضت عنهم وهربت منهم ﴿فِرَاراً﴾ منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت منهم ﴿ولملئت منهم﴾ وبتشديد اللام حجازي للمبالغة ﴿رُعْبًا﴾ تمييز وبضم العين شامي وعلي وهو الخوف الذي يرعب الصدر أي يملأه وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة أو لطول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم وعن معاوية أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال أريد أن أدخل فقال ابن عباس رضي الله عنهما لقد قيل لمن هو خير منك لوليت منهم فراراً فدخلت جماعة بأمره فأحرقتهم ريح
291
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (١٩)
﴿وكذلك بعثناهم﴾ وكما أنمناهم تلك النومة كذلك أيقظناهم إظهاراً للقدرة على الإنامة والبعث جميعاً ﴿لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ﴾ ليسأل بعضهم بعضاً ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله ويزدادوا يقيناً ويشكروا ما أنعم الله به عليهم ﴿قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ﴾ رئيسهم ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ كم مدة لبثكم ﴿قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ جواب مبني على غالب الظن وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب ﴿قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ بمدة لبثكم إنكار عليهم من بعضهم كأنهم قد علموا بالأدلة أو بإلهام أن المدة متطاولة وأن مقدارها لا يعلمه إلا الله ورُوي أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال فظنوا أنهم في يومهم فلما نظروا إلى طوال أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك وقد استدل ابن عباس رضي الله عنه على أن الصحيح أن عددهم سبعة لأنه قد قال في الآية قال قائل منهم كم لبثتم وهذا واحد وقالوا في جوابه لبثنا يوماً أو بعض يوم وهو جمع وأقله ثلاثة ثم قال ربكم أعلم بما لبثتم وهذا
291
قول جمع آخرين فصاروا سبعة ﴿فابعثوا أَحَدَكُمْ﴾ كأنهم قالوا ربكم أعلم بذلك لا طريق لكم إلى علمه فخذوا في شيء آخر مما يهمكم فابعثوا أحدكم أي تمليخا ﴿بِوَرِقِكُمْ﴾ هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وبسكون الراء أبو عمرو وحمزة وأبو بكر ﴿هذه إلى المدينة﴾ هي طرسوس وحملهم الورق عند فرارهم دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأي المتوكلين على الله دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية
الكهف (٢١ - ١٩)
القوم من النفقات وعن بعض العلماء أنه كان شديد الحنين إلى بيت الله ويقول ما لهذا السفر إلا شيئان شد المحميان والتوكل على الرحمن ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا﴾ أي أهلها فحذف كما في واسئل القرية واي مبتدأ وخبره ﴿أزكى﴾ أحل وأطيب وأكثر وأرخص ﴿طَعَامًا﴾ تمييز ﴿فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن أو في أمر التخفي حتى لا يعرف ﴿وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعر بنا من غير قصد منه فسمى ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه
292
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (٢٠)
والضمير في ﴿أَنَّهُمْ﴾ راجع إلى الأهل المقدر في أيها ﴿إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ﴾ يطلعوا عليكم ﴿يَرْجُمُوكُمْ﴾ يقتلوكم أخبث القتلة ﴿أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ﴾ بالإكراه والعود بمعنى الصيرورة كثير في كلامهم ﴿وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا﴾ إذاً يدل على الشرط أي ولن تفلحوا إن دخلتم في دينهم أبداً
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (٢١)
﴿وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ وكما أنمناهم وبعثناهم لما في ذلك من الحكمة أطلعنا عليهم ﴿لِيَعْلَمُواْ﴾ أي الذين أطلعناهم على حالهم ﴿أَنَّ وَعْدَ الله﴾ وهو البعث ﴿حق﴾ كأن لأن حالهم في نومهم وانتباههم بعدها
292
كحال من يموت ثم يبعث ﴿وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا﴾ فإنهم يستدلون بأمرهم على صحة البعث ﴿إذ يتنازعون﴾ متعلق باعثرنا أي أعثرناهم عليهم حين يتنازع أهل ذلك الزمان ﴿بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ أمر دينهم ويختلفون في حقيقة البعث فكان بعضهم يقول تبعت الأرواح دون الأجساد وبعضم يقول تبعث الأجساد مع الأرواح ليرتفع الخلاف وليتبين أن الأجساد تبعث حية حساسة فيها أرواحها كما كانت قبل الموت ﴿فَقَالُواْ﴾ حين توفى الله أصحاب الكهف ﴿ابنوا عَلَيْهِمْ بنيانا﴾ أي على باب كهفهم لئلا يتطرق إليهم الناس ضناً بتربتهم ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول الله ﷺ بالحظيرة ﴿رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ من كلام المتنازعين كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك قالوا ربهم أعلم بهم أو من كلام الله عز وجل ردا لقول الخائضين في ﴿قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ﴾ من المسلمين وملكهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم ﴿لَنَتَّخِذَنَّ﴾ باب الكهف ﴿مَّسْجِدًا﴾ يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم روى ان أهل الانجيل
الكهف (٢٢)
عظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم حتى عبدوا الأصنام وأكرهوا على عبادتها وممن شدد في ذلك دقيانوس فأراد فتية من أشراف قومه على الشرك وتوعدهم بالقتل فأبوا إلا الثبات على الإيمان والتصلب فيه ثم هربوا إلى الكهف ومروا بكلب فتبعهم فطردوا فأنطقه الله تعالى فقال ما تريدون مني إني أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم وقيل مرواً براعٍ معه كلب فتبعهم على دينهم ودخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم وقبل أن يبعثهم الله مَلِكَ مدينتهم رجل صالح مؤمن وقد اختلف أهل مملكته في البعث معترفين وجاحدين فدخل الملك بيته وأغلق بابه ولبس مسحاً وجلس على رماد وسأل ربه أن يبين لهم الحق فألقى الله في نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سد به فم الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه ولما دخل المدينة من بعثوه لابتياع الطعام وأخرج الورق وكان من ضرب
293
دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزاً فذهبوا به إلى الملك فقص عليه القصة فانطلق الملك وأهل المدينة معه وأبصروهم وحمدوا الله على الآية الدالة على البعث ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم وتوفى الله أنفسهم فألقى الملك عليهم ثيابه وأمر فجعل لكل واحد تابوت من ذهب فرآهم في المنام كارهين للذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجدا
294
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢)
﴿سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بالغيب وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ الضمير في سيقولون لمن خاض في قصتهم في زمن رسول الله ﷺ من المؤمنين وأهل الكتاب سألوا رسول الله ﷺ عنهم فأخر الجواب إلى أن يوحى إليه فيهم فنزلت إخباراً بما سيجري بينهم من اختلافهم في عددهم وأن المصيب منهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم ويُروى أن السيد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبي ﷺ فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال العاقب وكان نسطوريا كانوا خمسة سادسهم كلبهم وقال المسلمون كانوا سبعة وثامنهم كلبهم فحفق الله قول المسلمين وإنما عرفوا ذلك بإخبار رسول الله ﷺ وبما ذكرنا من قبل وعن علي رضي الله عنه هم سبعة نفر أسماؤهم بمليخا ومكشلينا ومشليينا هؤلاء أصحاب يمين الملك وكان عن بساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره والسابع الراعي الذي وافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوس واسم مدينتهم أفسوس واسم كلبهم قطمير وسين الاستقبال وإن دخل في الأول دون الآخرين فهما داخلان في حكم السين كقولك قد أكرم وأنعم تريد معنى التوقع في الفعلين جميعاً أو أريد بيفعل
294
معنى الاستقبال الذي هو صالح له ثلاثة خبر متبدأ محذوف أي هم ثلاثة وكذلك خمسة وسبعة ورابعهم كلبهم جملة من مبتدأ وخبر واقعة صفة لثلاثة وكذلك سادسهم كلبهم وثامنهم كلبهم رجما
