تفسير سورة الشعراء

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة الشعراء
مكية
وآياتها مائتان وسبع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)
شرح الكلمات:
طسم: الله أعلم بمراده بذلك.
الكتاب المبين: أي القرآن المبين للحق من الباطل
باخع نفسك: أي قاتلها من الغم.
ألا يكونوا مؤمنين: أي من أجل عدم إيمانهم بك.
آية: أي نخوفهم بها.
من ذكر: أي من قرآن.
معرضين: أي غير ملتفتتين إليه.
زوج كريم: أي صنف حسن.
العزيز: الغالب على أمره ومراده.
الرحيم: بالمؤمنين من عباده.
636
معنى الآيات:
طسم هذه أحد الحروف المقطعة تكتب طسم، وتقرأ طا سين ميم بإدغام النون من سين في الميم الأولى من ميم والله أعلم بمراده منها. وفيها إشارة إلى أن القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف وعجز العرب عن تأليف مثله بل سورة واحدة من مثله دال قطعاً على أنه كلام الله ووحيه إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله ﴿تلك آيات الكتاب١﴾ أي الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات الكتاب أي القرآن المبين للحق أي المبين للحق من الباطل والهدى من الضلال، والشرائع والأحكام. وقوله تعالى ﴿لعلك باخع نفسك﴾ أي قاتلها ومهلكها ﴿ألا يكونوا مؤمنين﴾ أي إن لم يؤمن بك وبما جئت به قومك، فأشفق على نفسك يا رسولنا ولا تعرضها للغم القاتل فإنه ليس عليك هدايتهم وإنما عليك البلاغ وقد بلغت، إنا لو أردنا هدايتهم بالقسر والقهر لما عجزنا عن ذلك ﴿إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم٢ لها خاضعين﴾ أي إنا لقادرون على أن ننزل عليهم من السماء آية كرفع جبل أو إنزال كوكب أو رؤية ملك فظلت أي فتظل طوال النهار أعناقهم خاضعة، تحتها تتوقع في كل لحظة نزولها عليهم فتهلكهما فيؤمنوا حينئذ إيمان قسر وإكراه ومثله لا ينفع صاحبه فلا يزكي نفسه ولا يطهر روحه لأنه غير إرادي له ولا اختياري.
وقوله تعالى ﴿وما يأتيهم من ذكر من الرحمن٣ محدث﴾ أي وما يأتي قومك المكذبين لك من موعظة قرآنية وحجج وبراهين تنزيلية تدل على صدقك وصحة دعوتك ممّا يحدثه الله إليك ويوحي به إليك لتذكرهم به إلا أعرضوا فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه.
وقوله تعالى: ﴿فقد كذبوا به﴾ ٤ يخبر تعالى رسوله بأن قومه قد كذبوا بما أتاهم من ربهم من ذكر محدث وعليه ﴿فسيأتيهم أنباء﴾ أي أخبار ﴿ما كانوا به يستهزئون﴾ وهو عذاب الله تعالى الذي كذبوا برسوله ووحيه وجحدوا توحيده وأنكروا طاعته وفي الآية وعيد شديد وهم عرضة له في أية لحظة إن لم يتوبوا.
١ ﴿تلك آيات الكتاب﴾ قال القرطبي رفع على إضمار مبتدأ أي: هذه تلك.. الخ وما في التفسير أولى أي: هي آيات الكتاب.
٢ لأنهم إذا ذلت أعناقهم ذلوا ولا داعي إلى أن يقال: أعناقهم: كبراؤهم ورؤساؤهم وإن ساغ لغة، إذ المراد أن ينزل عليهم آية تخضعهم وتذلهم رؤساء ومرؤوسين، والأعناق جمع عنق بضم العين والنون وهو الرقبة ولما كانت الأعناق هي مظهر الخضوع أسند الخضوع إليها ومقتضى ظاهر الكلام هو فضلوا لها خاضعين بأعناقهم، وعدل عنه إلى إسناد الخضوع إلى الأعناق لأنه يحمل الإشارة إلى خضوع رؤسائهم الحاملين على الكفر والعناد وهذا من بليغ الكلام وبديعه.
٣ ﴿محدث﴾ أي: مستجد متكرر بعضه يعقب بعضاً ويؤيده.
٤ ﴿فقد كذبوا﴾ الفاء هي الفصيحة أفصحت عن تكذيبهم الناتج عن إعراضهم والفاء في فسيأتيهم للتعقيب والأنباء جمع نبأ وهو الخبر ذو الشأن، والجملة تحمل التهديد والوعيد الشديد.
637
وقوله تعالى ﴿أولم١ يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم﴾ إن كانت علة هذا التكذيب من هؤلاء المشركين هي إنكارهم للبعث والجزاء وهو كذلك فلم لا ينظرون إلى الأرض الميتة بالقحط ينزل الله تعالى عليها ماء من السماء فتحيا به بعد موتها فينبت الله فيها من كل زوج أي صنف من أصناف النباتات كريم أي حسن. أليس في ذلك آية على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم وحشرهم للحساب والجزاء، فلم لا ينظرون؟ ﴿إن في ذلك لآية﴾ أي علامة واضحة للمشركين على صحة البعث والجزاء. ففي إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم. وقوله تعالى ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين٢﴾ يخبر تعالى أن فيما ذكر من إنباته أصناف النباتات الحسنة آية على البعث والحياة الثانية ولكن قضى الله أزلاً أن أكثر هؤلاء المشركين لا يؤمنون وقوله ﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم٣﴾ يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وإن ربك لهو العزيز﴾ أي الغالب على أمره المنتقم من أعدائه ﴿الرحيم﴾ بأوليائه فاصبر لحكمه وتوكل عليه وواصل دعوتك في غير غم ولا هم ولا حزن وإن العاقبة للمؤمنين بك المتبعين لك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن القرآن الكريم معجز لأنه مؤلف من مثل طا سين ميم ولم يستطع أحد أن يؤلف مثله.
٢- بيان ما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناله من الغم والحزن وتكذيب قومه له.
٣- بيان أن إيمان المكره لا ينفعه، ولذا لم يكره الله تعالى الكفار على الإيمان بواسطة الآيات.
٤- التحذير من عاقبة التكذيب بآيات الله وعدم الاكتراث بها.
٥- في إحياء الأرض بالماء وإنبات النباتات المختلفة فيها دليل على البعث الآخر.
١ الاستفهام إنكاري والهمزة داخلة على محذوف والواو عاطفة عليه نحو: اعملوا ولم يروا. الرؤية: معناها النظر بالعين، ولذا عدّي الفعل بإلى. والزوج: النوع، والكريم: النفيس في نوعه وكم: للتكثير ومن للتبعيض.
٢ المراد ممن نفى الإيمان عن أكثرهم هم: أكابر مجرمي مكة إذ أكثرهم مات كافراً أما غيرهم فندر من لم يؤمن منهم إذ دخلوا في دين الله بعد الفتح أفواجاً.
٣ الجملة تعليلية تضمنت التذكير بعزّة الله تعالى ورحمته فذوا العزة قادر على أن ينزل عذابه بأعدائه وذو الرحمة قادر على رحمة أوليائه كما أن هناك إشارة إلى أن تخلف العذاب اقتضته رحمته سبحانه وتعالى.
638
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (١٤) قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٧)
شرح الكلمات:
وإذ نادى ربك: أي اذكر لقومك يا رسولنا إذ نادى ربك موسى.
أن ائت: أي بأن ائت القوم الظالمين.
ألا يتقون: ألا يخافون الله ربهم ورب آبائهم الأولين ما لهم ما دهاهم؟
ويضيق صدري: أي من تكذيبهم لي.
ولا ينطلق لساني: أي للعقدة التي به.
فأرسل إلى هرون: أي إلى أخي هرون ليكون معي في إبلاع رسالتي.
ولهم عليّ ذنب: أي ذنب القبطي الذي قتله موسى قبل خروجه إلى مدين.
قال كلا: أي قال الله تعالى له كلا أي لا يقتلونك.
فاذهبا: أنت وهرون.
إنا رسول رب العالمين: أي إليك.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وإذ نادى ربك موسى﴾ هذا بداية سلسة من القصص بدئت بقصه موسى وختمت بقصة شعيب وقصها على المشركين ليشاهدوا أحداثها ويعرفوا نتائجها
639
وهي دمار المكذبين وهلاكهم مهما كانت قوتهم وطالت أعمارهم قال تعالى في خطاب رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وإذ نادى ربك موسى﴾ أي اذكر إذ نادي ربك موسى في ليلة باردة شاتية بالواد الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة ﴿أن ائت١ القوم الظالمين قوم٢ فرعون﴾ إذ ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك وظلموا بني إسرائيل باضطهادهم وتعذيبهم ﴿ألا يتقون﴾ أي قل لهم ألا تتقون أي يأمرهم بتقوى ربهم بالإيمان به وتوحيده وترك ظلم عباده فالاستفهام معناه الأمر. وقوله تعالى ﴿قال رب إني أخاف أن يكذبون﴾ أي قال موسى بعد تكليفه رب إني أخاف أن يكذبون٣ فيما أخبرهم به وأدعوهم إليه، ﴿ويضيق صدري٤﴾ لذلك ﴿ولا ينطلق لساني﴾ للعقدة التي به، وعليه ﴿فأرسل إلى هرون﴾ أي جبريل يبلغه أن يكون معي معيناً لي على إبلاع رسالتي، وقوله ﴿ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون﴾ هذا قول موسى عليه السلام لربه تعالى شكا إليه خوفه من قتلهم له بالنفس٥ التي قتلها أيام كان بمصر قبل خروجه إلى مدين فأجابه الرب تعالى ﴿كلا٦﴾ أي لن يقتلوك. وأمرهما بالسير إلى فرعون فقال ﴿فاذهبا بآياتنا﴾ وهي العصا واليد ﴿إنا معكم مستمعون﴾ أي فبلغاه ما أمرتكما ببلاغه وإنا معكم مستمعون لما تقولان ولما يقال لكما ﴿فأتيا فرعون فقولا له﴾ عند وصولكما إليه ﴿إنا رسول٧ رب العالمين﴾ أي نحمل رسالة منه مفادها أن ترسل معنا٨ بني إسرائيل لنخرج بهم إلى أرض الشام التي وعد الله بها بني إسرائيل هذا ما قاله موسى وهرون رسولا رب العالمين أما جواب فرعون ففي الآيات التالية.
(أن) تفسيرية لأنها واقعة بعد النداء وهو قول.
٢ قوم فرعون: بدل من الظالمين.
٣ ﴿أن يكذبون﴾ : الأصل: أن يكذبوني فحذفت النون الأولى للناصب وهو أن فصارت يكذبونني ثم حذفت ياء الضمير لدلالة الكسرة عليها فصارت ﴿يكذبون﴾.
٤ قرأ الجمهور يضيق صدري ولا ينطلق لساني بالرفع للفعلين معاً على الاستئناف وقرىء بنصبهما لغير الجمهور.
٥ المراد بالنفس: نفس القبطي واسمه فاثور.
٦ ﴿كلا﴾ للردع والزجر عن هذا الظن.
٧ لم يقل: رسولا إما لأن رسول بمعنى رسالة إنّا ذو رسالة رب العالمين وإما لأن الرسول بمعنى الجمع كالمصادر نحو. هذا عدوي وهؤلاء عدوي، والعرب تقول: هذان رسولي وهؤلاء رسولي.
٨ قيل: أقام بنو إسرائيل في مصر أربعمائة سنة وكانوا يوم خرجوا منها ستمائة ألف.
640
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إثبات صفة الكلام لله تعالى بندائه موسى عليه السلام.
٢- لا بأس بإبداء التخوف عند الأقدام على الأمر الصعب ولا يقدح في الإيمان ولا في التوكل.
٣- مشروعية طلب العون والمساعدة من المسئولين إذا كلفوا المرء بما يصعب.
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢)
شرح الكلمات:
قال: أي قال فرعون رداً على كلام موسى في السياق السابق.
ألم نريك فينا وليداً: أي في منازلنا وليدً أي صغيراً قريباً من أيام الولادة.
ولبثت فينا من عمرك سنين: أي أقمت بيننا قرابة ثلاثين سنة وكان موسى يدعى ابن فرعون لجهل الناس به ورؤيتهم له في قصره يلبس ملابسه ويركب مراكبه.
وفعلت فعلتك التي فعلت: أي قتلت الرجل القبطي.
وأنت من الكافرين: أي الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد.
وأنا من الضالين: إذ لم يكن عندي يومئذ من علم ربي ورسالته ما عندي الآن.
أن عبدت بني إسرائيل: أي هل تعبيدك لبني إسرائيل يعد نعمة فتمن بها علي؟
641
معنى الآيات:
ما زال السياق والحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن فرد فرعون على موسى بما أخبر تعالى به عنه في قوله ﴿قال ألم نربك١ فينا وليداً﴾ أي أتذكر معترفاً أنا ربيناك وليداً أي صغيراً وأنت في حال الرضاع ﴿ولبثت فينا﴾ أي في قصرنا مع الأسرة المالكة ﴿سنين﴾ ثلاثين سنة قضيتها من عمرك في ديارنا ﴿وفعلت فعلتك (٢) ﴾ أي الشنعاء ﴿التي فعلت﴾ وهي قتل موسى القبطي ﴿وأنت من الكافرين﴾ أي لنعمنا عليك الجاحد بها، كان هذا رد فرعون فلنستمع إلى رد موسى عليه السلام كما أخبر به الله تعالى عنه في قوله: ﴿قال فعلتها إذاً﴾ أي يومئذٍ ﴿وأنا من الضالين﴾ أي الجاهلين لأنه لم يكن قد علمني ربي ما علّمني الآن وما أوحى إليّ ولا أرسلني إليكم٢ رسولاً ﴿ففرت٣ منكم لما خفتكم﴾ من أجل قتلي النفس التي قتلت وأنا من الجاهلين ﴿فوهب لي ربي حكماً﴾ أي علماً نافعاً يحكمني دون فعل ما لا ينبغي فعله ﴿وجعلني من المرسلين٤﴾ أي من أنبيائه ورسله إلى خلقه ثم قال له رداً على ما امتن به فرعون بقوله: ﴿ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين﴾ فقال ﴿وتلك٥ نعمة٦﴾ أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي ﴿أن عبدت بني إسرائيل﴾ أي استعبدتهم أي اتخذتهم عبيداً لك يخدمونك تستعملهم كما تشاء كالعبيد لك ولم تستعبدني أنا لاتخاذك إياي ولداً حسب زعمك فأين النعمة التي تمنها علي يا فرعون، نترك رد فرعون إلى الآيات التالية.
١ الاستفهام للتقرير ومعناه المنّ على موسى والاحتقار له.
٢ الفعلة: المرة وبالكسر: الهيئة وقرأ الجمهور ﴿فَعلتك﴾ وهي المرة من الفعل، وشاهد الفعلة بالكسر للهيئة قول الشاعر:
كأن مشيتها من بيت جارتها
مَرّ السحابة لا ريث ولا عجل
يذكره بقتله القبطي تخويفاً له وتهديداً.
٣ كان خروج موسى من مصر إلى أن عاد إليها أحد عشر عاماً إلا أشهرا.
٤ أي فررت منكم إلى أرض مدين.
٥ بناء على أنه قضى ثلاثين سنة في مصر وأحد عشر عاماً خارجها فقد نبيء على رأس الأربعين وهي سنة الله تعالى في الرسل.
٦ حرف الاستفهام مقدر أي: أو تلك كما هو في التفسير والاستفهام إنكاري أي ينكر موسى على فرعون أن يكون استعباد بني إسرائيل نعمة تعدّ عليهم وهذا التقدير أولى من قول: "إن موسى اعترف لفرعون بنعمة التربية من حيث استعبد غيره وتركه هو لم يتعبده" ومن اعترض بأن همزة الاستفهام لا تحذف إذا لم يكن في الكلام أم الدالة عليها محجوج بشواهد كثيرة منها قول الشاعر:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها
وجفنها من دموعها شرق
وقولها والركاب واقفة
تركتني هكذا وتنطلق
والشاهد في قوله: تركتني إذ الأصل: أتركتني فحذفت همزة الاستفهام مع عدم (أم).
