هي تسع أو ثمان وعشرون آية وهي مكية عن الزبير قال نزلت بمكة
ﰡ
وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنوخ بن قينان بن شيث بن آدم، وكان أطول الأنبياء عمراً بل أطول الناس وهو أول من شرعت له الشرائع، وأول رسول أنذر من الشرك وقد تقدم مدة لبثة في قومه وبيان جميع عمره وبيان السن التي أرسل هو فيها في سورة العنكبوت، قيل النوح معناه بالسريانية الساكن.
(أن أنذر قومك) أي بأن أنذر على أنها مصدرية أو هي المفسرة لأن في الإرسال معنى القول، وقرأ ابن مسعود أنذر بدون أن أي فقلنا له أنذر (من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) أي شديد الألم وهو عذاب النار على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة، وقال الكلبي هو ما نزل بهم من الطوفان.
وقيل هي لبيان الجنس، وقيل زائدة قاله السدي فإن الإسلام يغفر ما قبله، وهذا على رأي الأخفش الذي لا يشترط في زيادتها تقدم نفي ولا تنكير المجرور بها، والأولى هو الوجه الأول وقيل يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها.
(ويؤخركم إلى أجل مسمى) أي يؤخر موتكم إلى الأمد الأقصى المعلوم المعين الذي قدره الله لكم لا يزيد ولا ينقص بشرط الإيمان والطاعة فوق ما قدره لكم على تقدير بقائكم على الكفر والعصيان، وقيل التأخير بمعنى البركة في أعمارهم إن آمنوا، وعدم البركة فيها إن لم يؤمنوا، قال مقاتل: يؤخركم إلى منتهى آجالكم، وقال الزجاج: أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير ميتة المستأصلين بالعذاب، فالمؤخر إنما هو العذاب فلا يخالف
(إن أجل الله) أي ما قدره لكم على تقدير بقائكم على الكفر من العذاب (إذا جاء) وأنتم باقون على الكفر (لا يؤخر) بل يقع لا محالة فبادروا إلى الإيمان والطاعة، وقيل المعنى إن أجل الله وهو الموت إذا جاء لا يمكنكم الإيمان.
وقيل المعنى إذا جاء الموت لا يؤخر سواء كان بعذاب أو بغير عذاب، وإضافة الأجل إليه سبحانه لأنه هو الذي أثبته، وقد يضاف إلى القوم كقوله (إذا جاء أجلهم) لأنه مضروب لهم (لو كنتم تعلمون) شيئاًً من العلم لسارعتم إلى ما أمرتكم به ولعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.
هذا: وقد سئل الشوكاني رحمه الله تعالى عما ورد في الآيات الكريمات الدالة على أن العمر لا يزيد ولا ينقص، والأحاديث الدالة على أن صلة الرحم تزيد في العمر، فأجاب بما لفظه:
قد طال الكلام في هذا البحث، وقد وقفت قبل الآن بنحو ثمان سنين على مؤلف بسيط لبعض الحنابلة في خصوص هذه المسألة، وقد غاب عني اسم الكتاب واسم صاحبه، والأحاديث القاضية بأن صلة الرحم تزيد في العمر أحاديث صحيحة كثيرة منها ما أخرجه البخاري والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ " من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه " (١).
وعند الترمذي " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر "، والأثر الأجل وإنساؤه تأخيره.
_________
(١) الحاكم/٤/ ١٦٠.
وأخرج القضاعي من حديث ابن مسعود مرفوعاً " صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفىء غضب الرب " (٢).
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث عمرو بن سهيل مرفوعاً " صلة الرحم مثراة في المال محبة في الأهل منسأة في الأجل " (٣).
إذا تقرر هذا فالعمر محدود ومعلوم لا يتقدم ولا يتأخر إلا إذا وصل الرجل رحمه مد الله في عمره وزاده، وهكذا حكم سائر الأمور التي وردت الأدلة بأنها تزيد في العمر أو تنقص منه لأنها خاصة، والخاص مقدم على العام، والمقام يحتمل البسط، وفي هذا كفاية والله أعلم.
