تفسير سورة هود

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة هود من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة هود مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية، وعشر ركوعات.

﴿ الَر١ كِتَابٌ ﴾ خبر ( الر ) أو هذا كتاب، ﴿ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ أي : هي محكمة في لفظها مفصلة في معناها أو أحكمت بأنها لم تنسخ بكتاب٢ ثم فصلت بالأحكام والعقائد والمواعظ والأخبار أو نزلت شيئا فشيئا، ﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ صفة أخرى لكتاب٣ أو متعلق بأحكمت وفصلت أو خبر بعد خبر.
١ وعن أبي بكر الصديق قال: قلت: يا رسول الله! لقد أسرع إليك الشيب فقال: (شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت) أخرجه الترمذي والطبراني وحسنه /فتح. [صحيح، وانظر صحيح الجامع (٣٧٢٣)]..
٢ نقله محي السنة عن ابن عباس / ١٢..
٣ من باب التنازع / ١٢..
﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ ﴾ مفعول له أي : أحكمت ثم فصلت لأجل أن لا تعبدوا إلا الله أو أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول، وقيل : هذا كتاب بأن لا تعبدوا، ﴿ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ ﴾ : من الله، ﴿ نَذِيرٌ ﴾ بالعقاب على من عبد غير الله، ﴿ وَبَشِيرٌ ﴾ بالثواب على من عبد الله.
﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ ﴾ عطف على أن لا تعبدوا، ﴿ رَبَّكُمْ ﴾ من الذنوب السالفة، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ﴾ فيما تستقبلونه، أو ثم ارجعوا إليه بالطاعة، ﴿ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا ﴾ يعيشكم في أمن وسعة، ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ إلى حين موت مقدر، ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ١ عن ابن عباس يؤت كل من فضلت وزادت حسناته على سيئاته فضل الله، أي : الجنة أو يعط كل ذي عمل صلح جزاء عمله الصالح، ﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ أي : تتولوا، ﴿ فإنيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ يوم القيامة.
١ والاستغفار أول حال الرجع إلى الله فناسب أن يترتب عليه حال الدنيا فقال تعالى حكاية: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم" الآية (نوح: ١٢، ١١، ١٠)، والتوبة هي المنجية فناسب أن يترتب عليها حال الآخرة فيكون من قبيل اللف والنشر المرتب /١٢ وجيز..
﴿ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فيقدر على تعذيب المعرض.
﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ ثنت الشيء إذ عطفته وطويته عن ابن عباس – رضي الله عنهما – كانوا يكرهون استقبال السماء بفروجهم حال وقاعهم فنزلت، أو كان إذ مر أحدهم برسول الله ثنى عنه صدره وأعرض عنه وغطى رأسه فنزلت، أو حين يقولون إذا رخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم، أو نزلت في الأخنس بن شريق كان يظهر المحبة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- وله منطق حلو وكان يعجب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مجالسته ومحادثته وهو يضمر عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إما بمعنى الصرف من ثنيت عناني أو بمعنى الإخفاء أو بمعنى الانحناء، ﴿ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾ من الله وعلى ما نقلنا في الوجه الثاني من سبب النزول الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ﴿ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾ يغطون رءوسهم بثيابهم، ﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ يستوي في علم الله تعالى سرهم وعلنهم فكيف يمكن لهم أن يخفوا من الله تعالى شيئا، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ بما في قلوبهم.
﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ أي : هو المتكفل بذلك فضلا إن لم يرزقها فلا يمكن أن يرزقها أحد غير الله تعالى، ﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾، أماكنها في الحياة والممات أو أرحام الأمهات و أصلاب الآباء والمستقر الجنة أو النار والمستودع القبر، ﴿ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ مثبت في اللوح المحفوظ.
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ كأيام الدنيا أو كل يوم كألف سنة، ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء١ والماء على متن الريح وروى الترمذي وابن ماجه " أن الله كان في عماء٢ ما تحته هواء٣ وما فوقه هواء ثم خلق٤ العرش بعد ذلك٥﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ أي : خلق ذلك ليعاملكم معاملة المختبر لأحوالكم كيف تعملون فعلم أن خلق العالم لنفع عباده وإحسان العبادة أن تكون خالصة لله وعلى شريعة شرعها الله تعالى، ﴿ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾، أي : ما البعث أو القرآن المتضمن لذكره إلا خديعة كالسحر الباطل.
١ عن ابن عباس أنه سئل على أي شيء كان الماء، قال: على متن الريح./ معالم..
٢ قال أحمد: يريد بالعماء أنه ليس معه شيء، وقال البيهقي: إن كان العماء ممدود فمعناه سحاب رقيق والمعنى فوق سحاب مدبرا له وعاليا له، وإن كان مقصورا فمعناه لا شيء ثابت؛ لأنه عمي عن الخلق لكونه غير شيء ونحوه قال جمع من أهل العلم، قال الأزهري: فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته / ١٢ فتح ملخصا..
٣ قال تعالى: "وأفئدتهم هواء" (إبراهيم: ٤٣)، أي: خالية، ومنه سمي ما بين السماء والأرض هواء لخلوه/ كذا في المعالم..
٤ وهذا دال على أن العرش والماء كانا مخلوقين فبل /١٢ وجيز..
٥ ضعيف أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وانظر ضعيف ابن ماجه..
﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ ﴾ الموعود، ﴿ إِلَى أُمَّةٍ ﴾ جماعة من الأوقات والأمة تستعمل في معان متعددة، ﴿ مَّعْدُودَةٍ ﴾ محصورة قليلة، ﴿ ليَقُولُنَّ ﴾ استهزاء، ﴿ مَا يَحْبِسُهُ ﴾ ويمنعه من الوقوع، ﴿ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ﴾ أي : اليوم المقدر لنزول العذاب، ﴿ لَيْسَ ﴾ العذاب، ﴿ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ﴾ ويوم ظرف مصروفا، ﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ وأحاط بهم ذكر بلفظ الماضي تحقيقا و مبالغة، ﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ﴾ أي : العذاب.
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ﴾ أعطيناه نعمة ووجد لذتها، ﴿ ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ ﴾ قنوط كأنه لا يرجو بعد ذلك فرجا، ﴿ كَفُورٌ ﴾ مبالغ لكفران نعمه لسابقة كأنه لم ير خيرا.
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ ﴾ كغنى بعد فقر، ﴿ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ﴾ ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء، ﴿ إِنَّهُ لَفَرِحٌ ﴾ بما في يده مغتر، ﴿ فَخُورٌ ﴾ على الناس مشغول عن الشكر.
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ ﴾ على الضراء استثناء منقطع إن حمل الإنسان على الكافر وإلا فمتصل، ﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ في السراء والضراء، ﴿ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ لمعاصيهم، ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ كالجنة.
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ﴾ تترك تبليغ بعض القرآن وهو ما فيه سب آلهتهم وطعن دينهم مخافة سخريتهم وسبهم وزيادة انهماكهم في الكفر عصمه الله تعالى عن الخيانة في الوحي ونبهه، ﴿ وَضَائِقٌ ﴾ الضائق بمعنى الضيق، إلا أن الضائق يكون لضيق عارض غير لازم كزيد سيد وعمرو سائد، ﴿ بِهِ ﴾ بأن تتلوه عليهم، ﴿ صَدْرُكَ ﴾ مخافة، ﴿ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ ﴾ كما قالوا، " لولا لوا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى كنز أو تكون له جنة يأكل منها " ( الفرقان : ٧، ٨ ) قال بعضهم : ضمير به مبهم يفسره أن يقولوا، ﴿ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ﴾ ما عليك إلا الإنذار فما بالك يضيق صدرك، ﴿ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ موكول إلى الله تعالى لا إليك أمر الكل.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ١ : أم منقطعة، ﴿ افْتَرَاهُ ﴾ الضمير لما يوحى، ﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ ﴾ أي : يكون كل واحد مثل القرآن في البلاغة والغرض إلزامهم، والدليل على أنه معجز من عند الله والعجز عن الإتيان بمثل الكل والبعض أعم من أن يكون عشر سور أو سورة واحدة دليل عليهم مع أن سورة البقرة متأخرة في النزول عن هود، والأصح أن يونس أيضا متأخرة فتحداهم أولا بعشر سور ثم عجزوا فتحداهم بسورة واحدة، ﴿ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾ من عند أنفسكم مع أن ممارستكم للقصص والأشعار أكثر وأكثر، ﴿ وَادْعُواْ ﴾ إلى المعاونة على المعارضة، ﴿ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أنه مفترى.
١ ولما أشار بقوله: "لولا أنزل" إلى أنهم كذبوه ونسبوه إلى أن ما في القرآن مفترى ردهم بدليل قاطع فقال: (أم يقولون افتراه) /١٢ وجيز..
﴿ فإن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ ﴾ يا أصحاب محمد، ﴿ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ ﴾ : متلبسا بما هو يعلمه ولا يقدر عليه غيره، ﴿ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ لأنهم مع آلهتهم عجزوا والعاجز لا يكون إلها فلا إله إلا الله، ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ثابتون١ على الإسلام، أو معناه فإن لم يستجب من تدعونهم إلى المعاونة لكم يا من تدعون افتراءه ولا يتهيأ لكم المعارضة فاعلموا إلخ فالخطاب كله حينئذ للكفار وهو أظهر.
١ عابدون الله دون غيره ولما ألزمهم بحقيقة القرآن، ومن أنزل ثبت أن بعد هذه الدار دار هي الدار الباقية فلا أن لا يعقد العاقد همته على الدار الفانية فيترك الإسلام خوفا من فوات الدنيا، فقال: "من يريد الحياة الدنيا" / وجيز..
﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ فقط عمله، ﴿ وَزِينَتَهَا ﴾ كأهل الرياء، ﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ١ فِيهَا ﴾ أجور أعمالهم في الدنيا بسعة الرزق ورفع المكاره، ﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ﴾ لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئا نزلت في المرائين، قال بعضهم : في اليهود والنصارى أو في بر الكافرين.
١ قال القرطبي: ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة وكذلك الآية التي في الشورى "و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها" (الشورى: ٢٠) كذلك "ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها" (آل عمران: ٤٥) وقيدتها وفسرتها التي في سبحان الذي "من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد" (الإسراء: ١٨) / ١٢ فتح..
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ ﴾ فإنهم استوفوا جزاء أعمالهم وبقي لهم الأوزار، ﴿ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا ﴾ لأنه لم يبق لهم ثواب والضمير للآخرة إن كان الظرف لحبط وللدنيا إن كان لصنعوا، ﴿ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ أي : عملهم في نفسه باطل لأنهم لم يعملوا بوجه صحيح، وفي الحديث ( أشد الناس عذابا من يرى الناس فيه خيرا و لا خير فيه )*.