642
هداية الآيات
من هداية الآيات
١- قبح جريمة القتل عند كافة الناس مؤمنهم وكافرهم وهو أمر فطري.
٢ - جواز التذكير بالإحسان لمن أنكره ولكن لا على سبيل الامتنان فإنه محبط للعمل.
٣ - جواز إطلاق لفظ الضلال على الجهل كما قال تعالى ﴿ووجدك ضالاً﴾ كما قال موسى ﴿وأنا من الضالين﴾ أي الجاهلين قبل أن يعلمني ربي.
٤- مشروعية الفرار من الخوف إذا لم يكن في البلد قضاء عادل، وإلا لما جاز الهرب من وجه العدالة.
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (٢٤) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (٢٦) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (٣٠) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١)
شرح الكلمات:
وما رب العالمين: أي الذي قلت إنك لرسوله من أي جنس هو؟
رب السموات والأرض وما بينهما: أي خالق ومالك السموات والأرض وما بينهما.
إن كنتم موقنين: بأن السموات والأرض وما بينهما من سائر المخلوقات مخلوقة قائمة فخالقها ومالكها هو رب العالمين.
لمن حوله: أي من أشراف قومه ورجال دولته.
ألا تستمعون: أي جوابه الذي لم يطابق السؤال في نظره.
643
أو لو جئتك بشي مبين: أي أتسجنني ولو جئتك ببرهان وحجة على رسالتي.
فأت به إن كنت من الصادقين: أي فأت بهذا الشيء المبين إن كنت من الصادقين فيما تقول.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن لما قال موسى ﴿إني في رسول رب العالمين﴾ في أول لحوار قال فرعون مستفسراً في عناد ومكابرة ﴿وما رب١ العالمين﴾ أي أيّ شيء هو أو من أي جنس من أجناس المخلوقات فأجابه موسى بما أخبر تعالى به عنه ﴿قال رب٢ السموات والأرض وما بينهما﴾ إي خالق السموات والأرض وخالق ما بينهما. ومالك ذلك كله، إن كنتم موقنين بأن كل مخلوق لا بد له من خالق خلقه، وهو أمر لا تنكره العقول. وهنا قال فرعون في استخفاف وكبرياء لمن حوله من رجال دولته وأشراف قومه: ﴿ألا تستمعون٣﴾ كأن ما قاله موسى أمر عجب أو مستنكر فعرف موسى ذلك فقال ﴿ربكم ورب آبائكم الأولين﴾ أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين الكل مربوب له خاضع لحكمه وتصرفه. وهوا اغتاظ فرعون فقال ﴿إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون﴾ أراد أن ينال من موسى لأنه أغاظه بقوله ﴿ربكم ورب آبائكم الأولين﴾ فرد موسى أيضاً قائلاً ﴿رب المشرق والمغرب وما بينهما﴾ أي رب الكون كله ﴿إن كنتم تعقلون﴾ أي ما تخاطبون به ويقال لكم وفي هذا الجواب ما يتقطع له قلب فرعون فلذا رد بما أخبر به تعالى عنه في قوله ﴿قال لئن اتخذت إلهاً غيري﴾ أي رباً سواي ﴿لأجعلنك من المسجونين﴾ أي لأسجننك وأجعلك في قعر تحت الأرض مع المسجونين. فرد موسى عليه السلام قائلا ﴿أو لو جئتك بشيء٤ مبين﴾ أي أتسجنني ولو
١ لما غُلب فرعون في جداله لموسى استفهم بقوله: ﴿فما رب العالمين﴾ وهو استفهام عن جنس ولم يستفهم عن رب العالمين تجاهلاً منه ومكابرة فقال: ﴿وما رب العالمين﴾ وكان المطلوب أن يقول: ومن ربّ العالمين؟ ولكته العلو والتكبر.
٢ لما علم موسى جهل فرعون وتجاهله أجابه بما يلقمه الحجر ويبطل دعواه في أن الربوبية تكون لبشر أو حجر فقال: ﴿رب السموات... ﴾ الخ.
٣ استفهم اللعين استفهام تعجّب وتهكم مستخفاً بجواب موسى قائلا ﴿ألا تسمعون﴾ أي إلى قول هذا الذي زعم إبطال عقيدتكم وعقيدة آبائكم ولذا أجاب موسى بتقرير جوابه الأول وهو مفحم مبطل لدعوى ربوبية فرعون.
٤ في جواب موسى عليه السلام هذا تلطف بفرعون وطمع في إيمانه لما بهره به من الردود المحكمة والإجابات المفحمة.
644
جئت بحجة بينة وبرهان ساطع على صدقي فيما قلت وأدعوكم إليه؟ وهنا قال فرعون ما أخبر تعالى به ﴿قال فأت به إن كنت من الصادقين﴾ أي فيما تدعي وتقول.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير الربوبية المقتضية للألوهية من طريق هذا الحوار ليسمع ذلك المشركون، وليعلموا أنهم مسبوقون بالشرك والكفر وأنهم ضالون.
٢- سنة أهل الباطل أنهم يفجرون في الخصومة وفي الحديث "وإذا خاصم فجر"١.
٣- أهل الكبر والعلو في الأرض إذا أعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد واستخدام القوة.
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قَالَ لِلْمَلا حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (٣٥) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)
١ نّص الحديث الشريف كما هو في الصحيح: "أربع مَنْ كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".
645
شرح الكلمات:
ثعبان مبين: أي ثعبان ظاهر أنه ثعبان لا شك.
ونزع يده: أي أخرجها من جيبه بعد أن أدخلها فيه.
لساحر عليم: أي متفوق في علم السحر.
أرجه وأخاه: أي أخرّ أمرهما.
حاشرين: أي جامعين للسحرة.
سحار عليم: أي متفوق في الفن أكثر من موسى.
يوم معلوم: هو ضحى يوم الزينة عندهم.
هل أنتم مجتمعون: أي اجتمعوا كي نتبع السحرة على دينهم إن كانوا هم الغالبين.
وإنكم إذاً لمن المقربين: أي لكم الأجر وهو الجعل الذي جعل لهم وزادهم مزية القرب منه.
معنى الآيات
ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن لقد تقدم في السياق أن فرعون طالب موسى بالإتيان بالآية أي الحجة على صدق دعواه وهاهو ذا موسى عليه السلام يلقي عصاه أمام فرعون وملائه فإذا هي ثعبان ظاهر لا شك فيه، وأخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين لا يشك في بياضها وأنه بياض خارق للعادة هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (٣٢) والثانية (٣٣) ﴿فألقى عصاه فإذا هي ثعبان١ مبين، ونزع يده فإذا هي٢ بيضاء للناظرين﴾ واعترف فرعون بأن ما شاهده من العصا واليد أمر خارق للعادة ولكنه راوغ فقال ﴿إن هذا﴾ أي موسى ﴿لساحر عليم﴾ أي ذو خبرة بالسحر وتفوق فيه قال هذا للملأ حوله كما قال تعالى عنه ﴿قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم﴾ وقوله تعالى عنه ﴿يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره﴾ قال فرعون هذا تهيجاً للملأ ليثوروا ضد موسى عليه السلام وهذا من المكر السياسي إذ جعل القضية
١ الثعبان: الحية الضخمة الطويلة،: و ﴿مبين﴾ بمعنى بيّن لا خفاء فيه ولا غموض ﴿ونزع يده﴾ أي أخرجها من قميصه بسرعة إذ هذا ما يدل عليه لفظ النزع، ولم يذكر المنزع منه لدلالة اللفظ عليه أي: من جيب قميصه.
٢ إذا: هي الفجائية ومعنى: ﴿للناظرين﴾ أي: مما يقصده الناظرون لما فيه من العجب وكان جلد موسى أسمر وكانت اليد بيضاء فكان ذلك آية أخرى.
646
سياسية بحتة وأن موسى يريد الاستيلاء على الحكم والبلاد ويطرد أهلها منها بواسطة السحر، وقال لهم كالمستشير لهم ﴿فماذا تأمرون؟﴾ فأشاروا عليه بما أخبر تعالى به عنهم ﴿قالوا أرجه وأخاه﴾ أي أخر أمرهما ﴿وابعث في المدائن﴾ أي مدن المملكة رجالاً ﴿حاشرين﴾ أي جامعين ﴿يأتوك﴾ أيها الملك ﴿بكل سحار١ عليم﴾ أي ذو خبرة في السحر متفوقة، وفعلاً أخذ بمشورة رجاله ﴿فجمع السحرة لميقات يوم معلوم﴾ أي لموعد معلوم وهو ضحى يوم العيد عندهم واستحثوا الناس على الحضور من كافة أنحاء البلاد وهو ما أخبر تعالى به في قوله ﴿قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم﴾ فجمع٢ السحرة لميقات يوم معلوم، وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة} فنبقى على ديننا ولا نتبع موسى وأخاه على دينهما الجديد ﴿إن كانوا﴾ أي السحرة ﴿هم الغالبين﴾ وهذا من باب الاستحثاث والتحريض على الالتفات حول فرعون وملائه. وقوله تعالى ﴿فلما جاء السحرة﴾ أي من كافة أنحاء البلاد قالوا لفرعون ما أخبر تعالى به عنهم ﴿أئن لنا لأجراً٣﴾ أي جعلاً ﴿إن كنا نحن الغالبين؟﴾ فأجابهم فرعون قائلاً ﴿نعم وإنكم إذاً لمن٤ المقربين﴾ أي زيادة على الأجر مكافأة أخرى وهي أن تكونوا من المقربين لدينا، وفي هذا إغراء كبير لهم على أن يبذلوا أقصى جهدهم في الانتصار على موسى عليه السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إثبات المعجزات للأنبياء كمعجزة العصا واليد لموسى عليه السلام.
٢- مشروعية استشارة الأمير رجاله في الأمور ذات البال.
٣- ثبوت السحر وأنه فن من فنون المعرفة وإن كان تعلمه وتعليمه محرمين.
٤- إعطاء المكافأة للفائزين في المباراة وغيرها ومن ذلك السباق في الإسلام.
١ ﴿سحار﴾ فيه وصف ثابت دال على تعاطيه للمهنة ورسوخه فيها كنجار وخياط وبناء والوصف بعليم: فيه الحث على الإتيان بالمهرة من السحرة لعظم الموقف.
٢ دلت الفاء على الفورية واللام كذلك في الميقات أي: لأول الوقت كقوله: ﴿الصلاة لوقتها﴾ أي: في أول وقتها، وقوله ﴿للناس﴾ المراد بالناس أهل بلاده، والاستفهام في ﴿هل أنتم مجتمعون﴾ للاستحثاث على الاجتماع.
٣ سؤال السحرة الأجر إدلال بخبرتهم والتذكير بالحاجة إليهم لعلمهم بأن فرعون حريص على غلبهم لموسى، وخافوا أيضاً أن يستخدمهم فرعون بدون أجر لأن الحال حال التعبئة العامة للدفاع عن المعتقدات وأهلها فلذا شرطوا أجرهم قبل الشروع في العمل.
٤ ﴿إذاً﴾ أي: إذا كنتم فعلا غالبين إنّ لكم لأجراً عظيماً.
647
قالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (٤٨) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)
شرح الكلمات:
ألقوا ما أنتم ملقون: أمرهم بالإلقاء توسلاً إلى ظهور الحق.
ما يأفكون: أي ما يقلبونه بتمويههم من أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى.
رب موسى وهرون: أي لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يأتي بواسطة السحر.
من خلاف: أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى.
ولأصلبنكم أجمعين: أي لأشدنكم بعد قطع أيديكم وأرجلكم من خلاف على الأخشاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن إنه بعد إرجاء السحرة فرعون وسؤالهم له: هل لهم من أجر على مباراتهم موسى إن هم غلبوا وبعد أن طمأنهم فرعون على الأجر والجائزة قال لهم موسى ﴿ألقوا١ ما أنتم ملقون﴾ من الحبال والعصي في الميدان ﴿فألقوا حبالهم وعصيهم﴾ وأقسموا بعزة فرعون إنهم هم
١ جاء في سورة الأعراف أن السحرة عرضوا على موسى أن يلقى عصاه أو يلقوا حبالهم وعصيهم وهنا قال لهم موسى عليه السلام ﴿ألقوا﴾ بناء على عرضهم ذلك.
648
الغالبون وفعلاً انقلبت الساحة كلها حيات وثعابين حتى أوجس موسى في نفسه خيفة فأوحى إليه ربه تعالى أن ألق عصاك فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون. هذا معنى قوله تعالى في هذا السياق ﴿فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة١ فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون﴾ ٢ ومعنى تلقف ما يأفكون أي تبتلع في جوفها من طريق فمها كل ما أفكه أي كذبه وافتراه السحرة بسحرهم من انقلاب الحبال والعصي حيات وثعابين، وقوله تعالى ﴿وألقي السحرة ساجدين﴾ أي أنهم لاندهاشهم وما بهرهم من الحق ألقوا بأنفسهم على الأرض ساجدين لله تعالى مؤمنين به، فسئلوا عن حالهم تلك فقالوا ﴿آمنا برب العالمين رب موسى وهرون﴾ وهنا خاف فرعون تفلت الزمام من يده وأن يؤمن الناس بموسى وهرون ويكفروا به فقال للسحرة: ﴿آمنتم به قبل أن آذن لكم﴾ بذلك أي كيف تؤمنون بدون إذني؟ على أنه يملك ذلك منهم وهي مجرد مناورة مكشوفة، ثم قال لهم ﴿إنه﴾ أي موسى ﴿لكبيركم الذي علمكم السحر﴾ أي انه لما كان أستاذكم تواطأتم معه على الغلب فأظهرتم أنه غلبكم، تمويهاً وتضليلاً للجماهير.. ثم تهددهم قائلاً ﴿فلسوف تعلمون٣﴾ عقوبتي لكم على هذا التواطؤ وهي ﴿لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف﴾ أي أقطع من الواحد منكم يده اليمنى ورجله اليسرى ﴿ولأصلبنكم أجمعين﴾ فلا أبقي منكم أحداً إلا أشده على خشبة حتى يموت مصلوباً، هل فعل فرعون ما توعد به؟ الله أعلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١-لم يبادر موسى بإلقاء عصاه أولاً لأن المسألة مسألة علم لا مسألة حرب ففي الحرب تنفع المبادرة بافتكاك زمام المعركة، وأما في العلم فيحسن تقديم الخصم، فإذا أظهر ما عنده كر عليه بالحجج والبراهين فأبطله وظهر الحق وانتصر على الباطل، هذا الأسلوب الذي اتبع موسى بإلهام من ربه تعالى.
١ يبدو أن الباء في قولهم ﴿بعزة فرعون﴾ هي كالباء في بسم الله للاستعانة والتبرك لا للقسم وهذا أولى بالمقام من الحلف على شيء لا يملكه المرء وتكون جملة: ﴿إنا لنحن الغالبون﴾ مستأنفة استئنافاً بيانياً وليست جواب قسم إلاّ أنها حملت معنى القسم بما فيه من المؤكدات كأنهم قالوا إنا وربنا لغالبون.
٢ قرأ نافع ﴿تلقف﴾ بتشديد القاف، والأصل: تتلقف فحذفت إحدى التائين تخفيفاً، وقرأ حفص ﴿تلقف﴾ بتخفيف القاف من: لقف الشيء يلقفه لقفاً: إذ أخذه بسرعة.
٣ اللام للقسم. وبم يقسم فرعون؟ يقسم بحسب عادته في إيمانه ففد يقسم بعزّته.
649
٢- مظهر من مظاهر الهداية الإلهية هداية السحرة إذ هم في أول النهار سحرة كفرة وفي آخره مؤمنون بررة.
٣- ما سلكه فرعون مع السحرة كله من باب المناورات السياسية الفاشلة.
قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (٦٠)
شرح الكلمات:
لا ضير: أي لا ضرر علينا.
لمنقلبون: أي راجعون بعد الموت وذلك يسر ولا يضر.
أن كنا أول المؤمنين: أي رجوا أن يكفر الله عنهم سيئاتهم لأنهم سبقوا بالإيمان.