الكهف (٢٤ - ٢٢)
بالغيب رمياً بالخبر الخفي وإتيانا به كقوله ويقذفون بالغيب أي يأتون به أووضع الرجم موضع الظن مكانه قيل ظنا بالغيب لأنهم أكثروا أن يقولوا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين والواو الداخلة على الجملة الثالثة هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالاً عن المعرفة في قولك جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وفي يده سيف وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهذه الواو التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم دليله أن الله تعالى أتبع القولين الأولين قوله رجماً بالغيب وأتبع القول الثالث قوله ﴿قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم﴾ أي قل ربي أعلم بعدّتهم وقد أخبركم بها بقوله سبعة وثامنهم كلبهم ﴿مَّا يعلمهم إلا قليل﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما أنا من ذلك القليل وقيل إلا قليل من أهل الكتاب والضمير في سيقولون على هذا الأهل الكتاب خاصة أي سيقولون أهل الكتاب فيهم كذا وكذا ولا علم بذلك إلا في قليل منهم وأكثرهم على ظن وتخمين ﴿فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ﴾ فلا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف ﴿إِلاَّ مراء ظاهرا﴾ إلا جد الا ظاهراً غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما أوحى الله إليك فحسب ولا تزيد من غير تجهيل لهم أو بمشهد من الناس ليظهر صدقك ﴿وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَداً﴾ ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم سؤال متعنت له حتى يقول شيئاً فترده عليه وتزيف ما عنده ولا سؤال مسترشد لأن الله تعالى قد ارشد بأن أوحى إليك قصتهم
295
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣)
﴿ولا تقولن لشيء﴾ لأجل سيء تعزم عليه ﴿إِنّى فَاعِلٌ ذلك﴾ الشيء
295
﴿غَداً﴾ أي فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة
296
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)
﴿إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ أن تقوله بأن يأذن لك فيه أو ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله أي إلا بمشيئته وهو في موضع الحال أي إلا ملتبساً بمشيئة الله قائلاً إن شاء الله وقال الزجاج معناه ولا تقولن إني أفعل ذلك إلا بمشيئة الله تعالى لأن قول القائل أنا أفعل ذلك إن شاء الله معناه لا أفعله إلا بمشيئة الله وهذا نهى نهي تأديب من الله لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غداً أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه ﴿واذكر ربك﴾ أي مشيئتة ربك وقل إن شاء الله ﴿إِذَا نَسِيتَ﴾ إذا فرط منك نسيان لذلك والمعنى إذا نسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر عن الحسن ما دام في مجلس الذكر وعن ابن عباس رضي الله عنهما ولو بعد سنة وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء فأما الاستثناء المغير حكماً فلا يصح إلا متصلاً وحُكي أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة
الكهف (٢٧ - ٢٤)
رحمه الله خالف ابن عباس رضي الله عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له أبو حنيفة هذا يرجع عليك إنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه وأمر الطاعن فيه بإخراجه من عنده أو معناه واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء تشديداً في البعث على الاهتمام بها أو صلاة نسيتها إذا ذكرتها أو إذا نسيت شيئاً فاذكره ليذكرك المنسي ﴿وَقُلْ عسى أَن يهدين رَبّى لأَِقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا﴾ يعني إذا نسيت شيئاً فاذكر ربك وذكر ربك عند نسيانه أن تقول عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشداً وأدنى خيراً ومنفعه أن يهدين إن ترن أن يؤتين أن تعلمن مكى في الحالين ووافقه أبو عمرو ومدني في الوصل
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥)
﴿وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةِ سِنِينَ﴾ يريد لبثهم فيه أحياء مضروباً على آذانهم هذه المدة وهو بيان لما أجمل في قوله فضربنا عل آذانهم في الكهف سنين عدداً وسنين عطف بيان لثلثمائة ثلثمائة سنين بالإضافة حمزة وعليّ على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله بالأخسرين أعمالا ﴿وازدادوا تِسْعًا﴾ أي تسع سنين لدلالة ما قبله عليه وتسعا مفعول به لأن زاد تقتضي مفعولين فازداد يقتضي مفعولاً واحداً
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (٢٦)
﴿قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ﴾ أي هو أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم الحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل الله أعلم رد عليهم والجمهور على أن هذا والحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل الله أعلم رد عليهم هور على أن هذا إخبار من الله سبحانه وتعالى أنهم لبثوا في كهفهم كذا مدة ﴿لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض﴾ ذكر اختصاصه بعلم ما غاب في السموات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أي وأسمع به والمعنى ما أبصره بكل موجود وما أسمعه لكل مسموع ﴿ما لهم﴾ لأهل السموات والأرض ﴿مّن دُونِهِ مِن وَلِىّ﴾ من متول لأمورهم ﴿وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ﴾ في قضائه ﴿أَحَدًا﴾ منهم ولا تشرك على النهي شامي كانوا يقولون له ائت بقرآن غير هذا أو بدله فقيل له
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٧)
﴿واتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كتاب رَبّكَ﴾ أي من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل فإنه ﴿لاَ مُبَدّلَ لكلماته﴾ أي لا يقدر أحد على تبديلها أو تغييرها إنما يقدر على ذلك هو وحده ﴿ولن تجد من دونه ملتحدا﴾ ملجأ تعدل إليه إن هممت بذلك
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨)
ولما قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله ﷺ نحِّ هؤلاء الموالي وهم صهيب وعمار وخباب وسلمان وغيرهم من فقراء المسلمين
297
حتى نجالسك نزل ﴿واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾
واحبسها معهم وثبتها ﴿بالغداة والعشى﴾ دائبين على الدعاء في كل وقت أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشي لطلب عفو التقصير أو هما صلاة الفجر والعصر بالغُدوة شامي ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ رضا الله ﴿وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ ولا تجاوز عداه إذا جاوزه وعدى بعن لنضمن عدا معنى نبا في قولك نبت عنه عينه وفائدة التضمين إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من اعطاء معنى فذ ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا﴾ في موضع الحال ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر وهو دليل لنا على أنه تعالى خالق أفعال العباد ﴿واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ مجاوزاً عن الحق
298
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)
﴿وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ﴾ أي الإسلام أو القرآن والحق خبر مبتدأ محذوف أي هو ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ أي جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك وجئ بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين ثم ذكر جزاء من اختيار الكفر فقال إِنَّا أَعْتَدْنَا هيأنا للظالمين للكافرين فقيد بالسباق كما تركت حقيقة الأمر والتخيير بالسياق وهو قوله إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاطبهم سُرَادِقُهَا شبه ما يحيط بهم من النار بالسرا دق وهي الحجرة التي تكون حول الفسطاط أو هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار أو هو حائط من نار يطيف بهم وَإِن يَسْتَغِيثُواْ من العطش يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل هو دردي الزيت أو ما بِئْسَ الشراب