﴿ أَفَمَن١ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ ﴾ : برهان، ﴿ مِّن رَّبِّهِ ﴾ يدله على الصواب، وتقديره أفمن كان على بينة كمن يريد الحياة الدنيا، ﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾ يتبع من كان على بينة، ﴿ شَاهِدٌ ٢مِّنْهُ ﴾ من الله يشهد بصحته، فالبينة الفطرة السليمة للمؤمن والدليل العقلي له والشاهد جبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام يأتي بالقرآن من عند الله أو القرآن، ﴿ وَمِن قَبْلِهِ ﴾ قبل الشاهد الذي يأتي بالقرآن أو الذي هو القرآن، ﴿ كِتَابُ مُوسَى ﴾ أي : التوراة، ﴿ إَمَامًا ﴾ كتابا مؤتما به في الدين، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من الله تعالى لهم، ﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ إشارة إلى من كان على بينة، ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ : بالقرآن، ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ ﴾ أصناف الكفار، ﴿ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ قال بعضهم : من كان على بينة هو محمد٣ عليه السلام والشاهد جبريل وأولئك إشارة إلى من آمن من أهل الكتاب، وقال بعضهم : من كان على بينة مؤمنو أهل الكتاب وبينتهم دلائلهم العقلية، والشاهد إما جبريل أو محمد عليهما السلام أو القرآن الكريم، ﴿ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ﴾ من الموعد أو القرآن، ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾.
١ ولما ذكر حال مريد الحياة الدنيا أراد بيان حال من يريد وجه الله تعالى فقال: "أمن كان" /١٢ وجيز. ثبت بهذا البرهان العقلي أن كل من أتى بعمل من الأعمال لطلب الأحوال الدنيوية فإنه يجد تلك المنفعة الدنيوية اللائقة بذلك العمل ثم إذا مات فإنه لا يحصل له منه إلا النار ويصير ذلك العمل في الدار الآخرة محبطا باطلا عديم الأثر / ١٢ مفاتيح الغيب المعروف بالكبير للإمام الرازي..
٢ قول ابن عباس والأكثرين: إن الشاهد جبريل عليه السلام، وعن علي والحسن وقتادة هو محمد عليه الصلاة والسلام / ١٢..
٣ هكذا فسره الإمام الواحدي – رضي الله عنه - /١٢. اللهم اغفر لكاتبه ولوالديه ولمن سعى فيه برحمتك يا أرحم الراحمين آمين..
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا ﴾ كمثبت الولد والشريك له ونافى القرآن عنه، ﴿ أولئك يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ يوم القيامة فيسألهم عن عقائدهم و أعمالهم، ﴿ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ ﴾ من الملائكة والأنبياء أو جميع أمة محمد، - صلى الله عليه وسلم - أو الجوارح، ﴿ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ١.
١ وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر – رضي الله عنهما- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه وستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد إلى قوله الظالمين / ١٢ فتح..
﴿ الَّذِينَ يَصُدُّون ﴾ يمنعون الناس، ﴿ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ دينه، ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ يصفونها بالانحراف عن الصواب أو يريدون أن يكون سبيل الله تعالى عوجا وهو ما هم عليه، ﴿ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾.
﴿ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ ﴾ : في الدنيا أن يعاقبهم ؛ بل هم تحت قهره وسلطانه وهو قادر على انتقامهم في الدنيا لكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، ﴿ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ﴾ يمنعوهم من العذاب، ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ لضلالهم وإضلالهم، ﴿ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ﴾ لأن الله تعالى حال بينهم وبين سماع الحق فيبغضون سماعه، ﴿ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ﴾ لتعاميهم عن آيات الله تعالى قيل : كأنه العلة لتضاعف العذاب.
﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ﴾ بأنهم اشتروا شيئا هو سبب عذابهم بالمؤبد، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ من الآلهة وشفاعتها فضاع عنهم ما حصلوا في الدنيا فلم يبق لهم سوى الندامة.
﴿ لاَ جَرَمَ١ حقا، ﴿ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ﴾ لا أحد أكثر خسرانا منهم.
١ قد بينا معنى لا جرم في سورة حم المؤمن بوجوه والأولى ما اخترناه هاهنا هذا ما في المنهية مذهب الخليل وسيبويه أنه اسم مركب تركيب خمسة عشر ومعناها معنى فعل وهو حق وما بعده مرفوع على الفاعلية /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ ﴾ : اطمأنوا، ﴿ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
﴿ مَثَلُ١ الْفَرِيقَيْنِ ﴾ الكافر والمؤمن، ﴿ كالأَعْمَى وَالأَصَمِّ ﴾ هو مثل الكافر، ﴿ وَالْبَصِيرِ ٢وَالسَّمِيعِ ﴾ هو مثل المؤمن يميز بين الحق والباطل ويفرق بين البرهان والشبهة، ﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾ أي : تمثيلا٣، ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ فتفرقوا بين وهؤلاء.
١ ولما تقدم ذكر الكفار وأعقب بذكر المؤمنين جاء بالتمثيل مبتدءا بالكافر فقال: "مثل الفريقين" الآية /١٢ وجيز..
٢ بصير للآية الدالة على الوحدة والقدرة سميع للحق/ ١٢ منه..
٣ إشارة إلى أن مثلا تمييز /١٢ منه..
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا١ نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي ﴾ أي : بأني ومن قرأ بالكسر فعلى إرادة القول، ﴿ لكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾.
١ ولما ظهرت الفرقتان في زمن نوح عليه السلام كما صرح به القرآن ناسب حكاية نوح عليه السلام مع قومه فقال: "ولقد أرسلنا" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ﴾ : بدل من إني لكم على قراءة النصب، أو معناه نذير لأن لا تعبدوا، أو مفسرة متعلقة بأرسلنا، ﴿ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ : مؤلم١وصف اليوم بالأليم المبالغة وهو في الحقيقة صفة المعذب.
١ هذا بناء على أن الأليم بمعنى السم المفعول كما مر في حاشيته لأوائل سورة البقرة ولو كان بمعنى اسم الفاعل لكان في الحقيقة صفة العذاب فافهم /١٢..
﴿ فَقَالَ الْمَلأُ ﴾ : الأشراف، ﴿ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرً مِّثْلَنَا ﴾ لا فضل لك*علينا نخصك بقبول كلامك، ﴿ ومَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾ سفلتنا لا يتبعك الأشراف، ﴿ بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾ أي : وقت حدوث أول أو ظاهر رأيهم بلا روية وفكر من بداء أو بداي بالهمزة أو الياء فهو ظرف بحذف المضاف لاتبعك، قيل : معناه اتبعوك ظاهر الرأي وباطنهم على خلاف ذلك، ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ إياك في دعواك ومتبعيك في دعوى العلم بصحته.
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ ﴾ أخبروني، ﴿ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ ﴾ حجة، ﴿ مِّن رَّبِّيَ ﴾ تدل على صدق دعواي، ﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً ﴾ نبوة ومعرفة، ﴿ مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ١ : خفيت والتبست، ﴿ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا ﴾ نكرهكم على الاهتداء بها، ﴿ وَأَنتُمْ لَهَا ﴾ للبينة، ﴿ كَارِهُونَ ﴾ أو حاصله٢ إن كنت على معرفة من الله تعالى ونبوة ومعجزة من عنده لكن صارت ملتبسة في عقولكم فهل أقدر على أن أجعلكم معترفين بها، أي : لا أقدر على ذلك لكن لو تركتم العناد و تأملتم فقد عرفتم.
١ وحده الضمير في عميت مع أن المرجع البينة والرحمة لأنها يرجع إلى كل منهما أو لا نسلم أنهما مرجعه؛ بل يرجع إلى البينة وخفاء البينة يستلزم خفاء الرحمة/١٢ منه..
٢ حاصل الكلام أن المساواة في البشرية لا يمتنع من حصول المفارقة في صفة النبوة والرسالة / وجيز..
﴿ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ﴾ على التبليغ، ﴿ مَالاً١ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّه ﴾ لا عليكم، ﴿ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ كأنهم طلبوا منه طرد المؤمنين احتشاما ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم٢، ﴿ إ ِنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ ﴾ يلاقون الله تعالى فيعاقب الله من طردهم أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من تمكن الإيمان وتزلزلة حيث تزعمون أن إيمانهم بادي الرأي، وأنا لا أعرف منهم إلا الإيمان فكيف أطردهم، ﴿ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ عواقب الأمور.
١ مع أن في التبليغ كذا وتبعا دليل على صدقي /١٢ وجيز..
٢ كما قالت قريش /١٢..
﴿ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ ﴾ من يمنعني من عقابه، ﴿ إِن طَرَدتُّهُمْ ﴾ ظالما، ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ لتعرفوا ما تقولون.
﴿ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللّه ﴾ جواب لقولهم " ما نرى لكم علينا من فضل "، ﴿ وَلاَ أَعْلَم ١الْغَيْبَ ﴾ حتى تسألوني عن وقت العذاب وغيره وتكذبوني، أو حتى أعلم هؤلاء اتبعوني من غير بصيرة وعقد قلب، ﴿ وَلاَ أَقُولُ ﴾ لكم، ﴿ إِنِّي٢ مَلَكٌ ﴾ جواب لقولهم :" ما نراك إلا بشرا مثلنا "، ﴿ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي ﴾ تستصغر وتحقرهم، ﴿ أَعْيُنُكُمْ ﴾ لفقرهم والإسناد إلى الأعين لأنهم استرذلوهم بما عاينوا من رثاثتهم لا لأن فيهم عيبا معنويا، ﴿ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ ﴾ أي : لا أحكم على المؤمنين أنه ليس لهم عند الله ثواب ونعمة، ﴿ الله أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ﴾ فإن كان باطنهم موافقا للظاهر فلهم الأجر، ﴿ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ إن طردتهم، أو قلت شيئا من ذلك.
١ الأولى أن يكون و لا أعلم عطفا على عندي خزائن لا على أقوال فتأمل /١٢..
٢ وقد استدل بهذا من قال: إن الملائكة أفضل من الأنبياء والأدلة في هذه المسألة مختلفة وليس لطالب الحق إلى تحقيقها حاجة فليست هي مما كلفنا الله بعمله /١٢ فتح..
﴿ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ فأطلت مخاصمتنا، ﴿ فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا ﴾ من العذاب، ﴿ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.
﴿ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء ﴾ فإن منزل العذاب هو الله تعالى، ﴿ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ الله يدفع العذاب.
﴿ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ أي : إن أراد الله تعالى ضلالكم، فإن أردت نصحكم لا ينفعكم نصحي فقوله لا ينفعكم نصحي دال على جواب الشرط الأول والمجموع دال على جواب الشرط الثاني، ﴿ هُوَ رَبُّكُمْ ﴾ فله التصرف فيكم كيف يشاء، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ فيجازيكم.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ منقطعة، ﴿ افتراه ﴾ أي : نوح وعن مقاتل أي : محمد فيكون معترضا في وسط هذه القصة، ﴿ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي ﴾ أي : وباله، ﴿ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ ﴾ من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي وقيل : معناه من الكفر والمعاصي.
﴿ وأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾ : لا تحزن، ﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ وكن تابعا لمراد الله تعالى ومشيئته.
﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي : متلبسا١ بأعيننا كأن لله تعالى معه أعينا تحفظه عن الميل في صنعته عن الصواب وحاصله اصنعها وأنت محفوظ، ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ إليك كيفية صنيعها، ﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِي ﴾ بالدعاء، ﴿ فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أي : في شأنهم ودفع العذاب عنهم، ﴿ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴾ بالطوفان لا سبيل لهم إلى الخلاص.
١ إشارة إلى أن بأعيننا منصوب المحل على الحال/١٢ قال ابن عباس: بعين الله ووجهه ولم يعلم نوح كيف يصنع الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعا مثل جؤجؤ الطائر / ١٢ فتح..
﴿ وَيَصْنَعُ ١الْفُلْكَ ٢وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ﴾ استهزءوا به قائلين نبي نجار، ﴿ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فإنا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ حين ينزل عليكم العذاب.
١ قوله ويصنع حكاية خال ماضية /١٢..
٢ قال ابن عباس: اتخذ نوح السفينة في سنتين وقيل ثلاثين سنة فكان طولها ثلاثمائة ذراع وطولها في السماء ثلاثين ذراعا وعرضها خمسون ذراعا والذراع إلى المنكب وكانت من خشب الساج لها ثلاث بطون وأطباق سفلى ووسطى وعليا وكان بابها في عرضها وقيل غير ذلك هذا ما في فتح البيان، وقال الرازي رحمه الله اعلم أن أمثال هذه المباحث لا تعجبني لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلا وكان الخوض فيها من باب الفضول لاسيما مع القطع بأنه ليس هاهنا ما يدل على الجانب الصحيح والذي نعلمه أنه كان في السعة حيث يتسع للمؤمنين من قومه ولما يحتاجون إليه ولحصول زوجين من كل حيوان لأن هذا القدر مذكور في القرآن و أما غير ذلك القدر فغير مذكور/ ١٢..
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيه ﴾ يهينه في الدنيا، ِ ﴿ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ دائم في الآخرة فقوله منصوب بتعلمون ويخزيه صفة عذاب ويحل عطف على يأتيه.
﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا ﴾ غاية لقوله يصنع وما بينهما حال، ﴿ وَفَارَ التَّنُّورُ ﴾ نبع الماء فيه مكان النار قال بعضهم : تنور من١ حجارة كانت حواء تخبز فيه فصار إلى نوح، وعن علي رضي الله عنه : أي طلع الفجر ونور الصبح وعن بعضهم التنور وجه الأرض، ﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا ﴾، في السفينة، ﴿ مِن كُلٍّ ﴾، من أنواع الحيوانات، قال بعضهم : ما حمل ما يتولد من الطين كالبق والذباب، ﴿ زَوْجَيْنِ٢ اثْنَيْنِ ﴾، ذكرا وأنثى فقوله اثنين تأكيد ومبالغة، ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ أي : أهل بيتك وقرابتك عطف على زوجين وأما عند من قرأ من كل زوجين بالإضافة فهو عطف على اثنين، ﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ بالهلاك كامرأته واعلة وابنه كنعان، ﴿ وَمَنْ آمَن ﴾ عطف على زوجين كما في وأهلك، ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ٣ ثمانون نفسا أو اثنان وسبعون أو ثمانية ننفر أو عشرة.
١ نقله محي السنة عن الحسن /١٢..
٢ قال الرازي: وأما ما يروى أن إبليس دخل السفينة فبعيد؛ لأنه من الجن وهو جسم ناري أو هوائي، فكيف يفر من الغرق؟! وأيضا فإن كتاب الله لم يدل على ذلك و لم يرد فيه خبر صحيح فالأولى ترك الخوض فيه انتهى /١٢ فتح..
٣ قيل هم ثمانية إنسان، ثلاثة من بنيه ونهم سام وحام ويافث وزوجاتهم ونوح وامرأته وبه قال قتادة وابن جرير ومحمد بن كعب القرظي، وقيل: كانوا ثمانين رجلا أحدهم جرهم قاله ابن عباس، ولما أخرجوا من السفينة بنوا قرية يقال لها قرية الثمانين وهي موجودة بناحية الموصل، وقيل كانوا عشرة وقيل غير ذلك، قال الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال عز وجل "وما آمن معه إلا قليل" ولم يحد عددا بمقدار فلا ينبغي أن يجاوز في ذلك حد الله سبحانه وتعالى إذ ذلك يرد ذلك في كتاب ولا خبر صحيح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - /١٢ فتح..
﴿ وَقَالَ ارْكَبُواْ١ فِيهَا بِسْمِ٢ اللّهِ مَجْرَاهَا ٣وَمُرْسَاهَا ﴾ أي : اركبوا قائلين بسم الله أو مسمين الله وقت إجرائها ووقت إرسائها أي : ثباتها أو بسم الله خبر لمجريها أي : بسم الله إجراؤها وإرساؤها فيكون إخبارا من نوح بأن إجراءها وإرساءها باسم الله، وقد نقل أنه إذا أراد إجراءها قال بسم الله فجرت، وإذا أراد إثباتها قال بسم الله فرست، ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ لما نجانا من عذابه.
١ وقد روي في صفة القصة وما حمله نوح في السفينة وكيف كان الغرق وكم بقيت السفينة على ظهر الماء روايات كثيرة لا مدخل لها في تفسير كلام الله سبحانه /١٢ فتح..
٢ أخرج أبو يعلى والطبراني وابن السني وغيرهم عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم الله الملك الرحمن ﴿بسم الله مجريها﴾ الآية، ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ الآية (الأنعام: ٩١)" ١٢ /فتح. [في سنده ضعف]..
٣ المجرى والمرسى مصدران حذف منهما الوقت المضاف نحو آتيك خفوق النجم أي وقته /١٢ منه..
﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ ﴾ أي : ركبوا فيها وهي تجري وهم فيها، ﴿ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ كل موجة كجبل، ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ﴾ كنعان، ﴿ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ ﴾ مكان عزل وأبعد فيه نفسه عن أبيه، ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا ﴾ في السفينة، ﴿ وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ﴾ في الدين والبعد عنا.
﴿ قَالَ سَآوِي ﴾ أصير وألتجئ، ﴿ إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّه ﴾ عذابه، ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ﴾ أي : إلا الراحم وهو الله أو عاصم بمعنى ذا عصمة كلابن وتامر إلا من رحم أي : من رحمه الله، أو الاستثناء منقطع يعني لكن من رحمه الله فهو معصوم قيل : تقديره لا عاصم لأحد إلا من رحمه الله ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ﴾ بين نوح وولده، ﴿ الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ صار منهم.
﴿ وَقِيلَ ﴾ بعدما تناهى أمر الطوفان، ﴿ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ﴾ أنشفي، ﴿ مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي ﴾ أمسكي عن المطر، ﴿ وَغِيضَ ﴾ نقص، ﴿ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْر ﴾ أي : إهلاك الكافرينُ وإنجاء المؤمنين، ﴿ وَاسْتَوَتْ ﴾ استقرت السفينة، ﴿ عَلَى الْجُودِيّ ﴾ جبل شامخ قريب الموصل أو الشام، ﴿ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ أي هلاكا لهم.
﴿ وَنَادَى ﴾ أي : أراد النداء، ﴿ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ ﴾ أو نادى على حقيقته وقوله تعالى فقال تفصيل للمجمل، ﴿ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ وقد وعدت إنجائهم، ﴿ وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقّ ﴾ لا خلف فيه، ﴿ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾ أعدلهم.
﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ الذي وعدت نجاته فإنه داخل في المستثني، أي : إلا من سبق عليه القول أو ليس من أهل دينك، وقال بعضهم : إنه ولد زينة١ وعن ابن عباس وغيره رضي الله عنه : ما زنت امرأة نبي قط، وعن كثير من السلف كان ابن امرأته٢ ﴿ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح ﴾ أي : إنه ذو عمل فاسد ولا ولاية بين المؤمن والكافر قيل إنه أي : سؤالك إياي بنجاته عمل فاسد، ﴿ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ٣ عِلْمٌ ﴾ ما لا تعرف أنه خطأ أم صواب والظاهر أن هذا قبل غرق ولده أو بعده لكن قبل علم نوح بهلاكه، ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ ﴾ أنهاك، ﴿ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾.
١ كالحسن البصري /١٢. [وكلامه هذا مردود لقول نوح عليه السلام: "إن ابنني من أهلي"، وقول ابن عباس: ما زنت امرأة نبي قط]..
٢ فربيبه وظاهر القرآن على خلاف ذلك /منه..
٣ وفيه عدم جواز الدعاء لما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع/١٢ منه..
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ ﴾ بعد ذلك، ﴿ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ ﴾ أي : إن لم، ﴿ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ١.
١ ثم أعلم أن قوله: "وأن وعدك الحق" والجواب من الله بقوله: "إنه ليس من أهلك" يدل على أن الله وعد بإنجاء أهله وهو غير مذكور في القرآن ولا في ذلك أن الله حين أخبره بنزول العذاب عليهم وعد معه نجاة أهله ومن آمن به بجملهم على السفينة وإلا ففي السؤال إشكال لأن الله أمره بحمل أهله السفينة لأن ينجوا من العذاب وابنه ما ائتمر بأمر والده في أن يركب، فالذنب عليه اللهم إلا أن يقال: إن غرقه في أثناء مجادلته مع والده ولو لا حيلولة الموج بينهما ليلزمه على ركوب السفينة فالشبهة لظنه أنه إن ثم كلامه معه يسمع ويقبل فتأمل/١٢ وجيز..
﴿ قِيلَ ﴾ بعد استقرار السفينة على الجودي، ﴿ يَا نُوحُ اهْبِطْ ﴾ من السفينة، ﴿ بِسَلاَمٍ ١ مِّنَّا ﴾ بسلامة أو بتحية وهو حال، ﴿ وَبَركَاتٍ٢ عَلَيْكَ ﴾ البركة ثبوت الخير، ﴿ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ أي : على أمم ناشئة ممن معك من المؤمنين، ولهذا قالوا دخل فيه كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، قال بعضهم : المراد من الأمم المؤمنون الذين معه وسماهم أمما لتحزبهم، أو لتشعب الأمم منهم، ﴿ وَأُمَمٌ ﴾ أي : وممن معك أمم، ﴿ سَنُمَتِّعُهُمْ ﴾ في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وهم الكافرون من ذرية من ممن.
١ مصحوبا بسلامة وأمن والقائل هو الله تعالى لقوله: "وبركات عليك"/١٢..
٢ مشتق من بروك الحمل وهو ثبوته /١٢..
﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى قصة نوح، ﴿ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ ﴾ أي : من أخباره، ﴿ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴾ خبر ثان لتلك أو حال، ﴿ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا ﴾ خبر ثالث أوحال، ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ : كما صبر نوح، ﴿ إِنَّ الْعَاقِبَة ﴾ في الدنيا والآخرة بالنصرة، ﴿ لِلْمُتَّقِين ﴾.
﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ ﴾ عطف على " نوحا " إلى قومه، ﴿ هُودًا١ عطف بيان، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّه ﴾ وحده، ﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ صفة تابعة لمحل الجار والمجرور، ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ﴾ على الله.
١ واعلم أنه تعالى حكى عن هود عليه السلام أنه دعا قومه إلى التوحيد فقال: "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون" وفيه سؤال وهو أنه كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل أن يقيم الدلالة على ثبوت الإله تعالى؟ قلنا: دلائل وجود الله تعالى ظاهرة وهي دلائل الآفاق والأنفس وكلما توجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله تعالى، ولذلك قال تعالى في صفة الكفار "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله" (لقمان: ٢٥)، قال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله وختم له بالحسنى: دخلت بلاد الهند فرأيت أولئك الكفار مطبقين على الاعتراف بوجود الإله وأكثر بلاد الترك أيضا كذلك إنما الشأن في عبادة الأوثان فإنها آفة عمت أكثر أطراف الأرض، وهكذا الأمر كان في الزمان القديم أعني زمان نوح وهود وصالح عليهم السلام فهؤلاء الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – كانوا يمنعون من عبادة الأصنام فكان قوله "اعبدوا الله" معناه لا تعبدوا غير الله هذا ما قاله الرازي في هذا المقام وبين في سورة يونس تحت قوله تعالى: "ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله" (يونس: ١٨) أن المشركين وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى، ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله تعالى/ ١٢ مفاتيح الغيب المعروف بالكبير للإمام محمد بن عمر الرازي..
﴿ يا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ﴾ : على تبليغ الرسالة، ﴿ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ يعني نصيحتي خالصة لا مشوبة بالمطامع، ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ حتى تميزوا بين المخطئ والمصيب.
﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ بالإيمان، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْه ﴾ ارجعوا إليه بالطاعة، }ِيُرْسِلِ } جواب الأمر، ﴿ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴾ : كثير الدر، ﴿ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ يضاعف قوتكم بالمال والولد والشد في الأعضاء، ومنه قال الحسن بن علي رضي الله عنه : من كثر استغفاره كثر نسله، ﴿ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ﴾ لا تعرضوا عني مصرين على إجرامكم.
﴿ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَة ﴾ حجة تدل على مدعاك وهذا كذب منهم وجحود، }ٍوَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } حال من ضمير تاركي، أي : صارفين عن قولك، ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾.
﴿ إِن نَّقُولُ ﴾ ما نقول، ﴿ إِلاَّ اعْتَرَاكَ ﴾ أي : إلا قولنا أصابك، ﴿ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ ﴾ بجنون لأنك تتكلم بالهذيانات، ﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّه ﴾ على نفسي، ﴿ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ أي : من إشراككم آلهة.
﴿ مِن دُونِهِ ﴾ ظرف لغو لتشركون، أو بيان لما، ﴿ فكِيدُونِي ﴾ أنتم وأوثانكم، ﴿ جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ ﴾ لا تمهلوني فإني لا أبالي بكم وبكيدكم ومن أعظم الآيات مواجهتهم بهذا الكلام مع أنهم عطاش بإراقة دم من خالفهم وهم مع كثرتهم كرجل واحد يرمون من قوس واحد.
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ الأخذ بالنواصي تمثيل لاشتمال ربوبيته على الكل وذل الكل وخضوعه تحت قهره وسلطانه فإن من أخذت ناصيته فقد قهرته، ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ على العدل والإحسان مع غلبته وقدرته قيل تقديره : إن ربي يحثكم على صراط مستقيم.
﴿ فإن تَوَلَّوْاْ ﴾ تتولوا، ﴿ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ﴾ فلا على شيء فإني بلغت الرسالة وما على إلا الإبلاغ، ﴿ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ هذا وعيد بإهلاكهم واستخلاف قوم آخرين مطيعين في ديارهم، ﴿ وَلاَ تَضُرُّونَه ﴾ بإعراضكم، ﴿ شَيْئًا ﴾ من الضرر و قيل : لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم، ﴿ إ ِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ فيحفظ أعمالكم ويجازيكم أو هو الحافظ للأشياء فهو الضار النافع فيستحيل أن يضره أو هو الحافظ يحفظني من كيدكم.
﴿ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ﴾ بهلاك عاد، ﴿ نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ الريح التي اهلك لها عادا قيل المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضا والتعريض بتعذيب المهلكين في الدنيا والآخرة.
﴿ وَتِلْكَ ﴾ إشارة إلى القبيلة وقيل : إلى قبورهم وآثارهم، ﴿ عَادٌ جَحَدُواْ ﴾ كفروا، ﴿ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَه ﴾ من عصى رسولا واحدا فقد عصى الرسل فإن كلامهم واحد، ﴿ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ أي : سفلتهم اتبعوا كبراءهم الطين طغوا فلم يقبلوا الحق.
﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾ قال السدي : ما بعث نبي بعد عاد إلا لعنوا على لسانه، ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَة ﴾ أي : لعنوا في الدارين، ﴿ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ ﴾ أي : نعمه أو بربهم فحذف الجار، ﴿ أَلاَ بُعْدًا ﴾ من رحمته وهلاكا، ﴿ لِّعَادٍ قَوْمِ هُود ﴾ جيء بعطف البنان للتمييز عن عاد الإرم قيل : ينادي في القيامة فقوله :﴿ ألا إن عادا ﴾ إلخ.
﴿ وَإِلَى ثَمُودَ ﴾ عطف على ( وإلى عاد )، ﴿ أَخَاهُمْ ﴾ واحد منهم، ﴿ صَالِحًا ﴾ عطف بيان، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ صفة تابعة لمحل الموصوف، ﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ ﴾ فإنهم من آدم وآدم من تراب، ﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ أقدركم على عمارتها، وعن الضحاك أطال عمركم فيها فإن الواحد منهم يعيش ثلاثمائة إلى ألف سنة، ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ لما مضى، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ ﴾ فيما بقي، ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ ﴾ يسمع أو قريب الرحمة، ﴿ مُّجِيبٌ ﴾ لداعيه.
﴿ قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا ﴾ نرجو أن تكون لنا سيدا مستشارا في الأمور لما نرى فيك من الرشد، ﴿ أَتَنْهَانَا أَن َنعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا١ عدوا هذا النهي منه بلاهة وسبه جنون، ﴿ وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ﴾ من التبرء عن الأوثان، ﴿ مُرِيبٍ٢ موقع في الريبة.
١ حكاية حال ماضية وإلا فالواجب أن يقال: ما عبد آباؤنا/ ١٢ منه..
٢ من أرابه إذ أوقعه في الريبة وهو على الإسناد المجازي لأن الرب هو ذلك الشخص الذي له الشك، لكن لما كان الشك سبب تشكيك المشكك ولولاه لما قدر على التشكيك أنده إليه / ١٢..
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً ﴾ يقين وبصيرة، ﴿ مِّن رَّبِّي ﴾ وحرف الشك باعتبار المخاطبين، ﴿ وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً ﴾ نبوة، ﴿ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ ﴾ يمنعني من عذابه، ﴿ إِنْ عَصَيْتُهُ ﴾ في تبليغ الرسالة، ﴿ فَمَا تَزِيدُونَنِي ﴾ إذن حينئذ، ﴿ غَيْرَ تَخْسِيرٍ ﴾ غير أن تخسروا أعمالي وتبطلوا أو ما تزيدونني بما تقولون إلا أن أنسبكم إلى الخسران.
﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً ﴾ آية حال، ولكم حال منها أو بيان، ﴿ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ عاجل.
﴿ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ ﴾ لهم صالح، ﴿ تَمَتَّعُواْ ﴾ : عيشوا، ﴿ فِي دَارِكُمْ ﴾ الدنيا أو منازلكم، ﴿ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ﴾ ثم تهلكون، ﴿ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ مصدر كالمجلود والمصدوقة أو غير مكذوب فيه فاتسع فيه بإجرائه مجرى المفعول به كيوم شهدناه١ سليما وعامرا.
١ أي: شهدنا فيه /١٢..
﴿ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ ﴾ عطف على نجينا بتقدير : ونجيناهم من خزي، ﴿ يَوْمِئِذٍ ﴾ يوم هلاكهم بالصيحة قيل : يوم القيامة، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيز ﴾ القادر الغالب.
﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ﴾ كان عذابهم صيحة من السماء وزلزلة من الأرض به تقطعت قلوبهم في صدورهم، ﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِين ﴾ خامدين ميتين.
﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ ﴾ : لم يقيموا ولم يكونوا، ﴿ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدً ﴾ من رحمة الله، ﴿ لِّثَمُودَ ﴾ وصرف١ ثمود للذهاب إلى الحي أو الأب الأكبر.
١ وعدم صرفه للتعريف والتأنيث لأنه بمعنى القبيلة / ١٢..
﴿ وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا ﴾ أي : الملائكة، ﴿ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى١ ببشارة الولد وقيل بهلاك قوم لوط، ﴿ قَالُواْ سَلاَمًا ﴾ سلمنا عليك سلاما، ﴿ قَالَ سَلاَمٌ ﴾ أي عليكم سلام، ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ أي : فما أبطأ مجيئه بعجل٢ مشوي على الحجارة المحماة أو ما أبطأ في المجيء به أي : أسرع في ضيافتهم وكانت عامة ماله البقرة*.
١ أدرج شيئا من أخبار إبراهيم – عليه الصلاة والسلام - بين قصة صلح ولوط؛ لأن له مدخلا في قصة لوط وكان ابن خلة لوط والرسل اللائكة، قال ابن عباس: اثنا عشر ملكا بشروا إبراهيم بثلاث بشائر بالولد والخلة و إنجاء لوط ومن آمن معه/١٢ وجيز..
٢ على الوجه الأول فاعل "فما لبث أن جاء"، وعلى الثاني ضمير إبراهيم وحذف في وحذف حرف الجر عن أن وان شائع /١٢ منه..
﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾ لا يمدون إليه أيديهم، ﴿ نكِرَهُمْ ﴾ أنكر ذلك منهم، ﴿ وَأَوْجَسَ ﴾ أدرك، ﴿ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ لأن الضيف إذا أتى بشر لا يأكل، ﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ بالعذاب.
﴿ وَامْرَأَتُهُ ﴾ سارة١ ﴿ قَائِمَةٌ ﴾ وراء الستر أو قائمة٢ بخدمتهم، ﴿ فَضَحِكَتْ ﴾ سرورا٣ بالأمن أو تعجبا، وقالت : يا عجبا بأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة وهم لا يأكلون طعامنا أو تعجبا من خوف إبراهيم من رجال قلائل وهو بين خدمه وحشمه، أو ضحكت حاضت٤ ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ بشروها بأن لها ولدا يكون له عقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق ونصب يعقوب لأنه في تقدير وهبناها من وراء إسحاق يعقوب، أو بحذف حرف الجر وإيصال الفعل، ومن قرأ بالرفع فهو مبتدأ، أي : ويعقوب مولود من بعده.