أن أسر بعبادي: السري المشي ليلاً والمراد من العباد بنو إسرائيل.
إنكم متبعون: أي من قبل فرعون وجيوشه.
لشرذمة: أي طائفة من الناس.
لغائظون: أي فاعلون ما يغيظنا ويغضبنا.
حذرون: أي متيقظون مستعدون.
ومقام كريم: أي مجلس حسن كان للأمراء والوزراء.
كذلك: أي كان إخراجنا كذلك أي على تلك الصورة.
مشرقين: أي وقت شروق الشمس.
650
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿قالوا لا ضير١﴾ هذا قول السحرة لفرعون بعد أن هددهم وتوعدهم ﴿قالوا لا ضير﴾ أي لا ضرر علينا بتقطيعك أيدينا وأرجلنا وتصليبك إيانا ﴿إنا إلى٢ ربنا منقلبون﴾ أي راجعون إن كل الذي تفعله معنا إنك تعجل برجوعنا إلى ربنا وذاك أحب شيء إلينا.
وقالوا ﴿إنا نطمع٣ أن يغفر لنا ربنا خطايانا﴾ أي ذنوبنا ﴿إن كنا أول المؤمنين﴾ في هذه البلاد برب العالمين رب موسى وهرون.
بعد هذا الانتصار العظيم الذي تم لموسى وهرون أوحى تعالى إلى موسى ﴿أن أسر٤ بعبادي﴾ أي امش بهم ليلاً ﴿إنكم متبعون﴾ أي من قبل فرعون وجنوده. وعلم فرعون بعزم موسى على الخروج ببني إسرائيل فأرسل في المدائن٥ وكانت به مآت المدن حاشرين من الرجال أي جامعين وكأنها تعبئة عامة. يقولون محرضين ﴿إن هؤلاء٦﴾ أي موسى وبني إسرائيل ﴿لَشِرْذِمةٌ﴾ أي طائفة أفرادها قليلون ﴿إنهم لنا لغائظون﴾ أي٧ لفاعلون ما ويغضبنا ﴿وإنا﴾ أي حكومة وشعباً ﴿لجميع حذرون﴾ أي متيقظون مستعدون فهلم إلى ملاحقتهم وردهم إلى الطاعة. وعجل تعالى بالمسرة في هذا الخبر فقال تعالى ﴿فأخرجناهم﴾ أي آل فرعون ﴿من جنات وعيون وكنوز﴾ أي كنوز الذهب والفضة التي كانت مدفونة تحت التراب، إذ الطمس كان على العملة فسدت وأما مخزون الذهب والفضة فما زال تحت الأرض، إذ الكنز يطلق على المدفون تحت الأرض وإن كان شرعاً هو الكنز ما لم تؤد زكاته سواء كان تحت الأرض أو فوقها.
وقوله تعالى ﴿كذلك﴾ أي إخراجنا لهم كان كذلك، ﴿وأورثناها٨﴾ أي تلك النعم بني إسرائيل أي بعد هلاك فرعون وجنوده أجمعين. وقوله تعالى ﴿فأتبعوهم مشرفين﴾ أي فاتبع آل فرعون بنى إسرائيل أَنْفُسَهم في وقت شروق الشمس ليردوهم ويحولوا بينهم
١ الضير: مرادف الضرّ يقال: ضاره يضيره بمعنى ضرّه يضره سواء.
٢ الجملة تعليلية لنفيهم الضرر عليهم.
٣ لفظ الطمع يطلق ويراد به الظنّ الضعيف غالباً ويراد به الظن القوي أيضاً كقول إبراهيم عليه السلام: ﴿والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين﴾.
٤ قرأ نافع ﴿أن اسر﴾ بهمزة وصل إذ هو من سَرى يسري وحركت النون لالتقاء الساكنين. وقرأ عاصم: ﴿أن أسرِ﴾ بسكون أن وقطع همزة أسر لأنّه من أسرى، وأسرى وسرى بمعنى واحد.
٥ المدائن جمع مدينة وهي البلد العظيم.
٦ الإشارة بهؤلاء فيه إيماء بتحقير شأن بني إسرائيل، والشرذمة الطائفة القليلة العدد.
٧ الغيظ: أشد الغضب، وغائظون: اسم فاعل من: غاظه بمعنى أغاظه أي: أغضبه أشدّ الغضب.
٨ يرى بعضهم أن الله أورث بني إسرائيل نعماً نظير ما كان لفرعون وقومه بدليل آية الدخان: ﴿وأورثناها قوماً آخرين﴾ وبدليل أن بني إسرائيل ما رجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها والله أعلم.
651
وبين الخروج من البلاد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- قوة الإيمان مصدر شجاعة خارقة للعادة بحيث يفرح المؤمن بالموت لأنه يوصله إلى ربه.
٢- حسن الرجاء في الله والطمع في رحمته، وفضل الأسبقية في الخير.
٣- مشروعية التعبئة العامة واستعمال أسلوب خاص في الحرب يهديء من مخاوف الأمة حكومة وشعباً.
٤- دمار الظالمين وهلاك المسرفين في الكفر والشر والفساد.
فََلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الأخَرِينَ (٦٤) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الأخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨)
شرح الكلمات:
فلما تراءى الجمعان: أي رأى بعضهما بعضاً لتقاربهما والجمعان جمع بني إسرائيل وجمع فرعون.
إنا لمدركون: أي قال أصحاب موسى من بني إسرائيل إنا لمدركون أي سيلحقنا فرعون وجنده.
قال كلا: أي قال موسى عليه السلام كلا أي لن يدركونا ولن يلحقوا بنا.
فانفلق: أي انشق.
فكان كل فرق كالطود: أي شق أي الجزء المنفرق والطود: الجبل.
وأزلفنا ثم الآخرين: أي قربنا هنا لك الآخرين أي فرعون وجنده.
652
إن في ذلك لآية: أي عظة وعبرة توجب الإيمان برب العالمين برب موسى وهرون.
معنى الآيات:
هذا آخر قصة موسى عليه السلام مع فرعون قال تعالى في بيان نهاية الظالمين وفوز المؤمنين ﴿فلما تراءى١ الجمعان﴾ جمع موسى وجمع فرعون وتقاربا بحيث رأى بعضهما بعضا ﴿قال أصحاب موسى﴾ أي بنو إسرائيل ﴿إنا لمدركون﴾ أي خافوا لما رأوا جيوش فرعون تتقدم نحوهم صاحوا ﴿إنا لمدركون﴾ فطمأنهم موسى بقوله ﴿كلا٢﴾ أي لن تدركوا، وعلل ذلك بقوله ﴿إن معي ربي سيهدين﴾ إلى طريق نجاتي قال تعالى ﴿فأوحينا إلى موسى أن اضرب﴾ أي اضرب بعصاك البحر فضرب امتثالاً لأمر ربه فانفلق البحر فرقتين كل فرقة٣ منه كالجبل العظيم ﴿وأزلفنا٤﴾ أي قربنا ﴿ثم الآخرين﴾ أي أدنينا هناك الآخرين وهم فرعون وجيوشه ﴿وأنجينا موسى ومن معه﴾ أي من بني إسرائيل ﴿أجمعين﴾ ﴿ثم أغرقنا الآخرين﴾ المعادين لبني إسرائيل وهم فرعون وجنده. قوله تعالى ﴿إن في ذلك﴾ المذكور هن إهلاك فرعون وإنجاء موسى، بني إسرائيل ﴿لآية﴾ أي علامة واضحة بارزة لربوبية الله وألوهيته وقدرته وعلمه ورحمته وهي عبرة وعظة أيضاً للمعتبرين، وما كان أكثر قومك٥ يا محمد مؤمنين مع موجب الإيمان ومقتضيه لأنه سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون.
وقوله ﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾ أي وإن ربك يا محمد لهو الغالب على أمره الذي لا يمانع في شيء يريده ولا يحال بين مراده الرحيم بعباده فاصبر على دعوته وتوكل عليه فإنه ناصرك ومذل أعدائك.
١ الترائي: تفاعل إذ هو من الجانبين كل جانب رأى الثاني.
٢ ردع موسى عليه السلام بقوله كلا الظانين أن فرعون مدركهم وعلل لعدم إدراك فرعون بقوله: ﴿إن معي ربي سيهدين﴾ أي: سيبين لي سبيل النجاة فنسلكه فننجوا بإذن الله.
٣ ﴿الفرق﴾ : القسم من الشيء المنفلق، وعليه فالفرقة: القسمة من البحر التي كانت كالجبل العظيم. ولذا قال ابن عباس: صار البحر اثنى عشر طريقاً لكل سبط طريق أي: لكل قبيلة من قبائل بني إسرائيل طريق خاص بها فالبحر انقسم قسمين كان ما بين جانبيه كالفج العظيم، وفي ذلك الفج كانت طريق بني إسرائيل.
٤ ﴿أزلفنا﴾ أي جمعنا وقربنا فرعون وملأه لإغراقهم وإهلاكهم وسميت مزدلفة ليلة جمع: لازدلافها: أي لقربها من منى أو عرفات وسميت ليلة جمع لاجتماع الحجاج فيها، قال الشاعر:
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت
فيها النفوس إلى الآجال تزدلف
٥ القرطبي رحمه الله تعالى رد الضمير في قوله تعالى: ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ إلى فرعون وملئه فقال:
653
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- ظهور آثار الاستعباد في بني إسرائيل متجلية في خوفهم مع مشاهدة الآيات.
٢- ثبوت صفة المعية الإلهية في قول موسى ﴿إن معي ربي﴾ إذ قال له عند إرساله ﴿إنني معكما﴾.
٣- ثبوت الوحي الإلهي.
٤- آية انفلاق البحر من أعظم الآيات.
٥- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقصة مثل هذا القصص الذي لا يتأتى إلا بوحي خاص.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)
شرح الكلمات:
واتل عليهم نبأ إبراهيم: أي اقرأ يا رسولنا على قومك خبر إبراهيم وشأنه العظيم.
لأبيه وقومه: أي آزر والبابليين.
654
فنظل لها عاكفين: أي فنقيم أكثر النهار عاكفين على عبادتها.
قالوا بل وجدنا: أي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر بل وجدنا آباءنا لها عابدين فنحن تبع لهم.
فإنهم عدو لي: أي أعداء لي يوم القيامة إذا أنا عبدتهم لأنهم يتبرءون من عابديهم.
إلا رب العالمين: فإن من يعبده لا يتبرأ منه يوم القيامة بل ينجيه من النار ويكرمه بالجنة.
فهو يهدين: أي إلى ما ينجيني من العذاب ويسعدني في دنياي وأخراي.
والذي يميتني ثم يحيين: أي يميتني عند انتهاء أجلي، ثم يحييني ليوم الدين.
يوم الدين: أي يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة والبعث الأخر.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص إبراهيم عليه السلام والقصد منه عرض حياة إبراهيم الدعوية على مسامع قريش قوم محمد صلى الله وعليه وسلم علهم يتعظون بها فيؤمنوا ويوحدوا فيسلموا ويسلموا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة قال تعالى ﴿واتل عليهم نبأ إبراهيم١﴾ أي اقرأ على قومك من قريش خبر إبراهيم في الوقت الذي قال لأبيه وقومه ﴿ما تعبدون﴾ مستفهماً إياهم ليرد على جوابهم وهو أسلوب حكيم في الدعوة والتعليم يسألهم ويجيبهم بناء على مقتضى سؤالهم فيكون ذلك أدعى للفهم وقبول الحق: ﴿قالوا نعبد أصناماً﴾ أي في صور تماثيل ﴿فنظل لها عاكفين٢﴾ فنقيم أكثر النهار عاكفين حولها نتقرب إليها ونتبرك بها خاشعين خاضعين عندها. ولما سمع جوابهم وقد صدقوا فيه قال لهم ﴿هل٣ يسمعونكم إذ تدعون﴾ أي إذ تدعونها ﴿أو ينفعونكم﴾ إن طلبتم منهم منفعة ﴿أو يضرون﴾ إن طلبتم منهم أن يضروا أحداً تريدون ضره أنتم؟ فأجابوا قائلين في كل ذلك لا، لا، لا. وإنما وجدنا آباءنا كذلك
١ ﴿نبأ إبراهيم﴾ قصته مع قومه والهمزة الثانية تخفف وهو أجود من تحقيقها. نبأ إبراهيم أو نبأ إبراهيم، والمقصود من تلاوة هذه القصة طلب هداية قريش إلى الحق بإسماعهم أخبار الأولين ومشاهدة ما دار من جدال بين الرسل وأممهم.
٢ ﴿فنظل﴾ هذا اللفظ يدل أنهم يقضون فترة طويلة من النهار عاكفين حولها لعبادتها وأما في الليل فيعبدون الكواكب لمشاهدتها والتماثيل إنما هي صور لها فإذا غابت عبدوا صورها بالنهار.
٣ أراد أي إبراهيم بقوله: ﴿هل يسمعونكم﴾ فتح باب المجادلة ليصل إلى إقناعهم إن شاء الله ذاك، وليست هذه أول محاجة بل حاجه إبراهيم أباه على انفراد وحاجه هذه المرة مع قومه ولا شك أن الحجاج دام سنوات فما ذكر هنا غير ما ذكر في الصافات والأنبياء ومريم.
655
يفعلون ففعلنا مثلهم اقتداءً بهم واتباعا لطريقتهم، وهنا صارحهم إبراهيم بما يريد أن يفهموه عنه فقال ﴿أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون﴾ الذين هم أجدادكم الذين ورث عنهم آباؤكم هذا الشرك والباطل ﴿فإنهم عدو لي﴾ أي أعداء لي وذلك يوم القيامة إن أنا عبدتهم معكم، لأن كل مَنْ عُبد من دون الله يتبرأ يوم القيامة ممن عبده ويعلن عداوته له طلباً لنجاة نفسه من عذاب الله. وقوله ﴿إلا رب العالمين﴾ فإنه لا يكون عدواً لمن عبده بل يكون ودوداً له رحيماً به. ألا فاعبدوه يا قوم واتركوا عبادة من يكون عدواً لكم يوم القيامة!!
ثم أخذ إبراهيم يذكر ربه ويثني عليه ويمجده تعريفاً به وتذكيراً لأولئك الجهلة المشركين فقال ﴿الذي خلقني فهو١ يهدين﴾ أي إلى طريق نجاتي وكمالي وسعادتي وذلك ببيانه لي محابه لآتيها، ومساخطه لأتجنبها، ﴿والذي هو يطعمني ويسقين﴾ أي يغذوني بأنواع الأطعمة ويسقيني بما خلق ويسر لي من أنواع الأشربة من ماء ولبن وعسل، ﴿وإذا مرضت﴾ بأن اعتل جسمي وسقم فهولا غيره يشفيني، ﴿والذي يميتني﴾ يوم يريد إماتتي عند انتهاء ما حدد لي من أجل تنتهي به حياتي، ثم يحييني يوم البعث والنشور، ﴿والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي٢﴾ أي يسترها ويمحو أثرها من نفسي يوم الدين أي يوم الجزاء والحساب على عمل الإنسان في هذه الدار إذ هي دار عمل والآخرة دار جزاء.
وإذا قيل ما المراد من الخطيئة التي ذكر إبراهيم لنفسه؟ فالجواب إنها الكذبات الثلاث التي كانت لإبراهيم طوال حياته الأولى قوله ﴿إني سقيم﴾ والثانية ﴿بل فعله كبيرهم هذا﴾ والثالثة قولي للطاغية إنه أخي ولا تقولي إنه زوجي، هذه الكذبات التي كانت لإبراهيم فهو خائف منها ويوم القيامة لما تطلب منه البشرية الشفاعة عند ربها يذكر هذه الكذبات ويقول إنما أنا من وراء وراء فاذهبوا إلى موسى.
ألا فليتعظ المؤمنون الذين كذبهم لا يعد كثرة!!
١ حذفت الياء في (يهدين) و (يسقين) و (يشفين) و (يحيين) لأن الحذف في رؤوس الآي حسن لتتفق كلهما.
٢ روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ "قال: لا إنّه لم يقل يوماً ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين".
656
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة المحمدية بذكر هذا القصص.
٢- تقرير التوحيد بالحوار الذي دار بين إبراهيم إمام الموحدين وقومه المشركين.