298
ذلك وَسَاءتْ النار مُرْتَفَقًا متكأ من الرفق وهذه لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا وإلا فلا ارتفاق لأهل النار
299
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠)
وبين جزاء من اختار الإيمان فقال {إِنَّ الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أحسن عملا
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١)
﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ كلام مستأنف بيان للأجر المبهم ولك أن تجعل إنَّا لا نضيع وأولئك خبرين معاً والمراد من أحسن منهم عملاً كقولك السمن منوان بدرهم أو لأن من أحسن عملا والذين آمنوا أو عملوا الصالحات ينتظمهما معنى واحد فأقام
الكهف (٣٣ - ٣١)
من أحسن مقام الضمير ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ من للإبتداء وتنكير أساور وهي جمع أسورة التي هي جمع سوار لإبهام أمرها في الحسن مّن ذَهَبٍ من للتبيين وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سندس مارق من الديباج وَإِسْتَبْرَقٍ ما غلظ منه أي يجمعون بين النوعين مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم نِعْمَ الثواب الجنة وَحَسُنَتْ الجنة والأرائك مرتفقا متكأ
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (٣٢)
﴿واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ﴾ ومثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مسلم اسمه يهوذا وقيل هما المذكوران في والصافات في قوله قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فجعلاهما شطرين فاشترى الكافر أرضاً بألف دينار فقال المؤمن اللهم إن أخي اشترى أرضاً بألف دينار وأنا أشتري منك أرضاً في الجنة بألف فتصدق به ثم بنى أخوه داراً بألف فتصدق به ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال اللهم إني جعلت ألفاً صداقاً للحور ثم اشترى أخوه خدما وستاعا بألف دينار فقال اللهم إني اشتريت منك دار في الجنة بألف فتصدق
299
به ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال اللهم إني جعلت ألفاً صداقاً للحور ثم اشترى أخوه خدماً ومتاعاً بألف دينار فقال اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق به ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده وويخه على التصديق بماله ﴿جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب﴾ بساتين من كروم وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وجعلنا النخل محيطاً بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة يقال حفوه إذا أطافوا به وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ جعلناها أرضاً جامعة للأقوات والفواكه ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق
300
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (٣٣)
﴿كِلْتَا الجنتين اتَتْ﴾ أعطت حمل على اللفظ لأن لفظ كلتا مفرد ولو قيل آتتا على المعنى لجاز ﴿أُكُلُهَا﴾ ثمرها ﴿وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ﴾ ولم تنقص من أكلها شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَراً نعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به وهو النهر الجاري فيها
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤)
﴿وَكَانَ لَهُ﴾ لصاحب الجنتين ثَمَرٌ أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثره أي
الكهف (٣٩ - ٣٤)
كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وغيرهما هاله ثمر وأحيط بثمره بفتح الميم والثاء عاصم وبضم الثاء وسكون الميم أبو عمرو وبضمهما غيرهما ﴿فَقَالَ لصاحبه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع يعني قطروس أخذ بيد المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويفاخره بما ملك من المال دونه ﴿أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ أنصاراً وحشماً أو أولاداً ذكوراً لأنهم ينفرون معه دون الإناث
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (٣٥)
﴿ودخل جنته﴾ إحدى جنتيه أو سماهما جنة لا تحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ ضار لها بالكفر ﴿قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً﴾ أي أن تهلك هذه الجنة شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (٣٦)
﴿وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً﴾ كائنة ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً﴾ إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض كما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيراً من جنته في الدنيا إدعاء لكرامته عليه ومكانته عنده منقلباً تمييز أي مرجعاً وعاقبة
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (٣٧)
﴿قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ﴾ أي خلق أُصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه وكان خلقه خلقاله ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي خلقك من نطفة ﴿ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال جعله كافراً بالله لشكه في البعث
لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (٣٨)
﴿لَكُنَّا﴾ بالألف في الوصل شامي الباقون بغير ألف وبالألف في الوقف اتفاق وأصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية بعد أن سكنت ﴿هُوَ الله رَبّى﴾ هو ضمير الشأن والشأن الله ربي والجملة خبر أنا والراجع منها إليه ياء الضمير وهو استدراك لقوله أكفرت قال لأخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن وموحد كما تقول زيد غائب لكن عمراً حاضر وفيه حذف أي أقول هو الله بدليل عطف ﴿وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا﴾
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩)
﴿وَلَوْلاَ﴾ وهلا ﴿إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله﴾ ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر ماشاء الله أو شرطية
301
منصوبة الموضع والجزاء محذوف يعني أي شيء شاء الله كان والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئته الله وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها ﴿لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله﴾ إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده
الكهف (٤٣ - ٣٩)
من قرأ ﴿إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً﴾ بنصب أقل فقد جعل أنا فصلاً ومن رفع وهو الكسائي جعله مبتدأ وأقل خبره والجملة مفعولا ثانيا لترني وفي قوله ﴿وَوَلَدًا﴾ نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله وأعز نفرا
302
فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (٤٠)
﴿فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ﴾ في الدنيا أو في العقبي ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا﴾ عذاباً ﴿مِّنَ السماء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ أرضاً بيضاء يزلق عليها لملاستها
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (٤١)
﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا﴾ غائراً أي ذاهباً في الأرض ﴿فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ فلا يتأنى منك طلبه فضلاً عن الوجود والمعنى إن ترن أفقر منك فأنا أتوقع من صنع الله ان يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة خيراً من جنتك ويسلبك لكفرك نعمته ويخرب بساتينك
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (٤٢)
﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ هو عبارة عن إهلاكه وأصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل أهلاك ﴿فأصبح﴾ أي كافر ﴿يقلب كفيه﴾ يضرب احداهما على الأخرى ندماً وتحسراً وإنما صار تقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهر البطن كما كنى عن ذلك بِعَضِّ الكف والسقوط في اليد ولأنه في معنى الندم عُدي تعديته بعلي كأنه قيل فأصبح يندم ﴿عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا﴾ أي في عمارتها ﴿وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عروشها﴾ يعني أن كرومها المعرشة سقطت عروشها على
