وتبدأ السورة بالحديث عن القرآن الكريم وتنزيله في ليلة مباركة، فيها يُفرق كل أمر حكيم، والقرآن رأس الحكمة، والفيصل بين الحق والباطل. وهو رحمة من الله لعباده، وفيه إنذار لهم وتحذير. وبعد ذلك يأتي تعريف للناس بربهم، رب السموات والأرض وما بينهما وإثبات الوحدانية له وأنه هو المحيي والمميتُ ربّ الأولين والآخرين.
وقد سميت ﴿ سورة الدخان ﴾ لقوله تعالى :﴿ فارتقبْ يوم تأتي السماء بدخان مبين، يَغشى الناسَ، هذا عذاب أليم ﴾ وذلك من علامات الساعة، كما ورد في صحيح مسلم : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها والدخان... الخ ".
وتتحدث السورة عن الله، الخالق المدبّر، الحكيم المشرف على هذا الكون بالحفظ والرعاية، ثم عن مصارع المكذّبين من الأمم السابقة، تحذيرا لكفار قريش من أن يَنالهم مثلُها. وتأتي السورة من قصة فرعون وما حلّ به من الهلاك والدمار، ثم تؤكد بآياتها المشرقة أن يوم القيامة هو موعدُ فرق الكفر والضلال جميعا، وتصف ما ينال المهتدين المؤمنين من نعيم في جنات وعيون، يَدْعون فيها بكل فاكهة آمنين، كل ذلك فضل من الله العظيم الرحيم، ﴿ ذلك هو الفوز العظيم ﴾.
ثم تختم السورة كما بدئت بالحديث عن القرآن الكريم :﴿ فإنما يسّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ﴾ وبالتهديد الشديد للمكذبين المترفين. ﴿ فارتقبْ إنهم مرتقبون ﴾ وهكذا يتناسق البدء والختام.
ﰡ
منذِرين : مُعْلِمين ومخوفين.
وأنه أنزلَ القرآنَ في ليلة مبارَكة هي ليلة القدر، لإنذار العباد وتخويفهم بإرسال الرسُل وإنزال الكتب.
حكيم : محكَم لا يمكن الطعن فيه.
وفي هذه الليلة المباركة يفصِل الله كل أمر محكَم،
﴿ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم ﴾ إن الله لا تخفى عليه خافية من أمرهم،
قراءات :
قرأ الكوفيون : ربِّ السموات. بالجر. والباقون : ربُّ السموات بالرفع.
فهو الذي بيدِه إحياؤهم وإماتتهم.
الدخان : الدخان المعروف الناشئ عن النار.
انتظِر أيها الرسولُ يومَ القيامة حين تأتي السماءُ بدخانٍ واضحٍ
يعمُّ الناسَ ويغطّيهم.
فيقولون : ربنا اكشِف عنا العذابَ قد آمنا بدِينك.
إن إيمانَهم لن ينفعَهم في ذلك اليوم، وقد جاءهم رسولُ الله بالرسالة الواضحة الصادقة.
فكفروا به، وقالوا إنه مجنونٌ يعلّمه بعضُ الناس القرآنَ الذي يتلوه علينا
فاذكر أيها الرسولُ، يومَ تأخذهم الأخْذَةُ الكُبرى بعنف وقوة، ﴿ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ منهم في ذلك اليوم الرهيب.
ولقد امتحنا قبل كفارِ مكة قومَ فرعونَ بالنعمةِ والسلطان وأسباب الرخاء ﴿ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ مأمونٌ على ما أبلغكم غير متَّهم فيه، فلا تتكبروا على الله بتكذيب رسوله، لأني آتيكم بحجّة واضحة على حقيقة ما أدعوكم إليه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:فتنا : بلونا، وامتحنا.
ولقد امتحنا قبل كفارِ مكة قومَ فرعونَ بالنعمةِ والسلطان وأسباب الرخاء ﴿ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ مأمونٌ على ما أبلغكم غير متَّهم فيه، فلا تتكبروا على الله بتكذيب رسوله، لأني آتيكم بحجّة واضحة على حقيقة ما أدعوكم إليه.
بسلطان مبين : بحجة واضحة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:فتنا : بلونا، وامتحنا.
ولقد امتحنا قبل كفارِ مكة قومَ فرعونَ بالنعمةِ والسلطان وأسباب الرخاء ﴿ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ مأمونٌ على ما أبلغكم غير متَّهم فيه، فلا تتكبروا على الله بتكذيب رسوله، لأني آتيكم بحجّة واضحة على حقيقة ما أدعوكم إليه.
إني ألتجئ إلى الله ربي وربكم أن لا تصِلوا إليَّ بسوءٍ من قول أو عمل.
ولا ترجموني، ودعوا الأمرَ بيني وبينكم مسالمةً إلى أن يقضيَ الله بيننا.
متبعون : يتبعكم فرعون وجنوده.
وحينئذ أمره اللهُ أن يُخرج بني إسرائيل ليلاً وأن يحذَروا، لأن فرعونَ وقومه سيتبعونهم.