٣- بيان أن كل من عبد معبود غير الله تعالى سيكون له عدواً لدوداً يوم القيامة.
٤- بيان أن العكوف على الأضرحة والتمرغ في تربتها وطلب الشفاء منها شرك.
٥- بيان الأسلوب الحكيم في الدعوة إلى الله تعالى من طريق السؤال والجواب.
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الأخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِن دُونِ اللهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ (٩٣)
شرح الكلمات:
رب هب لي حكماً: أي يا رب أعطني من فضلك حكماً أي علماً نافعاً وارزقني العمل به.
وألحقني بالصالحين: لأعمل عملهم في الدنيا وأكون معهم في الدار الآخرة.
واجعل لي لسان صدق في الآخرين: أي اجعل لي ذكراً حسناً أذكر به فيمن يأتي بعدي.
واغفر لأبي: كان هذا منه قبل أن يتبين له أنه عدو لله.
ولا تخزني يوم يبعثون: أي لا تفضحني.
بقلب سليم: أي من الشرك والنفاق.
وأزلفت الجنة: أي أدنيت وقربت للمتقين.
657
وبرزت الجحيم للغاوين: أي أظهرت وجليت للغاوين
هل ينصرونكم: أي بِدَفْع العذاب عنكم.
معنى الآيات:
هذا آخر قصص إبراهيم وخاتمته لما ذكر إبراهيم قومه ووعظهم رفع يديه إلى ربه يسأله ويتضرع إليه فقال ﴿رب هب لي حكماً﴾ أي علماً نافعاً يمنعني من فعل ما يسخطك عني ويدفعني إلى فعل ما يرضيك عني، ﴿وألحقني بالصالحين﴾ في أعمالهم الخيرية في الدنيا وبمرافقتهم في الجنة١ ﴿واجعل لي لسان٢ صدق في الآخرين﴾ أي اجعل لي ذكراً حسناً أذكر به فيمن يأتي من عبادك المؤمنين، ﴿واجعلني٣ من ورثة جنة النعيم﴾ الذين يرثونها بالإيمان والتقوى بعد فضلك عليهم ورحمتك بهم، ﴿واغفر لأبي إنه كان من الضالين﴾ أي الجاهلين بك وبمحابك ومكارهك فما عبدوك ولا تقربوا إليك. وكان هذا من إبراهيم قبل العلم بأن أباه عدو لله حيث سبق له ذلك أزلاً، إذ قد تبرأ منه بعد أن علم ذلك وقوله ﴿ولا تخزني﴾ أي لا تذلني ﴿يوم يبعثون﴾ أي من قبورهم للحساب والجزاء على أعمالهم ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون﴾ وهو يوم القيامة ﴿إلا من أتى الله بقلب٤ سليم﴾ أي لكن من أتى الله أي جاءه يوم القيامة وقلبه سليم من الشرك والنفاق فهذا ينفعه عمله الصالح لخلوه مما يحبطه وهو الشرك والكفر الظاهر والباطن وقوله تعالى ﴿وأزلفت الجنة﴾ أي قربت وأدنيت للمتقين الله ربهم فلم يشركوا به في عبادته ولم يجاهروا بمعاصيه، ﴿وبرزت الجحيم٥﴾ أي أظهرت وارتفعت ﴿للغاوين﴾ أي أهل الغواية والضلالة في الدنيا من المشركين والمسرفين في الإجرام والشر والفساد ﴿وقيل لهم﴾ أي سئلوا في عرصات القيامة ﴿أين ما كنتم تعبدون من دون الله﴾ ؟ أروناهم ﴿هل ينصرونكم﴾ مما أنتم فيه
١ وفي أعالي الدرجات.
٢ وقد استجاب الله تعالى له حيث اجتمع أهل الأديان على الثناء عليه والانتساب إلى ملته وإن كانوا مبطلين لما خالطهم من الشرك وها هي ذي أمة الإسلام لا تُصلي صلاة إلاّ وتصلي عليه وعلى آله فهذا ذكر حسن خالد وثناء عطر باق قال مالك: لا بأس أن يحب المرء أن يثني عليه صالحاً ويُرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه الله تعالى لهذه الآية وغيرها نحو: ﴿سيجعل لهم الرحمن وداً﴾ ﴿وألقيت عليك محبة مني﴾.
٣ في هذا ردّ على من زعم أنه لا يسأل الله جنة ولا يستجيره من النار.
٤ السليم من الشك والشرك وأمراض الكبر والحسد والعجب والغل ولأنه إذا سلم القلب سلمت الجوارح لحديث: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" من الصحيح.
٥ أي: تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن كما يستشعر أهل الجنة المسرة والفرح قبل دخولها. إذ الجنة تزلف والجحيم تبرز، وهذا في عرصات القيامة.
658
فيدفعون عنكم العذاب، ﴿أو ينتصرون﴾ لأنفسهم فيدفعون عنها العذاب إن كانوا من أهل النار لأنهم رضوا بأن يعبدوا ودعوا الناس إلى عبادتهم كالشياطين والمجرمين من الإنس والجن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١-بيان أن الجنة تورث ويذكر تعالى سبب إرثها وهو التقوى في قوله ﴿تلك الجنة١ لتي نورث من عبادنا من كان تقياً﴾
٢- مشروعية الاستغفار للوالدين إن ماتا على التوحيد.
٣- بطلان الانتفاع يوم القيامة بغير الإيمان والعمل الصالح بعد فضل الله ورحمته.
٤- الترغيب في التقوى والتحذير من الغواية.
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨) وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
شرح الكلمات
فكبكبوا فيها: أي ألقوا على وجوههم في جهنم ودحرجوا فيها حتى انتهوا إلى قعرها.
والغاوون: جمع غاوٍ وهو الفاسد القلب المدنس الروح من الشرك والمعاصي.
وجنود إبليس: أي أتباعه وأنصاره وأعوانه من الإنس والجن.
١ لآية من سورة مريم عليها السلام.
659
إذ نسويكم برب العالمين: أي في العبادة فعبدناكم كما يعبد الله جل جلاله.
ولا صديق حميم: أي يهمه أمرنا وتنفعنا صداقته نحتمى به من أن نعذب.
فلو أن لنا كرة: أي رجعة إلى الدنيا لنؤمن ونوحد ونعبد ربنا بما شرع لنا.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿فكبكبوا﴾ ١ ب عد ذلك الاستفهام التوبيخي التقريعي الذي تقدم في قوله تعالى ﴿وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون﴾ ؟ وفشلوا في الجواب ولم يجيدوه إذ هو غير ممكن فأخبر تعالى عنهم بأنهم كبكبوا في جهنم - أي كبوا على وجوههم ودحرجوا فيها هم والغاوون جمع غاوٍ أي فاسد العقيدة والعمل وجنود إبليس أجمعون من أتباع الشيطان وأعوانه من دعاة الشرك والمعاصي والجريمة في الأرض من الإنس والجن قوله تعالى ﴿قالوا وهم٢ فيها يختصمون﴾ أي وهم في جهنم يختصمون كل واحد يحمل الثاني التبعة والمسؤولية فقال المشركون لمن أشركوا بهم ﴿تالله إن كنا لفي ضلال مبين﴾ أي ظاهر بين لا يختلف فيه، وذلك ﴿إذ نسويكم برب العالمين﴾ عز وجل فنعبدكم معه، ﴿وما أضلنا إلا المجرمون﴾ وهم دعاة الشرك والشر والضلال الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها، وأجرموا علينا فأفسدوا نفوسنا بالشرك والمعاصي، وقوله تعالى ﴿فما لنا من شافعين ولا صديق حميم﴾ هذا قولهم أيضاً قرروا فيه حقيقة أخرى وهي أنه ليس لهم في هذا اليوم من شافعين يشفعون لهم عند الله تعالى لا من الملائكة ولا من الإنس والجن إذ لا شفاعة تنفع من مات على الشرك والكفر، وقولهم ولا صديق حميم أي وليس لنا أي من صديق حميم تنفعنا صداقته وولايته.
وقالوا متمنين بعد اليأس من وجود شافعين ﴿فلو أنّ لنا كرة٤﴾ أي رجعة إلى دار الدنيا ﴿فنكون من المؤمنين﴾ فنؤمن ونوحد ونتبع الرسل. وهذا آخر ما أخبر تعالى به عنهم من كلامهم في
١ ﴿كبكبوا﴾ أي: كبوا فيها كباً بعد كب لأنّ كبكبوا مضاعف: كبوا بالتكرير نحو: كفكف الدمع أي: كفّه مرة بعد مرة.
٢ من الجائز أن يكون هذا من كلام إبراهيم إلاّ أن كونه من كلام الله تعالى موعظة لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى وقد استظهره ابن عطية رحمه الله تعالى وجملة ﴿وهم فيها يختصمون﴾ حالية، وجملة تالله الخ مقول القول.
(إذ) ظرفية وليست تعليلية أي: الوقت الذي كنا نسويكم برب العالمين، وهذا الكلام منهم كلام متندم حزن على ما فاته وصدر منه كقول أبي بكر وقد أمسك بلسانه وقال له: أنت أوردتني الموارد وكقوله: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شرّ تسلم.
٤ ﴿لو﴾ حرف تمن وأصلها: لو الشرطية لكنها تنوسي منها معنى الشرط إذ المراد: لو رجعنا إلى الدنيا لأمنا وعملنا صالحاً ولما لم يقصد تعليق الامتناع على الامتناع تمحضت لو للتمني.
660
جهنم
وقوله تعالى ﴿إن في١ ذلك﴾ أي المذكور من كبكبة المشركين والغاوين وجنود إبليس أجمعين في جهنم وخصومتهم فيها وما قالوا وتمنوه وحرمانهم من الشفاعة وخلودهم في النار ﴿لآية﴾ أي لعبرة لمن يعتبر بغيره، ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ ولم يكن أكثر قومك يا رسولنا مؤمنين وإلا لانتفعوا بهذه العبر فآمنوا ووحدوا وأسلموا ﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾ أي الغالب على أمره يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد الرحيم بعباده إن أنابوا إليه وأخلصوا العبادة له يكرمهم في جواره في جنات النعيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير أن دعاة الزنى والربا والخرافة والشركيات من الناس هم من جند إبليس.
٢- تقرير أن المجرمين هم الذين أفسدوا نفوسهم ونفوس غيرهم بدعوتهم إلى الضلال وحملهم على المعاصي.
٣- تقرير أن الشفاعة لن تكون لمن مات على الشرك والكفر.
٤- لا تنفع العبر والمواعظ والآيات في هداية قوم كتب الله أزلاً شقاءهم وعلم منهم أنهم لا يؤمنون فكتب ذلك عليهم.
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ (١١١) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤)
١ هذا تكرر ثالث لهذه الجملة تعداداً على المشركين وتسجيلاً لتصميمهم على الشرك والتكذيب بالنبوة والبعث.
661
شرح الكلمات:
كذبت قوم نوح المرسلين: قوم نوح الأمة التي بعث فيها، والمراد من المرسلين نوح عليه السلام
أخوهم نوح: أي في النسب.
ألا تتقون: أي اتقوا الله ربكم فلا تعصوه بالشرك والمعاصي.
رسول أمين: أي على مما أمرني ربي بإبلاغه إليكم.
من أجر: أي لا أسألكم على إبلاغ رسالة الله أجرة مقابل البلاغ.
أنؤمن لك واتبعك الأرذلون: أي كيف نتبعك على ما تدعونا إليه وقد اتبعك أراذل الناس أي سفلتهم وأهل الخسة فيهم.
إن حسابهم إلا على ربي: أي ما حسابهم إلا على ربي.
معنى الآيات:
هذه بداية قصص نوح عليه السلام فقال تعالى ﴿كذبت قوم نوح١﴾ أي بما جاءهم به نوح من الأمر بالتوحيد وترك الشرك ﴿إذ قال لهم أخوهم﴾ أي في النسب٢ ﴿نوح ألا تتقون﴾ أي عقاب الله وأنتم تشركون به، وتكذبون رسوله ﴿إني لكم رسول أمين﴾ على ما أبلغكم من وحي الله تعالى فاتقوا الله بترك الشرك وأطيعوني فيما أدعوكم إليه وآمركم به ﴿وما أسألكم عليه من أجر﴾ أي على البلاغ من أجر أتقاضاه منكم مقابل ما أبلغكم من رسالة ربكم. ﴿إن أجرى إلا على الله﴾ إذ هو الذي كلفني ﴿فاتقوا الله﴾ أي خافوا عقابه أن يحل بكم وأنتم تكفرون به وتكذبون برسوله وأطيعون فيما آمركم به وأنهاكم عنه. بعد هذا الذي أمرهم به وكرره عليهم من تقوى الله وطاعة لرسوله كان جوابهم ما أخبر به تعالى عنهم في قوله: ﴿قالوا أنؤمن لك﴾ أي أنصدقك ونتابعك على ما جئت به من الدين ﴿واتبعك الأرذلون٣﴾ أي سفلة الناس وأخساؤهم؟.
فأجابهم نوح بقوله ﴿وما علمي بما كانوا يعملون﴾ فيما يعملونه بعيدين عني من
١ ﴿كذبت قوم نوح﴾ أنّث الفعل إرادة جماعة قوم نوح ونظيره: ﴿قالت الأعراب﴾.
٢ وأخوّة مجانسة أو هو من باب قول العرب: يا أخا بني تميم: يريدون: يا واحداً منهم، قال الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهاناً
٣ جمع التكسير: ﴿أراذل﴾ والأنثى: الرذلى والجمع: الرُّذل، وجملة: ﴿واتبعك﴾ حالية، وفيها إضمار قد أي: وقد اتبعك.
662
الباطن أو الظاهر أنا لا أعلمه ولا أسأل عنه ولا أحاسب عليه، ﴿إن حسابهم١ إلا على ربي﴾ هو الذي يحاسبهم ويجزيهم لو تشعرون بهذه الحقيقة لما عبتموهم لي وحملتموني مسئولية عملهم ﴿وما أنا بطارد المؤمنين٢﴾ أي من حولي، ﴿إن أنا إلا نذير٣ مبين﴾ فلست بجبار ولا ذي سلطان فأطرد الناس وظيفتي أنى أنذر الناس عاقبة الكفر والمعاصي ليقلعوا عن ذلك فينجوا من عذاب الله ويسلموا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن من كذب رسولاً فكأنما كذب كل الرسل وذلك باعتبار أن دعوتهم واحدة وهي أن يُعْبَدَ الله وحده بما شرع للناس من عبادات تطهرهم وتزكيهم.
٢- إثبات أخوة النسب، ولا تعارض بينها وبين أخوة الدين.
٣- عدم جواز أخذ أجرة على دعوة الله تعالى. ووجوب إبلاغها مجانا.
٤- وجوب التقوى لله تعالى، وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٥- لا يجوز طرد الفقراء من مجالس العلم ليجلس مجالسهم الأغنياء وأهل الجاه.
إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (١١٥) قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢)
١ قيل لسفيان: إنّ امرأة زنت وقتلت ولدها وهي مسلمة هل يقطع لها بالنار؟ فقال: "إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون}.
٢ ظاهر الكلام أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء من المؤمنين كما فعلت قريش.
٣ جملة: ﴿إن أنا إلا نذير﴾ استئناف في معنى التعليل لعدم طردهم والقصر في الجملة إضافي قصر موصوف على صفة.
663
شرح الكلمات:
لئن لم تنته: أي عن دعِِوتنا إلى ترك آلهتنا وعبادة إلهك وحده.
من المرجومين: أي المقتولين رجماً بالحجارة.
فافتح بيني وبينهم فتحاً: أي أحكم بيني وبينهم حكماً بأن تهلكهم وتنجيني ومن معي من المؤمنين.
في الفلك المشحون١: أي المملوء بالركاب وأزواج المخلوقات الأخرى.