302
الأرض وسقطت فوقها الكروم ﴿ويقول يا ليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا﴾ تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتي من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً حتى لا يهلك الله بستانه حين لم ينفعه التمني ويجوز أن يكون توبة من الشرك وندماً على ما كان منه ودخولاً في الإيمان
303
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (٤٣)
﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ﴾ يقدرون على نصرته ﴿مِن دُونِ الله﴾ أي هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لحكمة ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً﴾ وما كان ممتنعاً بقوته عن انتقام الله
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (٤٤)
﴿هنالك الولاية لله الحق﴾ يكن بالياء والولاية بكسر الواو حمزة وعلي فهي بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك والمعنى هنالك أي في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريراً لقوله ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله أو هنالك السلطان والملك لله لا يغلب أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر يعني أن قوله يا ليتني لم أشرك بربي أحداً كلمة ألجيء إليها فقالها جزعاً مما دهاه من شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها أو هنالك الولاية لله ينصر فيها اولياء المؤمنين على الكفرة
الكهف (٤٨ - ٤٤)
وينتقم لهم يعني أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله فعسى ربي أن يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها حسانا من السماء ويؤيده قوله ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقباً﴾ أي لأوليائه أو هنالك إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله كقوله لمن الملك اليوم الحق بالرفع أبو عمرو وعلى صفة للولاية أو خبر مبتدأ محذوف أي هي الحق أو هو الحق غيرهما بالجر صفة لله عقبا سكون القاف عاصم وحمزة وبضمها غيرهما وفي الشواذ عقبى على وزن فعلى وكلها بمعنى العاقبة
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (٤٥)
{واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَاء أنزلناه
303
من السماء} أي هو كما أنزلناه ﴿فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض﴾ فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً أو أثر في النبات الماء فاختلط به حتى روى ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا﴾ يابساً متكسراً الواحدة هشيمة ﴿تَذْرُوهُ الرياح﴾ تنسفه وتطيره الريح حمزة وعلي ﴿وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء﴾ من الإنشاء والإفناء ﴿مُّقْتَدِرًا﴾ قادراً شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والإفناء بحال النبات يكون اخضر ثم يهج فتطيره الريح كأن لم يكن
304
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (٤٦)
﴿المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا﴾ لا زاد القبر وعدة العقبى ﴿والباقيات الصالحات﴾ أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان أو الصلوات الخمس أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ﴿خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا﴾ جزاء ﴿وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ لأنه وعد صادق وأكثر الآمال كاذبه يعني أن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ويصيبه في الآخرة
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٤٧)
﴿وَيَوْمَ﴾ واذكر يوم ﴿نُسَيّرُ الجبال﴾ تُسيَّر الجبال مكي وشامي وأبو عمرو أي تسير في الجو أو يذهب بها بأن تجعل هباء منثوراً منبثاً ﴿وَتَرَى الأرض بَارِزَةً﴾ ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من الجبال والأشجار ﴿وحشرناهم﴾ أي الموتى ﴿فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحدا﴾ أي فلم نترك غدارة أي تركه ومنه الغدر ترك الوفاء والغدير ما غادره السيل
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (٤٨)
﴿وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا﴾ مصطفين ظاهرين ترى جماعتهم كما ترى كل واحد لا يحجب أحد أحداً شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان ﴿لَّقَدْ جئتمونا﴾ أي قلنا لهم جئتمونا وهذا المضمر يجوز أن يكون عامل النصب في يوم نسير ﴿كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة أو جئتمونا عراة لا شيء معكم كما خلقناكم أولاً وإنما قال وحشرناهم ماضياً بعد نسير وترى للدلالة على حشرهم
304
قبل التسيير
الكهف (٥١ - ٤٨)
وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا﴾ وقتاً لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور أو مكان وعد للمحاسبة
305
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)
﴿وَوُضِعَ الكتاب﴾ أي صحف الأعمال ﴿فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ﴾ خائفين ﴿مِمَّا فِيهِ﴾ من الذنوب ﴿وَيَقُولُونَ يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً﴾ أي لا يترك شيئاً من المعاصي ﴿إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ حصرها وضبطها ﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا﴾ في الصحف عتيداً أو جزاء ما عملوا ﴿وَلاَ يظلم ربك أحدا﴾ فيكتب عليه مالم يعمل أو يزيد في عقابه أو يعذبه بغير جرم
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)
﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ سجود تحية أو سجود انقياد ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كان من الجن﴾ وهو متسأنف كان قائلا قال ماله لم يسجد فقيل كان من الجن ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ﴾ خرج عما أمره ربه به من السجود وهو دليل على أنه كان مأمور بالسجود مع الملائكة ﴿أفتتخذونه﴾ هو ﴿وَذُرّيَّتَهُ﴾ الهمزة للإنكار والتعجب كأنه قيل أعقيب ما وجد منه تتخذونه وذريته ﴿أَوْلِيَاء مِن دُونِى﴾ وتستبدلونهم بي ومن ذريته لا قيس موسوس الصلاة والأعور صاحب الزنا وبتر صاحب الصائب ومطوس صاحب الاراجيف وداسم يدخل ويأكل مع من لم يسم الله تعالى ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ أعداء ﴿بِئْسَ للظالمين بَدَلاً﴾ بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعة الله
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (٥١)
﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ﴾ أي إبليس وذريته ﴿خَلَقَ السماوات والأرض﴾ يعني
305
أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة وإنما يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الالهية فنفي مشاركتهم في الالهية بقوله ما اشهدتهم خلق السموات والأرض لأعتضد بهم في خلقها أو أشاورهم فيه أي تفردت بخلق الأشياء فأفردوني في العبادة ﴿وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله ولا تقتلوا أنفسكم ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين﴾ أي وما كنت متخذهم ﴿عَضُداً﴾ أي أعواناً فوضع المضلين موضع ضمير ذمالهم بالإضلال فإذا لم يكونوا عضداً لي في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة
306
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (٥٢)
﴿ويوم يقول﴾ الله
الكهف (٥٦ - ٥٢)
للكفار وبالنون حمزة ﴿نَادُواْ﴾ ادعوا بصوت عالٍ ﴿شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ﴾ أنهم فيكم شركائي ليمنعوكم من عذابي وأراد الجن وأضاف الشركاء إليه على زعمهم توبيخاً لهم ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً﴾ مهلكا من وبق يبق وبوقا إذا هلك أو مصدرا كالموعد أي وجعلنا بينهم وادياً من أودية جهنم وهو مكان الهلاك والعذاب الشديد مشتركاً يلهكون فيه جميعا أو للملائكة وعزيزا وعيسى والموبق البرزخ البعيد أي وجعلنا بينهم أمداً بعيداً لأنهم في قعر جهنم وهم في أعلى الجنان
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣)
