تفسير سورة النجم

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة النجم من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة النجم
آياتها اثنان وستون وثلاث ركوعات وهي مكية

﴿ والنجم إذا هوى ﴾ قال ابن عباس في رواية الوالبي والعوفي يعني الثريا إذا سقطت وهويه مغيبه والعرب تسمي الثريا نجما وجاء في الحديث عن أبي هريرة مرفوعا ( ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة إلا رفع ) وأراد بالنجم الثريا ذكره البغوي ورواه أحمد بلفظ ( ما طلعها النجم صباحا قط ويقوم عاهة إلا ورفعت عنهم أو خفت ) وسنده ضعيف وقال مجاهد نجوم السماء كلها حين تغرب واللام للجنس سمى الكواكب نجما بطلوعه وكل طالع نجم يقال نجم السن والقرآن والسنة وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه الرجوم من النجوم يعني ما يرمي به الشياطين عن استراقهم السمع وقال أبو حمزة الثمالي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة وقال ابن عباس في رواية عطاء المراد بالنجم القرآني نجما لأنها نزلت نجوما متفرقة في ثلاثة وعشرين سنة يسمى التفريق تنجيما المفرق منجما وقال الكلبي الهوي النزول من أعلى إلى أسفل وقال الأخفش النجم هو النبت الذي لا ساق له منه قوله تعالى :﴿ والنجم والشجر يسجدان ﴾١ وهويه سقوطه على الأرض وقال جعفر الصادق رضي الله عنه يعني محمدا صلى الله عليه وسلم إذا نزل من السماء ليلة المعراج والهوي النزول وقيل المراد بالنجم المسلم وبهويه دفنه في القبر والظرف يجوز أن يكون متعلقا بفعل القسم مقدر لأن القسم لا يتعدى بذلك الوقت ولا يكون صفة للجثة بل هو متعلق بحدث مقدر مضاف إلى النجم تقديره وتحرك النجم إذا هوى، وقيل إذا هاهنا اسم وليس بظرف وهو بدل اشتمال من النجم مقسم به وجه تعين هذا الوقت للقسم أن وقت الهوي أفضل أوقات النجم لأنه إذا كان المراد بالنجم الثريا أو مطلق النجم ﴿ فإن أريد بهويه سقوط شعلة منه لرجم الشياطين فلا شك أن رجم الشياطين مقصود من خلقه النجوم وإن أريد به انتشاره يوم القيامة ذلك وقت إتمام المقاصد التي قصد بالنجوم وإن أريد به غروبه فغروبه أوضح دليل على إمكانه ووجود صانعه ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأقوال من الكواكب والقمر والشمس حيث قال { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الأفلين٧٦ ﴾٢ وإن أريد به نجم القرآن وبهويه نزوله أو بالنجم محمد صلى الله عليه وسلم وبهويه نزوله من السماء ليلة المعراج فلا شك أن نزول القرآن لهداية الناس ونزول محمد صلى الله عليه وسلم بعد عروجه لهداية الخلق نعمة جليلة من الله تعالى بلا نظير لهما وإن أريد بالنجم المسلم وبهويه دفنه في القبر فلا شك أن دفن المسلم مع إيمانه سالما عن تسويلات النفس والشيطان غانما بنعمة الإيمان والأعمال الصالحة وقت كماله وزوال حظر زواله والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم


١ سورة الرحمان الآية : ٦.
٢ سورة الأنعام، الآية : ٧٦.
وجواب القسم ﴿ ما ضل صاحبكم ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهدى ﴿ وما غوى ٢ ﴾ في اتباع طريق الباطل قيل الضلال ضد الهداية والغي ضد الرشد يعني هو مهتد راشد وليس كما تزعمون يا معشر قريش وتنسبونه إلى الضلال والغي
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ وما ينطق ﴾ بالقرآن ولا بغير عطف على ما ضل ﴿ عن الهوى ﴾ صفة لمصدر محذوف يعني نطقا ناشئا عن الهوى يعني لم يتقول القرآن من تلقاء نفسه كما يتقول الشعراء وكذا كل ما يتكلم ليس منشاءه الهوى النفسانية بل مستند إلى الوحي جلي أو خفي وإن كان باجتهاد مأمور من الله تعالى مقرر من الله عليه فهو ليس عن الهوى البتة
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ إن هو ﴾ الضمير راجع إلى القرآن المعهود في الدهن والمدلول فيما سبق من الكلام ﴿ إن هو إلا وحي يوحى ﴾ فليس في هذه الآية ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يتكلم بالاجتهاد والجملة تعليل بقوله ما ينطق
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ علمه ﴾ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم الضمير المنصوب مفعول أول لعلم والقرآن أو ما يوحى إليه عليه السلام مطلقا مكن حيث أنه اسم لكلام تام قائم مقام مفعولية الثاني والثالث وفاعله ﴿ شديد القوى ﴾ جمع قوة والمراد به الله سبحانه القوي المتين
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ ذو مرة ﴾ المرة القوة الشدة والأصالة والأحكام كذا في القاموس والله سبحانه شديد البطش يحكم أصل كل شيء وجملة علمه مع ما عطف عليه حال من الضمير المستكن في يوحى أو صفة بعد صفة ﴿ فاستوى ﴾ عطف على علمه والاستواء من المتشابهات قال السلف في قوله تعالى :﴿ الرحمان على العرش استوى ٥ ﴾ ١ أن الاستواء معلوم بلا كيف وقال سهيل ابن عبد الله التستري لا يجوز لمؤمن أن يقول كيف الاستواء لمن خلق الاستواء ولنا عليه الرضا والتسليم وقال مالك ابن أنس الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والسؤال عنه بدعة وحاصل الآية أنه كان لله تعالى إذا علم محمدا صلى الله عليه وسلم نسبته به عليه السلام مجهول الكيفية كنسبته مع العرش المجيد والكعبة الحسناء وقد تظهر تلك النسبة للصوفية الكرام وتظهر على وجه أكمل منه يوم يرونه كما يرون القمر ليلة البدر
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم


١ سورة طه الآية ٥.
﴿ وهو ﴾ يعني محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ بالأفق الأعلى ﴾ يعني كان محمد صلى الله عليه وسلم إذا يوحى إليه في كمال رفعة استعداده وعلو مرتبته والأفق الناحية على منتهى دائرة الإمكان حيث يكون وراء ذلك دائرة الوجوب التي لا يتصور هناك للسالك سير قدمي والجملة حال من الضمير المنصوب في علمه
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ ثم دنا فتدلى ﴾ ﴿ فكان قاب قوسين أو أدنى ﴾ بحذف المضافين إن كان مقدار قربه قاب قوسين أو أدنى وجملة ثم دنى عطف على علمه قال البغوي روينا في قصة المعراج عن شريك ابن عبد الله ابن أنس ( ودنى الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ محمد حياة السندي في رسالته هذا حديث غريب ومثله عن ابن عباس رواه أبو سلمة عنه أو هاهنا ليس للشك بل بمعنى بل كما في قوله تعالى :﴿ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ﴾ ١ يعني بل يزيدون قالت الصوفية العلية المراد بقوسين قوس الوجوب وقوس الإمكان فالصوفي في مرتبة دنوه قاب قوسين يبقى في نظره مرتبتي الوجوب والإمكان كلتيهما وفي دنوه أونى من قوسين يستر عن بصيرته قوس الإمكان مطلقا لا يرى نفسه عينا ولا أثرا وألقاب والقيبة والقاد والقيد عبارة عن المقدار هاهنا كناية عن كمال القرب وأصله أن الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد خرجا بقوسيهما وألصقا بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه مراتب الدنو والتدلي وما كنى بقاب قوسين أو بما هو أدنى منه درجات قرب للعهد من الله تعالى في تجلياته سبحانه يدركه الصوفي ومن لم يدر وقد ذكروا هذه الدرجات في كتب التصوف في كلماتهم أكثر مما تحصى وقال الضحاك معناه دنى محمد من ربه فتدلى يعني فأهوى للسجود وهذا يستلزم انتشار الضمائر
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم


١ سورة الصافات: الآية ١٤٧.
﴿ فأوحى إلى عبده ﴾ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ﴿ ما أوحى ﴾ من القرآن وغيره من الوحي الغير المتلو وضمائر أوحي وعبده وأوحى راجعة إلى شديد القوى وهذا التفسير مروي عن أنس وابن عباس وغيرهما من السلف ولا غبار عليه من حيث العربية وقالت عائشة واختاره أكثر المفسرين أن المراد بشديد القوى جبرائيل عليه السلام ذو مرة قال ابن عباس في رواية ذو منظر حسن، وقال قتادة ذو خلق طويل حسن فاستوى جبرائيل وهو يعني محمد صلى الله عليه وسلم عطف على الضمير المرفوع المستتر في استوى على ما أجازه الكوفيون قال البغوي استوى جبرائيل ومحمد عليهما السلام ليلة المعراج وقيل ضمير هو راجع إلى جبرائيل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورة التي خلقها فأراه مرتين في الأرض ومرة في السماء فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى والمراد بالأعلى جانب الشرق وذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم بجراء فطلع له جبرائيل من المشرق في الأفق إلى المغرب فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبرائيل في صورة الآدميين وضمه صلى الله عليه وسلم إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وأما في السماء فعند سدرة المنتهى ليلة المعراج ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ثم دنى يعني جبرائيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لما خر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه فكان منه قاب قوسين أو أدنى يعني بل أدنى والقوس ما يرمي في قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس فأخبر أنه كان بين جبرائيل وبين محمد صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين قال معناه حيث الوتر من القوس وقال ابن مسعود قاب قوسين قدر ذراعين وهو قول سعيد ابن جبير وشفيق ابن سلمة القوس الذراع يقاس بها كل شيء كذا روى البخاري في تأويل الآية عن عائشة رضي الله عنها وقال البغوي وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة قيل في الكلام تقديم وتأخير تقديره ثم تدلى فدنى لأن التدلي سبب الدنو والظاهر أن الدنو أعم مطلقا التدلي فإن الدنو لا يقتضي وصول الشيء إلى منتهى مسافة يريد قطعها إلى تحت بخلاف التدلي فإنه مأخوذ من الدلو فإن التدلي وصول الدلو إلى قعر البئر وأيضا يعتبر في التدلي الوصول إلى المنتهى مع بقاء تعلقه بالمبدأ يقال أدلى رجله من السرير وأدلى دلوه والدوالي للثمر المعلق فأوحى جبرائيل إلى عبده يعني عبد الله ما أوحى الله إليه. وهذا التأويل يأباه العربية والمعقول بوجوه. أحدها أن قصة جبرائيل هذه حكاية حال والكلام في أن القرآن ليس شيئا منهما مما نطق محمد صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه بل كله مما أوحي إليه من ربه وجملة شديد القوى مع ما عطف من قوله فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى حال من الضمير المستكن في قوله إلا وحي يوحى وزمان الحال يتحد مع زمان صاحبه فتقضي الكلام وقوع تلك القصة في كل مرة أوحي إليه شيء من القرآن وإلا يجوز وقوعه حالا أو لا يجوز القول بأن القرآن كله كذلك ثانيهما أنه يلزم حينئذ انتشار الضمائر في قوله تعالى :﴿ فأوحي إلى عبده ما أوحى ﴾ ورجوع ضمير عبده إلى الله سبحانه قرينه لكونه ضمير أوحي راجعا إلى الله تعالى، ثالثها أن الدنو أو التدلي من جبرائيل عليه السلام وكونه قاب قوسين أو أدنى ليس كمالا للنبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل من جبرائيل عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وزيراي في السماء جبرائيل وميكائيل ) ١ ووجه القول بالتأويل الثاني إنما هو استعباد لاستواء والدنو والتدلي إلى الله تعالى ولما كان القرآن ناطقا بأن منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فلا وجه للقول بهذا التأويل البعيد والاستواء والدنو والتدلي وكونه قاب قوسين أو أدنى بلا كيف على ما يليق بالتنزيه مشهود لأرباب القلوب كمشاهدة القمر ليلة البدر بالأوجه في القول ما قالوا والله تعالى أعلم قال سعيد ابن جبير في قوله تعالى :﴿ فأوحى إلى عبده ما أوحى ﴾ أنه أوحي إليه ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ﴾ ٢إلى قوله ﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾ ٣وقيل أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت على الأمم حتى يدخلها أمتك والظن أن ما أوحي عام ولا وجه للتخصيص
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم


١ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب {٣٦٨٩).