بعد الباقين: أي بعد إنجائنا نوحاً والمؤمنين بركوبهم في السفينة أغرقنا الكافرين إذ إغراقهم كان بعد نجاة المؤمنين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الدائر بين نوح وقومه إنه لما دعاهم إلى التوحيد وكرر عليهم الدعوة وأفحمهم في مواطن كثيرة وأعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد فقالوا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله ﴿قالوا لئن لم تنته يا نوح﴾ أي قسماً بآلهتنا لئن لم تنته يا نوح من تسفيهنا وسب آلهتنا ومطالبتنا بترك عبادتها ﴿لتكونن من المرجومين٢﴾ أي لنقتلنك رمياً بالحجارة. وهنا وبعد دعوة دامت ألف سنة إلا خمسين عاماً رفع نوح شكواه إلى الله قائلا: ﴿رب إن قومي٣ كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاًْ﴾ أي أحكم بيننا وافصل في قضية وجودنا مع بعضنا بعضا فأهلكهم ﴿ونجني ومن معي من المؤمنين﴾ قال تعالى ﴿فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون﴾ أي المملوء بأنواع الحيوانات ﴿ثم أغرقنا٤ بعد الباقين﴾ أي بعد إنجائنا نوحاً ومن معه من المؤمنين بأن ركبوا في الفلك وما زال الماء يرتفع النازل من السماء والنابع من الأرض حتى غرق كل من على الأرض والجبال ولم ينج أحد إلا نوح وأصحاب السفينة، قال تعالى ﴿إن في ذلك﴾ أي المذكور من الصراع الذي دار بين التوحيد والشرك وفي عاقبة التوحيد وهي نجاة أهله والشرك وهي دمار أهله ﴿لآية﴾ أي
١ الشحن: ملء السفينة بالناس والدواب وغيرهم ولم يقل: المشحونة بل قال. ﴿المشحون﴾ لأنه هنا واحد لا جمع.
٢ كل لفظ ﴿رجم﴾ في القران معناه القتل رمياً بالحجارة إلا قوله: ﴿لئن لم تنته لأرجمنك﴾ فإنه بمعنى لأسبنّك وأشتمنّك.
٣ هذه الجملة قالها تمهيداً للدعاء عليهم.
٤ ثم: للتراخي الرتبي في الإخبار لأن إغراق أمة كاملة أعظم دلالة على عظيم القدرة من إنجاء طائفة من الناس.
عبرة١. ولكن أهل مكة لم يعتبروا ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين٢﴾ لما سبق في علم الله تعالى من عدم إيمانهم إذاً فلا تحزن عليهم. ﴿وإن ربك﴾ أيها الرسول الكريم لهو لا غيره العزيز الغالب الرحيم بمن تاب من عباده فإنه لا يعذبه بل يرحمه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة أن الظلمة والطغاة إذا أعيتهم الحجج يلجأون إلى القوة.
٢- جواز الاستنصار بالله تعالى وطلب الفتح بين المظلوم والظالمين.
٣- سرعة استجابة الله تعالى لعبده نوح وذلك لصبره قروناً طويلة فلما انتهى صبره ورفع شكاته إلى ربه أجابه فوراً فأنجاه وأهلك أعداءه.
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١)
شرح الكلمات:
كذبت عاد: عاد اسم أبي القبيلة وسميت القبيلة به.
أخوهم هود: أخوهم في النسب.
فاتقوا الله: أي خافوا عقابه فلا تشركوا به شيئاً.
١ وجه العبرة أن الله تعالى أنجى الموحدين وأهلك المشركين بعد أن أبلغ نوح رسالته بصبر واحتساب لا نظير لهما إذ دعا وبلغ وأوذي وصبر وصابر ألف سنة إلا خمسين عاماً.
٢ سبق أن ذكرت أن المراد بمن أكثرهم لا يؤمنون هم أكابر مجرمي مكة وعلى رأسهم المستهزئون وهدا من إطلاق العام وإرادة الخاص لأن الذين آمنوا وأسلموا أكثر ممن ماتوا على الكفر أو نفي الإيمان مقيد بزمن معين لا يتعداه.
665
أتبنون بكل ريع: أي مكان عال مرتفع.
آية: أي قصراً مشيداً عالياً مرتفعاً.
تعبثون: أي ببنيانكم حيث تبنون مالا تسكنون.
وتتخذون مصانع: أي حصوناً منيعة وقصوراً رفيعة.
لعلكم تخلدون: أي كأنكم تأملون الخلود في الأرض وترجونه.
وإذا بطشتم: أي أخذتم أحداً سطوتم عليه بعنف وشدة.
جبارين: أي عتاة متسلطين.
معنى الآيات:
هذه بداية قصص هود عليه السلام يقول تعالى ﴿كذبت عاد١﴾ أي قبيلة عاد ﴿المرسلين﴾ أي رسول الله هوداً، ﴿إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون٢﴾ أي ألا تتقون عقاب الله بترككم الشرك والمعاصي بمعنى اتقوا الله ربكم فلا تشركوا به، وقوله ﴿إني لكم رسول أمين﴾ يخبرهم بأنه رسول الله إليهم يبلغهم عن الله أمر ونهيه وأنه أمين على ذلك فلا يزيد ولا ينقص فيما أمره ربه بإبلاغه إليهم، وعليه ﴿فاتقوا٣ الله وأطيعون﴾ أي بوصفي رسول الله إليكم فإن طاعتي واجبة عليكم حتى أبلغكم ما أرسلت به إليكم.
وقوله ﴿وما أسألكم عليه من أجر﴾ أي على إبلاغ رسالتي إليكم من أجر أي من أي أجر كان. ولو قل ﴿إن أجري﴾ أي ما أجري إلا على رب العالمين سبحانه وتعالى إذ هو الذي أرسلني وكلفني فهو الذي أرجو أن يثيبني على حمل رسالتي إليكم وإبلاغها إياكم. وعليه فاتقوا الله أي خافوا عقابه بترك الشرك به والمعاصي وأطيعوني بقبول ما أبلغكم به لتكملوا وتسعدوا.
وقوله: ﴿أتبنون بكل ريع٤ آية تعبثون﴾ ينكر هود على قومه إنهماكهم في الدنيا
١ جملة مستأنفة استئناف انتقال لعرض الأحداث التاريخية تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وموعظة وذكرى لغيره، وعاد بمعنى القبيلة فلذا أنّث الفعل معها، وكانت منازل عاد وديارهم ما بين عُمان وحضر موت شرقاً وغرباً ومتغلغلة في الشمال إلى الرمال وهي الأحقاف.
٢ الاستفهام معناه الأمر والحض على التقوى التي هي خوف من الله تعالى يحمل على الإيمان به وعبادته وترك عبادة ما سواه.
٣ الفاء: للتفريع فالجملة متفرعة عن جملة (إني لكم رسول أمين) أي: فينادى إني رسول أمين فاتبعوا ما أقول لكم ﴿واتقوا الله وأطيعون﴾ وحذفت الياء من، ﴿فاتقون﴾ مراعاة لرؤوس الآي.
٤ الرّيع: المكان المرتفع أو الطريق الفج بين الجبيلين، والآية العلامة: الدالة على الطريق والمراد: بناء عالٍ هو آية في الفنّ المعماري.
666
وانشغالهم بما لا يعني وإعراضهم عما يعنيهم فيقول لهم كالمنكر عليهم أتبنون بكل ريع أي مكان عال مرتفع آية أي قصراً مشيداً آية في ارتفاعه وعلوه. تعبثون حيث لا تسكنون فيما تبنون فهو لمجرد اللهو والعبث وقوله ﴿وتتخذون مصانع﴾ وهي مبان عالية كالحصون أو خزانات الماء أو الحصون ﴿لعلكم تخلدون١﴾ أي كيما تخلدون، وما أنتم بخالدين، وإنما مقامكم فيها قليل. وقوله ﴿وإذا بطشتم٢ بطشتم جبارين﴾ أي إذا سطوتم على أحد تسطون عليه سطو العتاة الجبارين فتأخذون بعنف٣ وشدة بلا رحمة ولا رفق ﴿فاتقوا الله﴾ يا قوم فخافوا عقابه وأليم عذابه، ﴿وأطيعون﴾ فيما أدعوكم إليه وأبلغكموه عن ربي فإن ذلك خير لكم من الإعراض والتمادي في الباطل.
هداية الآيات
من هداية الآيات
١- الأمر بالتقوى من النصح للمأمور بها، لأن النجاة والفوز لا يتمان للعبد إلا عليها.
٢- الرسل أمناء على ما يحملون وما يبلغون الناس.
٣-حرمة أخذ الأجرة على بيان الشرع والدعوة إلى ذلك.
٤- ينبغي للعبد أن لا يسرف فيبني مالا يسكن ويد خرما لا يأكل.
٥- استنكار العنف والشدة في الأخذ وعند المؤاخذة.
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ (١٣٧) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)
١ في الجمل الثلاثة تبنون وتتخدرون ولعلكم تلخدون توبيخ لهم على هذا السلوك وإنكار عليهم.
٢ البطش: السطوة والأخذ بعنف، والجبار: القتال في غير حق والمتسلط العاتي.
٣ ويدل على قوتهم وشدّتهم قولهم: ﴿من أشدّ منا قوة﴾ من سورة فصّلت وكان العرب ينسبون الشيء القوي إلى عاد فيقولون: هذا عادي.
667
شرح الكلمات:
أمدكم: أي أعطاكم منعماً عليكم.
بأنعام: هي الإبل والبقر والغنم.
عذاب يوم عظيم: هو يوم هلاكهم في الدنيا ويوم بعثهم يوم القيامة.
س واء علينا: أي مستوٍ عندنا وعظك وعدمه فأنا لا نطيعك.
إن هذا إلا خلق الأولين١: أي ما هذا الذي تعظنا فيه من البناء وغيره إلا دأب وعادة الأولين فنحن على طريقتهم، وما نحن بمعذبين.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحوار الذي دار بين نبي الله هود عليه السلام وبين قومه المشركين إذ أمرهم بالتقوى وبطاعته وأمرهم أيضاً بتقوى الله الذي أمدهم أي أنعم عليهم بما يعلمونه من أنواع النعم فإن طاعة المنعم شكر له على إنعامه ومعصيته كفر لإنعامه فقال ﴿واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون٢﴾ وبين ذلك بقوله ﴿أمدكم بأنعام﴾ أي مواشي من إبل وبقر وغنم ﴿وبنين﴾ أي أولاد ذكور وإناث وجنات أي بساتين ﴿وعيون﴾ لسقيها وسقيكم وتطهيركم٣، ثم قال لهم في إشفاق عليهم ﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم﴾ إن أنتم أصررتم على الشرك والمعاصي وقد يكون عذاباً في الدنيا وعذاباً في الآخرة، وقد عذبوا في الدنيا بإهلاكهم ويعذبون في الآخرة لأنهم ماتوا كفاراً مشركين عصا ة مجرمين، كان هذا ما وعظهم به نبيهم هود عليه السلام، وكان ردهم على وعظه ما أخبر تعالى به في قوله ﴿قالوا سواء علينا أو عظمت أم لم تكن من الواعظين﴾ أي مستوٍ عندنا وعظك أي تخويفك وتذكيرك وعدمه فما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين وقالوا ﴿إن هذا﴾ الذي نحن عليه من البناء والإشادة وعبادة آلهتنا ﴿إلا خلق الأولين٤﴾ أي دأب وعادة من سبقنا من الناس، وما نحن بمعذبين عليه قال تعالى مخبراً عن نتيجة ذلك
١ قرأ الجمهور (خُلق) بضم كل من الخاء واللام وهو بمعنى السجية المتمكنة في النفس الباعثة على عمل ما يناسبها ويقال له: القوى النفسية وقراً غير الجمهور (خَلق) بفتح الخاء وسكون اللام وهر بمعنى الاختلاق والكذب أي: ما تقوله لنا إنما هو كذب واختلاق.
٢ أي: من الخيرات ثم فسرها بقوله: ﴿أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون﴾.
٣ فهو الذي يحب أن يعبد فيذكر ويُشكر ولا يكفر.
٤ اختلف في تحديد معنى قولهم: ﴿إن هذا إلا خلق الأولين﴾ بفتح الخاء وإسكان اللام أي: اختلاقهم وكذبهم ومن قرأ (خُلُق) بضم الخاء واللام معناه عاداتهم لأن الخلق يطلق على الدين والطبع والمروءة، وما في التفسير أولى بتوجيه الآية.
668
الحوار وتلك الدعوة التي قام بها نبي الله هود ﴿فكذبوه﴾ أي كذبوا هوداً فيما جاءهم به ودعاهم إليه وحذرهم منه، ﴿فأهلكناهم١﴾ أي بتكذيبهم وإعراضهم ﴿إن في ذلك﴾ الإهلاك للمكذبين عبرة لقومك يا محمد لو كانوا يعتبرون ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ لما سبق في علم الله من عدم إيمانهم فلذا لم تنفعهم المواعظ والعبر، وإن ربك لهو العزيز الرحيم فقد أخذ الجبابرة العتاة فأنزل بهم نقمته وأذاقهم مر عذابه، ورحم أولياءه فأنجاهم وأهلك أعداءهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تنويع أسلوب الدعوة وتذكير الجاحدين بما هو محسوس لديهم مرأي لهم.
٢- التخويف من عذاب الله والتحذير من عاقبة عصيانه من أساليب الدعوة.
٣- بيان سنة الناس في التقليد وإتباع آبائهم وإن كانوا ضلالاً جاهلين.
٤- تقرير التوحيد والنبوة والبعث إذ هو المقصود من هذا القصص.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢)
١ أي: بريح صرصر سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما. (من سورة الحاقة).
669
شرح الكلمات:
كذبت ثمود المرسلين: أي كذبت قبيلة ثمود نبيّها صالحاً.
فيما هاهنا آمنين: أي من الخيرات والنعم غير خائفين من أحد.
طلعها هضيم: أي طلع النخلة لين ناعم ما دام في كُفرَّاه أي غطاؤه الذي عليه.
وتنحتون من الجبال بيوتاً: أي تنجرون بآلات النحت الصخور في الجبل وتتخذون منها بيوتاً.
فرهين: أي حذقين من جهة وبطرين متكبرين مغترين بصنيعكم من جهة أخرى.
وأطيعون: أي فيما أمرتكم به.
المسرفين: أي في الشر والفساد بالكفر والعناد.
الذين يفسدون في الأرض: أي بارتكاب الذنوب العظام فيها.
ولا يصلحون فيها: أي بفعل الطاعات والقربات.
معنى الآيات:
هذا بداية قصص نبي الله صالح عليه السلام قال تعالى ﴿كذبت١ ثمود المرسلين﴾ أي جحدت قبيلة ثمود ما جاءها به رسولها صالح، ﴿إذ قال لهم أخوهم﴾ في النسب لا في الدين إذ هو مؤمن وهم كافرون ﴿ألا تتقون٢﴾ أي يحضهم على التقوى ويأمرهم بها لأن فيها نجاتهم والمراد من التقوى اتقاء عذاب الله بالإيمان به وتوحيده وطاعته وطاعة رسوله
وقوله ﴿إني لكم رسول أمين﴾ يعلمهم بأنه مرسل من قبل الله تعالى إليهم أمين على رسالة الله وما تحمله من العلم والبيان والهدى إليهم. ﴿فاتقوا الله وأطيعون﴾ كرر الأمر بالتقوى وبطاعته إذ هما معظم رسالته ومَتَى حقّقها المرسل إليهم اهتدوا وأفلحوا ﴿وما أسألكم عليه من أجر﴾ أبعد تهمة المادة لما قد يقال أنه يريد مالاً فأخبرهم في صراحة أنه لا يطلب على إبلاغهم دعوة ربهم أجراً من أحد إلا من الله رب العالمين إذ هو الذي يثيب ويجزي العاملين له وفي دائرة طاعته وقوله فيما أخبر تعالى به عنه ﴿أتتركون٣ فيما ههنا﴾ بين
١ ثمود: أمّة تسكن بالحجر شمال الحجاز، وتعرف اليوم بمدائن صالح والمراد من المرسلين: نبي الله صالح عليه السلام، وتكذيبها به معتبر تكذيبا لكل الرسل، لأن دعوة الرسل واحدة.
٢ الاستفهام للإنكار أي: ينكر عليهم عدم تقواهم ويحضهم عليها.
٣ الاستفهام إنكاري توبيخي وفيه حضهم على الشكر إذ ما هم فيه من النعمة يقتضي ذلك.