﴿وَرَأَى المجرمون النار فَظَنُّواْ﴾ فَأيقنوا ﴿أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا﴾ أي مخالطوها واقعون فيها ﴿وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا﴾ عن النار ﴿مَصْرِفًا﴾ معدلاً
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤)
﴿ولقد صرفنا في هذا القرآن لِلنَّاسِ مِن كُلّ مَثَلٍ﴾ يحتاجون إليه ﴿وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَىء جَدَلاً﴾ تمييز أي أكثر الأشياء التي يتأنى منها الجدل إن فصلتها واحداً بعد واحد خصومة ومماراة بالباطل يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (٥٥)
﴿وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الهدى﴾ أي سببه وهو الكتاب والرسول ﴿وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب﴾ أن الأولى نصب والثانية رفع وقبلها مضاف محذوف تقديره وما منع الناس الإيمان والاستغفار انتظار أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك أو انتظار أن يأتيهم العذاب أي عذاب الآخرة ﴿قُبُلاً﴾ كوفي أي أنواعاً جمع قبيل الباقون قِبلا أي عياناً
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (٥٦)
﴿وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ يوقف عليه ويستأنف بقوله ﴿ويجادل الذين كَفَرُواْ بالباطل﴾ هو قولهم للرسل ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ونحو ذلك ﴿لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق﴾ ليزيلوا ويبطلوا بالجدال النبوة ﴿واتخذوا آياتي﴾ القرآن ﴿وَمَا أُنْذِرُواْ﴾ ما موصولة والراجع من الصلة محذوف أي وما أنذروه من العقاب أو مصدرية أي انذرهم ﴿هُزُواً﴾ موضع استهزاء بسكون الزاي والهمزة حمزة بإبدال الهمزة واوا حفص وبضم الزاي والهمزة غيرهما
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)
﴿ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه﴾
بالقرآن ولذلك رجع الضمير إليها مذكراً في قوله أن يفقهوه ﴿فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر ﴿وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ عاقبة ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي غير متفكر فيها ولا ناظر في أن المسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم بقوله ﴿إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية جمع كنان وهو الغطاء ﴿أن يفقهوه وفي آذانهم وَقراً﴾ ثقلاً عن استماع الحق وجمع بعد الإفراد حملاً على لفظ من ومعناه ﴿وَإِن تَدْعُهُمْ﴾ يا محمد
307
﴿إِلَى الهدى﴾ إلى الإيمان ﴿فَلَنْ يَهْتَدُواْ﴾ فلا يكون منهم اهتداء ألبتة ﴿إِذَا﴾ جزاء وجواب فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه وعلى انه جواب الرسول على تقدير قوله ما لي لا ادعوهم حرضا على إسلامهم فقيل وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً ﴿أَبَدًا﴾ مدة التكليف كلها
308
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (٥٨)
﴿وَرَبُّكَ الغفور﴾ البليغ المغفرة ﴿ذُو الرحمة﴾ الموصوف بالرحمة ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب﴾ أي ومن رحمته ترك مؤاخذته أهل مكة عاجلا مع فرط عدواتهم لرسول الله ﷺ ﴿بل لهم موعد﴾ وهو يوم بدر ﴿لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً﴾ منجي ولا ملجأ يقال وآل إذا نجاوو أل إليه إذا لجأ إليه
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (٥٩)
﴿وَتِلْكَ﴾ مبتدأ ﴿القرى﴾ صفة لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس والخبر ﴿أهلكناهم﴾ أو تلك القرى نصب بإضمار أهلكنا على شريطة التفسير والمعنى وتلك اصحاب القرى والمراد قوم نوح وعاد وثمود ﴿لَمَّا ظَلَمُواْ﴾ مثل ظلم أهل مكة ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا﴾ وضربنا لإهلاكهم وقتاً معلوماً لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر والمهلك الاهلاك ووقته بفتح الميم وكسر اللام حفص وبفتحها أبو بكر أي لوقت هلاكهم أو لهلاكهم والموعد وقت أو مصدر
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (٦٠)
﴿وإذا﴾ واذكر إذ ﴿قَالَ موسى لفتاه﴾ هو يوشع بن نون وإنما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه ويأخذ منه العلم ﴿لا أَبْرَحُ﴾ لا أزال وقد حذف الخبر لدلالة الحال والكلام عليه أما الأولى فلأنها كانت حال سفر وأما الثاني فلأن قوله ﴿حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين﴾ غاية مضروبة
308
تستدعي ما هي غاية فلا بد أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر
الكهف (٦٤ - ٦١)
عليهما السلام وهو ملتقى بحر فارس والروم وسمى خضرا لأنه أينما يصل يخضر ما حوله ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾ أو أسير زماناً طويلاً قيل ثمانون سنة رُوي أنه لما ظهر موسى عليه السلام على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عبادك أقضى قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردى فقال إن كان في عبادك من هو أعلم مني فدلني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين طلبه قال على الساحل عند الصخرة قال يا رب كيف لي به قال تأخذ حوتاً في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان قرقد موسى فاضطرب الحوت ووقع في البحر فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر فأتيا الصخرة فإذا رجل مسجى بثوبه فسلم عليه موسى فقال وأني يا رضنا السلام فعرفه نفسه فقال يا موسى أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا
309
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (٦١)
﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ مجمع البحرين ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ أي نسي أحدهما وهو يوشع لأنه كان صاحب الزاد دليله فإني نسيت الحوت وهو كقولهم نسوا زادهم وإنما ينساه متعهدا الزاد قيل كان الحوت سمكة مملوحة فنزلا ليلة على شاطيء عين الحياة ونام موسى فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت ووقعت في الماء ﴿فاتخذ سَبِيلَهُ فِى البحر﴾ أي اتخذ طريقاً له من البر إلى البحر ﴿سَرَباً﴾ نصب على المصدر أي سرب فيه سرباً يعني دخل فيه واستتر به
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (٦٢)
﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ مجمع البحرين ثم نزلا وقد سارا ما شاء الله ﴿قَالَ﴾ موسى ﴿لفتاه آتنا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَباً﴾ تعبا ولم يتعب ولا جاع قبل ذلك
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (٦٣)
﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة﴾ هي موضع الموعد ﴿فَإِنّى نَسِيتُ الحوت﴾ ثم اعتذر فقال ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ﴾ وبضم الهاء حفص ﴿إِلاَّ الشيطان﴾ بإلقاء الخواطر في القلب ﴿أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ بدل من الهاء في أنسانيه أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان ﴿واتخذ سَبِيلَهُ فِى البحر عَجَبًا﴾ وهو أن أثره بقي إلى حيث سار
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (٦٤)
﴿قَالَ ذلك مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ نطلب وبالياء مكي وافقه أبو عمرو وعلي ومدني في الوصل وبغير ياء فيهما اتباعا لخط المصحف وذلك إشارة إلى اتخاذه سبيلاً أي ذلك الذي كنا نطلب لأن ذهاب الحوت كان علماً على لقاء الخضر عليه السلام ﴿فارتدا على آثارهما﴾ فرجعا في الطريق
الكهف (٧١ - ٦٥)
الذي جاءا فيه ﴿قَصَصًا﴾ يقصان قصصاً أي يتبعان آثارهما اتباعاً قال الزجاج القصص اتباع الاثر
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥)
﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا﴾ أي الخضر راقداً تحت ثوب أو جالسا في البحر ﴿آتيناه رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا﴾ هي الوحي والنبوة أو العلم أو طول الحياة ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ يعني الإخبار بالغيوب وقيل العلم اللدني ما حصل للعبد بطريق الإلهام
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦)