٢ سورة الضحى: الآية ٦.
٣ سورة الشرح الآية ٤.
﴿ ما كذب الفؤاد ﴾ أي فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ ما يرى ﴾ قال ابن مسعود رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبرائيل له ستمائة جناح وكذا روي عن عائشة رضي الله عنها وأنكرت عائشة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم به. روى البخاري عن مسروق قال قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت لقد قف شعري مما قلت أين أنت من ثلاث من حد ثكهن فقد كذب من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب ثم قرأت ﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ١٠٣ ﴾ ﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورائي حجاب ﴾ ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت :﴿ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ﴾ ومن حدثك أنه كتم شيئا من الوحي فقد كذب ثم قرأت ﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ الآية ولكن رأى جبرائيل في صورته مرتين ١ وقال ابن عباس ما كذب الفؤاد ما أرى، ﴿ ولقد رآه نزلة أخرى ﴾ أن محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه جل وعلا بفؤاده مرتين ٢ كذا روى مسلم عنه وفي رواية الترمذي قال ابن عباس رأى محمد ربه قال عكرمة قلت أليس الله يقول ﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ﴾ وقال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد رأى محمد ربه مرتين وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم سئل هل رأيت ربك ؟ قال رأيت بفؤادي وقال أنس والحسن وعكرمة رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه يعني بعينه قال البغوي قال عكرمة عن ابن عباس قال إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد صلى الله عليه سلم بالرؤية روى الترمذي عن الشعبي أن كعب الأحبار قال لابن عباس : عن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين ورأى محمد صلى الله عليه وسلم مرتين قلت : المراد بالرؤية المختلف فيها إما الرؤية بالبصر وإما الرؤية القلبية المعبر عنها بالمشاهدة فغير المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم بل يتشرف أولياء أمته صلى الله عليه وسلم أيضا وقد ادعى بعض الأولياء الرؤية البصرية وذلك خلاف إجماع في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الدعوى مبني على الاشتباه ووجه الاشتباه أن الصوفي قد يرى ربه بقلبه وهو يقظان ويتعطل حينئذ بصره لكنه يزعم في غلبة الحال أنه يراه ببصره وإنما هو يراه بقلبه وبصره معطل وقوله عليه السلام ( رأيته بفؤادي ) لو ثبت لا يدل على نفي الرؤية بالبصر إلا المفهوم قلت وقول ابن مسعود وعائشة شهادة على النفي وشهادة الإثبات أرجح وما احتج به عائشة على نفي رؤيته صلى الله عليه وسلم فلا يخفى ضعفه وأما قوله تعالى :﴿ لا تدركه الأبصار ﴾ ٣ فقد ذكرنا في تفسير تلك الآية في سورة الأنعام أن الدرك أخص من الرؤية ونفي الدرك لا يستلزم نفي الرؤية قال الله تعالى :﴿ فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ٦١ قال كلا إن معي ربي ﴾٤ وأيضا مفهوم الآية سلب عموم الدرك لا عمم سلب الدرك وأما قوله ﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورائي حجاب ﴾٥ ترديد بين الوحي من وراء الحجب والوحي بلا حجاب فلا استدلال به والله تعالى أعلم وروى مسلم عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال :( نور أنى أراه ) ٦ أنى بفتح الهمزة للاستفهام يعني كيف أراه في بعض الراويات نوراني منسوب إلى النور فعلى الرواية الثانية يثبت الرؤية وعلى الرواية الأولى ليس الحديث صريحا في نفي الرؤية مطلقا قلت : وبعد ثبوت رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس وكعب أيضا أن المراد بالرؤية في الآية الرؤية القلبية فإنها هي المتصورة عند كل وحي يوحى إليه دون الرؤية البصرية فإنها مختصة بليلة المعراج قرأ أبو جعفر وهشام عن أبي عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعني ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما أرى بعينه أو بقلبه بل صدقه وأيقنه وهو حققه فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم ينتقل منه إلى البصر والبصيرة فإن أبصر مثل ما أدرك بالقلب وإن قصر بصره أو بصيرته عما أدركه القلب ورأى بخلافه كذبه وهذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفايضة من الرحمان وبين الخيالات الوهمية وملتبسات الشيطانية فإن الصوفي قد يلتبس عنده العلوم والإلهامات والمكاشفات القدسية المفاضة عليه من الله سبحانه بما يتخيله الوهم والخيال وبما ألقى الشيطان في أمنيته والفارق بينهما أن يرجع الصوفي إلى قلبه فإن صدقه قلبه واطمأن به ورأى في قلبه منه برد اليقين علم أنه من الله سبحانه وإن كذبه قلبه واضطرب عنده وأبى عرف أنه من النفس أو الشيطان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا جاءك في صدرك شيء فدعه ) رواه أحمد عن أبي أمامة وقال عليه السلام ( استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ) ٧ وقرأ الجمهور بتخفيف الذال والكذب يجيء متعديا بمعنى كذب له ومجازه ما كذب الفؤاد لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما رأى يعمني أخبره على ما نفسي الأمر فإن قيل هذه الآية يقتضي أن تصديق القلب يغاير رؤية القلب ؟ قلنا نعم وتحقيق المقام أن قلب المؤمن يدرك الله سبحانه وصفاته بمعية ذاتية غير متكفية مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة ولا يراه بل رؤية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات أيضا فإن حصول الأشياء في الأذهان إنما هي بأشباهها وظلالها لا بأنفسها وما يرى ذات شيء مما يراه إلا يتوسط الباصرة فرؤية الله سبحانه تيسير للمؤمنين في الآخرة بتوسط الحاسة لا في الدنيا إلا ما ذكرنا من الخلاف في حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ودركه تعالى مختص بالقلوب دون الأبصار فإنه تعالى لا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة فرؤية القلب سواء كانت بتوسط البصر أو بلا توسط قد يعتبر به الغلط بتخليط الوهم أو تلبيس الشيطان أو زيغ البصر وطغيانه عما يراه وأما دركه البسيط فلا يعتبر به شيء من ذلك ويتفرع عليه الاطمئنان بالحق وتصديقه والإباء عن الباطل وتكذيبه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم


١ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير باب: سورة النجم {٤٨٥٥).
٢ سورة.
٣ سورة الشعراء الآية ٦١ ـ ٦٢.
٤ سورة الشورى الآية ٥١.
٥ أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب في قوله عليه السلام (نور أنى أراه) وفي قوله (رأيت نورا) (١٧٨).
٦ أخرجه البخاري في التاريخ ورواه أحمد والدلرمي وقال النووي في الرياض: إسناده حسن، وروى الطبراني قريبا منه وفي سنده مجهول انظر فيض القدير (٩٩١).
٧ سورة البقرة الآية ٢١٠.
﴿ أفتمارونه ﴾ معطوف على محذوف قرأ حمزة والكسائي أفتمرونه على وزن تدعونه بمعنى تغلبونه في المرأ يقال ما ريته فمريته بمعنى حادلته فغلبته وعلى هذا التقدير الكلام أتمرونه فتمرون ﴿ على ما يرى ﴾ عدي بعلى لأن الفعل بمعنى الغلبة وقيل تمرون تجحدون يقال مريت الرجل حقه يعني جحدته والمعنى أتجادلون محمدا فتجحدون صدقه على ما يرى والتعدية بعلى حينئذ أيضا لتضمن الفعل مع الغلبة فإن المجادل والجاحد يقصدان بفعلهما للغلبة على الخصم وقرأ جمهور القراء أفتمارونه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة أي استخراج لبنها فإن كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه يستخرجه وتقدير الكلام حينئذ تنكرون قول محمد فتمادون عن ما يرى والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعني لا ينبغي الإنكار والجدال فيما يدعي محمد صلى الله عليه وسلم رؤيته وأورد صيغة المضارع استحضارا للحال الماضي وحكاية عنه وجاز أن يراد به التوبيخ على إنكار كل ما أراه محمد صلى الله عليه وسلم في الحال أو الاستقبال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ ولقد رآه ﴾ يعني والله لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه جل وعلا أو جبرائيل على صورته التي خلق عليها على اختلاف القولين المذكورين ﴿ نزلة ﴾ فعلة من النزول كجلسة من الجلوس منصوب على الظرفية من رآه تقديره وقت نزلة أخرى أو على المصدرية تقديره نازلا نزلة أخرى وفي إيراد نزلة إشعار بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بالنزول والدنو فإن رؤية البشر الممكن الواجب جل سلطانه إنما يتصور إذا كان البشر الرائي في الأفق الأعلى والدرجة الإنس من درجات الإمكان والله تعالى يتنزل من مراتب التنزيه إلى نوع من درجات التشبيه فيرى من وراء حجب الظلال أو الصفات ولا يذهب عليك من مقالتي هذا وحدوث أمر في جانبه تعالى ذلك علوا كبيرا بل النزول والعروج كلها في مرتبة العلم يظهر بحدوث صفاء في مرآة قلب المتجلي له وقد مر البحث عن مثله في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى ﴿ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ﴾ ١ ﴿ أخرى ﴾ هذا يدل على تعدد الرؤية ولا يدل على الانحصار في المرتين فما روى عن ابن عباس وكعب الأحبار أنه رأى ربه مرتين محمول على بيان أدنى ما يتصور فيه التعدد وهذه الآية حكاية عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أو بليلة المعراج.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ عند سدرة المنتهى ﴾ والظاهر أن ما حكى عن ابن عباس وكعب رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه بعينه هو هذه الرؤية وقوله عند سدرة المنتهى ظرف متعلق يراه أو إضافة السدر المنتهى إضافة موصوف إلى صفة نحو جانب الغرب ومسجد الجامع أجازه الكوفيون وتأويله عند البصر بين سدرة المكان منتهى وجعل المنتهى صفة لها لأنه ينتهي إليها مما يعرج به من الأرض فيقبض منها ويهبط به من فوقها فيقبض منها وينتهي إليها علم الخلائق وما خلقها غيب ويدل عليه ما يورد عليك من حديث ابن مسعود وكعب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ عندها جنة المأوى ﴾ وإضافة جنة إلى المأوى أيضا من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة جوزها الكوفيون ويؤله البصريون بجنة المكان المأوى قال عطاء عن ابن عباس معناه جنة يأوى إليها جبرائيل والملائكة وقال مقاتل والكلبي تأوى إليها أرواح الشهداء وجنة المأوى مبتدأ أو فاعل للظرف والجملة صفة لسدرة إن كانت الإضافة للعهد الذهني في قوة النكرة وإلا فهي حال عنها
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ إذ يغشى السدرة ما يغشى ﴾ الظرف متعلق يراه الموصول مع الصلة فاعل يغشى استعمال الموصول للتفخيم وصيغة المضارع بمعنى الماضي والمعنى غشيها ما لا يستطيع أحد أن ينعتها لحسنها أو لكثرة عددها أو لعدم درك كنهها وقد مر في حديث المعراج عن أنس فلما غشيتها من أمر الله ما غشي تغيرت في أحد من خلق يستطيع أن ينعتها من حسنها وروى مسلم عن ابن مسعود قال :﴿ إذا يغشى السدرة ما يغشى قال فراش من ذهب ﴾١ وكذا ذكر البغوي قول ابن عباس قال البغوي عن الحسن قال غشيها نور رب العزة فاستنارت قلت لعل نور رب العزة كعزة كذا كنى بفراش من ذهب وقال مقاتل تغشيها الملائكة أمثلة الغربان.