_________
(١) صحيح الجامع/٣٦٦١.
(٢) صحيح الجامع/٣٦٦٠.
(٣) صحيح الجامع/٣٦٦٢.
(واستغشوا ثيابهم) أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني، وقيل جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامي، فيكون استغشاء الثياب على هذا زيادة في سد الأذان، وقيل هو كناية عن العدواة، يقال لبس فلان ثياب العدواة، وقيل استغشوا ثيابهم لئلا يعرفهم فيدعوهم، وقال ابن عباس: ليتنكروا فلا يعرفهم، وعنه قال: غطوا وجوههم لئلا يروا نوحاً ولا يسمعوا كلامه، وقد أفادت هذه الآية بالتصريح أنهم عصوا نوحاً وخالفوه مخالفة لا أقبح منها ظاهراً بتعطيل الأسماع والأبصار، وباطناً بالإصرار والاستكبار كما قال تعالى (وأصروا) أي استمروا على الكفر ولم يقلعوا عنه ولا تابوا عنه (واستكبروا) عن قبول الحق وعن امتثال ما أمرهم به (استكباراً) شديداً وذكر المصدر دليل على فرط استكبارهم قال ابن عباس: تركوا التوبة.
_________
(١) قال ابن كثير: أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرّ لكم الضرع، وأمدّكم
-[٣٣٥]-
بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخلّلها بالأنهار الجارية بينها. ثم قال: هذا مقام الدعوة بالترغيب، ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال: (ما لكم لا ترجون لله وقاراً)؟.
وعن الحسن: أن رجلاً شكا إليه الجدب فقال استغفر الله وشكا إليه آخر الفقر وآخر قلة النسل وآخر قلة ريع أرضه، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع ابن صبيح: أتاك رجال يشكون أبواباً ويسألونك أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فتلا هذه الآية ولله دره ما أفقهه، قال القشيري من وقعت له حاجة إلى الله لم يصل إلى مراده إلا بتقديم الاستغفار، وقال الشهاب وليس المراد بالاستغفار مجرد قول استغفر الله بل الرجوع عن الذنوب وتطهير الألسنة والقلوب.
وهذا حث على رجاء الوقار لله، والمراد الحث على الإيمان والطاعة
قال الكرخي: أي أنكم إذا وقرتم نوحاً وتركتم استخفافه كان ذلك لأجل الله، فما لكم لا ترجون لله وقاراً، وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح: ما لكم لا ترجون لله ثواباً ولا تخافون منه عقاباً، وقال مجاهد والضحاك: ما لكم لا تبالون لله عظمة، قال قطرب: هذه لغة حجازية وهذيل وخزاعة ومضر يقولون لم أرج لم أبل، وقال قتادة ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان، وقال ابن كيسان ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيراً، وقال ابن زيد: ما لكم لا تؤدون لله طاعة، وقال الحسن: ما لكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرون له نعمة، وقال ابن عباس: لا تعلمون لله عظمة، وعنه قال: لا تخافون لله عظمة ولا تخشون له عقاباً، ولا ترجون له ثواباً، وعن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم: " رأى ناساً يغتسلون عراة ليس عليهم أزر فوقف فنادى بأعلى صوته ما لكم لا ترجون لله وقاراً " أخرجه عبد الرزاق في المصنف.
ثم لما نبههم سبحانه وتعالى أولاً على النظر في أنفسهم لأنها أقرب، نبههم ثانياً على النظر في العالم وما سوى فيه من العجائب الدالة على الصانع الحكيم فقال
وقد تقدم تحقيق هذا في قوله (ومن الأرض مثلهن) وانتصاب طباقاً على المصدرية تقول طابقه طباقاً ومطابقة أو حال بمعنى ذات طباق فحذف ذات وأقام طباقاً مقامه، وأجاز الفراء في غير القرآن جر طباق على النعت.