﴿قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً﴾ أي علماً ذا رشد به في ديني رشدا أبو عمر وهما لغتان كالبخل والبخل وفيه دليل
310
على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وأن كان قد بلغ نهايته وإن يتواضع لمن هو أعلم منه
311
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧)
﴿قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ﴾ وبفتح الياء حفص وكذا ما بعده في السورة ﴿صَبْراً﴾ أي عن الإنكار والسؤال
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨)
﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً﴾ تمييز نفي استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد وعلل ذلك بأنه تولى أموراً هي في ظاهرها مناكير والرجل الصالح لا يتمالك أن يجزع إذا رأى ذلك فكيف إذا كان نبياً
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩)
﴿قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله صَابِرًا﴾ من الصابرين عن الانكار والاعتراض ﴿وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْراً﴾ في محل النصب عطف على صابراً أي ستجدني صابراً وغير عاص وهو عطف على ستجدني ولا محل له
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (٧٠)
﴿قَالَ فَإِنِ اتبعتنى فَلاَ تَسْأَلْنى﴾ بفتح اللام وتشديد النون مدني وشامي وبسكون اللام وتخفيف النون غيرهما والياء ثابتة فيهما إجماعاً ﴿عَن شَىء حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾ أي فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت مني شيئاً وقد علمت أنه صحيح إلا أنه خفي عليك وجه صحته فأنكرت في نفسك ألا تفاتحني بالسؤال ولا تراجعني فيه حتى أكون أنا الفاتح عليك وهذا من أدب المتعلم مع العالم والمتبوع مع التابع
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (٧١)
﴿فانطلقا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السفينة خَرَقَهَا﴾ فانطلقا على ساحل البحر يطلبان السفينة فلما ركباها قال أهلها هما من اللصوص وقال صاحب السفينة أرى وجوه الأنبياء فحملوهما بغير نول فلما لججوا أخذ الخضر الفأس
311
فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى بسد الخرق بثيابه ثم ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ ليَغرق حمزة وعلي من غرق ﴿لَقَدْ جِئْتَ شيئا إمرا﴾
الكهف (٧٧ - ٧٢)
أتيت شيئاً عظيماً من أمر الأمر إذا عظم
312
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢)
﴿قَالَ﴾ أي الخضر ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ فلما رأى موسى أن الخرق لا يدخله الماء ولم يفر من السفينة
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣)
﴿قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ﴾ بالذي نسيته أو بشيء نسيته أو بنسياني أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناس أو أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة ﴿وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِى عُسْراً﴾ رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه أي ولا تغشني عسراً من أمري وهو اتباعه إياه أي ولا تعسر على متابعتك ويسرها عليَّ بالإغضاء وترك المناقشة
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤)
﴿فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ﴾ قيل ضرب برأسه الحائط وقيل أضجعه ثم ذبحه بالسكين وإنما قال فقتله بالفاء وقال خرقها بغير فاء لأن خرقها جعل جزاء للشرط وجعل قتله من جملة الشرط معطوفاً عليه والجزاء ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ وإنما خولف بينهما لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام ﴿زَكِيَّةً﴾ زاكية حجازي وأبو عمرو وهي الطاهرة من الذنوب إما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد اذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ أي لم تقتل نفساً فيقتص منها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نجدة الحروري كتب إليه كيف جاز قتله وقد نهى رسول الله ﷺ عن قتل الولدان فكتب إليه إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل ﴿لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً﴾ وبضم الكاف حيث كان مدني وأبو بكر وهو المنكر وقيل النكر أقل من الإمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة أو معناه
312
جئت شيئاً أنكر من الأول لأن الخرق يمكن تداركه بالسد ولا يمكن تدارك القتل
313
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥)
﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ معي صبرا﴾ زاد ذلك هنا لأن النكر فيه أكثر
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦)
﴿قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْء بَعْدَهَا﴾ بعد هذه الكرة أو المسألة ﴿فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْراً﴾ أعذرت فيما بيني وبينك في الفراق ولدني بتخفيف النون مدني وأبو بكر
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧)
﴿فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ هي انطاكية أو الأبلة وهي أبعد أرض الله من السماء ﴿استطعما أَهْلَهَا﴾ استضافاً ﴿فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا﴾ ضيفه أنزله وجعله ضيفه قال عليه السلام كانوا أهل قرية لئاماً وقيل شر القرى التي تبخل بالقرى ﴿فوجدا فيها﴾
الكهف (٨١ - ٧٧)
في القرية ﴿جِدَاراً﴾ طوله مائة ذراع ﴿يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾ يكاد يسقط استعيرت الإرادة للمداناة والمشارقة كما استعير الهم العزم لذلك ﴿فَأَقَامَهُ﴾ بيده أو مسحه بيده فقام واستوى أو نقضه وبناه كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسياً فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رآى من الحرمان ومساس الحاجة أن ﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ أي لطلبت على عملك جعلا حتى تستدفع به الضرورة لتخذت بتخفيف التاء وكسر الخاء وإدغام الذال بصري وبإظهارها مكي وبتشديد التاء وفتح الخاء وإظهار الذال حفص وبتشديد التاء وفتح الخاء وإدغام الذال في
313
التاء غيرهم والتاء في تخذ أصل كما في تبع واتخذا افتعل منه كاتبع من تبع وليس من الأخذ في شيء
314
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨)
﴿قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ﴾ هذا إشارة إلى السؤال الثالت أي هذا الاعتراض سبب الفراق والأصل هذا فراق بيني وبينك وقد قرئ به فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به ﴿سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)
﴿أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ فِى البحر﴾ قيل كانت لعشرة أخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعملون في البحر ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ أجعلها ذات عيب ﴿وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ﴾ أمامهم أو خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبرة أعلم الله به الخضر وهو جلندي ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً﴾ أي يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها غصباً وإن كانت معيبة تركها وهو مصدر أو مفعول له فإن قلت قوله فأردت أن أعيبها مسبب عن خوف الغضب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب قلت المراد به التأخير وإنما قدم للعناية
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠)
﴿وَأَمَّا الغلام﴾ وكان اسمه الحسين ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْراً﴾ فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغياناً عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شراً وبلاء أو يعد بهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه وهو من كلام الخضر وإنما خشي الخضر منه ذلك لأنه تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره وإن كان من قول الله تعالى فمعنى فخشينا فعلمنا إن عاش أن يصير سبباً لكفر والديه