وقال السدي من الطيور وروي عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه أو غيره قال غشيها نور الخلائق وغشيتها الملائكة من حب الله أمثال الغربان حتى يقعن على الشجر قلت : ولا منافاة بين تغشية نور رب العزة وتغشية الملائكة فإن تغشية الملائكة إنما هي لأجل تغشية نور رب العزة كما يدل عليه قول غشيها من الملائكة من حب الله أمثال الغربان وتغشية النور من قبيل التجليات النورية والله تعالى أعلم
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم


١ خرجه مسلم في كتاب الإيمان: باب: ذكر سدرة المنتهى ١٧٣.
قال البغوي يروي في الحديث رأيت على كل ورقة منها ملكا قائما يسبح الله تعالى :﴿ ما زاغ البصر ﴾ يعني ما مال البصر النبي صلى الله عليه وسلم يمينا ولا شمالا وما أخطر في النظر بل أثبته إثباتا صحيحا ﴿ وما طغى ﴾ أي ما جاوز عن المحبوب إلى غيره.
من العشق وحالاته أحرق قلبي بحرارته
ما نظر العين إلى غيركم أقسم بالله وآياته.
قيل معناه ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم

﴿ لقد رأى ﴾ أي لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ من آيات ربه الكبرى ﴾ مفعول فرأى ومن آيات ربه حال منه مقدم عليه ومن للتبعيض يعني والله لقد رأى محمد الكبرى من آيات ربه وجاز أن يكون من زائدة وآيات ربه مفعول به الكبرى صفة لها، وجاز أن يكون المفعول محذوفا تقديره لقد رأى شيئا من آياته ربه الكبرى والمراد بالآيات العجائب الملكوتية التي رأها في ليلة المعراج في مسيرة وعوده من البراق والسماوات والأنبياء والملائكة والسدرة المنتهى وجنة المأوى روى مسلم عن عبد الله ابن مسعود قال :﴿ لقد رأى من آيات ربه الكبرى ﴾ قال رأى جبرائيل في صورته له ستمائة جناح١ وروى البخاري عنه ﴿ لقد رأى من آيات ربه الكبرى ﴾ قال رأى رفرفا أخضر سد الأفق٢ وإنما وصف تلك الآيات بالكبرى لتجليات مخصوصة في تلك الآيات وكونها مهبط الرحمة والبركة وإلا فكل ممكن آية كبرى على وجود صانعه ودليل واضح مكتفي لا يحقر منها شيء قال الله تعالى :﴿ إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ﴾ ٣ فإن قيل هذه الآية تؤيد قول من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رأى مرتين جبرائيل عليه السلام دون الله سبحانه لأن رؤية الآيات غير رؤية الذات ؟ قلنا رؤية الآيات لا ينافي رؤية الذات بل الآيات قد يجلى فيه الذات كما أن الشمس يتجلى في المرآة. فإن قيل قد ذكرت في تفسير قوله تعالى :﴿ وما طغى ﴾ يعني ما جاوز بصره عن المحبوب على غيره فكيف يتصور رؤية الآيات ؟ قلت : المقصود من رؤية الآيات إنما هي الذات ومن ثم تكون الآيات مرآة للذات فحين رأى الآيات جاوز نظره عنها إلى الذات وحين رأى الذات لم يتجاوز عنه إلى غيره أصلا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة المعراج
في الصحيحين عن أنس ابن مالك عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذا أتاني آت فشق بين هذه وهذه يعني من ثغرة نحره إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد وفي رواية ( ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بداية دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبرائيل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد أرسلت إليه ؟ قال نعم قيل مرحبا به فتعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح فذكر نحو ما ذكر في السماء الدنيا وكذا ذكر كل السماء قال فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحي وهذا عيسى فسلم فسلمت عليهما فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وذكر في السماء الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى كل قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال عليه السلام :( فلما جاوزت بكى يعني موسى قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي ثم صعد بي إلى السماء السابعة فذكر الاستفتاح وغير ذلك نحو ما مر وذكر هناك إبراهيم قال جبرائيل هذا أبو ك إبراهيم فسلم عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجروا إذا ورقها مثل آذان الفيلة قاتل هذه سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبرائيل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع بي إلى البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم فرجعت ومررت على موسى فقال بما أمرت ؟ قلت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشرات فرجعت إلى موسى فقال مثله فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال عن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فأرجع إلى ربك واسأله التخفيف لأمتك قلت سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم قال فلما جاوزت نادى منادي أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )١ وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار دون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء } وقال ابن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انتهينا إلى بيت المقدس قال جبرائيل بأصبعه فخرق بها الحجر وشد به البراق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرائيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرائيل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء ) وساق مثل معنى ما ذكر من الحديث ( قال فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير وقال في السماء الثالثة فإذا أنا بيوسف إذا هو أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا بي خير ولم يذكر بكاء موسى وقال في السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه وفي رواية قال جبرائيل هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لا يعودوا آخر ما عليهم ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها وأوحى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فلذلك خمسون من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمل بها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب له بشيء فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه. وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة فذكر شق الصدر نحو ما ذكر ولم يذكر البراق قال ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئت إلى السماء الدنيا فقال جبرائيل الخازن السماء افتح فذكر نحوه، فلما فتح علوانا السماء الدنيا إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبرائيل من هذا قال هذا لآدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والاسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى فذكر أنه وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قال وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة، قال ابن شهاب فأخبرني ابن جزم أن ابن عباس وأبا حية الأنصاري كانا يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام وقال ابن جزم وأنس ففرض الله على أمتي خمسين فرجعت بذلك حتى مررت على موسى قال ما فرض الله لك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق فراجعه فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقلت وضع الله شطرها فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا يطيق فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال راجع ربك، فقلت استحييت من ربي فانطلق بي حتى انتهى بي إلى السدرة وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذا اللؤلؤ وإذا ترابها المسك، وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فأصعب عليه فقال جبرائيل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه فارفض عرقا، وروى مسلم عن ابن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى السدرة المنتهي وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج بها من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، وذكر البغوي أنه قال هلال ابن يسار سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال إنها سدرة في أصل العرش وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله قلت ومعنى قوله إليها ينتهي علم الخلائق يعني أن بعض المخلوقات يعني الملائكة يحضرون إلى سدرة المنتهى ولا يتجاوزها أحد من الخلائق فما ورائها غيب من كل وجه وأما سدرة المنتهى فهي وإن كان غيبا بالنسبة إلى البشر فليس يغيب بالنسبة إلى بعض الملائكة وروى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال :( يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال ) وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار وجميع الألوان لو أن ورقة منها وضعت في الأرض أضاءت لأهل الأرض وهي طوبي التي ذكرها الله في سورة الرعد.
مسألة.
أجمع المؤمنون من أهل السنة والجماعة أن معراجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة حق فقيل مسراه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى الأقصى قطع ثابت بقوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ الآية فيكفر جاحده وأما معراجه إلى السماء السابعة وما فوقها فثبت بأحاديث صحاح فينسق جاحده ولا يكفر والصحيح أن معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السدرة المنتهى قطع ثابت بهذه الآية يكفر جاحده. فإن قيل ما رواه الشيخان في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله قال سمعت أني ابن مالك يقول ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق حديث المعراج بقصته قال فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عله قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أزفر قال ما هذا يا جبرائيل ؟ قال هذا الكوثر الذي هيأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي على السماء السابعة وقال : قال موسى رب لم أظن أن يرفع على أحد ثم علا به بما جلا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان مكنه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه ما أوحى الله خمسين صلاة كل يوم وليلة قال فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم أجبته موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى هذا فضعفوا عنه وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرائيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرائيل فرفعه عند الخامسة فقال يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وإسماعهم وأبصارهم فخفف عنا فقال الجبار يا محمد فقال لبيك وسعديك قال لأنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فقال موسى ارجع إلى ربك فسأله فليخفف عنك أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام٢ هذا لفظ البخاري ورواه مسلم مختصرا يدل على كون المعراج في المنام ؟ قلنا : طعن بعض أهل الحديث على هذا الحديث وقالوا وجدنا لمحمد ابن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا وهذا وأحال الآفة فيه إلى شريك ابن عبد الله وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحي إليه واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثني عشر سنة قبل الهجرة بسنة، وقال بعض أهل الحديث إن هذا كان رؤيا في المنام أراه عز وجل قبل الوحي وهو في المسجد الحرام ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ﴾ ٣ والله تعالى أعلم


١ خرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: ذكر دؤرة المنتهى {١٧٤).
٢ خرجه البخاري في كتاب: التفسير باب: {لقد رأى من آيات ربه الطبرى) {٤٨٥٨).
٣ ورة الحج الآية: ٧٣.