١ سارة ابنة عمه هارون بن ناحورا قائمة في: بخدمة الأضياف وهن لا يحتجبن كعادة العرب ونازلة البوادي وكانت عجوزا وخدمة الضيفان من مكارم الأخلاق /١٢ وجيز..
٢ على الأول القيام على حقيقة وعلى الثاني مجز /١٢ منه..
٣ قاله ابن جريج وهو الأظهر وقيل: سرورا بهلاك أهل الفساد وغفلتهم وغرورهم /١٢ منه..
٤ قاله العوفي عن ابن عباس، وكذا قاله عكرمة ومجاهد، يقال: ضحكت السمرة إذا سال صمغها/١٢ منه. [لكن سياق الآيات يرد هذا التأويل]..
﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى ﴾ أي : يا عجبا، ﴿ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ ﴾ ابنة تسعين أو تسع وتسعين، ﴿ وَهذَا بَعْلِي ﴾ : زوجي، ﴿ شَيْخًا ﴾ ابن مائة وعشرين أو مائة نصبة، ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾.
﴿ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ﴾ قدرته، ﴿ رَحْمَتُ١ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ ﴾ فتخصيصكم بمزيد لكرامات لا عجب، ﴿ أَهْلَ الْبَيْتِ٢ أي : أهل بيت إبراهيم وهو خبر من الملائكة أو دعاء منهم، ﴿ إِنَّهُ حَمِيدٌ ﴾ محمود في أفعاله، ﴿ مَّجِيدٌ ﴾ كريم.
١ قوله "رحمة الله" جملة مستأنفة علل بها إنكار التعجب كأنه قيل إياك والتعجب فإن أمثال هذه الرحمة متكاثرة من الله عليكم /١٢ منه..
٢ فيه دليل على أن أزواج الرجل من أهل بيته، عن ابن عباس أنه كان ينهي عن أن يزاد في جواب التحية على قولهم عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويتلو هذه الآية وعن ابن عمر نحوه /١٢..
﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ﴾ بأن عرفهم، ﴿ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوط ﴾ أي : يجادل رسلنا في أمرهم كيف تهلكونهم وفيهم لوط ويجيء جواب لما مضارعا لحكاية الحال، أو تقديره : أخذ يجادلنا أو اجترأ على خطابنا يجادلنا قيل : لما ترد المضارع إلى معنى الماضي.
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ ﴾ كثير التأسف على الذنوب، ﴿ مُّنِيبٌ ﴾ راجع إلى الله تعالى يعني رقة قلبه وفرط ترحمه باعثه إلى المجادلة.
﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ أي : قالت الملائكة، ﴿ أعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ الجدال، ﴿ إِنَّهُ ﴾ إن الشأن، ﴿ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ : عذابه، ﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ بجدال ودعاء.
﴿ لَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا ﴾ أي : هذه الملائكة، ﴿ لُوطًا سِيءَ بِهِمْ ﴾ حزن بمجيئهم وساءة، ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ﴾ طاقة، يقال : ضقت للأمر إذا لم يطقه١ وذلك لأنهم جاءوا في أحسن صورة غلمان فخاف عليهم من خبث قومه وعدم قوته بمدافعتهم، ﴿ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ شديد بلاؤه وقد نقل أن امرأة٢ لوط خرجت فأخبرت قومها بأن في بيته غلمانا حسانا.
١ يقال: فلان رحب الذراع إذا كان مطيقا له وذلك لأن الشخص إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير الذراع فضرب ضد ذلك مثلا للعجز /١٢ منه..
٢ قاله السدي الكبير وقتادة /١٢..
﴿ وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ١ِ ﴾ يسرعون، ﴿ إِلَيْه ﴾ عجلة لنيلهم مطلوبهم من أضيافه، ﴿ وَمِن قَبْل ﴾ قبل ذلك الوقت، ﴿ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ٢ يأتون الرجال يعني هذا عادتهم من قديم الأيام، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي ﴾ أي : فتزوجوهن٣ واتركوا أضيافي وكانوا يطلبونهن قبل ذلك ولا يجيبهم، وكان تزويج المسلمة من الكافر جائزا أو المراد من البنات نساؤهم ٤ وأضاف إلى نفسه ؛ لأن كل نبي أبو أمته، ﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ من نكاح الرجال، َ﴿ فاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ ﴾ لا تفضحوني، ﴿ فِي ﴾ شأن، ﴿ ضَيْفِي ﴾ فإخزاء ضيف الشخص إخزاؤه، ﴿ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ يعرف حقية ما أقول.
١ كأنما يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه /١٢ منه..
٢ و الله سبحانه ما سمى إتيان الرجال باسمه في القرآن؛ بل ذكره بالخبائث أو بالسيئات لنهاية قباحة /١٢ وجيز..
٣ على هذا بناتي على حقيقة وعلى الثاني محاز/١٢..
٤ قاله مجاهد وسعيد بن جبير وابن جريج/١٢. [ومنه قوله صلى الله عليه و سلم: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد" وانظر صحيح الجامع (٢٣٤٦)]..
﴿ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ﴾ من حاجة، ﴿ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ من إتيان الرجال.
﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ﴾ قويت بنفسي على دفعكم، ﴿ أَوْ آوِي ﴾ : أنضم، ﴿ إِلَى رُكْنٍ١ شَدِيدٍ ﴾ إلى قوي أستند إليه شبهه بركن الجبل في شدته ومنعته، وجواب لو محذوف أي : لفعلت وصنعت بكم كيت وكيت.
١ مراده بركن شديد العشيرة وما يمتنع به عنهم هو ومن معه، وإنما قال ذلك؛ لأنه لم يكن من قومه نسبا؛ بل كان غريبا فيهم، لأنه كان أولا بالعراق مع إبراهيم فلما هاجر إلى الشام أرسله الله إلى أهل سدوم وهي قرية عند حمص قال أبو هريرة ما بعث الله نبيا بعده إلا في منعة من عشيرته /١٢ فبح. في البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (رحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد). الحديث..
﴿ قَالُواْ ﴾ أي : الملائكة، ﴿ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ ﴾ إلى إضرارك بإضرارها، ﴿ فَأَسْرِ ﴾ : يا لوط، ﴿ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ ﴾ : بطائفة، ﴿ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ ﴾ استثناء من قوله فأسر بأهلك، أي : لا تسر بها وخلفها ومن قرأ مرفوعا فهو استثناء من قوله لا يلتفت منكم أحد يعني إذا سمعتم ما نزل بهم من الأصوات المزعجة فاستمروا ذاهبين ولا يلتفت منكم أحد إلا إمرتك فإنا لا نمنعها من الالتفات وقيل الاستثناء منقطع ومن الإسرائيليات أنها كانت معهم ولما سمعت أصوات البلاء التفتت وقالت : واقوماه فأدركها حجر١ فقتلها ولا يجوز قطعا حمل القراءتين على الرايتين في أن خلفها أو أخرجها، ولذلك قيل : إنها سرت معهم بنفسها لا أنه أخرجها والنهي عن إخراجها لا عن مصاحبتها قيل : الاستثناء بقراءة النصب أيضا عن قوله لا يلتفت وإن كان الأفصح الرفع حينئذ، ﴿ إِنَّهُ ﴾ الشأن، ﴿ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ﴾ من العذاب، ﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ﴾ أي : موعد عذابهم، ﴿ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ ٢بِقَرِيبٍ ﴾ جواب لاستعجال لوط عذابهم.
١ وأما حمل القراءتين على الروايتين في أنه خلفها أو خرجت مع زوجها فباطل وما أوقع الزمخشري في تلك الوقيعة إلا شؤم عقيدته أن اختلاف القراءات من عند أنفسهم لا من الله كما صرح في مواضع كاد أن يكفر بذلك/١٢ وجيز..
٢ روي أن لوطا خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر طوى الله له الأرض حتى نجى ووصل إلى إبراهيم عليه السلام /١٢ وجيز..
﴿ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ﴾ : بالعذاب، ﴿ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾ أدخل جبريل عليه السلام جناحه تحت قريتهم فقلعها وصعد بها إلى السماء ثم قلبها وفيها أربعمائة ألف أو أربعة آلاف ألف، ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ على تلك القرية قبل التقليب أو حين التقليب، ﴿ حِجَارَةً ﴾ أو كانت الحجارة على شدادهم ومسافريهم١، ﴿ مِّن سِجِّيلٍ ﴾ أصله سنك٢ كل أي : حجر وطين فارسية معربة أو الطين أو الآجر قيل اسم لسماء الدنيا أو لجبل فيها، ﴿ مَّنضُودٍ ﴾ متتابع أو معد في السماء لذلك.
١ روي أن رجلا منهم كان (*) في الحرم فبقي الحجر معلقا في الهواء حتى خرج من الحرم فأصابه الحجر /١٢ وجيز..
٢ قاله ابن عباس /١٢ وجيز.
* زيادة ليست بالأصل اقتضاها السياق..

﴿ مُّسَوَّمَةً ﴾ معلمة مكتوبا فيها اسم من يقتل بها، أو معلمة بسيما١ متميزة عن أحجار الأرض، ﴿ عِندَ رَبِّكَ ﴾ في خزائنه، ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ ما هذه النقمة ممن يشبههم ببعيد، وقيل معناه : ما هذه القرى من ظالمي مكة ببعيد يمرون عليها في أسفارهم إلى الشام وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان.
١ السيما مقصور من الواو، قال تعالى: "سيماهم في وجوههم" (الفتح: ٢٩) وقد يجيء ممدودا/ منه..
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ ﴾ اسم بلدة، ﴿ أَخَاهُمْ ﴾ من أشرافهم نسبا، ﴿ شُعَيْبًا١ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ﴾ وحده، ﴿ مَا لَكم٢ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ٣ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ﴾ نهاهم عن هذا بعد الإيمان ؛ لأنهم اعتادوا البخس، ﴿ إِنِّيَ أَرَاكُم٤ بِخَيْرٍ ﴾ موسرين في نعمة وخصب لا حاجة لكم إلى التطفيف، ﴿ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ وعدهم بعذاب يحيط بهم فلا يفلت منهم أحد ووصف اليوم بالإحاطة لاستماله على عذاب محيط.
١ ابن ميكائيل ابن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام/١٢ فتح..
٢ اعلم أن الأنبياء ـ عليهم السلام ـ يشرعون في أول الأمر بالدعوة إلى التوحيد، فلهذا قال شعيب عليه السلام: (مالكم من إله غيره) ثم إنهم بعد الدعوة إلى التوحيد، يشرعون في الأهم ثم الأهم / ١٢ كبير..
٣ كما مر غير مرة أن رفع غيره بأنه صفة تابعة لمحل إله وجاز أن يكون اسم ما ومن إله بيان /١٢..
٤ بثروة واسعة في الرزق تغنيكم عن البخس فلا تغيروا نعمة الله عليم بمعصيته والإضرار بعباده وهذه النعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكرا عليها لا تنقصوا حقوقهم ثم ذكر بعد العلة علة أخرى فقال: "وإني أخاف" /١٢ منه..
﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ﴾ أمر بالإيفاء بعد أن نهى عن ضده مبالغة، ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ بالعدل والسوية، ﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ١ لا تنقصوا، ﴿ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ﴾ تعميم بعد تخصيص وقيل : كانوا مكاسين، ﴿ وَلاَ تَعْثَوْاْ ﴾ لا تبالغوا، ﴿ فِي الأَرْضِ ﴾ بالفساد حال كونكم، ﴿ مُفْسِدِينَ٢ وقد كانوا يقطعون الطريق.
١ البخس النقص ويقال للمكس البخس/١٢ منه..
٢ قيل: معناه لا تفسدوا في الأرض حال كونكم مفسدين أمر دينكم ومصالح آخرتكم/١٢ منه..
﴿ بَقِيَّت اللّهِ ﴾ ما أبقى الله من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن، ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ مما تأخذونه بالتطفيف أو طاعة الله خير لكم، ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ بشرط الإيمان فإن الثواب بالأعمال مشروط بالإيمان أو إن كنتم مؤمنين مصدقين لي، ﴿ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾ أحفظكم عن القبائح و إنما أنا ناصح.
﴿ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ ﴾ بتكليف١، ﴿ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾ من الأصنام أجابوه على سبيل التهكم وكان عليه السلام كثير الصلاة، ﴿ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا ٢مَا نَشَاء ﴾ عطف على ما، أي : و أن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا، ما نشاء قيل : عطف على أن نترك بتقدير أصلاتك تأمرك بنهيك عن أن نفعل إلخ، ﴿ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ قالوا ذلك استهزاء وأرادوا ضدهما أو أنت حليم رشيد فكيف تبادر على مثل كلام المجانين.
١ قدرنا هذا المضاف لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره /١٢ منه..
٢ وكان عليه السلام ينهاهم عن البخس و التطفيف/١٢ منه..
﴿ قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ ﴾ حجة وبصيرة، ﴿ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ ﴾ من الله بلا كد مني، ﴿ رِزْقًا حَسَنًا١، حلالا وكان عليه السلام كثير المال، أو أراد من الرزق الحسن العلم والمعرفة وجواب الشرط محذوف، أي : فهل يجوز لي الخيانة في الوحي والمخالفة في أمره ونهيه، ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ٢ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ ما أريد أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستقل بها دونكم، ﴿ إِنْ أُرِيدُ ﴾ فيما آمركم وأنهاكم، ﴿ إِلاَّ الإِصْلاَحَ ﴾ أي : إصلاحكم، ﴿ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ أي : ما دمت أستطيع الإصلاح فما صدرية واقعة موقع الظرف أو إصلاح ما استطعته فالموصولة مفعول الإصلاح، ولا يبعد أن يكو معناه ما قصدت إلى ما نهيتكم عنه مجرد مخالفتكم ؛ بل الإصلاح قصدي وهو الباعث إلى النهي، ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي ﴾ لإصابة الحق، ﴿ إِلاَّ بِاللّهِ ﴾ بإعانته، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ فإنه القادر المطلق، ﴿ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ في المعاد أو فيما ينزل علي من المصائب.
١ يعني: هل يسعني مع هذه النعمة أن أخون في وحيه؟ وهذا الجواب شديد المطابقة بقولهم: "إنك أنت الحليم الرشيد"، أي: كيف يليق بالحليم الرشيد أن يخالف أمر ربه و له عليه نعم كثيرة/١٢ فتح..
٢ يقال: خلفني فلان إلى كذا إذا قصد وأنت مول عنه و خالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده/ ١٢ منه..
﴿ ويَا قَوْمِ لاَ يَجْرِ مَنَّكُمْ١ لا يكسبنكم، ﴿ شِقَاقِي ﴾ عداوتي، ﴿ أَن يُصِيبَكُم ﴾ ثاني مفعوليه فإنه يتعدى إلى واحد وإلى اثنين ككسب، ﴿ مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ ﴾ من الغرق، ﴿ أَوْ قَوْمَ هُودٍ ﴾ من الريح المهلكة، ﴿ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ﴾ من الصيحة، ﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾ زمانا فلا تنسوهم، أو مكانا فإنهم جيران قوم لوط ولم يقل ببعيدة ولا ببعيدين لأن المراد، وما إهلاكهم ببعيد أو لأنه يستوي في مثله المذكر والمؤنث لأنه على زنة المصادر كالصهيل والشهيق.
١ يقال: جرمته ذنبا وكسبته إياه وجرم ذنبا وكسبه/ ١٢ منه..
﴿ وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ﴾ عما سلف، ﴿ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْه ﴾ فيما بقي من عمركم، ﴿ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ فاعل بالتائبين ما يفعل البليغ المودة بمن يوده.
﴿ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ ﴾ قالوه على وجه الاستهانة كما تقول بمن لم تعبأ بحديثه ما أدري ما تقول، ﴿ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا١ لأنه كان أعمى أو لأنهلا خدم ولا عسكر له، ﴿ وَلَوْلاَ رَهْطُكَ ﴾ أي : عزتهم فإنهن على ديننا والرهط من الثلاثة إلى العشرة، ﴿ لَرَجَمْنَاكَ ﴾ قتلناك بأذل وجه، ﴿ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز ﴾ يمنعنا عزك عن الرجم.
١ ليس معنى الضعيف الأعمى حتى يلزم أن قوله فينا لا يناسبه؛ لأنه لا يقال أنت أعمى فينا؛ بل معناه أنت فينا ضعيف لأنك أعمى و كلام بعض السلف نحمله على ما قلنا لا على ما حمله الزمخشرى فرده تأمل / ١٢ منه. عن سعيد بن جبير قال كان أعمى من بكائه من حب لله عز وجل وعن شداد مرفوعا بكى شعيب عليه السلام من حب الله حتى عمى أخرجه ابن عساكر/١٢ فتح. [ضعيف جدا، انظر الضعيفة (٩٩٨)]..
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ ﴾ فإنكم تبقون علي لرهطي ولا تبقون علي لله وأنا رسوله، ﴿ وَاتَّخَذْتُمُوهُ ﴾ أي : الله، ﴿ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا ﴾ جعلتموه كالشيء الملقي وراء الظهر وهو منسوب إلى الظهر والكسر من تغيرات النسب كالإمسي في الأمس، ﴿ إِنَّ رَبِّي ﴾، أي : علمه، ﴿ بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ فيجازي عليه.
﴿ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ١ أي : قارين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك أو على تمكنكم من أمركم، ﴿ إِنِّي عَامِلٌ ﴾ ما أنا عليه، ﴿ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ استئناف كأنه قيل فماذا يكون بعد ذلك ؟ فقال : سوف تعلمون، ﴿ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ﴾ أي : سوف تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب فإنهم أوعدوه وسموه كاذبا، أو من استفهامية منقطعة عن سوف تعلمون أي : أينا يأتيه إلخ، ﴿ وَارْتَقِبُواْ ﴾ انتظروا ما أقول لكم، ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ منتظر.
١ المكانة إما من المكان فاستعير العين للمعنى أو من مكن مكانة فهو مكين فيكون مصدرا وأشار الشارح إلى أنه حال /١٢ منه..
﴿ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا ﴾ عذابنا، ﴿ نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ ﴾ صاح بهم جبريل فهلكوا، ﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ ميتين، الجثوم : اللزوم في المكان.
﴿ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ﴾ لم يكونوا فيها، ﴿ أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ ﴾ هلاكا لهم، ﴿ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ﴾ فإن عذابهم أيضا صيحة قيل : صيحة أهل مدين من فوق وصيحتهم من تحت ثم أعلم أن الصيحة والرجفة وعذاب يوم الظلة كلها مدين١.
١ فلا ينافي أنه أثبت لهم في بعض المواضع الصيحة وفي بعضها للرجفة وفي بعضها عذاب يوم الظلة /١٢ منه..
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ التوراة أو المعجزات والحجج الواضحة سيما العصى.
﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ ﴾ أي : الملأ، ﴿ أَمْرَ فِرْعَوْنَ ﴾ : في الكفر بموسى، ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد ﴾ مرشد إلى الخير.
﴿ يَقْدُمُ ١قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ أي : يتقدمهم إلى النار فهو في الدارين قدوتهم، ﴿ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ﴾ جاء بلفظ الماضي مبالغة في تحققه، ﴿ وَبِئْسَ الْوِرْدُ ﴾ أي : المورد، ﴿ الْمَوْرُودُ ﴾ أي : الذي يردونه والمخصوص بالذم، أي : النار نزل النار لهم منزلة الماء ثم قبحه ؛ لأن الورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار ضده والآية كالدليل على قوله :" وما أمر فرعون برشيد ".
١ يقال: قدمه بمعنى تقدمه كما يقال قدم بالتشديد بمعنى تقدمه ومنه الجيش/ ١٢ منه..
﴿ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ ﴾ أي : الدنيا، ﴿ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾، فإنهم ملعونون في الدارين، ﴿ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ﴾ العون المعان أو العطاء المعطى والمخصوص بالذم محذوف، أي : رفدهم وهو لعنة بعد لعنة.
﴿ ذَلِكَ ﴾ : النبأ، ﴿ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى ﴾ : المهلكة، ﴿ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ﴾ خبر بعد خبر، ﴿ مِنْهَا قَائِمٌ ﴾ بقيت آثاره كالحيطان، ﴿ وَحَصِيدٌ ﴾ أي : ومنها عافي الأثر والجملة مستأنفة.
﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ فاستحقوا العذاب، ﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ ﴾ ما دفعت عنهم، ﴿ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ ﴾ شيئا من عذابه، ﴿ لِّمَّا جَاء ﴾ حين جاء، ﴿ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ عذابه، ﴿ وَمَا زَادُوهُمْ ﴾ أي : ما زاد الآلهة الظالمين، ﴿ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ بلاء وتخسير.
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ مثل ذلك، ﴿ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ﴾ أهل، ﴿ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ حال من القرى وعلى الحقيقة لأهلها، ﴿ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ١ وجيع صعب.
١ وفي الحديث: "أن الله سبحانه وتعالى يملى الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ "وكذلك أخذ ربك" الآية رواه البخاري ومسلم وغيرهما ولا تظن أن الآية حكمها مختص بظالمي الأمم الماضية؛ بل هو عام في كل ظالم ويعضده الحديث/١٢ فتح..
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي : هلاك تلك الأمم أو الأنباء بإهلاكهم، ﴿ لآيَةً ﴾ : عبرة، ﴿ لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ﴾ فيجعلها أنموذجا ودليلا على صدق ما أعد الله تعالى للمجرمين، ﴿ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى ما دل عليه عذاب الآخرة، أي : يوم القيامة، ﴿ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ﴾ لأن يجازيهم، ﴿ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ فيه الخلائق البر والفاجر اتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به، أو المراد بالمشهود الذي كثر شاهدوه.