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١)
﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ يبَدِّلهما ربهما مدني وابو عمرو ﴿خيرا منه زكاة﴾ طهارة ونقاء من الذنوب ﴿وأقرب رحما﴾ رحما وعطفا وزكاة
314
وحرما تمييز روى أنه ولدت لهما جارية
الكهف (٨٣ - ٨٢)
تزوجها نبي فولدت نبيا أو أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما رحما شامي وهما لغتان
315
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)
﴿وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لغلامين﴾ أصرم وصريم ﴿يَتِيمَيْنِ فِى المدينة﴾ هي القرية المذكورة ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا﴾ أي لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أو مال مدفون من ذهب وفضة أو صحف فيها علم والأول أظهر وعن قتادة أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا﴾ قيل جدهما السابع ﴿صالحا﴾ ممن يصحبني وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما بم حفظ الله الغلامين قال بصلاح أبيهما قال فأبي وجدي خير منه ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ أي الحلم ﴿وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً﴾ مفعول له أو مصدر منصوب بارادة ربك لأنه في معنى رحمهما ﴿مّن رَّبّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ﴾ وما فعلت ما رأيت ﴿عَنْ أَمْرِى﴾ عن اجتهادي وإنما فعلته بأمر الله والهاء تعود على الكل أو إلى الجدار ﴿ذلك﴾ أي الأجوبة الثلاثة ﴿تَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾ حذف التاء تخفيفا وقد زال أقدام أقوام من الضلال في تفضيل الولي على النبي وهو كفر جلي حيث قالوا أمر موسى بالتعلم من الخضر وهو وليّ والجواب أن الخضر نبي وإن لم يكن كما زعم البعض فهذا ابتلاء في حق موسى عليه السلام على أن أهل الكتاب يقولون إن موسى هذا ليس موسى بن عمران إنما هو موسى بن مانان ومن المحال أن يكون الوليّ وليًّا إلا بإيمانه بالنبي ثم يكون النبي دون الوليّ ولا غضاضة في طلب موسى العلم لأن الزيادة في العلم مطلوبة وإنما ذكر
315
أولاً فأردت لانه فساد في الظاهر وهو فعله وثالثاً فأراد ربك لأنه إنعام محض وغير مقدور البشر وثانياً فأردنا لأنه إفساد من حيث الفعل إنعام من حيث التبديل وقال الزجاج معنى فأردنا فاراد الله عز وجل ومثله في القرآن كثير
316
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣)
﴿ويسألونك﴾ أي اليهود على جهة الإمتحان أو أبو جهل وأشياعه ﴿عَن ذِى القرنين﴾ هو الإسكندر الذي ملك الدنيا قيل ملكها مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود وقيل كان عبداً صالحاً ملّكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه وقيل نبياً وقيل ملكا من الملائكة وعن علي رضي الله عنه أنه قال ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبد صالحا فضرب عن قرنه الأمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه قيل كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى وقال عليه السلام سمي ذا القرنين لانه طاف قرني
الكهف (٨٨ - ٨٣)
الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان أو انقرض في وقته قرنان من الناس أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم ﴿قل سأتلو عَلَيْكُم مّنْهُ﴾ من ذي القرنين ﴿ذِكْراً﴾
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (٨٤)
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرض﴾ جعلنا له فيها مكان واعتلاء ﴿وآتيناه مِن كُلّ شَىْء﴾ أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه ﴿سَبَباً﴾ طريقاً موصلاً إليه
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (٨٥)
﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة
316
فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً يوصله إليه حتى بلغ وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً وأراد بلوغ السدين فأتبع سبباً فأتبع سبباً ثم أتبع كوفي وشامي الباقون بوصل الألف وتشديد التاء عن الأصمعي أتبع لحق واتبع اقتفى وإن لم يلحق
317
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (٨٦)
﴿حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس﴾ أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال ﷺ بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة حامية شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة وعن أبي ذر كنت رديف رسول الله ﷺ على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حمئة وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال ابن عباس حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمر كيف تقرؤها فقال كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجد في التوارة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما ولا تنافي فجازان تكون العين جامعة للوصفين جميعاً ﴿وَوَجَدَ عِندَهَا﴾ عند تلك العين ﴿قَوْماً﴾ عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفارا ﴿قلنا يا ذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحي إلى نبي فأمره النبي به أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم
317
الشرائع إن آمنوا أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل احسان
318
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧)
﴿قَالَ﴾ ذو القرنين ﴿أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ بالقتل ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً﴾ في القيامة يعني أما من دعوته إلى الإسلام فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم وهو الشرك فذاك هو المعذب في الدارين
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (٨٨)
﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالحا﴾ أي عمل ما يقتضيه الإيمان ﴿فَلَهُ جَزَاء الحسنى﴾ فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة جزاءً الحسنى كوفي غير أبي بكر أي فله الفعلة الحسنى جزاء ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمرنا يسرا﴾
أي ذا يسر أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (٨٩)
﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (٩٠)
﴿حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قوم﴾ وهم الزنج ﴿لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا﴾ من دون الشمس ﴿سِتْراً﴾ أي أبنية عن كعب أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم أو الستر اللباس عن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (٩١)
﴿كذلك﴾ أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيماً لأمره ﴿وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ﴾ من الجنود والآلات وأسباب الملك ﴿خُبْراً﴾ نصب على المصدر لأن في أحطنا معنى خبرنا أو بلغ مطلع الشمس مثل ذلك أي كما بلغ مغربها أو تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (٩٢)
﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣)
﴿حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما السدين وسدا مكي وأبو عمرو وحفص السدين وسدا حمزة وعلي وبضمهما غيرهم قيل ما كان مسدوداً خلقة فهو مضموم وما كان من عمل العباد فهو مفتوح وانتصب بين على انه مفعول به لبلغ كما انجر بالإضافة في هذا فراق بيني وبينك وكما ارتفع في لقد تقطع بينكم لأنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفاً هذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي الشرق ﴿وَجَدَ مِن دُونِهِمَا﴾ من ورائهما ﴿قَوْماً﴾ هم الترك ﴿لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾ أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها يفقهون حمزة وعلى أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لأن لغتهم غريبة مجهولة
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)