ولما ذكر سبحانه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه وآيات ربه وتعلمه صلى الله عليه وسلم منه تعالى وتصديق قلبه أردفه بذلك تقبيح الكفار بقصر نظرهم على مجازه لا حقيقة لها فقال ﴿ أفرأيتم ﴾ الاستفهام للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره أنظرتم ما تعبدونه فرأيتم ﴿ اللات والعزى ﴾ هذه أسماء أصنام اتخذوها آلهة يصدونها ويزعمون الملائكة بنات الله ويزعمون الأصنام هياكل الملائكة ويقولون الأصنام استوطنها جنيات هن بنات الله واشتقوا لها أسماء من أسماء الله تعالى فاشتقوا من الله اللات ومن العزيز العزى تأنيث الأعز وقيل اللات أصله لوية على وزن فعلة من لوى يلوي لأنهم كانوا يلوون عليها أي يطوفون حولها قلبت الواو ألفا وحذفت الياء على خلاف قياس وضعت تاء التأنيث مكانها فكتبت طويلا، قرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح ورويس بتشديد التاء على أنه سمى به لأنه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن ويطعم الحاج فلما مات كانوا عكوفا على قبره ثم كانوا يعيدونه وقال قتادة كانت اللات صنما لثقيف بالطائف وقال ابن زيد كانت بيت بنخلة تعبده قريش. وأما العزى قال مجاهد هي شجرة بغطفان كانوا يعبدونها وقال ابن إسحاق كانت بيتا بنخلة وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان حلفاء بني هاشم كانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة كان عمرو ابن لحي قد أخبرهم أن الرب يشتى بالطائف عند اللات ويصيف بالعزى فعظموهما وبنوا لهما بيتا وكانوا يهدون إليه كما يهدون إلى الكعبة وروى البيهقي عن أبي الطفيل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة خالد ابن الوليد فأتاها خالد فقطع السمرات وهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل رأيت شيئا قال لا قال فإنك لم تهدمها فرجع خالد وهو مستيقظ فلما رأت السدنة خالدا انبعثوا في الحيل وهم يقولون يا عزى خليه يا عزى عوديه وإلا فموتي برغم فخرجت إليه سوداء عريانة ناشرة الرأس تحتوا التراب على رأسها ووجهها فجرد سيفه وهو يقول كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك فضربها بالسيف فخبر بها باثنين ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره قال نعم تلك العزى قد يئست أن تعبد ببلدكم أبدا. وقال الضحاك هي صنم بغطفان وضعها سعد ابن ظالم الغطفاني وذلك أنه قدم مكة فرأى الصفا والمروى ورأى أهل مكة يطوفون بينهما فعاد إلى بطن نخلة وقال لقومه : إن لأهل مكة الصفا والمروة وليست لكم ولهم إله يعبدونه وليس لكم قالوا فما تأمرنا قال أنا أصنع لكم كذلك فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة نقلها إلى النخلة فوضع الذي أخذ من الصفا فقال هذا الصفا ثم وضع الذي أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد ابن الوليد إلى العزى فقطعها
﴿ ومناة ﴾ قرأ ابن كثير بمد وهمزة على أنه مفعلة من النوء كأنهم يستمطرون الأنواء عندها تبركا بها أصله منواة قلبت الواو ألفا بعد ثقل حركتها إلى ما قبلها والباقون بلا مد وهمزة فهي فعلة من مناة إذا قطعه فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين، قال قتادة هي لخزاعة كانت بقديد وقالت عائشة رضي الله عنها، في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت حذوة قديد وقال ابن زيد بيت كان بالمشال تعبده بنو كعب وقال الضحاك صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة وقال بعضهم اللات والعزى ومناة كانت في جوف الكعبة يعبدونها، ذكر محمد ابن يوسف الصالحي في سبيل الرشاد أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة سعد ابن سد الأشهلي إلى مناة وهو بالمشلل وهو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد لست بقين من رمضان في فتح مكة وكانت مناة الأوس والخزرج وغسان فخرج سعد في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن فقال السادن ما تريد ؟ قال هدم مناة، قال وأنت ذاك فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعوا بالويل وتضرب صدرها فقال السادن مناة دونك بعض غضبانك ويضربها سعد ابن زيد الأشهيلي فقتلها ويقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه.
اختلف القراء في الوقف على اللات ومناة فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء، وقال بعضهم ما كتب في المصحف بالتاء يعني اللات يوقف بالتاء وما كتب بالهاء يعني مناة يوقف عليه الهاء ﴿ الثالثة ﴾ صفة لمناة أي الثالثة للصنمين المذكورين ﴿ الأخرى ﴾ صفة لمناة بعد صفة للتأكيد أو الأخرى من التأخر في الرتبة واللات والعزى ومناة منصوبان على أنها مفعول أول لرأيتم ومفعوله الثاني محذوف تقديره تم ما تعبدونه فرأيتم اللات والعزى ومناة بنات الله تعالى البتة مستحقة للعبادة يعني ليس كذلك والله تعالى أعلم
قال الكلبي كان المشركون بمكة يقولون الأصنام والملائكة بنات الله وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره فقال الله تعالى منكرا عليهم ﴿ ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ٢٢ ﴾ قال ابن عباس وقتادة أي قسمة جائرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم وقال مجاهد ومقاتل أي قسمة عرجا، وقال الحسن غير معتدل قرأ ابن كثير ضيزى بالهمزة من ضئزه إذا ظلمه على أنه مصدر لعت به مبالغة يعني ظالمة والباقون بالياء قال الكسائي يقال ضاز يضيز ضاز أو ضاز يضوز ضوزا وضاز يضاز إذا ظلم ونقض قلت : ليس هذا ضاز ويضوز بل هو يائي من ضاز يضيز على وزن باع يبيع أو ضاز يضاز على وزن نال ينال وأصل ضيزى فعلى بضم الفاء لأنها صفة والصفات لا تكون ألا على فعلى بضم الفاء كحبلى وأنثى أو فعلى بفتح الفاء نحو غضبى وسكرى وعطشى وليس في كلام العرب بكسر الفاء في النعوت وإنما يكون في الأسماء كذكرى وشعرى وإنما كسر الضاد هاهنا لشلا ينقلب الياء وأوفينبس بناءه كذا قالوا في جمع الأبيض بيض والأصل بضم الفاء مثل حمر وصفر
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢١:قال الكلبي كان المشركون بمكة يقولون الأصنام والملائكة بنات الله وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره فقال الله تعالى منكرا عليهم ﴿ ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ٢٢ ﴾ قال ابن عباس وقتادة أي قسمة جائرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم وقال مجاهد ومقاتل أي قسمة عرجا، وقال الحسن غير معتدل قرأ ابن كثير ضيزى بالهمزة من ضئزه إذا ظلمه على أنه مصدر لعت به مبالغة يعني ظالمة والباقون بالياء قال الكسائي يقال ضاز يضيز ضاز أو ضاز يضوز ضوزا وضاز يضاز إذا ظلم ونقض قلت : ليس هذا ضاز ويضوز بل هو يائي من ضاز يضيز على وزن باع يبيع أو ضاز يضاز على وزن نال ينال وأصل ضيزى فعلى بضم الفاء لأنها صفة والصفات لا تكون ألا على فعلى بضم الفاء كحبلى وأنثى أو فعلى بفتح الفاء نحو غضبى وسكرى وعطشى وليس في كلام العرب بكسر الفاء في النعوت وإنما يكون في الأسماء كذكرى وشعرى وإنما كسر الضاد هاهنا لشلا ينقلب الياء وأوفينبس بناءه كذا قالوا في جمع الأبيض بيض والأصل بضم الفاء مثل حمر وصفر
﴿ إن هي ﴾ الضمير للأصنام فإن كان المراد بالأصنام أجرام الحجارة فالمعنى ما تلك الحجارة باعتبار الألوهية شيئا مستحقا للألوهية ﴿ إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ﴾ جملة سميتموها الخ وجملة ما أنزل الله صفتان لأسماء والضمير للأصنام مبتدأ والمستثنى المفرغ خبره والمعنى ما تلك الحجارة آلهة إلا آلهة اسمية باصطلاحكم من غير داع إليه وما جعل الله على ألوهيتها واستحقاقها على للعبادة حجة، وجاز أن يكون الضمير للأصنام باعتبارها ما يدعي أن الكفار أنها حقائق ملكيته أو غير ذلك حالة فتلك الأصنام وهي بنات الله وشفعاء فالمعنى ما هي شيئا في الواقع إلا أسماء بلا مسمى تخيلتم وجودها وسميتموها بأسماء مثل اللات والعزى وبنات الله وشفعاء وحالة في الأصنام ما أنزل الله على وجودها برهانا، وجاز أن يكون الضمير راجعا إلى الأسماء المذكورة والمعنى ليست الأسماء المذكورة من اللات العزى شيئا إلا أسماء مجعولة لكم من غير استحقاق ومنشأ انتزاع فإنهم يطلقون اللات باعتبار استحقاقها الألوهية والعكوف عليها والعزى بعزتها ومناة لاستحقاقها التقرب إليها بالقرابين وجاز أن الضمير راجعا إلى الصفة التي يصفونها بها من كونها إلهة وبنات الله وشفعاء يعني ليست تلك الصفات التي تصفونها بها إلا أسماء من غير حقيقة وصدق في نفس الأمر ﴿ إن يتبعون ﴾ أي الكفار في تسميتها ﴿ إلا الظن ﴾ الحاصل بتقليد الآباء من غير دليل صحيح أو المعنى إلا توهما بإطلاق ﴿ وما تهوى الأنفس ﴾ يعني ما تشتهيه أنفسهم الجملة بيان أو بدل من قول ما أنزل الله بها من سلطان فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة وإشارة إلى ترك مخاطبة هؤلاء السفهاء كما يصرح فيما بعد بقوله فأعرض عمن تولى ﴿ ولقد جاءهم من ربهم الهدى ﴾ أي ما يهتدي به على الحق القطع يعني الرسول أو الكتاب { فلم يتبعوه وتركوه والجملة معترضة
﴿ أم للإنسان ما تمنى ﴾ أم منقطعة ومعنى بل فيه للابتداء ومعنى الهمزة للإنكار يعني ليس للإنسان كل ما يتمناه والمراد نفي طمعهم في شفاعة الأصنام وقولهم ﴿ ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ﴾١ وقولهم ﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ ٢ ونحوها
١ سورة فصلت الآية ٥٠.
٢ سورة الزخرف الآية ٣١.
﴿ فلله الآخرة والأولى ﴾ الفاء للسببية والجملة تعليل للنفي المفهوم مما سبق يعني ليس للإنسان كل ما يتمناه بأن الدار الآخرة والدار الأولى كل واحدة منهما مملوكة لله مختص به يعطيهما من يشاء ويمنعهما ممن يشاء لا دخل في منعه وإعطائه لتمني متمني ولا لشيء آخر غير إرادته تعالى
﴿ وكم من ملك ﴾ كائن ﴿ في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ﴾ من الغناء ولا ينفع في حين من الأحيان ﴿ إلا من بعد أن يأذن الله ﴾ في الشفاعة ﴿ لمن يشاء ﴾ من الملائكة أن يشفع أو من الناس أن يشفع له ﴿ ويرضى ﴾ بشفاعة له مع كونهم عباد الله المكرمين المقربين فكيف يرجون هؤلاء شفاعة الأصنام والآية رد لقولهم هؤلاء شفعاءنا عند الله وقال البغوي معنا كم من ملك في السموات ممن يعيدهم هؤلاء الكفار ويرجون شفاعتهم عند الله يعني شفاعتهم.