﴿ وَمَا نُؤَخِّرُهُ ﴾ أي : اليوم، ﴿ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ الأجل يطلق على مدة التأجيل وعلى منتهاها والعد للمدة لا لغايتها فتقديره إلا الانتهاء أجل معدود على حذف المضاف.
﴿ يَوْمَ يَأْتِ١ ذلك اليوم المعين على أن يوم بمعنى حين، ﴿ لاَ تَكَلَّمُ ﴾ : لا تتكلم، ﴿ نَفْسٌ ﴾ وهو الناصب للظرف، ﴿ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ : بإذن الله تعالى، وهذا في موقف ويوم لا ينطقون في موقف آخر، ﴿ فَمِنْهُمْ ﴾ الضمير لأهل الموقف دل عليه قوله لا تكلم نفس، ﴿ شَقِيٌّ ﴾ منهم٢ ﴿ وَسَعِيدٌ ﴾.
١ قيل: ضمير يأت إلى الله نحو "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله" /١٢ منه..
٢ قد استدل بهذه الآية على أن أهل الموقف قسمان لا ثالث لهما وظاهر الآية والحديث يدل على ذلك لكن بقي قسم آخر مسكوت عنه وهو من استوت حسناته وسيئاته أو لا حسنات لهم ولا سيئات كالمجانين والأطفال فهم تحت مشيئته يحكم فيهم بما شاء وتخصيص القسمين لا ينفي القسم الثالث/١٢ فتح..
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ الزفير إخراج النفس والشهيق رده، أو الصوت الشديد والضعيف، أو الزفير أول نهيق الحمار والشهيق آخره إذا ردده في جوفه.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ١ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾، أي : أبدا دائما لا ينقطع، والعرب إذا أراد التأبيد قال : دائم دوام السماوات والأرض، ﴿ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ﴾ استثناء من الخلود فإنه ليس لبعضهم وهم فساق الأمة خلود وهم الأشقياء من وجه٢ وهو المراد بالاستثناء الثاني٣ فإنهم ليسوا في الجنة مدة عذابهم والتأكيد من مبدأ معين كما ينتقص من الانتهاء ينتقص من الابتداء وهو المنقول عن كثير من السلف٤ أو هو كقولك : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك مع أن عزيمتك على ضربه فعلى هذا الاستثناء في الموضعين لبيان أنه لو أراد عدم خلودهم لقدر لا أنه واجب عليه ويؤيده قوله :" إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ " أو هو من باب " حتى يلج الجمل في سم٥ الخياط " ( الأعراف : ٤٠ )، " ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " ( الدخان : ٥٦ ) على إحدى التأويلات أو المستثنى توقفهم في الموقف أو مدة لبثهم في الدنيا والبرزخ أو الاستثناء لخروج الكل من النار إلى الزمهرير ومن الجنة إلى المراتب والمنازل٦ الأرفع، ﴿ إن ربك فعال لما يريد ﴾ حاكم غير محكوم.
١ قوله تعالى: "خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك" وفي المناوي الكبير على الجامع الصغير ما نصه تنبيه ما ذ كرته آنفا أن من عذاب الكفار في جهنم دائم أبدا ما دلت عليه الآية والأخبار وأطبق عليه جمهور الأمة سلفا و خلفا، ووراء ذلك أقوال يجب تأويلها فمنها ما ذهب إليه الشيخ محيي الدين ابن عربي أنهم يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم، فإن الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز، وقال: "فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله" (إبراهيم: ٤٧)، ولم يقل وعيده بل قال: "ونتجاوز عن سيئاتهم" (الأحقاف: ١٦) مع أنه توعد على ذلك وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وقال في موضع آخر أن أهل النار إذا أدخلوها لا يزالون خائفين مترقبين أن يخرجوا منها فإذا أغلقت عليهم أبوابها اطمأنوا لأنها خلقت على وفق طباعهم، قال الحافظ ابن القيم: وهذا في طرف أي جهة والمعتزلة القائلون بأنه يجب على الله تعذيب من توعده بالعذاب في طرف آخر فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أبدا والقولان مخالفان لما علم بالاضطرار أن الرسول جاس به وأخبر به عن الله، ومنهما قول جميع لنار تفني فإنه تعالى جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم يزول عذابها لهذه الآية، وقوله تعالى: "لابثين فيه أحقابا" (النبأ: ٢٣) قال هؤلاء: وليس في القرآن دلالة على بقاء النار وعدم فنائها إنما الذي فيه أن الكفار خالدين فيها وأنهم غير خارجين منها وأنه لا يفتر عنهم عذابها وأنهم لا يموتون وأن عذابهم فيها مقيم وأنه غرام لازم و هذا لا نزاع فيه من الصحابة والتابعين، إنما النزاع في أمر آخر وهو أن النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يدخلون الجنة فلم يختلف فيه أحد من أهل السنة، وفقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه القول بفنائها عن جمع من الصحابة والتابعين وقد نصر هذا القول ابن القيم كشيخه وابن تيمية وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه، وقد أول ذلك كله الجمهور وأجابوا عن الآيات المذكورة بنحو عشرين وجها وعما نقل عن أولئك الصحب بأن معناه فيها أحد من عصاة المؤمنين أما مواضع الكفار فهي ممتلئة منهم لا يخرجون عنها أبدا كما ذكره الله في آيات كثيرة انتهى كلامه، قلت و بالله التوفيق: أخرج ابن المنذر عن عمر قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج [موضع بالبادية بها رمل] لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه. وروى عبد بن حميد بإسناد رجاله ثقات عن عمر نحوه وأخرج ابن راهويه عن أبي هريرة قال: سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد و قرأ "فأما الذين شقوا" وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن لآية أرجى لأهل النار من هذه الآية "خالدين فيها" إلخ، قال: وقال ابن مسعود: ليأتين عليه زمان تخفق أبوابها، وروى أحمد عن ابن عمر بن العاص: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وحكاه البغوي وغيره عن أبي هريرة وغيره وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: جهنم أسرع الدارين عمرنا وأسرعها خرابا، وعن قتادة قال: الله أعلم بثنياه على ما وقعت وقد روى عن جماعة من السلف مثل ما ذكره ابن مسعود وعمر و أبو هريرة كابن عباس وابن عمر وجابر وأبي سعيد من الصحابة وعن أبي مجلز وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما من التابعين وورد في ذلك حديث في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي وإسناده ضعيف، وقد ثبت بذلك صحة ما نقله شيخ الإسلام بن تيمية عن هؤلاء وانتصره الحافظ ابن القيم ووضح وهن ما قاله ابن حجر والمناوي عليهما وإن كان لاشك في أن الراجح هو الأول، ولقد تكلم صاحب الكشاف في هذا الموضع بما كان له في تركه سعة وفي السكوت عنه غنى فقال: ولا يخدعنك قول المجبرة أن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله تعالى لما روي لهم بعض الثوابت عن ابن عمرو وليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، ثم قال: وأقول ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث انتهى. قال الشوكاني: وأقول أما الطعن على من قال بخروج أهل الكبائر من النار فالقائل بذلك يا مسكين رسول لله صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في دواوين الإسلام التي هي دفاتر السنة المطهرة، وكما صح عنه في غيرها من طرف جماعة من الصحابة يبلغون عدد التواتر فما لك والطعن على قوم ما عرفوا ما جهلته وعملوا بما أنت عنه في مسافة بعيدة، و أي مانع من حمل الاستثناء على هذا الذي جاءت به الأدلة الصحيحة الكثير كما ذهب إلى ذلك، وقال به جمهور العلماء من السلف والخلف، وأما ما ظننته من أن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم فلا مناداة ولا مخالفة، وأي مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة فالاستثناء الأول يحمل على معنى (إلا ما شاء ربك) من خرج العصاة من هذه الأمة من النار، والاستثناء الثاني يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم وذلك لتأخر دخولهم إليها مقدار المدة التي لبثوا فيها في النار، وقد قال بهذا من أهل العلم من قدمنا ذكره وبه قال ابن عباس حبر الأمة، وأما الطعن على صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمر رضي الله عنه فإلى أين يا محمود أتدري ما صنعت وفي أي واد وقعت وعلى أي جنب سقطت ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان و تتناول نجوم السماء بيدك القصيرة ورجلك العرجاء أما كان لك في مكسري طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري فيا لله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه/١٢ فتح البيان..
٢ والسعداء من وجه، لأنهم أشقياء لعصيانهم سعداء بإيمانهم /١٢..
٣ أي: في قوله: "وأما الذين سعدوا" إلخ./١٢..
٤ رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وهو قول الضحاك وقتادة وغيرهما/١٢..
٥ كأنه قال هم مخلدون في الجنة أو النار إلا أن يشاء الله خروجهم ومشيئة الله منتف بموجب وعده فخروجهم محال هذا ما في المنهية، وفي الوجيز بعد نقل هذا القول ولذلك قال: (ربك فعال لما يريد) هذا وباقي التوجيهات تمحلات علمتها إن تأملت/١٢..
٦ وفيه تمحل؛ لأن المنازل الأرفع ليست بخارجة من الجنة/١٢ وجيز..
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ قيل المراد منهما سماوات الآخرة وأرضها وهما مؤبدان، ﴿ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ﴾ والأحسن عندي في الاستثناءين قول قتادة والله أعلم بثنياه اعترف رضي الله عنه بالعجز عن الفهم وأحال العلم على الله تعالى١، ﴿ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ غير مقطوع ونصبه على الحال أو المصدر المؤكد صرح في الجنة بأنها غير مقطوع لئلا يتوهم متوهم بعد ذكر المشيئة أن ثمة انقطاعا ولم يذكر في شق النار.
١ وعندي أن القول ما قالت حذام /١٢وجيز..
﴿ فَلاَ تَكُ ١فِي مِرْيَةٍ ﴾ شك، ﴿ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء ﴾ من عبادة المشركين في أنها ضلال تؤدي إلى مثل ما حل بمن قبلهم، ﴿ مَا يَعْبُدُونَ ﴾ عبادة، ﴿ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم ﴾ إلا كعبادتهم٢، ﴿ مِّن قَبْلُ ﴾ استئناف٣ أي : هم وآباؤهم سواء لا مستهد لهم في الشرك وتقديره : كما كان يعبد وحذف كان لدلالة قبل عليه، ﴿ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُم ﴾ حظهم من الجزاء، ﴿ غَيْرَ مَنقُوصٍ ﴾ حال مقيدة٤ إنه يقال وفيته نصيبه منصفا٥.
١ لما ذكر قصص عبدة الأوثان و أتبع ذلك بذكر أحواله وأحوال الموحدين السعداء أراد أن يبين أن عبادة غير الله تقليد وجهل فقال: "فلاتك" الآية/١٢ وجيز..
٢ على ما فسرنا يكون ما في كما مصدرية وجاز أن يكون موصولة، أي: ما يعبدون شيئا إلا مثل ما عبدوه من الأوثان/١٢ منه..