(وجعل الشمس) فيهن (سراجاً) أي كالمصباح لأهل الأرض ليتوصلوا بذلك إلى التصرف فيما يحتاجون إليه من المعاش، عن ابن عمرو: قال الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض، وأنا أقرأ بذلك عليكم آية من كتاب الله يعني هذه الآية، وعن ابن عمر قال في الآية تضيء لأهل السموات كما تضيء لأهل الأرض، وعن شهر بن حوشب قال: اجتمع عبد الله بن العاص وكعب الأحبار، وكان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك فقال ابن عمرو لكعب سلني عما شئت فلا تسألني عن شيء إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن، فقال له أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السموات السبع كما هو في الأرض؟ قال نعم ألم تر إلى قول الله، يعني هذه الآية، قال النسفي: وأجمعوا على أن الشمس في السماء الرابعة وضوءها أقوى من نور القمر، وقيل في الخامسة وقيل في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابعة (١).
_________
(١) قال ابن جرير الطبري: وقوله: (وجعل القمر فيهن نوراً) يقول: وجعل القمر في السموات السبع نوراً، وجعل الشمس فيهن سراجاً، وقال ابن كثير: المقصود أن الله سبحانه وتعالى: خلق سبع سموات طباقاً، وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً، أي: فاوت بينهما في الاستنارة، فجعل كلاً منهما أنموذجاً على حدة ليعرف الليل والنهار بمطلع الشصر ومغيبها، وقدَّر للقمر منازل وبروجاً، وفاوت نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى، ثم يشرع في النقص حتى يستسر ليدل على مضي الشهور والأعوام، كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). وقال الآلوسي: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) منوِّراً لوجه الأرض في ظلمة الليل، وجعله فيهن مع أنه في إحداهن وهي السماء الدنيا، كما يقال: زيد في بغداد وهو في بقعة منها، والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية وكونها طباقاً شفافة.
واختلف في مكرهم هذا ما هو فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح وأذاه وصد الناس عن الإيمان به والميل إليه، والاستماع منه، وقيل هو تغريرهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قلل الضعفة لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم، وقال الكلبي: هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد، وقال مقاتل: هو قول كبرائهم لأتباعهم (لا تذرن آلهتكم) وقيل مكرهم كفرهم وقيل: افتروا على الله الكذب وكذبوا رسله.
قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة. فقال لهم إبليس لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا، ثم نشأ قوم من بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم.
وقال عروة بن الزبير وغيره إن هذه كانت أسماء أولاد آدم وكان ود أكبرهم، وكانوا عباداً فمات رجل منهم فحزنوا عليه، فقال الشيطان أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه، قالوا افعل فصوره في المسجد من صفر ورصاص، ثم مات آخر فصوره حتى ماتوا كلهم وصورهم، فلما تقدم الزمان تركت الناس عبادة الله فقال لهم الشيطان ما لكم لا تعبدون شيئاًً قالوا وما نعبد، قال آلهتكم وآلهة آبائكم، ألا ترون أنها في مصلاكم فعبدوها من دون الله حتى بعث الله نوحاً عليه السلام فقالوا (لا تذرن آلهتكم) الآية.
قال الماوردي: فأما ود فهو أول صنم معبود سمي وداً لودهم له وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل، في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم:
حياك ود فإنا لا يحل لنا | لهو النساء وإن الدين قد غربا |
يريش الله في الدنيا ويبري | ولا يبري يعوق ولا يريش |
قال البقاعي: ولا يعارض هذا أنهم صور لناس صالحين لأن تصويرهم لهم يمكن أن يكون منتزعاً من معانيهم، فكان ود كاملاً في الرجولية، وكان سواع امرأة كاملة في العبادة، وكان يغوث شجاعاً وكان يعوق سابقاً قوياً وكان نسر عظيماً طويل العمر، ومثله في القرطبي.
وأخرج البخاري وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس قال: " صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت ".