﴿ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾ يعني كفار مكة والتعبير بالموصول لبيان جهلهم ﴿ ليسمون الملائكة ﴾ أي كل واحد منهم ﴿ تسمية الأنثى ﴾ حيث يقولون أنها بنات الله لما كان هذا القول في غاية الاستعباد وجريا بالإنكار أو ردا لكلام بالاستئناف والتأكيد بأن واللام جريا للسامع مجرى المنكر
﴿ وما لهم به ﴾ أي بهذا القول ﴿ من علم ﴾ الجملة حال من فاعل يسمون ﴿ إن يتبعون ﴾ أي لهؤلاء الكفار الجهال ﴿ إلا الظن ﴾ الحاصل بالتقليد أو التوهم الباطل من غير دليل وهذه الجملة بيان وتأكيد لقوله وما لهم به من علم ﴿ وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ﴾ إما منصوب على المصدرية ومن الحق ظرف لغو متعلق بلا يغني وأما منصوب على المفعولية ومن الحق حال منه المراد بالحق العلم لأنه عبارة عن الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع والواقع هو الحق والمعنى أن الظن لا يغني من العلم شيئا من الغناء أو لا يفيد شيئا من العلم يعني لا يقوم الظن الحاصل بالتقليد ونحوه مقام العلم الحاصل بدليل قطع سمعي أو عقلي فلا يجوز للعاقل اتباع الظن بل يجب طلب اليقين والجملة معترضة لتقبيح الكفار في اتباع الظن ولما كان صلابتهم في اتباع الظن والتقليد أمارة إنكارهم لهذه الجملة أو رد الجملة بالتأكيد. فإن قيل جاز في الشرع اتباع الظن في العمليات وغالبا مسائل الفقه مستنبطة من الأدلة الظنية وأيضا ثبت بأحاديث الآحاد ونحو ذلك كثير من القصص الماضية وتفاصيل نعم الجنة وعذاب جهنم وتفاصيل أخبار يوم المعاد فلو كان الظن لا يفيد شيئا من العلم لكان تعليمها عبثا ولا يجوز القول بها ولا العمل بالفقه والاعتقاد بها ؟ قلنا معنى هذه الآية أنه لا يجوز اتباع الظن فيما يعارضه العلم الحاصل بدليل قطعي وإن الظن لا يفيد فائدة العلم إذ لا شك أن الأضعف لا يصادم الأقوى فمقتضى هذه الآية أن العقائد الحقة الثابتة بالأدلة القطعية العقلية أو الآيات المحكمات والأخبار المتواترات السمعية لا يجوز تركها باتباع الظن ويجب ما أمكن تحصيل العلم من الأدلة القطعية والعمل بها وفيها لا يوجد دليل قطعي فالعقل يحكم الجزم والاحتياط يوجب العمل بدليل ظني أي ما يفيد غلبة الظن بطريق صحيح مثلا إذا ثبت بدليل ظني أن الوتر واجب وأن صلاة الضحى سنة وأن البنج حرام وأن البيع بشرط فاسد ممنوع وليس هاهنا دليل قطعي يعارض هذا الظن فالعقل يحكم أن لا يترك الوتر ولا يشرب البنج ولا يباع بالشرط الفاسد مخافة العذاب وأن يصلي الضحى رجاء للثواب لأن احتمال جلب المنفعة عند تيقن عدم المضرة كان للإتيان واحتمال المضرة كان للاجتناب كما أن احتمال الحية في الحجر كاف للاجتناب عن وضع الأصابع هناك وأيضا ثبت بالأدلة القطعية من الأحاديث المتواترة بالمعنى بإجماع الأمة وبقوله تعالى :﴿ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ﴾ ١ وقوله تعالى :﴿ فاعتبروا يا أولي الأبصار ﴾ ٢ وجوب اتباع أحاديث الآحاد والقياس عند عدم معارضته ما هو أقوى منه فالظن في المسائل الفقهية إنما هي في الطريق وبعد ثبوت الظن الصحيح وجوب العمل بها ثابت بدليل قطعي وأخبار المبتدأ والمعاد الثابت بالنصوص الظنية القطعيات في القدر المشترك منها موجبة للعلم وأما تفاصيلها فغير معارضة بدليل أقوى منه فيجوز استفادة الترغيب أو للترهيب منها والله تعالى أعلم. وقيل المراد بالحق في الآية العذاب واللام في الظن للعهد ومعنى الآيتان ظن الكفار الحاصل بتقليد الآباء أو التوهم لا يدفع شيئا العذاب أو لا يدفع العذاب شيئا من الدفع
١ ورة التوبة الآية: ١٢٢.
٢ ورة الحشر: الآية: ٢.
﴿ فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ﴾ يعني القرآن أو الإيمان عن الاشتغال بذكر الله ﴿ ولم يرد ﴾ شيئا ﴿ إلا ﴾ شهوات ﴿ الحياة الدنيا ﴾ انهمك فيها بحيث كان منتهى همته مبلغ علمه الدنيا فحسب الفاء السببية والموصول وضع موضع المضمر لتأكيد سببية الأعراض يعني إذا حملت جهلهم وسفاهتهم وسخافات عقلهم أنهم يتبعون الظن ويتركون ما جاءهم من ربهم الهدى ويختارون عبادة حجارة لا تضر ولا تنفع ويتولون عن الاشتغال بالرحمان الواحد القهار فأعرض عنهم حيث لا تفيد دعوتك فيهم فإنهم كالأنعام بل هم أضل ولما كان بعض حركاتهم وسكناتهم مفيدة في الدنيا الدالة على إدراكاتهم موهمة لهم نصيبا من العقل قال الله تعالى لدفع ذلك الوهم قوله ﴿ ذلك مبلغهم من العلم ﴾
﴿ ذلك ﴾ يعني أمر الدنيا وكونها شبهة ﴿ مبلغهم من العلم ﴾ يعني لا يتجاوز علمهم وعقلهم من العلم بالأمور المعاشية والتعقل بها وذلك غير معتد به عند الله أعلم أن العلم والعقل كل منهما مخلوقة لله تعالى على حسب ما أراد وليست الأسباب إلا أسبابا عادية وليست الأسباب أسبابا حقيقة كما زعمته الفلاسفة فالله تعالى أنشأ يخلق العلم بعدما أراد الآيات وإلا فلا ﴿ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ﴾ فيجازي كلا على حسب الضلالة واهتدائه هذه الجملة وعدو تعلل لما سبق من الأمر بالإعراض يعني لا تهتم بهم نحن نكفيهم للجزاء
﴿ ولله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ ملكا وخلقا عطف على الجملة السابقة يعني هو الأعلم بهم وهو إلهكم وخالقهم يفعل بهم ما يشاء وما يقتضيه الحكمة ﴿ ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ﴾ اللام متعلق بمضمون الجملتين السابقتين يعني خلق العالم وميز الضال من المهتدي وحفظ أحوالهم ليجزي الذين أساؤوا بالشرك والعصيان بسبب أعمالهم من الإشراك والمعاصي ويجزي الذين أحسنوا أعمالهم بالإخلاص بالحسنى أي المثوبة الحسنى يعني الجنة أو بالأحسن من أعمالهم وهي الإخلاص أو لسبب الأعمال الحسنى
﴿ الذين يجتنبون ﴾ بدل من الذين أحسنوا أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم الذين يجتنبون ﴿ كبائر الإثم ﴾ قرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإثم على صيغة الآخر أو على إرادة الجنس فهو إضافة صفة إلى موصوفها نحو أخلاق ثياب والمراد بكبير الإثم الشرك فإن الشرك عظيم وقرأ الباقون كبائر بصيغة الجمع أصناف الكبائر إلى جنسه على طريقه كرام البشر وجياد الدرهم وقد ذكر تحقيق الكبائر من الذنوب في سورة النساء في تفسير قوله تعالى :﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ١ { والفواحش ﴾ إما عطف تفسيري أو المراد أفحش من الكبائر خصوصا قيل أريد به ما شرع فيه الحد ﴿ إلا اللمم ﴾ يعني ما صدر من العبد بلا إصرار ثم تاب عنه ولا يكون له عادة وإقامة عليه بل حينا بعد حين يقال فلان يفعل كذا أي حينا بعد حين كذا وقال الجوهري قال البغوي وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عن عطاء عن ابن عباس قال السدي قال أبو صالح سئلت عن قول الله عز وجل ﴿ إلا اللمم ﴾ فقلت هو الرجل يلم بالذنب أي يقربه ثم لا يعاوده فذكرت ذلك لابن عباس فقال لقد أعانك عليها الملك الكريم، قال البغوي وروينا عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى إلا اللهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما ﴾ فالاستثناء متصل كما هو الأصل قيل اللمم الصغار من الذنوب كذا في القاموس فهو كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا، قال البغوي وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة ومسروق والشعبي ورواية طاووس عن ابن عباس روى البخاري عن ابن عباس قال ما رأيت أشبه باللمم بما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إن كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه لذلك لا محالة فزنا العين والنظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمني وتشتهي الفرج يصدق ذلك ويكذبه ﴾ ٢ ورواه سهل ابن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وزاد العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطأ ﴾ وقال الحسن ابن الفضل اللمم النظرة من غير تعمل فهو مغفور فإن عاد النظرة فليس بلمم وعلى هذا اللمم أخص من صغائر الذنوب وقال سعيد ابن المسيب ما لم على القلب أي خطر وهذا يناسب ما قال الجوهري من قولك ألممت بكذا أي أنزلت به وقاربته من غير موافقة وعلى هذه الأقوال الاستثناء منقطع وقال الكلبي اللمم على وجهين كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة فذلك الذي تكفره الصلاة ما لم تبلغ الكبائر والفواحش والوجه الآخر هو الذنب العظيم الذي يلم به المسلم مرة فيتوب منه قلت : وقول الكلبي هذا ليس قولا مغايرا للأقوال وإلا يلزم عموم الشرك أو الجمع بين الحقيقة والمجاز بل هو اختيار القولين الأولين على وجه الاحتمال كما روى القولين المذكورين عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنه والله تعالى أعلم ﴿ إن ربك واسع المغفرة ﴾ يغفر لمن يشاء ما يشاء من الذنوب صغائرها وكبائرها بتوبة وبلا توبة عقب الله تعالى وعيد المسيئين وعد المحسنين بهذه الآية لئلا ييئس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى كما قال به أهل الهواء من المعتزلة أخرج أبو نعيم عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل قل لأهل طاعتي من أمتك أن لا يتكلوا على أعمالهم فإني لا أناصب عند الحساب يوم القيامة ما أشاء أن أعذبه إلا عذبته وقل لأهل معصبتي من أمتك لا يلقوا بأديهم فإني أغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي ) والله تعالى أعلم ثم عقب ذلك قوله ﴿ هوأعلم بكم ﴾ أي بصنيعكم وسعادتكم وشقائكم وما يصير إليه أمركم وأفعل هاهنا بمعنى الفعيل إذا لا علم لأحد غير الله تعالى بما يصدر من الإنسان قبل وجوده كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ إذ أنشأكم ﴾ أي أنشأ أباكم آدم ﴿ من الأرض ﴾ فإن علمه تعالى بالأشياء قديم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه على الماء )٣ رواه مسلم من حديث عبد الله ابن عمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب قال ما أكتب ؟ قال أكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن إلى الأبد ) رواه الترمذي من حديث عبادة ابن الصامت وقال هذا حديث غريب إسناده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار )٤ رواه مالك والترمذي وأبو داود من حديث عمر ابن الخاطب ﴿ وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ﴾ معطوف على إذ أنشأكم وكلا الظرفين متعلق بأعلم. عن ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق :( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي سعيد ثم ينفخ فيه الروح فوا للذي لا غلاه غيره إن أحدكم ليعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الإذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها }٥ متفق عليه ﴿ فلا تزكوا أنفسكم ﴾ أي تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير أو بالطهارة عن المعاصي والرذائل إذ لا علم لكم بعواقب أموركم قال الحسن علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة فلا تزكوا أنفسكم فلا تبروها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها وكذا قال ابن عباس قال الكلبي ومقاتل كان الناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فأنزل الله تعالى هذه الآية وأخرج الواحدي والطبراني وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت ابن الحارث الأنصاري قال كانت اليهود تقول إذ هلك لهم صبي صغيرة هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد } فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية ﴿ هو أعلم بكم إذ أنشأكم ﴾ الآية ﴿ هو أعلم بمن اتقى ﴾فإنه يعلم من يختم له منكم على التقوى وإخلاص العمل قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام.
١ خرجه البخاري في كتاب الاستئذان باب، زنا الجوارح دون الفرج (٦٢٤٣).