﴿قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج﴾ هما اسمانا أعجميان بدليل منع الصرف وهمزهما عاصم فقط وهما من ولد يافث أو يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم ﴿مُفْسِدُونَ فِى الأرض﴾ قيل كانوا يأكلون الناس وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئاً أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا احتملوه ولا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وقيل هم على صنفين طوال مفرطوا الطول وقصار مفرطوا القصر ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً﴾ خراجا حمزة وعلي أي جعلاً نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول
الكهف (٩٩ - ٩٤)
والنوال ﴿على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا﴾
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (٩٥)
﴿قال ما مكَّني﴾ بالإدغام وبفكه مكي ﴿فِيهِ رَبّى خَيْرٌ﴾ أي ما جعلني فيه مكيناً من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من
319
الخراج فلا حاجة لي إليه ﴿فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ﴾ بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبينهم ردما﴾ جدار أو حاجزا حصينا موثقا والردم اكبر من السد
320
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (٩٦)
﴿آتوني زُبَرَ الحديد﴾ قطع الحديد والزبرة القطعة الكبيرة قيل حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار رصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بعد ما بين السدين مائة فرسخ ﴿حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين﴾ بفتحتين جانبي الجبلين لانهما يتصادقان أي يتقابلان الصُّدَفين مكى وبصرى وشامي الصُّدْفين أبو بكر ﴿قَالَ انفخوا﴾ أي قال ذو القرنين للعملة انفخوا في الحديد ﴿حتى إِذَا جَعَلَهُ﴾ أي المنفوخ فيه وهو الحديد ﴿نَارًا﴾ كالنار ﴿قَالَ آتُونِى﴾ أعطوني ﴿أَفْرِغْ﴾ أصب ﴿عَلَيْهِ قِطْراً﴾ نحاساً مذاباً لأنه يقطر وهو منصوب بافرغ وتقديره آتوني قطراً أفرغ عليه قطراً فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال ائتوني بوصل الألف حمزة وإذا ابتدأ كسر الألف أي جيئوني
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧)
﴿فما استطاعوا﴾ بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء ﴿أَن يَظْهَرُوهُ﴾ أن يعلوا السد ﴿وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا﴾ أي لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه ولا نقب لصلابته
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)
﴿قَالَ هذا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى﴾ أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته ﴿فَإِذَا جاء وعد ربي﴾ فإذا دنى مجئ يوم
320
القيامة وشارف أن يأتي ﴿جَعَلَهُ﴾ أي السد ﴿دكا﴾ أي مدكوكا مبسوطاً مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك دكاء كوفي أي أرضاً مستوية ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً﴾ آخر قول ذي القرنين
321
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (٩٩)
﴿وَتَرَكْنَا﴾ وجعلنا ﴿بَعْضُهُمْ﴾ بعض الخلق ﴿يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ﴾ يختلط ﴿في بعض﴾ أي يضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد ورُوي أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة
الكهف (١٠٨ - ٩٩)
والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون ﴿وَنُفِخَ فِى الصور﴾ لقيام الساعة ﴿فجمعناهم﴾ أي جمع الخلائق للثواب والعقاب ﴿جَمْعاً﴾ تأكيد
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠)
﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ للكافرين عَرْضاً﴾ وأظهرناها لهم فرأوها وشاهدوها
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (١٠١)
﴿الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَاء عَن ذِكْرِي﴾ عن آياتي التي ينظر إليها أو عن القرآن فأذكره بالتعظيم أو عن القرآن وتأمل معانيه ﴿وكانوا لا يستطيعون سمعا﴾ أي كانوا صما عنه إلا أنه أبلغ إذ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (١٠٢)
﴿أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَاء﴾ أي أفظن الكفار اتخاذهم عبادي يعني الملائكة وعيسى عليهم السلام أولياء نافعهم بئس ما ظنوا وقيل أن بصلتها سد مسد مفعولي أفحسب وعبادي أولياء مفعولاً أن يتخذوا وهذا أوجه يعني أنهم لا يكونون لهم أولياء ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا جهنم للكافرين نزلا﴾ هو ما يقام للتنزيل وهو الضيف ونحوه فبشرهم بعذاب أليم
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣)
﴿قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بالأخسرين أعمالا﴾ أعمالاً تمييز وإنما جمع والقياس أن يكون مفرداً لتنوع الأهواء وهم أهل الكتاب أو الرهبان
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)
﴿الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ ضاع وبطل وهو في محل الرفع أي هم الذين ﴿فِى الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥)
﴿أولئك الذين كفروا بآيات رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً﴾ فلا يكون لهم عندنا وزن ومقدار
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (١٠٦)
﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ هي عطف بيان لجزاؤهم ﴿بما كفروا واتخذوا آياتي وَرُسُلِى هُزُواً﴾ أي جزاؤهم جهنم بكفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧)
﴿إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جنات الفردوس نُزُلاً﴾
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (١٠٨)
﴿خالدين فِيهَا﴾ حال ﴿لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ تحولا إلى غيرها رضا
الكهف (١١٠ - ١٠٨)
بما أعطوا يقال حال من مكانه حولاً أي لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لإغراضهم وأمانيهم أو هذه غاية الوصف لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم
322
كان فهو طامح مائل الطرف إلى أرفع منه أو المراد نفي التحول وتأكيد الخلود
323
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)
﴿قُل لَّوْ كَانَ البحر﴾ أي ماء البحر ﴿مِدَاداً لكلمات رَبّى﴾ قال أبو عبيدة المداد ما يكتب به أي لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وكان البحر مداداً لها والمراد بالبحر الجنس ﴿لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ﴾ بمثل البحر ﴿مددا﴾ لنفذ أيضا والكلمات غير نافذة مدداً تمييز نحو لي مثله رجلاً والمدد مثل المداد وهو ما يمد به ينفذ حمزة وعلي وقيل قال حيي بن أخطب في كتابكم ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ثم تقرءون وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فنزلت يعني أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)
﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ﴾ فمن كان يأمل حسن لقاء ربه وأن يلقاه لقاء رضاً وقبول أو فمن كان يخاف سوء لقاء ربه والمراد باللقاء القدوم عليه وقيل رؤيته كما هو حقيقة اللفظ والرجاء على هذا مجرى على حقيقته ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا﴾ خالصاً لا يريد به إلا وجه ربه ولا يخلط به غيره وعن يحيى بن معاذ هو مالا يستحي منه ﴿وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا﴾ هو نهي عن الشرك أو عن الرياء قال ﷺ اتقوا الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر قال الرياء قال ﷺ عليه وسلم من قرأ سورة الكهف فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة تكون فإن يخرج الدجال في تلك الثمانية عصمه الله من فتنة الدجال ومن قرأ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إليَّ إلى آخرها عند مضجعه كان له نورا يتلألأ
323
من مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم عن مضجعه وإن كان مضعجه بمكة فتلاها كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ
324
مريم (٤ - ١)
سورة مريم
سورة مريم عليها السلام مكية وهي ثمان أو تسع وتسعون آية مدني وشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

325
Icon