وفي الصحيحين من حديث عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة " ذكرتا لرسول الله ﷺ كنيسة رأيتاها بأرض الحبشة تسمى مارية فيها تصاوير فقال رسول الله ﷺ " إن أولئك كان إذا مات الرجل الصالح منهم بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة " قرأ الجمهور وداً بفتح الواو، وقرىء بضمها، قال الليث: ود بضم الواو صنم لقريش، وبفتحها صنم كان لقوم نوح وبه سمي عمرو بن ود قال في الصحاح: والود بالفتح الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال، وقرأ الجمهور يغوث ويعوق بغير تنوين، فإن كانا عربيين فالمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وإن كانا أعجميين
(ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً) معطوف على (رب إنهم عصوني) ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم، وقال أبو حيان: إنه معطوف على قد أضلوا ومعنى (إلا ضلالاً) إلا عذاباً كذا قال ابن بحر واستدل على ذلك بقوله (إن المجرمين في ضلال وسعر) وقيل إلا خسراناً، وقيل إلا فتنة بالمال والولد، وقيل الضياع وقيل ضلالاً في مكرهم، وهذا دعاء عليهم من نوح بعد أن أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.
(فأدخلوا) عقب الإغراق (ناراً) وهي نار الآخرة، وهذا من التعبير عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه نحو (أتى أمر الله) وقيل عذاب القبر، وعلى هذا هو على بابه كقوله في آل فرعون (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً) (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً) أي لم يجدوا أحداً يمنعهم من عذاب الله ويدفعه عنهم.
ومعنى (ديّاراً) من يسكن الديار ويدور في الأرض وأصله ديوار على فيعال من دار يدور فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى مثل القيام أصله قيوام، وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل بالدار يقال ما بالدار ديار وديور أي أحد كقيام وقيوم، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام، وقيل الديار صاحب الديار، والمعنى لا تدع أحداً منهم إلا أهلكته، وقيل هو مأخوذ من الدوران وهو التحرك.
قال سليمان الجمل: انظر ما الحكمة في تأخيره عن قوله (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) مع أن مقتضى الظاهر تقديمه عليه لكونه سبباً لإغراقهم، تأمل، ثم رأيت، أبا السعود: قال هذا عطف على نظيره السابق وقوله (مما خطيئاتهم) اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للإيذان من أول الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطاياهم التي عددها نوح، وإشارة إلا أن استحقاقهم للإهلاك لأجلها أهـ كلام الجمل.
ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه ووالديه وللمؤمنين فقال
وقيل أراد آدم وحواء والأول أولى، وقال سعيد بن جبير أراد بوالديه أباه وجده وقرىء ولولدي بكسر الدال على الإفراد وعلى التثنية يعني ابنيه ساماً وحاماً، وقرىء ولوالدي بكسر الدال يعني أباه فيجوز أن يكون أراد أباه الأقرب الذي ولده، وخصه بالذكر لأنه أشرف من الأم، وأن يريد جميع من ولده من لدن آدم إلى من ولده ".
(ولمن دخل بيتي) قال الضحاك والكلبي يعني مسجده وقيل منزله الذي هو ساكن فيه وقيل سفينته وقيل لمن دخل في دينه، وانتصاب (مؤمناً) على الحال أي لمن دخل بيتي متصفاً بصفة الإيمان فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) ثم عمم الدعوة فقال:
(وللمؤمنين والمؤمنات) أي واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث، ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين فقال: (ولا تزد الظالمين إلا تباراً) مفعول ثان والاستثناء مفرغ أي لا تزد المتصفين بالظلم إلا هلاكاً وخسراناً ودماراً فأهلكوا وغرق معهم صبيانهم أيضاًً لكن لا على وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آبائهم وأمهاتهم بإراءة هلاك أطفالهم الذين كانوا أعز عليهم من أنفسهم.
وفي الحديث " يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى " وعن الحسن أنه سئل عن ذلك فقال علم الله براءتهم فأهلكهم بغير عذاب، وقد يشمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة.
_________
(١) نرى اختلافاً في اسم نوح عليه السلام انظر ما ذكره المؤلف في أول تفسيره للسورة ولا أرى لهذا سبباً.
ثمان وعشرون آية وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع، عن ابن عباس قال نزلت بمكة وعن عائشة وابن الزبير مثله وتسمى سورة قل أوحي.
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)