٢ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام (٢٦٥٣).
٣ خرجه الترمذي في كتاب القدر (-٢١٥٥).
٤ خرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن باب ومن سورة الأعراف (٣٠٧٥) وأخرجه أبو داود في كتاب السنة باب في القضاء (٤٦٩١).
٥ أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة (٣٢٠٨) وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب كيفية خلق الأدمي في بطن أمه (٢٦٤٣).
﴿ أفرأيت ﴾ الاستفهام للتعجب والفاء للعطف على محذوف يعني أنظرت يا محمد ﴿ الذي تولى ﴾ عن اتباع الحق والثبات عليه يعني الوليد ابن المغيرة كان قد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين وقال لم تركت دين الأشياخ وضللتهم قال إني خشيت عذاب الله فضمن الذي عاتبه إن هو أعطاه كذا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله فرجع الوليد إلى الشرك
﴿ وأعطى ﴾ الذي عيره بعض ذلك المال الذي ضمنه ومنعه فأنزل الله تعالى :﴿ أفرأيت الذي تولى ﴾ أدبر عن الإيمان وأعطى صاحبه ﴿ قليلا وأكدى ﴾ أي بخل بالباقي كذا وقال البغوي وأخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه قال إن رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيره فقال تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار قال إني خشيت عذاب الله قال أعطني شيئا وأنا أحمل كل عذاب كان عليك فأعطاه شيئا فقال زدني فتفاسر حتى أعطاه شيئا وكتب له كتابا وأشهد له ففيه نزلت ﴿ أفرأيت الذي تولى ﴾ الآية وقال مقاتل أعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم أكدى قطعه وأمسك ولم يتم على العطية قال السدي نزلت في العاص ابن وائل السهمي وذلك أنه ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور وقال محمد ابن كعب القرظي نزلت في أبي جهل وذلك أنه قال ما يأمرنا محمد المكارم الأخلاق فلذلك قوله تعالى :﴿ وأعطى قليلا ﴾ من الإقرار بالحق وأكدى أي لم يؤمن ومعنى أكدي قطع وأصله من الكدية وهي حجر صلب يظهر في البئر يمنع من الحفر يقول العرب أكدى الحافر والجبل إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل
﴿ أعنده علم الغيب ﴾ استفهام للإنكار ﴿ فهو يرى ﴾ الفاء للسببية يعني إن كان عنده علم الغيب فهو يعلم أن صاحبه يتحمل عنه إذا أشركه لما أخذ من ماله
﴿ أم لم ينبأ ﴾ أي لم يخبر ﴿ بما في صحف موسى ﴾ يعني أسفار التوراة
﴿ و ﴾ ﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ ما أمره الله به وأتمه حتى قام بذبح ابنه وبلغ رسالات به واحتمل من الخلق أذى حتى صبر على نار نمرود وابتلاه ربه بكلمات فأتمهن والتوفية الإتمام وروى البغوي بسنده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( وإبراهيم الذي وفى قال صلى أربع ركعات أول النهار ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن معاذ ابن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا أخبركم لم سمي إبراهيم خليل الله الذي وفى أنه كان يقول كلما أصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى ختم الآية ) وروى الترمذي عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال ( يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره )١ رواه أبو دواد والدارمي عن نعيم الغطفاني وأحمد عنهم وقدم موسى لأنه صحفه يعني التوراة كان أشهر وأم قيل منقطعة لأن من شرط المتصلة أن يليه أحد المتساويين والآخر الهمزة هاهنا ليس كذلك قلت : جاز أن يقال في تأويل الآية أعنده علم الغيب بتوسط الأنباء أو بلا توسط بأنه يتحمل عنه غيره أم ليس عنده علم الغيب الحاصل بتوسط الأنباء والكتب أيضا بأنه لا يتحمل أحد عن غيره والاستفهام للإنكار يعني ليس عنده علم الغيب يتحمل أحد عن غيره وعنده علم حصل بالتوراة والشهرة بما في الكتب السماوية بعدم التحمل
١ أخرجه الترمذي في كتاب الوتر، باب ما جاء في صلاة الضحى (٤٧١).
﴿ ألا تزر ﴾ أي لا تحمل نفس ﴿ وازرة ﴾ نفس حاملة ﴿ وزر ﴾ نفس ﴿ أخرى ﴾ يعني لا يؤخذ نفس بأثم غيره أن مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن محذوف والجملة خبره وهي مع اسمها وخبرها في محل الجر بدلا مما في صحف موسى أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو كأنه قيل ما في صحفها فأجاب به. قال البغوي روى عكرمة عن ابن عباس قال كانوا قبل إبراهيم يأخذون الرجل بذنب غيره وكان الرجل يقتل أبيه وابنه وأخيه وامرأته وعبده حتى جاء إبراهيم فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى قلت : لم يكن ذلك حكما شرعيا بل حكما جاهليا كما كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أيضا في الأوس والخزرج كان أحد الحيين شريفا ذا ثروة من الأخرى فكانوا يقتلون بامرأة من الشريف رجلا من الآخر وبعبد حر أو بواحد اثنين حتى نزلت ﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾١
وقد ذكرنا القصة في سورة البقرة وهذه الآية لا يخالف قوله تعالى :﴿ كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ﴾ ٢ وقوله صلى الله عليه وسلم ( من سن سنة سيئة فعله وزرها ووزر من عمل بها على يوم القيامة } ٣ أخرجه أحمد ومسلم من حديث جرير رضي الله ابن عبد الله رضي الله عنه فإن ذلك للدلالة والتسبب الذي هو وزره ولذا ورد في الحديث ( من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا ) وكذا قوله تعالى :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ ٤ وقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم )٥ متفق عليه من حديث ابن عمر محمول على ترك الأمر بالمعروف نحو قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب )٦ رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي بكر الصديق مسألة اختلف أقوال السلف في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه وقد ورد في الصحيحين عن عبد الله ابن مليكة قال توفيت بنت لعثمان ابن عفان بمكة فجئنا نشهد وحضر ابن عمر وابن عباس فقال ابن عمر لعمر ابن عثمان وهو مواجهة ألا تنتهي عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه )٧ فقال ابن عباس قد كان يقول بعض ذلك ثم حدث وقال لما أن أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول واأخاه واصحباه فقال عمر يا صهيب أتبكي على وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه ) فقال ابن عباس فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ولكن إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت عائشة حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى قال ابن عباس عند ذلك والله أضحك وأبكى قال ابن أبي مليكة فما قال ابن عمر شيئا قلت وتخطئة عائشة عمر رضي الله عنها ضعيف وقد كان عمر أفقه من عائشة وكان شهادة الإثبات وتأيد حديث عمر بأحاديث أخر منها حديث المغيرة ابن شعبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه )٨ ومنها حديث أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو يعلى بلفظ :( الميت ينضج عليه الحميم ببكاء الحي ) ومنها حديث أنس وعمران ابن حصين عند ابن حبان في صحيحه وحديث سمرة ابن جندب عند الطبراني في الكبير وحديث أبي هريرة عند أبي يعلى فظهر أن الحديث صحيح بقي الكلام في تعارض الحديث بقوله تعالى :﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ فقال بعض العلماء إن التعذيب بالبقاء مختص بالكافر أو ممن أوصى به لا بسبب البكاء والباء للحال أي يعذب حال بكائهم عليه والقولان عن عائشة لا يصحان لأن القول باختصاص التعذيب بالكافر لا يدفع التعارض لأن قوله تعالى ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ يعم المؤمن والكافر وألفاظ الحديث ببعض طرقها يأبى عن كون الباء للحال ألا ترى أن قوله ( ينضج الحميم بالبكاء الحي ) صريح في التعذيب في الآخرة فإن الحميم إنما هو الجحيم لا في الغير فكف يتحد زمان التعذيب زمان البكاء الحي فلا يتصور كونه حالا، وقيل المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يندب به أهله الحديث الترمذي والحاكم وابن ماجه مرفوعا ( ما من ميت يموت فتقوم نادبة فتقول واجبلاه واسيداه شبه ذلك من القول إلا وكل به ملكان يلهزانه وهكذا كنت ) ٩ قلت وهذا التأويل أيضا لا يدفع التعارض فإن التوبيخ بفعل غيره أيضا مما يمنعه لا تزر وازرة وزر أخرى وقيل المراد بالتعذيب تألم الميت بما يقع من أهله الحديث الطبراني وابن أبي شيبة عن قيلة بنت محترمة أنها ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدا لها مات ثم بكت رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحية فيا عباد الله لا تعذبوا أمواتكم ) وهذا القول عليه ابن جرير وما اختاره الأئمة آخرهم ابن تيمية وأخرج سعيد ابن منصور عن ابن مسعود أنه رأى نسوة في جنازة فقال ارجعن مأزورات غير مأجورات إنكن تفتن الأحياء وتؤذين الأموات، والقول الصحيح في دفع التعارض أن الحديث فيمن كان النوح من سنته أو فيمن أوصى به أو فيمن لم يوص بتركه إذا علم أن من شأن أهله أنهم يفعلون فيكون التعذيب على وزره دون وزر غيره واختار البخاري هذا القول
١ ورة البقرة الآية ١٧٨.
٢ ورة المائدة الآية ٣٢.
٣ خرجه مسلم في كتاب: الزكاة باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار {١٠١٧):.
٤ ورة الأنفال الآية ٢٥:.
٥ أخرجه البخاري في كتاب: الفتن باب إذا أنزل الله بقوم عذابا {٧١٠٨) وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب: الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت {٢٨٧٩).
٦ أخرجه الترمذي في كتاب الفتن باب: ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر {٢١٦٧) وأخرجه أبو داود في كتاب الملاحم باب: الأمر والنهي {٤٣٢٩) وأخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن باب: الأمر بالمعروف والنهي عنا لمنكر {٤٠٠٥).
٧ أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز باب: ما يرخص من البكاء من غير نوح {١٢٨٦) وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه {٩٢٧.
٨ أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز باب: ما يكره من النياحة على الميت {١٢٩١) وأخرجه مسلم في كتاب: الجنائز باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه {٩٣٣).
٩ خرجه الترمذي في كتاب الجنائز باب: ما جاء في كراهية البكاء على الميت {٩٩٧).
﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ أي إلا سعيه يعني كما لا يؤخذ أحد بذنب غيره لا يثاب بفعل غيره أيضا عطف على أن لا تزر كلا الحكمين كانا في صحف إبراهيم وموسى ومستدلا بهذه الآية قال الشافعي لا يثاب أحد بعمل غيره وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد وجمهور الخلف والسلف بخلاف ذلك فقال ابن عباس الآية منسوخة بقوله تعالى ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ﴾ ١ وقال عكرمة أنها خاصة بقوم إبراهيم وموسى فأما ما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعى لها، وقال الربيع ابن أنس المراد بالإنسان هاهنا الكافر وهذا ليس بشيء فإن الكافر لا يثاب بعمل نفسه أيضا حيث قال الله تعالى :﴿ حبطت أعمالهم ﴾ ٢ وقيل اللام هاهنا بمعنى على أي ليس على الإنسان إلا ما سعى وعلى ما هذا بكون عطف لا تزر وازرة وزر أخرى عطفا تفسيريا. احتج الجمهور على وصول الثواب من غيره بالأحاديث والإجماع أما الأحاديث فمنها حديث أبي سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إذا قبض الله روح عبده المؤمن صعد ملكان إلى السماء قالا ربنا وكلتنا بعبدك المؤمن نكتب عمله وقد قبضته إليك فأذن لنا أن نسكن الأرض فيقول أرضي مملوءة من خلقي يسبحون ولكن قوما على قبر عبدي فسبحاني وهللاني وكبراني إلى يوم القيامة واكتباه لعبدي ) أخرجه أبو نعيم وحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )٣
رواه مسلم كما أخرج أحمد عن أبي أمامة وجه الاحتجاج بهذا الحديث أن الصدقة الجارية وعلم ينتفع به وإن كانا من سعيه ولكن دعاء الولد ليس من عمله وهو ينفق وحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول يا رب أني لي هذه فيقول باستغفار ولدك لك ) رواه الطبراني وروى نحوه عن أبي سعيد مرفوعا وحديث ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :( ما الميت في قبره إلا شبه الغريق المتفوث ينتظر دعوة ملحقة من أب وأم أو ولد أو صديق فإذا ألحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها وإن الله ليدخل على القبور من دعاء أهل الأرض أمثال الجبال وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم ) رواه البيهقي والديلمي وحديث مرفوعا ( أمتي مرحومة تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحص عنها باستغفار المؤمنين لها.
رواه الطبراني في الأوسط قال السيوطي وقد نقل غير واحد الإجماع على أن الدعاء ينفع الميت ودليله من القرآن قوله تعالى :﴿ والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ﴾ ٤ قلت : والظاهر أن انتفاع الأموات والأحياء بدعاء الأحياء غير مختصة بهذه الأمة وقد قال نوح عليه السلام ﴿ رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ ٥ وقال إبراهيم عليه السلام ﴿ سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ ٦ وقال يوسف لإخواتهم :﴿ قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ﴾٧ قال أخوة يوسف لأبيهم :﴿ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ٩٧ قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ٩٨ ﴾ ٨ وقال موسى :﴿ رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك ﴾ ٩ فانظر أن المراد بقوله تعالى :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ المذكور في صحف إبراهيم وموسى أنه لا يصل لا لأحد ثواب حسنات غيره من الصلاة والصوم والصدقة والحج ونحو ذلك ويكون من خصوصيات هذه الأمة المرحومة نسخ ذلك الحكم بقوله ﴿ ألحقنا بهم ذريتهم ﴾ من الأحاديث حديث عائشة أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها لم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم }١٠ متفق عليه وحديث ابن عباس ( أن سعد ابن عبادة توفيت أمه وهو غائب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وأنا غائب فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال ﴿ نعم ﴾ قال فإني أشهدك أن حائطي صدقة عنها ) رواه البخاري وأخرج أحمد وأربعة عن سعد ابن عبادة أنه قال يا رسول الله إن أمي ماتت فأي صدقة أفضل قال الماء فحفر بئرا فقال هذه لأم سعد، وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أنس نحوه وحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا تصدق أحدكم بصدقة تطوعا فليجعلها عن أبويه فيكون لهما أجرها ولا ينقص من أجره شيئا ) وأخرج الديلمي نحوه من حديث معاوية ابن جندة وحديث أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( كما من أهل بيت يموت منهم فيتصدقون عنه بعد موته إلا أهدأ له جبرائيل على طبق من نور ثم يقف على شفير القبر فيقول يا صاحب القبر العميق هذه هدية أهداها إليك أهلك فأقبلها فيدخل عليه فيفرح بها ويستبشر ويحزن جيرانه الذين لا يهدي إليهم شيء ) رواه الطبراني في الأوسط وحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حج عن والديه بعد وفاتهما كتب الله لهما عتقا من النار وكان للمحجوج أجر حجة تامة من غير أن ينقص من أجورهما شيء ) وقال صلى الله عليه وسلم :( ما وصل ذو رحم رحمه بأفضل من حجة يدخلها عليه بعد موته في قبره ) رواه البيهقي والأصبهاني بسند فيه مجهولان، وعن زيد ابن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من حج عن أبويه ولم يحجا فيرى عنهما وبشرت أرواحهما في السماء وكتب عند ) أخرجه أبو عبد الله الثقفي وحديث عقبة ابن عامر أن امرأة جاءت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أحج عن أمي وقد ماتت قال :( أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته قالت بلى فأمرها أن تحج ) رواه الطبراني وحديث أنس قال جاء على النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أبي مات ولم يحج حجة الإسلام فقال أرأيت لو كان على أبيك دين كنت تقضيه عنه ؟ قال نعم قال :( فإنه دين عليه فأقضيه رواه البزار والطبراني بسند حسن وحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حج عن ميت فللذي حج عنه مثل أجره ) رواه الطبراني في أوسط وحديث عطاء وزيد ابن اسلم مرسلا قال جاء رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعتق عن أبي وقد مات قال نعم ) رواهما ابن أبي شيبة وحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال النبي صلى الله عليه وسلم ومن شبرمة قال أخ لي أو قريب قال أحججت عن نفسك ؟ قال لا، قال :( حج عن نفسك ثم عن شبرمة )١١ رواه أبو داوود وابن ماجه والدار قطني والبيهقي وقال البيهقي إسناده صحيح وحديث عمرو ابن العاص أنه قال يا رسول الله إن العاص أوصى أن يعتق عنه بأمه نسمة فأعتق هشام منها خمسين قال لا إنما يتصدق ويحج ويعتق عن المسلم وكان مسلما بلغه ) رواه أبو الشيخ وحديث الحجاج ابن دينار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من البر بعد البر أن تصلي عنهما مع صلواتك وتصوم عنهما مع صيامك وتصدق عنهما مع صدقتك ) رواه ابن أبي شيبة وقد مر حديث بريدة أن امرأة قالت يا رسول الله إن كان على أمي صوم شهرين أفيجزئ أن أصوم عنها قال نعم قالت فإن أمي لم تحج قط أفيجزئ أن أحج عنها ؟ قال نعم ) رواه مسلم وحديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )١٢ متفق عليه وحديث علي رضي الله عنه مرفوعا :( من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد أحد عشرة مرة ووهب أجره للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات ) رواه أبو محمد السمرقندي وحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهكم التكاثر ثم قال إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له إلى الله ) رواه أبو القاسم سعد ابن علي وحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من دخل المقبر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيها حسنات ) أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده وقال السيوطي قد ورد قراءة الفاتحة عند رأس الميت وخواتيم البقر عند رجله من حديث ابن عمر مرفوعا وقت الدفن وفواتح البقرة وخواتمها عن حديث العلاء ابن اللجلاح مرفوعا وقال القرطبي في حديث ( اقرأوا على موتاكم يس ) فقال الجمهور في حال موته قال ابن عبد الواحد المقدسي عند القبور وقال المحب الطبري في الحالتين وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال يتبع بعد موته العتق والحج والصدقة وأخرج عن أبي جعفر أن الحسن والحسين كان يعتقان عن علي بعد موته وأخرج ابن سعد عن القاسم ابن محمد عن عائشة أعتقت عن أخيها عبد الرحمان رقيقا من تلاده.
ترجوا أن ينفعه بذلك بعد موته وقال الحافظ شمس الدين ابن عبد الواحد ما زالوا في كل مصر يجتمعون ويقرؤون لموتاهم من غير نكير فكان ذلك إجماعا وأخرج الخلالي عن الشعبي كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرؤون القرآن، وفي الإحياء عن أحمد ابن حنبل قال إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم وقال البيضاوي في توجيه الآية إنه ما جاء في الأخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت فلأن التأدي له كالنائب عنه وقال بعض العلماء في توجيهها إن انتفاع المؤمن بسعي غير مبني على إيمانه وهو سعي نفسه فكان سعيب غيره تابعا لسعي نفسه قائما بقيامه والله تعالى أعلم
١ ورةالطور الآية ٢١.
٢ ورة البقرة الآية: ٢١٧٤.
٣ خرجه مسلم في كتاب الوصية باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته {١٦٣١).
٤ ورة الحشر الآية ١٠.
٥ ورة نوح الآية ٢٨:.
٦ ورة مريم الآية ٤٧.
٧ ورة يوسف الآية ٩٢.
٨ ورة يوسف الآية ٩٧ ٩٨.
٩ ورة الأعراف الآية ١٥١.
١٠ أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب موت الفجأة البغتة (١٣٨٨) وأخرجه مسلم في كتاب الوصية باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت (١٠٠٤).
١١ أخرجه أبو داود في كتاب: المناسك باب: الرجل يحج عن غيره {١٨١٠) وأخرجه ابن ماجه في كتاب المناسك باب: الحج عن الميت.
١٢ أخرجه البخاري في كتاب: الصوم باب: من مات وعليه صوم {١٩٥٢) وأخرجه مسلم في كتاب: الصيام باب: قضاء الصيام عن الميت {١١٤٧)..
﴿ وأن سعيه سوف يرى ٤٠ ﴾ في ميزانه يوم القيامة إن كان مؤمنا وأما الكافر فيحبط أعمالهم لفوات شرطها وهي النية الخاصة لله تعالى أو يقال الكافر يثاب عليه في الدنيا من أريتما الشيء قلت : والأولى أن يقال السعي هاهنا بمعنى القصد قال في القاموس سعى يسعى سعيا } كرعى قصد ومشى وعمل وعدى وتم وكسب، وقال بعض المحققين السعي المشي السريع ويستعمل للجد في العمل ومعنى الآية ليس للإنسان إلا ما قصد وأراد بفعله فهذه الآية تفيد ما يفيد قوله صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها أو المرأة نكحها فهجرته ٧إلى ما هاجر إليه )١ متفق عليه من حديث عمر ابن خطاب رضي الله عنه فلا تدل هذه الآية على أن عمل لا يفيد كيف وصلاة الجنازة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمورتان واجبتان وضعتا الانتفاع غير الفاعل والله تعالى أعلم
١ أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة باب: قوله صلى اله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية {١٩٠٧).
﴿ ثم يجزاه ﴾ أي المؤمن ﴿ الجزاء الأوفى ﴾ الأتم والأكمل
﴿ وأن إلى ربك المنتهى ﴾ هذا وما عطف عليه كله في صحف إبراهيم وموسى والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء روى البغوي بسنده عن أبي كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى :﴿ وأن إلى ربك المنتهى ﴾ قال لا فكرة في الرب يعني الفكرة تنتهي إلى الله ويتلاشى هناك، قال البغوي وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعا ( تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة ) كذا ذكر البغوي وروى أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس :( تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور وهو فوق ذلك ) قلت : يعني الفكرة لا يصل إلى كرسيه فكيف إلى ذاته وهو أجل وارفع وفي رواية له عنه ( تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدرهذ ) وروى أبو نعيم في الحلية عنه ( تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله ) قلت : الفكرة عبارة عن ترتيب مقدمات لتحصيل مطلوب فترتيب المقدمات لا يتصور إلا في آلاء الله وآياته وآثاره والمطلوب ذاته وهناك تنتهي الفكرة فإنه ليس وراء العباد أن قربه وذاته هو الصمد الذي لا يتعمق فيه النظر ونفي الفكرة في ذاته تعالى لا ينافي الوصول إليه بلا كيف بل قوله تعالى :﴿ وأن إلى ربك المنتهى ﴾ يقتضي نهاية السير إلى الذات البحث في الله في اصطلاح الصوفية إنما هو السير في الصفات والشيون والاعتبارات دون الذات البحث المعبر باللاتين لكن هاهنا سير نظري على ما حققه المجدد وقال أكثر المفسرين معنى الآية أن منتهى الخلق ومصيرهم إلى الله تعالى وقيل منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال والله تعالى أعلم
﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ يعني خلق كل ما يعمل العباد حتى الضحك والبكاء قال عطاء ابن أبي مسلم يعني أفرح وأحزن وقال مجاهد أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر، روى البغوي بسنده عن جابر ابن سمرة قال :( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحلون فيتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم معهم إذا ضحكوا يعني النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم بلفظ كانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم صلى الله عليه وسلم١ وفي رواية الترمذي يتناشدون الشعر.