670
أيديكم من الخيرات ﴿آمنين﴾ غير خائفين، وبين ما أشار إليه بقوله فيما ها هنا فقال ﴿في جنات﴾ أي بساتين ومزارع بمدائنهم وهي إلى الآن قائمة ﴿وعيون وزروع، ونخل طلعها١ هضيم﴾ أي لين ناعم ما دام في كفراه أي غلافه ﴿وتنحتون من الجبال بيوتاً﴾ لما خولكم الله من قوة ومعرفة بفن النحت حتى أصبحتم تتخذون من الجبال الصم بيوتاً تسكنونها شتاء فتقيكم البرد. وقوله ﴿فرهين﴾ هذا حال من قوله ﴿وتنحتون من الجبال﴾ ومعنى ﴿فرهين٢﴾ حذقين فن النحت وبطرين متكبرين مغترين بقوتكم وصناعتكم، إذاً ﴿فاتقوا الله﴾ يا قوم بترك الشرك والمعاصي ﴿وأطيعون﴾ فيما آمركم به وأنهاكم عنه وأدعوكم إليه ﴿ولا تطيعوا أمر المسرفين٣﴾ أي على أنفسهم بارتكاب الكبائر وغشيان الذنوب. ﴿الذين يفسدون في الأرض﴾ أي بمعاصي الله ورسوله فيها ﴿ولا يصلحون﴾ أي جمعوا بين الفساد والإفساد، وترك الصلاح والإصلاح.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- دعوة الرسل واحدة ولذا التكذيب برسول يعتبر تكذيباً بكل الرسل.
٢- الأمانة شعار كل الرسل والدعاة الصادقين الصالحين في كل الأمم والعصور.
٣- مشروعية التذكير بالنعم ليذكر المنعم فيُحب ويطاع.
٤- التحذير من طاعة المسرفين في الذنوب والمعاصي لوخامة عاقبة طاعتهم.
٥- تقرير أن الفساد في الأرض يكون بارتكاب المعاصي فيها.
١ الطلع: وعاء كنصل السيف بباطنه شماريخ القنو ويسمى هذا الطلع بالكم بكسر الكاف ويقال له: الطلع لأنه يطلع من قلب النخلة وبعد أيام من طلوعه ينفلق من نفسه ويؤبر وبعد قليل يصبح بلحاً فبُسراً فُرطباً فتمراً وذكر النخل يقال له: فحال بضم الفاء وتشديد الحاء مفتوحة والجمع فحاحيل.
٢ ﴿فرهين﴾ قراءة الجمهور، وقرىء ﴿فارهين﴾ مشتق من الفراهة التي هي الحذق والكياسة أي: عارفين حذقين بنحت البهوت من الجبال.
٣ يريد رؤساءهم في الضلالة ممن يحثونهم على الشرك والفساد في البلاد بارتكاب الذنوب والآثام.
671
قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) مَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩)
شرح الكلمات:
إنما أنت من المسحرين: الذين سحروا وبُولغ في سحرهم حتى غلب عقولهم.
فأت بآية إن كنت من الصادقين: إن كنت من الصادقين في أنك رسول فأتنا بآية تدل على ذلك.
لها شرب ولكم شرب يوم معلوم: أي لها يوم تشرب فيه من العين ولكم يوم آخر معلوم.
فعقروها فأصبحوا نادمين: أي فلم يؤمنوا فقتلوها فأصبحوا نادمين لما شاهدوا العذاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الذي دار بين صالح عليه السلام وقومه ثمود فلما ذكرهم ووعظهم ردوا عليه بما أخبر تعالى عنهم في قوله ﴿قالوا إنما أنت من المسحرين١﴾ أي الذين سحروا وبُولغ في سحرهم حتى غلب على عقولهم فهم لا يعرفون ما يقولون ﴿ما أنت إلا بشر مثلنا﴾ تأكل الطعام وتشرب الشراب فلا أنت رب ولا ملك فنخضع لك
١ وقيل: ﴿من المسحرين﴾ أي: من المعللين بالطعام والشراب مأخوذ من السحر وهو: الرئة يعنون أنه بشر له رئة يأكل ويشرب كسائر الناس فلا يفضلهم وشاهده قول الشاعر:
أرانا موضعين لأمر غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب
موضعين مسرعين إلى الموت وما فلي التفسير أولى وأظهر.
672
ونطيعك ﴿فأت بآية﴾ ١ علامة قوية ودلالة صادقة تدل على أنك رسول الله حقاً وأنت من الرسل الصادقين، فأجابهم صالح بما أخبر تعالى به عنه في قوله: ﴿قال هذه ناقة﴾ أي عظيمة الخلقة سأل ربه آية فأعطاه هذه الناقة فما زال قائماً يصلي ويدعو وهم يشاهدون حتى أنفلق الجبل وخرجت منه هذه الناقة الآية العظيمة فقال ﴿هذه ناقة لها شرب٢﴾ أي حظ ونصيب من ماء البلد تشربه وحدها لا يرد معها أحد ولكم أنتم شرب يوم معلوم لكم تردونه وحدكم. ﴿ولا تمسوها بسوء﴾ وحذرهم أن يمسوها بسوء لا بضرب ولا بقتل ولا بمنع من شرب، فإنه يأخذكم عذاب يوم عظيم قال تعالى ﴿فعقروها﴾ أي فكذبوه وعصوه وعقروها بأن ضربوها في يديها ورجلها فبركت وقتلوها. فلما عقروها قال لهم صالح ﴿تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب﴾ فأصبحوا بذلك نادمين٣ ففي صبيحة اليوم الثالث أخذتهم الصيحة مع شروق الشمس فاهلكوا أجمعين ونجى الله تعالى صالحاً ومن معه من المؤمنين ﴿إن في ذلك لآية﴾ أي علامة كبرى على قدرة الله تعالى وعلمه وأنه واجب الألوهية ﴿وما كان أكثرهم٤ مؤمنين﴾ ٥ مع وضوح الأدلة لأنه لم يسبق لهم إيمان في قضاء الله وقدره ﴿وإن ربك﴾ أيها الرسول لهو وحده العزيز الغالب الذي لا يغالب الرحيم بأوليائه وصالحي عباده.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير أن السحر من عمل الناس وأنه معلوم لهم معمول به منذ القدم.
٢- سنة الناس في المطالبة بالآيات عند دعوتهم إلى الدين الحق.
٣- وجود الآيات لا يستلزم بالضرورة إيمان المطالبين بل أكثرهم لا يؤمنون.
٤- الندم من التوبة ولكن لا ينفع ندم ولا توبة عند معاينة العذاب أو أماراته.
١ قال ابن عباس رضي الله عنهما قالوا. إن كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء فتضع ونحن ننُظر وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبناً فدعا وفعل الله ذلك. فقال، ﴿هذه ناقة... ﴾ الخ.
٢ الشرب بكسر الشين وسكون الراء: النوبة في الماء للناقة يوماً تشرب فيه لا يزاحمونها فيه بأنعامهم وأنفسهم.
٣ إن قيل: لم ما ينفع الندم وهو توبة فالجواب التوبة تنفع قبل ظهور علامات الموت والعذاب أما بعد ظهور ذلك فلا توبة تقبل وفي الحديث: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
٤ كان: مزيدة لتقوية الكلام، والعبارة جائز أن يراد بها قوم صالح إذ لم يؤمن منهم إلا القليل، وأن يراد بها كفار مكة إذ أكثر المكابرين ما آمن ومات كافراً أو ما آمن في تلك الفترة ثم آمن بعد الفتح.
٥ قيل: ما آمن معه إلاّ ألفان وثمانمائة رجل وامرأة وأن قومه كانوا اثني عشر ألف قبيل كل قبيل نحو: اثنى عشر ألفاً من سوى النساء والذرية وكان قوم عاد مثلهم ثلاث مرات. ذكر هذا القرطبي في تفسيره ولم يعزه لأحد.
673
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (١٦٦)
شرح الكلمات
قوم لوط: هم سكان مدن سدوم وعمورية وقرى أخرى ولوط هو نبي الله لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم.
أخوهم لوط: هذه أخوة بلد١ وسكنى لا أخوة نسب ولا دين.
إني لكم رسول أمين: أي إني مرسل إليكم لا إلى غيركم أمين في إبلاغكم رسالتي فلا أنقص ولا أزيد.
فاتقوا الله: بالإيمان به وعبادته وحده وترك معاصيه.
وما أسألكم عليه: أي على البلاغ من أجرة مقابل إرشادكم وتعليمكم.
أتأتون الذكران من العالمين: أي أتأتون الفاحشة من الرجال وتتركون النساء.
بل أنتم قوم عادون: أي معتدون ظالمون متجاوزون الحد في الإسراف في الشر.
معنى الآيات:
هذه بداية قصص لوط مع قومه أصحاب المؤتفكات قال تعالى ﴿كذبت قوم لوط المرسلين﴾ أي كذبوا لوطاً الرسول وتكذيبه يعتبر تكذيباً لكافة الرسل لأن دعوة الله واحدة كذبوه لما دعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده وترك الفواحش والظلم والشر والفساد إذ قال لهم أخوهم لوط هذه أخوة الوطن لا غير إذ لوط بابلي الموطن ودينه الإسلام وأبوه هاران
١ أي: أخوة مواطنة كما يقال اليوم.
674
أخو إبراهيم عليه السلام، وإنما لما أرسل لوط إلى أهل هذه البلاد وسكن معهم قيل لهم أخوهم بحكم المعاشرة والمواطنة الحاصلة ﴿ألا تتقون١﴾ يأمرهم بتقوى الله ويحضهم عليها لأنهم قائمون على عظائم الذنوب فخاف عليهم الهلاك فدعاهم إلى أسباب النجاة وهي تقوى الله تعالى بطاعته وترك معاصيه. وقال لهم ﴿إني لكم رسول أمين٢﴾ فلا تشكوا في رسالتي وأطيعون، وإني غير سائلكم أجراً على تبليغ رسالتي إليكم إن أجري آخذه من رب العالمين الذي حملني هذه الرسالة وأمرني بإبلاغكم إياها وهنا أنكر عليهم أعظم منكر فقال موبخاً مقرعاً ﴿أتأتون٣ الذكران من العالمين﴾ فترتكبون الفاحشة معهم ﴿وتذرون﴾ أي تتركون ما خلق الله لكم من أزواجكم ﴿بل أنتم قوم عادون٤﴾ أي متجاوزون الحدود٥ التي رسمها الشرع والعقل والآدمية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- جواز إطلاق أخوة الوطن دون الدين والنسب.
٢- الأمانة من مستلزمات الرسالة، إذ كل رسول يقول ﴿إني لكم رسول أمين﴾.
٣- سبيل نجاة الفرد والجماعة في تقوى الله تعالى وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- وجوب إنكار المنكر وتقبيحه على فاعله لعله يرعوي.
٥- أكبر فاحشة وقعت في الأرض هي فاحشة اللواط. والعياذ بالله تعالى.
قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠)
١ الاستفهام للحض على التقوى وهو متضمن الإنكار والتوبيخ.
٢ جملة: ﴿إني لكم رسول أمين﴾ تعليلية لأمره إيّاهم بالتقوى والطاعة.
٣ الاستفهام للإنكار والتوبيخ إذ كانوا يعملون الفاحشة مع الغرباء إذا نزلوا ديارهم بصورة عامة ومع بعضهم بعضاً بصورة خاصة.
٤ بل: للانتقال من الوعظ إلى التنديد وتسجيل أكبر العدوان عليهم إذ الجملة الاسمية ﴿أنتم قوم عادون﴾ مبالغة في تحقيق نسبة العدوان إليهم وفي الإخبار بالجملة: ﴿قوم عادون﴾ إعلام بأن العدوان أصبح سجية فيهم وطبعاً لهم.
٥ العادى: من تجاوز حد الحق إلى الباطل، والحلال إلى الحرام، فالقوم فد أحلّ الله لهم فروج نسائهم بالنكاح الشرعي وحرم عليهم إتيان الرجال في أدبارهم فتجاوزوا الحلال إلى الحرام فكانوا بذلك عادين.
675
إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥)
شرح الكلمات:
لئن لم تنته: أي عن إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة.
من المخرجين: أي من بلادنا وطردك من ديارنا.
لعملكم من القالين: أي المبغضين له البغض الشديد.
رب نجني وأهلي مما يعملون: أي من عقوبة وعذاب ما يعملونه من الفواحش.
فنجيناه وأهله: أي نجينا لوطاً الذي دعانا وأهله وهم امرأته المؤمنة وابنتاه.
إلا عجوزاً في الغابرين: أي فإنا لم ننجها إذ حكمنا بإهلاكها مع الظالمين فتركناها معهم حتى هلكت بينهم لأنها كانت كافرة وراضية بعمل القوم.
وأمطرنا عليهم مطراً: أي أنزل عليهم حجارة من السماء فأمطروا بها بعد قلب البلاد عاليها سافلها.
فساء مطر المنذرين: أي فقبح مطر المنذرين ولم يمتثلوا فما كفوا عن الشر والفساد.
معنى الآيات:
ما زال السياق فيما دار بين نبي الله لوط وقومه المجرمين فإنه لما ذكرهم ووعظهم وأمرهم ونهاهم وسمعوا ذلك كله منه أجابوا بما أخبر تعالى به عنهم ﴿قالوا لئن١ لم تنته يا لوط﴾ أي عن إنكارك علينا ما نأتيه من الفاحشة ﴿لتكونن من المخرجين﴾ أي نخرجك من بلادنا ونطردك من بيننا ولا تبقى ساعة واحدة عندنا إنتبه يا رجل،. فأجابهم لوط
١ في الجملة إقسام دلّت عليه اللام وشك أنهم يحلفون بآلهتهم الباطلة والجملة متضمنة تهديداً وإيعاداً بالإبعاد والإخراج من البلد.
676
الرسول عليه السلام بقوله ﴿إني لعملكم من القالين١﴾ أي إني لعملكم الفاحشة من المبغضين أشد البغض، ثم التفت إلى ربه داعياً ضارعاً فقال ﴿رب نجني وأهلي مما يعملون﴾ وهذا بعد أن أقام يدعوهم ويتحمل سنين عديدة فلم يجد بداً من الفزع إلى ربه ليخلصه منهم فقال ﴿ربي نجني، وأهلي﴾ من عقوبة وعذاب ما يعملونه من إتيان الفاحشة من العالمين قال تعالى ﴿فنجيناه وأهله﴾ وهم امرأته المسلمة وابنتاه المسلمتان طبعاً إلا عجوزاً وهي امرأته الكافرة المتواطئة مع الظلمة الراضية بالفعلة الشنعاء كانت في جملة الغابرين٢ أي المتروكين بعد خروج لوط من البلاد لتهلك مع الهالكين قال تعالى ﴿ثم دمرنا الآخرين﴾ أي بعد أن أنجينا لوطاً وأهله أجمعين باستثناء العجوز الكافرة دمرنا أي أهلكنا الآخرين ﴿وأمطر عليهم مطراً فساء مطر المنذرين﴾ إنه بعد قلب البلاد سافلها على عاليها أمطر عليهم مطر حجارة من السماء لتصيب من كان خارج المدن المأفوكة المقلوبة.
قوله تعالى ﴿إن في ذلك لآية﴾ أي في هذا الذي ذكرنا من إهلاك المكذبين والمسرفين الظالمين آية وعلامة كبرى لمن يسمع ويرى ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين٣﴾ لما سبق في علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون فسبحان الله العظيم. وقوله ﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾ وإن ربك يا رسولنا هو لا غيره العزيز الغالب القاهر لكل الظلمة والمسرفين الرحيم بأوليائه وعباده المؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التهديد بالنفي سنة بشرية قديمة.
١ القلى: البغض يقال: قليته أقليه قلى وقلاءً قال الشاعر:
عليك السلام لا مللت قريبة
ومالك عندي أن نأيت قلاء
أي قلى.
٢ فعل (غُبر) يطلق على البقاء والذهاب كالجون: يطلق على الأبيض والأسود قال الشاعر:
فما وني محمد منذ أن غفر
له الإله ما مضى وما غبر
أي: ما بقي.