٣ يعني ما يعبدون استئناف /١٢..
٤ فيه إشارة إلى أنه خال مقيدة لا مؤكدة، والحق ما قاله الزمخشري لا ما قاله صاحب الانتصاف/١٢..
٥ معناه أعطيت النصف كاملا من غير نقص في النصفية/١٢..
﴿ و١ لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ﴾ بأن آمن به بعض وكفر به بعض كما اختلف في القرآن، ﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ بتأخير العذاب عن قومك، ﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ لفرغ من جزائهم، ﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ من القرآن، ﴿ مُرِيبٍ ﴾ موقع للريبة.
١ ولما ذكر في هذه الآية إعراض قومه عن الاتباع ما أتى به من الآيات سلاه بأخيه موسى عليه السلام فقال: "ولقد آتينا موسى" الآية/١٢ وجيز..
﴿ وَإِنَّ كُلاًّ ﴾ جميع المختلفين من المؤمنين والكافرين وإن مع أنه مخففة عمل باعتبار الأصل والتنوين عوض عن المضاف إليه، ﴿ لَّما ﴾ ما زائدة للفصل بين لام الموطئة للقسم ولام التأكيد ومن قرأ بالتشديد فأصله لمن ما فقبلت النون ميما للإدغام فحذفت أولى الميمات الثلاث، ﴿ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي : إن جميعهم والله ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم أو لمن الذين يوفينهم إلخ، ﴿ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ١ خَبِيرٌ ﴾.
١ لما بين أمر المختلفين وعدم استقامتهم نبيه – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين معه بالاستقامة كأنه قال إن لم يستقيموا هم فاستقيموا أنتم فقال: "فاستقم" الآية /١٢ وجيز ومنه..
﴿ فَاسْتَقِمْ ﴾ استقامة١، ﴿ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ أي : مثل الاستقامة التي أمرت بها على دين ربك والدعاء إليه، ﴿ وَمَن تَابَ ﴾ عن الكفر وآمن، ﴿ مَعَكَ ﴾ عطف على ضمير استقم، ﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ ﴾ لا تخرجوا عن حدود الله، ﴿ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
١ إشارة إلى أن كما مرت صفة مصدر محذوف /١٢..
﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ ﴾، لا تميلوا١ أدنى ميل، ﴿ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ بأن تعظوهم وتستعينوا بهم، ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ بركونكم إليهم ؛ بل استقيموا كما أمرت ولا تميلوا إلى جانب، ﴿ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ﴾ أعوان يمنعونكم من عذابه والواو للحال، ﴿ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ لا تجدون من ينصركم أو لا ينصركم الله إذ سبق في حكمه أن لا يرحم على من ركن وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه.
١ قال البغوي: قال بن عباس رضي الله عنه: و لا تميلوا، والركون هو المحبة والميل بالقلب، وقال أبوا لعالية: لا ترضو ا بأعمالهم، قال السدى لا تداهنوا الظلمة، وعن عكرمة لا تطيعوهم وقال الرازي: قال المحققون: الركون المنهى عنه هو الرضاء بما عليه الظلمة من الظلم وتحسين تلك الطريقة وتزيينها عندهم، وعند غيرهم مشاركتهم في شيء من تلك الأبواب فأما مداخلتهم لدفع ضرر واجتلاب منفعة عاجلة فغير داخل في الركون، وفي النيسابوري بعد نقل هذا القول وأقول: هذا من طريق المعاش والرخصة ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية أليس الله بكاف عبده؟ انتهى، وما أحسن ما قال أبو السعود: وإذا كان حال الميل في الجملة إلى من وجد منه ظلم ما في الإفضاء إلى مساس النار هكذا فما ظنك بمن يميل إلى الراسخين في الظلم والعدوان ميلا عظيما ويتهالك على مصاحبتهم ومنادمتهم ويلقي شرائره على مؤانستهم ومعاشرتهم ويبتهج بالتزيي بزيهم ويمد عينيه إلى زهرتهم الفانية ويغبطهم بما أوتوا من القطوف الدانية وهو في الحقيقة من الحبة طفيف ومن جناح البعوض حقيق بمعزل عن أن تميل إليه القلوب ضعف الطالب والمطلوب/١٢..
﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ﴾ أحد طرفيها الصبح والآخر إما العصر أو الظهر والعصر، ﴿ وَزُلَفًا ﴾ ساعات، ﴿ مِّنَ اللَّيْلِ ﴾ قريبة من النهار العشاء أو الغرب والعشاء قيل : هذا قبل وجوب صلوات الخمس فإنه كان يجب صلاتان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى أمته ثم نسخ، ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ في الحديث١ :( إذا عملت سيئة فأتبعتها حسنة تمحوها نزلت ٢ في رجل أصاب من امرأة ما دون الجماع فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأخبره فنزل " أقم الصلاة " إلخ فقال الرجل : ألي هذا ؟ لأمتي كلهم )، ﴿ ذَلِكَ ﴾ : إشارة إلى استقم فما بعده، ﴿ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ عظة للمتعظين.
١ رواه الترمذي وغيره/١٢.[صحيح، وانظر صحيح المجامع]..
٢ كما في الصحيحين وغيرهما/١٢ وجيز..
﴿ واصْبِرْ ﴾ على حكم الله، ﴿ فإن اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ١ وعن ابن عباس – رضي الله عنهما المحسنين أي : المصلين.
١ ولما أمرت بالاستقامة وإقامة الصلاة ونهى عن الطغيان والميل إلى الظلمة وبين فائدة الحسنات أراد حض الأمة على النهي عن الفساد ليكون خير أمة أخرجت للناس فقال: "فلولا" الآية/١٢ وجيز..
﴿ فَلَوْلاَ ﴾ فهلا، ﴿ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ١ يقال : فلان من بقية القوم، أي : من خيارهم، أي : هلا كان منهم من فيه خير ينهي عن الفساد ؟ وهذا تحريض لأمة محمد عليه الصلاة والسلام كما قال :" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير " الآية ( آل عمران : ١٠٤ )، ﴿ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ من في ممن للبيان، أي : لكن قليلا منهم ٢ أنجيناهم لأنهم كذلك وجاز أن يكون الاستثناء متصلا لأن التخصيص ملزوم للنفي، أي : ما كان فيهم أو لو بقية كذا إلا قليلا وهم من أنجيناهم، ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ عطف على ما دل عليه الكلام، أي : لم ينهوا عن الفساد واتبعوا، ﴿ مَا أُتْرِفُواْ ﴾ : نعموا، ﴿ فِيهِ ﴾ من الشهوات بتحصيل أسبابها فأعرضوا عن الآخرة، ﴿ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ : كافرين، وهذا سبب استئصالهم و إهلاكهم فلا بد من الحذر عن مثل ما هم كانوا عليه.
١ لما بين أن الأمم المتقدمين حل بهم عذاب الاستئصال بين أن السبب فيه أمران ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترفه، أي: لم تهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتبعوا طلب الشهوات واللذات واشتغلوا بتحصيل الرياسات/١٢ كبير..
٢ قدمنا وجه الأول وهو أن الاستثناء منقطع لأنه إذا كان متصلا فالمختار الرفع/ ١٢ منه..
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ ﴾ ما صح وما استقام له، ﴿ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ ﴾ بشرك، ﴿ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ أي : لا يهلكهم بمجرد الشرط إذا لم يضموا إلى شركهم فسادا أو ظلما فيما بينهم ؛ بل ينزل عليهم العذاب إذا أفسدوا وظلموا١ بعضهم بعضا أو لا يهلكهم بظلم٢ منه وهم مصلحون لأعمالهم فإنه سبحانه حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرما، " وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم " ( هود : ١٠ ) وهذا توجيه وجيه لا اعتزال فيه.
١ كما نقل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم / ١٢ وجيز..
٢ على هذا التوجيه بظلم حال من الفاعل /١٢ منه..
﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ : مسلمين كلهم، ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ في الأديان والاعتقادات.
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ وهم أتباع الرسل تمسكوا بما أمروا به، ﴿ وَلِذَلِكَ ﴾ أي : للرحمة١ أو للاختلاف٢ أو لهما٣، ﴿ خَلَقَهُمْ ﴾ الضمير لمن على الأول وللناس على الآخرين، ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ قضاؤه وقدره، ﴿ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ : من عصاتهما، ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ أو منهما أجمعين لا من أحدهما.
١ قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك قال البغوي بعد نقل هذا القول: يعني الذين رحمهم /١٢..
٢ قاله الحسن وعطاء/١٢..
٣ قوله أولهما يعني خلق أهل الرحمة وأهل الاختلاف وحاصل الآية أهل الباطل مختلفون وأهل الحق متفقون فخلق الله أهل الحق للاتفاق وأهل الباطل للاختلاف /١٢ معالم..
﴿ وَكُلاًّ ﴾ التنوين عوض، أي كل نبأ، ﴿ نَّقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ وقوله :﴿ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ ﴾ بيان لكلا أو صفة لنبأه المحذوف ومن للتبعيض، ﴿ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ بدل بعض من كلا أو مفعول نقص، وكلا مفعول مطلق حينئذ، أي : كل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك و تثبيت فؤاده زيادة بقينه واحتمال الأذى، ﴿ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ ﴾ السورة، ﴿ الْحَقُّ ﴾ خص هذه السورة تشريفا وإن كان قد جاءه الحق في جميع السور أو جاءك في هذه السورة لك لأمتك، ﴿ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى ﴾ جاءتك فيها، ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي : عمت فائدة تلك السورة لك ولأمتك.
﴿ وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ : على طريقتكم تهديد شديد، ﴿ إِنَّا عَامِلُونَ ﴾ على حالنا.
﴿ وَانتَظِرُوا ﴾ بنا الدوائر، ﴿ إِنَّا ُمنتَظِرُونَ ﴾ أن يقول بكم مثل ما نزل على أمثالكم أو انتظروا ما يعدكم الشيطان إنا منتظرون ما يعدنا ربنا.
﴿ وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ لا يخفى عليه خافية، ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ في المعاد ويمكن أن يكون معناه كل الأمور راجعة إلى خلقه وقدرته فهو الفاعل على الحقيقة للأشياء، ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ١ فيجازي كلا ما يستحقه.
* " موضوع " انظر ضعيف الجامع.
* بالأصل " عليك ".
* كذا بالأصل.
١ عن ابن عباس رضي الله عنهما فال: قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب فقال – صلى الله عليه وسلم –: (شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت) أخرجه الطبراني والترمذي وحسنه، وعن أنس مرفوعا [صحيح، وراجع الصحيحة]، و"هل أتاك حديث الغاشية" رواه البزار وعن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا هود يوم الجمعة) أخرجه الدرمي وأبو داود والبيهقي وغيرهم/١٢ فتح. [وسنده ضعيف، صنيعه يوهم أن أبا داود أخرجه في سننه، وليس كذلك، وإنما أخرجه في مراسيله]..
Icon