روى البغوي في شرح السنة عن قتادة قال سئل ابن عمر هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون قال نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل وقال بلال ابن سعد يشتدون بين الأغراض ويضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهبانا وروى البخاري عن عائشة ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم٢ وفي الصحيحين عن جرير قال ما حجني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم وروى الترمذي عن عبد الله ابن الحارث ابن جزء قال ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم٣ وروى البخاري عن أبي هريرة قال قال أبو القاسم قال صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا٤ ) وكذا روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي ذر وزاد ( وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الهدات تجأرون إلى الله )٥
١ خرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: فضل الجلوس في مصلاة بعد الصبح وفضل المساجد {٦٧٠.
٢ خرجه البخاري في كتاب الأدب باب: التبسم والضحك {٦٠٩٢).
٣ خرجه الترمذي في كتاب: المناقب باب: في بشاشة النبي صلى الله عليه وسلم {٣٦٥٠).
٤ خرجه البخاري في كتاب: الكسوف باب: الصدقة في الكسوف {١٠٤٤).
٥ أخرجه الترمذي في كتاب: الزهد باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا) {٢٣١٢) وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد باب: الحزن والبكاء {٤١٩٠).
﴿ وأنه هو أمات وأحيا ﴾ ما لا روح فيه كالنقطة لنطفة جعله حيوانا والبذر جعله شجرا وقيل أمات الآباء وأحيا الأبناء وقيل أمات الكافر بالنكرة وإحياء المؤمن بالمعرفة
﴿ وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ﴾ من كل حيوان
﴿ من نطفة إذا تمنى ﴾ أي تصب في الرحم يقال مني الرجل وأمنى قاله الضحاك وعطاء ابن أبي رباح وقال آخرون إذا يقدر قال منيت الشيء إذا قدرته
﴿ وأن عليه النشأة الأخرى ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو والنشادة بالمد والباقون بسكون الشين بلا مد وهما مصدران من نشأ ينشأ يعني الخلق الثاني البعث بعد الموت يوم القيامة أورد كلمة على وهي للوجوب على المجاز لتأكيد الوعد
﴿ وأنه هو أغنى ﴾ الناس بالأموال وما يدخرونه بعد الكفاية قال في القاموس تغنى اكتفى بنفقة وفضلت فضله فادخرها والظاهر أن التقدير أغنى ﴿ وأقنى ﴾ أفقر فحذف أفقر استغناء منه بدلالة الحال، وقال الضحاك أغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال وأقنى بالإبل والبقر والغنم وقال قتادة والحسن أقنى أخدم وقال ابن عباس أغنى وأقنى يعني أعطى فأوصى وقال مجاهد ومقاتل أقنى أرضى بما أعطى وقنع قال ابن زيد أغنى أكثر وأقنى أقل وقرأ ﴿ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾ وقال الأخفش أقنى وأفقر
﴿ وأنه هو رب الشعرى ﴾ وهو كوكب خلف الجوزاء وهما شعريان يقال لأحدهما العبور وللأخرى القميصا سميت بذلك لأنها أحقر من الأخرى والمختبرة بينهما وأراد هاهنا الشعرى في العبور وكانت خزاعة تعبدها وأول من سن له ذلك رجل من أشرافهم يقال له أبو كبش عبدها وخالف قريشا في عبادة أوثان ولما خالف رسول الله العرب في الدين سموه ابن أبي كبشة لمناسبة مخالفة القوة، وتخصيصها في الذكر هاهنا للإشعار بأنها مخلوقة لله تعالى لا يستحق العبادة مثل اللات والعزى ولعل قوما عبدوها في زمن إبراهيم عليه السلام أيضا ولذلك ورد التخصيص بذكرها في صحف إبراهيم وموسى
﴿ وأنه أهلك عاد الأولى ﴾ وهو قوم أولى الأمم هلاكاف بعد قوم نوح عليه السلام أهلكوا بريح صرصر وكان لهم عقب كانوا عاد الأخرى قرأ نافع وأبو عمروا وعاد لولى بحذف الهمزة وإبقاء ضمتها على اللام وإدغام التنوين فيها وأتى قالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو والباقون يكسرون التنوين يسكنون اللام يخففون الهمزة ويجوز في الابتداء بقوله عز وجل الأولى على مذهب أبي عمرو ثلاثة أوجه الأولى بإثبات همزة الوصل وضم اللام بعدها والثاني لولي بضم اللام وحذف همزة الوصل قبلها استغناء عنها بتلك الحركة وهذان وجهان جائزان في مذهب ورش في مثل هذه الكلمة والثالث الأولى كقراءة الجمهور بإثبات همزة الوصل وإسكان اللام وتحقيق همزة فاء الفعل وكذلك يجوز في الابتداء بهذه الكلمة على مذهب قالون ثلاثة أوجه أيضا بإثبات همزة الوصل وضم اللام وهمزة ساكنة عوض الواو والولى بضم اللام وحذف همزة الوصل وهمزة الواو كوجه أبي عمرو الثالث قال الداني وهو عندي أحسن الوجوه واقتبسها بمذهبنا
﴿ وثمود ﴾ قرأ عاصم وحمزة بغير تنوين ويقفان بغير ألف والباقون بالتنوين ويقفون بالألف وهم قوم صالح أهلكهم الله بالصيحة ﴿ فما أبقى ﴾ منهم أحدا
﴿ وقوم نوح ﴾ أهلكهم ﴿ من قبل ﴾ عاد وثمود ﴿ إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ﴾ من الفريقين لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم على الله المعصية والتكذيب وإيذائهم نوحا عليه السلام يضربه حتى لا يكون به حراك ويتنفر الناس عنه
﴿ والمؤتفكة ﴾ أي القرى التي ايتفكت أي انقلبت بأهلها وهي قرى قوم لوط ﴿ أهوى ﴾ أي اسقط أهوائها جبرائيل عليه السلام بعد رفعها إلى السماء
﴿ فغشاها ما غشى ﴾ يضع الحجارة المنضودة المسومة فيه تهويل وتعظيم لما أصابهم
﴿ فبأي آلاء ربك تتمارى ﴾ أي تشك وتجادل وقال ابن عباس تكذب خطاب لكل أحد يعني لا يجوز الشكل والمجادلة في آلاء ربك الباهرة والنعماء الظاهرة والقدرة القاهرة بعدما سمعت أحوال الأمم السابقة قيل أراد بالخطاب الوليد ابن مغيرة
﴿ هذا ﴾ يعني محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن ﴿ نذير ﴾ مبين ﴿ من ﴾ جنس ﴿ النذر الأولى ﴾ أي المنذرين الأولين وقال الأولى على تأويل الجماعة أي من جنس النذرات الأولى قرأ حمزة والكسائي أواخر هذه السورة من قوله تعالى إذا هوى إلى النذر الأولى بالإمالة وأمال أبو عمرو من ذلك ما كان فيه راء كأخرى وشعرى وتتمارى وما عدى ذلك بين وورش جميع ذلك بين بين وورش جميع ذلك والباقون بإخلاص التفح
﴿ أزفت الأزفة ﴾ يعني دنت الساعة الوصوفة بالدنو في قوله تعالى :﴿ اقتربت الساعة ﴾
﴿ ليس لها من دون الله ﴾ الجملة حال من الآزفة ﴿ كاشفة ﴾ أي مظهرة نظيره قوله تعالى ﴿ لا يجليها لوقتها إلا هو ﴾ إلا هو صفة لموصوف محذوف أي نفس كاشفة وجاز أن يكون التاء فيه للمبالغة ويجوز أن يكون الكاشفة مصدرا كالباقية والعافية والمعنى ليس لها من دون الله كشف لا يكشفها ولا يظهرها غيره، وقال عطاء وقتادة والضحاك ليس لها قادرة على كشف أهواها وشدائدها إذ غشيت إلا الله تعالى يكشف عمن شاء من المؤمنين
﴿ أفمن هذا الحديث ﴾ أي القرآن عطف على محذوف تقديره أتسمعون فمن هذا الحديث ﴿ تعجبون ﴾ إنكار أو استفهام للتوبيخ
﴿ وتضحكون ﴾ استهزاء ﴿ ولا تبكون ﴾ خشوعا أو تضحكون بما تفرحون من اللذات الدنيوية ولا تبكون تحزنا على ما قصرتم في الطاعة أو أفطرتم في المعصية
﴿ وأنتم سامدون ٦١ ﴾ أي لاهون غافلون والسمود الغفلة عن الشيء واللهو يقال دع منا سمودك أي لهوك هذا رواية الوالبي والعوفي عن ابن عباس وقال عكرمة السمود عنه الغناء بلغة أهل اليمن كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا وقال الضحاك أشرون بطرون وقال مجاهد غضاب معرضون وقيل معناه مستكبرون من سمد البعير في مسيرة إذا رفع رأسه كذا أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كانوا يمرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي شامخين فنزلت ﴿ وأنتم سامدون ٦١ ﴾ قال في النهاية شمخ بأنفه أي ارتفع تكبا
﴿ فاسجدوا لله ﴾ خضوعا وتواضعا لله وتصديقا بوعده ووعيده واعتبارا ﴿ واعبدوا ﴾ أي اعبدوه دون غيره الفاء للسببية عطفا على أزفت الأزفة عن ابن عباس قال :( سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون المشركون والجن والإنس )١ رواه البخاري وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال يكفيني هذا قال عبد الله فلقد رأيته بعد قتل كافر٢ متفق عليه وزاد البخاري في رواية وهو أمية ابن خلف وفي لفظ البخاري أول سورة نزلت فيها سجدة فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وعن زيد ابن ثابت قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها )٣ متفق عليه احتج بهذا الحديث من قال إن سجود التلاوة غير واجب وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلم لعله لم يكن حينئذ على وضوء أو يكون حينئذ مانع من السجدة ولا يدل الحديث على نفي السجود مطلقا لكن هذا تأويل بعيد ولو كان تأخير السجود لعذر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على عدم وجوب السجدة وقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إن الله لم يكتسبها علينا غلا أن نشاء وقد ذكرنا مسائل السجود التلاوة واختلاف الأئمة فيه في سورة الانشقاق والله تعالى أعلم.
١ خرجه البخاري في كتاب: سجود القرآن باب: سجود المسلمين مع المشركين والمشرك نجس ليس له وضوء.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: سجود القرآن باب: ما جاء في سجود القرآن وسنتها {١٠٦٧) واخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة باب: سجود التلاوة {٥٧٦).
٣ أخرجه البخاري في كتاب: سجود القرآن باب: من قرأ السجدة ولم يسجد {١٠٧٢) وأخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة باب: سجود التلاوة {٥٧٧).
Icon