والأغبار: بقيات الألبان. قال الشاعر:
لا تكسع السول بأغبارها
إنك لا تدري من الناتج
يقال كسع الناقة: ترك في ضرعها بقية من اللبن، وبعده البيت التالي:
واحلب لأضيافك ألبانها
فإن شر اللبن الوالج
٣ إذ لم يؤمن إلا إحدى نسائه وابنتاه.
677
٢- وجوب بغض الشر والفساد في أي صورة من صورهما.
٣- استجابة دعوة المظلوم لاسيما إن كان من الصالحين.
٤- توقع العذاب إذا انتشر الشر وعظم الظلم والفساد.
٥- الآيات مهما كانت عظيمة لا تستلزم الإيمان والطاعة.
٦- من لم يسبق له الإيمان لا يؤمن ولو جلب عليه كل آية.
٧- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته.
كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ (١٨٤)
شرح الكلمات:
أصحاب الأيكة: أي الغيضة وهي الشجر الملتف.
إذ قال لهم شعيب: النبي المرسل شعيب عليه السلام.
أوفوا الكيل: أي أتموه.
ولا تكونوا من المخسرين: الذين ينقصون الكيل والوزن.
بالقسطاس المستقيم: أي الميزان السوي المعتدل.
ولا تبخسوا الناس أشياءهم: أي لا تنقصوهم من حقوقهم شيئاً.
ولا تعثوا في الأرض مفسدين: أي بالقتل والسلب والنهب.
والجبلة الأولين: أي والخليقة أي الناس من قبلكم.
678
معنى الآيات:
هذه بداية قصص شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة والأيكة الشجر الملتف كشجر الدوم وهذه الغيضة قريبة من مدينة مدين وشعيب أرسل لهما معاً وفي سورة هود ﴿وإلى مدين أخاهم شعيباً﴾ لأنه منهم ومن مدينتهم فقيل له أخوهم، وأما أصحاب الأيكة جماعة من بادية مدين كانت لهم أيكة من الشجر يعبدونها تحت أي عنوان كعبدة الأشجار والأحجار في كل زمان ومكان، فبعث الله تعالى إليهم شعيباً فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه وهو قوله تعالى ﴿كذب أصحاب١ الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب٢ ألا تتقون٣﴾ أي اتقوا الله وخافوا عقابه ﴿إني لكم رسول أمين﴾ فاتقوا الله بعبادته وترك عبادة ما سواه وأطيعون أهدكم إلى ما فيه كمالكم وسعادتكم ﴿وما أسألكم عليه﴾ أي على بلاغ رسالة ربي إليكم أجراً أي جزاء وأجرة ﴿إن أجري﴾ أي ما أجري إلا على رب العالمين. وأمرهم بترك أشهر معصية كانت شائعة بينهم وهي تطفيف الكيل والوزن فقال لهم ﴿أوفوا الكيل﴾ أي أتموها ولا تنقصوها ﴿ولا تكونوا من المخسرين﴾ أي الذين ينقصون الكيل والوزن ﴿وزنوا﴾ أي إذا وزنتم ﴿بالقسطاس المستقيم﴾ أي بالميزان العادل، ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم٤﴾ أي لا تنقصوهم من حقوقهم شيئاً فما يساوي ديناراً لا تعطوا فيه نصف دينار وما يساوي عشرة لا تأخذوه بخمسة مثلاً ومن أجرته اليومية عشرون لا تعطوه عشرة مثلاً، ﴿ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ أي ولا تفسدوا في البلاد بأي نوع من الفساد كالقتل والسلب ومنع الحقوق وارتكاب المعاصي والذنوب ﴿واتقوا الذي خلقكم﴾ أي الله فخافوا عقابه ﴿والجبلة٥ الأولين﴾ أي وخلق الخليقة من قبلكم
١ الأيكة وليكة بمعنى واحد كمكة وبكة، وقيل: الأيكة: الشجر الملتف أي الغليظة وليكة: وهي قراءة نافع. اسم للبلدة ومنعها من الصرف ومن قرأ الأيكة صرفها، والراجح أنها بمعنى واحد، وعدم الصرف لانعدام ال لا غير.
٢ لم يقل: أخاهم شعيباً: لأنه لا قرابة بينهم بخلاف أهل مدين فهو من أهلها فلذا قال تعالى: ﴿وإلى مدين أخاهم شعيباً﴾ وأصحاب الأيكة أي بادية وهي الشجر الملتف فلذا يقال له الغيضة وكان من شجر الدوم وهو المقل والسدر وثماره النبق.
٣ الاستفهام للحض على التقوى والإنكار عليهم عبادة غير الله تعالى. وجملة ﴿إني لكم رسول أمين﴾ تعليلية لأمره إياهم بالتقوى وفي ﴿لكم﴾ إشارة إلى أن رسالته إليهم عارضة وكانت بعد رسالته إلى أهل مدين، فلعلهم أنكروا أن يكون أرسل إليهم فلذا قال: ﴿إني لكم رسول أمين﴾ وفي آية الحجر قال تعالى ﴿وإنهما لبإمام مبين﴾ والتثنية في إنهما إشارة إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين، ولما جاء العذاب أخذ الكل لأن ذنبهم واحد وقرب المنازل والديار.
٤ الظاهر من السياق أن ذنب أصحاب الأيكة وأهل مدين كان واحدا الشرك والتطفيف والبخس للناس فلذا أدمج خطابهم فصاروا فيه أمة واحدة.
٥ الجبلة: الخلقة وأريد بها المخلوقات ولذا قال: ﴿الأولى﴾ أي: وذوى الجبلة الأولى والمعنى وخلق الأمم من قبلكم.
679
اتقوه بترك الشرك والمعاصي تنجوا من عذابه، وتظفروا برضاه وإنعامه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الأمر بالتقوى فريضة كل داع إلى الله تعالى وسنة الدعاة والهداة إذ طاعة الله واجبة.
٢- لا يصح لداع إلى الله أن يطلب أجره ممن يدعوهم فإن ذلك ينفرهم.
٣- وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة التطفيف فيهما.
٤- حرمة بخس الناس حقوقهم ونقصها بأي حال من الأحوال.
٥- حرمة الفساد في الأرض بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب.
قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَمَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١)
شرح الكلمات:
إنما أنت من المسحرين: أي ممن يأكلون الطعام ويشربون فلست بملك تطاع.
وإن نظنك لمن الكاذبين: أي وما نحسبك إلا واحداً من الكاذبين.
فأسقط علينا كسفاً: أي قطعاً من السماء تهلكنا بها إن كنت من الصادقين فيما تقول.
عذاب يوم الظلة: أي السحابة التي أظلتهم ثم التهبت عليهم ناراً.
إن في ذلك لآية: أي لعبرة وعلامة عبرة لمن يعتبر وعلامة دالة على صدق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
680
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في قصص شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة وأهل مدين إنه لما ذكرهم ووعظهم وأمرهم كان جوابهم ما أخبر به تعالى عنهم في قوله ﴿قالوا إنما أنت﴾ أي يا شعيب ﴿من المسحرين﴾ الذي غلب السحر على عقولهم فلا يدرون ما يفعلون وما لا يقولون١ كما أنك بشر مثلنا تأكل الطعام وتشرب الشراب فما أنت بملك من الملائكة حتى نطيعك، ﴿وإن نظنك﴾ ٢ أي وما نظنك إلا من الكاذبين من الناس ﴿فأسقط علينا كسفاً﴾ ٣ أي قطعاً من السماء تهلكنا بها ﴿إن كنت من الصادقين﴾ في دعوى أنك رسول من الله إلينا. فأجابهم قائلاً بما ذكر تعالى ﴿قال ربي أعلم بما تعملون﴾ ولازم ذلك أنه سيجازيكم بعملكم قال تعالى ﴿فكذبوه﴾ في كل ما جاءهم به واستوجبوا لذلك العذاب ﴿فأخذهم عذاب يوم٤ الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم﴾ فقد أنزل الله تعالى عليهم حراً شديداً التهب منه الجو أو كاد فلجأوا إلى المنازل والكهوف والسراديب تحت الأرض فلم تغن عنهم شيئاً، ثم ارتفعت في سماء بلادهم سحابة فذهب إليها بعضهم فوجدها روحاً وبرداً وطيباً فنادى الناس أن هلموا فجاءوا فلما اجتمعوا تحتها كلهم انقلبت نارا فأحرقتهم ورجفت بهم الأرض من تحتهم فهلكوا عن آخرهم.
قال تعالى ﴿إن في ذلك لأية﴾ ٥ أي علامة لقومك يا محمد على قدرتنا وعلمنا ووجوب عبادتنا وتصديق رسولنا ولكن أكثرهم لا يؤمنون لما سبق في علمنا أنهم لا يؤمنون، وإن ربك يا محمد لهو العزيز أي الغالب على أمره الرحيم بمن تاب من عباده.
١ في قولنا: كما أنك... الخ دمج للقولين الذين قيلا في تفسير: ﴿إنك لمن المسحرين﴾ إذ كل منهما جائز، والقرآن حمال الوجوه.
٢ إطلاق الظنّ على اليقين شائع كقوله تعالى: ﴿الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم﴾.
٣ ﴿كسفاً﴾ بكسر الكاف وسكون السين قراءة عامة القراء ما عدا حفصاً فقد قرأ ﴿كسفاً﴾ بتحريك السين جمع كِسف بسكونها، والكسف: القطحة والجمع: كِسف.
٤ ﴿الظلة﴾ السحابة التي تظلل من تحتها وهي سحابة عظيمة أظلت مساحة كبيرة لما فرّوا إليها أظلتهم ثم أرسلت عليهم الصواعق فأحرقتهم وكانت من جنس ما طلبوه وهو: الكسف من السماء.
٥ أي: في ذلك المذكور من عذاب يوم الظلة آية لكفار قريش إذ حالهم كحال أصحاب الأيكة وأهل مدين في الشرك والتطفيف في الكيل والوزن.
681
هداية الآيات
من هداية الآيات
١- هذا آخر سبع قصص ذكرت بإيجاز تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهديداً للمشركين المكذبين.
٢- دعوة الرسل واحدة وأسلوبهم يكاد يكون واحداً: الأمر بتقوى الله وطاعة رسوله.
٣- سنة تعلل الناس بأن الرسول لا ينبغي أن يكون بشراً فلذا هم لا يؤمنون.
٤- المطالبة بالآيات تكاد تكون سنة مطردة، وقل من يؤمن عليها.
٥- تقرير التوحيد والنبوة والبعث وهي ثمرة كل قصة تقص في هذا القرآن العظيم.
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ (٢٠١)
شرح الكلمات:
وإن لتنزيل رب العالمين: أي القرآن الكريم تنزيل رب العالمين.
الروح الأمين: جبريل عليه السلام أمين على وحي الله تعالى.
وإنه لفي زبر الأولين: أي كتب الأولين، واحد الزبر: زبرة وكصفحة وصحف.
أولم يكن لهم آية: أي علامة ودليلاً علم بني إسرائيل به.
على بعض الأعجمين: الأعجمي من لا يقدر على التكلم بالعربية.
كذلك سلكناه: أي التكذيب في قلوب المجرمين من كفار مكة.
682
معنى الآيات:
لقد أنكر كفار مكة أن يكون القرآن وحياً أوحاه الله تعالى وبذلك أنكروا أن يكون محمد رسول الله، ومن هنا ردوا عليه كل ما جاءهم به من التوحيد وغيره، فإيراد هذا القصص يتلوه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو لا يقرأ ولا يكتب دال دلالة قطعية على أنه وحي إلهي أوحاه إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بذلك رسوله. فقوله تعالى ﴿وإنه﴾ أي القرآن الذي كذب به المشركون ﴿تنزيل رب العالمين نزل به١ الروح الأمين﴾ جبريل عليه السلام ﴿على٢ قلبك﴾ أي الرسول لأن القلب هو الذي يتلقى الوحي إذ هو محط الإدراك والوعي والحفظ، وقوله ﴿لتكون من المنذرين﴾ هو علة لنزول القرآن عليه وبه كان من الرسل المنذرين. وقوله ﴿وإنه لفي زبر الأولين﴾ أي القرآن مذكور في الكتب الإلهية التي سبقته كالتوراة٣ والإنجيل. وقوله تعالى ﴿أو لم يكن لهم﴾ أي لكفار قريش ﴿آية﴾ أي علامة على أن القرآن وحي الله وكتابه وأن محمداً عبد الله ورسوله ﴿أن يعلمه علماء بنى إسرائيل﴾ أي علم بني إسرائيل به كعبد الله بن سلام فقد قال والله إني لأعلم أن محمداً رسول أكثر مما أعلم أن فلاناً ولدي، لأن ولدي في الإمكان أن تكون أمه قد خانتني أما محمد فلا يمكن أن يكون غير رسول الله وفيهم قال تعالى ﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم﴾ ومن عرف محمداً رسولاً عرف القرآن وحياً إلهياً.
وقوله تعالى ﴿ولو نزلناه على بعض الأعجمين٤﴾ أي وبلسان عربي مبين فكان ذلك آية، وقرأه عليهم الأعجمي، ما كانوا به مؤمنين. أي من أجل الأنفة والحمية إذ يقولون أعجمي وعربي؟ وقوله تعالى: ﴿كذلك سلكناه﴾ أي التكذيب وعدم الإيمان ﴿في قلوب
١ قرأ نافع وحفص وغيرهما {نزل﴾ بالتخفيف، و ﴿الروح﴾ مرفوع على الفاعلية وقرأ بعض ﴿نزّل﴾ بالتضعيف و ﴿الروح﴾ منصوب على المفعولية والفاعل هو الله جل جلاله، والباء في (به) للمصاحبة.
(على) : حرف استعلاء وكون القرآن نزل به جبريل على قلب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دال على تمكن وصول الوحي واستقراره في القلب. نحو: ﴿على هدى من ربهم﴾ وقد روى البخاري في صفة الوحي فقال عن عائشة: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول".
٣ جاء في التوراة قال لي الرب ﴿أي لموسى﴾ أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به. فالمراد من إخوة بني إسرائيل هم العرب. وفي الإنجيل: وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزياً (أي رسولاً) آخر لمكث معكم إلى الأبد وهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم.
٤ وكذلك لو أنزله على أعجمي بلغته لاعتذروا بأنهم لا يفهمون عنه، والمراد من الأعجمي: هو من لا يحسن اللغة العربية وإن كان عربياً، والعجمي من أصله عجمي ولو أجاد اللغة العربية.
683
المجرمين} أي كما سلكنا التكذيب في قلوب المجرمين لو قرأ القرآن عليهم أعجمي سلكناه أي التكذيب في قلوب المجرمين إن قرأه عليهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعلة في ذلك هي أن الإجرام على النفس بارتكاب عظائم الذنوب من شأنه أن يحول بين النفس وقبول الحق لما ران عليها من الذنوب وأحاط بها من الخطايا. وقوله ﴿لا يؤمنون به﴾ تأكيد لنفي الإيمان حتى يروا العذاب الأليم أي يستمر تكذيبهم بالقرآن والمنزل عليه حتى يروا العذاب الموجع، وحينئذ لا ينفعهم إيمانهم ولا هم ينظرون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير معتقد الوحي الإلهي والنبوة المحمدية.
٢- بيان أن جبريل هو الذي كان ينزل بالوحي القرآني على النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣- تقرير النبوة المحمدية وأن محمداً من المنذرين.
٤- بيان أن القرآن مذكور في الكتب١ السابقة بشهادة علماء هل الكتاب.
٥- إذا تراكمت آثار الذنوب والجرائم على النفس حجبتها عن التوبة ومنعتها من الإيمان.
فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٠٩) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)
١ ومذكور من نزل عليه وهو محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإقامته له فيهم كما تقدم في المثلين المذكورين أحدهما من التوراة والثاني من الإنجيل.
684
شرح الكلمات:
هل نحن منظرون: أي ممهلون لنؤمن. والجواب قطعاً: لا لا..
أفرأيت: أي أخبرني.
إن متعناهم سنين: أي أبقينا على حياتهم يأكلون ويشربون وينكحون.
ما كانوا يوعدون: أي من العذاب.
ما أغنى عنهم: أي أي شيء أغنى عنهم ذلك التمتع الطويل لا بدفع العذاب ولا بتخفيفه.