وطلب إليه : إنك إذا قطعت البحر يا موسى فاتركه ساكناً على حاله حتى يدخلَه فرعونُ وقومه فيغرقوا فيه. ﴿ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:ثم بين الله تعالى بعد غرقِ آل فرعون كم تركوا بعد إغراقهم ومَهلَكِهم من بساتينَ وقصور. وحدائقَ غناء وزروع ناضرة، وعيشة ناعمة.
فاكهين : ناعمين في عيش رغيد.
﴿ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ ناعمين مترفين.
مُنظِرين : مهملين ومؤخرين.
فما حزنتْ عليهم السماءُ ولا الأرض عندما أخذهم العذابُ ولا أُمهلوا لتوبةٍ
أو تداركِ تقصير.
ثم بين الله كيف نَجَّا موسى ومن معه وذَكَر إحسانَه إليهم بأنه خلّصهم من العذاب المهين.
من المسرفين : في الشر والفساد.
بإهلاك عدوّهم فرعون، الذي كان متكبراً مسرفاً في الشر والفساد.
على العالمين : في زمانهم.
وبيّن أنَّه اصطفاهم على عالَمِ زمانهم.
بلاءٌ مبين : اختبار ظاهر.
وأعطاهم من المعجزات ما فيه اختبارٌ ظاهر لهم وبلاء. كما قال تعالى :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ].
وقولهم لا حياةَ بعد هذه الحياة. فإن هؤلاء المكذِّبين بالبعث ليقولون : إننا
لا نموت إلا مرةً واحدة، ولسنا بمبعوثين.
ثم بين الله لهم على طريق السؤال : هل كفّار مكةَ خيرٌ في القوة والمنعة والسلطان أم قوم تُبَّع ومن سبقَهم من الجبابرة ! إن قومك يا محمد، ليسوا بقوّتهم وَمنْعَتِهم وسلطانهم، وقد أهلكناهم في الدنيا بكُفرهم وإجرامهم، فليَعْتبر قومك من مصير غيرهم.
لِيوقنوا أنه تعالى لم يخلق هذه السمواتِ والأرضَ عبثا دون حكمة، كما قال تعالى :﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١١٥ ].
ميقاتهم : موعدهم.
إن يوم القيامة موعدُهم جميعاً وفيه يُفصَل بين الحقّ والباطل.
المولى كلمة لها عدة معانٍ : الرب، والمالك، والمحب، والصاحب، والحليف، والنزيل، والجار، والشريك، والصهر، والقريب من العصبة كالعم وابن العم ونحو ذلك، والمعتِق، والمعتَق بفتح التاء، العبد، والتابع.
يومئذٍ لا يستطيع أحدٌ أن يساعد أحداً ولا ينفع مالٌ ولا بنون ولا أنساب ولا صديق حميم. ﴿ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾
الحديث الآن عن أهلِ النار وطعامهم وما يلاقُونه من عذابٍ أليم..
إن شجرة الزقُوم المعروفة بقُبح منظرِها وخُبثِ طَعْمِها وريحها.
هي طعامُ الفاجر الكافر الأثيم.
ومذاقُها كسائل المعدِن المصهور، يغلي في البطون
قراءات :
قرأ ابن كثير وحفص ورويس وابن عامر : يغلي بالياء. والباقون : تغلي بالتاء.
كالماءِ الشديد الحرارة.
عَتَلَه يعتله بكسر التاء وضمها عَتْلاً : جره جراً عنيفا.
سواء الجحيم : وسطها.
ثم يقال لزبانية جهنم : خذوا هذا الفاجرَ الأثيم فجرّوه بعنفٍ إلى وسط الجحيم.
وبعد أن بين الله أحوال المجرمين وما يلاقونه من أهوال وعذاب وتقريع، بيّن هنا أحوال المتقين وما يلاقونه في جنّات النعيم من ضُروب التكريم.
استبرق : حرير فيه لمعان وبريق وهو أغلظ من السندس.
ملابسهم فيها من أنواع الحرير الفاخر، متقابلين على السُرر، يستأنس بعضهم ببعض.
تحفُّ بهم زوجاتهم من الحُور العين.
ويطلبون ما يشتهون من أنواع الفاكهة.
ثم بين أن حياتهم في هذا النعيم دائمة، وقد نجّاهم الله من العذاب الأليم
ثم يقول الله تعالى مسلّياً رسولَه الكريم وواعداً إياه بالنصر، ومتوعداً المكذّبين بالهلاك :
﴿ فارتقب إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ ﴾
انتظِر أيها الرسول، إنهم منتظِرون، وسيعلمون لمن يكونُ النصر. وقد نصر الله تعالى رسوله وأصحابه ونشروا دينه العظيم.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي وأبو عمرو : فاعتِلوه بكسر التاء، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب : فاعتُلوه بضم التاء، وهما لغتان. وقرأ ابن عامر ونافع : في مُقام بضم الميم. والباقون : في مَقام بفتح الميم.