إلا لها منذرون: أي رسل ينذرون أهلها عاقبة الكفر والشرك.
ذكرى: أي عظة.
وما تنزلت به الشياطين: أي لا يتأتى لهم ولا يصلح لهم أن يتنزلوا به.
وما يستطيعون: أي لا يقدرون.
إنهم عن السمع: أي لكلام الملائكة لمعزولون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير النبوة المحمدية واثبات الوحي. لقد جاء في السياق أن المجرمين لا يؤمنون بهذا القرآن حتى يروا العذاب الأليم. فيأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون أي لا يعلمون به حتى يفاجئهم. فيقولون حينئذ: ﴿هل نحن منظرون﴾ أي يتمنون١ به أن لو يمهلوا حتى يؤمنوا ويصلحوا ما أفسدوا.
وقوله تعالى ﴿أفبعذابنا يستعجلون﴾ عندما قالوا للرسول ﴿لن نؤمن لك حتى تننزل علينا كسفاً من السماء﴾ أي قطعاً، أحُمق هم أم مجانين يستعجلون عذاب الله الذي إن جاءهم كان فيه حتفهم أجمعين؟ ثم قال لرسوله: ﴿أفرأيت﴾ يا رسولنا ﴿إن متعناهم سنين﴾ بأن أطلنا أعمارهم ووسعنا في أرزاقهم فعاشوا سنين عديدة ثم جاءهم عذابنا أي
١ ذكر القرطبي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: ﴿أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون﴾ ويقول:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم والردى لك لازم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم
ولا أنت في النوم بناج فسالم
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى
كما سرّ باللذات في النوم حالهم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
685
أخبرني هل يغني ذلك التمتع عنهم شيئاً؟ ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون أي لم يغن عنهم شيئاً لا بدفع العذاب ولا بتأخيره ولا بتخفيفه.
وقوله تعالى ﴿وما أهلكنا من قرية١﴾ كتلك القرى التي مر ذكرها في هذه السورة ﴿إلا لها منذرون﴾ أي كان لها رسل ينذرون أهلها عقاب الله إن أصروا على الشرك والكفر والشر والفساد. وقوله ﴿وذكرى٢﴾ أي عظة لعلهم يتعظون. وقوله ﴿وما كنا ظالمين﴾ في إهلاك من أهلكنا بعد أن أنذرنا.
ونزل رداً على المشركين المجرمين الذين قالوا إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد كما يأتون للكهان بأخبار السماء. ﴿وما تنزلت به الشياطين٣﴾ كما يزعم المكذبون ﴿وما ينبغي لهم﴾ أي للشياطين أي لا يصلح لهم ولا يتأتى منهم ذلك لأنهم معزولون عن السماع، أي سماع كلام الملائكة إذ أرصد الله تعالى شهباً حالت بينهم وبين السماع ومن السماع فلذا دعوى المشركين باطلة من أساسها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن المجرمين إذا شاهدوا العذاب تمنوا التوبة ولا يمكنون منها.
٢- بيان أن استعجال عذاب الله حمق ونزغ في الرأي وفساد في العقل.
٣- بيان أن طول العمر وسعة الرزق لا يغنيان عن صاحبها شيئاً من عذاب الله إذا نزل به.
٤- بيان سنة الله تعالى في أنه لا يهلك أمة إلا بعد الإنذار والبيان.
٥- إبطال مزاعم المشركين في أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان، وأن الشياطين تتنزل به
فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي
١ ﴿من قرية﴾ من: صلة أي زائدة لتقوية الكلام وتأكيده لأن زيادة المبنى تزيد في المعنى كذا يقال.
٢ ذكرى: يسمع إعرابها حالاً ومصدراً وخبراً.
٣ قرأ محمد بن السميع وما تتنزلت به الشياطون وردّ عليه ولم يقبل منه ولحلة نظر إلى أن الشيطان مشتق من شاط يشيط، والصواب أنه من شطن لا من شاط.
686
بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)
شرح الكلمات:
فلا تدع مع الله إلهاً آخر: أي لا تعبد مع الله إلهاً آخر، لأن الدعاء هو العبادة.
وأنذر عشيرتك الأقربين: وهم بنو هاشم وبنو عبد لمطلب.
وخفض جناحك: أي ألن جانبك.
فإن عصوك: أي أبوا قبول دعوتك إلى التوحيد، ورفضوا ما تدعوهم إليه.
فقل إني بريء مما تعملون: أي من عبادة غير الله سبحانه وتعالى.
الذي يراك حين تقوم: أي إلى الصلاة فتصلي متهجداً بالليل وحدك.
وتقلبك في الساجدين: أي ويرى تقلبك مع المصلين راكعاً ساجداً قائماً.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قريش قوم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله تعالى ﴿فلا تدع مع١ لله إلهاً آخر فتكون من المعذبين﴾ فيه إيحاء وإشارة واضحة بأنه تعريض بالمشركين الذين يدعون آلهة أصناماً وهي دعوة توقظهم من نومتهم إنه إذا كان رسول الله ينهى عن عبادة غير الله وإلا يعذب مع المعذبين فغيره من باب أولى فكأن الكلام جرى على حد إياك أعني واسمعي يا جارة!! وقوله تعالى ﴿وأنذر عشيرتك٢ الأقربين﴾ أمر من الله لرسوله أن يخص أولاً بإنذاره قرابته لأنهم أولى بطلب النجاة لهم من العذاب، وقد امتثل الرسول أمر ربه فقد ورد في الصحاح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لما أنزل عليه ﴿وأنذر٣
١ إن الخطاب وإن كان في السياق ما يدل على أنه موجه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه صالح لكل من يسمعه.
٢ الجملة معطوفة على التي قبلها وهي، {فلا تدع مع الله إلهاً آخر﴾ إذ نهاه عن الشرك وأمره أن يُنذر أقرباءه منه لأنه لا فلاح معه.
٣ في هذه الآية دليل على أن القرب في الأنساب مع البعد في الأسباب ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر لإرشاده ونصحه. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ لكم رحماً سأبلّها ببلالها".
687
عشيرتك الأقربين} قال "يا معشر١ قريش اشتروا أنفسكم من الله " يعني بالإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي " فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله أي من عذابه شيًء، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا ً.
وقولي تعالى ﴿واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين﴾ أمره أن يلين جانبه للمؤمنين وأن يعطف عليهم ويُطايبهم ليرسخ الإيمان في قلوبهم ويسلموا من غائلة الردة فيما لو عوملوا بالقسوة والشدة وهم في بداية الطريق إلى الله تعالى وقوله تعالى ﴿فإن عصوك﴾ أي من أمرت بدعوتهم إلى توحيد الله وعبادته وخلع الأنداد والتخلي عن عبادتها ﴿فقل إني بريء مما تعملون﴾ أي من عبادة غير الله تعالى وغير راض بذلك منكم ولا موافق عليه لأنه شرك حرام وباطل مذموم. وقوله تعالى ﴿وتوكل على٢ العزيز﴾ أي الغالب القاهر الذي لا يمانع في شيء يريده الرحيم بالمؤمنين من عباده، والأمر بالتوكل هنا ضروري لأنه أمره بالبراءة من الشرك والمشركين وهي حال تقتضي عداوته والكيد له بل ومحاربته ومن هنا وجب التوكل٣ على الله والاعتماد عليه، وإلا فلا طاقة له بحرب قوم وهو فرد واحد وقوله ﴿الذي يراك حين تقوم﴾ أي في صلاتك وحدك ﴿وتقلبك في الساجدين٤﴾ ويرى تقلبك قائماً وراكعاً وساجداً مع المصلين من المؤمنين، بمعنى أنه معك يسمع ويرى فتوكل عليه ولا تخف غيره وامض في دعوتك ومفاصلتك للمشركين. وقوله ﴿إنه هو السميع العليم﴾ تقرير لتلك المعية الخاصة إذ السميع لكل صوت والعليم بكل حركة وسكون يحق للعبد التوكل عليه وتفويض الأمر إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد، وحرمة دعاء غير الله تعالى من سائر مخلوقاته لأنه الشرك الحرام.
١ رواه مسلم وغيره بألفاظ فيها بعض الاختلاف.
٢ قرأ نافع ﴿فتوكل﴾ بالفاء وقرأ غيره بالواو، وكلا الحرفين عاطف فالفاء عاطفة على قوله: ﴿فقل إني بريء مما تعملون﴾ وهي للتفريع أيضاً والواو عاطفة على جواب الشرط وهو ﴿إني بريء مما تعملون﴾.
٣ التوكل: تفويض المرء أمره إلى من يكفيه مهمه وما دام لا كافي إلا الله وجب إذاً التوكل عليه عز وجل.
٤ في الآية دليل على مشروعية صلاة الجماعة وتأكدها واضح.
688
٢- من مات يدعو غير الله فهو معذب لا محالة مع المعذبين.
٣- تقرير قاعدة البدء بالأقارب في كل شيء لأنهم ألصق بقريبهم من غيرهم.
٤- مشروعية لين الجانب والتواضع للمؤمنين لاسيما الحديثو عهد بالإسلام.
٥- وجوب البراءة من الشرك وأهله.
٦- وجوب التوكل على الله والقيام بما أوجبه الله تعالى.
٧- فضل قيام الليل وصلاة الجماعة لما يحصل للعب من معية الله تعالى.
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (٢٢٧)
شرح الكلمات
أنبئكم: أي أخبركم.
أفاك أثيم: أي كذاب يقلب الكذب فيكون إفكاً أثيم غارق في الآثام.
يلقون السمع: أي يلقون أسماعهم ويصغون أشد الإصغاء للشياطين فيتلقون منهم مما أكثره كذب وباطل.
الغاوون: جمع غاو: الضال عن الهدى الفاسد القلب والنية.
في كل واد: أي من أودية الكلام وفنونه.
يهيمون: أي يمضون في كل شعب وواد من الكلام مدحاً أو ذماً كان صدقا ً أو كذباً.
يقولون ما لا يفعلون: أي يقولون فعلنا وهم لم يفعلوا.
وانتصروا من بعد ما ظلموا: أي قالوا الشعر انتصارا ً للحق بأن ردوا على من هجا المسلمين.
689
أي منقلب ينقلبون: أي مرجع يرجعون بعد الموت وهو دار البوار جهنم.
معنى الآيات:
لما ادعى المبطلون من مشركي قريش أن الرسول يتلقى من الشياطين كما تتلقى الكهان منهم رد تعالى عليهم بقوله ﴿هل أنبئكم١ على من تنزل الشياطين؟﴾ وأجاب عن السؤال قائلاً ﴿تنزل على كل أفاك﴾ كذاب يقلب الكذب قلباً فيقول في الظالم عادل، وفي الخبيث طيب، وفي الفاسد صالح، ﴿أثيم﴾ أي كثير الآثام إذ لم يترك جريمة إلا يقارفها ولا سيئة إلا يجترحها حتى يغرق في الإثم فهذا الذي تتحد معه الشياطين وتلفي إليه بما تسمعه من السماء لكونه مثلها في ظلمة النفس وخبث الروح، وأما محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو أبعد الناس عن الكذب والإثم فلم يجرب عليه كذب قط ولم يعرف منه ذنب أبداً فكيف تتحد معه الشياطين وتخبره وتلقي إليه بخبر السماء؟ وبهذا بطلت التهمة وقوله ﴿يلقون٢ السمع وأكثرهم٣ كاذبون﴾ أي إن الشياطين قبل أن يحال بينهم وبين استراق السمع بإرصاد الشهب لهم كانوا يلقون أسماعهم للحصول على الخبر وأكثرهم كاذبون حيث يخلطون مع الكلمة التي سمعوها مائة كلمة كلها كذب منهم ويلقون ذلك الكذب إلى إخوانهم في الكفر والخبث من كهنة الناس.
وقوله تعالى ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ أي أهل الغواية والضلال هم الذين يتبعون الشعراء فيروون لهم وينقلون عنهم، ويصدقونهم فيما يقولون. والدليل على ذلك ﴿أنهم﴾ أي الشعراء ﴿في كل واد﴾ من أودية الكلام وفنونه ﴿يهيمون﴾ على وجوههم
١ هذا الاستفهام صوري واختير له هل لإفادتها التحقيق كقد وهو يحمل التعريض بأنّ المستفهم عنه مما يسوءهم فلذا استفهموا في هذا السؤال ﴿هل أنبئكم﴾ ؟
٢ وجائز أن يكون من يلقون السمع: الكهان، إذ هم يلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتنزل عليهم شياطينهم بالخبر وذلك من إفكهم، وعليه فجملة: ﴿يلقون السمع﴾ صفة ﴿لكل أفاك أثيم﴾ وما في التفسير عليه الكثيرون وكلا المعنيين وارد وصحيح.
٣ أي: أكثر هؤلاء الأفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين فبعضهم لا يتلقى شيئاً وإنما يدعي ذلك، والبعض يتلقى قليلاً فيزيد عليه أضعافه، وفي الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الكهان فقال: "ليسوا بشيء قيل: يا رسول الله فإنهم يحدثون يكون حقا ً فقال: تلك الكلمة من الحق يخطفها المجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة".
690
ماضين في قولهم فيمدحون ويذمون، يهجون، ويفخرون، ويدعون أنهم فعلوا كذا وكذا وما فعلوا فهل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي اتهمتموه بأنه شاعر وما يقوله من جنس الشعر أتباعه١ غاوون انظروا إليهم واسألوا عنهم فإنهم أهدى الناس وأبرهم فعلاً وأصدقهم حديثاً وأبعدهم عن الريبة، فلو كان محمد شاعراً وما لكان أتباعه الغاوين فبذا بطلت الدعوى من أساسها.
وقوله ﴿إلا الذين٢ آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدما ظلموا﴾ إنه لما ذم الشعراء، استثنى منهم أمثال: عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت ممن آمنوا وعملوا الصالحات وانتصروا يردون هجاء المشركين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينافحون عن الإسلام وأهله بشعرهم الصادق النقي الطاهر الوفي.
وقوله تعالى ﴿وسيعلم الذين ظلموا﴾ رسول الله باتهامه بالكهانة مرة وبالشعر مرة أخرى وظلموا الوحي الإلهي بوصفه بما هو بعيد عنه من الكهانة والشعر ﴿أي منقلب ينقلبون﴾ أي أي مرجع يرجعون إليه، إنه النار وبئس القرار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إبطال فرية المشركين من أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان.
٢- إبطال أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاهن وشاعر.
٣- بيان أن الشياطين تتحد مع ذوي الأرواح الخبيثة بالإفك والآثام.
٤- بيان أن الشعراء المبطلين أتباعهم في كل زمان ومكان الغاوون الضالون.
٥- جواز نظم الشعر وقوله في تقرير علم أو تسجيل٣ حكمة، أو انتصار٤ للإسلام والمسلمين بالرد على من يهجوا الإسلام والمسلمين.
٦- التحذير من عاقبة الظلم فإنها وخيمة.
١ من كان أتباعه غاوين لا يكون هو إلاّ غاوياً بل أشد غواية.
٢ في الآية دليل على جواز دراية الشعر الحسن فقد روى مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوماً لعمر بن الشريد: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قال: نعم، قال: هيه، فأنشدته بيتاً فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت.
٣ روى عن ابن سيرين أنه أنشد شعراً فقال له بعض جلسائه: مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر؟ فقال: ويلك يالكع: وهل الشعر إلاّ كلاما ً لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي فحسنه حسن وقبيحه قبيح.
٤ من شعر نصرة الحق قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي بين يديه وذلك يوم الفتح:
خلو بني الكفار عن سبيله
اليوم نضربكم عن تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقبله
ويذهل الخليل عن خليله
ومنه قول حسان:
هجوت محمداً فأجبت عنه
وعند الله في ذاك الجزاء
أتشتمه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
فإن أبي ووالدتي وعرضي
عرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه
وبحري لا تكدره الدَّلاءُ
691
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
لأنه مل يؤمن من قوم فرعون إلا مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وابنته آسيا امرأة فرعون الخ في حين أن أكثر المفسرين على أن الخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو وجه العبرة من السياق.